إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / الأمم المتحدة




مهام المراقبة في سيناء
أول اجتماع لمجلس الأمن
مؤتمر النقد والمالية
مؤتمر يالتا
مؤتمر ديمبرتون أوكس
مؤتمر سان فرانسيسكو
إنشاء مقر المنظمة
وودر ويلسون
آثار الألغام
آثار الألغام في أفغانستان
آثار الحرب العالمية الثانية
مجلس الأمن
ميثاق الأمم المتحدة
أحد أقاليم الوصاية
مدرسة المكفوفين بفلسطين
محكمة العدل الدولية
نيكيتا خروشوف
نزوح المدنيين من كوريا
نزوح المدنيين من كوسوفا
مساعدات المفوضية العليا
مساعدات برنامج الأغذية
مساعدة أطفال أفريقيا
مكافحة التصحر
مكتب المنظمة بجنيف
لغم أرضي
إعلان حقوق الإنسان
معاهدة فرساي
مقاومة الآفات الزراعية
مقر هيئة الأمم المتحدة
مقر محكمة العدل الدولية
مقر المنظمة في الأربعينيات
الأمم المتحدة في الصومال
الأمم المتحدة في العريش
الأمم المتحدة في جنوب سيناء
الأمم المتحدة في سيناء
الأمين العام في لبنان
اللاجئون في أفريقيا
المجلس الاستشاري المعماري
المجلس الاقتصادي والاجتماعي
المساعدات الطبية
المساعدات الغذائية
البرنامج التنموي
البرنامج في أفريقيا
التطهير العرقي في كوسوفا
الدورة الأولى
الجمعية العامة بنيويورك
الحد من انتشار الأوبئة
الرعاية الصحية للأطفال
القنبلة الذرية على هيروشيما
اجتماع مجلس الوصاية
اجتماع عصبة الأمم
توقيع ميثاق الأطلسي
بان كي – مون Ban Ki-moon
بحث عن الألغام في لبنان
بيريز دي كويلار
تريجف لي
تشجيع الفاو للمبيدات
تصريح الأمم المتحدة
بطرس غالي
حماية التربة من التآكل
يو ثانت
جون كينيدي
جائزة نوبل للسلام
داج همرشولد
حجر الأساس
حفظ السلام في قبرص
حقل ألغام أرضية
رفع مستوى الرعاية الصحية
زيارة همرشولد للكونغو
كورت فالدهايم
كوفي أنان
علم الأمم المتحدة
عيادة تنظيم الأسرة
فرانكلين روزفلت
فريق المنظمة في ناميبيا
قوات الحماية في يوغسلافيا





المبحث العاشر

نشاط هيئة الأمم المتحدة في حفظ السلام

    السلام العالمي هو الغاية الكبرى التي من أجلها أُنشئت هيئة الأمم المتحدة. وذلك، على نحو ما ورد في ديباجة الميثاق، وفيها: "أن نضم قوانا كي نحافظ على السلم والأمن الدولييْن"، وتتضمن جهود الأمم المتحدة، للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ثلاث مهام رئيسية، هي: صنع السلام، وحفظ السلام، وفرض السلام.

أولاً: صنع السلام:

    وهو هدف يتطلب إنجازه استخدام الدبلوماسية، والمباحثات، لتحقيق السلام والأمن الدوليين. وتتبنى الأمم المتحدة، في ذلك، دبلوماسية وقائية، للحد والتقليل من عوامل النزاع، في أماكن التوتر، في العالم. كذا تتضمن هذه الدبلوماسية الوقائية، إجراء وساطات دولية، في الصراعات القائمة، للبحث عن قاعدة لإرساء دعائم السلام. ويتضمن مفهوم صنع السلام، آفاقاً أوسع للتطبيق منها: تقنين التسلح، ومراقبته، وإزالة أسلحة الدمار الشامل.

ثانياً: حفظ السلام:

    تتطلب عمليات حفظ السلام، غالباً، استخدام القوة العسكرية لفرض النظام وحفظ السلام في أماكن النزاعات. وتستلزم هذه العمليات، أولاً موافقة حكومات الدول، التي تجرى فيها عمليات حفظ السلام. ويشارك جنود حفظ السلام[1]، في عديد من أنشطة هذه العمليات، منها إنشاء مناطق منزوعة السلاح، ومراقبتها، ومراقبة عمليات نزع السلاح، والحفاظ على النظام، في بعض المناطق المدنية، ومراقبة الانتخابات، وتقديم مساعدات إنسانية.

    وفي الفترة من 1948 إلى 1998، أجرت الأمم المتحدة 49 عملية حفظ سلام، في جميع أنحاء العالم. وتصنف هذه العمليات إلى نوعين رئيسيين؛ هما: مهام المراقبة، ومهام حفظ السلام. وتسلح قوات الأمم المتحدة التي تقوم بمهام المراقبة بأسلحة خفيفة فقط للدفاع عن النفس. أما مهام حفظ السلام، فتعد من العمليات الخطرة؛ إذ فقدت هذه القوات ما يزيد على 1400 فرد، أثناء القيام بمهامها. ونتيجة لهذه المعاناة التي تلاقيها قوات حفظ السلام، وجهودها في مجال السلام والأمن الدوليين، فقد مُنحت جائزة نوبل للسلام عام 1988 (اُنظر صورة جائزة نوبل للسلام).

    وكانت أول عملية حفظ سلام، في تاريخ الأمم المتحدة، قيام قوات الأمم المتحدة، بمراقبة الهدنة، في فلسطين عام 1948، بين القوات العربية من جانب، والقوات الإسرائيلية من جانب آخر. حيث أنشأت هيئة الأمم المتحدة هناك، "هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة" United Nations Truce Supervision Organization, UNTSO. ونتيجة لاستمرار التوتر في المنطقة، منذ ذلك الحين، حرصت الأمـم المتحدة على بقاء هـذه الهيئـة (UNTSO)، في الشرق الأوسط، إلى الآن. لذا، تُعد هذه المهمة أطول عملية حفظ سلام، في تاريخ الأمم المتحدة.

    وعلى الرغم من كل ما قدمته هذه العمليات، من جهود وتضحيات، في سبيل إقرار الأمن والسلم، في المناطق الملتهبة، لم تخل بعض عملياتها من تجاوزات عديدة. الأمر الذي حدا بالمجتمع الدولي، إلى توجيه كثير من الانتقادات لهذه العمليات. ففي عملية الأمم المتحدة في الكونغو United Nations Operation in the Congo-UNOCO، عام 1960، قامت الأمم المتحدة بإرسال قوات حفظ سلام، للمساعدة العسكرية والإدارية، لحكومة الكونغو، عقب أعمال العنف التي اندلعت إثْرَ الحرب الأهلية هناك. وقد سُمح لهذه القوات باستصحاب السلاح، دفاعاً عن النفس فقط، مع الالتزام بالحياد التام، وعدم الدخول طرفاً في الصراع الدائر. إلا أنه بمرور الوقت،  شرعت قوات حفظ السلام في الانحياز إلى بعض الأطراف المتصارعة في الكونغو. الأمر الذي دعا الهيئة الدولية، في نهاية المطاف، إلى سحب قواتها، وإنهاء عملية الكونغو، في يونيه 1964.

    كذا، كانت عملية حفظ السلام، في يوغسلافيا السابقة، مسرحًا آخر للانتقادات الدولية؛ حيث لم تستطع قوات حفظ السلام، هناك، أن توقف، أو تسيطر، على عمليات القتل الجماعي، والفظائع الإنسانية، التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين. بل إن بعض جنود هذه القوات، قد شارك في ارتكاب مخالفات وانتهاكات إنسانية، مثل: اغتصاب النساء المسلمات.

    وفي تقريرٍ من 155 صفحة، نشرته الأمم المتحدة، في نوفمبر 1999، اعترف كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، بالدور السلبي، الذي لعبته قوات حفظ السلام في البوسنة والهرسك، وأنحى باللائمة على الأمم المتحدة، وأقر بمسؤوليتها الجزئية، عن عمليات القتل الجماعي، التي أسفرت عن مصرع 20000 مسلم في المناطق الآمنة، التي حددتها الأمم المتحدة، وتعهدت بحمايتها. وكانت أبشع هذه المذابح ما حدث في سربرينيشيا (Srebrenica) عام 1995، حيث تم ذُبح 8000، أغلبهم من النساء، والشيوخ، والأطفال، في أسبوع واحد، فيما يُعد أسوأ مذبحة عرفتها أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية.

    وقد أوردت شبكة CNN الإخبارية، في نوفمبر 1999، أن البرلمان الهولندي بصدد مساءلة قائد القوة الهولندية، التي كانت مكلفة بحماية هذه المنطقة. وذلك بعد أن عُرض الفيلم البريطاني الوثائقي "صرخة من المقبرة" (A Cray From the Grave)؛ إذ ظهر الجنود الهولنديون، بعد انسحابهم من سربرينيشيا، يرقصون ويغنون ويسكرون، في حين كان الصرب هناك، يمارسون عمليات القتل الجماعي، ضد المدنيين العزل.

    ولم يختلف الأمر كثيراً في كوسوفا في عامي 1998و 1999. وعلى الرغم من قيام قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتوجيه ضربات جوية متلاحقة ضد الصرب، أدت في النهاية إلى انسحاب الشرطة الصربية، التي ارتكبت عديداً من المذابح الجماعية، ومنع عمليات التطهير العرقي، التي حدثت للمسلمين في هذه الأثناء (اُنظر صورة التطهير العرقي في كوسوفا) و(صورة نزوح المدنيين من كوسوفا).

    على الرغم من هذه المخالفات الجسيمة، فإن عمليات حفظ السلام قد تكون ضرورية في بعض الأحيان؛ إذ يشكل حضورها صمام الأمان، الذي يعمل على نزع فتيل المعارك والحروب المدمرة. وبشكل عام، تُعد سلبيات هذه العمليات، أقل بكثير من الإيجابيات المرجوة منها.

ثالثاً: فرض السلام:

    أما عمليات فرض السلام، فتعد ـ على العكس من عمليات صنع وحفظ السلام ـ من العمليات العسكرية البحتة، التي تقوم بها الأمم المتحدة، لرد عدوان. وتُعد عملية الأمم المتحدة في كوريا في عام 1950، أول عملية فرض سلام في تاريخ المنظمة. فعقب غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية عام 1950، فوض مجلس الأمن أعضاءه لإنهاء العدوان. إلا أن الاتحاد السوفيتي عارض هذا القرار، مستخدماً حق الفيتو. فما كان من مجلس الأمن، إلا أن وضع القوات التابعة للأمم المتحدة، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وأصدرت الجمعية العامة، في هذا الصدد، قرارها العام "الاتحاد من أجل السلم"، والذي يتيح للأمم المتحدة أن تتخذ ما تراه إجراءً حاسماً، لرد العدوان، وفرض الأمن والسلم الدوليين، في حالة ما إذا اعترضت، أو استخدمت، دولة من الدول الدائمة العضوية حقها في النقض أو (الفيتو)، بما يعرقل عمليات الأمم المتحدة. وقد انتهى الصراع الكوري في 1953، بتوقيع معاهدة الهدنة بين الكوريتين، في قرية بانمونجوم Panmunjom على الحدود بين الدولتين.

    ومن عمليات فرض السلام المميزة، في تاريخ الهيئة الدولية، ما قامت به القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة، عقب الغزو العراقي للكويت، في أغسطس عام 1990. فعقب هذا الغزو، أصدر مجلس الأمن عديداً من القرارات، التي تتضمن مطالبة العراق سحب قواته من الكويت، وإنهاء الغزو. غير أن العراق لم يستجب لهذه القرارات. وفي 29 نوفمبر عام 1990، شَرَّعَ مجلس الأمن استخدام كل الوسائل الممكنة لإنهاء الغزو العراقي، إذا لم يستجب العراق للقرارات السابقة، الداعية إلى الانسحاب، بحلول 15 يناير 1991. إلا أن العراق رفض الإذعان لهذه المهلة. وعلى هذا، قامت قوات الحلفاء التابعة للأمم المتحدة، بعملية عاصفة الصحراء (Desert Storm)، لإنهاء الغزو العراقي للكويت.

    وفي عام 1992، أصدر بطرس غالي السكرتير العام للأمم المتحدة آنذاك، تقريراً عن جهود الأمم المتحدة، لإقرار السلم والأمن الدوليين، تحت عنوان "خطة السلام" (Agenda for Peace)، محدداً فيها أربعة أهداف رئيسية، هي: "الدبلوماسية الوقائية"، و"صنع السلام"، و"حفظ السلام"، و"بناء السلام" عقب الصراعات. وتشتمل "الدبلوماسية الوقائية" وضع إجراءات وقائية، لمنع نشوب النزاعات، في بعض الأماكن، في العالم. وتتضمن هذه الإجراءات بناء جسور الثقة بين الدول، والحث على تقصي الحقائق، وإنشاء جهاز أو نظام إنذار مبكر، لتحديد المشاكل والأزمات المتوقعة، قبل حدوثها، وتتضمن كذلك إرسال قوات وقائية تابعة للأمم المتحدة وذلك لتخفيف حدة التوتر في أماكن النزاعات، أو المتوقع حدوث نزاع فيها.

    أما "صنع السلام"، فيتضمن العمل مع الأطراف المتنازعة جميعاً، لحل أسباب النزاعات، ويتضمن أنشطة عديدة، منها: الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، أو استشارتها، وتقديم مساعدات إنسانية، أو استخدام الحظر. كذا تتضمن استخدام القوة المسلحة في بعض الأحيان. لذا، حث الأمين العام الدول الأعضاء على إنشاء قوة مسلحة، ومساعدة مجلس الأمن، لتطبيق المادة (43) من الميثاق، وبناء قوات لفرض السلام، تكون مسلحة تسليحاً جيداً، مقارنة بتسليح قوات حفظ السلام المعتاد. أما عمليات "حفظ السلام"، فتعمل على إرسال قوات عسكرية تابعة للأمم المتحدة، وموظفين مدنيين تابعين لها كذلك، بموافقة الأطراف المتصارعة، وذلك لإنشاء مناطق منزوعة السلاح، ومراقبة معاهدات نزع السلاح، ومعاهدات السلام، وتقديم مساعدات إنسانية، ومراقبة الانتخابات.

    وفي يناير 1995، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة "ملحق خطة للسلام"، وذلك لتقييم "خطة للسلام"، عقب الفشل الذريع لعمليات حفظ السلام في الصومال ويوغسلافيا السابقة. وفي هذا التقييم، حث الأمين العام الدول الأعضاء، تقديم المزيد من المعونات السياسة، والعسكرية، والمالية، لعمليات حفظ السلام للإسهام في إنجاحها.

    أما "بناء السلام" عقب الصراعات، فيتضمن تعضيد الدعائم التي تقوي السلام، من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثل: مشاريع التنمية الزراعية بين الدول، وتبادل الثقافات، وبرامج التعليم، والشباب.

    ومن خلال كل ما سبق، تناضل المنظمة الدولية لتحقيق أهداف الميثاق، وإحلال السلام والأمن العالمييْن، باتخاذ خلال خطوات حاسمة، لإزالة المعوقات والعقبات، التي تهدد السلام، ولمنع العدوان. وإحلال السلام يعنى تأكيد مبادئ العدل، وإرساءها، لتشمل العالم.

بعض الأمثلة لنشاط الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدولييْن:

1. الصراع في كشمير:

    عقب انفصال الهند وباكستان عام 1947، أصبحت جامو وكشمير ضمن الولايات التي نالت استقلالها طبقاً لخطة التقسيم. وقد قرر حاكم ولايتي جامو وكشمير الهندوسي، في ذلك الوقت، عدم الانضمام إلى أي من البلدين. إلا أن بعض رجال القبائل البتهانية[2] قاموا بغزو ولايتي جامو وكشمير من ناحية باكستان، الأمر الذي حدا بالمهراجا الهندوسي حاكم ولايتي جامو وكشمير إلى الانضمام إلى الهند في 24 أكتوبر 1947، وعلى الفور، قامت القوات العسكرية الهندية بالتدخل لنصرته.

    وفي يناير عام 1948، تقدمت الهند بشكوى إلى مجلس الأمن بأن رجال القبائل الباكستانيين قاموا بغزو كشمير بدعم من باكستان، وأن قتالاً عنيفاً يدور هناك. وقد قامت باكستان بنفي هذه التهم، وعدت انضمام كشمير إلى الهند إجراء غير قانوني.

    وبناء على ذلك أصدر مجلس الأمن بياناً دعا فيه الجانبين إلى ضبط النفس، وحثهما على البدء في محادثات مشتركة لحل المشكلة سلمياً. ثم قام المجلس بتكوين "لجنة الأمم المتحدة إلى الهند وباكستان" للتحقيق في الأزمة. وقد تكونت هذه اللجنة، في البداية، من ممثلين، من: الأرجنتين، وتشيكوسلوفاكيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم أضيف إليها ممثلون من: كندا، وبلجيكا. وفي 21 أبريل من العام نفسه، قام مجلس الأمن بإصدار القرار (47)، الذي يتضمن عدة إجراءات، أبرزها وقف إطلاق النار بين الجانبين، وإجراء استفتاء عام في جامو وكشمير، لإعطاء الولاية حق تقرير مصيرها.

    ولإنفاذ هذه الإجراءات، قام مجلس الأمن بإرسال لجنة إلى المنطقة على الحدود بين الجانبين المتنازعين. وقد شرعت هذه اللجنة في إنفاذ مشروع وقف إطلاق النار، وعمل خطة لإجراء استفتاء في كشمير لتقرير المصير.

    وفي 1 يناير 1949، بدأ وقف إطلاق النار الفعلي. وفي الوقت نفسه، أرسلت قوات الأمم المتحدة للمراقبة في الهند وباكستان United Nations Military Observer Group in India & Pakistan - (UNMOGIP).

    وفي 18 يوليه، حدَّدَ خط وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة. وفي البداية وافق الجانبان على وقف إطلاق النار، والبدء في إجراء استعدادات للاستفتاء العام في كشمير، إلا أن الجانبين لم يتوصلا إلى خطة لنزع الأسلحة من جامو وكشمير قبل البدء في استعدادات الاستفتاء.

    وفي 14 مارس عام 1950، أصدر مجلس الأمن قراره رقم (80) بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة هناك. ثم عُين ـ في الوقت نفسه ـ ممثل للأمم المتحدة في الهند وباكستان هو السير أوين ديكسون. وعلى الرغم من الوساطات التي  قامت بها الأمم المتحدة بعد ذلك، ظل اختلاف وجهات النظر قائماً، وظلت المشكلة تطفو على السطح حيناً بعد حين في مجلس الأمن لمدة بلغت 14 عاماً، من 1950-1964.

    وفي أغسطس 1965، اندلع النزاع مرة أخرى بين الهند وباكستان حول جامو وكشمير. الأمر الذي حدا بمجلس الأمن في الرابع من سبتمبر 1965، إلى إصدار قراره رقم (209) الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار. وقرر الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت إرسال بعثة أخرى للأمم المتحدة إلى الهند وباكستان United Nations India-Pakistan Observation Mission UNIPOM لمراقبة وقف إطلاق النار بوصفه إجراءً مؤقتاً.

    وفي يناير عام 1966، جرت مباحثات بين المسئولين من الجانبين: الباكستاني، والهندي. وفي 10 يناير عام 1966، وافق الرئيس الباكستاني، ورئيس الوزراء الهندي، على سحب القوات إلى الأماكن التي كانت عليها قبل 5 أغسطس عام 1965. وقد انسحبت هذه القوات بالفعل، في فبراير عام 1966، تحت إشراف المراقبين العسكريين التابعين إلى UNMOGIP وUNIPOM. وبحلول مارس 1966، كانت بعثة المراقبة في الهند وباكستان UNIPOM قد أتمت مهمتها. وفي يوليه عام 1972، وقعت الهند وباكستان معاهدة سيملا (Simla Agreement)، التي  حددت أُطُر الإدارة في كشمير. وتشبه هذه المعاهدة إلى حد كبير الخطوط العريضة لمعاهدة كراتشي، التي تم توقيعها عام 1949، وكانت تهدف إلى تقريب وجهات النظر، وحل مشكلة جامو وكشمير حلاً نهائياً. وفي يوليه عام 1990، بدأت الهند وباكستان مباحثات حول عديد من الموضوعات المشتركة، من ضمنها مشكلة جامو وكشمير. وفي يناير عام 1994، أخفقت مباحثات أخرى على مستوى وزراء الخارجية، في تحقيق أي نجاح. وفي ظل غياب أي تقدم ملموس، أو توقيع أي اتفاق، ظلت قوات المراقبة التابعة للأمم المتحدة UNMOGIP هناك لمراقبة الموقف على جانبي خط وقف إطلاق النار، الذي حُدد وفق معاهدة سيملا. ولا تزال المشكلة قائمة حتى الآن، إذ يتفجر الموقف من آن لآخر بسبب المشكلة نفسها. وآخر هذه الأزمات وقعت عام 1999، حيث تراشق كل من الهند وباكستان الاتهامات حول التدخل في كشمير، وكاد الوضع بالفعل أن يتطور إلى حرب شاملة بين البلدين.

2. الصراع في كوريا:

    أول عملية لـ "فرض السلام" في تاريخ الأمم المتحدة

    لم يحالف النجاحُ الجهودَ التي  بذلتها الأمم المتحدة لإعادة توحيد الكوريتين، وانتهى الأمر بتكوين دولتين لكوريا عام 1948، الأولى، في الشمال، وهي كوريا الشمالية، أو جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية، والثانية، في الجنوب، وهي كوريا الجنوبية أو جمهورية كوريا. وفي العام نفسه،  تكونت لجنة، من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نوفمبر 1947، لدراسة مشكلة كوريا، والبت في الاستفسارات والموضوعات، التي طُرحت بصددها.

    وفي 25 يونيه 1950، أُبْلِغَتْ هيئة الأمم المتحدة، بأن كوريا الشمالية قد قامت بغزو كوريا الجنوبية. في اليوم نفسه، دعا مجلس الأمن الطرفين إلى وقف إطلاق النار، وسحب قوات كوريا الشمالية إلى خط عرض 38. ثم ناشد مجلس الأمن ـ بسبب احتدام القتال واستمراره ـ (اُنظر صورة نزوح المدنيين من كوريا). الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى المسارعة بتقديم كل المساعدات الممكنة لكوريا الجنوبية لرد العدوان. وفي التوقيت نفسه أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قد أصدرت أوامرها إلى قواتها الجوية والبحرية، لتقديم الغطاء الجوى، لدعم قوات كوريا الجنوبية. ثم صدرت بعد ذلك أوامر وتصريحات باستخدام القوات البرية كذلك.

    وفي يوليه من العام نفسه، ناشد مجلس الأمن الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة أن يقوموا بتقديم الدعم العسكري، وتكوين فرقة عسكرية، طبقاً للقرار السابق، بحيث تخضع هذه القوة لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استجابت 16 دولة لهذا الطلب، ومن ثم تكونت قوة عسكرية دولية، تعمل تحت قيادة التحالف.

    في تلك الأثناء، صرح الاتحاد السوفيتي بعدم قانونية هذا القرار، لصدوره في غياب عضوين دائمين في مجلس الأمن؛ هما: الاتحاد السوفيتي الذي كان غائباً لمدة 6 شهور، احتجاجاً على عضوية شيانج كاي شيك (Chiang Kai Shek) ممثل الصين في الأمم المتحدة، والصين التي قد رفضت هذا القرار، وعدته قراراً غير ساري.

    وفي نوفمبر 1950، دخلت قوات صينية متطوعة بالحرب بجانب كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية. وتلا ذلك اجتماع مجلس الأمن لمناقشة الوضع، إلا أن الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان قد عاد للمجلس، أجهض كل محاولات مجلس الأمن لاتخاذ أي قرار، بما أدى إلى استمرار القتال حتى 27 يوليه عام 1953، حتى تم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار. وأُرسلت لجنة هدنة عسكرية لمراقبة تطبيق الاتفاقية، وتسجيل أي انتهاك لها، وتذليل أي صعوبات قد تعن من خلال المباحثات. واستُبدلت لجنة الأمم المتحدة في كوريا، بلجنة أخرى من الأمم المتحدة، هي "لجنة الأمم المتحدة للاتحاد والإصلاح"، وظلت هذه اللجنة في كوريا حتى عام 1973، إلى أن  صدر قرار بالإجماع من الجمعية العامة، بحل هذه اللجنة، عقب صدور بيان مشترك من الكوريتين، في يوليه عام 1972.

    وفي عام 1974، حثت الجمعية العامة الكوريتين، على استئناف المباحثات بشأن إعادة الوحدة بينهما. وفي سبتمبر من عام 1991، أصبحت كُلٌّ من الكوريتين عضواً في هيئة الأمم المتحدة. وفي ديسمبر عام 1991، وُقِّعت معاهدتان بينهما، هما:

أ. معاهدة الصلح، وعدم الاعتداء، والتعاون، والتبادل بين الشمال والجنوب.

ب. الإعلان المشترك لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وذلك، لضمان أن تظل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي.

3. أزمة الكونغو:

    ربما تكون هذه العملية من أكثر العمليات التي  قامت بها هيئة الأمم المتحدة، تعقيداً من الناحية السياسية والقانونية. ففي عام 1960، وبعد فترة قصيرة من حصول الكونغو (ليبولدفيل) على استقلالها من بلجيكا، حدث تمرد عسكري هناك. الأمر الذي أدى إلى عودة القوات البلجيكية إلى الكونغو مرة أخرى. وصاحب ذلك زيادة التوتر، وعموم الفوضى. فما كان من الأمين العام، (داج همرشولد) في ذلك الوقت، بتأييد من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن استصدر قراراً بتدخل الأمم المتحدة، لإعادة، وفرض السلام والأمن في الكونغو. وقد حُشِدَ ما يقرب من 20 ألف جندي تابعين للأمم المتحدة في هذه العملية، التي لم تقتصر مهمتها على محاولة فرض السلام، بل تعدت إلى إدارة البلاد. فقد أدار آلاف العاملين بالأمم المتحدة الكونغو، بما في ذلك الوزارات، والمرافق الرئيسية، والبنوك، والمطارات. وقد استأنف مسؤولو الأمم المتحدة، بعد ذلك، محادثات لسحب القوات الأجنبية من الكونغو، وللضغط على الأطراف المتنازعة هناك، للموافقة على شروط ضمان لاستتباب الأمن والسلام.

    وتُعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ المنظمة كله، التي تقوم فيها بالمجازفة بإدارة بلد كامل، فيما سمي بعد ذلك بعملية "بناء أمة". كما أنها كانت المرة الأولى، كذلك، التي تقوم فيها قوات من الأمم المتحدة باستخدام القوة. ونتيجة لهذه العملية، وطبيعتها، ومع حلول عام 1964، مُنيت قوات الأمم المتحدة بخسائر في الأرواح بلغت 234 قتيلاً، فيما يعد أكبر خسارة تشهدها المنظمة، في عملية تجرى تحت لوائها، في الخمسين سنة الأولى من تاريخها.

    وعلى الرغم من نجاح قوات فرض السلام في الحفاظ على وحدة الكونغو، فإنها انزلقت في هاوية الصراع هناك، إذ لم تستطع الحفاظ على حيادها. فبينما كان الاتحاد السوفيتي يؤيد رئيس الوزراء باتريك لومبا (Patrice Lumumba) الذي أطيح به، كانت الدول الغربية تؤيد كاتنجا (Katanga). أما وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشولد (اُنظر صورة زيارة همرشولد للكونغو)، فكانت تأييد الحكومة المركزية في الكونغو. وبعد مصرع داج همرشولد في حادث تحطم الطائرة عام 1961، إبان قيامه بمهمة رسمية تابعة للأمم المتحدة لإحلال السلام في الكونغو، انتقلت تبعات المسؤولية الثقيلة إلى الأمين العام الجديد يو ثانت. ثم بدأت المشاكل تطفو على السطح مرة أخرى، حين رفضت فرنسا، والاتحاد السوفيتي، ودول أخرى دفع تكاليف عملية الكونغو، التي بلغت في ذلك الوقت حوالي 600 مليون دولار؛ إذ كانت لهما مطالب خاصة تتمثل في نقل إدارة عملية الأمم المتحدة من سلطة الأمين العام إلى سلطة مجلس الأمن.

    وقد أدى هذا الخلاف إلى تصدع الأمم المتحدة في الفترة من 1964-1965. بما ترتب عليه عدم إنفاذ أي عملية جديدة من عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة حتى عام 1973.

4. اليمن:

    في سبتمبر 1962، اندلعت الحرب الأهلية في اليمن، التي أدت إلى تدخل أطراف في صراعٍ استمر إلى عام 1969/1970.

    ففي 19 سبتمبر 1962، توفي الإمام أحمد بن يحيى، وخلفه ابنه الإمام محمد البدر. وبعد استخلافه بأسبوع، قام الثوار في اليمن بالإطاحة بالإمام محمد البدر، وإعلان قيام (الجمهورية العربية اليمنية). وقامت مصر بالاعتراف بها، ثم أتبعها الاتحاد السوفيتي في اليوم التالي، غير أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لم يقدموا على أي إجراء، حتى يتعرفوا على طبيعة النظام الجديد في اليمن.

    هرب الإمام محمد البدر، بعد الإطاحة به، من صنعاء، ومعه عائلته الملكية، إلى شمال اليمن حيث قام هناك بتجميع رجال القبائل حوله، وحشدهم، وبدأ شن حرب العصابات على الحكومة الجديدة. عند ذلك قامت الحكومة الجديدة باتهام المملكة العربية السعودية بدعم النظام الملكي المخلوع، وهددت بشن حرب على المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي أعلن فيه الإمام محمد البدر أن الثوار المسلحين الذي أطاحوا به، وأقاموا الحكومة الجديدة، قد تم دعمهم وتدريبهم في مصر (الجمهورية العربية المتحدة) آنذاك. وفي بداية أكتوبر، أرسلت مصر قوات عسكرية للقتال بجانب قوات الحكومة الجديدة، ضد النظام الملكي، بناءً على طلب من الحكومة اليمنية الجديدة.

    وفي 27 نوفمبر من العام نفسه، تقدمت البعثة الدائمة لليمن في الأمم المتحدة (كانت لا تزال الموالية للنظام الملكي السابق) بطلب لإرسال لجنة للتأكد من وجود قوات عسكرية مصرية تقاتل في اليمن. وقد رحب الوفد اليمنى الممثل للحكومة الجديدة، الذي كان قد وصل آنفاً إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الأمم المتحدة، بإرسال هذه اللجنة والتأكد من حقيقة الموقف. تلا ذلك أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بوفد واحد فقط لليمن لدى الأمم المتحدة، وكان هو وفد الحكومة الجديدة.

    وفي 27 مايو 1963، قرر الأمين العام للأمم المتحدة إرسال مراقبين للأمم المتحدة إلى اليمن. وفي 11 يونيه، أصدر مجلس الأمن القرار (179)، الذي نص على إنشاء بعثة مراقبة للأمم المتحدة United Nations Yemen Observation Mission UNYOM. وقد تكونت هذه البعثة من ستة مراقبين عسكريين، ووحدة استطلاع يوغوسلافية مكونة من 114 موظفاً، ووحدة طيران كندية، مشكلة من 12 طائرة عادية، وست طائرات عمودية فضلاً عن عدد 28 عضواً دوليًّا، وأعضاء عسكريين، تم تعيينهم في مركز التعبئة. ومثلت قوات الطوارئ الدولية في العريش بمصر قاعدة إمداد لوحدة الطيران الكندية. وقد قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين الجنرال السويدى فون هورن (General Von Horn) قائداً لهذه البعثة. ومع وصول الجنرال فون هورن، وبشائر قوات بعثة المراقبة، بدأت البعثة  مهمتها في اليمن في الرابع من يوليه 1963. وقد تحددت مهام هذه البعثة استناداً إلى معاهدة التحرير التي صاغها الأطراف الثلاثة للمشكلة، وهم: المملكة العربية السعودية، والجمهورية العربية اليمنية، والجمهورية العربية المتحدة. وقد كانت مهمة بعثة المراقبة ـ حسبما وردت في هذه المعاهدة ـ أكثر تقييداً، عكس ما كانت عليه مهمات المراقبة للأمم المتحدة في عمليات سابقة. فعلى سبيل المثال، أنشئت هذه البعثة، دونما التوقيع على أي اتفاق لوقف إطلاق النار، في حين لم يكن ثمة وقف لإطلاق النار، حتى يمكن أن يراقب. وانحصرت مهام هذه البعثة في تدوين الأحداث. ولم يكن داخلاً في مهمة البعثة العمل على حفظ السلام، أو فرضه، أو مراقبة تطبيق المعاهدة. غير أن الأحوال أخذت في التحسن بعد أن وعدت المملكة العربية السعودية بإنهاء دعمها للنظام الملكي المخلوع، وتعهدت الجمهورية العربية المتحدة بسحب قواتها من اليمن.

    وفي الثاني من سبتمبر 1964، قدم السكرتير العام للأمم المتحدة تقريره النهائي عن بعثة مراقبة الأمم المتحدة في اليمن (UNYOM)، مرفقاً به الحالات، التي مثلت خرقاً من جميع الأطراف لبنود معاهدة التحرير، والصعوبات التي  واجهتها البعثة هناك أثناء مراقبتها لتطبيق المعاهدة. وعلى الرغم من أنه كانت ثمة دلائل واضحة على انسحاب القوات المسلحة المصرية من اليمن، فلم يكن هذا دليلاً على الالتزام بتطبيق معاهدة التحرير، بقدر ما كان دليلاً على استتباب الأمن، وتحسن الأحوال بالنسبة لحكومة اليمن الجديدة. كما كانت هناك دلائل على استمرار تلقي النظام الملكي المخلوع لإمدادات خارجية.

    وفي الرابع من سبتمبر عام 1964، صدر قرار بإنهاء مهمة بعثة مراقبة الأمم المتحدة في اليمن، وسحب جميع أفرادها.

5. الأزمة الكوبية:

    لم يكن العالم قط على حافة هاوية الحرب النووية، في وقت ما، قدر ما كان في أكتوبر عام 1962. ففي ذلك الوقت، نصب الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية في كوبا الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ بعض الخطوات الحاسمة، للرد على هذا الإجراء السوفيتي المستفز. وقد وصف الرئيس السوفيتي آنذاك، نيكيتا خروشوف (Nikita Khrushof) ، (اُنظر صورة نيكيتا خروشوف)، هذا الوضع بقوله: لقد قام الأمريكان بإحاطتنا بقواتهم العسكرية، وتهديدنا بالأسلحة النووية. لذا فالآن سوف يعلمون ماذا يعني هذا الإحساس.

    وفي 16 أكتوبر 1962، تلقى الرئيس الأمريكي جون كيندي (John Kennedy) (اُنظر صورة جون كيندي)، دلائل مؤكدة، على قيام الاتحاد السوفيتي ببناء قواعد لصواريخ نووية في كوبا، وعلى الفور قرر كيندي إزالة هذه الصواريخ من كوبا، حتى لو أدى ذلك إلى اندلاع حرب بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من أن كيندي قد اقتنع بوجهة نظر وزير الدفاع روبرت ماكنمارا (Robert McNamara) ، في ذلك الوقت، من أن تلك الصواريخ لن تغير شيئاً من توازن القوى الإستراتيجية في المنطقة، فقد أصر على موقفه بحتمية إزالة هذه الصواريخ؛ حيث يعرض نصبها الأمن الأمريكي للخطر.

    وفي 22 أكتوبر، أرسل كيندي خطاباً شديد اللهجة مع السفير السوفيتي إلى (خروشوف). وقد حذر فيه من أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تغيير لميزان القوة في المنطقة، كما أنها تصر على إزالة هذه الصواريخ، وعلى الفور، بسبب ما تمثله من تهديد للأمن في المنطقة. وعقب ذلك الخطاب بساعات قليلة، وجه الرئيس الأمريكي خطاباً إلى الشعب الأمريكي، أخبرهم فيه أنه ـ وفقاً لمصادر وثيقة ـ قد وردت إليه معلومات تفيد أن الاتحاد السوفيتي يقوم ببناء قواعد للصواريخ النووية في كوبا، وأن هذه الصواريخ التي يَجْري نصبها يمكنها إصابة أي مدينة في المنطقة الواقعة بين بيرو (Peru) وخليج هيدسون (Hudson Bay)؛ لذا، أعلن الرئيس الأمريكي عن قيامه باتخاذ ثلاث خطوات حاسمة، هي:

أ. فرض حصار اقتصادي وسياسي حول كوبا.

ب. تحذير من أن الولايات المتحدة سوف تقوم باتخاذ إجراءات أخرى أشد، إذا لم يفلح هذا الحصار في إنهاء التهديد للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب.

ج. تعهد الرئيس الأمريكي بالرد بضربات انتقامية، في الاتحاد السوفيتي نفسه، إذا ما تعرضت أي دولة غربية لهجوم، أو ضربة عسكرية من كوبا.

    وأصدر الرئيس الأمريكي كيندي أوامره إلى 56 سفينة حربية أمريكية لمحاصرة كوبا، و12 غواصة حاملة لصواريخ نووية بالتوجه إلى سواحل الاتحاد السوفيتي، ووضع قاذفات القنابل الجوية على أُهْبة الاستعداد، وإعداد أكثر من مائتي صاروخ باليستي (صاروخ ذاتي الدفع) للإطلاق. ونتيجة لهذا الخطاب وللهجته الحاسمة، سُقِطَ في أيدي الدول، وأصبح العالم في ذهول خشية تدهور الأمور بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل.

    وعلى الفور، عقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً، وفي ذلك الاجتماع تبادل السفير الأمريكي آنذاك أدلاي ستيفنسون (Adlai Stevenson)، والسفير السوفيتي فاليرين زورين (Valerin Zorin) الاتهامات، والإشارة إلى الطرف الآخر بأنه السبب في تدهور الوضع. فاتهمت الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي بأنه السبب في تفاقم الأحداث، نتيجة قيامه بنصب صواريخ نووية في كوبا، وألقى  الاتحاد السوفيتي اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب حصارها كوبا.

    وقد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة (يو ثانت)، مناشداً الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية لتهدئة الأوضاع، وإيقاف الاستعدادات العسكرية، وإلغاء الحظر، والحصار المفروضين على كوبا، لمدة تراوح من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وذلك لإعطاء الفرصة لكلا الطرفين لعقد الاجتماعات، وتبادل وجهات النظر، وإيجاد حل سلمي للمشكلة. وقد لَقِيَ هذا الاقتراح قبولاً لدى الرئيس السوفيتي خروشوف، رغبة في الخروج من هذا المأزق العصيب، في حين رفض الرئيس كيندي هذه المناشدة واضعاً الأمين العام في موقف بالغ الحرج مع خروشوف. على أن السفير الأمريكي أعلم الأمين العام بعد ذلك بأن أمريكا سوف تقبل المناشدة وسترضى بخطة يو ثانت لتهدئة الوضع، في حالة إذا ما طلب يو ثانت من خروشوف إبعاد السفن السوفيتية عن المواقع الأمريكية، ولو لفترة قصيرة، لاختبار حسن المقاصد. وبالفعل استجاب خروشوف لهذا الطلب فوراً، الأمر الذي دعا الرئيس الأمريكي كيندي إلى الاستجابة لمناشدة الأمين العام الثانية، وقبول خطته لتهدئة الأوضاع الملتهبة، ومن ثم بدء المحادثات.

    وكانت المحادثات، بين الرئيسين خروشوف وكنيدى، تعقد بطريق التراسل. ففي رسالة في 27 أكتوبر من خروشوف إلى كيندي، أفاد الرئيس السوفيتي " أنه إذا أكدت الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي أنها لن تقوم هي، أو أحد حلفائها، بضرب كوبا، فإن الوضع كله سوف يتغير". وقبل أن يرد كيندي على هذه الرسالة، وصلت إليه رسالة أخرى من خروشوف، عبر راديو موسكو، الذي كان يذيع خطاباً للرئيس خروشوف، طالب فيها أمريكا بإزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا. إلا أن الرئيس الأمريكي فضل في رده أن يركز على الخطاب الأول، فأكد للرئيس السوفيتي، أنه لن يضرب كوبا، وسيفك الحصار عنها عاجلاً، غير أنه ـ من جانب آخرـ تجاهل تماماً الطلب السوفيتي بإزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا.

    وفي 28 أكتوبر، رد خروشوف على خطاب الرئيس كيندي، بأنه يثق في كلامه وتعهداته، وبالتالي سوف يسحب صواريخه من كوبا. وانتهت المأساة عند هذا الحد، بعد أن أوشك العالم أن يتعرض لحرب عالمية نووية.

6. مشكلة قبرص:

    في 16 أغسطس عام 1960، أصبحت قبرص جمهورية مستقلة، وفق دستور يهدف إلى التوازن بين القبارصة الأتراك، والقبارصة اليونانيين. وفي 20 سبتمبر من العام نفسه، أصبحت جمهورية قبرص Republic of Cyprus عضواً في الأمم المتحدة. وقد ساد الجزيرة هدوء نسبى حتى عام 1963، وذلك حينما تدهور الوضع نتيجة الخلافات السياسية بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، نتيجة قيام الرئيس "مكاريوس" بهضم حقوق السكان القبارصة الأتراك، الأمر الذي أدى إلى اندلاع القتال بين الطائفتين في ديسمبر من العام نفسه. وفي 14 مارس عام 1964، وبموافقة جميع الأعضاء، تقدم مجلس الأمن بتوصية لتكوين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قبرص United Nations Peacekeeping Force in Cyprus - UNFICYP ومهمتها منع تجدد القتال والإسهام في إحلال النظام والقانون في الجزيرة، وطالب مجلس الأمن الأمين العام (يو ثانت) إبرام معاهدة مع الحكومات الأربع المعنية، وذلك لإنهاء الوضع المتردي في الجزيرة، وإحلال السلام فيها. وبحلول يونيه من العام نفسه، كانت قوات حفظ السلام، وقوامها 6238 جندياً وموظفاً، تقوم بمهامها في حفظ السلام في الجزيرة، ومنع تجدد أعمال العنف. وكانت تكاليف هذه القوة تدفعها الدول المشاركة فيها بقوات، فضلاً عن الحكومة القبرصية. وقد كانت المدة المحددة لهذه القوات ثلاثة أشهر، إلا أنه تم مُدَّدَت، نظراً إلى المهام الصعبة التي كانت منوطة بها. وكانت قيادة هذه القوة موكلة إلى الأمين العام مباشرة (اُنظر صورة حفظ السلام في قبرص).

    وفي 1974، تجدد القتال في قبرص مرة ثانية، إلا أنه في تلك المرة، تدخلت القوات التركية،  وقامت باحتلال جزء من الجزيرة. ثم أُبرمت اتفاقية لوقف إطلاق النار، من قِبَل قوات حفظ السلام، حتى يُتمكن من إخلاء الجزيرة من الأجانب، والدبلوماسيين، ونقل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، والتمركز في مطار نيقوسيا. إلا أن القبارصة اليونانيين لم يرتضوا هذا الوضع نتيجة إحساسهم بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا، فقاموا بأعمال شغب، وهاجموا السفارة الأمريكية في قبرص، وقاموا باحتلالها، وقتل السفير الأمريكي. وفي النهاية أُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين، وقامت قوات الأمم المتحدة بمراقبة خط وقف إطلاق النار، وتسجيل التجاوزات التي كانت تتم.

    وعلى الرغم من أن قوات حفظ السلام في قبرص كان قد حُدد لها مدة ثلاثة أشهر، بداية للاضطلاع بمهامها، إلا أنها استمرت في العمل إلى أكثر من 30 عاماً. وفي أثناء هذه المدة، قامت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمراقبة التزام الطرفين المتصارعين بوقف إطلاق النار على جانبي الخط

    المحدد لوقف إطلاق النار. وقد مُنيت القوات في تلك المهمة بخسائر تتعدى 165 قتيلاً. ومع ذلك تُعدّ تلك العملية من أنجح عمليات حفظ السلام، التي  قامت بها الأمم المتحدة في تاريخها.

    وفي النصف الثاني من عام 1996، بدأ الوضع السياسي في قبرص في التدهور مرة ثانية، وبدأت عمليات انتهاك وقف إطلاق النار تتزايد من قِبَل الطرفين، وبالتالي أوصى الأمين العام للأمم المتحدة بتجديد مهمة قوات حفظ السلام هناك، حتى يونيه 1997.


 



[1]  يعرفون أيضاً باسم "الخوذات الزرقاء"، Blue Helmets

[2]  وهم من أصل أفغاني في الهند وباكستان.