إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / الأمم المتحدة




مهام المراقبة في سيناء
أول اجتماع لمجلس الأمن
مؤتمر النقد والمالية
مؤتمر يالتا
مؤتمر ديمبرتون أوكس
مؤتمر سان فرانسيسكو
إنشاء مقر المنظمة
وودر ويلسون
آثار الألغام
آثار الألغام في أفغانستان
آثار الحرب العالمية الثانية
مجلس الأمن
ميثاق الأمم المتحدة
أحد أقاليم الوصاية
مدرسة المكفوفين بفلسطين
محكمة العدل الدولية
نيكيتا خروشوف
نزوح المدنيين من كوريا
نزوح المدنيين من كوسوفا
مساعدات المفوضية العليا
مساعدات برنامج الأغذية
مساعدة أطفال أفريقيا
مكافحة التصحر
مكتب المنظمة بجنيف
لغم أرضي
إعلان حقوق الإنسان
معاهدة فرساي
مقاومة الآفات الزراعية
مقر هيئة الأمم المتحدة
مقر محكمة العدل الدولية
مقر المنظمة في الأربعينيات
الأمم المتحدة في الصومال
الأمم المتحدة في العريش
الأمم المتحدة في جنوب سيناء
الأمم المتحدة في سيناء
الأمين العام في لبنان
اللاجئون في أفريقيا
المجلس الاستشاري المعماري
المجلس الاقتصادي والاجتماعي
المساعدات الطبية
المساعدات الغذائية
البرنامج التنموي
البرنامج في أفريقيا
التطهير العرقي في كوسوفا
الدورة الأولى
الجمعية العامة بنيويورك
الحد من انتشار الأوبئة
الرعاية الصحية للأطفال
القنبلة الذرية على هيروشيما
اجتماع مجلس الوصاية
اجتماع عصبة الأمم
توقيع ميثاق الأطلسي
بان كي – مون Ban Ki-moon
بحث عن الألغام في لبنان
بيريز دي كويلار
تريجف لي
تشجيع الفاو للمبيدات
تصريح الأمم المتحدة
بطرس غالي
حماية التربة من التآكل
يو ثانت
جون كينيدي
جائزة نوبل للسلام
داج همرشولد
حجر الأساس
حفظ السلام في قبرص
حقل ألغام أرضية
رفع مستوى الرعاية الصحية
زيارة همرشولد للكونغو
كورت فالدهايم
كوفي أنان
علم الأمم المتحدة
عيادة تنظيم الأسرة
فرانكلين روزفلت
فريق المنظمة في ناميبيا
قوات الحماية في يوغسلافيا





المبحث الثاني عشر

أنشطة الأمم المتحدة في مجالي المساعدات الإنسانية وحقوق الإنسان

أولاً: أنشطة الأمم المتحدة في مجال المساعدات الإنسانية:

    منذ تنسيقها لعمليات الإغاثة الإنسانية في أوروبا، بعد الكوارث الإنسانية التي نجمت عن الحرب العالمية الثانية، أصبحت الأمم المتحدة العضو الرئيسي في آلية المساعدات الإنسانية، التي تسارع إلى الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية، أو تلك التي من صنع الإنسان، والتي لا يقدر على تحمل تبعاتها بلد واحد بمفرده.

    واليوم، تُعد هيئة الأمم المتحدة هي القائم الرئيسي بالأعمال الإنسانية في العالم؛ إذ تقوم بإمداد الغذاء، والمأوى، والدواء، والحماية القانونية من خلال وكالاتها العاملة، وهيئاتها الإنسانية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

    وبحلول عام 1997، كانت الأمم المتحدة قد قدمت مساعدات إنسانية، لما يزيد على 50 مليون نسمة، ممن أضيروا في حروب أهلية، خلال فترة التسعينات فقط.

    وفي عام 1997 فقط، وجهت هيئة الأمم المتحدة ما يزيد على عشرة نداءات للوكالات المختلفة، قامت على أثرها بجمع ما يزيد على 800 مليون دولار أمريكي، لمساعدة ما يزيد على 15 مليون نسمة في 15 دولة. كما قام مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة، بتقديم المساعدة والحماية، لأكثر من عشرين مليون لاجئ ومشرد.

    هذا، فضلاً عن أن برنامج الغذاء العالمي يقدم ما يزيد على ثلثي المساعدات الغذائية الطارئة في العالم، لإنقاذ الملايين من الموت جوعاً.

    وتُعد المساعدات الفورية للضحايا في حالات الطوارئ، هي أول خطوة أساسية تقوم بها الأمم المتحدة، إلا أن دور الأمم المتحدة لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى تقديم المساعدات الإنسانية، على المدى الطويل، للضحايا، ومد يد العون لهم، لمساعدتهم في العودة إلى حياتهم الطبيعية.

    ويتزايد العبء الملقى على كاهل المنظمة الدولية سنة تلو الأخرى؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي عام 1997، قتلت الكوارث الطبيعية، من عواصف، وفيضانات، وزلازل، ما يزيد عن 13 ألف نسمة، وسببت خسائر اقتصادية تقدر بما يزيد على 30 مليار دولار أمريكي. وقد وقعت أكثر من 90 في المائة من هذه الكوارث في البلدان النامية، الأمر الذي يُعد مؤشراً خطيراً على مدى تأثير الفقر والتكدس السكاني في توسيع آثار هذه الكوارث، وتضخيمها.

    كذلك تقوم الأمم المتحدة بتوعية الأقطار، ومدها بوسائل مواجهة هذه الكوارث؛ حيث عنيت بوضع خطط طوارئ لمواجهة الكوارث داخل برامجها القومية للتنمية.

    ونظراً إلى تصاعد الحاجة لإستراتيجية طوارئ لمواجهة الكوارث، أعلنت الجمعية العامة عقد التسعينات "العقد الدولي للتخفيف من الكوارث الطبيعية". وكان الهدف من هذا الإعلان التخفيف من تأثير الكوارث الطبيعية، على الأرواح، والاقتصاد، والحالة الاجتماعية. وللوصول إلى هذا الهدف، اتخذت مجموعة إجراءات وأساليب علمية، منها تقييم خطورة الكوارث، ومدى التأثر بها، وإنشاء نظام إنذار مبكر، وتبني مفاهيم التنمية المستدامة، ووجود تعهد سياسي، وتبادل معلومات وتقنية حديثة. وقد ساعد المؤتمر العالمي للتخفيف من الكوارث World Conference on Disaster Reduction، الذي عقد في اليابان عام 1994 في تطوير استراتيجيات حديثة للتغلب على الآثار المدمرة للكوارث الطبيعية.

1. تنسيق المساعدات الإنسانية العاجلة:

    ما إن انتهت الحرب الباردة، حتى راحت الصراعات السياسية، والحروب الأهلية، في مختلف بقاع المعمورة، تأخذ بعداً أكثر شراسة وامتداداً، بداية من أفغانستان، ومروراً بكل من العراق وليبريا ورواندا وبوروندي والصومال، وانتهاءً بيوغسلافيا وكوسوفا وتيمور الشرقية والشيشان. وقد استنزفت هذه الصراعات قدرات المجتمع الدولي، وكادت أن تقلص من جهوده الفعالة في المساعدات الإنسانية. الأمر الذي حدا بالأمم المتحدة، إلى أن تطور من استراتيجيتها وقدراتها، في مواجهة هذه المواقف الصعبة، والقيام بعمليات الإغاثة على نحو شبه آمن، لكنه لا يخلو من مخاطر، في المناطق الملتهبة التي تشهد صراعات دامية.

    وفي هذا الصدد أُنشئ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية Office for the Coordination of Humanitarian Affairs-OCHA، الذي يعمل بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة والهيئات الحكومية وغير الحكومية، لتيسير عمليات الإغاثة الإنسانية، والتنسيق فيما بينها، على نحو يجعلها أكثر فعالية وتأثيراً. ومنذ عام 1992، جمع المكتب بجمع ما يزيد على 11 مليار دولار أمريكي، خُصصت للإغاثة في حالات الطوارئ.

    كما يعمل المكتب على تلقي المعلومات المختصة بحالات الطوارئ، في جميع أنحاء العالم، ونشر المعلومات بين المكاتب والوكالات المختصة، والاستجابة الفورية لحالات الطوارئ، وبخاصة حالات الكوارث الطبيعية.

    وعلى الجانب الأخر، أنشأت الجمعية العامة، في عام 1991، اللجنة الدائمة للتنسيق بين لجان الأمم المتحدة Inter-Agency Standing Committee، وذلك لتنسيق الاستجابات الدولية الإنسانية في حالات الطوارئ. ويرأس هذه اللجنة منسق الإغاثة الإنسانية التابع للأمم المتحدة. وتشرف هذه اللجنة على الاستجابة الفورية لأعمال الإغاثة الإنسانية. ويشارك معها في أعمال الإغاثة الإنسانية عدد من الوكالات والمنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، منها: صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الزراعة والأغذية العالمية، والمنظمات الإنسانية الحكومية الرئيسية، والمنظمات الرئيسية غير الحكومية.

2. تقديم المساعدات:

    ويقدم المساعدات الإنسانية في حالات الكوارث والطوارئ أربعة أجهزة عاملة رئيسية تابعة للأمم المتحدة، هي: برنامج الغذاء العالمي، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وخلال العقد الماضي، تركت الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، ما يقرب من مليون طفل، ما بين: يتيم، وتائه، فضلاً عن 12 مليون طفل فقدوا المأوى، و10 ملايين طفل أصيبوا بجراح مختلفة. وقد أدى صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة رسالته في مد هؤلاء الأطفال، بالغذاء، والمياه النقية، والدواء، والمأوى. ومما هو جدير بالذكر أن هيئة اليونيسيف تسهم في تنمية هؤلاء الأطفال ورعايتهم، من خلال أنشطتها المختلفة، في مجالي الصحة والتعليم، داخل مخيمات اللاجئين. وفي عام 1997، قدمت اليونيسيف بتقديم إسهاماتها إلى 26 دولة تأثرت بالصراعات المسلحة.

    كذلك تبنت اليونيسيف فكرة "الأطفال منطقةً للسلام"، وأنشأت ما عرف بـ"أيام السكون" و "بوابات السلام" في كل من: أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا الوسطى. وهي أيام وأماكن، يحظر فيها القتال، وتبادل إطلاق النار تأميناً لسلامة الأطفال والمدنيين في تلك المناطق. وقد لفتت اليونيسيف أنظار العالم لما يعانيه الأطفال في الحروب؛ حيث بلغ عدد ضحايا الحروب من الأطفال، منذ عام 1987 حتى الآن، ما يزيد على 2 مليون قتيل و6 مليون جريح أو معوق. هذا، فضلاً عن آلاف الأطفال الذين زُجَّ بهم في هذه الحروب. وفي هذا الصدد، عين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثه الشخصي لشئون الأطفال في الصراعات المسلحة، وذلك لضمان حماية الأطفال أثناء هذه الصراعات.

    ويُعد برنامج الأمم المتحدة للتنمية، واحداً من منظمات الأمم المتحدة العاملة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، في حالات الطوارئ. ويعمل هذا البرنامج على ضمان، والتأكد من، تقديم المساعدات للمناطق المنكوبة، مع استعادة أنشطتها التنموية بأسرع وقت ممكن، وذلك من خلال تقديم مشروعات إصلاحية، والعمل على إعادة تأهيل هذه المناطق مرة ثانية.

    كما يقوم برنامج الغذاء العالمي بالاستجابة الفورية لملايين الضحايا في الحروب، والصراعات العرقية، والكوارث الطبيعية، ومدهم بالمساعدات الغذائية والإنسانية، في جميع أنحاء العالم.

    وتستنزف هذه المآسي والكوارث، وبخاصة تلك التي من صنع الإنسان، معظم احتياطي برنامج الغذاء العالمي (ما يقرب من 70%). وتساعد منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (FAO) بمساعدة المزارعين، في حالات الكوارث الطبيعية، أو الناشئة عن مهاجمة الأوبئة للثروة الحيوانية والزراعية. وتقوم شؤون العمليات الإنسانية الخاصة بتنسيق تقديم مساعدات الفاو إلى المنكوبين، كما يُصدر جهاز الإنذار المبكر والمعلومات العالمي التابع للفاو، بإصدار تقرير شهري عن حالة الغذاء في العالم، وينبه الحكومات ومنظمات الإغاثة والأقطار المهددة بنقص الغذاء.

    ويمُد قسم الطوارئ والعمليات الإنسانية التابع لمنظمة الصحة العالمية WHO Division of Emergency and Humanitarian Action EHA، يد العون في مجال الصحة في حالات الطوارئ، خصوصاً في حالات انتشار الأوبئة. وكذلك، تقديم المعونة في مجال معلومات الصحة العامة، والتدريب في مجال صحة الطوارئ.

    كذلك يقوم هذا القسم، بالمراقبة، والإشراف، على إمدادات أدوية الطوارئ والبعثات الصحية، وتقديم المساعدات الفنية في هذا الصدد.

3. الحماية الدولية ومساعدة اللاجئين:

    خلال عام 1997، قدمت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بتقديم الحماية الدولية، لأكثر من 22 مليون نسمة، من الذين شردتهم الحروب، أو هربوا من الاضطهاد؛ منهم 12 مليون لاجئ، وحوالي 4,4 مليون، نزحوا من ديارهم داخل حدود دولهم، لسبب أو لآخر. على أنه تظل الصراعات الداخلية تمثل السبب الرئيسي لمأساة هؤلاء اللاجئين. فبنهاية عام 1997، قدمت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يد العون، لما يربو على 2.6 مليون لاجئ أفغاني، و631 ألف عراقي، و525 ألف صومالي، و517 ألف بوروندي و487 ألف ليبري. وقد تفاقمت مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بعد أن أدرجت، في مهامها، العمل على مساعدة أعداد كبيرة، يعيشون في مثل ظروف  اللاجئين، من النازحين والمشردين داخل تخوم بلادهم، حيث صار من الصعوبة بمكان التفريق بين وضع اللاجئين، ووضع هؤلاء الذين يتأثرون بصراعات داخلية تضطرهم إلى ترحال دائم لا يتوقف. وقد زادت، في الآونة الأخيرة، أعداد المشردين زيادة مطردة، حيث فاقت أعدادُ النازحين المشردين، نتيجة الصراع في يوغسلافيا، أعدادَ لاجئي الحرب العالمية الثانية في أوروبا حتى وقت هذه المأساة. وقد ساعدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بوصفها المؤسسة الإنسانية الرئيسية، هؤلاء اللاجئين والمشردين والنازحين. كما مدت المفوضية، يد العون للنازحين في أفريقيا الوسطى ورواندا، وتقديم المساعدة إلى 816 ألف من البوسنة والهرسك، 655 ألف من سيراليون، 586 ألف من بوروندي، 551 ألف من أذربيجان. ومع ذلك، يُعد العدد الكلي للنازحين والمشردين داخل تخوم بلادهم، نتيجة للصراعات الداخلية المسلحة، أكبر من ذلك بكثير.

    وقد شهد عقد التسعينات - على الرغم من كثرة صراعاته وكوارثه الدولية - محاولة لوضع حلول إيجابية لمشكلة اللاجئين في العالم. فبنهاية عام 1997، عاد ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ أفغاني، وما يقرب من مليوني لاجئ بوروندي - بعد مأساة عامي 1994، 1996 - و1.5 مليون عراقي، إلى ديارهم. ولضمان عودة هؤلاء اللاجئين والنازحين، إلى حياتهم العادية عودة آمنة، ولتفادي الآثار السلبية الناتجة عن تدافع هؤلاء اللاجئين في العودة، مع عجز البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتهم عن استيعابهم الكامل، قامت المفوضية بالتعاون مع عديد من الوكالات والمنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة لتيسير عودتهم واندماجهم في مجتمعاتهم، واستلزم ذلك تقديم مساعدات عاجلة للمحتاجين، وبدء البرامج التنموية في المناطق المنكوبة، وخلق فرص عمل جديدة. وفي هذا المجال، ساعدت المفوضية العليا، ما يزيد على 3.5 مليون عائد، بالتعاون مع الوكالات والمؤسسات التنموية الأخرى. ولتوفير الحماية الدولية للاجئين، تبنت المفوضية العليا شروطاً دولية، لمعاملة اللاجئين، وحمايتهم، وضمان حقوقهم في البلدان التي نزحوا إليها، وحمايتهم من إجبارهم على العودة إلى ديارهم. وخلال كل هذه المجهودات، قامت المفوضية بالعمل على تيسير عودة اللاجئين الاختيارية إلى ديارهم، أو مساعدتهم في الاندماج في البلدان التي نزحوا إليها، إذا لم تكن عودتهم إلى بلادهم ممكنة. وقد عُرَّف الوضع القانوني للاجئين في "المعاهدة المختصة بشئون اللاجئين " عام 1951، ثم في البرتوكول الخاص بها، عام 1967، وفيه عُرِّفت حقوق اللاجئين وواجباتهم.

4. اللاجئون الفلسطينيون:

    أنشأت الأمم المتحدة عام 1949، "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى"، لتقديم الإغاثة الإنسانية، وتشغيل ما يقرب من مليون فلسطيني، اضطروا إلى ترك ديارهم بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم، على فلسطين العربية المحتلة عام 1948. وبحلول عام 1997، كانت الوكالة قد قدمت الإغاثة الإنسانية، إلى ما يزيد عن 3.5 مليون فلسطيني في كل من: الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية المحتلة. وقد زادت الأعباء الملقاة على عاتق الوكالة بتزايد الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، مثلما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية، والانتفاضة الفلسطينية، وحرب الخليج، التي أدت إلى نزوح ما يقرب من 300 ألف فلسطيني، إلى أماكن عمل الوكالة. وتقع مقار الوكالة في كل من: غزة، وعمان بالأردن. ويرأس المفوضيةَ مفوضٌ عامٌّ، يقوم بتقديم التقارير إلى الجمعية العامة، وتساعده لجنة استشارية تضم ممثلين من كل من: مصر، وسورية، وتركيا، وبلجيكا، وإنجلترا، وفرنسا، والأردن، واليابان، ولبنان، والولايات المتحدة، فضلاً عن طاقم موظفين دوليين. كما تقوم الوكالة بتوظيف ما يقرب من 22 ألف شخص، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين. وللوكالة حوالى 648 مدرسة ابتدائية وإعدادية، قامت بتقديم الخدمات التعليمية لما يزيد على 447 ألفاً من الطلاب الفلسطينيين خلال عام 1997. بالإضافة إلى 8 مراكز تدريب مهنى تقوم بتقديم الخدمات إلى ما يزيد عن 6200 طالب. كما أن للوكالة حوالى 122 مركزاً صحياً، تقدم خدماتها الصحية إلى ما يقرب من 7.2 مليون شخص سنوياً. كما تقوم الوكالة بتقديم الخدمات الصحية، لما يزيد عن 1.1 مليون لاجئ، يعيشون في 59 مخيماً للاجئين.

    وبعد معاهدات السلام في 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي تم على أثرها إنشاء الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، دخلت الوكالة عصراً جديداً من العمل مع اللاجئين الفلسطينيين: إذ اتجهت الوكالة إلى الاهتمام بالبنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة للفلسطينيين، وتحسين ظروف المعيشة، وذلك من خلال "برنامج تطبيق السلام"، الذي تلقى، بحلول عام 1997، مساعدات تقدر بما يزيد عن 220 مليون دولار.

    وعلى الصعيد الدولي تبدو "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" عاملاً من عوامل الثبات في منطقة مليئة بالمتغيرات. حتى أن اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم ينظرون إلى برامج الوكالة بوصفها تعهدات من المجتمع الدولي بإيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

5. دور الصليب الأحمر:

    تُعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر "ICRC"، هي الوصي والحارس المسؤول عن تنفيذ القانون الإنساني، حيث وُضِعت بروتوكولات ومعاهدات جنيف في اجتماعات دبلوماسية، دعت إليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد عملت على جعل اللوائح المكتوبة واقعاً عملياً، وذلك بمدها مظلة الحماية للمدنيين وجرحى الحروب والأسرى.

    ففي عام 1993 فقط، زارت لجنة الصليب الأحمر ما يزيد على 144 ألف محتجز في 55 دولة. كما قامت بالمساعدة في العثور على 10.000 مفقود في الحروب، وإعادة تجميع ما يقرب من 2200 عائلة، مزقتها الحروب، وفرقتها الصراعات. كما خصصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ما يقرب من نصف ميزانيتها السنوية للإسهام في عديد من الخدمات الطبية، وإمداد الغذاء والمأوى والخدمات الأساسية للمدنيين المنكوبين أثناء الحروب.

    كما ان استقلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر وحيادها لأكثر من 130 عاماً، قد مكن هذه المنظمة الدولية من القيام بدور مميز وحيوي في العلاقات الإنسانية الدولية. وعلى الرغم من تعزيز اللجنة الدولية للصليب الأحمر احترام قوانين الحرب، من طريق نشراتها وأبحاثها في هذا المجال ودوراتها التعليمية والتدريبية، إلا إنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي، الذي تجده منظمات حقوق الإنسان الأخرى؛ إذ تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعمل الدؤوب لتعزيز احترام قوانين الحرب، مفضلة القنوات الدبلوماسية على القنوات الإعلامية للهيئات والمنظمات الأخرى العاملة في مجال حقوق الإنسان.

ثانياً: نشاط الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان:

    تنال حقوق الإنسان اهتماماً، ووضعاً متميزاً، في مجال العلاقات الدولية. وقد مرت المعرفة بحقوق الإنسان، وحمايتها القانونية بعديد من المراحل والتطورات، منذ بداياتها الأولى، بوصفها مسألة داخلية تخضع لإطار الاختصاص الوطني. الأمر الذي يعني خضوعها، بشكل أو بآخر، للاتجاهات السياسية، والدينية، والاجتماعية الموجودة في الدولة. لذا لم تجد الدول أي التزامات دولية تجاه حماية هذه الحقوق بدعوى أنها تخص الشؤون الداخلية، وتخضع لطبيعة النظام الداخلي للدولة.

    وقد تطورت حقوق الأفراد من مجرد اعتبارها حقوقاً طبيعية، وشعارات قد تجد الأساس والمصدر، في الأديان، والأخلاق، والفلسفات، والمثاليات، إلى جعلها حقوقاً قانونية وضعية تنص عليها الدساتير في الدول.

    وجدير بالذكر أن معظم الدول، كانت إلى وقت قريب لا تعترف بشيء اسمه انتهاك حقوق الإنسان؛  فكانت من شأنها أن تضيق على كثير من الحريات، باستصدار قوانين استثنائية، أو بإنكار حقوق طائفة معينة، نظراً إلى ضآلة تكوينها، وضعف تأثيرها في المجتمع ككل. فعلى سبيل المثال، كانت الدول الأوروبية الغربية تعترف بالحقوق المدنية، والسياسية، في حين كانت تهمل الحقوق الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، بحسبانها شعارات جوفاء. أما الفكر الاشتراكي، فكان يهتم فقط بإشباع رغبات الإنسان في الاتجاهين الاقتصادي، والاجتماعي في حين كان يلغي الحقوق السياسية، أو يقوم بتهميشها.

    ومنذ نشأة الأمم المتحدة، بدا الاهتمام جلياً بحقوق الإنسان على المستويين؛ الدولي، والعالمي، فلم يعد من حق الدول والأنظمة الحاكمة التبرؤ من هذه الحقوق، بدعوى أنها ذات شأن داخلي، وقد نصت المادة (2) الفقرة (7) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه " ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق؛ على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع ".

    وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 الذي عقد لوضع الميثاق، صيغ اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان، في صورة إعلان تناول حقوق الإنسان الأساسية؛إذ نص في فقراته على " تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعاً، بلا تمييز بسبب العنصر، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين" المادة (1) الفقرة (3) ثم قامت الأمم المتحدة بدور أكثر إيجابية، وذلك في عام 1946،إذ أنشأت لجنة حقوق الإنسان، وعينّت شخصيات مؤثرة لرئاسة هذه اللجنة، مثل: إليانور روزفلت (زوجة الرئيس الأمريكي الراحل).

    وفي 10 ديسمبر 1948 اعتمدت هيئة الأمم المتحدة، "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، (اُنظر ملحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي صدقت عليه 48 دولة، في حين امتنعت ثماني دول عن التصويت. وقد عني الإعلان بوضع الإطار القانوني لحقوق الإنسان بعد سنوات طويلة من الكفاح، والنظريات، والبيانات، والنشرات التي ناقشت حقوق الإنسان، حيث أعطيت لهذه الحقوق الصيغة القانونية المشمولة بالنفاذية والتطبيق.

وقد جاء في ديباجة هذا الإعلان

    "ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكانت غاية ما يرنو إليه عامة البشر هو انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول، والعقيدة، ويتحرر من الفزع، والفاقة، فإن الجمعية تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"

    وقد صرحت إليانور روزفلت بعد صدور هذا الإعلان بقولها " إن هذا الإعلان مصدر وحي، وإلهام للأفراد، والجماعات في جميع أنحاء العالم".

    وقد اكتسبت حقوق الإنسان صفة الإلزام بإجماع الدول، مع الوضع في الاعتبار أن إعطاء حق من هذه الحقوق لا ينفي أو يقلل من بقية الحقوق الأخرى، فهي كلها، وبلا استثناء، حقوق مكتسبة تقع في نفس الدرجة من الأهمية.

    فعلى سبيل المثال لا يجوز التفريط في الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في مقابل تحقيق النمو الاقتصادي، إذ يجب أن تضع الدول هذه الحقوق نصب أعينها بغض النظر عن البرامج المطبقة حتى لو كانت في مجال التنمية.

ثالثاً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    وردت كلمات حقوق الإنسان، وكرامة الأسرة البشرية، والحريات الأساسية، في جميع عهود ومواثيق إنشاء منظمة الأمم المتحدة وما يتبعها من هيئات. ذلك أن الحروب المتتالية والنزاعات العرقية وأشكال التمييز العنصري أصابت الضمير العالمي بالإحباط نتيجة للويلات التي جرتها تلك الحروب والنزاعات على البشرية.

    وقد أدت كل تلك التجارب إلى اعتقاد جميع شعوب الأرض أن التكاتف بين الدول لحماية حقوق الإنسان هي أحد الشروط الأساسية لتحقيق السلم والتقدم لجميع شعوب الأرض.

    وقد نص ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته وفي كثير من مواده على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو المعتقدات.

    ومنذ أن أنشئت الهيئة الدولية في عام 1945 وبدأت جمعيتها العامة في الانعقاد دورة بعد دورة وعاماً بعد عاماً، يتم إدراج بنود حقوق الإنسان في جداول أعمال دورات انعقاد الجمعية العامة.

وقد تبلور العمل في مجال حقوق الإنسان بشكل رسمي حينما شكلت لجنة لإعداد ميثاق لحقوق الإنسان حول العالم. وحملت تلك اللجنة اسم "لجنة إعداد الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان". وضمت هذه اللجنة عدداً من الشخصيات الدولية والمتخصصين في القانون الدولي.

    وفي النهاية، وتحديداً في عام 1948 صاغت اللجنة هذه الوثيقة وعُرضت على الجمعية وحصلت على التأييد اللازم للموافقة عليها، ثم أطلق عليها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الذي ظل من يومها ميثاقاً للعمل الدولي من أجل تحقيق مستوى أفضل من الحرية والرفاهية والعدالة لجميع شعوب الأرض.

    وبعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان استمر عمل المنظمة الدولية في مجال حقوق الإنسان من طريق عديد من هيئاتها ومنظماتها وبرامجها، وكان من أحد نتائج ذلك العمل الدؤوب المتواصل إصدار العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما قامت وتقوم الأمم المتحدة بكثير من الأعمال الإعلامية لتحقيق الشعور بالكرامة الإنسانية وحقوق الشعوب.

1. الخطوط العريضة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

    وأبرز ما جاء فيه ما يلي:

أ. حفظ الحقوق السياسية والمدنية:

    وتشمل حق الفرد في الحرية وفي سلامته وحريته في الالتجاء إلى القضاء متى شاء، وحرية التنقل والتمتع بجنسية ما، وحرية التفكير، وحرية العقيدة، والحق في حرية الرأي، والتعبير، وحرية الاشتراك في الجمعيات وعقد الاجتماعات وحق إدارة الشؤون العامة وتقلد الوظائف العامة والاشتراك في انتخابات نزيهة.

ب. حفظ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:

    وتشمل حق العمل، والحصول على أجر عادل مساو لمقدار العمل، وإنشاء نقابات مع الآخرين، والحق في الراحة، والحق في التمتع بمستوى من المعيشة يكفل المحافظة على الصحة والرفاهية للفرد، وأسرته، وحق التعليم، والاشتراك الحر في المجتمع الثقافي، والتمتع بالحماية الصناعية.

    ومن هذا المنطلق، واستكمالاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قد أقرت الأمم المتحدة عام 1966 اتفاقيتين، هما:

"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" (اُنظر ملحق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و"العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (اُنظر ملحق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) و(ملحق البروتوكول الاختياري الأول المتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) و(ملحق البروتوكول الاختياري الثاني المتعلق للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، وفيهما تم تفصيل مضمون كل حق مشمول بالحماية الدولية مع إضافة أنواع جديدة لم يسبق ذكرها في الإعلان السابق، مثل: حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في التصرف في ثرواتها ومواردها. وقد دخلت هاتان الاتفاقيتان حيز التنفيذ اعتباراً من عام 1976م"

    وفي هذا الإطار ومنذ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م اعتمدت الجمعية العامة إعلانات أو اتفاقيات عديدة ركزت على حقوق الإنسان، وتناولت في جملة أمور إبادة الأجناس، والتمييز العنصري، والفصل العنصري، واللاجئين، وعديمي الجنسية، وحقوق المرأة، والرق، والزواج، والأطفال، والشباب، والأجانب، واللجوء، والأشخاص المعوقين والمتخلفين ذهنيا، والتعذيب، والتنمية، والتقدم الاجتماعي.

2. أعضاء لجنة إعداد الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان

Members of the Commission to Draft the International Bill of Human Rights

    كان هناك عديد من الشخصيات العظيمة التي شاركت في إعداد وثيقة حقوق الإنسان ضمن "لجنة إعداد الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان"، ومن بين هذه الشخصيات المؤثرة، احتلت "إلينور روزفلت" (Eleanor Roosevelt) أرملة الرئيس الأمريكي روزفلت منزلة رفيعة، بما ملكته من شخصية فذة، وملكات مؤثرة (اُنظر صورة إعلان حقوق الإنسان).

    ونتيجته طبيعية لهذه المميزات شغلت "إلينور روزفلت" منصب رئيس اللجنة أما منصب نائب رئيس اللجنة فقد شغله أستاذ القانون الفرنسي المتميز "رينيه كاسين" (Rene Cassin) الذي حارب الاستعمار الألماني لفرنسا، وهرب من حكم بالإعدام أصدره ضده الاستعمار النازي. وقد كان "رنييه كاسين" من أنشط الأعضاء العاملين في اللجنة، حيث أسهمت أفكاره ومشاركاته في أنشطة الهيئة في خروج عديد من بنود الوثيقة إلى النور. إلا أن هذه الإسهامات لم تنل حظها من التقدير إلا مؤخرا، حيث كُرَّم "رينيه كاسين" عام 1968 بحصوله على "جائزة نوبل للسلام" (Nobel Peace Prize). من بين الشخصيات الفذة التي شاركت في لجنة الإعداد أستاذ القانون الدولي الكندي "جون همفري" (John Humphrey) ، الذي عمل أميناً للجنة الإعداد، وأصبح فيما بعد أول رئيس لقسم حقوق الإنسان.

    كما أن هناك عديداً من الشخصيات وضعت علامات مميزة في طريق إعداد وثيقة حقوق الإنسان، منهم "مقررو لجنة الإعداد". ويعد "تشارلزمالك" (Charles Malik) المصلح الاجتماعي اللبناني الجنسية، الذي أكد على أهمية الأخلاق والقيم الروحية، من أهم هؤلاء المقررين، كما شارك الدبلوماسي الصيني النشط "شانج" في عديد من أنشطة الإعداد، حيث يعد مهندس الإعداد لعدد من القيم الهامة التي تضمنتها هذه الوثيقة.

    وقد بدأ "جون همفري" وأعضاء سكرتاريته في العمل على إعداد الوثيقة، وذلك بإصدار قرابة 400 صفحة تضمنت الخطوط العامة، والمفاهيم الرئيسية لحقوق الإنسان، وقد سميت هذه المفاهيم الرئيسية باسم "مشروع الأجزاء الثلاثة" (Three - Part Project)، على أن يتم تفصيل ما يرد فيها من خطوط عامة، ومفاهيم رئيسية في الوثيقة النهائية. ثم جاء دور "رينيه كاسين" الذي راجع بنود المشروع، وأعد منها نسخة منقحة لتصبح جاهزة لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في باريس في خريف عام 1948م، وبعد شهرين تقريباً من العمل الدؤوب

    والمتصل من لجنة الإعداد التي عقدت حوالي 81 اجتماعاً، حول 168 مادة من المواد المنقحة تنقيحاً جيداً، صدر "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" (Universal Declaration of Human Rights)، وقد تم التصويت عليه في اجتماع تاريخي للجمعية العامة يوم 10 ديسمبر 1948، وهو اليوم الذي يحتفل به إلى الآن تحت اسم "يوم حقوق الإنسان"، وعلى الرغم من أن التصويت على هذا الإعلان لم يلق أي معارضة، بدت هناك بعض التحفظات على بعض بنوده، فقد رأت المملكة العربية السعودية أن بعض هذه البنود تتعارض مع بعض النصوص القرآنية، أما الاتحاد السوفيتي (آنذاك) وحلفاؤه فقد أرادوا جعل مسألة حقوق الإنسان مسألة داخلية. كما أن جنوب أفريقيا - في ذلك الوقت - لم تكن مستعدة للمساواة في الحقوق بين الأغلبية السوداء، والأقلية البيضاء.

    وقد وجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدى كبيراً ليس فقط بين أعضاء الأمم المتحدة، بل كذلك بين الدول الأخرى غير الأعضاء في الهيئة الدولية، حتى أن "الينور روزفلت" صرحت في هذا الصدد بقولها "إن هذا الإعلان يعد مصدر وحي وإلهام للأفراد والجماعات في جميع أنحاء العالم". وفي الحقيقة لقد أصبح هذا الإعلان بحق مصدر إلهام للجميع وبخاصة المؤسسات، والهيئات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، ولاسيما عندما يتعرض لموضوع انتهاك حقوق الإنسان من قبل بعض الحكومات والدول.

رابعاً: الأمم المتحدة ومشكلة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا:

    كانت جنوب أفريقيا إحدى المستعمرات البريطانية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين. ومنذ أن سحبت بريطانيا قواتها من جنوب أفريقيا، بدأت الخلافات تدب بين المستوطنين والمهاجرين الأوروبيين من جهة وبين السود أصحاب البلد الأصليين من جهة أخرى. الأمر الذي دعا عدداً من الدول الأعضاء إلى التقدم بطلبات إلى الأمم المتحدة لإدراج المعاملة العنصرية للسكان الملونين في جنوب أفريقيا ضمن جدول أعمال الجمعية وذلك وفي عام 1946.

    وبعد الحرب العالمية الثانية في عام 1948 تولى ما يعرف بالحزب الوطني الممثل للأقلية البيضاء إدارة جنوب أفريقيا. وبدأ في انتهاج سياسة عنصرية تهدف إلى العزل الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين السود، إضافة إلى منعهم من حقهم في المشاركة السياسية. الأمر الذي أفرز موجات من الرفض والاحتجاج بين أوساط المواطنين السود، ونتج عن تلك الموجات الاحتجاجية تكوين حزب المؤتمر الأفريقي.

    واشتدت احتجاجات السكان السود على الممارسات العنصرية واندلعت المظاهرات التي تناهض سياسة حكومة الحزب الوطني، فقامت قوات الشرطة بمقاومة هذه المظاهرات وإطلاق النار على المتظاهرين- فأردت عدداً منهم، الأمر الذي فجر مزيداً من الانتفاضات الشعبية والداعية إلى مقاومة الفصل العنصري.

    إلا أن انتهاكات حكومة جنوب أفريقيا لم تقتصر على الأقاليم التابعة لها فقط وإنما امتدت لتشمل مساعدات للحكومات العنصرية في الدول المجاورة. ومثالها روديسيا، حيث قامت حكومة جنوب أفريقيا بمساعدة الحكومة العنصرية لروديسيا بقمع محاولات السكان السود للإقليم لوضع حد للعنصرية. الأمر الذي دعا الأمم المتحدة في عام 1966 لإصدار قرار طالبت فيه الأعضاء بوضع حد للعلاقات التجارية مع حكومة روديسيا، ممثلة بذلك أول سابقة للأمم المتحدة في استخدام العقوبات الاقتصادية.

    إلا أن ذلك لم يمنع السكان السود في روديسيا من الاستمرار في النضال حتى استطاعوا الوصول إلى إجراء انتخابات عامة تحت الإشراف البريطاني في عام 1980. وبذلك صار لروديسيا حكومة مستقلة ذات أغلبية سوداء وأطلق عليها زيمبابوي.

    كذلك عارضت حكومة جنوب أفريقيا قرار الأمم المتحدة الصادر في عام 1966 بتشكيل مجلس دولي لحكم ناميبيا، مدعية أن ناميبيا من الأقاليم الواقعة تحت سيطرتها بتصريح من عصبة الأمم وبذلك لا تصبح ناميبيا من الأقاليم التي يطبق عليها نظام الوصاية.

    وفي العام نفسه تشكلت مجموعة شعبية عرفت باسم المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو) بتنظيم حرب عصابات لطرد قوات جنوب أفريقيا من الإقليم، حتى استطاعت الاستقلال عن جنوب أفريقيا عام 1989 تحت إشراف الأمم المتحدة، وأطلق عليها ناميبيا.

    وقد بدأت إجراءات الأمم المتحدة ضد حكومة جنوب أفريقيا في عام 1974 حيث منع مندوب تلك الحكومة من حضور دورة الجمعية العامة لعام 1974. وفي عام 1976 أصدرت الجمعية العامة بياناً دعت فيه الدول الأعضاء إلى قطع علاقاتها التجارية مع حكومة جنوب أفريقيا، كما دعي فيه إلى وقف مشاركة وفود جنوب أفريقيا في المنافسات الرياضية.

    وانصاع عدد من الدول إلى قرارات الأمم المتحدة، إلا أنه وعلى الرغم من تلك القرارات استمرت عدد من الدول الكبرى في تعاملها مع حكومة جنوب أفريقيا، الأمر الذي أدى إلى تفريغ قرارات الأمم المتحدة من محتواها وفي عام 1977 أصدر مجلس الأمن قراراً بإيقاف مبيعات السلاح لحكومة جنوب أفريقيا وذلك لمنع استخدامه من قبل فوات الشرطة ضد المواطنين السود.

    إلا أن تحدي جنوب أفريقيا المستمر لإرادة المجتمع الدولي ولقرارات الأمم المتحدة لم يسفر إلا عن مزيد من الضغط من حكومات الدول المختلفة والأمم المتحدة على حكومة جنوب أفريقيا للتغيير من سياساتها العنصرية حتى رضخت حكومة جنوب أفريقيا عام 1984 واعتمدت دستوراً جديداً إلا أن ذلك الدستور خيب آمال السود حيث لم يمنحهم أيا من حقوقهم السياسية، فاندلعت أعمال العنف في مختلف مدن جنوب أفريقيا التي يقطنها السود.

    وفي عام 1986 وفي تطور جديد للضغط الدولي على حكومة جنوب أفريقيا طبقت دول السوق الأوروبية ودول الكومنولث والولايات المتحدة حظراً تجارياً جزئياً على جنوب أفريقيا.

    واستمر ذلك الضغط حتى عام 1989 حيث انتخب فريدرك دي كليرك رئيساً لحكومة جنوب أفريقيا، وبدأ في الانصياع لرغبة المجتمع الدولي، فقام برفع الحظر عن حزب المؤتمر الأفريقي، وألغى السياسات العنصرية في الحياة الاجتماعية.

    وفي عام 1991 بدأت المفاوضات لوضع دستور جديد بين حكومة جنوب أفريقيا وحزب المؤتمر الأفريقي وحزب الحرية إنكاثاً ممثلاً لقبائل الزولو، لوضع دستور جديد. وفي عام 1993 حددت لجنة الانتخابات المستقلة شهر أبريل من عام 1994 موعداً لإجراء أول انتخابات حرة لتشكيل حكومة جديدة لجنوب أفريقيا تكون متعددة الأعراق وتتألف من ممثلين لمختلف الفصائل.

    إلا أنه خلال تلك المفاوضات وقعت مصادمات عنيفة ومسلحة بين مجموعات من السود في البلاد قتل خلالها الآلاف من السود من مؤيدي حزب المؤتمر الأفريقي وحزب الحرية إنكاثا، إلا أن جهود زعماء تلك الفصائل والأحزاب تواصلت واستمرت لوضع حد لتلك المصادمات وإجراء الانتخابات.

    وفي أبريل من عام 1994 أجريت الانتخابات في الموعد المحدد لها، برعاية مراقبين دوليين ولجنة الانتخابات المستقلة، ومراقبين من مجموعة الكومنولث ومنظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة، ونتج عن تلك الانتخابات فوز نيلسون مانديلا ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، ولتدخل جنوب أفريقيا مرحلة من تاريخها الطويل بعد صراع مرير مع الفصل العنصري (اُنظر جدول وثائق وقرارات الأمم المتحدة الخاصة الفصل العنصري).