إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث السابع

المبحث السابع

خبرة المنظمة في مجال تسوية المنازعات

أولاً: طبيعة المنازعات بين الدول الأعضاء

لم تتدخل منظمة المؤتمر الإسلامي، في معظم المنازعات، التي ثارت بين الدول الإسلامية، منذ نشأتها حتى اليوم، سوى في خمسة منازعات محددة، هي:

·   النزاع بين باكستان وبنجلاديش (1971 ـ 1974).

·   النزاع بين العراق وإيران (1980 ـ 1988).

·   النزاع بين موريتانيا والسنغال (1989).

·   النزاع بين العراق والكويت (1990 ـ 1991)

·   الحرب الأهلية الأفغانية (1989)

أمّا باقي المنازعات، فضلت المنظمة أن تترك تسويتها للتنظيمات الإقليمية الأخرى، وبالتحديد لجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، على أساس أن المنظمة من الناحية العملية، لا تتدخل إلاّ في المنازعات التي تدخل في إطار الاختصاص الإقليمي المباشر لجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية. وربما كان تدخل المنظمة في النزاع بين باكستان وبنجلاديش، وبين العراق وإيران، راجعاً إلى أن هذين النزاعين لا يقعان في إطار الاختصاص الإقليمي لتنظيم إقليمي آخر غير منظمة المؤتمر الإسلامي، كما أنها في حالة النزاع الموريتاني السنغالي تدخلت بما لا يتعارض مع اختصاصات منظمة الوحدة الأفريقية.

من هذا المنظور، يمكن تقسيم المنازعات بين الدول الأعضاء، في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى ثلاث مجموعات من المنازعات. تضم المجموعة الأولى، المنازعات التي تجاهلتها المنظمة، كالنزاع المغربي ـ الجزائري سنة 1976، والنزاع بين اليمن الديموقراطية واليمن سنة 1979، والنزاع بين مالي وبوركينا فاسو سنة 1985. أما المجموعة الثانية، فتشمل المنازعات، التي أظهرت المنظمة "اهتماماً" بعملية تسويتها من خلال الإشارة إليها في قراراتها، وان لم تحاول أن "تتدخل" في عملية التسوية. وتضم المجموعة الثالثة تلك المنازعات التي حاولت المنظمة أن تتدخل في عملية تسويتها، الأفغانية، وسنحاول أن ندرس المجموعتين الثانية والثالثة من المنازعات في المطلبين التاليين:

ثانياً: المنازعات التي اهتمت بها منظمة المؤتمر الإسلامي

يُقصد بها تلك المنازعات، التي جذبت انتباه المنظمة، فأصدرت قرارات خاصة محددة بشأنها، ولكنها لم تحاول أن "تتدخل" لتسويتها. ومن هذه المنازعات:

·   النزاع الأردني ـ الفلسطيني (1971 ـ 1974)

·   النزاع السوداني ـ الأوغندي (1979).

·   النزاع الليبي ـ التشادي (1978 ـ 1988).

عندما اندلع النزاع بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، في سبتمبر 1970، لم تكن منظمة المؤتمر الإسلامي قد نشأت بعد. ولكن النزاع استمر بعد تبلور الكيان التنظيمي للمنظمة، ولم تحاول المنظمة فيه، واكتفي مؤتمر وزراء الخارجية الثاني، المنعقد في كراتشي في ديسمبر 1970، بالتعبير عن "ارتياحه لاتفاقات القاهرة وعمان، التي دعت إلى الأخوة والتعاون بين حكومة الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإلى التنسيق المشترك الكامل لجهودهما ضد العدو الصهيوني"، ومناشدة "كل من حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والأطراف المعنية الأخرى، أن تلتزم بهذه الاتفاقيات، نصا وروحا، من أجل الوحدة الوطنية الأردنية الفلسطينية الكاملة. ولم يطلب المؤتمر من الأمين العام، أن يتخذ أي إجراءات للتوسط بين الأردن والمنظمة الفلسطينية، خاصة أن النزاع بينهما قد استمر. وللمرة الثانية، اكتفي المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية، المنعقد في جدة سنة 1972، بالتعبير عن "تقديره وارتياحه للجهود، التي بذلتها كل من المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، في الوساطة بين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ومنظمة التحرير الفلسطينية للتنسيق الكامل بينهما ولتوحيد جهودها، ضد العدوان الصهيوني".

وفي عام 1973، ثار نزاع حدودي بين العراق وإيران. وقد بادر حسن التهامي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك، بالتعاون مع الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، بوصفه رئيس مؤتمر القمة الإسلامي الأول، المنعقد بالرباط سنة 1969، بالتدخل لمحاولة تسوية النزاع. ولكن النزاع ما لبث أن أحيل إلى مجلس الأمن، وتوقفت وساطة المنظمة. وعندما انعقد مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في لاهور، اقترح الرئيس الأوغندي عيدي أمين أمام المؤتمر، تشكيل لجنة فرعية لتسوية النزاع العراقي ـ الإيراني، وأيده في ذلك الأمين العام. ولكن وزير خارجية إيران، عباس خلعتبرى، اعترض على ذلك موضحاً أن النزاع منظور بالفعل أمام مجلس الأمن، وأنه "يجب أن تتاح الفرصة لمجلس الأمن لكي يواصل عمله". ومع أن رؤساء ليبيا والجزائر وأوغندا ومنظمة التحرير الفلسطينية، تحدثوا أمام المؤتمر، مطالبين بتدخل المنظمة لتسوية النزاع العراقي ـ الإيراني، إلاّ أن المؤتمر لم يتمكن من اتخاذ أي إجراءات في هذا الصدد، نظراً لمعارضة إيران. واكتفي ذو الفقار علي بوتو، رئيس وزراء باكستان آنذاك، ورئيس المؤتمر، بالتأكيد على استعداد المنظمة للتدخل لتسوية النزاع، إذا طُلب منها ذلك.

وفي عام 1979، ثار نزاع بين السودان وأوغندا حول تدفق اللاجئين الأوغنديين إلى السودان، في أعقاب الانقلاب، الذي أطاح بحكم الرئيس عيدي أمين. ولم تحاول منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتدخل لتسوية النزاع، واكتقى المؤتمر الحادي عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في إسلام أباد في مايو 1980، الأعراب عن ارتياحه للاتفاق بين السودان وأوغندا، على إعادة اللاجئين الأوغنديين إلى وطنهم.

كذلك، لم تتدخل منظمة المؤتمر الإسلامي في النزاع الليبي ـ التشادي، الذي ثار حول إقليم أوزو في شمال تشاد. ولم يُدرج هذا النزاع على جدول أعمال مؤتمرات القمة، أو مؤتمرات وزراء الخارجية، منذ أن أثير النزاع في منتصف السبعينات. واكتفت مؤتمرات وزراء الخارجية بمناقشة الصراع الداخلي في تشاد، بين الجناحين المتصارعين بزعامة حسين حبري وجوكوني عويضي. فقد أصدر مؤتمر وزراء الخارجية التاسع، المنعقد في داكار في أبريل سنة 1978، قراراً بعنوان "التضامن مع شعب تشاد"، وجه بموجبه "نداء إلى شعب تشاد من أجل الاحترام المشدد، لوقف إطلاق النار حتى تتاح المواصلة الطبيعية وإجراءات التصالح القومي". وحثّ "حكومات السودان وليبيا والنيجر على مواصلة الجهود، الرامية إلى التسوية السلمية العاجلة للموضوع". كذلك، أصدر المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في إسلام أباد في مايو 1980، قراراً "بشأن اللاجئين التشاديين"، وناشد الأطراف المتنازعة في تشاد "وضع حد لخلافاتهم، وإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، كي يعود السلام والأمن إلى تشاد، مما يهئ الجو الملائم لعودة اللاجئين إلى ديارهم". وقد أصرت الحكومة التشادية في مؤتمر القمة الخامس، على طرح موضوع النزاع الليبي ـ التشادي، المتمثل في احتلال ليبيا للجزء الشمالي من تشاد، ودعمها للمعارضة التشادية. وقد اعترضت ليبيا على أساس، أن النزاع مدرج على جدول أعمال منظمة الوحدة الأفريقية. وكحل وسط، أُدرج النزاع تحت عنوان "الخلاف الإقليمي بين ليبيا وتشاد". وقد اتخذ مؤتمر القمة القرار الرقم 28/5، وفيه أعرب عن "قلق المؤتمر حيال تكثيف العمليات العسكرية في جمهورية تشاد، وأن الخلاف الإقليمي بين ليبيا وتشاد، من شأنه أن يعرض سلام وأمن المنظمة للخطر". وطالب المؤتمر "طرفي النزاع الامتناع عن أي عمل، من شأنه أن يزيد خطر الوضع"، وأكد أن "منظمة الوحدة الأفريقية تشكل الإطار الطبيعي لتصفية الخلاف"، ودعا الدولتين إلى "تسوية الخلاف الإقليمي بينهما بالطرق السلمية، من دون أي ضغط أو تدخل أجنبي، طبقاً لمبادئ وأهداف منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وطلب من الأمين العام للمؤتمر الإسلامي متابعة تطور هذا القرار، بالتعاون مع الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية".

ويتضح من نص القرار، الصادر عن مؤتمر القمة الخامس، أنه أحال النزاع برمته إلى منظمة الوحدة الأفريقية، مشيراً إلى أنها الإطار الطبيعي لتسوية النزاع. وهو أمر ليس في صالح المنظمة، لأن النزاع بين دولتين من الدول الأعضاء في المنظمة، كما أن الميثاق لم يعط المنظمة سلطة إحالة المنازعات، التي تنشأ بين أعضائها إلى تنظيمات أخرى. فضلاً عن أن مثل هذه الإحالة، تفقد المنظمة مقوماً رئيساً من مقومات وجودها. وإن قرار مؤتمر القمة الخامس، بعد أن أحال النزاع إلى منظمة الوحدة الأفريقية، طلب من الدولتين المتنازعتين تسوية الخلاف "طبقاً لمبادئ وأهداف ميثاق منظمة القمة الإسلامي". فكيف يمكن لمنظمة الوحدة الأفريقية، أن تسوى الخلاف الليبي ـ التشادي طبقاً لقواعد منظمة إقليمية أخرى؟

وقد اتخذ المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية المنعقد في الرياض، خطوة أخرى في هذا الطريق، حين أتى بيانه الختامي على أن المؤتمر يحيى "منظمة الوحدة الأفريقية ولجنتها الخاصة، على ما بذلته من جهود بناءة من أجل إحلال السلام بين الجماهيرية الليبية وجمهورية تشاد"، وهنأ البلدين المتجاورين على إعادة علاقتهما الدبلوماسية، وحثهما على إقامة علاقات مبنية على الثقة والأخوة وتسوية خلافاتهما بالوسائل السلمية، طبقاً لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وتثير المنازعات السالفة، وبالتحديد تلك المنازعات، التي أحالتها المنظمة إلى تنظيمات إقليمية أخرى، قضية مهمة تتعلق بالعلاقة بين التنظيمات الإقليمية، في ميدان التسوية السلمية للمنازعات، وبالذات تلك التنظيمات التي تتميز بتداخل عضويتها. فهل من الأفضل أن يتدخل التنظيم الإقليمي لمحاولة تسوية كل المنازعات، التي قد تثور بين أعضائه؟ أم من الأفضل حدوث تنسيق بين التنظيمات الإقليمية، بحيث يركز كل تنظيم على عدد معين أو نوع معين من المنازعات؟

وتوجد وجهتا نظر حول هذا الموضوع. ترى وجهة النظر الأولى أن يتم التنسيق بين التنظيمات الإقليمية ذات العضوية المتداخلة، بحيث يركز كل تنظيم على مجموعة من المنازعات، قد يكون أكثر فعالية وكفاءة في تسويتها. وتعلل وجهة النظر هذه منطقها، بعدد من الأسباب، أولها أن عملية تسوية المنازعات مكلفة مالياً، ولمّا كانت موارد التنظيمات الإقليمية، خاصة في العالم الثالث، محدودة، فإنه من الأفضل أن "يتخصص" كل تنظيم في طائفة معينة من المنازعات، بحيث لا تُنفق موارد التنظيمات على محاولة تسوية المنازعات ذاتها. وثانيها، أن محاولة التنظيمات الإقليمية التدخل لحل النزاع ذاته، ربما أدت إلى نزاع جديد بين تلك التنظيمات. كما أن التنسيق بين التنظيمات الإقليمية، يؤدي إلى خلق ميادين للتعاون بينهما، ربما تنعكس على ميادين أخرى. أما ثالث هذه الأسس فهو، أن بعض التنظيمات الإقليمية ربما كانت أكثر خبرة من غيرها بعملية تسوية طائفة معينة من المنازعات، كما أنها ربما كانت قد طورت مجموعة من المبادئ، التي تحكم عملية تسوية تلك المنازعات، فمنظمة الوحدة الأفريقية، قد تكون أكثر خبرة، من منظمة المؤتمر الإسلامي، في عملية تسوية النزاعات بين الدول الأفريقية الإسلامية. كما أن مبدأ الاعتراف بشرعية الحدود الراهنة، الذي طورته منظمة الوحدة الأفريقية، يصلح أساساً لعملية تسوية المنازعات الحدودية بين تلك الدول.

أمّا وجهة النظر الثانية، فترى أن من واجب التنظيم الإقليمي، التدخل لتسوية كل المنازعات، التي تنشأ بين أعضائه، وأن تداخل العضوية لا يجب أن يشكل قيداً على "محاولة" التنظيم تسوية تلك المنازعات[1]. ويبرر أنصار وجهة النظر هذه رأيهم، بأن مسؤولية التنظيم الإقليمي في تسوية المنازعات بين أعضائه، هي مسؤولية عامة، بمعنى أنها ليست مقصورة على طائفة معينة من المنازعات. ومن ثم، يقع على التنظيم الإقليمي التزام عام، على الأقل، بمحاولة تسوية أي منازعات تنشأ بين أعضائه، بصرف النظر عن محاولة التسوية، التي يقوم بها تنظيم إقليمي آخر. يُضاف إلى ذلك، أن تقاعس التنظيم الإقليمي، عن محاولة تسوية نزاع معين ينشأ بين أعضائه، ربما أدى مع مرور الزمن إلى فقدان الأعضاء الثقة بهذا التنظيم، كإطار مناسب لتسوية منازعاتهم، ومن ثم ضعف التزامهم بأحكام ميثاقه. ولعل من الأمثلة الواضحة على ذلك، أن معظم الدول الأفريقية غير العربية، الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، امتنعت عن التصويت على مشروع قرار تجميد عضوية مصر، في المؤتمر العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في المغرب في مايو 1979. واحتجت بأن منظمة الوحدة الأفريقية، لم تناقش موضوع المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية بعد. أي أن هذه الدول تعطى التزامها تجاه منظمة الوحدة الأفريقية الأولوية، على التزامها تجاه منظمة المؤتمر الإسلامي. كذلك، فإن عدم تدخل التنظيم الإقليمي في طائفة معينة من المنازعات، ربما أدى إلى تعطيل أجهزته العاملة في ميدان التسوية السلمية للمنازعات، ومن ثم توقفها عن العمل. فماذا ستفعل محكمة العدل الإسلامية، إذا استمرت منظمة المؤتمر الإسلامي في التقليد المتبع، بعدم التدخل في المنازعات العربية أو الأفريقية؟ الأرجح أن المحكمة لن تجد أي منازعات تحاول التدخل لتسويتها، وستصبح جهازاً لا وظيفة له.

ومن حيث المبدأ فلا مانع، من التنسيق بين التنظيمات الإقليمية، ذات العضوية المتداخلة، في عملية تسوية المنازعات. بل إن مثل هذا التنسيق ربما كان مطلوباً، عملا بمبدأ خفض التكاليف المالية لتسوية المنازعات. ولكن التنسيق لا يعني بالضرورة "انفراد" تنظيم معين بعملية تسوية نزاع معين أو طائفة معينة من المنازعات. فمن الممكن أن تُنسق التنظيمات الإقليمية، ذات العضوية المتداخلة، جهودها بحيث تجمع مواردها (المالية، والتنظيمية، والقانونية) في إطار مشترك، يتولى "توجيه" عملية التسوية السلمية للنزاع. فعلى سبيل المثال، إذا ثار نزاع بين دولتين عربيتين آسيويتين، قد يكون من الأوفق أن تنشأ لجنة مشتركة من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تتولى الإشراف على عملية تسوية النزاع، وتوجيه جهود التسوية نحو التنظيم الإقليمي، الذي تتوافر فيه الموارد اللازمة لتسوية النزاع. فإذا تبين ضرورة التسوية القضائية للنزاع مثلاً، يمكن أن يُحال إلى محكمة العدل الإسلامية الدولية، لأن جامعة الدول العربية ليس لها محكمة عدل عربية.

وقد بدأت منظمة المؤتمر الإسلامي، تدرك خطورة ابتعادها عن النزاعات العربية والأفريقية، وأهمية التنسيق المشترك مع التنظيمات الأخرى. لذلك، بادرت إلى التدخل في النزاع السنغالي ـ الموريتاني سنة 1989، وبدأت تطرح فكرة تكوين إطار تنظيمي للتعاون مع جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، يتولى تنسيق جهود تلك التنظيمات. كذلك، اتخذ المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في الرياض مارس 1989، قراراً الرقم (35/18س) "بشأن التعاون بين منظمة المؤتمر الإسلامي، والتنظيمات الدولية والإقليمية"، دعا فيه إلى إبرام اتفاقية تعاون بين منظمة المؤتمر الإسلامي، من ناحية، وكل من جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، من ناحية أخرى. ويؤدي ذلك إلى مناقشة النزاعات، التي تدخلت منظمة المؤتمر الإسلامي في محاولة تسويتها.

ثالثا: المنازعات التي حاولت المنظمة التدخل في تسويتها

وتشمل هذه الطائفة من المنازعات خمس منازعات محددة، هي:

1. النزاع الباكستاني ـ البنجلاديشي

ظهر النزاع بين باكستان وبنجلاديش في البداية، كنزاع داخلي بين شطري دولة باكستان، وهي باكستان الشرقية (بنجلاديش حالياً)، وباكستان (باكستان حالياً). ولكنه سرعان ما تحول إلى نزاع دولي، بتدخل الهند في النزاع، ثم بانفصال باكستان الشرقية وتحولها إلى دولة مستقلة، لها نزاع مع باكستان. وقد حدث النزاع الداخلي كمحصلة للتفاوت الاجتماعي والثقافي، بين شطري باكستان. ثم جاءت الانتخابات العامة لتعطي رابطة عوامى، المتمركزة في باكستان الشرقية، 167 مقعداً، من إجمالي المقاعد البرلمانية البالغة 309 مقاعد بينما أتى حزب الشعب، المتمركز في باكستان الغربية، في المركز الثاني، وحصل على 83 مقعداً فقط. ولذلك، طالب الشيخ مجيب الرحمن، زعيم رابطة عوامى، بأن يتولى تأليف الوزارة. ولكن الرئيس الباكستاني، يحيى خان، رفض تكليف مجيب الرحمن بتشكيل الوزارة، استناداً أن رابطة عوامى، كانت تطالب في برنامجها الانتخابي بالاستقلال الذاتي لباكستان الشرقية، في إطار جمهورية اتحادية اشتراكية. وقد أدى ذلك إلى حركة تمرده شامل في باكستان الشرقية، بزعامة رابطة عوامى. وتدخل الجيش الباكستاني لمحاولة سحق التمرد، وقُبض على الشيخ مجيب الرحمن. وفي أعقاب ذلك تدخل الجيش الهندي لمساندة المتمردين في باكستان الشرقية، لأن الهند من مصلحتها تقسيم باكستان إلى دولتين. وقد انتهت الحرب الأهلية الباكستانية بهزيمة الجيش الباكستاني، وإعلان انفصال الشطر الشرقي، وإنشاء دولة بنجلاديش في هذا الشطر.

حينما اندلعت الحرب الأهلية الباكستانية سنة 1971، لم تكن منظمة المؤتمر الإسلامي قد أُعلنت رسمياً. ولكن المؤتمر الثاني لوزراء الخارجية، المنعقد في ديسمبر 1970، كان قد عين تنكو عبد الرحمن، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، أميناً عاماً للمؤتمر الإسلامي. وكلفه بصياغة مشروع ميثاق المؤتمر. وقد بادر الأمين العام بزيارة شطري باكستان، على رأس وفد مكون من ممثلين للكويت وإيران، لمقابلة الأطراف المتنازعة، ومحاولة التوصل إلى حل سياسي. كذلك، حاول الوفد مقابلة ممثلي رابطة عوامى، الذين لجأوا إلى الهند، ولكن الحكومة الهندية منعت الوفد من دخول الهند. وبررت الهند قرارها، بأن المؤتمر الإسلامي. سبق أن رفض حضور مندوب من الحكومة الهندية، مؤتمر القمة الإسلامي الأول سنة 1969، واكتفي بوفد يمثل "مسلمي الهند". ولذلك باءت المحاولة الأولى للمنظمة بالفشل. وفي هذه الأثناء تولى ذو الفقار بوتو رئاسة الحكومة الباكستانية، وأفرج عن الشيخ مجيب الرحمن، الذي عاد إلى بنجلاديش ليصبح أول رئيس وزراء لبلاده.

وقد عاودت المنظمة محاولة التوسط، لتسوية النزاع بين باكستان وبنجلاديش، عقب إعلان استقلال الأخيرة. وفي هذا الإطار اتخذ المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية، المنعقد في جدة في فبراير ـ مارس سنة 1972 القرار الرقم 9/3، الذي نص على أنه:

رغبة من المؤتمر في الحفاظ على الروح السامية، ونظراً إلى أن العلاقات المستقبلية بين السكان في الشرق والغرب يجب أن يقررها زعماؤها المنتخبون، عن طريق اجتماع مشترك يسوده جو من الحرية والكرامة. كلف المؤتمر الأمين العام بالاتصال بذو الفقار بوتو في إسلام أباد، والشيخ مجيب الرحمن في دكا، لترتيب اجتماع بينهما وبين وفد من ستة أعضاء من مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي، يتكون من الجزائر وإيران وماليزيا والمغرب والصومال وتونس، ويكون هدف الوفد، تحقيق التوفيق والمصالحة والأخوة بين الزعيمين المتخبين، وذلك في جو تسوده روح الإخاء الإسلامي والحرية والكرامة، وكذلك بحث وسائل معاونة كليهما في إنهاء المشاكل التي يواجهانها.

وهكذا تشكلت "لجنة المصالحة"، برئاسة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وشرعت اللجنة في الاتصال بذو الفقار بوتو ومجيب الرحمن. ولما كانت الاتصالات مع حكومة بنجلاديش، آنذاك، تتم عن طريق الهند، كما أن تنكو عبد الرحمن، الأمين العام للمنظمة، كان موجوداً في القاهرة، فقد بادر بالاتصال بالشيخ مجيب الرحمن عن طريق سفارة الهند في القاهرة. ولكنه تلقى رداً من رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي، توضح فيه أن الشيخ مجيب الرحمن لا يرحب باستقبال لجنة المصالحة، لأن المنظمة لم تلق بالا لمأساة شعب بنجلاديش إبان الحرب الأهلية، وهكذا فشلت المحاولة الثانية التي قامت بها المنظمة.

الواقع أن فشل محاولة الوساطة الثانية، التي قامت بها منظمة المؤتمر الإسلامي، يرجع إلى المنهج الذي اتبعته المنظمة في محاولة تسوية النزاع. فمنذ البداية، كان واضحاً أن المنظمة "منحازة" لباكستان في خلافها مع بنجلاديش، ولا يحتاج المرء إلاّ لقراءة البيان الختامي للمؤتمر الثالث لوزراء الخارجية لكي يستنتج أن محاولة المنظمة كان مقضياً عليها بالفشل قبل أن تبدأ. فقد نص البيان الختامي للمؤتمر على أن المؤتمر يعلن "مساندته التامة لباكستان وسلامة أراضيها ولسيادتها الوطنية واستقلالها". وهذا النص يعني أن المؤتمر يرفض الاعتراف بدولة بنجلاديش، التي كانت قد أعلنت استقلالها فعلاً. كما أنه يساند حكومة باكستان في مواجهة حكومة بنجلاديش. كذلك، فالقرار الرقم 9/3 لم يشر إلى دولة بنجلاديش إطلاقاً، واكتفى بالإشارة إلى الشيخ مجيب الرحمن، من دون تحديد منصبه، وهو أنه رئيس وزراء بنجلاديش، حتى لا يستشف من ذلك أن المؤتمر يعترف بدولة بنجلاديش. وأخيراً، فقد انطوى البيان الختامي للمؤتمر على تهديد مستتر للهند، بأنها إذا لم توقف جميع العمليات الحربية، وتعيد الأسرى والمعتقلين المدنيين، فان علاقاتها بالدول الإسلامية ستتأثر. من الواضح أن قرارات المؤتمر الثالث انحازت إلى جانب باكستان ضد بنجلاديش والهند، ومن ثم، فلم يكن متوقعاً أن ترحب الدولتان بوساطة المؤتمر الإسلامي، ولذلك، فقد اكتفي المؤتمر الرابع لوزراء الخارجية، المنعقد في بنغازي في مارس 1973، بمطالبة الهند بالإفراج عن أسرى الحرب الباكستانيين، ولم يشر إلى بنجلاديش سواء في بيانه الختامي أو قراراته.

وقد حاول الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، التوسط للمرة الثالثة بين باكستان وبنجلاديش، ولكن الشيخ مجيب الرحمن رفض تلك المحاولة، ما لم تعترف باكستان أولاً بدولة بنجلاديش، وبناء عليه أعلنت باكستان استعدادها للاعتراف ببنجلاديش في أواخر سنة 1973، وذلك بناء على محاولات الوساطة، التي قام بها الأمين العام. وقد أكدت باكستان هذا الاعتراف في سياق الأعمال التحضيرية لمؤتمر القمة الإسلامي الثاني، الذي كان مقرراً عقده في لاهور بباكستان. إذ أكدت باكستان اعترافها بدولة بنجلاديش. وبناء عليه فقد قرر المؤتمر التمهيدي لوزراء الخارجية المنعقد في 21 فبراير 1974، تكوين "بعثة مساع حميدة" من الدول الأعضاء، تسافر إلى بنجلاديش لتسوية النزاع بينهما وبين باكستان. وقد شكلت البعثة من وزير خارجية الكويت رئيساً ومن وزيري خارجية الصومال ولبنان، ومندوبي السنغال والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى الأمين العام للمنظمة. كذلك، وجه مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في جلسته المنعقدة يوم 22 فبراير، بناء على اقتراح الرئيس المصري أنور السادات، نداء إلى الشيخ مجيب الرحمن بأن يشارك في مؤتمر القمة، وأن يرد إيجابياً على مبادرة باكستان بالاعتراف ببنجلاديش. وفي 23 فبراير 1974، حضر الشيخ مجيب الرحمن الجلسة الثانية لمؤتمر القمة الإسلامي الثاني، ورحب به بوتو رئيس وزراء باكستان، وأصبحت بنجلاديش عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي، منذ ذلك الوقت.

يمكن القول إن منظمة المؤتمر الإسلامي، استطاعت أن تحقق نجاحاً خاصاً في تسوية النزاع الباكستاني ـ البنجلاديشى، وأن كان هذا النجاح قد أتى في مرحلة متأخرة، وبعد أن اعترفت باكستان ببنجلاديش. كما أن منظمة المؤتمر الإسلامي قد لعبت دور "الإطار التنظيمي"، الذي حقق المصالحة بين الدولتين، بعد أن توافر "الإطار السياسي" لتلك المصالحة. وقد كان ذو الفقار بوتو حريصاً على أن يؤكد في مؤتمر القمة الإسلامي، أن "المصالحة بين باكستان وبنجلاديش جاءت بمبادرة من المؤتمر الإسلامي، وليس بناء على مبادرة من باكستان". وعلى كلٍ، فلو أن باكستان، بوصفها الدولة المضيفة، لم تعط المؤتمر الضوء الأخضر للقيام بالوساطة واعترافها ببنجلاديش، لما حقق المؤتمر الإسلامي نجاحاً، يذكر في ذلك النزاع.

2. النزاع العراقي ـ الإيراني

تدهورت العلاقات بين العراق وإيران، في أعقاب سقوط نظام الشاه في فبراير 1979. وادعت كل من الدولتين، أن الأخرى تتدخل في شؤونها الداخلية بهدف إسقاط نظام حكمها. كما تصاعدت الصدامات الحدودية بين الدولتين. وفي 23 سبتمبر 1980، عبرت القوات العراقية الحدود العراقية ـ الإيرانية، إلى داخل الأراضي الإيرانية على ثلاثة محاور. وبذلك بدأت أطول حرب دولية منذ حروب الثلاثين عاماً في أوروبا (1618 ـ 1648).

عقب اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية مباشرة، عقد وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، اجتماعاً طارئاً في نيويورك في 26 سبتمبر، حيث كانوا هناك لحضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد قرر الوزراء تكوين "لجنة للمساعي الحميدة"، تتكون من الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الحبيب الشطي. زارت اللجنة العراق وإيران، في الفترة من 28 حتى 30 سبتمبر 1980، وأبلغت المسؤولين في الدولتين مناشدة المؤتمر لهما وقف الحرب، والدخول في مفاوضات سلمية لحل النزاع.

عادت اللجنة إلى نيويورك، حيث قدمت إلى وزراء الخارجية تقريراً عن أعمالها. وقرر الوزراء أن تواصل اللجنة أعمالها. فتوجه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى العراق وإيران، مقترحاً توسيع عضوية لجنة المساعي الحميدة، ولكن لم يحرز الأمين العام أي تقدم في مباحثاته مع قادة الدولتين. فبينما أصرت إيران على انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، قبل وقف إطلاق النار، فان العراق أصر على أن يسبق الانسحاب التوصل إلى اتفاق يكفل للعراق سيادته، ووحدة أراضيه، ومياهه الإقليمية.

وهكذا، أُحيل موضوع النزاع العراقي ـ الإيراني، إلى مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في 25 ـ 28 يناير 1981. ويُلاحظ أن إيران قاطعت المؤتمر، بينما حضرته العراق. وعبر المؤتمر في بيانه الختامي وقراراته عن قلقه العميق، لاستمرار الحرب بين العراق وإيران، وناشدهما قبول الوساطة الإسلامية، وتسهيل مهمة لجنة المساعي الحميدة. كما قرر توسيع عضوية اللجنة لتشمل الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي (الحبيب الشطي) وممثلين للسنغال، وباكستان، وبنجلاديش، وتركيا، وغينيا، منظمة التحرير الفلسطينية. ودعا المؤتمر العراق وإيران إلى وقف إطلاق النار فوراً، وأعلن أن الدول الأعضاء وافقت على تشكيل قوة إسلامية، من أجل تطبيق وقف إطلاق النار إذا دعت الحاجة، وبناء على توصية من لجنة المساعي الحميدة.

زارت لجنة المساعي الحميدة، برئاسة الرئيس الغيني سيكوتوري، العراق وإيران، واستمعت إلى وجهات نظر قادة الدولتين. وقدمت مشروعاً للتسوية، يدور حول إنشاء محكمة إسلامية لتحديد الدولة، التي بدأت الحرب. ولكن إيران أصرت على انسحاب العراق، قبل أن تشرع المحكمة في ممارسة أعمالها، كما اشترطت أن تتم التسوية السياسية للحرب على أساس الاتفاقية العراقية ـ الإيرانية الموقعة في الجزائر سنة 1975. أما العراق فأصر على ضرورة اعتراف إيران بسيادته الكاملة على شط العرب، وهو الشط الذي تقاسمت الدولتان السيادة عليه بموجب اتفاقية سنة 1975. كما أكدا العراق أنه لا انسحاب من الأراضي الإيرانية، قبل صدور هذا الاعتراف. ومع ذلك، واصلت اللجنة جهودها، فبادرت بعقد اجتماعات مكثفة مع قادة إيران، وتم التوصل إلى عدة نقاط، تكون جزءاً من عناصر التسوية، وهي ضرورة تحديد الدولة المعتدية، وانسحاب القوات العراقية من إيران، واحترام اتفاقية سنة 1975، مع إجراء تعديلات طفيفة في بنود هذه الاتفاقية. ولكن العراق لم يوافق على هذه البنود، مما أدى إلى توقف أعمال لجنة المساعي الحميدة مؤقتاً، والاتجاه إلى بلورة مشروع للتسوية السلمية، وهو المشروع الذي أعلنته اللجنة سنة 1981، وقد تضمن مشروع لجنة المساعي الحميدة ما يلي:

أ. قواعد السلام الدائم بين العراق وإيران

(1) احترام كل من العراق وإيران للسيادة الوطنية للطرف الآخر، ولوحدة أراضيه.

(2) إعادة التأكيد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي، بالقوة.

(3) إعادة التأكيد على عدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية، للطرف الآخر.

(4) إعادة التأكيد على قبول مبدأ التسوية السلمية، للمنازعات بين الدولتين.

(5) موافقة العراق وإيران على احترام مبدأ حرية، الملاحة في شط العرب.

ب. تدابير الحل السلمي الشامل

(1) يسرى وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، اعتباراً من الليلة الفاصلة بين الخميس والجمعة 13 مارس سنة 1981 في الساعة صفر. 

(2) يتم انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، ابتداءً من يوم 20 مارس 1981، وينتهي الانسحاب خلال أربعة أسابيع.

(3) يتم وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات، تحت إشراف مراقبين تابعين للدول الأعضاء، في منظمة المؤتمر الإسلامي، يقبلهم الطرفان.

(4) تعرض مسألة شط العرب، على لجنة مكونة من أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، يقبلهم الطرفان. وذلك بهدف وضع النظام الأساسي، لهذا الممر المائي.

(5) التفاوض لإيجاد حل سلمى للخلافات الأخرى، بعد انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية.

(6) تبادل البيانات بين العراق وإيران، حول عدم تدخل كل طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. 

(7) تتولى الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ضمان احترام الطرفين للتعهدات، التي التزما بها على قاعدة الحل السلمي الشامل، ووضع مراقبين على جانبي الحدود الدولية للبلدين عند الاقتضاء، لمدة معينة. 

ج. تدابير مؤقتة لحرية الملاحة في شط العرب

(1) ابتداء من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وإلى أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في شأن شط العرب، فإن الملاحة في هذا الممر المائي، تجري بإشراف جهاز خاص، تحت رعاية منظمة المؤتمر الإسلامي.

(2) يجوز لهذا الجهاز الخاص أن يطلب من منظمة المؤتمر الإسلامي، أن تضع تحت إمرته قوة للحفاظ على السلام، ولمساعدته في مهمته في ضمان حرية الملاحة في شط العرب، خلال هذه المدة.

د. تشكيل لجنة المساعي الحميدة، لجنة فرعية لمساعدة الدولتين، على تنفيذ عناصر التسوية السلمية الشاملة، على أن تضم هذه اللجنة، الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري، والرئيس البنجلاديشي ضياء الرحمن، والرئيس الباكستاني ضياء الحق، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس وزراء تركيا بولنت أولسو، ووزير خارجية السنغال مصطفى نيامي، ووزير خارجية ماليزيا تنكو أحمد رباع الدين، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الحبيب الشطي. بيد أن مشروع لجنة المساعي الحميدة، لم يلق قبولا لدى إيران والعراق. فقد أصرت إيران على أن تكون اتفاقية سنة 1975 هي قاعدة التفاوض، بينما أصرت العراق على رفض هذه الاتفاقية. كذلك، فبينما اشترطت إيران انسحاب القوات العراقية فوراً ومن دون قيد أو شرط، اشترط العراق اعتراف إيران بالحقوق العراقية في شط العرب قبل الانسحاب. كذلك، اشترطت إيران عودة من أسمتهم باللاجئين المطرودين من العراق، بينما اشترط العراق موافقة إيران على الحكم الذاتي لعرب إقليم عربستان. ومن ثم، فقد كانت مواقف الدولتين متباعدة إلى حد كبير.

     استمرت "لجنة المساعي الحميدة" في ممارسة أنشطتها، لمحاولة التقريب بين الطرفين. فاقترحت إنشاء لجنة مشتركة تضم العراق وإيران، ولكن الاقتراح لم يلق قبولا لدى إيران. كما دعت اللجنة الرئيس العراقي صدام حسين والأمام الخميني إلى مكة المكرمة، لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن إيران رفضت الدعوة.

         بعد ذلك، بادرت لجنة المساعي الحميدة، بتقديم مشروع ثان لتسوية النزاع العراقي ـ الإيراني، وهو في الواقع المشروع الأول، معدلاً في ضوء ملاحظات الدولتين المتنازعتين. وقد تضمن المشروع ما يلي:

(1) المبادئ

    وهي المبادئ الأربعة الأولى الواردة في المشروع الأول، مع عدم ذكر المبدأ الخامس المتعلق بشط العرب.

(2) عناصر الحل السلمي الشامل

(أ) وقف إطلاق النار.

(ب) انسحاب قوات الدولتين إلى الحدود المعترف بها طبقاً، لاتفاقية الجزائر سنة 1975.

(ج) وضع قوات مراقبة إسلامية على طرفي الحدود بين الدولتين.

(د) تشكيل لجنة من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، لتسوية مشكلة الحدود البرية والمائية.

(هـ) تقبل الدولتان تكوين جهاز، يتولى مهمة تحديد المعتدى وإدانته.

(و) تنشئ منظمة المؤتمر الإسلامي، صندوقاً للتضامن الإسلامي لمساعدة الدولتين في إعادة البناء.

(ز) يقبل الطرفان مبدأ جبر الضرر على أساس النتائج، التي يقدمها الجهاز المذكور في البند (هـ).

(ح) تجرى مفاوضات غير مباشرة بين الدولتين، في إحدى عواصم الدول الإسلامية. وعند التوصل إلى حل يتم البدء في مفاوضات مباشرة.

(ط) تتشكل الأجهزة واللجان المذكورة أعلاه، بمجرد وقف إطلاق النار.

ويختلف المشروع الثاني عن المشروع الأول، في انه يعترف صراحة باتفاقية سنة 1975، كأساس للتسوية. وينص على تشكيل لجنة لتحديد الدولة المعتدية، وهو ما كانت تطالب به إيران. وعلى الرغم من ذلك لم يقدر للمشروع النجاح، بسبب شك إيران في "انحياز" منظمة المؤتمر الإسلامي إلى لعراق، خاصة أن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الثاني عشر، المنعقد في بغداد في يونيه 1981، كان قد قرر اعتبار خطاب الرئيس صدام حسين، الذي ألقاه في افتتاح المؤتمر، وحمّل فيه إيران مسؤولية اندلاع الحرب، وثيقة من وثائق المؤتمر.

وفي الوقت ذاته، واصلت مؤتمرات وزراء الخارجية بحث موضوع الحرب العراقية ـ الإيرانية. فقد حث المؤتمر الثالث عشر، المنعقد في النيجر في أغسطس 1982، العراق وإيران على وقف إطلاق النار، والانسحاب فوراً إلى الحدود المعترف بها دولياً وقبول فكرة تشكيل قوة مراقبين من أعضاء المنظمة، للأشراف على وقف إطلاق النار والانسحاب. كما اتخذ المؤتمر الرابع عشر، المنعقد في داكا سنة 1983، قراراً أوصى بحسن معاملة أسرى الحرب لدى الدولتين. كما قرر المؤتمر تشكيل لجنة من الأمين العام، وعدد من وزراء الخارجية، يختارهم رئيس المؤتمر بالاتفاق مع العراق وإيران، لتقصى الحقائق حول وضع الأسرى.

وقد قدمت لجنة المساعي الحميدة، التي أصبحت تسمى "لجنة السلام الإسلامية"، تقريراً عن أعمالها إلى مؤتمر القمة الإسلامي الرابع، المنعقد في المغرب في يناير سنة 1984، وهو المؤتمر الذي حضرته العراق، وقاطعته إيران. وقد جاء في تقرير اللجنة أن مواقف الطرفين بقيت من دون تغيير، على الرغم من حدوث تطور خاص، ففيما أعلن العراق عن استعداده لوقف إطلاق النار، يبدو الطرف الآخر يتمسك من جانبه بالشروط السابقة. وقد اتخذ المؤتمر القرار الرقم 8/4 س (ق أ) "حول النزاع بين إيران والعراق" أعرب فيه عن تقديره للجهود التي بذلتها لجنة السلام الإسلامية، وطلب من اللجنة مواصلة جهودها وتكثيفها من أجل وقف القتال بين البلدين، والتوصل إلى تسوية عادلة ومشرفة للنزاع بينهما. وأكد دعوة الطرفين المتنازعين إلى إيقاف العمليات الحربية فوراً، وسحب قواتهما إلى الحدود المعترف بها دوليا، وأعرب عن ارتياحه لموقف العراق، في قبول قرارات المؤتمر الإسلامي ومجلس الأمن ودعي إيران إلى إعلان قبولها لتلك القرارات، والموافقة على إيقاف القتال والجلوس إلى مائدة المفاوضات لحل النزاع بالطرق السلمية. وأعرب عن تأييده لقرار مجلس الأمن الرقم 540، الصادر في 31 أكتوبر 1983، ويؤكد على حرية الملاحة والتجارة في المياه الدولية ويدعو الأطراف المتحاربة إلى الوقف الفوري لكافة الأعمال العدوانية، في منطقة الخليج. وطلب قرار مؤتمر القمة أيضا من الدول الأعضاء، الامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يؤدى إلى استمرار النزاع.

وفي مارس 1984، توفى الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري، رئيس لجنة السلام الإسلامية، واختير الرئيس الجامبي داود جاوارا، رئيساً للجنة. وقد بادرت اللجنة، برئاسة جاوارا، بتنشيط جهودها مرة أخرى. فاقترحت تكوين هيئة عسكرية تابعة لها برئاسة ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وذلك للإشراف على وضع الترتيبات العسكرية الخاصة بوقف إطلاق النار. ولكن إيران رفضت الاقتراح، مما أدى إلى تجميد أعمال اللجنة.

وهكذا، أحيل موضوع الحرب العراقية ـ الإيرانية إلى المؤتمر الخامس عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في صنعاء في ديسمبر 1984، وهو المؤتمر الذي حضرته إيران لأول مرة. وقد عبر المؤتمر في بيانه الختامي عن ارتياحه لتعاون العراق، مع لجنة السلام الإسلامية. وناشد العراق وإيران وقف القتال، والجلوس إلى مائدة المفاوضات، ومراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، واتفاقية جنيف حول أسرى الحرب، وبروتوكول جنيف حول الأسلحة الكيماوية. وقد أعلن وزير خارجية إيران في المؤتمر، رفضه لتلك القرارات. وأكد أنه لا طريق لتسوية النزاع إلاّ الحرب. أمّا المؤتمر السادس عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في المغرب 1986، فقد فشل حتى في اتخاذ قرار في شأن الحرب العراقية ـ الإيرانية، نظراً للتباعد الشديد بين مواقف العراق وإيران.

ومرة أخرى أحيل موضوع النزاع العراقي ـ الإيراني، إلى مؤتمرات القمة الإسلامية. فناقش مؤتمر القمة الإسلامي الخامس، المنعقد في الكويت سنة 1987، النزاع، وقد قاطعت إيران هذا المؤتمر، الذي أكد على "ضرورة الإيقاف الفوري لكافة العمليات الحربية، والانسحاب إلى الحدود المعترف بها دولياً، والتبادل العاجل لأسرى الحرب، في غضون فترة قصيرة من إيقاف العمليات الحربية، والانسحاب والجلوس إلى مائدة المفاوضات لحل النزاع بالطرق السلمية". وأعاد المؤتمر التأكيد على عدة مبادئ جوهرية لتسوية النزاع، وهي "تطبيق مبادئ وأحكام القانون الدولي، المتعلق باحترام السيادة والسلامة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة". كذلك، أعرب المؤتمر عن تأييده لقراري مجلس الأمن 582/1986 و 588/1986 في شأن تسوية النزاع العراقي ـ الإيراني، ودعا إيران إلى قبول القرارين وتسوية النزاع بالطرق السلمية، بعد أن أعلن العراق قبول القرارين. وقد أعاد المؤتمر السابع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في عمان في مارس 1988، التأكيد على أهمية الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 598 لعام 1987، ولم يقدم المؤتمر تصوراً خاصاً بمنظمة المؤتمر الإسلامي، لتسوية النزاع، واكتفي بالإحالة إلى قرارات مجلس الأمن. وعلى كل، فقد كان المؤتمر السابع عشر، أخر مؤتمر لوزراء الخارجية يناقش تسوية النزاع العراقي ـ الإيراني. فبعد قليل من انعقاد المؤتمر، توقفت الحرب في أغسطس 1988، بعد إعلان إيران قبولها تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 598، وهكذا اكتفي المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في الرياض في مارس 1989 بالإعراب عن ارتياحه لوقف القتال بين العراق وإيران، وأثنى على قبول الطرفين لقرار مجلس الأمن الرقم 598 وأعرب عن أمله في أن يضاعف الطرفان جهودهما في المفاوضات المباشرة، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة بغية تنفيذ القرار الرقم 598 تنفيذاً شاملاً.

لِم فشلت محاولات الوساطة المتعددة، التي قامت بها منظمة المؤتمر الإسلامي لتسوية النزاع العراقي ـ الإيراني؟ ولِم بدأت عملية تسوية النزاع في إطار الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الرقم 598، مع أن هذا القرار لا يختلف كثيراً عن المشروعات المختلفة، التي قدمتها منظمة المؤتمر الإسلامي؟

لاشك، أن رفض إيران لمختلف المشروعات، التي قدمتها منظمة المؤتمر الإسلامي يُعد مسؤولاً عن فشل محاولات الوساطة. وفي الوقت ذاته، فإن رفض إيران لتلك المشروعات، كان نابعا من اعتبارين، أولهما ثقة إيران في أنها ستنتصر في النهاية في حربها مع العراق، ومن ثم شعورها بأن التسوية السياسية ستؤدى إلى فقدانها لمكاسب الانتصار العسكري. ولذلك، فإن إيران لم ترفض فقط محاولات الوساطة التي قامت بها منظمة المؤتمر الإسلامي، ولكن أيضا محاولات الوساطة التي قامت بها حركة عدم الانحياز، والأمم المتحدة، في البداية. وثانيهما هو شعور إيران بأن منظمة المؤتمر الإسلامي ليست محايدة تماماً في النزاع العراقي ـ الإيراني، وذلك لوجود مقرها في إحدى الدول العربية، ووجود أغلبية عربية في عضويتها، إضافة إلى كون الأمين العام خلال السنوات الأربع الأولى للحرب كان عربياً. إضافة إلى ما أشرنا إليه من اعتبار مؤتمر وزراء الخارجية الثاني عشر، كلمة الرئيس العراقي إحدى وثائق المؤتمر، وهي الكلمة التي أدان فيها إيران، وعلى الرغم من أن تصرف المؤتمر لا يعدو كونه عملا روتينيا إلا أنه زاد من شكوك إيران في انحياز المنظمة. وقد عبر عن ذلك مصطفي كريم زادة، رئيس قسم رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، في حديث له في سنة 1984، حينما سئل عن أسباب رفض بلاده لوساطة منظمة المؤتمر الإسلامي، طبقاً لمعلوماتنا فإن المنظمة تضم في تشكيلها، مجموعة من الدول المؤيدة للعراق. ثم إن اقتراحات مندوبي المنظمة ورؤسائها تكون مسبوقة باقتراح أمريكي. ومطالب هذه المنظمة معروفة دائماً، لكنها عاجزة عن فعل أي شئ... المؤتمر الإسلامي شبه عربة متنقلة بفكر أمريكي من دكا في بنجلاديش إلى الدار البيضاء في المغرب، ثم العودة".

3. النزاع السنغالي ـ الموريتاني

في أواخر شهر أبريل 1989، اندلعت فجأة أحداث عنف داخل السنغال وموريتانيا، تمثلت في تدمير ممتلكات كل من الجالية الموريتانية في السنغال، والجالية السنغالية في موريتانيا. وقُتل المئات من أبناء الجاليتين. ففي 26 أبريل، قُتل وأصيب حوالي 740 مواطناً من أبناء الجالية الموريتانية في السنغال، على أيدي المواطنين السنغاليين. ومن أبناء الجالية السنغالية في موريتانيا على أيدي الموريتانيين[2]. وقد بدأت الأحداث بشجار في قرية جاورا على الحدود الموريتانية ـ السنغالية، بين رعاة موريتانيين ومزارعين سنغاليين في 9 أبريل. ولكنه سرعان ما شمل أبناء الجاليتين في الدولة الأخرى، وأدى إلى توتر شديد في العلاقات بين الدولتين. وفي 28 أبريل قدمت السنغال احتجاجاً إلى موريتانيا، على أعمال العنف ضد السنغاليين، وهددت بالانتقام من الموريتانيين إذا ثبت أن قوات الأمن الموريتانية، كانت المسئولة عن مصرع السنغاليين. كذلك، شرعت كل دولة في نقل رعاياها المقيمين في الدولة الأخرى على وجه السرعة. وشاركت طائرات المغرب وأسبانيا وفرنسا في عملية واسعة لتبادل أبناء الجاليتين. وفي الوقت ذاته، وجه الرئيس السنغالي انتقادات حادة لموريتانيا احتجاجا على ما وصفه بالمعاملة غير الإنسانية، التي تعرض لها السنغاليون في موريتانيا. وحّمل السلطات الموريتانية مسؤولية الحادث الحدودي، الذي أدى إلى تفجر أعمال العنف. وأبدى استعداد السنغال لتكوين لجنة دولية، تابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية، للتحقيق في الأحداث. وفي الوقت ذاته، اتهمت موريتانيا السنغال بتجريد الموريتانيين النازحين من ممتلكاتهم قبل مغادرة السنغال. وأضاف الرئيس الموريتاني إلى ذلك، اتهام السنغال بتدبير الأحداث الدامية، وطالبها بدفع تعويضات عن ممتلكات الموريتانيين، التي صودرت ودمرت في السنغال.

وقد حاولت منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتدخل لتسوية النزاع. وتمثلت هذه المحاولة، في البيان الذي أصدره الأمين العام للمنظمة، وفي الدور الذي لعبته الكويت بصفتها رئيسة مؤتمر القمة الإسلامي الخامس. فأول اندلاع النزاع، أصدر الأمين العام للمنظمة، الدكتور حامد الغامد، بياناً أبدى فيه استعداد المنظمة للمساهمة في استعادة مناخ الثقة، وحسن الجوار بين الدولتين، وناشدهما إيقاف القلاقل ومواصلة الحور والمشاورات، بهدف التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع. وأرسل الأمين العام رسالتين بهذا المعنى إلى الرئيس السنغالي عبده ضيوف، والرئيس الموريتاني معاوية ولد طايع.

من ناحية أخرى، فقد وأفدت الكويت سعود العصيمي، وزير الدولة الكويتي للشؤون الخارجية، إلى موريتانيا والسنغال، وقد اجتمع الوزير الكويتي مع الرئيسين ولد طايع وضيوف، ونقل لهما رسالة من أمير الكويت، وصرح الوزير الكويتي بأن، ما سمعه في اجتماعه بالرئيسين، يؤكد عزمهما على تطويق الأحداث، وفتح صفحة جديدة بينهما. وأشار الوزير الكويتي إلى أنه لم يحمل اقتراحات محددة إلى الرئيسين، ومهمته كانت "لإبداء اهتمام الكويت تجاه هذه الأحداث".

من الواضح أن الدور، الذي قامت به منظمة المؤتمر الإسلامي، سواء على مستوى الأمين العام أو مستوى رئيس مؤتمر القمة الإسلامي، اقتصر على مناشدة السنغال وموريتانيا تهدئة النزاع، وأن هذا الدور لم يشمل محاولة "الوساطة" بين الدولتين، وتقديم مقترحات محددة، وهو الأمر الذي نجحت منظمة الوحدة الأفريقية في تحقيقه. فقد بادر موسى تراوري، رئيس جمهورية مالي، ورئيس منظمة الوحدة الأفريقية بزيارة السنغال وموريتانيا في 12 مايو، واستطاع إقناع قادة الدولتين بوقف الحملات الإعلامية المعادية، والانسحاب التدريجي لقوات الدولتين مسافة عشرة كيلومترات من الحدود المشتركة بينهما. وفي الوقت ذاته، وافقت الدولتان على البدء في إجراء مفاوضات مباشرة بينهما في باماكو عاصمة مالي على مستوى وزيري الداخلية. وبالفعل، اجتمع وزيرا داخلية السنغال وموريتانيا في باماكو، بحضور وزير الإدارة المدنية المالي، للنظر في مقترحات مالي لتسوية النزاع. كما زار الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية، السنغال وموريتانيا في أول يونيه، من أجل دفع المفاوضات بينها.

وقد تدخلت المنظمة في محاولة تسوية النزاع بين موريتانيا والصومال، على الرغم من أنه نزاع أفريقي بحت. والمنظمة لا تتدخل في المنازعات الأفريقية البحتة. ويبدو أن تدخل المنظمة في النزاع الموريتاني ـ السنغالي، كان راجعاً إلى شخصية الأمين العام الجديد للمنظمة. ففي يناير 1989 تولى الدكتور حامد الغامد (رئيس وزراء النيجر سابقاً) مهام الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وبصفته تلك، فانه يتميز بخبرة في الشؤون الأفريقية، واهتمام بها. ومن ناحية أخرى، فمن الواضح أن تدخل المنظمة في النزاع كان محدوداً، أنها سرعان ما تراجعت عن تدخلها، وتركت الميدان لمنظمة الوحدة الأفريقية. ومن ثم، فان تدخل المنظمة في النزاع الموريتاني ـ السنغالي، لا يختلف كثيراً عن النظر العام لدور المنظمة في المنازعات بين الدول الأعضاء.

4. النزاع العراقي ـ الكويتي

أثناء انعقاد المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية في القاهرة في، من 31 يوليه إلى 5 أغسطس 1990، شن الجيش العراقي غزواً شاملاً على الكويت في 2 أغسطس، احتل على أثره كل الأراضي الكويتية. واتساقاً مع التقاليد السياسية للمنظمة، أجل المؤتمر جلساته، حتى يتيح الفرصة لوزراء الخارجية العرب في المؤتمر مناقشة الغزو العراقي، خاصة أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، كان موجوداً في المؤتمر. بعبارة أخرى فضلت المنظمة أن تحيل النزاع برمته إلى جامعة الدول العربية، باعتباره نزاعاً بين دولتين عربيتين.

بعد أن فرغ وزراء الخارجية العرب من مناقشة موضوع الغزو العراقي، وأعلنوا بيانا بشجب الغزو، بادر المؤتمر التاسع عشر، وقبيل انتهاء جلساته، بإصدار "بيان حول الوضع بين الكويت والعراق"، أدان فيه "العدوان العراقي على الكويت"، وطالب بالانسحاب الفوري للقوات العراقية، من الأراضي الكويتية، والعودة إلى مواقع ما قبل العاشر من محرم سنة 1411هـ (2 أغسطس 1990م)، والالتزام بمبادئ ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، وبصفة خاصة ما نصت عليه من ضرورة تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية. كذلك، فقد أكد البيان أن المؤتمر أُحيط علماً، بإعلان الحكومة العراقية عزمها على سحب قواتها من الكويت. وأكد المؤتمر أنه سيتابع تنفيذ التعهد العراقي بالانسحاب من دون قيد أو شرط. إلاّ أن المؤتمر لم يتابع التعهد العراقي وترك تلك المسؤولية لوزراء خارجية الدول الأعضاء، في جامعة الدول العربية. كذلك، فإن مؤتمر القمة الإسلامي السادس، الذي كان مقرراً عقده في السنغال في يناير 1991، تأجل انعقاده بدعوى أن الدول الإسلامية، منقسمة في الوقت الراهن بخصوص الغزو العراقي، وأنه من الضروري الانتظار حتى تسمح الظروف بعقد المؤتمر. بينما يمكن القول إن ظروف الغزو العراقي، كانت تتطلب انعقاد المؤتمر في موعده، على الأقل لمتابعة التعهد العراقي، كما جاء في بيان المؤتمر التاسع عشر لا تأجيل مؤتمر القمة برمته، بل ربما كانت الظروف تتطلب عقد دورة استثنائية للقمة الإسلامية، طبقاً لنص ميثاق المنظمة ذاته.

ولمّا كانت جامعة الدول العربية، قد وصلت إلى طريق مسدود في التعامل مع النزاع، نظراً للانقسام بين الدول الأعضاء، ولمّا كانت بعض الدول العربية المضادة للعراق، في حاجة إلى دعم سياسي إقليمي، لجأت هذه الدول إلى محاولة تنشيط دور منظمة المؤتمر الإسلامي. وذلك من خلال عقد دورة طارئة، لهيئة مكتبي مؤتمر القمة الإسلامي الخامس، ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية التاسع عشر. والواقع أن هذه الهيئة ليست من الهياكل التنظيمية، المنصوص عليها في الميثاق، والمخولة باتخاذ القرارات، التي تعبّر عن سياسة المنظمة. ولكنها كانت حلا توفيقياً يؤمن للكويت ومصر والمملكة العربية السعودية، الدعم المطلوب، بحكم أن الكويت كانت ترأس مؤتمر القمة الخامس، كما أن مصر كانت ترأس مؤتمر وزراء الخارجية التاسع عشر. كما كانت هيئة المكتبين تتألف من عدد محدود من الدول، معظمها يؤيد الموقف الكويتي، وهي مصر والكويت، والسعودية، والمغرب، وباكستان، وتركيا، ومالديف، والسنغال، والجابون، وفلسطين. ولهذا، فإن هيئتي المكتبين دعمتا الموقف الكويتي، ووجهتا نداء إلى العراق لسحب قواته من الكويت دون تأخير.

وقبيل اندلاع "حرب الخليج"، وجه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي نداء، في 14 يناير إلى الرئيس العراقي، ناشده فيه "أن تأمر من دون تأخير بالانسحاب، الشامل واللامشروط للقوات العراقية من الأراضي الكويتية". وأوضح أن كل الدول على استعداد للعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل مد الجسور بين العراقيين والكويتيين، وتسوية ما ظهر من خلافات بينهم، والمساعدة على إعادة جو التفاهم والصداقة الأخوية والتعاون، التي ميزت على الدوام العلاقات العراقية ـ الكويتية. بيد أن هذا البيان لم يكن متصوراً أن تكون له أي فاعلية في تسوية النزاع العراقي ـ الكويتي، ليس فقط بسبب رفض العراق الانسحاب من الكويت، ولكن أيضاً لان الأمين العام كان متعاطفاً بشكل واضح مع وجهة النظر الكويتية ـ السعودية. وقد تمثل ذلك في حضور الأمين العام، المؤتمر الذي نظمته السعودية في مكة المكرمة بعنوان "المؤتمر الإسلامي الشعبي"، لإدانة الغزو العراقي. وقد تحدث الأمين العام، حامد الغامد، في المؤتمر مؤكداً انحيازه لوجهة النظر المعارضة للعراق.

ومنذ اندلاع "حرب الخليج" في 17 يناير 1991، تراجعت المنظمة لكي تفسح الطريق أمام الحل العسكري. فقد رفض الأمين العام التجاوب مع التحركين الإيراني والباكستاني الساعيين إلى وقف إطلاق النار. فقد قدمت إيران مشروعاً من خمس نقاط، ينفذ في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. كما تحركت باكستان لتطوير مبادرة سياسية، في إطار المنظمة. ولكن الأمين العام لم يتحمس لتطوير المساعي الإيرانية والباكستانية. وعشية اندلاع الهجوم البري لدول التحالف، انعقدت هيئة مكتب مؤتمر القمة، ومؤتمر وزراء الخارجية، في القاهرة في 21 فبراير، وأصدرت بياناً أكد "التضامن مع حكومتي وشعبي الكويت والمملكة العربية السعودية"، ودعا إلى الانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط للقوات العراقية من الأراضي الكويتية، وعودة الحكومة الشرعية بقيادة الشيخ جابر أمير الكويت، والتزام العراق التام بالامتثال لقرارات مجلس الأمن ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكان الأمين العام قد صرح أثناء انعقاد تلك الدورة، بأن مبادرة السلام العراقية الأخيرة لا تمثل الحد الأدنى لما تتطلبه الشرعية الإسلامية الدولية.

ومن ثم يلاحظ، أن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تحاول أن تستخدم الأدوات المنصوص عليها في ميثاقها لتسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، ولكنها انحازت لوجهة نظر أحد طرفي النزاع، واقتصر دورها على السعي لعمل ما يخدم وجهة نظر هذا الطرف. كما أن تدخل المنظمة في النزاع لا يختلف عن التقليد المسيطر عليها الرامي إلى عدم التدخل النشيط في المنازعات بين الدول العربية.

4. الحرب الأهلية الأفغانية

بعد خروج السوفييت من أفغانستان، نشبت حرب أهلية حكومية مع فصائل المجاهدين في مرحلة أولى، ثم انتقلت الحرب لتصبح بين فصائل المجاهدين ذاتها. ويلاحظ هنا أن باكستان والسعودية وإيران أخذوا زمام المبادرة، للتوسط بين الفصائل الأفغانية. واكتفت المنظمة بدور المساند للمساعي السعودية ـ الباكستانية. فعندما قدمت السعودية مشروعها للتسوية في يناير سنة 1993، الذي تم توقيعه فيما بعد في مكة المكرمة من طرف الفصائل الأفغانية. وأعلنت المنظمة مساندتها للجهود السعودية ـ الباكستانية، وتولت منظمة المؤتمر الإسلامي إنشاء مكتب لممثلها الدائم في باكستان لمتابعة تطبيق الاتفاقية. من ناحية أخرى شكلت منظمة المؤتمر الإسلامي "لجنة أفغانستان"، لمتابعة جهود التسوية. كذلك، طالبت المؤتمرات الوزارية، ومؤتمرات القمة، بضرورة وقف التدخل الخارجي في شؤون أفغانستان، ووقف إمداد الأطراف المتحاربة بالسلاح. كما جاء في البيان الختامي لمؤتمر وزراء الخارجية الرابع والعشرين، المنعقد في جاكارتا في ديسمبر سنة 1996.

وعلى كل، فيمكن القول إن منظمة المؤتمر الإسلامي، تدخلت بشكل خاصٍ في محاولة تسوية النزاع بين الفصائل الأفغانية، ولكنها أخفقت في تلك المساعي. ويرجع ذلك إلى التناقض بين سياسات بعض الدول الإسلامية الأعضاء، وبالذات بين المملكة العربية السعودية وباكستان من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. فقد عارضت إيران جهود التسوية السعودية، على أساس أنها تؤثر في نفوذها في أفغانستان. ويرجع هذا الإخفاق أيضاً، إلى سعى بعض الدول الأعضاء إلى توظيف المنظمة كأداة لتنفيذ سياساتها، من دون السماح للمنظمة بالتحرك المستقل نحو بناء وفاق بين الدول الأعضاء، حول تسوية الحرب.



[1] دافع عن وجهة النظر تلك الرئيس الليبي معمر القذافي في مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد في لاهور سنة 1974/ وذلك حينما اقترح الرئيس الأوغندي عيدي أمين أهمية تدخل المنظمة لحل النزاع العراقي ـ الإيراني سنة 1973، وقد اعترضت إيران على ذلك على أساس أن النزاع منظور بالفعل أمام مجلس الأمن. ورد الرئيس الليبي قائلاً: ` إذا كان المؤتمر يقحم نفسه في حل النزاعات الإقليمية بين الأقطار الإسلامية … هذا شيء عظيم. ولكن لا ينبغي أن نأخذ جزءاً ونترك أجزاء. إذ أراد المؤتمر أن يدخل في هذه القضية فعليه أن يطوع للمساهمة في حل كافة النزاعات القائمة، والمحتلة بين عدد من الأقطار الإسلامية … إذا أراد (المؤتمر) أن يقوم بشيء لله ولا يلوم فعليه أن يتناول كل المشكلات القائمة بين الأقطار الإسلامية، وأن يحاول حلها بطريقة أخوية إسلامية`. مضابط مؤتمر القمة الإسلامي الثاني

[2] أشارت بعض المصادر الصحفية إلى أن إسرائيل والمعارضة السنغالية لعبا دوراً في تصعيد الأحداث بهدف إحراج الرئيس عبده ضيوف وإضعاف الدور العربي السنغالي.