إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / مجلس التعاون العربي





الهيكل التنظيمي




الفصل الأول

أولاً: المتغيرات والدوافع، التي أدت إلى قيام مجلس التعاون العربي

1. المتغيرات الاقتصادية، العالمية والعربية، التي ساعدت على قيام مجلس التعاون العربي

    أصبحت ظاهرة التكتلات الاقتصادية، التي بدأت تتزايد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في صورة وحدات اقتصادية وكتل تجارية كبيرة، تأخذ بأسلوب التعاون والتكامل الاقتصادي، لدرجة القول إنه لا توجد دولة اليوم بلا ارتباط، بوحدة إقليمية أكبر منها أو بمجموعة دول تشكل فيما بينها نظاماً من التعاون والتكامل الاقتصادي. وشجعت بعض المتغيرات العالمية والعربية، على الأخذ بنظام التعاون والتكامل الاقتصادي، وقت تأسيس مجلس التعاون العربي، وهي:

أ. المتغيرات على المستوى العالمي

(1) زادت إجراءات الحماية التجارية في الكتل الاقتصادية، والدول الصناعية الموجودة. وهي إجراءات ذات آثار سلبية، على صادرات الدول النامية. وهو ما زاد من معوقات التنمية، في الدول النامية، ودفعها إلى التعاون فيما بينها.

(2) أدت أزمة الديون الخارجية، إلى إعاقة جهود البلدان النامية، في تحقيق نمو اقتصادي، يعتمد على زيادة الصادرات وتنوعها.

(3) تحسن مناخ العلاقات الدولية بين الدولتين الأعظم، وهو ما جعل الاتحاد السوفيتي (سابقاً) يُعيد النظر في علاقاته مع الدول الأخرى، على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة، وإقامة المشروعات المشتركة. وأدى هذا التغيير إلى الاهتمام، بقضايا التنمية والتكامل الاقتصادي.

(4) تحول العالم بصورة متزايدة، إلى عالم التكتلات الاقتصادية والتجارية الكبيرة، مما جعل الدول العربية تسعى جاهدة في سبيل التكامل الاقتصادي الإقليمي، لكي لا تصاب بالضرر في تعاملها منفردة مع هذه الكتل الاقتصادية والتجارية الضخمة، مثل الجماعة الأوروبية، ومجموعة النافتا NAFTA.

ب. المتغيرات على الساحة العربية

    مرت البلدان العربية بتغيرات أساسية، جعلتها تختلف في العقد الأخير من القرن العشرين، عما كانت عليه في بداية النصف الثاني من القرن الحالي؛ سواء في هياكلها الإنتاجية، أو في مستوى تطورها الاجتماعي ـ الثقافي، أو في خبرتها المتراكمة في النواحي السياسية. ولعل أهم هذه المتغيرات ما يلي:

(1) درجة التباين الاقتصادي

    اختلفت الاقتصاديات العربية في نهاية الثمانينات، في درجة تباينها الداخلي، عما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات. فقد زاد نصيب الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أن هذه الاقتصاديات لم تعد تعتمد على المحصول الواحد، أو استخراج المواد الأولية فقط، بل أصبحت الشعوب العربية أكثر قدرة على استغلال مواردها عن ذي قبل. وتدل دراسة لمنظمة الخليج للاستثمارات في مارس 1989 أن عدد المصانع في دول الخليج (ومنها العراق)، وصل إلى 5405 مصنع[1].

(2) ممارسة التخطيط الاقتصادي

    قطع التخطيط الاقتصادي شوطاً كبيراً، في كثير من البلاد العربية، بحيث أصبح من الممكن تحديد حاجات كل دولة، وما يمكن أن يعود عليها من المنافع والتبادل التجاري، بينها وبين غيرها من الدول.

(3) إنتاج الغذاء

    زاد اعتماد الدول العربية في غذائها على الاستيراد. فقد وصلت واردات الغذاء العربي إلى 23.3 مليار دولار في عام 1985، ( وفقاً لدراسة أعدها اتحاد الغرف العربية، نشرت في مارس 1989 ) وقد تناقصت نسبة الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، من 60% عام 1975، إلى 37% عام 1985 في مجال القمح. وأصبحت الدول العربية مستورداً صافياً للغذاء منذ عام 1985، وهو ما يحتم على هذه الدول أن تأخذ بأسلوب التكامل في الإنتاج الزراعي، للوفاء باحتياجاتها من الغذاء.

(4) انتشار التعليم

    شهدت الدول العربية في العقود الثلاثة الماضية، نمواً ملحوظاً في انتشار التعليم، عبّر عن نفسه في الزيادة العددية الكثيرة في مؤسسات التعليم، ومعلميه، وميزانياته، وعدد الطلبة. وقد اهتمت الدول العربية بنشر التعليم في الريف، وفي المناطق الأقل تطوراً. وربط التعليم بالتنمية، ومراجعة العلاقة بين المدرسة والمحيط الاجتماعي. كما بدأت مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، في النمو على مستوى البلدان العربية، وهو ما يمنحها مقدرة جديدة، لم تكن في حوزتها من قبل، على البحث والإنماء والتعامل مع التكنولوجيا، وتطوير التصنيع الملائم، للظروف الطبيعية والاجتماعية العربية.

(5) ثورة الاتصال التي عرفها العالم العربي

    بدأت العواصم العربية الاستفادة من التطور الهائل، في مجال الاتصالات، التي شهدها القرن العشرين، وما وفرته من وسائل سريعة لنقل المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل النقل البرية والجوية السريعة، مما ساعد على زيادة الارتباط الاجتماعي والثقافي والإعلامي، بين الدول العربية.

(6) تحديث الزراعة

    شهدت الزراعة في مناطق كثيرة من الدول العربية، تحولاً إلى الزراعة الحديثة، واستخدام الوسائل الجديدة في مجالات الري، وتحسين التربة، واختيار البذور، وتحسين الإنتاج الحيواني، وإدخال التصنيع الزراعي.

(7) دور القطاع الخاص، والمشروعات المشتركة

    زاد دور القطاع الخاص العربي في التصنيع، والمشروعات المشتركة، حيث تطور في مصر، كمثال، من 8% في أوائل الستينات، إلى 24% في أوائل السبعينات، إلى 40 % في الثمانينات، مما ساعد على زيادة المشروعات الاستثمارية، بين الدول العربية.

(8) إعادة البناء السياسي

    شهدت بعض البلدان العربية، عملية إعادة بناء سياسية تسمح بالتعددية الحزبية في الداخل، وما يعنيه ذلك من تحول ديموقراطي، يوازي تطور التعليم والتصنيع ونمو الطبقة الوسطى، وانفتاح باب الصعود الاجتماعي في المجتمع. ويعني ذلك التطور، مزيداً من المشاركة السياسية الشعبية، في صنع القرار القومي.

(9) اتساع السوق العربية

    أدى توظيف فوائض البترول في التنمية، بالدول العربية المصدرة للبترول، إلى إيجاد فرص عمل لكثير من المواطنين، وانتقال العمالة من الدول، التي تتمتع فيها بالوفرة إلى الدول، التي تحتاجها، وهو ما يُترجم إلى قوة شرائية، وزيادة في الطلب، مما ساعد على التوسع في مجالات الإنتاج، وتشجيع الاستثمارات الإنتاجية.

(10) المصالح الإقليمية

    وجود تشابه ومصالح إقليمية فرعية في العالم العربي، الأمر الذي وضح في قيام مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي.

2. دوافع إنشاء مجلس التعاون العربي

كثيراً ما ينظر إلى التعاون، أو التكامل الاقتصادي، في العالم العربي، على أنه وسيلة لتحقيق الاتزان في القوى، وفرض الهيمنة داخل النظام العربي. ومن هذا المنطلق، نجد أن دوافع إنشاء مجلس التعاون العربي، قد تكون فردية، خاصة بكل دولة من دول المجلس على حده، أو دوافع جماعية.

أ. الدوافع الفردية 

    تختلف دوافع كل دولة، من الدول الأعضاء في المجلس، طبقاً لأوضاعها وظروفها في السّاحة العربية، وقت إنشاء المجلس، كالآتي:

(1) العراق

(أ) الدافع الرئيسي هو عدم دعوته للانضمام، إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عند تأسيسه في 25 مايو 1981، الذي يضم دولاً ذات نظم في الحُكم، مختلفة عن النظام الجمهوري العراقي. وعلى الرغم من أن العراق إحدى الدول الخليجية، إلاّ أنه لا ينتظر انضمامه إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

(ب) انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية، جعل العراق في وضع المنتصر القوي، الذي يسعى لمواصلة دوره القومي بفاعلية وواقعية، متعاوناً مع أصدقائه العرب، خاصة من ساندوه في محنته.

(2) الأردن

(أ) زيادة الارتباط الأردني ـ العراقي، منذ نشوب حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، مما ساعد على توطيد العلاقات بين البلدين.

(ب) رغبة الأردن في الارتباط بدول البحر الأحمر، ومنها مصر واليمن، حيث يعتبر البحر الأحمر المخرج الوحيد لتجارة الأردن إلى العالم الخارجي، خاصة وأنه يجد صعوبة في الانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

(ج) الرغبة في الارتباط بدول المواجهة ضد إسرائيل، من أجل الاتفاق على إستراتيجية موحدة لإحلال السلام، في منطقة الشرق الأوسط.

(3) مصر

(أ) رغبة مصر في الخروج من مأزق القطيعة العربية، وتوطيد وإعادة علاقاتها مع الدول العربية، التي كانت قد قطعت مع عدد منها، في عهد الرئيس السابق أنور السادات، عقب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل، في أبريل عام 1979م.

(ب) وجود جمود نسبي في علاقات مصر مع جيرانها، فمن جهة الغرب ساءت العلاقات بينها وليبيا في الماضي، مما أدى إلى الصراع المسلح بين البلدين غير مرة، ومن جهة الجنوب توترت العلاقات مع السودان، نظراً لتجميد اتفاقيات التكامل وميثاق الإخاء بين البلدين، مع تزايد السيطرة والنفوذ الليبي في السودان.

(4) الجمهورية العربية اليمنية

(أ) شعور جمهورية اليمن الشمالية بالعزلة، خاصة مع عدم دعوتها للانضمام، إلى مجلس التعاون لدول الخليج، والتوتر المستمر في العلاقات مع اليمن الجنوبي.

(ب) ضعف القدرات الاقتصادية للدول العربية المواجهة لليمن، على الساحل الأفريقي.

(ج) الرغبة في زيادة اليمن طموحاتها الاقتصادية، ومحاولة إيجاد مكان لها في الوسط العربي، خاصة بعد اكتشاف البترول، في مناطق عديدة بأراضيها.

ب. الدوافع الجماعية 

هناك دوافع جماعية، لدى دول مجلس التعاون العربي الأربع، لإعلان قيام المجلس، وهي:

(1) العلاقات الوطيدة، التي تربط بين دول المجلس الأربع، من خلال الاتفاقيات الثنائية، التي تمت من قَبْل، بواسطة اللجان العليا المشتركة.

(2) تعتبر الدول الثلاث، مصر والأردن واليمن الشمالي، ضمن مجموعة الدول العربية، التي ساندت العراق في حربه ضد إيران منذ عام 1980، فمن ذلك على سبيل المثال:

(أ) أرسلت اليمن الشمالي لواء من قواتها المسلحة، حارب إلي جانب القوات العراقية.

(ب) قدمت الأردن قدمت كافة تسهيلاتها وإمكانياتها، لمساندة العراق.

(ج) ساندت مصر وقدمت كافة إمكانياتها للعراق، خاصة في مجال الذخيرة المختلفة الأنواع، والخبراء والمستشارين، وخبرات التصنيع الحربي.

(3) الخط السياسي المتشابه، الذي تسير عليه الدول الأربع في إطار التشاور المستمر، حول كافة قضايا المنطقة ومشاكلها.

(4) جمع بين الدول الأربع، سلبيات خطط التنمية السابقة، التي أدت إلى زيادة الديون الخارجية، والاتجاه إلى الاعتماد المتبادل بدل التبعية، سواء من حيث استيراد رأس المال، أو احتكار التكنولوجيا.

(5) عانت الدول الأربع من الحروب، التي دفعت ثمناً باهظاً لها، وهي ترغب في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي.



[1] اعتمد على الإحصائيات المتوافرة، عند تأسيس مجلس التعاون العربي، عام 1989.