إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة الوحدة الإفريقية




علم المنظمة

العلاقة بين المنظمة والجامعة العربية

مناطق الصراع في أفريقيا



الفصل السادس

المبحث السادس

أهم القضايا التي أنجزتها المنظمة ودورها خلال 38 عاماً

أولاً: منظمة الوحدة الأفريقية وتبدل النظم الدولية

    تعاقبت على أفريقيا نظم دولية متعددة أثرت عليها بأشكال مختلفة. فلا شك أن الاستعمار الغربي الذي عرف أفريقيا بشكل مكثف، مع حركة الكشوف الجغرافية في نهاية القرن الخامس عشر، قد ركز على الحيازة والفتح، عندما استقرت أحوال أوروبا، بعد مؤتمر فيينا 1815، ونشأة الكونسرت الأوروبي[1]، الذي وضع نظاماً للمحافظة على الوضع الراهن ضد النظم والحركات الثورية. وعُدّت هزيمة نابليون بونابرت Bonaparte Napoleon في معركة ووترلو Waterloo، بعد حروب عسكرية واقتصادية عاتية، نهاية الثورة الفرنسية. لذلك، عرفت الفترة من 1815 حتى 1884 أشد الفترات تكالباً على أفريقيا من جانب القوى الاستعمارية التقليدية والصاعدة، ما أوجب تنظيم عملية الاستعمار، ووضع ضوابط لها ومعايير الحيازة الإقليمية، حتى لا يكون التكالب الاستعماري سبباً رئيسياً في الحروب الأوروبية، التي لم تكن تعدم الأسباب لاشتعالها. ومنذ مؤتمر برلين ساد نظام دولي جديد، هو نظام توازن القوى، الذي انفرط عقده باندلاع الحرب العالمية الأولى.

    وعندما نشأ نظام الانتداب، في إطار عصبة الأمم، كان حظ أفريقيا خضوعها لأدنى فئات الانتداب الأقرب إلى الاستعمار. وعندما استبدل نظام الانتداب بنظام الوصاية، مع نشأة الأمم المتحدة عام 1945، انبسط النظام الجديد على بعض الدول الأفريقية، خاصة في ضوء نتائج الحرب العالمية، التي أسفرت عن هزيمة إيطاليا، ووضع مستعمراتها تحت نظام الوصاية وصولاً إلى الاستقلال. أما جنوب أفريقيا، فقد رفضت التنازل عن انتدابها على ناميبيا، التي حولت وجودها فيها منذ البداية إلى استعمار، حتى اضطرت الأمم المتحدة عام 1966، إلى إعلان هذه الحقيقة، وأنشأت مجلس الأمم المتحدة لناميبيا، لمتابعة وصولها إلى الاستقلال، في وقت اشتدت الحملة الدولية ضد العنصرية، حتى أنتهي الأمر بتحرر جنوب أفريقيا واستقلال ناميبيا.

    وقد انعكست الحملة الدولية العارمة، لتأكيد احترام حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، على أفريقيا فيما شهدته القارة من حركة واسعة لتصفية الاستعمار، وهو ما ساعد على اتجاه أفريقيا نحو الوحدة، التي اتخذت صورة نهائية وهي منظمة الوحدة الأفريقية منذ عام 1963 حتى 2001.

    وقد مرت أفريقيا منذ عام 1963 حتى 2001 بأنماط دولية ثلاث، هي: الحرب الباردة، ثم مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأخيراً مرحلة العولمة. وقد تأثرت أفريقيا ومنظمتها الإقليمية بهذه التطورات، منذ نشأة المنظمة.

1. المنظمة والحرب الباردة

    عندما بدأ مسلسل استقلال الدول الأفريقية، كان العالم، بالفعل، منقسماً أيديولوجياً وسياسياً إلى شرق وغرب، واقتصادياً إلى شمال وجنوب؛ فأصبح الشمال والغرب في جانب، والشرق والجنوب في جانب آخر، في انقسام عالمي واسع، عرف حروباً وتوترات وتحالفات وسباق تسلح، وكل أساليب الصراع، وهي البيئة التي رحل فيها الاستعمار، وبدأ ظهور الدول الأفريقية في حلبة الدول المستقلة.

    وفي منتصف الخمسينيات كانت حركة عدم الانحياز في أوجها، من التألق ومقاومة الضغوط السوفيتية والغربية؛ ولكن الاتفاق كان تاماً بين موسكو وواشنطن، على ضرورة استقلال الدول الأفريقية، وتقرير مصيرها، وتحقيق وحدتها، ولكن لأغراض متباينة : فموسكو تأمل في تصفية الاستعمار الغربي، وإنشاء تحالف من الدول المستقلة المؤيدة للخط السوفيتي، ولطابع النظام السوفيتي، مقابل ذلك كانت واشنطن ـ يعززها تاريخها النظيف من الاستعمار، ورصيد ثروتها في الحرية والاستقلال، منذ نهايات القرن الثامن عشر ـ تسعى إلى تصفية الإمبراطوريات الغربية المتهالكة، والإحلال محلها ضمن سياسة الإحلال التي أعلنتها واشنطن صراحة، وأسرعت الخطى نحو تحقيقها، ولذلك، فإن الاتفاق السوفيتي ـ الأمريكي على استقلال الدول الأفريقية، كان يخفي سعي الطرفين، لإدخال هذه الدول في معسكراتهمـا.

    وقد انقسمت الدول الأفريقية، بالفعل، فور استقلالها إلى شرق وغرب منذ الخمسينيات. وتعد مأساة الكونغو (1960-1964) المثل الأشهر لصراع الحرب الباردة، حين بلغت المأساة حداً صارخاً، عندما كان باتريس لومومبا Lumumba Patrice رئيس الوزراء مدعوماً من موسكو، بينما يؤيد الغرب جوزيف كازافوبو Kasavubu Joseph رئيس الجمهورية، وانتهى الأمر إلى اغتيال لومومبا في سجنه. ولكن القوات الدولية عجزت عن إصلاح النظام السياسي في الكونغو في أولى حلقات مأساتها، فإذا كانت قد ساعدت في مقاومة حركات الانفصال في الكونغو، فإن الموقف قد تدهور إلى حرب أهلية واسعة، انتهت بسيطرة القائد العسكري جوزيف موبوتو Mobutu Joseph. وكانت تلك بداية فصول مأساة الكونغو، وغيرها من دول أفريقية كثيرة لم تبرأ منها حتى الآن.

    في هذه الظروف العاصفة، وبينما القارة منقسمة إلى تيارات بسبب الحرب الباردة، نشأت منظمة الوحدة الأفريقية لتكون الوسط المعتدل، الذي يجذب إليه الاتجاهات الشاردة. والحق أن تعدد التيارات المتصارعة، وارتفاع وتيرة القومية الأفريقية بوصفها أحد سبل الخلاص من التبعية والانقسام القاري، قد أنعكس، حتى بعد قيام منظمة الوحدة الأفريقية، في انتشار ملحوظ لمنظمات فرعية حكومية، بلغ عددها عام 1969 تسع وعشرون منظمة، منها ثلاث ذات طابع سياسي خالص، وست ذات وظائف اقتصادية، واثنتان لهما أهداف متنوعة، إضافة إلى ثماني عشرة منظمة، تسعى إلى تحقيق أهداف اجتماعية وفنية ذات نفع عام.

    وفي عام 1980 ارتفع العدد من تسع وعشرين إلى تسع وأربعين منظمة دولية حكومية، ارتفع بينها عدد المنظمات الاقتصادية من ست إلى ست وعشرين منظمة، بين عامي 1969 و1980.

    ويُفسر تزايد عدد المنظمات الأفريقية، بأن القضايا السياسية والأمنية تحتل المرتبة الثانوية، في اهتمام الدول الأفريقية. أي أن منظمة الوحدة الأفريقية كانت، منذ البداية، تحتاج إلى قوة سياسية أكبر. وتفسير ذلك أن معظم الدول الأفريقية، كانت تعتمد على الدول غير الأفريقية، شرقية وغربية، لتحقيق أمنها وحمايتها، حتى أن بعض الدول تعتمد في استقرار نظامها على قوات المرتزقة، التي تستخدمها دول كبرى لتحقيق سياستها، أو الحاميات العسكرية للدول الاستعمارية.

    كما يُفسر ذلك باتجاه الدول الأفريقية إلى تجنب التورط في قضايا داخلية، ذات طبيعة سياسية حساسة. وقد يكون السبب كامناً في الاقتناع داخل أفريقيا بالنظرية الوظيفية، التي تُعلى المصالح الاقتصادية والفنية، على المصالح السياسية، على أن تكون الأولى مؤدية إلى خدمة الثانية، على أساس أن العمل في الأولى يخلو من الجدل والخلاف.

    وقد خلصت دراسة مهمة في علاقة منظمة الوحدة الأفريقية، بهذه البيئة التي نشأت وعملت فيها، خاصة من زاوية انتشار المنظمات الحكومية غير السياسية، على امتداد القارة، إلى أن العلاقات الدولية الأفريقية تدور حول الدولة، ما يعني أنه ما دامت منظمة الوحدة الأفريقية تخضع وتتبع نظام الدولة، فهي تملك القوة الكافية لفرض حلول لمشاكل القارة على أعضائها، ولكن قد تكون تلك ميزة حتى لا تضيق الدول بالمنظمة لو حازت القوة. وقد أصرت الدول الأفريقية على تجربة محاولاتها في التسوية عبر المنظمة، أولاً، قبل اللجوء إلى الأمم المتحدة.

    ولا شك أن اختيار أديس أبابا مقراً لمنظمة الوحدة الأفريقية له دلالته، في الوقت الذي كان فيه إمبراطور إثيوبيا هيلاسلاسي Selassi Haile نموذجاً للإباء الأفريقي، منذ صارعت بلاده إيطاليا وهزمتها في موقعة عدوة Adowa في مارس 1896.

    وقد أثرت الحرب الباردة على منظمة الوحدة الأفريقية، في مجالات متعددة أهمها الآتي:

أ. أدى انقسام العالم إيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً إلى نتيجتين متلازمتين، فمن ناحية، شعرت الدول الأفريقية، الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية أن توحيد كلمتها داخل المنظمة، مع انقسام أعضائها بين موسكو وواشنطن أمر صعب. وأما على المستوى العالمي، من ناحية أخرى، وفي إطار الأمم المتحدة، فقد عجزت الدول الأفريقية عن رؤية المصلحة الأفريقية، وانطلقت تؤيد في هذه المحافل المعسكر، الذي تنتمي إليه، على حساب القضايا الأفريقية والمصالح الأفريقية العليا.

ب. ترتب على هذا الانقسام اختلاف النظم الأفريقية، في الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ما يجعل الوحدة والتنسيق بينها أشد صعوبة.

ج. يعني الانقسام والتحزب السياسي في أفريقيا، اضطراب التنمية الاقتصادية، والاجتماعية وانعدام الرؤية الواضحة نحو إستراتيجية فعّالة، ما أثر على معدلات النمو وتفاقم المشاكل الاقتصادية، وأعاق منظمة الوحدة الأفريقية، عن وضع حلول ناجحة لهذه المشاكـل.

د. أدى هذا الانقسام إلى نشوء الصراعات، بين الدول الأفريقية، ونشوب الحروب الأهلية، واستفحال النزعة العرقية.

وعلى الجملة أضافت الحرب الباردة تعقيدات جديدة للقضايا الأفريقية التقليدية. ذلك أنها أثرت على المنظمة، في ضوء أهداف المنظمة وتوجهاتها.

إن نظرة سريعة على المادة الثانية، من ميثاق المنظمة، تكشف أن الحرب الباردة أثرت على مجمل هذه الأهداف. فهدف تقوية وحدة دول أفريقيا وتضامنها، منذ البداية، كان ينظر إليه على أنه خلاص من الانقسام الثقافي، والتشرذم الأيديولوجي، الذي كانت بوادره قد ظهرت، ولم تكن آثاره بعد قد تفاقمت. أما الدفاع عن سيادة الدول، وسلامة أراضيها واستقلالها، فقد أصبح هدفاً نسبياً محضاً، فسيادة دولة وسلامة أراضيها، في ظل حكم شيوعي وتحالف مع كوبا، أو موسكو، تناقض دولاً أخرى تسير في المعسكر الغربي.

أما القضاء على الاستعمار في أفريقيا بكافة صوره، فربما كان هدفاً مشتركاً، مفهوماً على أنه الاستعمار القديم التقليدي، لأن صور الاستعمار الجديد أصبحت أداة في الحرب الباردة. وقد أطلقت موسكو مصطلح "الإمبريالية" تمييزاً للاستعمار الجديد، عن الاستعمار القديم. وكانت الإمبريالية، التي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية، تعني صور الهيمنة واستغلال موارد الدول، والسيطرة على مقدراتها.

وقد أثرت الحرب الباردة، بالفعل، على أهداف المنظمة ومبادئها، خاصة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة الدول. وأما مبدأ التفاني المطلق في التحرر من الاستعمار، فقد أنصب على نوعي الاستعمار التقليدي، وهما: الاستعمار العسكري، والاستعمار الاستيطاني، لكنه لا يمتد إلى الاستعمار الجديد، أو إلى تحرر أفريقيا من الوجود الغربي والسوفيتي، الذي عرفته مرحلة الحرب البارد. وأما مبدأ عدم الانحياز، فقد ظل من المثاليات الأفريقية، التي حاولت الجهود الأفريقية تحقيقه، دون أي نجاح يذكر، لأنه النقيض الكامل لتوزع أفريقيا بين المعسكرين، ما دامت أفريقيا هي أكثر ساحات الحرب الباردة وضوحاً، في انقسامها وفي صراعاتها.

ومن تحصيل الحاصل أن يكون حظر النشاط الهدام من مبادئ المنظمة، ما دامت صفة النشاط البنَّاء أو الهدَّام صفة نسبيه في ظروف انقسام القارة، واستخدام هذا "النشاط الهدام" في صراع المعسكرات المتعادية.

ولعل ميثاق المنظمة، وغيرها من المنظمات، التي نشأت خلال مرحلة الاستقلال، قد بالغ في تأكيد مفاهيم السيادة، والاستقلال، كرد فعل على مهددات هذا الهدف، الذي ظلت الدول الأفريقية تصبو إليه، مهما كان شكلياً أو رمزياً. وبلغ هذا التأكيد حد المبالغة، في الكثير من أحكام الميثاق، حيث أشير إلى أن "لكل دولة أفريقية مستقلة ذات سيادة الحق في العضوية"، ثم الربط بين السيادة والاستقلال، كما تكرر ذكر الدول المستقلة ذات السيادة، في موضع ثالث.

2. المنظمة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

    بعد انتهاء الحرب الباردة، بسبب انهيار النظم الشيوعية وصعود الولايات المتحدة الأمريكية على قمة النظام الدولي، ومحاولة إقامة نظام دولي جديد، حددت له عدداً من الملامح. واستعانت في ذلك بالأمم المتحدة، حتى تركت الانطباع بأن النظام المطلوب بعثه، هو نظام الميثاق الذي تعطل بسبب ظهور نظام فعلى أقوى، وهو نظام الحرب الباردة.

    لذلك، كانت الفترة من1990 حتى السنوات الأخيرة من العقد الأخير من القرن العشرين، محاولة لإقامة نظام خاص، تعثرت محاولات إقامته لأسباب عديدة؛ ولكن ظهر جلياً أن عملية عالمية، هي العولمة، خاصة في الأوساط الأمريكية، بدت كأنها نظام دولي جديد، حل محل الحرب الباردة. ولكن يجب التمييز بين مرحلة ما بعد الحرب الباردة ومرحلة العولمة. فمنذ عام 1990 حتى ظهور العولمة، بشكل واضح ومعترف به على الأقل منذ عام 1995ـ 1996، شهدت أفريقيا أمرين مهمين:

الأول: هو محاولة الغرب نشر الديموقراطية في أفريقيا، وما أحدثه ذلك من تداعيات وإخفاقات وتحديات.

والأمر الثاني: هو انتشار العرقية بشكل مذهل، حتى أصبحت أكبر التحديات للدول الأفريقية.

    والحق أن قضية لوكيربي، تعد من أهم سلبيات أثر مرحلة الغموض الدولي على العالم الثالث، خاصة أفريقيا، حيث استُخدمت الأمم المتحدة، على نحوٍ يخالف أحكام ميثاقها. كما أن تفكك الأبارتهيد[2] في جنوب أفريقيا. وإنشاء نظام ديموقراطي منفتح لا عرقي، واستقلال ناميبيا، من أهم إيجابيات وتفاعلات مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

    وقد أدى انتهاء الحرب الباردة، إلى عدد كبير، من الآثار على القارة الأفريقية، وعلى مركزها الدولي، وكذلك على منظمة الوحدة الأفريقية بشكل خاص. وكان من أهم تلك الآثار:

أ. إصرار الغرب على تحويل أفريقيا إلى النظم الديموقراطية، وتحويل اقتصادياتها إلى اقتصاديات السوق. وقد أدى ذلك إلى صدام بين القوى المستفيدة، من التحول الديموقراطي، وبين القوى المناوئة له، خاصة المؤسسة العسكرية؛ ولذلك شهدت هذه الفترة عدداً كبيراً من الانقلابات العسكرية، التي أعقبت تجارب ديموقراطية فاشلة.

ب. انشغلت القارة الأفريقية بالمشكلة العرقية، التي ظهرت بشكل ملحٍ، ما أدى إلى التساؤل عن العلاقة بين ظهور المشكلة العرقية، على هذا النحو، وبين انتهاء الحرب الباردة. فلم يكن انتهاء الحرب الباردة سببا في نشأة العرقية، ولكنه كان بيئة صالحة ظهرت فيها ثمرة مرحلة الحرب الباردة نفسها. ذلك أن الغرب كان ضمن حملته ضد النظم الشيوعية، قد أهتم باختراق المجتمعات الشيوعية، من منظور حقوق الإنسان، وأهمها الحق في الحرية، وعلى رأسها الحريـة السياسيـة والحرية الدينية. ومعنى ذلك أن حق تقرير المصير السياسي والديني والقومي، أنتقل إلى جيل جديد، من خلال الحرب الباردة، بعد أن كان الجيل الأول هو التحرر من الاستعمار، والجيل الثاني هو التحرر من النظم العنصرية، والجيل الثالث، الذي نحن بصدده، هو التحرر من النظم الشمولية والدكتاتورية. وعندما انتهت الحرب الباردة، عقب اختفاء النظم الشيوعية، سرت هذه الموجة إلى أفريقيا، وأيقظت الأقليات العرقية على واقع جديد، يبشر بحقهم في قيام كيان سياسي لهم داخل الدولة. فإذا أُضيف إلى ذلك، وبسبب عدد من الضغوط، منها ضعف الدولة لصالح قوى داخلية ودولية، فضلاً عن أن هذه الدولة قد أُنهكت بسبب الفساد، وسوء الإدارة، والاختراقات الأيديولوجية، والتقلبات السياسية؛ اتضح ذلك التقابل المخيف، بين العرقية المتوثبة والدولة الضعيفة. غير أن من تقاليد النظام الإقليمي الأفريقي، المحافظة على الدول في مواجهة التمزقات العرقية والانفصالية والإقليمية، ما جعل السياسة العامة لمنظمة الوحدة الأفريقية تناقض النزعات العرقية الجديدة[3].

ج. ارتبطت مرحلة انتهاء الحرب الباردة، ببداية ظهور أزمة المنظمات الدولية. فالمعلوم أن المنظمات الدولية أداة من أدوات إدارة العلاقات الدولية. ومعنى ذلك أن دور منظمة الوحدة الأفريقية، قد أنحسر خلال هذه المرحلة، خلافاً لما كان يُعتقد من أن الانقسام الأيديولوجي، وتيارات الحرب الباردة، التي أثرت على المنظمات الدولية، كان يمكن أن يؤدي غيابها إلى انتعاش وازدهار دور هذه المنظمات.

د. وإذا كانت المنظمة الأفريقية قد انشغلت بعض الوقت، بتطور الصراع العربي- الإسرائيلي، فإنها قد تخففت من هذا الصراع، في النصف الأول من العقد الأخير من القرن العشرين، عندما انعقد مؤتمر مدريد للسلام. ثم إعلان المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي عام 1993. وعلى الجانب الآخر، فإن تجاوز واشنطن استخدام الأمم المتحدة خارج إطار الميثاق، قد ألقى بأعباء إضافية على منظمة الوحدة الأفريقية، وبشكل خاص قضية لوكيربي. ومعنى ذلك أن القضايا العربية لم تتوقف، عن أن تكون الشاغل الأكبر للمنظمة الأفريقية، حتى في غيبة التعاون العربي الأفريقي الفعلي.

    فإذا كانت حقبة الثمانينيات قد مزقت المنظمة الأفريقية، بسبب قضية الصحراء الغربية، وأدت إلى انقسام القارة، انقساماً متأثراً بالحرب الباردة، إلى قسمين متساويين، بين الجزائر الليبرالية والمغرب التقليدية، فقد كانت إحدى التبعات، أحيانا، تعذر انعقاد بعض دورات القمة والمؤتمرات الوزارية وانسحاب المغرب، منذ قبول جمهورية الصحراء عام 1981 عضواً في المنظمة. وقد انتصرت منظمة الوحدة الأفريقية لمصر، في مواجهة القطيعة العربية من 1979-1990، ولمنظمة التحرير ضد إسرائيل، وللجزائر ضد المغرب في قضية الصحراء، ولليبيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية في قضية لوكيربى.

3. المنظمة من الحرب الباردة إلى العولمة

    تشمل هذه المرحلة السنوات القليلة منذ 1997، على الأقل عندما ظهرت ملامح العولمة بشكل أكثر وضوحاً. ويحكم هذه الرؤية أمران: الأول: العولمة بوصفها نظاماً دولياً جديداً، والثاني: أثر العولمة على منظمة الوحدة الأفريقية.

    تزعم بعض الصحفيين والمفكرين الأمريكيين، فكرة أن العولمة هي ذلك النظام الدولي، الذي حل محل نظام الحرب الباردة، على أساس أن واشنطن هي المصدر الرئيسي والموجه الأساسي لحركة العولمة، بما تملكه من قدرات هائلة في المجالات الاقتصادية والتجارية، وتكنولوجيا وسائل الاتصال، التي أحدثت ثورة المعلومات، إضافة إلى القوى العلمية والمالية والعسكرية، ونجاحها في ترجمة القوى المختلفة، إلى نفوذ سياسي على اتساع المعمورة. ويعني نظام العولمة المقترح، أن دولة المركز تسيطر على دول الأطراف، بقدر ما تتفوق على هذه الدول في مظاهر العولمة، لأن دول المركز تملك التأثير على دول الأطراف، من خلال القدرات، التي تبرز الدول الأخرى فيها.

    ومع ذلك، قدرت واشنطن أن قدراتها الفائقة في عملية العولمة، يمكن أن تفقد مفعولها إذا لم تترجم إلى نفوذ سياسي مناسب. والدليل على ذلك أن التفجيرات التي أصابت أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبنى البنتاجون في 11 سبتمبر 2001، قد شجعت واشنطن على الالتفاف حول نظام العولمة، واستخدامه لتطويع القدرات السياسية في النظام الدولي الجديـد، وفرض الهيمنة الأمريكية على بقـاع العالم، تحت ستار مكافحة الإرهاب. وهذا هو المعنى الذي يقصده الساسة الأمريكيون، عندما يؤكدون أن مكافحة الإرهاب عملية ستستغرق وقتتً طويلاً، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن العولمة، التي عجزت عن أن تقيم نظاماً دولياً جديداً، يمكن أن تقيم ـ الآن ـ أساساً قوياً لإنشاء مثل هذا النظام.

    أما أثر العولمة على منظمة الوحدة الأفريقية، فيمكن أن يُستنتج في سياق أثر العولمة على كافة المنظمات، الدولية حيث نشأت مؤسسات جديدة، لها وظائف مستحدثة لتأكيد العولمة، وتركت هامشاً صغيراً لحركة المنظمات الإقليمية، في مواجهة اكتساح العولمة. والمقصود بمنظمات ومؤسسات العولمة، أدوات ثورة التكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا المعلومات، ثم أدوات ثورة تكنولوجيا نقل المعلومات، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. فقد أضافت العولمة أعباء جديدة على منظمة الوحدة الأفريقية، وأهمها انحسار نصيب أفريقيا في التجارة العالمية، مقابل ارتفاع الأرباح، التي تجنيها الشركات العابرة للقارات ـ وهي من أهم هيئات العولمة ـ من الثروات الأفريقية، ومساعدة هذه الشركات على استمرار الحروب الأهلية. كل ذلك وضع منظمة الوحدة الأفريقية، في حرج شديد.

    ومن ناحية أخرى، فإن المشكلات الاقتصادية، التي تواجه القارة، في الداخل والخارج، واستمرار تدهور اقتصادياتها بالخارج، خاصة في عصر العولمة، جعل فرص التعاون الاقتصادي، بين دول القارة محدوداً، ولكنه دفع، من ناحية أخرى، الكثيرين إلى التماس النجاة من هذا المأزق في التوحد الأفريقي، وهو أمل لا تبرره كثيراً معطيات الواقع، وهدف يجب ألا تفتر عزائم الدول الأفريقية، عن السعي إليه.

ثانياً: دور منظمة الوحدة الإفريقية خلال 38 عاماً، ونشأة الاتحاد الإفريقي

1. تقييم المنظمة

    من المفيد في هذا المقام إلقاء نظرة على تقويم نشاط منظمة الوحدة الإفريقية، بمناسبة تصفيتها، خاصة، إن عمرها قد امتد إلى قرابة 40 عاما.

    وفي تقويم عمل المنظمة الأفريقية تتداخل عوامل متعددة، ومعايير مختلفة، منها: الصورة المثالية، التي كانت دول القارة تأمل من المنظمة تخفيفها، ومنها التحولات المتعددة في السّياسات العالمية والإقليمية، ومدى كفاءة الجهاز الإداري للمنظمة، وقدرته على القيام بالمهام المنوطـة به، فضلاً عن المقارنة بين المنظمة وغيرها من المنظمات الإقليمية، والظروف الخاصة، التي أحاطت بها دون غيرها، وبيئة التكامل الإقليمي وثقافته. فهل حققت المنظمة الأهداف، التي وضعتها لنفسها عام 1963، حتى يمكن القول إن استبدالها بالاتحاد الأفريقي، يعد مرحلة جديدة بأهداف جديدة، أم أن المنظمة عجزت عن النهوض بأهدافها وأن الاتحاد الجديد سيقوم بما عجزت عن القيام به؟

أ. مساهمة المنظمة في تصفية الاستعمار والعنصرية

    يبدو أن هذه الصفحة هي المتميزة في تقويم عمل المنظمة، على الرغم من المشكلات المالية والفنية، والانقسامات بين حركات التحرر، وجهود لجنة التحرير في هذا المجال.

    فقد نجحت المنظمة في حشد التأييد الدولي في الأمم المتحدة، على الرغم من انقسامها في ظل الحرب الباردة، ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، والخلافات السياسية المعلنة، والمشاعر الشعبية، لأن مساندة هذا النظام كان يحقق مصلحتين مهمين للغرب:

الأولى، تتعلق بفتح مجال هام للاستثمارات الغربية، والثانية، هي اتخاذ جنوب أفريقيا أداة في الصراع مع الكتلة السوفيتية، خاصة مع تصاعد التدخل السوفيتي والكوبي في القارة، إلى درجة الوجود العسكري. وكما أن جنوب أفريقيا كانت أيضاً، أداة للدول الغربية لتغيير نظم الحكم، من طريق المرتزقة، بما يتفق مع المصالح الغربية. وإذا كان للمنظمة فضل في تجنيد مختلف القوى على المستوى الدولي لعزل جنوب أفريقيا، ومحاصرة النظام العنصري في روديسيا، فقد ساعدها على ذلك اهتمام المجتمع الدولي بقضايا حقوق الإنسان، ورؤيته الاستعمار والعنصرية من التحديات لهذه الحقوق.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الآراء ذهبت مذهبين في هذا الصدد، فيما يتعلق بالاستعمار ودور المنظمة:

المذهب الأول: ويتبناه أحد المفكرين الأفارقة المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الدكتور على المزروعي، يرى أن الدول الأفريقية بمشاكلها وتحدياتها ونظمها السياسية، والصراع على السلطة فيها، عرّضت مواردها للنهب، كما عرضت شعوبها للتدهور في مستوى المعيشة. ولذلك يرى أن الاستعمار كان أكثر مناسبة لهذه الدول، ما دامت غير قادرة على حكم نفسها، والتقدم مع الركب العام للإنسانية، بدلاً من أن تظل عبئاً على الآخرين ومصدراً للقلاقل والمشاكل والأمراض.

المذهب الثاني: أن الاستعمار مرتبط بتطور المجتمعات الغربية، وأنه ظاهرة تاريخية، وأن العنصرية والاستعمار الاستيطاني جزء من هذه التركيبة، وأثر من آثار الاستعمار، لذلك، فإن هذه الظاهرة كانت مرشحة للتصفية، سواء تدخلت فيها المنظمة الأفريقية، أو لم تتـدخل.

ب. دور المنظمة في تسوية المنازعات

ينبغي التمييز، بشكل واضح، في تاريخ المنظمة في تسوية المنازعات، بين مرحلتين:

(1)  المرحلة الأولى: من عام 1963-1990[4].

(2)  والمرحلة الثانية: من 1991-2001.

 وهذا التقسيم يتفق مع مرحلتي الحرب الباردة وما أعقبها.

    ويمكن القول إجمالاً إنه في المرحلة الأولى، كانت المنازعات، بشكل عام، وليست بشكل قاطع ونهائي، تنشب بين الدول الأفريقية، بينما أصبحت المنازعات في المرحلة الثانية تقع داخل الدول الأفريقية نفسها، أي تتعلق بالحروب الأهلية والعرقية.

    وقد فطنت المنظمة نفسها إلى هذا التحول، فأنشأت عام 1993 آلية لإدارة وفض المنازعات الأفريقية، تجتمع على ثلاثة مستويات: القمة، والمستوى الوزاري، ثم مستوى سفراء الدول، أعضاء الجهاز المركزي للآلية. وأصبحت اجتماعات الآلية المنتظمة تطغى على اجتماعات القمة والمؤتمرات الوزارية، وهي، من ناحية أخرى، آداه للمتابعة والمراقبة المستمرة للمنازعات في طور النشأة، والمنازعات التي تحولت، بالفعل، إلى أزمات حقيقية. وبمعنى آخر، فإن الآلية تدخل في نطاق الفلسفة الجديدة، التي عرفها المجتمع الدولي، بعد انتهاء الحرب الباردة، وأدخلتها الأمم المتحدة ضمن ترتيبات عملها، وهي "الدبلوماسية الوقائية" التي تنقسم إلى مراحل ثلاث:

    مرحلة التدخل لمنع تفاقم النزاع، ثم مرحلة تسوية النزاع بعد استفحاله وانتشاره، وأخيراً مرحلة إعادة السلام وتدعيمه وبنائه.

    والواقع أن بعض الدراسات الحديثة لا تميز بين دور المنظمة في المرحلتين، ولذلك كان تقييم دور المنظمة في هذا المجال يميل إلى التقييم السلبي. ولكن من الثابت أن دور المنظمة في المنازعات، التي ثارت بين الدول الأفريقية، يختلف عن دورها في المنازعات والصراعات داخل الدول، وهو موضوع البند الثاني. ويمكن القول إن الحرب بين إريتريا وإثيوبيا، في أواخر القرن العشرين، وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة كانت استثناءً على القاعدة، التي أكدها الواقع، وليس لهذه الحرب أي انعكاسات على الصراعات الداخلية، داخل الدولتين.

    ولا بد أن يُذكر أن التسوية النهائية لهذه الحرب، كانت بالتعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، وخاصة الجهد الخاص الذي بذلته الجزائر، على الرغم من أن عدداً من المراقبين لا يثقون في استقرار هذه التسوية واستدامتها.

    وقد اهتمت المنظمة اهتماماً فائقاً بالتدخل لتسوية المنازعات سلمياً، وحاولت إنشاء إدارة خاصة بهذا الشأن، وتوفر لديها رصيد في مجال عمليات حفظ السلم. وكمثال فقد تدخلت المنظمة في المنازعات الآتية:

(1) النزاع بين السودان وإثيوبيا: فضلاً عن أنه نزاع حدودي، فهو نزاع سياسي يرجع إلى اختلاف توجهات البلدين، واتهام السودان إثيوبيا، ضمن دول أخرى، بمساندة ثوار الجنوب والحركة الانفصالية. وقد حاولت المنظمة تهدئة النزاع جنباً إلى جنب، مع محاولة تهدئة الصراع مع الحكومة السودانية والانفصاليين، وهو الشق الذي تتولاه منظمة الإيجاد IGAD.

(2) أما النزاع بين أوغندا والكونغو، بسبب ما تسميه الكونغو احتلال أوغندا لجزء من أراضيها، وعدوانها على حدودها، وتدخلها في شؤونها، مما دفعها إلى رفع دعوى تنظر حالياً أمام محكمة العدل الدولية، فإن هذا النزاع في الواقع جزء من الصراع الشامل في الكونغو، منذ أكتوبر 1996 حتى الآن، وإن كان قد مر بمرحلتين مهمين: الأولى في عصر لوران كابيلا، "مايو 1997 حتى فبراير 2001" حيث كانت أوغندا تسانده وتحتل جزءاً من أراضى الكونغو. أما المرحلة الثانية فتبدأ بعد انقلابه على حلفائه التوتسي، في أغسطس عام 1998. واستمرت هذه المرحلة حتى بعد اغتياله وتولى جوزيف كابيلا محله، وفيها ظهر العداء بين أوغندا والكونغو.

(3) أما النزاع بين بتسوانا وناميبيا، فقد اتفقت الدولتان على إحالته إلى محكمة العدل الدولية حيث سوى بحكم قضائي في الفترة ما بين 1996 إلى 1999، حول جزيرة كاسيكيلى ـ سيدودو Kasikili Sidudu Island.

(4) وأما النزاع الحدودي بين نيجيريا والكاميرون، فقد أدى إلى احتكاك مسلح بين البلدين وسارعت الدولتان، بناء على نصيحة منظمة الوحدة الأفريقية، بإحالته عام 1994 للتسوية القضائية أمام محكمة العدل الدولية.

(5) كذلك ساهمت المنظمة في تشجيع السنغال وغينيا بيساو على تسوية نزاعهما الحدودي البحري، أمام محكمة العدل الدولية، في الفترة من 1991 إلى 1995، ومما يذكر أن حكماً قضائياً كان قد صدر في 31 يوليه 1989 ثم ظل النزاع حول تطبيق الحكم حتى عام 1991، وصدر الحكم النهائي في 12 نوفمبر 1991 وإن كانت غينيا بيساو لا تزال تعلن عن عدم رضاها عنه.

(6) كذلك نظرت المنظمة عدة مرات النزاع بين ليبيا وتشاد، وشجعت الدولتين على تسويته من طريق محكمة العدل الدولية، في الفترة من 1990 إلى 1994، وعلى تهدئة الأوضاع بين الدولتين.

(7) وكذلك في التعاون مع الأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ ليبيا في الحكم الصادر في هذا الشأن في3 فبراير 1994[5].

        ومما يذكر أن النزاع بين ليبيا وتشاد، كان يتسم بحساسية خاصة، وعرض مرة واحدة على منظمة المؤتمر الإسلامي، التي رأت إحالته إلى منظمة الوحدة الأفريقية، وعدّته نزاعاً أفريقياً خالصاً، لذلك لم يعرف طريقه إلى الجامعة العربية.

        وقد اهتمت منظمة الوحدة الأفريقية بهذا النزاع منذ نشأته، وحتى قبل أن يتبلور في شكله الإقليمي. فقد عرض على المنظمة، لأول مرة، في القمة الرابعة عشرة في ليبرفيل 1977، التي أصدرت قراراً أنشأت بموجبه لجنة الوساطة بين البلدين، برئاسة الجابون. ثم أكدت القمة الخامسة عشرة، المنعقدة في الخرطوم في يوليه 1978، مبادئ ميثاق المنظمة في صدد التسوية السلمية للمنازعات، وحثت الدول المجاورة للبلدين على حل النزاع بينهما، كما حثت البلدين على التعاون معها.

        وفي القمة السابعة عشرة في فريتاون في يوليه 1980 تأكد الخط نفسه، خاصة أن المنظمة كانت ترعى المصالحة الوطنية في تشاد في ذلك الوقت، بناءاً على اتفاق لاجوس، وبرعاية لجنة خاصة من الرؤساء الأفارقة. وقد أرسلت المنظمة لهذا الغرض بعثة إلى تشاد لحفظ السلام.

        أما خط المنظمة في تسوية المشكلة الإقليمية بين تشاد وليبيا، فقد أكدته المنظمة، مرة أخرى، في قراراها الرقم 174، الصادر عن القمة الأفريقية العادية الرابعة والعشرين، التي عقدت في أديس أبابا في مايـو 1988.

        كذلك أبدت المنظمة اهتمامها بالنزاع الحدودي بين بوركينا فاسو ومالي، الذي جرت تسويته بحكم صادر عن محكمة العدل الدولية في 22 ديسمبر 1986.

        وقد كان تدخل المنظمة في هذه المنازعات الحدودية، هادفاً إلى تسويتها بالطرق الودية، سواء كانت طرقاً سياسية أو قضائية. كما تمسكت المنظمة بمبادئ ميثاق المنظمة، وقرارات القمة وأهمها: التسوية السلمية للمنازعات، واحترام الحدود القائمة منذ عهد الاستعمار، مع ملاحظة أن المنظمة لم تستفد من لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم، التي عُنيّ الميثاق بإنشائها، وعلق آمالاً كبيرة على عملها وجهودها.

        كما حرصت المنظمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

        كذلك، استحدثت المنظمة نظام قوات حفظ السلام، التي لعبت دوراً مهماً في مراقبة وقف إطلاق النار، المتفق عليه بين الأطراف المعنية.

        وعلى ذلك يرى بعض المراقبين أن المنظمة أدت دوراً حيوياً، في تسوية المنازعات الأفريقية بين الدول، تسوية سلمية على الرغم من الظروف المحيطة بها، ومعوقات عملها.

ج. دور المنظمة في مجال الحروب الأهلية والعرقية والإقليمية

    عندما استفحلت ظاهرة الحروب الأهلية والعرقية والإقليمية، سعت المنظمة إلى مواجهة هذه الظاهرة. فأنشأت لذلك "آلية فض المنازعات". وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن انتهاء الحرب الباردة، أثر على أفريقيا من هذه الزاوية، بإحدى طريقتين: إما أنه همش أفريقيا ومنظماتها، في الوقت الذي ارتفعت فيه هامات القبلية والعرقية، واختفت فيه سلطة الدولة؛ وإما أن المنظمة قد تخلصت من الانقسامات الأيديولوجية، التي جمدتها خلال الحرب الباردة، فاستردت قدرتها على الحركة، مثلما فعلت الأمم المتحدة. وعلى كلٍ، فإن انتهاء الحرب الباردة جاء بأثرين متعاكسين، أولهما: إزاحة شبح الانقسام في أفريقيا، والثاني: انتشار ظاهرة العرقية وانهيار الدولة، مما جعل الدول قادرة على العمل داخل المنظمة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي حفل بها عقد التسعينيات، من القرن العشرين.

    وفي ضوء هذه الظروف، فإن منظمة الوحدة الأفريقية عجزت عن مواجهة هذه الظاهرة، وللعجز مستويان، المستوى الأول: هو عدم بذل الجهد الكافي، والعناية الواجبة، والمتابعة الحقيقية؛ والمستوى الثاني: هو وقف الانهيار، وإعادة الأحوال إلى ما كانت عليه، من طريق تسوية سياسية مقبولة.

    والحق أن المنظمة حققت قسطاً من النجاح، وفق هذين المعيارين. ففي مشكلة بيافرا، على سبيل المثال، التي اتهمت فيها المنظمة من بعض الباحثين بعجز مزمن، بحثت المنظمة المشكلة، وهي في حالة من عدم اليقين حول تحديد طبيعتها. وقررت، منذ البداية، أنها نزاع داخلي لا يجوز لها التدخل فيه، ولكن تدخل المنظمة جاء بناء على طلب الحكومة الفيدرالية في نيجيريا، لإنشاء لجنة تحقيق وتشاور مهمتها التوفيق بين أطراف المشكلة، بهدف نهائي، وهي المحافظة على الوحدة الإقليمية والسلام في نيجيريا. وقد رأس الإمبراطور هيلاسلاسي هذه اللجنة، التي عملت تحت إشراف منظمة الوحدة الأفريقية، منذ أول اجتماع لها في النيجر، في يوليه 1968، وحين ناشد مؤتمر القمة في سبتمبر 1968 في الجزائر، الدول الأفريقية عدم التدخل، وعدم الانحياز، إلى أي من الطرفين، حتى لا يتفاقم النزاع. ولم يمنع ذلك ساحل العاج "وتنزانيا والجابون وزامبيا، فضلاً عن فرنسا" من الاعتراف ببيافرا. وقررت اللجنة في أبريل 1969، في اجتماعها في أديس أبابا، مناشدة الأطراف وقف إطلاق النار، والمحافظة على وحدة أراضي نيجيريا. وقد انتهى عمل هذه اللجنة ـ وهو أمر طبيعي ـ حال رفض بيافرا لاختصاصها.

    وقد عقد مجلس وزراء المنظمة جلسة طارئة في سبتمبر 1964، واتخذ القرار الرقم 5 الذي عدّ بعضهم بدعة في تاريخ المنظمة، لأنه قرر أن المنظمة مختصة بنظر أي نزاع، أو مشكلة تؤثر على الأمن والسلام في القارة. وأنشأ المؤتمر، كذلك، لجنة خاصة تضم تسعة من رؤساء الدول الأفريقية، تحت رئاسة رئيس كينيا. ولم توفق هذه اللجنة، ولم يستمر عملها، لأن التدخل الأمريكي- البلجيكي، وضع حداً لمحاولة الانفصال.

    وإذا كانت محاولة الانفصال في الكونغو ونيجيريا، قد حسمتها دول أجنبية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا في الكونغو، وبريطانيا والاتحاد السوفيتي في نيجيريا، فإن ذلك يظهر تعقد المشكلة. ولكن المنظمة حاولت قدر استطاعها، دون أن تحقق هذه النتيجة.

    وأما تشاد، التي شهدت صراعات داخلية، وحركات انفصالية، في موجات متعاقبة، منذ استقلالها في 11 أغسطس 1960، فقد عانت من الاضطرابات الداخلية، من ناحية، ومن مضاعفات النزاع الحدودي مع ليبيا، من ناحية أخرى.ففي ذلك الموقف ساندت السودان وليبيا الثوار عام 1979، بينما ساندت فرنسا الحكومة المركزية، فقررت منظمة الوحدة الأفريقية عام 1980، إنشاء قوة لحفظ السلام في تشاد. وكانت اتفاقات لاجوس في أغسطس 1979 قد قررت، كذلك، إنشاء هذه القوة لتحل محل القوة الفرنسية. ولكن فور وصول هذه القوة إلى تشاد استؤنف القتال، واستُدعيت القوات من تشاد في مارس 1980، ثم اجتمعت اللجنة المؤقتة، التي شكلتها المنظمة في النيجر في نوفمبر 1980، وأكدت، مرة أخرى، إنشاء قوة أفريقية. ولكن ليبيا تدخلت في ذلك الوقت في يناير 1981، فأصبحت مهمة القوة الأفريقية هي الحلول محل القوات الأجنبية "الليبية والفرنسية"، إضافة إلى المهام الروتينية الأخرى.

    وأما في رواندا، فيجب أن نفرق بين محاولات المنظمة تسوية المشكلة، بين الحكومة والثوار منذ 1991، وبين عجز المنظمة عن معالجة آثار الانفجار العرقي، في عام 1994. فقد أسهمت المنظمة في إبرام اتفاقات أروشا في 29 مارس1994، التي تقضي بوقف إطلاق النار، وإعادة الحوار من أجل إقامة نظام ديموقراطي. وأرسلت المنظمة مراقبين عسكريين لمراقبة احترام وقف إطلاق النار، تزايد عددهم من "20" في أكتوبر 1992 إلى "120" فرداً في أكتوبر 1993، كما التقى الأمين العام عدة مرات بأطراف الأزمة. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تولت هذه المشكلة، منذ أكتوبر 1993، أصرت الدول الأفريقية على المشاركة الفعالة في قوة حفظ السلام الدولية، التي أنشأها مجلس الأمن بقراره الرقم 872، في 5 أكتوبر 1993 حيث شكل الأفارقة في القوة "2940" من مجموعها، وهو "5500"، كما قدمت جنوب أفريقيا العتاد والمدرعات لهذه القوة.

    ومن ناحية أخرى، فإن منظمة الوحدة الأفريقية اقتصرت على مباركة الجهود، التي بذلتها منظمة الإكواس، وقواتها المعروفة باسم "الإيكوموج"، تحت سيطرة القوات النيجيرية. وقد أدت هذه القوات دوراً حاسماً في ليبيريا وسيراليون، وربما تفادت المنظمة التعامل المباشر مع هذه القوة، بسبب الحساسية التي أحاطت بمشاركة نيجيريا تحت الحكم العسكري، الذي كان قد أدين في القارة، وفرضت عليه عقوبات دولية.

    ومن ناحية ثالثة، ظلت منظمة الوحدة الأفريقية بعيدة عن فرض دول مؤتمر أروشا عقوبات على بوروندي، بسبب الانقلاب العسكري في 25 يوليه 1996، ولم تتدخل إلا بشكل غير مباشر، عندما كانت هذه القضية تثار في اجتماعاتها، واجتماعات الآلية الخاصة بفض المنازعات، التي حاولت مساعدة الأطراف البورندية، بعد محاولة انقلاب 1993 على التوصل إلى تسوية سياسية، من خلال مبعوث الأمين العام للمنظمة. ثم أُرسلت قوة من المراقبين العسكريين والمدنيين لبث الثقة، بين السكان، والتعاون مع الجيش، ولكنها لم تحقق أي نتيجة في طريق محادثات السلام، بين الحكومة والثوار، أو تطوير مشاعر الهوتو والتوتسي المتعادية.

    وخلاصة القول، إنّ كانت المنظمة قد نجحت، إلى حد ما، في تسوية المنازعات بين الدول الأفريقية، فإن دورها في تسوية الصراعات داخل الدول الأفريقية يجب أن يقوّم في إطار ما تمثله هذه الصراعات من تحديات، وفي ضوء الإمكانيات الأفريقية، والتحولات الاجتماعية في القارة. لذلك، لا يمكن بصعب الاتفاق مع من ذهبوا إلى أن سجل المنظمة في هذا الباب، كان يتسم بالفشل، سواء على المستوى الدبلوماسي، أي محاولة توفير إطار مفاوضات بين أطراف الأزمة، أو على مستوى توفير الإرادة اللازمة لإنشاء قوة مسلحة أفريقية تفرض الحلول، وتشرف على وقف إطلاق النار، وتتوافر لها الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة.

    إن واحدة من صعوبات العمل بالمنظمة، أزمتها المالية التي دفعت المنظمة منذ عام 1990 إلى استحداث نظام العقوبات على الدول المتخلفة، عن دفع حصصها. لكن المشكلة ليست في عدم الرغبة في الدفع، بل في عدم القدرة عليه.

    وقد تكرر النص على نظام العقوبات بسبب التخلف في سداد الحصص، مرة أخرى، في قانون الاتحاد الأفريقي. لذلك حاولت المنظمة تعزيز قدراتها المالية والبشرية، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، غير أن شبهة التبعية لهذه الجهات الأجنبية أسقطت هذا المشروع.

2. أزمة التجارب الديموقراطية في أفريقيا

    بعد انتهاء الحرب الباردة أصرّ الغرب على نشر الديموقراطية في أفريقيا، بطريقة متعمدة، وفرض التجربة بالقوة على الزعامات الأفريقية، وربط بين قبول الديموقراطية وبين استمرار المعونة الغربية لهم. وبالفعل جرى إعداد البلاد للانتقال من النظم الانقلابية، أو نظم الحزب الواحد، إلى النظم الديموقراطية. فأعدت الدساتير الحديثة، وصدرت القوانين الانتخابية التشريعية والرئاسية، ودُربت الكوادر السياسية والإدارية، على الحملات الانتخابية، والإشراف الدولي على مراقبة الانتخابات. وبدأت هذه التجربة تطبق على عدد كبير من الدول الأفريقية، ولكنها لم تصمد أمام التحديات العرقية والانقلابات العسكرية، وأدى ذلك، في بعض الأحيان، إلى انهيار الدولة وتراجع البلاد إلى الوراء. هذه التجارب التي نشأت وانتهت، أوضحت العديد من الدروس، التي منها أن دور منظمة الوحدة الأفريقية في معالجة المضاعفات الخطيرة، التي نتجت عن انهيار هذه التجارب.



 [1]الكونسرت الأوروبي Concert Européen: هو التنظيم الذي أعقب مؤتمر فيينا، وكان يتخذ شكل الهيئة أو الإدارة Directoire التي تضم الملكيات الكبرى في أوروبا والتي نذرت نفسها لمنع قيام الثورات وتكرار سابقة الثورة الفرنسية. وقد تجد هذا الكونسرت الأوروبي في المادة السادسة من اتفاقية باريس المبرمة في 20 نوفمبر 1815 التي نصت على أن مهمة هذا التنظيم هو سعادة العالم والمحافظة على سلام أوروبا.

[2] نظام الأبارتهيد هو سياسة الفصل العنصري التي تبنتها جنوب أفريقيا منذ عام 1948.

[3] أشرنا إلى أن الخط الثابت في المنظمة منذ نشأتها هو عدم الاعتراف بحق تقرير المصير للأقليات وإنما للشعوب.

[4] بلغت المنازعات الأفريقية وحدها عشرة.

[5] أكسب سلوك ليبيا سمعة طيبة ، وكان ذلك بداية التحول في مساندة أفريقيا لليبيا في قضية لوكيربي، وتحول ليبيا نحو دول قارة أفريقيا بدلاً من الدول العربية.