إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة الوحدة الإفريقية




علم المنظمة

العلاقة بين المنظمة والجامعة العربية

مناطق الصراع في أفريقيا



دور منظمة الوحدة الإفريقية خلال 38 عاماً، ونشأة الاتحاد الإفريقي

المبحث السابع

الدبلوماسية الأفريقية في إطار المنظمة

    من الواضح أن تبدل النظم الدولية أثر على القارة الأفريقية، وعلى منظماتها الرئيسية، خاصة نظام الحرب الباردة، الذي مزق القارة وخلّف مشاكل وحروب، لم تبرأ منها حتى الآن. وقد حاولت المنظمة، على الرغم من ذلك، أن تكون أداة لتنسيق الجهود الأفريقية، والالتقاء على موقف موحد في قضايا الداخل والخارج. لذلك، فإن مواقف المنظمة من مختلف القضايا، التي عالجتها، يتأثر بالواقع الأفريقي من ناحية، وانعكاس النظم الدولية المختلفة، من ناحية ثانية؛ فضلاً عن تأرجح قيمة الوحدة في البيئة الأفريقية، ومدى جدواها لمعالجة قضايا القارة، ودوافع هذه الوحدة، التي تجاوزت مرحلة الرومانسية السياسية، في بداية التسعينيات، ثم خضعت لذلك التحول الخطير، الذي نشأ بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرة، وهو اختفاء الطابع الأيديولوجي للقضايا السياسية، حسبما صورها المفكرون الغربيون، الذين يقصدون بالطابع الأيديولوجي الانقسام التلقائي، والانتماء الطبيعي إلى شرق وغرب. كما كانوا يقصدون بالطابع الأيديولوجي، غلبة العامل الديني أو القومي في تحديد السلوك السياسي.

أولاً: موقف المنظمة من القضايا الأفريقية

1. تطور المشكلات الأفريقية، من الحرب الباردة إلى العولمة

    نشأت المنظمة في وقت كانت فيه الحرب الباردة على أشدها في العالم، ثم انتقلت إلى أفريقيا، وصاحبت بعض حالات التحرر من الاستعمار حتى نهاية الثمانينيات، مثل أنجولا.

    وقد تراكمت المشكلات الأفريقية، خلال مرحلة الحرب الباردة، وكان أهمها مشاكل الحدود، التي سويت بالطرق السياسية أو القضائية، حيث ضربت أفريقيا رقماً قياسياً في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية[1]. كانت المشكلة الثانية هي الانقلابات العسكرية، التي خلفت أفريقيا فيها أمريكا اللاتينية، مع اختلاف أساليب تعامل القارتين، مع هذه الظاهرة المزمنة. ثم أضيفت المشكلة الثالثة وهي المرتزقة، التي وقفت أفريقيا منها موقفا صارما، وجلبت تأييدا دولياً واسعاً، جعل من الظاهرة خطراً على استقلال أفريقيا وسلامتها الإقليمية. شهدت الحرب الباردة كذلك القضايا العنصرية، في روديسيا وجنوب أفريقيا وناميبيا، ثم الحروب الأهلية التي رافقت أفريقيا حتى الآن. وفضلا عن ذلك مضاعفات المشكلة الاقتصادية، والعلاقات غير المتكافئة بين أفريقيا وأوروبا، مما أنتج مشاكل المديونية والفقر، مثلما أسهمت الاضطرابات الداخلية والحروب الأهلية، في ظهور مشكلة اللاجئين.

    أما بعد انتهاء الحرب الباردة، فقد أضيفت إلى هذه القضايا جميعاً قضايا أخرى أشد فتكاً وإلحاحاً، بينما اختفت القضايا العنصرية، وذلك لاستقلال زيمبابوي منذ بداية الثمانينيات، ثم تحول النظام العنصري في جنوب أفريقيا إلى نظام ديموقراطي، متعدد الثقافات والأعراق، وقد سمح النظام الجديد باستقلال ناميبيا. وبذلك أُغلق ملف العنصرية والاستعمار الاستيطاني في أفريقيا.

    أما القضايا الجديدة، التي أضيفت بعد انتهاء الحرب الباردة في أفريقيا، فأهمها المشكلة العرقية، وفشل النظم الديموقراطية، وما أقترن بذلك من انقلابات عسكرية وحروب أهلية، كما تفاقمت المشكلات الاقتصادية، ومشاكل اللاجئين، وانحسار نصيب أفريقيا في التجارة العالمية، وتهميشها في السياسات الدولية، وتعثر المعونات الأوروبية، واندلاع الحروب الإقليمية، والأزمات الحادة ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والعرقي، مثل مشكلة الكونغو؛ وأخيراً أضيفت مشكلة الإيدز، التي توشك أن تفتك بالقوة العاملة بهذه القارة وبكوادرها الإدارية والثقافية.

2. الحروب الأهلية والعرقية

    عرفت أفريقيا عدداً كبيراً من الحروب الأهلية، ذات الطابع القبلي، العرقي والتي اقترنت بنزعات انفصالية وإقليمية، هددت استقرار هذه القارة. ومن الواضح أن واضعي ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، لم يدر في خلدهم أن قارتهم ستواجه هذه المشكلة الطاحنة، لأن المد الوحدوي آنذاك كان يشكل الصفة الغالبة للسياسات في أفريقيا. ويتضح ذلك من جدول أعمال المؤتمر التمهيدي لوزراء خارجية الدول الأفريقية، الذي أعقبته القمة التأسيسية في أديس أبابا عام 1963.

    كما كان واضحاً من كلمات الرؤساء الأفارقة، الذين حضروا هذه القمة في أديس أبابا، أنهم يعدون الوحدة الأفريقية الحل النهائي للمشاكل القبلية والعرقية والنزاعات الانفصالية، وأنهم في الوقت نفسه، يتمسكون بفكرة السيادة للدول، كنقيض لفكرة الانفصال وتقسيم الدول. والطريف أن معظم الدول الأفريقية قد عانت من الحروب الأهلية والعرقية، التي لم يتوقعها ميثاق المنظمة، ولم يعمل حساباً لنشوبها.

    فقد أتت الحروب الأهلية على دول بأكملها، وأبرزت ظاهرة ضعف الدولة بما يؤثر على حل هذه المشكلة، وإلى تعقدها، وتعدد العوامل المؤثرة فيها (اُنظر خريطة مناطق الصراع في أفريقيا). فقد عـانت من الحروب الأهلية كل من: ليبيريا، وسراليون، والجزائر، وتشاد، ونيجيريا، والكونغو برازافيل، والكونغو كنشاسا، والصومال، ورواندا، وبوروندي، وأنجولا، والكاميرون، والسودان، وكانت الصورة في بعض هذه الدول أشد إيلاماً، بسبب انهيار الدولة.

أ. الصومال

    ظلت الصومال تحافظ على وحدتها الإقليمية، حتى قيام الانقلاب العسكري في 27 يناير 1991، ضد الرئيس محمد سياد بري، الذي فر من البلاد وخلّف حرباً أهلية، بين عدد من الفرق المسلحة، التي تمثل الاتجاهات القبلية. وصارت مشكلة الصومال، في ذلك الوقت ذات أبعاد متعددة: فمن ناحية، انهارت سلطات الدولة وأجهزتها، وسيطر على مناطقها زعماء العصابات. ومن ناحية أخرى، أدت الصراعات المسلحة، بين هذه العصابات، إلى الفتـك بعدد كبير من السكان، وانعدام الاستقرار والأمن، وتعطل المصالح والأعمال، وانتشار المجاعات، مما أدى إلى محاولة التدخل الدولي في الصومال، لتأمين قوافل الإغاثة وإيواء اللاجئين. واتخذ التأمين شكلاً عسكرياً، ناهضته العصابات المسلحة، وانتهى الأمر بفشل الخطة الأمريكية المعروفة باسم "إعادة الأمل" في الصومال، في إطار الأمم المتحدة. أما موقف منظمة الوحدة الأفريقية، فكان يتجه إلى مساندة موقف الأمم المتحدة.

ب. ليبيريا

    كان الوضع في ليبيريا شبيهاً بالوضع في الصومال، خاصة من زاوية تورط الدول المجاورة في هذه الحرب الأهلية، مما ينشر التوتر في المنطقة بأكملها. واللافت للنظر أن الدور الرئيسي في قضية ليبيريا، لعبته القوات، التي تشكلت من منظمة غرب أفريقيا المعـروفة باسم "الإكواس"، وهي في معظمها من القوات النيجيرية، في عهد الجنرال ساني أباتشا Sani Abacha، الذي قاد الانقلاب العسكري في لاجوس في منتصف التسعينيات. على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى النظام العسكري في لاجوس، والضغوط الدولية، والجزاءات الاقتصادية، التي فرضت عليه، للاعتراف بنتائج الانتخابات الديموقراطية، كان هناك ارتياح عام وتسليم ضمني، من جانب الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، بمساندة جهود نيجيريا للتوصل، إلى تسوية سياسية في ليبيريا.

ج. سيراليون

    تُعد مشكلة سيراليون واحدة من مضاعفات فشل الديموقراطية في أفريقيا. فقد وقع الانقلاب العسكري ضد أحمد تيجان كابا Kabbah  Tejan Ahmed، رئيس الجمهورية المنتخب، في عام 1996، وأثرت نيجيريا، رغم نظامها الانقلابي إلى إعادة الديموقراطية إلى سيراليون، وساندتها منظمة الوحدة الأفريقية، والأمم المتحدة، وبريطانيا. وانتهى الأمر إلى إرغام الحكومة الانقلابية في سيراليون، على إعادة الرئيس المخلوع إلى العاصمة وحدها، بينما يسيطر الثوار على بقية الأقاليم. على الرغم من ضحايا هذه الحروب الأهلية، التي بلغت حداً مؤسفاً، دفعت مجلس الأمن إلى إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب في سيراليون، فإن البلاد لا تزال تنشد الاستقرار والديموقراطية.

د. رواندا

    قبل اندلاع الأحداث الدامية في رواندا، في السادس من أبريل 1994، لم يكن لمنظمة الوحدة الأفريقية دور حاسم، أو موقف بارز، في رواندا، مع أن الحرب الأهلية كانت قد بدأت منذ عام 1990. وكان واضحاً أن محاولات التسوية السياسية، بواسطة تنزانيا منذ عام 1990، التي ساندتها المنظمة "الأمين العام تنزاني"، لم تفلح. ثم قام الصراع المسلح من أبريل إلى يوليه 1994، بين ثوار الجبهة الوطنية الرواندية، وجيش حكومة الرئيس هابياريمانا Habyarimana في رواندا. وكان ذلك هو الحصاد المر لما زُرع عام 1957 على يد البلجيك، عندما أجريت الانتخابات، وتسلم السلطة فيها الأغلبية الهوتو، ضد الأقلية التوتسي. وقد انتهت أحداث رواندا إلى لجوء دولة رواندا بكاملها، فيما لا يقل عن 4 مليون نسمة، إلى شرق زائير، عندما تولت قوات الجبهة الوطنية الرواندية السلطة في كيجالي، ثم ما أعقب ذلك من صراع بين الثوار الهوتو، وإغارتهم على العاصمة، وبين جيش الحكومة الجديدة. وحتى عندما قرر مجلس الأمن حظر تصدير الأسلحة إلى الطرفين المتحاربين في رواندا، احترمت الدول أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية الحظر، دون أن تقرر المنظمة نفسها شيئا في هذا الشأن.

هـ. بوروندي

    بدأت الحرب الأهلية في بوروندي، بعد فشل التجربة الديموقراطية فيها، التي أتت بمرشح الهوتو، الرئيس إنداداي Ndadaye، إلى السلطة. وبعد أشهر قليلة من انتخابه اغُتيل في أكتوبر 1993. ثم بدأت مرحلة تالية من الحرب الأهلية في مارس 1994، عندما أُعلن عن تشكيل مجلس الدفاع عن الديموقراطية، المناهض للحكومة في زائير، ويتزعمه وزير الداخلية المنشق، على حكومة الوحدة الوطنية. فالحرب الأهلية في بوروندي، وهي أثر من أثار فشل التجربة الديموقراطية، وجدت اهتماماً كبيراً، لأول مرة من منظمة الوحدة الأفريقية، التي بدأت تفكر بطريقة عملية، تجاه هذا النوع من المشاكل. فأنشأت في قمة القاهرة، التي عُقدت في يونيه 1993، آلية فض المنازعات الأفريقية، وبدأت أول نشاط لها بمناسبة الانقلاب العسكري في بوروندي في أكتوبر 1993. وعندما اتسع نطاق الحرب الأهلية، بين الجيش التوتسي Tutsi والثوار الهوتو Hutu، أرسلت المنظمة فريقاً من المراقبين العسكريين، يضم 47 عضواً من عدد من الدول الأفريقية، أبرزها تونس ومالي وبوركينا فاسو، وفريقاً مدنياً، ويشرف على الفريقين معاً ممثل الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية، وهو وزير الخارجية السابق لبوركينا فاسو.

    وقد ساندت منظمة الوحدة الأفريقية في بوروندي، اتفاق مشاطرة السلطة، الموقع في العاشر من سبتمبر 1994، ولكنه لم ير النور، بسبب اختلاف ميزان القوى الفعلي، عن التصور السياسي في هذا الاتفاق[2].

    وقد تدهورت الأوضاع بشكل خطير ابتداء من مارس 1995، واتهمت بوروندي تنزانيا بمساندة الثوار، ولكن بوروندي قررت أن تطلب العون الأمني من الرئيس التنزاني السابق جوليوس نيريري Nyerere Julius، وجيرانه الآخرين. غير أن الانقلاب العسكري في 25 يوليه 1996، الذي سلم السلطة إلى الرئيس بيير بويويا Buyoya Pierre، الذي كان قد قاد هو نفسه انقلاباً عسكرياً على الجنرال باجازا Bagaza عام 1987، وسلم السلطة للحكومة المنتخبة عام 1993. فقد فرض الرئيس نيريري، ورؤساء عددً من رؤساء الدول المجاورة، بما فيها كينيا وإريتريا وإثيوبيا، حظراً شاملاً على حكومة الانقلاب في بوروندي، لإرغامها على التفاوض مع الثوار، وإعادة السلطة وتطبيق نتائج الانتخابات، وإعادة الدستور والأجهزة الديموقراطية السابقة.

    وقد أيدت منظمة الوحدة الأفريقية ضمنياً موقف نيريري. وعندما أشعر نيريري منظمة الوحدة الأفريقية، أن التقدم في تحقيق هذه المطالب، هو الطريق إلى رفع العقوبات عن بوروندي، بدأت المنظمة تطالب بمراعاة رفع هذه العقوبات، بقدر ما تحقق من تقدم في هذا الاتجاه، وهو الأمر الذي سجله المبعوثون الخاصون، لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا، منذ مؤتمر وزراء الخارجية الأفريقي في طرابلس، عام 1997.

    وكانت مدينة أروشا في تنزانيا، ولا تزال، رمزاً لأمرين مهمين، يتعلقان بالحرب الأهلية: أولهما، أنها المنصة، التي انطلقت منها العقوبات الإقليمية ضد بور وندى، ثانيهما، أنها المنصة التي انطلقت منها المفاوضات، بين الحكومة والثوار في بوروندي.

و. الكونغو "كنشاسا"

    بدأت المشكلة في الكونغو بسبب تداعيات الصراع في رواندا وبوروندي، على الأقل منذ عام 1993، حيث أصبحت منطقة شرق زائير ملاذاً للاجئين من الهوتو، في رواندا وبوروندي. ولكن الفصل الأول من المشكلة الفعلية، بدأ بمحاولات إقصاء الرئيس جوزيف موبوتو عام 1996، بعد قيام حملة لوران كابيلا Kabila Laurent من شرق زائير صوب كنشاسا. وكان التوتسي يساندون كابيلا، ولكن حدث خلاف بينهما في 27 أغسطس 1998، فانقلب عليهم واستعان بقوات من ناميبيا وزيمبابوي وأنجولا،ا لمحاربة الثوار المدعومين من أوغندا ورواندا وبوروندي، وأنضم إلى كابيلا كذلك السودان وليبيا، واتسع نطاق الصراع في الكونغو. وكان صوت منظمة الوحدة الأفريقية خافتاً، لأن مجلس الأمن هو الذي تولى معالجة هذه المشكلة، التي انتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لوساكا.

    أما في جزر القمر، فقد دأبت المنظمة على مطالبة فرنسا بالانسحاب من جزيرة مايوت القمرية، كما سعت المنظمة لجلب الاستقرار إلى جزر القمر، وتحقيق الوحدة الوطنية فيها، بعد انقلاب جزيرة أنجوان. ومن ذلك سعيها إلى عقد المؤتمر الدولي في أديس أبابا في ديسمبر 1997، لتسوية النزاع بين الحكومة وثوار جزيرة أنجوان.

3. الانقلابات العسكرية

    مثلت الانقلابات العسكرية هاجساً مؤلماً، ضد الاستقرار والتنمية ومحاولات الديموقراطية في أفريقيا، وألمح إلى ذلك الآباء المؤسسون لمنظمة الوحدة الأفريقية. ولعل الإشارة إلى النشاط الهدام والاغتيال، هي إشارة إلى الانقلابات العسكرية التي اقترنت دائماً بهذين الأمرين. وليس معنى ذلك أن الانقلابات بدأت بعد نشأة المنظمة، فقد كانت موجودة قبلها، ولكنها انتشرت مع تزايد موجة استقلال الدول الأفريقية. فالمعروف أن توجو لم تشترك في مؤتمر أديس أبابا، بسبب تردد كثير من الدول الأفريقية في الاعتراف بحكومتها، التي وصلت إلى الحكم إثر اغتيال الرئيس سلفانوس أولمبيو Olympio Sylvanus. فقد حضر إلى المؤتمر وزير خارجية الانقلاب، نيكولاس جرونيتسكي Grunitzky Nicolas، ولم يتمكن وزير داخلية الحكومة الشرعية في توجو، واللاجئ إلى نيجيريا، من السفر إلى أديس أبابا، لمعارضة مشاركة الحكومة الانقلابية.

    ويبدو أن الانقلابات العسكرية كانت مرتبطة بأعمال الاغتيال السياسي. لذلك اهتمت المادة الثالثة في فقرتها الخامسة، من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، بإيضاح مبادئ المنظمة، ومن بينها الاستنكار المطلق لأعمال الاغتيال السياسي، في جميع صوره، وحظر ألوان النشاط الهدام، وهو التحريض على لاغتيال وأعمال الانقلاب، التي تمارسها دول مجاورة، أو دول استعمارية[3].

    وعلى كلٍ، فإن الانقلابات العسكرية أصبحت ظاهرة مزمنة في أفريقيا، بحيث صارت جزءاً أساسياً من التاريخ السياسي لهذه القارة، ما دفع الباحثين السياسيين، طوال العقود الماضية، إلى البحث في أسباب هذه الظاهرة، ومحاولة التعرف على علاج لها، بعد أن انتشرت. وقد أشارت الدراسات إلى المواقع المتباينة للجيش في أفريقيا، وعلاقة الجيش بالتكوين العرقي للدول. وعلى سبيل المثال، فإن الدول القليلة، التي سلمت من الانقلابات العسكرية، مثال الملكيات القليلة في الجنوب الأفريقي وتنزانيا والسنغال وجنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا، هذه الأمثلة القليلة لا تحول دون القول بأن الانقلاب العسكري ظاهرة، حيث بلغ عدد الانقلابات أكثر من مائة انقلاب، في الفترة ما بين 1960 حتى 2001، بل إن دولاً يتشكل تاريخها السياسي بالكامل من حلقات متتابعة من الانقلابات.

    وتعد محاولة الانقلاب في إثيوبيا في 13 ديسمبر 1960، وانقلاب جعفر النميري في السودان، ومعمر القذافي في ليبيا، من النماذج المبكرة للظاهرة الانقلابية. ومن أحدث الانقلابات في أفريقيا محاولة الانقلاب الفاشلة في 18 أبريل 2001 في بوروندي، ضد الرئيس بيير بويويا، والانقلاب الذي قاده الرائد يحيى جامع Jammeh Yayeh في 23 يوليه 1994 في جامبيا، ضد الرئيس داودا جاوارا Jawara Dawda، الذي تسلم الحكم منذ عام 1965. ومحاولة الانقلاب في جزر ساو تومي وبرنسيب في15 أغسطس 1995 ضد الرئيس ميجيل تروفوأدا Trovoada Miguel، والانقلاب في جزر القمر عام 2000 الـذي أعقـب انقـلاب 28 سبتمـبـر 1995 ضد الرئيس سعيد محمد جوهر Said Mohammed Djohar، وانقلاب 27 يناير 1996 في النيجر الذي أطاح بالرئيس المنتخب. ولكن زعيم الانقلاب الكولونيل إبراهيم مناصرة Ibrahim Mainassara، لقي مصرعه في 9 أبريل 1999. وفي 7 مايو 1999 أطيح بالرئيس فييرا في انقلاب بزعامة الجنرال أنسومان مانى، ثم أنتخب كومبايالا في يناير 2000 رئيسا للنيجر. وحتى الكوت ديفوار (ساحل العاج سابقاً) التي كانت بمنأى عن الانقلابات العسكرية، عرفت أول انقلاب في 24 ديسمبر 1999 بزعامة الجنرال روبير جي خلفا للرئيس هنري كونان بيديه Henri Konan Bedie، ولكن زعيم الانقلاب طرد في أكتوبر 2000 في هبه شعبية، أعقبها انتخاب الرئيس لوران جباجبو Gabagbo Laurent.

    وقد بدأت منظمة الوحدة الأفريقية تتخذ موقفاً عملياً منذ عام 1996 من الانقلابات، ولكنه لم يكن موقفاً مبدئياً، بل كان متأثراً بمجموعة "أروشا"، وهي مجموعة الدول المجاورة لبوروندي، التي تزعمتها تنزانيا لمناهضة الانقلاب العسكري في بوروندي عام 1996.

    ولذلك لم يُدعَ الرئيس بيير بويويا إلى حضور اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية، التي كانت تساند ضمنياً الحظر الإقليمي على بوروندي، مثلما كانت تقر الحظر الذي تزعمته نيجيريا، والعمليات العسكرية لقوات الإكوموج Ecomog، التي شكلتها الإكواس Ecowas "منظمة غرب أفريقيا". غير أنه في يونيه 1997، وخلال القمة الأفريقية في زيمبابوي، اتخذت هذه القمة قراراً أشارت فيه إلى أن القارة "لن تتسامح مع الانقلابات العسكرية في المستقبل"، وشددت على ضرورة احترام حقوق الإنسان في أفريقيا. وفي قمة الجزائر المصغرة في مايو عام 2000، أكدت المنظمة هذا الموقف، وهو أول إعلان من جانب المنظمة يشير إلى اعترافها بخطورة واستفحال ظاهرة الانقلابات العسكرية، وإلى ضرورة وقفها. ولكن موقف المنظمة في هذا الصدد يظل ضعيفاً، لأن عدداً من القادة الانقلابيين هم دائماَ من بين الحضور.

4. قضايا الحدود والحروب الإقليمية

    أدركت القمة الأفريقية الأولى مدى التعقيد الذي تتسم به مشكلة الحدود في القارة الأفريقية، لأنها حدود رسمها الاستعمار، وفق مقتضيات المصالح الاستعمارية، وهي تتناقض مع التقسيمات العرقية والتوزيع القبلي للسكان. وبمعنى أخر، فإن نشأة الدول الأفريقية بعد الاستقلال، يتناقض مع توزيع الأمم الأفريقية. وإذا حاولت أمة أن تكوّن دولة، فإن ذلك يؤدي إلى الفوضى. ولذلك أتجه مؤتمر أديس أبابا إلى الإٌبقاء على الحدود الأفريقية، التي رسمها الاستعمار. وقد حذّر أكثر المشاركين، في مؤتمر أديس أبابا، من تغيير الحدود القائمة، مثل الرئيس موديبو كيتا Keita Modibo رئيس مالي وفلبير تسيرانانا Tsiranana Philibert رئيس ملاجاش، وأبو بكر تافاوا باليوا Balewa Tafawa Abubakar رئيس نيجيريا. ورغم طغيان هذا الاتجاه في المؤتمر، إلاّ أن الميثاق لم يسجله، ربما لتخوف واضعي الميثاق من عدم الموافقة الجماعية عليه، حيث اعترضت عليه الصومال والمغرب. وفي الفترة من 2-11 أغسطس 1963 في دكار، سجل الاجتماع الأول لمجلس وزراء المنظمة هذا الاتجاه، ولكنه قرر، في الوقت نفسه، إمكان تعديل هذه الحدود من طريق المفاوضات، لأن إثارة هذه المشكلات بطريق القوة، ستؤدي إلى الفوضى وعـدم الاستقرار. وقـد تأكد مبدأ قدسية الحدود الأفريقية، التي وضعها الاستعمار في القرار الرقم "16" الذي اتخذته القمة الأفريقية الأولى في القاهرة عام 1964.

    وهذا الاتجاه يناقض المبدأ، الذي أكدته مؤتمرات الشعوب الأفريقية ما بين عامي 1958- 1963، التي رأت ضرورة تعديل الحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار.

    وقد ظلت قاعدة احترام الحدود الإدارية في عهد الاستعمار، محل احترام منظمة الوحدة الأفريقية، منذ نشأتها حتى آخر عهدها. وعندما نشأت الخلافات الحادة حول الحدود، أضافت المنظمة قاعدة أخرى، وهي ضرورة تسوية الخلافات الأفريقية، في نطاق أفريقي بحت. وقدسية الحدود هي التي حفظت القارة الأفريقية من التمزق، فهي التي وقفت في وجه المطالبات العرقية والإقليمية والحركات الانفصالية، ولم تعرف القارة الأفريقية استثناءً واحداً عليها. أما بالنسبة لقضية إريتريا، فقد كانت جزءاً من تطبيق المنظمة لهذه القاعدة، فإريتريا ليست جزءاً من إثيوبيا، وضم إثيوبيا لها يخالف قرارات الأمم المتحدة، والاعتراف لإريتريا بالاستقلال يتفق مع الشرعية الدولية؛ ومع ذلك رفضت منظمة الوحدة الأفريقية إدراج قضية إريتريا على جدول أعمالها، حتى لا يُظن أنها تدرس قضية تدخل في إطار الشؤون الداخلية لإثيوبيا.

    وهكذا رفضت منظمة الوحدة الأفريقية النظر في قضية إريتريا، التي لم تظهر على الساحة الأفريقية إلاّ بعد اتفاق زعماء إريتريا وإثيوبيا، بعد انتهاء النظام العسكري الشيوعي في أديس أبابا عام 1993، على استقلال إريتريا، في إطار العلاقات الحميمة.

    وعلى الرغم من مبدأ قدسية الحدود، واقتناع الدول الأفريقية، بشكل عام، بهذا المبدأ وأهميته العملية، شهدت منظمة الوحدة الأفريقية، خاصة في السنوات الأولى لقيامها، عدداً كبيراً من المنازعات والمشكلات الحدودية، التي تحولت، في معظم الأحيان، إلى مواجهات عسكرية، مثل النزاع بين الجزائر والمغرب، والنزاع بين الصومال وإثيوبيا، وبين الصومال وكينيا. وهناك عدد آخر من المنازعات الحدودية، التي سُويت من طريق محكمة العدل الدولية. وأخيراً الحرب، التي نشبت بين إريتريا وإثيوبيا من عام 1998 حتى عام 2000، بسبب مشاكل الحدود. وقد واجهت المنظمة بعد قيامها بأشهر قليلة اندلاع النزاع بين الجزائر والمغرب عندما طلب وزير خارجية الجزائر من سكرتارية المنظمة في 23 أكتوبر 1963، عقد دوره عاجلة لمجلس وزراء المنظمة، بسبب توغل القوات المغربية في أراضى الجزائر. وقد نجح الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي في الترتيب لوقف إطلاق النار، وتكوين لجنة عسكرية لبحث الانسحاب، وتشكيل لجنة خاصة من المنظمة مقرها باماكو، عاصمة مالي، لمتابعة النزاع، وانتهى الأمر إلى تسوية النزاع، بعد مفاوضات سرية بـ"اتفاق أفران"، بين الرئيس الجزائري والعاهل المغربي في 15 يناير 1969، وأعلن الملك الحسن الثاني في القمة الأفريقية التاسعة في الرباط الفترة من 12- 15 يونيه 1972، توصل الدولتين إلى تسوية لهذا النزاع. وهكذا أسهمت المنظمة في تسوية النزاع، بينما فشلت الجامعة العربية في ذلك، منذ أن عُرض النزاع عليها، لأنه من المعلوم أن الجزائر في الستينيات والسبعينيات كانت تتمتع بتأييد كبير، من المنظمتين العربية والأفريقية.

    كذلك تدخلت المنظمة في النزاع الحدودي بين الصومال وإثيوبيا، حول منطقة الأوجادين، وهو نزاع استغرق الكثير من جهد الأمم المتحدة، حتى قبل استقلال الصومال. وكان محل اهتمام القمة الأفريقية الأولى، بل وألقى بظلاله على أعمال هذه القمة. وقد أكدت قرارات المنظمة الأفريقية في شأن هذا النزاع، على مبادئ التسوية. ولكن هذا النزاع - الذي شغل المنظمة طوال الستينيات، ومعظم سنوات السبعينيات، انفجر في حروب واسعة عامي 1977 و1978، اتسعت لتشمل دولاً مؤيدة ومشاركة لكل من الطرفين المتحاربين. وكان واضحاً أن النزاع قد دخل في دوامة الحرب الباردة، حيث انضمت إلى جانب الصومال كل من: المملكة العربية السعودية، ومصر، والولايات المتحدة الأمريكية، بينما أيدّت إثيوبيا كل من: اليمن الجنوبي وليبيا، ذلك في الوقت الذي كانت فيه إثيوبيا قد تحولت إلى النظام الشيوعي، منذ انقلاب مانجستو هالي مري Mengistu Haile Mariam ضد الإمبراطور هيلاسلاسي، في منتصف السبعينيات.

    وهذا التطور في النزاع أنهي أعمال لجنة الوساطة، التي كانت المنظمة قد شكلتها في مايو 1973، من ثماني دول أفريقية.

    وفي عام 1964 تقدمت كينيا إلى منظمة الوحدة الأفريقية، بطلب تسوية النزاع بينها وبين الصومال، وتحالفت كينيا مع إثيوبيا في هذا الشأن. وأصدر مؤتمر وزراء خارجية المنظمة، في اجتماعهم غير العادي، الذي عقد في الفترة من 12 إلى 15 فبراير 1964، في دار السلام، قرارات تضمنت عدداً من المبادئ، وهي: تسوية المنازعات الأفريقية بالوسائل السلمية، وأولوية المنظمة في إجراء هذه التسوية. وقد عرض هذا النزاع عدة مرات على مجلس وزراء المنظمة، ومؤتمرات القمة في عدد من الدورات، أكدت المنظمة فيها جميعاً على الخط الأساسي، وهو احترام قدسية الحدود الاستعمارية، وعدم قصر النظر في مثل هذه المشاكل في ضوء الاعتبارات القانونية وحدها، أي حق تقرير المصير.

    وكانت القمة الأفريقية، التي عقدت في القاهرة في يونيه 1993، قد أنشأت آلية فض المنازعات الأفريقية، سواء تعلقت هذه المنازعات بالحدود، أو بالحروب الأهلية، أو بغيرها. وتهدف هذه الآلية إلى ترقب المنازعات، ومحاولة منع قيامها، أو منع استفحالها. أما المنازعات التي نشأت بالفعل فتسوّيها المنظمة وتهيأ فرص السلام فيها، بما في ذلك إرسال البعثات العسكرية والمدنية. ويمكن للآلية أن تطلب مساعدة الأمم المتحدة، في أحوال النزاعات الحادة. وتتشكل اللجنة المركزية للآلية من تسع دول.

    وهكذا، عندما نشب النزاع بين نيجيريا والكاميرون، في أوائل عام 1994، حول بعض الجزر، سارعت المنظمة بإرسال وفد في أبريل 1994 لزيارة البلدين، والتعرف على موضوع النزاع؛ ولكن النزاع أحيل إلى محكمة العدل الدولية، وتخففت منه المنظمة منذ ذلك الوقت.

    غير أن المنظمة واجهت تحدياً خطيراً، وهو نشوب الحرب بين إريتريا وإثيوبيا عام 1998، على الرغم من أن هذه الحرب لم تكن متوقعة، لأن زعماء البلدين هم الذين رتبوا لاستقلال إريتريا، وينتمون إلى فصيل أيديولوجي وعرقي واحد. وقد بدأت الحرب إثر احتلال إريتريا لجزء في منطقة الحدود، كانت تسيطر عليه إثيوبيا. وانشغلت القمة الرابعة والثلاثون في بوركينا فاسو في يونيه 1998 بهذه الحرب، وتقـرر أن ترسل المنظمة لجنة وزارية، تضم ممثلين عن بوركينا فاسو وجيبوتي وزيمبابوي، في محاولة لعقد اتفاق بين الدولتين، على أساس خطة السلام الأمريكية ـ الرواندية، التي قدمت للطرفين في أوائل يونيه، وكانت تقضي بالوقف الفوري لإطلاق النار، والبدء في محادثات السلام، والاعتراف بالأوضاع السابقة، على بدء القتال. كما عقدت الآلية على مستوى القمة اجتماعاً خاصاً في ديسمبر من العام نفسه. وكان هذا النزاع بين شو اغلها. ثم زار وفد عالي المستوى في فبراير ومارس 1999 البلدين المتحاربين دون جدوى. وفي يوليه 2000 قرر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، بوصفه رئيس منظمة الوحدة الأفريقية، متابعة الوساطة بين البلدين. وقد كللت الجهود بالنجاح، حيث وافق الطرفان على عدد من الترتيبات الفنية لتنفيذ اتفاق السلام. وقد وضُعت اللمسات الأخيرة في يوليه 2000، على خطوات تنفيذ هذا الاتفاق بين ممثلي البلدين، في اجتماع عقد في الجزائر، تحت رعاية الرئيس الجزائري.

 



[1] بلغ عدد حالات اللجوء الأفريقية إلى المحكمة العدل الدولية منذ 1982 حتى الآن أكثر من 15 حالة كلها قضايا فصلت فيها المحكمة. ولا تزال اثنتان محل نظر المحكمة، وهناك حالة واحدة صدر فيها رأي استشاري خاص بالصحراء الغربية في 16 أكتوبر 1975.

[2] انتهى هذا الاتفاق عملياً بإعلان حالة الطوارئ واندلاع الحرب الأهلية منذ 25 ديسمبر 1994، ثم أصبح الاتفاق جزءاً من تاريخ الصراع في بوروندي.

[3] لعبت إسرائيل وجنوب أفريقيا وبريطانيا دوراً مهماً في ترتيب سلسلة الانقلابات العسكرية في أفريقيا ضد النظم التي لا تتعاون معها.