إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث التاسع

المبحث التاسع

فعالية المنظمة في ميدان التعاون الفني وخلاصة الفاعلية

أولاً: فعالية المنظمة في ميدان التعاون الفني

    نص ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي في المادة 2 /أ (2) على أن من بين أهداف المنظمة، "دعم التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وفي المجالات الحيوية الأخرى". ويشير هذا الهدف إلى التعاون في الميادين غير السياسية، أي الميادين الفنية. وذلك انطلاقاً من التصور القائل، إن التعاون الفني سيخلق شبكة كثيفة من المعاملات بين الدول، ستؤدى حتما إلى تحقيق التعاون السياسي بينها في المستقبل.

1. المنظور الفكري للتعاون الفني في المنظمة

يوضح استعراض قرارات وبيانات مؤتمرات القمة، ومؤتمرات وزراء الخارجية، أن اهتمام منظمة المؤتمر الإسلامي بقضايا التعاون الفني، ازداد بصورة مضطردة مع تطور المنظمة. كما أن المنظمة طورت رؤية محددة للتعاون الفني، تحتل فيها القضايا الاقتصادية مكانة مركزية.

إذا تأملنا البيانات الختامية لمؤتمرات القمة الإسلامية، نلاحظ أن القضايا المتعلقة بالتعاون الفني لم تكن مطروحة في بيان المؤتمر الأول، ولكن أهميتها تزايدت من مؤتمر إلى آخر. فبينما خلا بيان المؤتمر الأول من أي إشارة إلى قضايا التعاون الفني، فان تلك القضايا أصبحت تمثل 72.50% من عدد سطور البيان الختامي لمؤتمر القمة الثاني، و43.3 % من عدد سطور البيان الختامي لمؤتمر القمة الثالث. ولكن هذه النسبة تدنت إلى 23.5 % في البيان الختامي لمؤتمر القمة الرابع، وارتفعت قليلاً إلى 28.3 % في البيان الختامي للمؤتمر الخامس للقمة، وتراوحت حول هذه النسبة في المؤتمرين السادس والسابع. ووصلت إلى 23.1% في البيان الختامي لمؤتمر القمة الثامن. ومن الواضح أن مؤتمر القمة الثالث يشكل استثناء في مدى اهتمام المنظمة بالقضايا الفنية، وأن تلك القضايا تحتل بصورة عامة حوالي ربع اهتمامات مؤتمرات القمة[1].

من ناحية ثانية، إذا تأملنا مضمون المنظور الفكري لقضايا التعاون الفني، نجد أن القضايا الاقتصادية تمثل محور هذا المنظور، بينما تحتل القضايا الاجتماعية والثقافية حيزاً محدوداً.

وفيما يتعلق بالأبعاد الاقتصادية للمنظور الفكري للتعاون الفني للمنظمة، فهي طبقاً لقرار المؤتمر السادس لوزراء الخارجية، المسمى التعاون الاقتصادي والتضامن فيما بين البلدان الإسلامية، تشمل تعديل التعريفات الجمركية لتسهيل التبادل التجاري، إضافة إلى تسهيل انتقال الاستثمارات. كما تتضمن تشجيع تبادل الأيدي العاملة والخبراء بين الدول الإسلامية (مؤتمرا وزراء الخارجية السابع والثامن)، وتعزيز المواصلات بشتى أشكالها بين الدول الإسلامية (المؤتمر الثامن لوزراء الخارجية)، وتكثيف المعونة الاقتصادية من الدول الإسلامية إلى الدول الإسلامية الأقل نموا (مؤتمر القمة الثالث). من ناحية أخرى، تضمن المنظور الفكري للتعاون الفني أبعاداً أخرى، تتعلق بإقامة مراكز ثقافية إسلامية تقوم بتنشيط الدراسات الإسلامية (المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية)، وتدريس اللغة العربية في المعاهد العلمية للدول الأعضاء، بحكم أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم (المؤتمر السادس لوزراء الخارجية)، ووضع تقويم موحد للشهور القمرية بين الدول الإسلامية، وإقامة دورة رياضية مشتركة للدول الأعضاء في المنظمة (المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية)، والتعاون بين الدول الإسلامية لمكافحة الأمراض الوبائية (المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية).

ويتضح من هذا العرض، أن المنظور الفكري للتعاون الفني لا يختلف إلى حد كبير عن مفهوم التعاون الفني السائد لدى الدول النامية، إلاّ باستثناء الأبعاد المتعلقة بالتعاون، في ميدان الدراسات الإسلامية واللغة العربية.

2. أنشطة المنظمة في ميدان التعاون الفني

لترجمة المنظور الفكري للتعاون الفني إلى واقع ملموس، وقعّت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مجموعة من الاتفاقيات الجماعية، كما أنشأت مجموعة من المؤسسات الفنية.

فيما يتعلق بالاتفاقيات، فهناك "الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي"، و"اتفاقية تنشيط وحماية وضمان الاستثمارات".وتُشكل هاتان الاتفاقيتان معاً، الإطار القانوني للعلاقات الاقتصادية الجماعية بين الدول الإسلامية.

أ. الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفن والتجاري

أقر مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الثامن المنعقد في طرابلس في مايو 1977 هذه الاتفاقية وقد حددت ديباجتها. أن الهدف منها هو تطوير علاقات التعاون الاقتصادي، والفني، والتجاري بين الدول الأعضاء، باعتبارها إحدى الوسائل الرئيسية، التي يمكن من خلالها دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الإسلامية. وتتضمن الاتفاقية أربعة فصول، تتعلق الثلاثة الأولى منها، بالتعاون في المجالات الاقتصادية، والفنية، والتجارية، على التوالي، أمّا الفصل الرابع فيتعلق بالبنود التنفيذية الختامية. ويحدد الفصل الأول من الاتفاقية مجالات التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، ويتضمن هذا الفصل (المادة 1)، تعهدات من الدول الأعضاء بتشجيع انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات بينها، عن طريق تقديم الحوافز والضمانات لتشجيع هذا الانتقال. وذلك من خلال التشريعات الخاصة لكل دولة. وتترك الاتفاقية للدول الأعضاء، تقدير أمر هذه الحوافز والضمانات، طبقاً لظروف كل دولة. وكذلك، يتضمن هذا الفصل بنوداً تنص على تعهد الدول الموقعة على الاتفاقية، بتشجيع المشروعات المشتركة (المادة 2)، وإجراء الدراسات المختلفة حول استكشاف إمكانات الاستثمار، وتحديد فرصه في المشروعات المشتركة (المادة 3)، وعلى تشجيع الاستثمار في مجال الإنتاج الغذائي، والتعاون من أجل تلبية احتياجات الدول الإسلامية من المواد الغذائية (المادة 4). أما الفصل الثاني من الاتفاقية، فيتعلق بالتعاون الفني، فتنص المادة الخامسة من الاتفاقية على تبادل الخبراء، وتبادل التسهيلات الفنية المتاحة، مع تنشيط عملية التدريب الفني، بهدف دعم عملية التخصص في الميادين المختلفة، وتبادل المعلومات العلمية والفنية من خلال المؤتمرات والندوات. وكذلك، نصت المادة السادسة، على ضرورة إعطاء الدول الأعضاء أولوية لبعضها بعضاً في عملية تبادل الخبرة الفنية، وانتقال العمالة "بافتراض بقاء العوامل الأخرى على ما هي عليه". ويحدد الفصل الثالث مجالات التعاون التجاري، بين الدول الأعضاء، فتنص (المادة 8/أ) على تعهد الدول الأعضاء، بأن تطبق المعاملة التجارية المتساوية، وغير التمييزية، إزاء بعضها بعضاً فيما يتعلق بسياسات التجارة الخارجية، ويقصد بذلك عدم التمييز ضد الدول الأعضاء الأخرى، في تحديد حصص الواردات، وإعطاء بعض شرط الدولة الأولى بالرعاية، كذلك ينص الفصل (المادة 8 ب) على تحرير التجارة بين الدول الأعضاء، بتخفيض أو إزالة التعريفات الجمركية وغيرها من القيود، وذلك من خلال اتفاقيات ثنائية أو جماعية، وتطالب الاتفاقية (المادة 9) الدول الأعضاء، بالأخذ بعض الاعتبار مصالح الدول الأعضاء الأقل نمواً.

ب. اتفاقية تنشيط الاستثمارات وحمايتها وضمانها

أقر هذه الاتفاقية المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقدة في بغداد في يونيه 1981. وقد نشأت الحاجة إلى هذه الاتفاقية، نتيجة لما لوحظ خلال السبعينات، من اتجاه الدول الإسلامية، ذات الفوائض الدولارية النفطية، إلى إيداع تلك الفوائد في المؤسسات المالية الغربية. وتتضمن الاتفاقية عدة بنود، أهمها:

(1) تعهدت الدول الأعضاء بالسعي لإيجاد مجالات وفرص لاستثمار رؤوس الأموال، كما تعهدت هذه الدول بتحرير اقتصادياتها الوطنية، وفتحها بما يسهل انتقال رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمار. وذلك بما يتلاءم مع الظروف الاقتصادية لكل دولة (المادة 3)، كذلك تنص الاتفاقية (المادة 4) على تعهد الدول الأعضاء، بإعطاء الحوافز والتسهيلات المختلفة لاجتذاب رؤوس الأموال في أقاليمها.

(2) حق الدولة المضيفة للاستثمار، في تنظيم انتقال رؤوس الأموال، وعملية دخول مواطني الدول الأخرى إليها (المادة 5)، أي يتم انتقال رؤوس الأموال والأفراد، بين الدول الأعضاء طبقاً للقوانين الوطنية الخاصة بكل دولة.

(3) حماية رأس المال المستثمر، بمعنى التزام الدولة المكلفة بتقديم الحماية الكافية لرأس المال المستثمر، ويقصد بذلك توفير الحماية القانونية لرأس المال المستثمر، ومعاملته معاملة تتسم بالتشجيع (المادة 2).

(4) إعطاء المستثمرين، الذين ينتمون إلى الدول الأعضاء، امتيازات لا تقل عن تلك الممنوحة للمستثمرين، الذين ينتمون إلى دول أخرى (شرط الدولة الأولى بالرعاية)، (المادة 8/1)، ولا تسري تلك على الامتيازات الممنوحة بشكل ثنائي بين الدول الأعضاء، أو الممنوحة لدول غير أعضاء قبل توقيع الاتفاقية، أو الممنوحة لأسباب معينة، لأهميتها الخاصة للدولة (المادة 8/2).

(5) يستمر التزام الدولة المضيفة للاستثمار، بالحقوق والامتيازات الممنوحة للمستثمر حتى في حالة انسحاب الدولة من الاتفاقية (المادة 7).

(6) التزام الدولة المضيفة للاستثمار بعدم اتخاذ أي تدابير تمس ملكية المستثمر لرأس المال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (المادة 10/1).

(7) حق الدولة المضيفة للاستثمار في اتخاذ تدابير نزع ملكية المستثمر، وذلك بشروط، وأن يكون هدف نزع الملكية تحقيق المصلحة العامة، وأن يتم النزع طبقا للقانون، وألاّ يتسم نزع الملكية بالتمييز ضد مستثمر معين، وأن يكون مصحوبا بالدفع السريع، لتعويض مناسب للمستثمر طبقاً لقوانين الدولة المضيفة. كما أن من حق المستثمر أن يطعن في قرار نزع الملكية، أمام المحاكم المختص في الدولة المضيفة (المادة 10/2).

(8) تعهد الدولة المضيفة للاستثمار بتحويل رأس المال وأرباحه الصافية، نقداً دون قيود، ومن دون فرض أي ضرائب، أو رسوم على "التحويلات" (المادة 11/1)، ومعنى ذلك أن الدولة المضيفة تلتزم بتمكين المستثمر من تمويل الأصول الرأسمالية التي نقلها إلى الدولة. كما أن الأرباح لا تحول إلاّ بعد إخضاعها للضريبة، بحيث لا يحول إلاّ "الربح الصافي".

(9) إنشاء مؤسسة إسلامية دولية، تشرف على ضمان الاستثمارات الموجهة من الدول الأعضاء، إلى بعضها (المادة 15).

أمّا على مستوى المؤسسات، فقد أنشأت المنظمة شبكة واسعة من المؤسسات الفنية، ولعل أهم تلك المنظمات هي: اللجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وقد تأسست هذه اللجنة، بموجب قرار صادر من المؤتمر السابع لوزراء الخارجية، المنعقد في استانبول سنة 1976. وتختص هذه اللجنة بمتابعة تنفيذ القرارات، التي يتخذها المؤتمر الإسلامي في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ووضع وتنفيذ ومتابعة مدى تطور التعاون الاقتصادي والثقافة والاجتماعي بين الدول الأعضاء، ودراسة مشروعات القرارات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي تنوي الدول الأعضاء تقديمها إلى مؤتمر وزراء الخارجية. وتتكون هذه اللجنة من ممثلين عن كل الدول الأعضاء في المنظمة. وتعقد اجتماعاتها مرتين في السنة في مختلف عواصم الدول الأعضاء، إضافة إلى ِشبكة المنظمات، التي سبق الحديث عنها في الهيكل التنظيمي لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

ولعل أهم إنجازات المنظمة في الميدان الاقتصادي، تتمثل في إنجازات البنك الإسلامي للتنمية. وقد بلغت قيمة الأنشطة، التي قام بها، البنك منذ إنشائه حتى عام 1997، حوالي 13.013 بليون دينار إسلامي، (20.57 بليون دولار أمريكي). وتشمل مجموعة مختلفة من الأنشطة، أهمها ما يلي:

(1) عمليات تمويل المشروعات

توفر عمليات تمويل المشروعات للدول الأعضاء، موارد النقد الأجنبي اللازم لتمويل المشروعات الإنمائية. وقد بلغت قيمة عمليات تمويل المشروعات، التي قام بها البنك منذ إنشائه حوالي 3.32 بليون دينار إسلامي (تعادل 4.26 بليون دولار أمريكي)، تشكل حوالي 20.7 % من إجمالي عمليات البنك. وتتضمن عمليات تمويل المشروعات، عدة أنواع من الأنشطة: كإعطاء القروض، والمساهمة في رأس المال، وعمليات التأجير والبيع بالتقسيط، والمساعدة الفنية.

(2) عمليات تمويل التجارة الخارجية

بلغت قيمة هذه العمليات حوالي 8.29 بليون دينار إسلامي (حوالي 10.41 بليون دولار أمريكي)، تشكل حوالي 50.6 % من إجمالي عمليات البنك. ويعني ذلك أن عمليات تمويل التجارة الخارجية، تمثل النسبة الأكبر من أنشطة البنك. وتسهم عمليات تمويل التجارة الخارجية، في تشجيع التجارة بين الدول الأعضاء. وبموجب نظام تمويل التجارة الخارجية، فإن البنك يشتري السلع التي تحتاجها الدول الأعضاء، ويُعيد بيعها لتلك الدول، مقابل نسبة ربح محددة، وبنظام الدفع المؤجل. ويوضح استعراض تمويل التجارة الخارجية، أن البنك يركز على تنشيط عمليات التبادل التجاري، بين الدول الأعضاء في البنك، وطبقاً لإحصاءات 1997، كانت عمليات تمويل التجارة بين الدول الأعضاء، تشكل 86% من حجم عمليات البنك، في مجال التجارة الخارجية.

(3) عمليات المساعدة الفنية

يُقصد بها تمكين الدول الأعضاء، من إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لمشروعاتها، ووضع التصميم الأولية، وتوفير الخدمات الاستشارية. إضافة، إلى شراء معدات البحث والتدريب أثناء تنفيذ المشروعات. وتُفيد عمليات المساعدة الفنية، في التعرف على المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية في الدول الأعضاء. وقد بلغت عمليات الجدوى الاقتصادية، منذ إنشاء البنك، حوالي 77 مليون دينار إسلامي (تعادل حوالي 95 مليون دولار أمريكي)، تمثل حوالي 0.2 % من إجمالي عمليات البنك. ومن أمثلة عمليات المساعدة الفنية، دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع التنمية المتكاملة في تشاد، ودراسة الجدوى الاقتصادية لمصانع العصائر في قطاع غزة.

وقد أدت أنشطة البنك، في ميدان تمويل التجارة بين الدول الإسلامية، ضمن عوامل أخرى، إلى زيادة في حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء. فتوضح إحصاءات البنك أنه خلال سنة 1973 (أي قبل إنشاء البنك) كانت نسبة صادرات الدول الإسلامية، بعضها إلى بعضاً، 66% من إجمالي صادراتها، ولكنها زادت إلى 10.1 % سنة 1997، كما أن نسبة واردات الدول الإسلامية من بعضها البعض، إلى إجمالي وارداتها، زادت من 7.9 % سنة 1973. ولكنها زادت إلى 6.6 % سنة 1997. ولاشك أن تلك النسب تعد متواضعة، ولكن ينبغي النظر إليها في سياق القيود الهيكلية على العلاقات التجارية بين الدول الإسلامية، وفي إطار حداثة خبرة البنك الإسلامي للتنمية.

(4) عمليات المعونة الخاصة

بلغت قمة هذه العمليات منذ إنشاء البنك، حوالي 373 مليون دينار إسلامي (حوالي 446 مليون دولار أمريكي) تشكل حوالي 2.2 % من إجمالي عمليات البنك، وتشمل عمليات المعونة الخاصة الأنشطة التالية:

(أ) توفير وسائل التدريب والبحوث، بهدف مساعدة الدول الأعضاء وإرشادها إلى إعادة توجيه أنظمتها المالية والاقتصادية، بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية. ولهذا الغرض أنشأ البنك، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في جدة.

(ب) تقديم الإعانات على شكل سلع وخدمات مناسبة، للدول الأعضاء المتضررة من الكوارث الطبيعية.

(ج) تقديم المساعدة الاقتصادية للدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية، في الدول غير الأعضاء، بغرض تحسين أحوالها الاقتصادية والاجتماعية، ومن أمثلة هذه المشروعات بناء مشروعات تعليمية وثقافية إسلامية في أربع مدن في الصين الشعبية، وبناء مدارس للمسلمين في إثيوبيا، وبناء مدرسة إسلامية في سيول في كوريا الجنوبية، وبناء مركز تعليمي للاجئين الإريتريين في اليمن الشمالي، وتقديم المساعدات للدول والمجتمعات الإسلامية المتضررة من الجفاف في أفريقيا. إضافة إلى العديد من الأنشطة الأخرى، كبرامج المنح الدراسية، وبرامج التعاون الفني بين الدول الأعضاء، والبرنامج الخاص بمنطقة الساحل الأفريقي، وغيرها من البرامج.

وعندما اندلعت الأزمة المالية الآسيوية سنة 1997، تدخل البنك الإسلامي للتنمية لمساعدة الدول الإسلامية الأعضاء في البنك. فقد وقع البنك اتفاقية مع أحد المصارف التابعة للبنك الإسلامي الماليزي، لاستثمار مائة مليون دولار في بورصة الأوراق المالية الماليزية لإنعاش البورصة. كما قام باستثمار مبلغ مماثل في البورصة الإندونيسية. وذلك تعبيراً عن ثقة البنك في الاقتصاديين الماليزي والإندونيسي (106 أ).

وفي الميدان الثقافي، تُعد أنشطة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الاسيسكو)، أهم أنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي. وتشرف المنظمة الإسلامية على إنشاء عدد من الجامعات الإسلامية في النيجر وأوغندا وماليزيا وبنجلاديش، وعدد من المراكز الإسلامية في مالي وغينيا بيساو وجمهورية القمر. وقد بدأت الجامعة الإسلامية في ماليزيا أنشطتها بالفعل، خلال العام 1989/1990. كذلك طورت المنظمة برامج لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وذلك في السودان وباكستان. كما تصدر المنظمة مجلة ربع سنوية تسمى "الإسلام اليوم" بالعربية والإنجليزية والفرنسية، كما أنها أعدت برامج للسابقات الثقافية والعلمية، بين الباحثين في ميدان الدراسات الإسلامية، لعل آخرها مسابقة أعداد الكتب عن "المرأة المسلمة". ويرتبط بذلك، أيضاً، النشاط الذي يقوم به مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والحضارة الإسلامية في استانبول. فقد أعد المركز مكتبة تضم حوالي 50 ألف مجلد من المراجع النادرة. كما نشر المركز عدداً من الأبحاث الخاصة به، في مختلف فروع الثقافة والحضارة الإسلامية. إضافة إلى النشاط، الذي تقوم به منظمة العواصم الإسلامية في الحفاظ على التراث الثقافة لعواصم الدول الإسلامية.

كذلك، وضعت المنظمة وثيقة الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، وهي الوثيقة التي أقرها مؤتمر القمة الإسلامي السادس. كما بدأت البرنامج الإسلامي الخاص لمحو الأمية، والتكوين الأساسي للجميع، في البلدان والجماعات الإسلامية، وبرنامج التربية الأساسية، والتكوين لتنمية الموارد البشرية في البلدان الإسلامية، وغيرها.

وأخيرا، فقد بلورت المنظمة بعض الأنشطة الرياضية المشتركة بين الدول الأعضاء، وهناك اقتراح بإنشاء اتحاد رياضي للدول الإسلامية. وقد نظمت دولة الكويت سنة 1989 أول دورة ألعاب رياضية للدول الإسلامية، باسم "دورة الصداقة والسلام"، ولكن هذه الدورة لم تستمر بعد ذلك.

ثانياً: خلاصة الفاعلية

    إن الصورة الكلية، إلى تبرز من التحليل السالف، لمجالات فعالية المؤتمر الإسلامي، تظهر أن المنظمة حققت بعض الإنجازات في ميادين التعاون الفني، وتنسيق السياسات الخارجية للدول الأعضاء، ولكنها أخفقت إلى حد كبير في ميدان تسوية المنازعات وبشكل يكاد يكون كاملا في ميدان الأمن الجماعي.

    ولعل هذه الاخفاقات هي، التي دعت نجم الدين أربكان، زعيم حزب الرفاه التركي السابق، إلى تقديم تصور لبناء منظمة الأمم المتحدة للدول الإسلامية " بحيث يكون لهذه المنظمة جهاز عسكري (منظمة التعاون الدفاعي المشترك للدول الإسلامية)، وجهاز اقتصادي (منظمة واتحاد السوق المشتركة للدول الإسلامية)، وجهاز ثقافي (منظمة التعاون الثقافي للدول الإسلامية). وحينما وصل أربكان إلى السلطة سنة 1996، حاول ترجمة هذا المشروع إلى واقع في شكل تكوين مجموعة الدول الإسلامية الثمان وهي: مصر، وتركيا، وإيران، وباكستان، وماليزيا، وإندونيسيا، ونيجيريا وبنجلاديش، وهو التجمع الذي عقد أول اجتماع قمة له في استانبول في 15 يونيه 1997، وصدر عنه "إعلان استانبول". وأهم ما تضمنه الإعلان هو، أن التجمع الجديد هو منتدى إسلامي عالمي، مفتوح لعضوية سائر الدول الإسلامية، طالما اتفقت مع الدول المؤسسة في الأهداف والمبادئ.

    إن مستوى فعالية التنظيم الدولي ـ أي تنظيم ـ يتأثر بأربعة متغيرات، وهي: الإطار القانوني، والقيادة، والمحيط الداخلي، والمحيط الخارجي. فإلى أي حد أثرت تلك المتغيرات في مستوى فعالية منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وما المشكلات، التي واجهت المنظمة في أدائها لوظائفها فحدت من فعاليتها؟ لابد أن تقودنا الإجابة على هذين السؤالين، إلى استعراض المتغيرات الأربعة السالفة.

1. الإطار القانوني لمنظمة المؤتمر الإسلامي

يتضمن الإطار القانوني عدة قضايا رئيسة، أبرزها:

أ. مجال اختصاص المنظمة

أعطى الميثاق المنظمة اختصاصات واضحة في ميدان تسوية المنازعات، والتعاون الفني، ولكنه لم يعطها إلا اختصاصات غير مباشرة في ميداني تنسيق السياسة الخارجية، والأمن الجماعي. كما أنه لم يتضمن إنشاء جهاز أو نظام للأمن الجماعي في المنظمة. ويفسر ذلك جزئياً عدم فعالية المنظمة في ميدان الأمن الجماعي.

ب. نظام الجزاءات في المنظمة

يفتقر ميثاق المنظمة إلى نظام محدد للجزاءات، التي ربما توقع على الدول التي تنتهك أحكام الميثاق، كما هو الحال في ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق جامعة الدول العربية. فلم ينص ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، إلاّ على حالة واحدة من حالات عوارض العضوية وهي الانسحاب. ومن المعروف أن الانسحاب ليس عملا جزائياً تقوم به المنظمة، ولكنه عمل إرادي تقوم به الدولة. بينما تنص اتفاقية إنشاء البنك الإسلامي للتنمية، على إمكانية تجميد عضوية وفصل الدولة التي تنتهك أحكام الاتفاقية وفصلها. ولذلك، فإن المنظمة واجهت معضلة إلزام الدول باحترام الميثاق، كما أنها حينما أرادت أن توقع جزاءات على بعض الدول، لم تجد مفراً من أن تنتهك هي ذاتها أحكام الميثاق، وذلك حينما قامت بتجميد عضوية مصر سنة 1979، وعضوية أفغانستان سنة 1980 على الرغم من أنه لا يوجد نص في الميثاق، يعطي للمنظمة صلاحية تجميد عضوية الدولتين.

ج. نظام التصويت

لم ينص ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، على نظام للتصويت في مؤتمرات القمة، ولكنه حدد نظام التصويت في مؤتمر وزراء الخارجية، حيث يتم "اتخاذ القرارات أو التوصيات بأغلبية الثلثين (المادة الخامسة). وبذلك، تفادت المنظمة المأزق، الذي وقعت فيه جامعة الدول العربية بين عامي 1945، 1971، حين أقرت الإجماع كقاعدة للتصويت في مجلس الجامعة.

ولكن مشكلة نظام التصويت في منظمة المؤتمر الإسلامي، لا تنبع من طبيعة النظام، بل جرى العرف في المنظمة على عدم إجراء تصويت على الإطلاق، سواء في مؤتمرات القمة أو مؤتمرات وزراء الخارجية. وفي تاريخ المنظمة لم يجر تصويت رسمي، إلاّ ثلاث مرات: عند تعليق عضوية مصر، وعند تعليق عضوية أفغانستان، وعند إلغاء تعليق عضوية مصر. أمّا باقي الحالات فكان اتخاذ القرارات يتم بشكل توافقي، من خلال قبول الدول، الذي يعبر عنه بالتصفيق عند طرح المشروع.

د. مشكلة العضوية

لعل مشكلة العضوية هي أخطر المشكلات القانونية المؤثرة، في فعالية منظمة المؤتمر الإسلامي. نصت المادة الثامنة من الميثاق على أنه "يحق لكل دولة إسلامية أن تنضم إلى المؤتمر الإسلامي". ويعني ذلك أن طالب الانضمام يجب أن يكون دولة، كما أن هذه الدولة يجب أن تكون إسلامية. ومن الناحية العملية ثارت مشكلتان رئيسيتان:

الأولى: أن منظمة المؤتمر الإسلامي قبلت في عضويتها فلسطين، وتمثلها منظمة التحرير الفلسطينية، ابتداء من مؤتمر القمة الإسلامية الثاني سنة 1974. على الرغم من أن فلسطين لم تكن قد أُعلنت دولة في ذلك الوقت. ويلاحظ أن "إعلان لاهور"، الصادر عن مؤتمر القمة، لم يشر رسمياً إلى قرار قبول عضوية فلسطين، مع أنه ذكرها ضمن الدول المشاركة، وتوضح مضابط مؤتمر القمة الإسلامي الثاني سنة 1974، أن موضوع عضوية فلسطين لم يناقش على الإطلاق في الاجتماعات التمهيدية لمؤتمر القمة. ولذلك، طالبت بعض حركات التحرير بعضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، (كجبهة تحرير مورو)، مما جعل المنظمة في موقف حرج مع هذه الحركات.

الثانية: أن المنظمة لم تحدد المقصود بالدولة الإسلامية. وقد جرى العمل على الترحيب بكل دولة تطلب العضوية، من دون بحث مدى إسلامية الدولة. لم يحدث في تاريخ المنظمة أن رفضت طلباً لدولة تريد الانضمام للمنظمة. وقد انضمت دول إلى المنظمة، من دون أن تصادق على الميثاق، كما حدث في عضوية جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، التي شاركت في أعمال المنظمة في مؤتمر القمة الإسلامية في سنة 1974، على الرغم من أنها كانت قد قدمت خطاباً إلى الأمين العام، بأنها تدرس المصادقة على الميثاق.

وقد أدى ذلك إلى اتساع عضوية المنظمة، فأصبحت تضم 55 دولة، تشكل خليطاً غير متجانس. ذلك أن معايير العضوية المتصورة، كنسبة السكان المسلمين أو النص الدستوري على الإسلام أو ديانة رئيس الدولة، لم تطبق. ونظراً لعدم وضوح معايير العضوية، نجد الظواهر التالية في المنظمة:

(1) هناك دول أعضاء في المنظمة امتنعت عن حضور مؤتمرات المنظمة، حوالي عشر سنوات من دون أن تكترث بإخطار المنظمة. ولم تتخذ المنظمة ضدها أي إجراء (سيراليون).

(2) هناك عدة دول لم تدفع أي اشتراكات للعضوية، منذ دخولها المنظمة حتى اليوم.

(3) أن 14 دولة فقط من الدول الأعضاء هي التي تسدد اشتراكاتها بانتظام، وباقي الدول عليها متأخرات مالية ضخمة، وصلت سنة 1990 إلى حوالي 22 مليون دولار للمنظمة، 65 مليون دولار لأجهزتها الفنية. كما أن معدل التسديد ينخفض عاماً بعد عام. وهذه الظاهرة تميز المنظمة منذ إنشائها، ففي تقرير إلى مؤتمر القمة الثاني المنعقد في سنة 1974 أشار الأمين العام، إلى أن مجموع ما حصل منذ إنشاء الأمانة الإسلامية لم يتجاوز 48% من الحصص المقدرة لمجموع الدول الأعضاء. وفي تقرير إلى المؤتمر العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في مايو 1979، أشار الأمين العام للمنظمة إلى أن في ميزانية 1977/ 1978، بلغت الاشتراكات التي تسدد 40 % من إجمالي الاشتراكات الواجب دفعها. كما أشار في تصريح له في فبراير 1999، إلى أن ديون المنظمة تجاوزت حتى آخر سنة 1998 مبلغ 23 مليون دولار، مؤكداً أن السبب هو تخلف الدول عن الوفاء بالتزاماتها المالية، وأن الأزمة المالية تكاد تعصف بالمنظمة.

(4) حينما بدأت عملية التصويت في مؤتمر وزراء الخارجية العاشر سنة 1979، على موضوع تجميد عضوية مصر، امتنع معظم الدول الأفريقية غير العربية عن التصويت، على أساس أن منظمة الوحدة الأفريقية لم تناقش موضوع المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية بعد. وأن الدول الأفريقية ملتزمة برأي منظمة الوحدة الأفريقية، أي أن الدول الأفريقية غير العربية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تلتزم أولا بقرار منظمة الوحدة الأفريقية.

(5) لم يصادق على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الإسلامية، منذ سنة 1987 حتى اليوم، سوى تسع دول، على الرغم من أن معظم الدول الأعضاء وافقت على النظام الأساسي للمحكمة، في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس.

وقد عبّر الأمين العام، في تصريح له بالرياض، في 17 يناير 1989، عن عدم اكتراث معظم الدول الأعضاء بالمنظمة، بقولة إن الدول الأعضاء لا تولي اهتماماً كاملاً بالمنظمة، كما أن أغلبية الدول لا تفي بالتزاماتها المالية تجاه المنظمة، ومن ثم فإن المنظمة لا تستطيع أن تلبى احتياجات أعضائها. كما عبر عن ضعف المنظمة بقوله "إن المنظمة لا تسعى إلى إيجاد آلية لتسوية المنازعات بين الدول الإسلامية. إن إمكانيات المنظمة محدودة، وإنها تسعى بالحسنى بين أعضائها".

ولكن يمكن القول، من ناحية أخرى، إذا كان معظم الدول الأعضاء لا يكترث بالمنظمة، فإن هناك عدد محدد من الدول الأعضاء يدعم المنظمة بشكل كامل، وهي بالتحديد بعض الدول العربية الخليجية. وفي مقدمة هذه الدول المملكة العربية السعودية. فقد كانت السعودية هي صاحبة فكرة إنشاء المنظمة، واستضافت المؤتمر الأول لوزراء الخارجية سنة 1970، الذي قرر إنشاء الأمانة العامة واستضافت تلك الأمانة. كما تحملت معظم نفقات الأجهزة المركزية والفرعية للمنظمة. ومن دون الدعم المالي السعودي للمنظمة، ما كان للمنظمة أن تستمر كمنظمة إقليمية عاملة، وطبقاً لإحصاءات المنظمة، فإن المملكة العربية السعودية تسهم بحوالي 10 % من ميزانية المنظمة، وهي أعلى نسبة للمساهمة، تليها الكويت (9 %)، والإمارات العربية المتحدة (7%).

وإذا كان الدعم السعودي مكن المنظمة من الاستمرار والنمو، فإنه أدى من ناحية أخرى. إلى تراخى معظم الدول عن أداء التزاماتها إزاء المنظمة، نتيجة شعور هذه الدول بأن الدول العربية الخليجية لن تسمح بانهيار المنظمة، ومن ثم اقتصر دور هذه الدول على المشاركة الرمزية في أعمال المنظمة.

2. قيادة منظمة المؤتمر الإسلامي

حينما تولى حامد الغابد، الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في يناير 1989، صرح أن هياكل المنظمة ليست في مستوى أهدافها، وبذلك شخص الأمين العام السابق، بلغة دبلوماسية، أزمة الأمانة العامة للمنظمة. ويبدو هذا الضعف في الهيكل التنظيمي، سواء في عدد الأعضاء أو في مدى تخصصهم في العمل الموكول إليهم، إضافة. إلى محدودية ميزانية الأمانة العامة، التي بلغت في السنة المالية 1992، 1992 حوالي 8.6 مليون دولار أمريكي، كما أن هذا المبلغ المحدود لا يصل بالكامل إلى المنظمة لأن معظم الدول لا تسدد اشتراكاتها، مما حدا بالمؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية، المنعقد سنة 1989، إلى التعبير عن قلقة البالغ إزاء المصاعب المالية، التي تواجهها الأمانة العامة والمؤسسات التابعة لها، بسبب تأخر بعض الدول الأعضاء في دفع مساهماتها، الأمر الذي يحول من دون تنفيذ الأنشطة والمشروعات الموكولة إليها. كما صدر هذا القرار ذاته، عن معظم مؤتمرات المنظمة، مما يوضح أن "المصاعب المالية" أصبحت مشكلة مزمنة تحد من قدرة المنظمة على الاضطلاع بوظائفها.

ويستطيع المتتبع لقرارات مؤتمرات القمة الإسلامية ومؤتمرات وزراء الخارجية أن يلحظ البطء الواضح في عمل أجهزة الأمانة العامة. فكثيراً ما كلفت مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية، الأمانة العامة بإجراء دراسة حول موضوع معين، لتقديمه إلى المؤتمر اللاحق. ويتكرر التكليف في المؤتمرات اللاحقة، ثم يختفي الموضوع من أعمال تلك المؤتمرات، لأن الأمانة العامة لم تنجز الدراسة ولم تقدمها.

ومن أمثلة ذلك ما حدث في مؤتمر القمة الثاني في لاهور سنة 1974، حين أثار الأعضاء موضوع إنشاء صندوق الجهاد، الذي أقره مؤتمر وزراء الخارجية الثالث في يناير 1973، وسألوا الأمين العام عن التقرير الذي كان مفروضاً أن يقدمه إلى المؤتمر. وقد رد الأمين العام بأنه عندما تسلم الأمانة العامة لم تكن هناك تقارير جاهزة في هذا الموضوعات كلها، وأضاف "أن الأمانة العامة ليس فيها من الموظفين إلاّ بقدر موظف واحد في كل إدارة، بل أن موظفاً واحد يمسك إدارتين معاً لنقص الميزانية، وأعود فأكرر ليس لدينا مرتبات تكفي لأكثر من شهر.

3. المحيط الداخلي للمنظمة

من المؤكد أن عدم تجانس التكوين الاجتماعي والاقتصادي، للدول الأعضاء، في منظمة المؤتمر الإسلامي، وضعف البنية الاقتصادية لهذه الدول، هما من العوامل التي تفسر محدودية فعالية المنظمة. فعلى الرغم من أن الدول الأعضاء تعرّف ذواتها أنها دولٌ إسلامية، كما أنها كلها في التحليل الأخير دول نامية، إلاّ أننا إنها غير متجانسة اجتماعياً واقتصادياً. ولا يقتصر عدم التجانس على عناصر القوة المادية للدولة، ولكنه يشمل أيضا القيم والنظم السياسية والثقافية. فهذه الدول لا تجمعها لغة مشتركة، أو قومية واحدة أو ثقافة مشتركة، بل نجد المسلمين في بعض هذه الدول لا يشكلون أغلبية السكان، مما يحد من قدرة تلك الدول على التفاعل الإيجابي، مع الدول الأخرى من منطلق إسلامي. يضاف إلى ذلك أن الدول الإسلامية الأعضاء، تموج بمختلف النظم والقيم السياسية المعروفة في العالم. كما أن معظم هذه الدول داخله في ترتيبات إقليمية أخرى، ربما كان لها الأولوية على ارتباطها بمنظمة المؤتمر الإسلامي. فالساحة الإسلامية ملأي بالهويات القومية، والإقليمية، والمحلية، ولكل هوية توجهاتها الخاصة، التي ربما كانت متناقضة. وقد أدى ذلك كله إلى توترات مستمرة في العلاقات، بين الدول الأعضاء.

كذلك، فإن القيود الهيكلية النابعة من طبيعة التكوين الاجتماعي والاقتصادي للدول الأعضاء، تحد من فعالية منظمة المؤتمر الإسلامي. "اتفاقية تنشيط وحماية الاستثمارات، والعلاقات التجارية بين الدول الإسلامية"، الموقعة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. بيد أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ الفعلي، ولم تؤد إلى تغيير جذري في نمط توجيه الاستثمارات الخارجية، للدول الإسلامية بعضها إلى بعض. ويرجع ذلك إلى الدول الإسلامية ذاتها. فالدول المضيفة للاستثمارات، لا تخلق المناخ الاستثماري المناسب لتشجيع الاستثمار الخارجي، وقد أشار بعض الدراسيين إلى فشل مشروعات الاستثمار في السودان، وتحويله إلى "سلة غذاء العالم العربي"، نظراً لعدم الاستقرار السياسي في السودان، وضعف البنية الأساسية للإنتاج والمواصلات. كذلك أشار الأمير محمد الفيصل، رئيس مجموعة بنوك فيصل الإسلامية إلى بعض أسباب ضعف عملية انتقال الاستثمارات بين الدول الإسلامية، في سياق حديثة عن إنشاء مجموعته "تراست" في جزر البهاما، بقولة: في البهاما سجلت ما يسمى "بالتراست"، وهي ليست شركة، وإنما وقف، وسجلته هناك لأن القوانين التي تحكم "التراست" في البهاما تسمح لي، أن انتشر عالمياً من دون أي قيود. وأنشأت شركة إدارة في جنيف أيضاً، بسبب حرية القوانين، فلا يمكن أن أنشئ مؤسسة في أي دولة عربية أو إسلامية، ويكون لها حرية التصرف في أي منطقة في العالم. فالقوانين في معظم البلدان الإسلامية تمنع ذلك. فالسبب الأساسي لهذا الانتقال، هو النقص الموجو د في قوانين الاستثمار في البلدان الإسلامية لتحرك رؤوس الأموال بيسر. أمّا فيما يتعلق بالعلاقات التجارية، فيلاحظ ضعف تلك العلاقات، على الرغم من الجهود التي يبذلها البنك الإسلامي للتنمية، ولعل ذلك راجع إلى طبيعة تكوين اقتصاديات الدول الإسلامية الأعضاء. فالملاحظ أن المواد الأولية والسلع المصّنعة، تشكل نسبة عالية من هيكل الصادرات والواردات للدول الإسلامية على التوالي. فالسلع الأولية تمثل 95 % من قيمة صادراتها، بينما تمثل السلع المصنعة 68 % من قمة وارداتها. ولمّا كان حجم قطاعات التصنيع في الدول الإسلامية محدوداً، فأنها تضطر إلى تلبية حاجاتها من السلع المصنعة عن طريق الاستيراد، من الدول الصناعية المتقدمة. ولمّا كانت الطاقة الاستيعابية للقطاعات الصناعية في تلك الدول أيضا محدودة، فإنها تضطر إلى إيجاد منافذ لمنتجاتها الأولية في أسواق الدول الصناعية. يضاف إلى ذلك، أثر الميراث الاستعماري للدول الإسلامية، الذي بموجبة تم ربط اقتصاديات معظمها رأسيا بالدولة الاستعمارية السابقة، أثر المعونات الاقتصادية من الدول الرأسمالية، على تدفق التجارة بين الدول الإسلامية، بل وأثر على أذواق المستهلكين في الدول الإسلامية وهم، كما هو معروف، يفضلون المنتجات المعمرة للدول الرأسمالية الغربية، على المنتجات المماثلة لدول إسلامية أخرى.                                        

ولهذا، فإن ضعف فعالية منظمة المؤتمر الإسلامي، في مجال انتقال الاستثمارات والعلاقات التجارية يعود إلى عوامل تتعدى المنظمة ذاتها، وربما يصعب عليها أن تؤثر فيها في المدى القصير.

4. المحيط الخارجي للمنظمة

أثرّ المحيط الخارجي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بشكل إيجابي، على مستوى فعاليتها. فطوال ربع القرن الذي مضى من عمرها، لم تكن المنظمة محل اهتمام من القوى الكبرى، بحيث تنظر إلى إمكانية توظيفها كأداة في صراعاتها الدولية. كما أن المنظمة لم تشهد في تاريخها صراعات كبرى، بين الدول الأعضاء حول السياسات الواجب إتباعها. ففي الأغلب تفضل الدولة المنشقة عدم حضور المؤتمرات، على الحضور والاشتباك في مناظرات سياسية مع الدول الأخرى. مع ميل المنظمة إلى "التساهل" في اتخاذ القرارات، لذلك، اتخذت المنظمة قرارات لم يكن من الممكن أن تمر في تنظيمات إقليمية أخرى، من دون حدوث أزمة سياسية كبرى. ومن أمثلة ذلك قرار قبول المجاهدين الأفغان كممثل لحكومة أفغانستان، في المؤتمر الإسلامي فقد تحفظت بعض الدول على القرار، ولكنها لم تجعل من تحفظها مشكلة تهدد المؤتمر، يضاف إلى ذلك أن وجود التهديد الإسرائيلي للدول الأعضاء، والتهديد الهندي لأمن باكستان، كانا من العوامل التي ساعدت على بلورة سياسية فلسطينية وكشميرية في المنظمة.



[1] الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي، والفني، والتجاري، بين الدول الأعضاء، في منظمة المؤتمر الإسلامي، جدة، واتفاقية تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، جدة.