إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة الوحدة الإفريقية




علم المنظمة

العلاقة بين المنظمة والجامعة العربية

مناطق الصراع في أفريقيا



الفصل الأول

المبحث الأول

المدخل إلى وحدة أفريقيا

أولاً: مؤتمرات الجامعة الأفريقية

    عقد عدد من المثقفين الزنوج، ورجال الدين، المتعاطفين مع أوضاعهم، أول اجتماع للجامعة الأفريقية في لندن عام 1900، في وقت كان فيه موضوع الوحدة الأفريقية، وزيادة الروابط بين شعوب أفريقيا، أمراً بعيداً عن الأذهان.

    وكان أول من نادى بفكرة الوحدة القومية، مواطناً من جاميكا أفريقي الأصل، هو المحامى "هنري سيلفستر وليامز"، الذي دعي إلى عقد مؤتمر، بهدف إثارة الرأي العام الإنجليزي، ومطالبته بحماية الشعوب الأفريقية من عدوان الرجل الأبيض. وتمثل دعوة هنري حركة توعية للوطنيين السود، في أفريقيا، والزنوج في العالم كله.

1. مؤتمر الجامعة الأفريقية الأول

أ. عقد في لندن عام 1900.

ب. اشترك فيه ثلاثون مندوباً من السود، الذين يعيشون في إنجلترا وجزر الكاريبي. وقد دعا لهذا المؤتمر المحامي هنري سيليفستر وليامز.

ج. دعا المؤتمر إلى وحدة الشعوب السوداء، والى تحررها من الاستعمار. وكانت تلك المرة الأولى، التي تظهر فيها كلمة "الوحدة الأفريقية".

د. ترتب على هذه الفكرة، التي نادت بالدعوة إلى إيجاد منظمة أفريقية، أن أسس "ديبوا"[1] (جمعية تقدم الشعوب الملونة)، كما أصدر مجلة الأزمة، التي نشرت أفكاره وآرائه، وهي تعتبر، حتى اليوم، المصدر الأساسي لفهم أفكار الوحدة الأفريقية.

هـ. نادى المؤتمر بالمساواة العنصرية، وطالب بريطانيا بتحسين سياستها في المستعمرات، وإلى تجمع كل المُحَرَرِين من أصل أفريقي ضماناً لحقوقهم.

و. فشل المؤتمر في إقامة سكرتارية دائمة له.

2. مؤتمر الجامعة الأفريقية الثاني

أ. عُقد في باريس عام 1919، بعد الحرب العالمية الأولى، بدعوة من " ديبوا ".

ب. اشترك في المؤتمر 57 عضواً، من أفريقيا وأوروبا وأمريكا، برئاسة ديبوا.

ج. اتخذ المؤتمر عدة قرارات، أهمها:

(1) وضع المستعمرات الألمانية في أفريقيا، تحت رقابة دولية حتى تنال استقلالها التام.

(2) منح الأراضي الأفريقية للأفريقيين، ليتولوا زراعتها.

(3) منع استغلال الأفريقيين، والإصرار على إلغاء التفرقة اللونية والعنصرية.

(4) السماح للأفريقيين بالاشتراك، في الحكومات القائمة في أفريقيا، في حكم بلادهم.

وكانت تلك هي المرة الأولى، التي تُسجل فيها مطالب الأفريقيين في مؤتمر دولي.

3. مؤتمر الجامعة الأفريقية الثالث

أ. عقد في كل من لندن وبروكسل وباريس، عام 1921، على التوالي.

ب. اشترك في هذا المؤتمر أثناء انعقاده في لندن، 113 مندوباً، منهم 41 من أفريقيا، و35 من أمريكا، و24 من السود المقيمين في أوروبا، و13 من مناطق أخرى.

ج. أصدر المؤتمر نداء إلى العالم، أكّد فيه أن المساواة بين الأجناس، طبيعياً وسياسياً واجتماعياً، هي إحدى دعائم التقدم الإنساني. ويجب ألاّ تؤدى الاختلافات، إلى تقسيم الشعوب إلى سادة وعبيد.

د. تقدم مؤتمر بروكسل خطوة نحو المطالب الإصلاحية السياسية، إذ نادى، لأول مرة، بحكم ذاتي محلي للدول المختلفة. كما طالب رئيس المؤتمر، الدكتور "ديبوا"، بإنشاء هيئات سياسية للشعوب، التي لا تحكم نفسها، لتعم شريعة الديموقراطية على العالم كله.

هـ. ثم عقد المؤتمر في باريس، برئاسة تلير ديلجن، وقد وافق المجتمعون على إصدار إعلان خاص، مطالباً بالمساواة المطلقة بين الأجناس، إضافة إلى الآتي:

(1) عودة السود إلى أراضيهم، والعمل على حمايتهم من طغيان رأس المال المستغل.

(2) إنشاء مكتب في هيئة العمل الدولي، التابع لعصبة الأمم، لحماية الأيدي العاملة السوداء.

(3) إنشاء منظمة دولية تحت رعاية عصبة الأمم، تكون مهمتها دراسة مشاكل الزنوج.

(4) تعيين عضو من أصل زنجي، في لجنة الانتدابات، التابعة لعصبة الأمم، عندما يخلو مكان في اللجنة[2].

4. مؤتمر الجامعة الأفريقية الرابع

أ. عقد في كل من لندن ولشبونة، عام 1923. وحضر اجتماع لندن بعض العلماء والكتاب، من ذوي الاتجاه اليساري. كما اشترك في مؤتمر برشلونة، وزيران سابقان من البرتغال.

ب. تركز النقاش في مؤتمر لندن على مطلب أساسي، هو: أن يكون للأفريقيين صوت في حكوماتهم؛ كما طالب المؤتمر بضرورة الدفاع عن الزنوج، ومناهضة التفرقة.

ج. في اجتماع لشبونة، نوقشت قضية السُّخرة، التي تتبعها الحكومة البرتغالية، وضرورة إدخال إصلاحات في المستعمرات البرتغالية، في أقرب فرصة ممكنة.

د. أُنشئ الاتحاد الأفريقي، ليُشرف على كفاح المجتمعات المضطهدة.

هـ. ويُعدّ هذا المؤتمر بداية للتلاحم الفكري، بين مؤيدي الحركة، خارج القارة وداخلها.

5. مؤتمر الجامعة الأفريقية الخامس

أ. عقد في نيويورك عام 1927 برئاسة دكتور "ديبوا".

ب. تبين في هذا المؤتمر موقف الشيوعيين من حركة الجامعة الأفريقية، إذ كان الاتحاد السوفيتي الدولة الأوروبية الوحيدة، التي تؤيد حركة الجامعة الأفريقية.

ج. حدث بعض التطور في أفكار بعض الزعماء، بإعلانهم إمكانية الخروج من إطار الزنجية، والتحالف مع الشعوب الملونة، وطلب التعاون بين الزنوج والهنود والمصريين والصينيين، في حركة عامة، تحررهم جميعاً من الاستعمار والتفرقة العنصرية.

د. حاول ديبوا عقد مؤتمر الجامعة الأفريقية في تونس، عام 1929، لتأكيد دور شمال القارة في حركة التحرير، ولكن فرنسا رفضت ذلك بشدة.

6. مؤتمر الجامعة الأفريقية السادس

أ. عقد هذا المؤتمر في مانشستر، في أكتوبر عام 1945.

ب. يعدّ هذا المؤتمر، نقطة تحول تاريخية للجامعة الأفريقية، للأسباب الآتية:

(1) عقد بعد فترة انقطاع طويلة، حوالي عقدين من الزمان، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

(2) تغيرت قيادة المؤتمر، إذ زاد عدد الزعماء الأفارقة، وقلّ عدد المشـتركين من خارج القارة، كزنوج أمريكا. وسبب ذلك أن فكرة الوحدة الأفريقية، تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية.

(3) حضر المؤتمر عدد كبير من العاملين في الحقل السياسي، وكذلك ممثلون للعمال والشباب؛ وسيطر على المؤتمر المثقفون، القادمون من المستعمرات مباشرة.

(4) كان من ضمن الحاضرين لهذا المؤتمر كوامى نكروما، من ساحل الذهب (غانا حالياً)، وجوموكنياتا من كينيا، ولاك جو نستون من سيراليون، والدكتور روفائيل الشاعر من توجو، وبيتر ابراهام من جنوب أفريقيا، وماجنز وليامز وازيكوى من نيجيريا.

ج. كانت أهم القرارات، التي اتخذت في هذا المؤتمر هي:

(1) رفض التقسيمات والحدود المصطنعة، التي أقامتها الدول الاستعمارية، لتحول دون إقامة وحدات سياسية، بين شعوب غرب أفريقيا.

(2) الاستقلال التام والكامل لشعوب غرب أفريقيا، هو الحل الوحيد لقضاياهم.

(3) تأييد مطالب شعوب شمال أفريقيا، المطلة على البحر المتوسط (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا).

(4) إلغاء الحكم البريطاني في السودان، وتأييد حق السودانيين في الاستقلال.

    وقد تحولت في هذا الاجتماع، حركة الجامعة الأفريقية من حركة احتجاج خطابي، يُعبر عن مشكلة الزنوج في العالم، إلى سلاح وأداة عمل للحركات الوطنية الأفريقية، للكفاح ضد الاستعمار. وكان ذلك المؤتمر، أول مؤتمر يحضره زعماء ثوريون أفارقة، مع الفصل بين حركة الزنوج في أمريكا، وحركة التحرير في أفريقيا.

7. مؤتمر الجامعة الأفريقية السابع

أ. عُقد في دار السلام عاصمة تنزانيا، في الفترة من 19 إلى 27 يونيه عام 1974، بعد انقطاع دام حوالي ثلاثة عقود.

ب. عُقد هذا المؤتمر، بناء على رغبة الشعوب الأفريقية والسوداء على مستوى العالم، في اجتماع عالمي يضم الزنوج من مختلف أنحاء العالم، تحت رئاسة الزعيم التنزاني يوليوس نيريرى.

ج. ظهر اتجاه في المؤتمر بأنه دعوة لحركة الزنوج والسود في العالم، وخشيت الدول الأفريقية من أن يؤدى هذا الاتجاه إلى تفتيت الوحدة الأفريقية، وطالبت بأن يكون كل تحرك لمصلحة الزنوج والسود، من خلال منظمة الوحدة الأفريقية.

د. كانت أهم القرارات:

(1) العمل على تصفية الاستعمار في العالم، ومحاربة التفرقة العنصرية، وتحقيق المساواة الديموقراطية.

(2) تُعدّ هذه الفترة مناسبة لتطوير حركة الوحدة الأفريقية Pan Africanism، باعتبارها حركة ثورية، لها أهداف تتماشى ومنطق العصر.

(3) العمل على تحرير الشعوب المغلوبة على أمرها، خاصة التي تنحدر من أصل أفريقي، في الأمريكيتين ومنطقة البحر الكاريبي.

(4) العمل على تدعيم الوحدة بين شعوب أفريقيا، والشعوب من أصل أفريقي.

(5) تأييد كل حركة تحررية وطنية، سواء في فيتنام أو المنطقة العربية أو غيرها.

(6) استبعاد كل المهاترات الدينية أو العنصرية أو القبلية، التي تعرقل مسيرة الوحدة.

ثانياً: المؤتمرات الأفريقية، على مستوى الشعوب الأفريقية

         إلى جانب الاجتماعات على مستوى المثقفين السود في أنحاء العالم، تحت اسم الجامعة الأفريقية، فقد انعقدت مؤتمرات أخرى على مستوى الشعوب، وكذلك الحكومات الأفريقية. ومن أهم مؤتمرات الشعوب الأفريقية:

1. مؤتمر الشعوب الأفريقية الأول:

أ. انعقد هذا المؤتمر في أكرا عاصمة غانا، من 5 ـ 13 ديسمبر، عام 1958.

ب. اشترك في هذا المؤتمر أكثر من 200 عضو، يمثلون أكثر من خمسين حزباً سياسياً أو نقابة أو حركة طلابية، من مختلف الشعوب الأفريقية.

ج. كان لهذا المؤتمر أهمية كبيرة، لأنه كان إعلاناً عن مولد الرابطة الأفريقية الحقيقية، على المستوى الشعبي.

د. كانت أهم نتائج هذا المؤتمر:

(1) الاتفاق على التعاون المشترك لتحرير أفريقيا، والبعد بها عن الأحلاف العسكرية، وسائر المنظمات التابعة للدول الاستعمارية.

(2) الاتفاق على ضرورة مساعدة الدول، التي لم تستقل بعد.

(3) الاتفاق على ضرورة القضاء على الحدود المصطنعة، التي أوجدها الاستعمار بهدف تقسيم القارة إلى مناطق نفوذ.

(4) أعلن الرئيس الغاني كوامى نكروما شعاراً للقارة الأفريقية هو" أفريقيا للأفريقيين"، وهو لا يعنى استثناء الأجناس الأخرى، ولكن يعنى فقط أن الأفريقيين، الذين يمثلون الأغلبية البشرية في أفريقيا، يجب أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم في دولهم.

2. مؤتمر الشعوب الأفريقية الثاني

أ. انعقد هذا المؤتمر في تونس، في الفترة من 25 ـ 29 يناير، 1960، بناء على توصية مؤتمر الشعوب الأفريقية الأول، في أكرا.

ب. حضر هذا المؤتمر مندوبو 32 إقليماً، إضافة إلى مراقبين من بعض الدول غير الأفريقية، كالاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، والصين الشعبية، ومنظمات نقابات العمال العالمية. ولكن الوفود التي حضرت المؤتمر، لم تكن تمثل الشعوب الأفريقية بصفة رسمية.

ج. وكانت أهم نتائج هذا المؤتمر:

(1) بَحَثَ كل ما يتعلق بقضايا التحرر، والنهوض بالشعوب الأفريقية.

(2) ناقش فكرة إنشاء مجتمع أفريقي موحد، ينبذ الحدود المصطنعة، التي أوجدها الاستعمار.

(3) اهتم المؤتمر بقضية الجزائر، والاعتراف بحكومتها المؤقتة، وطالب الدول المستقلة بالاحتجاج لدى فرنسا لإجرائها التجارب النووية في الصحراء الأفريقية، والوقوف بحسم أمامها.

(4) قدّم المؤتمر مشروعاً يهدف إلى إنشاء سوق أفريقية مشتركة، وآخر لإنشاء بنك للاستثمار الأفريقي، وكذلك مؤسسة للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.

(5) أوصى ببث الوعي الأفريقي بين أبناء القارة، حتى يكون المواطن قادراً على إحباط كل المؤامرات الاستعمارية، التي ترمي للنيل منه.

(6) أوصى بدراسة اللغات الأفريقية، تدعيماً للروابط الأفريقية بين شعوب القارة.

3. مؤتمر الشعوب الأفريقية الثالث

أ. انعقد هذا المؤتمر في القاهرة، في الفترة من 25 إلى 30 مارس، 1961.

ب. حضر المؤتمر 300 مندوب، يمثلون مختلف شعوب القارة.

ج. وقد أصدر المؤتمر عدة توصيات، كان أهمها:

(1) مناقشة مشكلة الاستعمار الجديد في أفريقيا. وتضمنت التوصية في هذا الشأن، استنكار كافة الأساليب الاستعمارية، بما في ذلك الاتحادات الفيدرالية، والمجموعات الناشئة، تحت رعاية الدول الاستعمارية.

(2) المطالبة بتصفية كافة القواعد العسكرية الاستعمارية، في أي بلد أفريقي.

(3) التعاون بين الدول الأفريقية المستقلة بعضها مع بعض، في كافة الميادين الاقتصادية والثقافية، رغبة من الشعوب الأفريقية للانطلاق نحو الوحدة. وأوصى المؤتمر بإنشاء عدة أجهزة، تسهم في تحقيق ذلك تتمثل في:

(أ) مجلس استشاري أفريقي لتوحيد، وتنسيق السياسة الأفريقية في القارة.

(ب) لجنة الخبراء، لتنسيق الأنشطة الاقتصادية وإحداث تقارب بينها.

(ج) مجلس للدول الأفريقية، لمراجعة توصيات المجلس الاستشاري وتنفيذها.

(د) لجنة القادة العسكريين الأفريقيين، لدراسة مسائل الدفاع والأمن الأفريقي.

(هـ) اللجنة الثقافية للتبادل الثقافي وبث الوعي والثقافة الأفريقية.

    وبذلك، عُدّ مؤتمر الشعوب الأفريقية الثالث، المنعقد في القاهرة، من أهم المؤتمرات من ناحية المشاركة، إذ اشـتراك معظم زعماء القارة في أعماله، وأيضاً من ناحية الأفكار، المثارة حول الحرية والوحدة والتضامن في أفريقيا.

ثالثاً: المؤتمرات الأفريقية، من أجل التضامن على المستويات الرسمية

    شهدت أفريقيا في الفترة من يناير عام 1958 حتى 1963، أشكالاً من التجمعات، كانت كلها إرهاصات لقيام منظمة الوحدة الأفريقية. وقد تمت عدة لقاءات واجتماعات على المستوى الرسمي، أي بين الحكومات، بهدف إيجاد شكل من التضامن والتعاون. وكانت أهم المحاولات، التي بذلت على مستوى اللقاءات الحكومية، هي:

1. المؤتمر الأول: مؤتمر الحكومات الأفريقية في أكرا، عام 1958

أ. عقد المؤتمر في أكرا عاصمة غانا، من 15 ـ 22 إبريل 1958. ويعدّ المؤتمر الأول، الذي يضم قادة الدول الأفريقية المستقلة ومندوبيها، لبحث المسائل المتعلقة بالقارة والموقف الدولي. كما يعدّ بداية لمرحلة جديدة للعلاقات البينية داخل القارة، مع دول العالم.

ب. اشترك في هذا المؤتمر: "ليبيا، والمغرب، والسودان، وتونس، ومصر، وأثيوبيا، وغانا، وليبيريا" (والأخيرتان تنتميان لأفريقيا السوداء).

ج. رفع المؤتمر شعارات، هي: ارفعوا أيديكم عن أفريقيا؛ أفريقيا للأفريقيين؛ أفريقيا حرة.

د. يعدّ هذا المؤتمر هو الأول في أفريقيا، الذي يعقد على أرض أفريقية، ويتقابل فيه لأول مرة في تاريخ أفريقيا، زعماء الدول الأفريقية المستقلة لتبادل الآراء.

هـ. وكانت أهم القرارات، التي اتخذها المؤتمر:

(1) القرار الأول: في إطار السياسة الخارجية، ويوصي باحترام ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، والتمسك بالمبادئ، التي أعلنها ميثاق مؤتمر باندونج (دول عدم الانحياز). وقد أصبحت هذه المبادئ هي السمات الرئيسية للمؤتمرات الأفريقية، التي تلت هذا المؤتمر.

(2) القرار الثاني: ويخص مستقبل المناطق غير المستقلة في أفريقيا، وفيه يُطالب المؤتمر الدول، التي أنيط بها إدارة هذه المناطق، احترام ميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ خطوات سريعة لتحقيق أماني شعوبها، وحصولها على حق تقرير المصير والاستقلال، وفقاً لرغبتها، مع الامتناع عن استخدام وسائل العنف والاستبداد، واحترام حقوق الإنسان، وإنهاء جميع أنواع التفرقة العنصرية. كما أوصى المؤتمر بمدّ هذه الشعوب التي لم تنل بعد استقلالها، بجميع أنواع المساعدة، وتقديم جميع التسهيلات لتدريب شعوبها.

(3) القرار الثالث: ويخص المسألة الجزائرية، وقد طالب فرنسا بإنهاء القتال، وسحب قواتها من الجزائر، والاعتراف بحق الشعب الجزائري في الاستقلال وتقرير المصير. كما أوصى المؤتمر بأن تصدر حكومات الدول الأفريقية المستقلة، تعليماتها إلى ممثليها في الأمم المتحدة بشرح حالة الجزائر للأعضاء، وإقناعهم بتأييدها ومعاونتها للحصول على تسوية عادلة.

(4) القرار الرابع: يخص التفرقة العنصرية، وطالب المؤتمر فيه بنبذ أساليب التفرقة العنصرية في جميع أنحاء العالم، خاصة جنوب أفريقيا، واتحاد أفريقيا الوسطى، وكينيا وغيرها من المناطق الأفريقية.

(5) القرار الخامس: في مجال المحافظة على استقلال وسيادة الدول الأفريقية المستقلة، وسيادتها الإقليمية الكاملة. وقد أعلنت جميع الدول المشتركة في هذا المؤتمر، عزمها على:

(أ) الاحترام المتبادل لاستقلال الدول الإقليمية وسيادتها.

(ب) التعاون فيما بينها من أجل ضمان استقلالها، وسيادتها السياسية الكاملة.

(ج) التعاون فيما بينها في التنمية الاقتصادية والفنية والعلمية، ورفع مستوى شعوبها.

(د) اللجوء إلى المفاوضة من أجل تسوية الخلافات، التي قد تنشأ بينها، حتى إن دعت الحاجة إلى قبول وساطة، وتحكيم الدول الأفريقية المستقلة الأخرى. كما ندد المؤتمر بجميع أنواع التدخل الأجنبي، الموجه ضد الدول التي نالت استقلالها.

(هـ) التزام الدول الأفريقية المستقلة، بالاشتراك المباشر في تحرير القارة، ومحاربة الاستعمار والسياسة العنصرية في جنوب أفريقيا، وتأييد كفاح الجزائر ( ومنذ هذا المؤتمر أصبح الكفاح ضد الاستعمار يلقى تأييداً مباشراً، وتشجيعاً من داخل أفريقيا ).

(و) وفي مجال الشؤون الخارجية، أيّد المؤتمر سياسة عدم الانحياز الجديدة بين الكتلتين المتصارعتين، والعمل على إيجاد وحدة ثابتة الدعائم بين الدول الأفريقية، على أساس مبادئ "باندونج" وميثاق الأمم المتحدة.

(6) وهناك قرار آخر بإيجاد جهاز خاص للتشاور والتعاون، بين دول أفريقيا؛ ويمثل هذا الجهاز الدائم أول تشكيل رسمي، ضم مندوبين عن الدول الأفريقية المستقلة. ولكن لم ينجح المؤتمر في تكوين سكرتارية دائمة، للمتابعة والتحضير.

2. المؤتمر الثاني للدول الأفريقية المستقلة، المنعقد في أديس أبابا عام 1960

أ. عُقد هذا المؤتمر في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، في الفترة من 15 ـ 24 يونيه عام 1960، تنفيذاً لقرار مؤتمر أكرا عام 1958. وحضر المؤتمر وفودٌ من 11 دولة أفريقية، مستقلة أو شبه مستقلة، وهم: الجمهورية العربية المتحدة، ليبيا، تونس، مراكش، غينيا، ليبيريا، غانا، نيجيريا، الكاميرون، السودان، إثيوبيا، الصومال، إضافة إلى حكومة الجزائر المؤقتة. كما حضر إلى أديس أبابا ممثلو منظمات وهيئات سياسية ووطنية، من مختلف أنحاء القارة. وحضره مندوب مؤتمر الشعوب الأفريقية، وهو السيد عبد الله ديالو.

ب. ناقش المؤتمر موضوع الوحدة الأفريقية، ومشكلات الاستقلال، والوضع الاقتصادي في القارة.

ج. تبنى المؤتمر مشروع وضع الأسس الرئيسية لبنك التنمية الأفريقي، توثيقاً للروابط الاقتصادية بين الدول الأفريقية.

ولهذا يعدّ المؤتمر خطوة مهمة، نحو تدعيم العمل الأفريقي المستقل.

رابعاً: مؤتمرات التضامن الأفريقية

    تكونت عدة تجمعات بين بعض الدول الأفريقية، سواء بسبب تقارب جغرافي أو مصالح مشتركة، أو لدواعٍ أخرى. وكانت أهم هذه التجمعات، قبل تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، هي:

1. مؤتمر برازافيل (مؤتمر اتحاد الدول الأفريقية والملاجاشية)

أ. عُقد في الفترة من 15 ـ 19 ديسمبر عام 1960. وكان الهدف منه، تحقيق تعاون بين بعض الدول الأفريقية، الواقعة تحت الاستعمار الفرنسي وترغب في الاستقلال، وترفض الانضمام إلى المجموعة الفرنسية[3]. وقد بذلت هذه الدول جهوداً كبيرة، في إنشاء تجمع أفريقي غير مرتبط بأي دولة أوروبية.

ب. عقد أول مؤتمر في مدينة أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، من 3 إلى 7 أكتوبر عام 1960 وحضر هذا المؤتمر: السنغال، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، وبرازافيل، وموريتانيا، وداهومي، وساحل العاج، والنيجر، والكاميرون، وغينيا. وكان الهدف من المؤتمر، تنظيم التعاون بين هذه الدول. كما اتفقوا على مداومة الاجتماعات والمؤتمرات، لزيادة التعاون.

ج. عُقد المؤتمر الآخر في برازافيل من 15 ـ 19 ديسمبر 1960، وحضرته الدول التسع، التي سبق لها حضور المؤتمر الأول في أبيدجان، إضافة إلى الكنغو ليوبولدفيل (زائير والكنغو الديموقراطية حالياً)، وتشاد.

د. توصل هذا المؤتمر إلى وضع مشروع منظمة أفريقية، تضم إليها مالاجاش، وسميت هذه المنظمة بمجموعة برازافيل، نسبة إلى المكان، الذي انعقد فيه هذا المؤتمر، وتقرر فيه إقامة هذه المنظمة.

هـ. اتفقت هذه الدول على مجموعة من المبادئ، تحكم علاقاتها المتبادلة، والعلاقات بينها وبين الدول الأفريقية. وكان أهمها:

(1) العمل الدائم من أجل السلام، ويتمثل ذلك في عدم الدخول في أي تحالف يعدّ موجها ضد أي دولة من دول المنظمة، وعدم اللجوء إلى الحرب.

(2) عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وذلك بعدم قيام أي دولة بتأييد حكومة في المنفي، مع تعهد كل دولة بتحريم كل أنواع النشاط الهدّام.

(3) التعاون الاقتصادي والثقافي، بين الدول الأفريقية على أساس المساواة.

(4) التعاون الدبلوماسي، بين دول الفرانكوفون، والعمل في إطار سياسة دولية محايدة.

و. انعقد مؤتمر آخر في مدينة تناناريف، عاصمة مالاجاش، في 11 سبتمبر عام 1961، أُعلن فيه قيام اتحاد الدول الأفريقية والملاجاشية، وضم الاتحاد 12 دولة أفريقية، هي: السنغال، وأفريقيا الوسطى، والكنغو برازافيل، وجابون، وموريتانيا، وداهومى، وساحل العاج، والنيجر، والكاميرون، وتشاد، ومالاجاش (مدغشقر)، وفولتا العليا.

ز. انضم لعضوية هذه المجموعة بعد ذلك، كل من رواندا في مارس عام 1963، وتوجو في يوليه عام 1963؛ واختيرت مدينة كوتونوا عاصمة داهومي، مقراً للأمانة العامة.

ح. وضع في هذا المؤتمر المواثيق لتأسيس وتنظيم إقامة هذه المنظمة، وقد أقرت الدول الأعضاء في 22 سبتمبر عام 1961، هذه المواثيق والاتفاقيات، وهي:

(1)    ميثاق الاتحاد الأفريقي الملاجاشي.

(2)    ميثاق الدفاع الأفريقي الملاجاشي.

(3)    ميثاق التعاون الاقتصادي الأفريقي الملاجاشي.

(4)    الاتحاد الأفريقي الملاجاشي للبريد والمواصلات السلكية، إضافة لعدة مواثيق واتفاقيات أخرى.

2. مؤتمر الدار البيضاء (مجموعة دول الدار البيضاء)

أ. عُقد هذا المؤتمر بدعوة من الملك الراحل محمد الخامس، ملك المغرب، في الفترة من 3 ـ 7 يناير عام 1961، بعد عدة لقاءات واجتماعات بين ممثلي الدول الأفريقية، التي وقعت فيما بعد ميثاق المنظمة.

ب. اشترك في هذا المؤتمر ست دول، هي الجمهورية العربية المتحدة، والمغرب، وحكومة الجزائر المؤقتة، وغانا، وغينيا، ومالي. كما حضر المؤتمر مراقبان من ليبيا وسيلان، على الرغم من أن سيلان ليست دولة أفريقية.

ج. كان الهدف من المؤتمر، تبادل وجهات النظر في المشاكل الأفريقية، والمشاركة الجماعية في تحرير دول القارة، ودعم الدول المستقلة.

د. أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر

(1) مساندة شعب الجزائر وحكومته المؤقتة، لتحقيق استقلاله.

(2) سحب الجيوش والعسكريين، العاملين تحت قيادة الأمم المتحدة في الكونغو، مع تأكيد اعترافهم بالبرلمان المنتخب، هناك، وبرئيس الجمهورية "كازافوبو".

(3) استنكار الاستعمار الصهيوني، وضرورة حل قضية فلسطين حلاً عادلا يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.

(4) استنكار التجارب الذرية، خاصة الفرنسية، التي تجرى على أراضي أفريقيا.

(5) تأييد مطالب المغرب في موريتانيا (وهي قضية شائكة، ولكن اتخذ هذا القرار إرضاء للمغرب).

هـ. وقع المجتمعون في نهاية المؤتمر ميثاقاً، لتنظيم العلاقات بينهم، يضمن أهم المبادئ التالية:

(1) مبدأ الوحدة الأفريقية، وورد في الفقرة الأولى من ديباجة الميثاق.

(2) مبدأ عدم الانحياز[4]، وجاء أيضاً في ديباجة الميثاق.

(3) مبدأ محاربة الاستعمار القديم والجديد، بجميع أشكاله.

(4) مبدأ المحافظة على سيادة الدول ووحدة أراضيها، والتعاون بين الدول الأفريقية.

و. أنشأ ميثاق الدار البيضاء عدة لجان، لتنسيق العمل بين الدول الأعضاء، وتحقيق التعاون في جميع المجالات، كما جاء في المواد الثلاث الأولى من الميثاق، وهي لجنة سياسية أفريقية، ولجنة اقتصادية أفريقية، ولجنة ثقافية أفريقية، وقيادة أفريقية مشتركة عليا، ومكتب اتصال. وجميع هذه اللجان دائمة.

ز. سمح ميثاق المجموعة بقبول عضوية كل دولة أفريقية، على أن يوافق الأعضاء على قبولها بالإجماع.

ح. وعلى الرغم من جميع هذه الإيجابيات، إلاّ أن الانسجام بين الدول الأعضاء لم يكن كاملاً. ولكن مع كل هذا، فإن تشكيل هذا التجمع ساهم في نشر فكرة الوحدة الأفريقية، وإبراز الشخصية الأفريقية.

3. مؤتمر منروفيا (مجموعة دول منروفيا)

أ. عُقد هذا المؤتمر، في الفترة من 8 إلى 12 مايو عام 1961، في منروفيا، عاصمة ليبيريا. وحضر المؤتمر دول مجموعة برازافيل الاثنتي عشرة، إضافة إلى سبع دول، هي: أثيوبيا، وليبيريا، ونيجيريا، وسيراليون، والصومال، وتونس، وتوجو (ولم تكن قد انضمت بعد للاتحاد الأفريقي الملاجاشي، إذ انضمت إليه عام 1963). ولم تحضر المؤتمر دول مجموعة الدار البيضاء، نظرا للاختلاف الكبير في وجهات النظر بين المجموعتين، بالنسبة إلى قضية الجزائر، وعدم الموافقة على دعوة الحكومة الجزائرية المؤقتة للمؤتمر. وقد اتخذت مجموعة الدار البيضاء خطا معادياً تماماً للاستعمار الغربي، بينما تتخذ دول منروفيا خطاً معتدلاً ومحافظاً، وتؤمن باستمرار التعاون مع الدول الغربية.

ب. حاول المؤتمر منذ اللحظات الأولى، اتخاذ خط معتدل للتخفيف من حدة عداء دول الدار البيضاء وثوريتها، بالنسبة إلى القضايا المتعلقة بتصفية الاستعمار. وتجلى ذلك بوضوح في قضيتي الجزائر والكنغو. ففي قضية الجزائر، دعا المؤتمر إلى حلِّها بالطرق السلمية، وبالاتفاق لمنح الجزائر استقلالها. أمّا قضية الكونغو، فقد أكّد المؤتمر ثقته بالأمم المتحدة، مطالباً الدول الأفريقية عدم التسرع في الاعتراف بالنظُم المنشقة في جمهورية الكونغو. وقد حدّد المؤتمر عدة مبادئ، لتكون أساساً للعلاقات، بين الدول الأفريقية:

(1) المساواة المطلقة في السيادة، بين الدول الأفريقية.

(2) عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

(3) احترام سيادة كل دولة، والاعتراف بحقها في الوجود.

(4) استنكار قيام الحركات الهدّامة، التي تمولها الدول الخارجية.

(5) إقامة تعاون على نمط أفريقي شامل، يُبنى على التسامح، وحسن الجوار، وتبادل الآراء.

ج. ونتيجة لعدم نجاح مؤتمر منروفيا في تقريب وجهات النظر، بين مجموعة الدار البيضاء ومجموعة منروفيا، عملت نيجيريا على تحقيق التقارب بين الدول الأفريقية، كخطوة مهمة لتحقيق الوحدة الأفريقية. ولهذا، وجهت الدعوة لعقد مؤتمر في لاجوس، في يناير عام 1962، بهدف اندماج المجموعتين في مجموعة واحدة. وانعقد المؤتمر، لكن قاطعته مجموعة الدار البيضاء بسبب عدم دعوة الجزائر إلى المؤتمر ـ ترضية لفرنسا ـ بحجة أنها لم تستقل بعد. ولهذا، فشل المؤتمر، على الرغم من أن عدد الحاضرين وصل إلى عشرين دولة، هم: الكاميرون، ووسط أفريقيا، وتشاد، وكونغو وبرازافيل، وزائير، وداهومى، وأثيوبيا، والجابون، وساحل العاج، وليبيريا، وملاجاشى، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، والصومال، وتوجو، وفولتا العليا، وسيراليون، وتنجانيقا.

 



[1] كان ديبوا أحد زعماء الزنوج الأمريكيين فاتحي اللون، درس في جامعة برلين وهارفارد، وكان أول زنجي يمنح الزمالة من المعهد القومي للآداب في الولايات المتحدة، وكان له أثر كبير في الارتقاء بحركة الجامعة الأفريقية.

[2] هذه اللجنة تتكون من 10 أوروبيين، يعينهم مجلس عصبة الأمم، خمسة منهم ينتمون إلى دول تشرف على أقاليم تحت الانتداب، وخمسة أعضاء من دول ليست لها هذا الإشراف.

[3] كان هذا التجمع إحدى نتائج (دستور الجمهورية الخامسة)، الذي أصدره الجنرال ديجول في 30 يونيه عام 1958، حيث حدد عدة مبادئ جديدة لتنظيم العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها، في شكل اختيارات: 1. إما أن تستمر هذه المستعمرات وهي دول، على وضعها تابعة لفرنسا. 2. إما أن تعلن هذه المستعمرات استقلالها، على أن تستمر مرتبطة مع فرنسا في شكل تجمع (منظمة)، أُطلق عليها دول الفرانكوفون. 3. إما أن تستقل هذه الدول، على أن تنفصل عن فرنسا وعن المجموعة المرتبطة، بها أي مجموعة الفرانكوفون.

[4] لقد هوجم مبدأ عدم الانحياز، تحت حجة أنه يؤدى إلى الابتعاد عن الغرب والاقتراب من الكتلة الشرقية.