إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / تجمع دول الساحل والصحراء






تجمع دول الساحل والصحراء



المبحث الثاني

المبحث الثالث

نشاط وأداء "تجمع دول الساحل والصحراء" وأداؤه

أولا: المؤثرات الداخلية والخارجية على أداء التجمع:

1. إن الصياغات والمصطلحات المرتبطة بتجمع دول الساحل والصحراء، بعد إنشائه، تعبر عن معان متنوعة، إذا قيست بمعايير علم السياسة وعلم الاقتصاد السياسي، مثل: تجمع الاتحاد، والتعاون والتكامل، وإنشاء منطقة تجارة حرة. ومن ناحية أخرى، فإن هدف تحقيق وحدة القارة الأفريقية المعلن، يتداخل مع هدف "معاهدة إنشاء الجماعة الاقتصادية الأفريقية"، و"السوق الأفريقية المشتركة". كما أن اعتبار الاتحاد الجديد، تجمعاً اقتصادياً إقليمياً، يجعله يتداخل في عمل عدد من المنظمات الأفريقية الفرعية، التي تنتشر بالمنطقة، وبعض الدول المؤسسة أعضاء فيها، مثل "الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" "ايكواس"، و"السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي" "كوميسا"، و"الجماعة الاقتصادية لدول أفريقيا الوسطي"؛ إضافة إلى ذلك، توجد عدة تجمعات فرانكفونية، اقتصادية ونقدية وثقافية. ومعنى هذا، أن الحاضر والمستقبل، يحتاجان إلى ترتيب وتنسيق كبيرين، لتفعيل هذا التجمع.

2. على الرغم من أن تأسيس التجمع كان على أساس أنه تجمع أو تكتل اقتصادي، إلاّ أن بعض الدول، التي تمثل تياراً داخله، ترى ضرورة إضفاء الطابع السياسي عليه. ومن ذلك ـ مثلا ًـ ما أعلنه الزعيم الليبي معمر القذافي، من أن هذا التجمع يمثل حجر الأساس للوحدة الأفريقية، والولايات المتحدة الأفريقية، وأن علي المزيد من الدول الأفريقية أن تنضم إلي هذا التجمع، الذي يمتد من المحيط الأطلسي إلي المحيط الهندي. ويضيف الزعيم الليبي، أن التجمع يغطى مساحة أكبر من نصف مساحة القارة الأفريقية، ويزيد عدد سكان دوله على ثلاثمائة مليون نسمة. كما يشير إلي أن التجمع يمثل قاعدة الهرم للاتحاد الأفريقي، وأنه مجتمع مفتوح، أمام كل الدول الأفريقية، وأنه يتعامل مع جميع القضايا، التي ترتبط بالتكامل، بمفهومه الواسع، ليس فقط في المجالين السياسي و الاقتصادي للدول الأعضاء، ولكن، أيضاً، على نحو أكثر خصوصية بالاتحاد الأفريقي.

3. العرض الليبي بدعوة الدول المؤسسة إلى استخدام المواني الليبية، على البحر المتوسط، لتجارة التصدير والاستيراد. وهذه مبادرة تحتاج إلى جهود كبيرة لتنفيذها. ذلك أن الأوضاع الاقتصادية والاستثمارية، في بعض هذه الدول، ترتبط بموانئ دول على المحيط الأطلسي، مثل: تشاد التي وقعت في مطلع 1998 اتفاقية لإنشاء أنبوب نقل النفط، إلى موانئ دولة الكاميرون؛ والنيجر، التي تستثمر شركات، فرنسية وأوروبية، خام اليوراونيوم في أراضيها، وتتجه به إلى أوروبا، عبر المحيط الأطلسي. ومن ثم، فإن هناك العديد من الصعوبات، التي تعترض نشاط التجمع. من هذه الصعوبات، كذلك، ما يرتبط بموضوع خزان الحجر النوبي الرملي للمياه الجوفية، الذي يمتد تحت صحراء مصر الغربية، إلى خارج الحدود غربا ليغطى مساحة أكبر من مليوني كيلومتر مربع، وله مناطق تغذية تاريخية في مرتفعات تشاد، والنيجر، وشمال وغرب السودان، الأمر الذي يثير التساؤل، حول مدى دخول هذا الموضوع في مجالات تنمية الاستثمار والتعاون، بين دول التجمع.

4. استقلت الدول الداخلة في هذا التجمع، في النصف الثاني من القرن الماضي، ومارست سياسات وعلاقات خارجية على مستويات ثنائية، وعلى مستويات جماعية، إقليمية أو عالمية؛ كما أن المنطقة، بوجه عام، في المغرب العربي، وفي الغرب الأفريقي، وفي منطقة الساحل والصحراء، شهدت، ومازالت تشهد، صراعاً وتنافساً، بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، في فترة الحرب الباردة، وفي الفترة المعاصرة، بعد انتهاء الحرب الباردة. بمعنى أن ميدان نشاط "تجمع دول الساحل والصحراء"، هو ميدان لتنافس القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، وهو ما يثير التساؤل، أيضاً، حول المدى، الذي ستسمح به تلك الدول لهذا التجمع، بأن يتوسع، ويمارس أنشطته، بعيداً عن ضغوطها.

        كما أن الدافع لإثارة مثل هذا التساؤل، هو طبيعة الأهداف والمصالح والممارسات الأمريكية والأوروبية في المنطقة الأفريقية، التي تجعل الدول الأفريقية، من دون استثناء، تشعر بمستويات من القلق، تدعو إلى ضرورة متابعة الأحداث، ومراقبة الآثار والنتائج. فخلال الفترة من 20 فبراير إلى أول مارس 1998، جرت المناورات العسكرية لقوات حفظ السلام الأفريقي، في منطقة الحدود المشتركة بين دول مالي وموريتانيا والسنغال، طبقاً لمشروع فرنسي، وبدعم عسكري أمريكي وبريطاني. ووصل عدد القوات إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل، من عشر دول أفريقية، غير ناطقة باللغة العربية.

        إن أهداف تلك الدول، ومصالحها وممارساتها، في القارة الأفريقية، متنوعة ومتعاظمة، ومن ثم فإن توجهات وسياسات "تجمع دول الساحل والصحراء"، قد تصل إلى مرحلة التصادم، أو الاحتكاك، ضد توجهات ومصالح وأهداف تلك الدول، وهو موقف يمكن أن تنعكس تأثيراته على مدى استمرار هذا التجمع وفاعليته، خصوصاً إذا خرج عن النطاق الاقتصادي التكاملي.

5. على الرغم من التطلعات والطموحات، التي اقترنت بإنشاء "تجمع دول الساحل والصحراء"، الذي اتسع، ليشمل مساحة تغطي أكثر من نصف مساحة القارة الأفريقية، وقناعة بمدى أهميته نواة للاتحاد الأفريقي وقاعدة للولايات المتحدة الأفريقية؛ إلاّ أن كل ذلك لا يمنع من وجود بعض التحديات، أو العوائق الإقليمية، التي يمكن أن تؤثر على هذا التجمع، ومنها ما يلي:

أ. تعتمد معظم الدول الأفريقية على حصيلة التعريفة الجمركية، لذلك تتردد كثيراً في قبولها الانتظام في اتحاد جمركي، أو إقليمي، قد يحرمها من هذه الموارد، أو يقللها في الوقت الذي تكون فيه عاجزة، عن انتهاج سبل، قد تعوضها عن مثل هذه الخسارة، بسبب عدم المعرفة، أو قلة الخبرة، أو عدم وجود مؤسسات وأجهزة كافية، للقيام بهذه المهام.

ب. التباين في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي، في أكثر دول التجمعات الأفريقية، وهو ما يؤدي إلى سيطرة دول قوية على الاتحاد. كما يؤدى، أيضاً، إلى نشوب مشكلة في اقتسام التكاليف المالية، والعوائد المتحصلة من التعريفات الجمركية، بين الدول الأعضاء.

ج. انعكاسات برامج الإصلاح الاقتصادي السلبية. فبعض جوانب وأهداف البرامج المطبقة في أفريقيا، تسير في اتجاه مضاد للتكامل الإقليمي، خاصة أنها ذات توجه وطني، وتهدف إلى زيادة فورية في الصادرات؛ ما يؤدى إلى ازدياد دافع هدف المنافسة، بين الدول الأفريقية، التي تسعى إلى تنظيم صادراتها، في السلعة الدولية نفسها؛ ما يؤثر سلبياً على جهودها الإقليمية للتعاون. كما أن برامج الإصلاح الاقتصادي، المطبقة في البلدان الأفريقية، تفتقر إلى قدر من الانسجام الإقليمي.

د. ضعف الالتزام السياسي، والتعددية في الانتماءات الإقليمية، يؤديان إلى مشاكل نتيجة تعارض الأهداف، وتعدد الولاءات. فهناك دول عضوٌّ في ثلاثة تجمعات، وهو أمر، بالضرورة، يؤثر على التزاماتها تجاه التجمعات الثلاثة.

هـ. هناك تأثيرات سلبية على اقتصاديات أفريقيا، من عمليات تحرير التجارة، خاصة على صادراتها، التي من المتوقع أن تصل نسبتها إلى 72%، عام 2005. كما أن الاستفادة من اتفاقية الجات ستكون محدودة، لأن مساهمة القارة في التجارة الدولية ضعيفة.

و. تبعية بعض الدول الأفريقية للغرب، بسبب رغبتها في الاستفادة من مزايا التكتلات الدولية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية فيها؛ ولذا تسعى كل دولة منها إلى عقد اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، مثلاً، وهو ما يؤثر على التزاماتها في التجمع.

ثانياً: ليبيا ودورها الرئيسي في نشاط التجمع:

1. منذ عام 1998، استطاعت السياسة الليبية تأكيد نجاحها، في إقامة "تجمع دول الساحل والصحراء"، ليكون بمثابة مجال عمل لتطلعاتها وطموحاتها، مستهدفة من وراء ذلك:

أ. اختراق عدد من المنظمات الأفريقية الفرعية. فقد اجتذبت ثلاث دول من منظمة الإيقاد في القرن الأفريقي، وهى دول أعضاء، أيضاَ، في "منظمة السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي" "كوميسا الأولى". كما اجتذبت، أيضاً، أعضاء في "منظمة دول غرب أفريقيا" "ايكواس"، ومن اتفاقية لومي، التي تدخل مرحلة جديدة من تطورها، باتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أفريقيا وآسيا والبحر الكاريبي. كما اجتذبت عدداً من أعضاء الجماعة العربية، وعدداً من أعضاء الفرانكفون الأفريقي، ومنظمة الفرنك الأفريقي.

ب. تطويق الظهر الجنوبي لدول المغرب العربي، وهى الدول التي يتطلع إليها المشروع الأمريكي المعروف باسم خطة "ايزينستات"، ويهدف إلى إنشاء شراكة اقتصادية، وسوق مشتركة، بين الولايات المتحدة وتونس والجزائر والمملكة المغربية مع استبعاد ليبيا وموريتانيا من المرحلة الأولى لإنشاء هذا المشروع. وكما هو معلن، فإن الهدف الأمريكي هو كسر الهيمنة والاحتكار الأوروبي، لمنطقة المغرب العربي.

ج. دعم المركز التفاوضي للدولة الليبية، تجاه مجموعة دول برشلونة والاتحاد الأوروبي، خاصة بعد قرار المفوضية الأوروبية تأجيل دعوة الرئيس القذافي زيارة مقر الاتحاد الأوروبي، بدعوى أن ليبيا لم تقبل رسميا كل مبادئ إعلان برشلونة، الخاص بالديموقراطية والتعاون، الموقّع بين جميع دول حوض البحر المتوسط وأوروبا. وهذا القول ينطبق على العلاقات الليبية الأمريكية، حيث مازلت السياسة الأمريكية تتردد في اتخاذ خطوات إيجابية، تجاه العلاقات المتبادلة مع ليبيا، بعد تجميد العقوبات.

د. الوجود المؤسسي المنظم في منطقة جنوب البحر الأحمر؛ فدول القرن الأفريقي الثلاث، وهى السودان وإريتريا وجيبوتي، هي أعضاء في المنظمة، وهذا يعطى التجمع كلمة، وتأثيراً على قضايا المنطقة، الواقعة جنوب الحدود المصرية في البر والبحر.

2. على الرغم من هذا الدور الليبي الكبير في التجمع، فإنه يظل مرتهنا بما يلي:

أ. ضرورة مراعاة حاضر ومستقبل السّياسات الأوروبية والأمريكية والأفريقية والعربية المهتمة بالمنطقة، وردود أفعالها، إما في صورة منفردة أو في صور مشتركة. ذلك أن الدولة الداعية، والمؤسسة للتجمع، قررت أن الهدف الأساسي للمنظمة، هو الاندماج السياسي والاقتصادي والثقافي، بين الدول الأعضاء؛ كما أن السياسة الليبية تسعى لإنشاء الولايات المتحدة الأفريقية.

ب. من الصعب استمرار التجمع، إذا طغى التوجه السياسي على التوجه الاقتصادي، الذي من أجله كان إنشاؤه. كما أنه إذا لم يترتب على وجود هذا التجمع نتائج ملموسة، لجميع الدول الأعضاء، فسوف يلبس يخبو حتى يتلاشى، أو أن يكون إنقاذه بتحوله إلى اتحاد، أو تكتل.

ج. إن حرص الجماهيرية الليبية على القيام بالدور الزعامي لهذا التجمع، قد يترك أثارا سلبية على ممارسات وأنشطة التجمع، ومن ثم فإن الزعامة الليبية مطالبة بتوخي الحرص والحذر تجاه هذه المسألة، خصوصاً أن الدول الأفريقية جميعها تتحفظ دائماً، بشأن مسألة السّيادة والاستقلالية.

د. التوجه الليبي نحو القارة الأفريقية بات محفوفا بالمخاطر من الداخل، خصوصاً بعد الذي حدث خلال شهري سبتمبر وأكتوبر عام 2000، عندما انفك الرباط الفكري الجامع للوحدة الوطنية في المجتمع الليبي، وتباعدت بنايات القمة والتوجيه القيادية عن بنايات القاعدة الاجتماعية و الشعبية في المدن وفي البادية، واتخذ كل منهما مساراً متباعداً، فالقمة تحكمها توجهاتها السياسية الحاضرة، بينما القاعدة يدفعها انفجار المواريث الثقافية والتاريخية الكامنة.

(1) بدأت أحداث انفكاك الوحدة الوطنية بهجوم من شباب ليبي في مدينة الزاوية، غرب طرابلس العاصمة، وأخذوا في مطاردة وقتل وتشريد ونهب الجموع الأفريقية من دول الجوار الأفريقي، والموجودة على الأرض الليبية،

(2) ترتب على ذلك وقوع العديد من الخسائر، التي أصابت الألوف من البشر الأفريقيين، كما دمرت ممتلكاتهم.

(3) هؤلاء الأفارقة هم من الذين دخلوا ليبيا، بحثاً عن العمل، سواء بإجراءات قانونية مشروعة، أو من طريق إجراءات غير قانونية.

(4) وقع اعتداء على سفارة النيجر في ليبيا، ترتب عليه، أيضاً، ردود أفعال متباينة، من جانب الدول الأفريقية. فقد سافر رئيس جمهورية غانا ليرى حالة مواطنيه في ليبيا، ويطمئن على إجراءات ترحيلهم؛ وسافر رئيس وزراء النيجر، ليتعرف على أسباب حرق سفارة بلاده، ويقف على مدى الخسائر التي لحقت بمواطنيه؛ وزار ليبيا وزراء الخارجية والدولة من: السودان وتشاد وبوركينا فاسو. أما رئيس جمهورية نيجيريا، فأرسل وزير خارجيته ليشرف على عمليات الترحيل، كما اتصل الرئيس السوداني بالعقيد القذافي، يطلب التحقيق والتوضيح لما حدث.

(5) وعلى الرغم من ذلك، انعقد مؤتمر الشعب العام (البرلمان الليبي) في جلسة عاجلة، وأصدر موافقته على إعفاء عدد من كبار المسؤولين، مثل: وزير العدل والأمن ووزيرة الإعلام والثقافة، مع إلغاء وزارة الثقافة والإعلام. كما أصدر قراراً بتشكيل لجنة تحقيق في الواقعة، وأعلن العقيد القذافي عن أسفه لما حدث، وتأكيده على أن لجان التحقيق سوف توالى عملها بسرعة ودقة وأن المسؤولية عن أسباب ما حدث، تقع على أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية.

ثالثاً: مدى قدرة التجمع على النشاط والأداء المؤثر:

1. كان أحد القرارات الصادرة عن الاجتماع الثاني، لتجمع دول الساحل والصحراء، المنعقد في نجامينا، عاصمة تشاد، خلال شهر فبراير 2000، هو ضرورة اتخاذ إجراءات لمقاومة الجفاف والتصحر الحراري، في دول التجمع. ويتزامن هذا القرار مع صدور تقرير الأمم المتحدة، عن نتائج ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي يشير إلى أن أفريقيا سوف تشهد خلال هذا القرن، مزيداً من التوسع والانتشار للتصحر في النصف الشمالي، ومزيداً من الندرة المائية في النصف الجنوبي. فهل في إطار أنشطة وممارسات التجمع، سيسعى قادته نحو مكافحة هذا الخطر القادم؟ إن الأمل كبير في إعطاء هؤلاء القادة الأولوية في الإنفاق، والجهود المبذولة من جانبهم، إلى قضايا رفع وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين، ومحاربة الفقر، وتوسيع قاعدة الإنتاج، والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء، والأمن الغذائي والمائي، في منظمة "تجمع دول الساحل والصحراء" شمال خط الاستواء.

2. إحدى الأزمات الأخرى، التي واجهها التجمع، في أولى مراحل نشاطه وممارساته، ما حدث في منتصف شهر أبريل 1999، أثناء انعقاد اجتماع قمته. وكان الموعد مقرراً سلفاً قبل إحداث دولة النيجر، التي بدأت باغتيال رئيس الجمهورية، وتشكيل مجلس عسكري للمصالحة الوطنية بقيادة رئيس الحرس الرئاسي[1]. فواجه اجتماع قمة "تجمع دول الساحل والصحراء" أزمة، بشأن مشاركة وفد دولة النيجر، بقيادة رئيس الوزراء. فقد طلبت دولة مالي عدم قبول المشاركة، وإدانة الانقلاب العسكري، وإجراء تحقيق ومحاكمة للمتهمين بحادث الاغتيال. وبعد مداولات، استغرقت وقتاً طويلاً، كان الاتفاق على عدم المشاركة، وتعليق عضوية النيجر، على الرغم من أنها إحدى الدول المؤسسة للتجمع. ثم صدر بيان بإدانة حادث الاغتيال، وطلب التحقيق ومحاكمة المسؤولين عنه. وإن لم يتضمن البيان الإدانة والرفض، من حيث المبدأ، الانقلابات العسكرية، وسيلة لتغيير نظم الحكم في دول التجمع. ولعل ذلك يرجع إلى أن أغلبية رؤساء الدول المؤسسة، فيما عدا مالي، قد وصلوا إلى مناصب الرئاسة، في دولهم بأسلوب الانقلاب العسكري، في فترات سابقة على تشكيل التجمع عام 1998.

رابعاً: نظرة مستقبلية على أداء تجمع دول الساحل والصحراء:

    ويمكن أن يكون "تجمع دول الساحل والصحراء" منطلقا وبداية للعديد من الفرص، لإحداث نوع من التعاون والتكامل الاقتصادي، بين دوله الأعضاء، وبين المنظمات شبه الإقليمية الأخرى، إذا أُحسنت الاستفادة من تلك الفرص، ووظفت لخدمة وتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة للدول الأعضاء، والمنظمات العاملة مع هذا التجمع. ومع ذلك، فالتجمع ليس بمنأى عن التهديدات التي يمكن أن تؤثر على مدى جدواه وفاعليته، ومن ثم إمكانية بقائه واستمراره، لأنه يوجد في بيئة شبه إقليمية، وإقليمية، ودولية، تموج بشتى علاقات الصراع والتعاون في آن واحد، على التحول الآتي:

1. نحو إستراتيجية اقتصادية تكاملية حقيقية:

    يتسم التجمع بوجود مجموعة من الدول المتنوعة، من حيث المساحة وعدد السكان والموارد، والقيم والمبادئ الاجتماعية والثقافية والتوجهات السياسية والاقتصادية. وإذا كان التصور الأساسي من وراء إقامة هذا التجمع، يتمثل في إيجاد اتحاد اقتصادي شامل، بين الدول الأعضاء فيه، وأن يسير هذا الاتحاد، وفقاً لإستراتيجية موضوعة، يتم تطبيقها من خلال وضع مخطط تنموي يتكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء، فالملاحظ أن التجمع بادر بالاهتمام بوضع الميثاق الأمني؛ بينما مثل تلك الإستراتيجية المزعومة، التي ستتوافق وستتكامل مع الخطط التنموية في الدول الأعضاء، يُعلَن عنها. فهل المقصود بتلك الإستراتيجية، النظرة الاقتصادية التكاملية، الواردة في بعض نصوص مواد المعاهدة المنشئة، من خلال إشارات ذات صلة بذلك، أم أن المقصود ما جاء ذكره بخصوص التأسيس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للتجمع؟ إن هذا الأمر ما يزال غير واضح تماماً، كما أن الحديث عن الاستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية وميدان الطاقة وغيرها، لم يوضح مصادر تلك الاستثمارات، فهل ستكون الاستثمارات بين دول التجمع، استثمارات بين الدول الأعضاء، أم سيُسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وفي الحالة الأخيرة، فإن ذلك يرتبط بمجموعة الإجراءات التي، وُضعت فيما يتعلق بتسهيل تحرك الأشخاص ورؤوس الأموال، ومصالح مواطني الدول الأعضاء، والحريات المختلفة المرتبطة بالإقامة والعمل والتملك وممارسة النشاط الاقتصادي، وتنقل البضائع والسلع، وتشجيع التجارة الخارجية، وزيادة وسائل النقل والاتصالات الأرضية والجوية والبحرية، وكل هذه وغيرها من الاعتبارات، تحتاج إلى جهود وإمكانيات كبيرة، حتى يمكن وضعها موضع التنفيذ الفعلي. فهل سيكون هذا التجمع، والدول الداخلة في عضويته، قادرين ولديهم الرغبة والإرادة والإمكانية على وضع مثل تلك التصورات النظرية موضع التنفيذ؟ إن التجربة ما زالت في بدايات تطورها، والخطوات والممارسات الفعلية التي اتخذت في هذا الصدد، ما زالت لا تتناسب مع التوجهات الاقتصادية المستهدفة.

2. التهديدات المحتملة، التي تواجه "تجمع دول الساحل والصحراء":

    كما أن هناك العديد من الفرص، التي يمكن أن تكون منظورة، أمام "تجمع دول الساحل والصحراء" ـ إذا ما أُحْسِنَ إدارة وتوظيف القدرات للدول الأعضاء في التجمع ـ فإن هناك، أيضاً، العديد من التحديات والتهديدات، التي يمكن أن تعترض هذا التجمع الناشئ، ومنها:

أ. التفاوت في الأداء الاقتصادي، وضعفه في الدول الأعضاء داخل التجمع:

    إن الدول الأعضاء في التجمع، وتبلغ ستة عشر دولة، تتسم بتفاوت المستوى والأداء الاقتصادي في كل منها. وهو أمر يشكّل صعوبة كبيرة في إمكانية قيام وتحقيق تعاون اقتصادي حقيقي وفعال، فيما بينها، خصوصاً أن هذا التفاوت يحدث بين اقتصاديات تتسم بالضعف أساساً، ومن ثم يصعب إحداث نوع من التكامل، بين مثل تلك الاقتصاديات الضعيفة. كما أن عملية التبادل والتجارة البينية، وفقاً لذلك، ربما تكون نتيجتها، أيضا، سلبية أكثر منها إيجابية.

ب. معاناة الدول الأعضاء من المشكلات الداخلية:

    يعاني العديد من الدول الأعضاء في "تجمع دول الساحل والصحراء"، الكثير من المشكلات الداخلية، سواء كانت في صورة صراعات وحروب أهلية، أو في صورة انقلابات وتمردات عسكرية، وهو أمر يشيع حالة من عدم الاستقرار في تلك الدول، وينعكس على إمكانية تحقق أنشطة اقتصادية مجدية وفاعلة؛ إذ تحتاج مثل تلك الأنشطة الاقتصادية، إلى قدر مناسب من الاستقرار والأمن، يسمحان بنموها وازدهارها، وضمان حمايتها، وتأمين المكاسب المحققة من ممارستها، وجذب الاستثمارات اللازمة لقيامها، وتسييرها واستمرارها.

ج. ضعف الاستثمارات ورؤوس الأموال لدى دول التجمع:

    يُعد ضعف الاستثمارات ورؤوس الأموال اللازمة، لإحداث تعاون وتكامل اقتصادي حقيقي، أحد العوائق الرئيسية، والتي تشكل تهديداً مباشراً لإتمام التوجهات الاقتصادية المستهدفة. فمعظم الدول الأعضاء في التجمع، من الدول المدينة والفقيرة، فإذا كان هذا هو حالها، فكيف سيتسنى لها تبنى خطط وإستراتيجيات للتنمية، والتعاون الاقتصادي؟ وكيف ستتمكن تلك الدول من وضع تلك الخطط والإستراتيجيات موضع التنفيذ الفعلي. وأي ثمار يمكن أن ترتجى من وراء صعوبة تحقيق كل ذلك؟!

د. تنامي النزعة السياسية داخل التجمع:

    هناك تخوف من تحول "تجمع دول الساحل والصحراء" إلى منبر سياسي فقط، بسبب تنامي النزعة السياسية بداخله، وإضفائها على أنشطته الأساسية، بحيث يصبح منظمة سياسية، وليس منظمة اقتصادية، ترعى ما يُعرف بالتعاون والتكامل الاقتصادي، المنصوص عليه في صلب معاهدة التأسيس. وإضافة إلى ذلك، فإن الخوف، أيضاً، يكمن في إمكانية تنامي النزعة الزعامية، داخل التجمع، وأن تحاول دولة، أو أكثر، فرض زعامتها عليه، وسيكون ذلك، في حالة حدوثه، مقدمة لتراجع التجمع عن أهدافه، وتوجهاته الأساسية.

هـ. مسالب تعدد العضوية في المنظمات شبه الإقليمية:

    على الرغم من أن تعدد العضوية في المنظمات شبه الإقليمية، قد يُقترن نظرياً بتعدد أهداف ومصالح الدولة العضو، وذلك لتزايد إسهامها ومشاركتها واستفادتها في كل منها، إلا أن تجارب الدول الأفريقية مع المنظمات شبه الإقليمية، لا يترتب عليها تحقق مثل تلك الميزة، ولا يُترتب لمثل تلك المنظمات نوعا من الفاعلية الحقيقية، بل أحيانا ينتج العديد من المشكلات التنظيمية والوظيفية، التي قد تعوق حركة وفعالية تلك المنظمات. ومن مظاهر ذلك، مثلاً، عدم مقدرة بعض الدول الأعضاء على الوفاء بالالتزامات المالية، والحصص المقررة تجاه المنظمة، التي تنتمي إليها، أو عدم الالتزام بمقرراتها وأهدافها. كما أن كل عضوية جديدة في منظمة شبه إقليمية أفريقية، ومن خلال تجارب العديد من تلك المنظمات، غالباً ما تأخذ الاتجاه الشكلي والمظهري، أكثر من الشكل الموضوعي والتفاعلي.

و. احتمالات تعارض أهداف ومصالح التجمع، مع أهداف ومصالح الدول الأخرى في أفريقيا:

    إن "تجمع دول الساحل والصحراء"، إضافة إلى كونه يضم في عضويته العديد من الدول الفرانكفونية، التي لفرنسا مصالح كبيرة معها، فهناك العديد من الاتفاقات والمعاهدات والمؤسسات المتنوعة والمشتركة، بينها وبين تلك الدول؛ كذلك فإن هناك دولاً كبرى أخرى لها مصالح، وتحاول بشكل دائم تعظيم وجودها ومصالحها ونفوذها، في تلك المنطقة، وفي غيرها من المناطق، على مستوى القارة الأفريقية. فهل ستسمح مثل تلك الدول لهذا التجمع بأن يتحرك باستقلالية في أنشطته وممارساته، وفي سعيه نحو تحقيق الأهداف والمصالح المنشودة؟ إن الأمر ينطوي على كثير من الصعوبات، التي تنتظر هذا التجمع الناشئ، ويكفي أن مثل تلك التهديدات والتحديات ليست بخافية على صانعي ومتخذي القرار، الذين يتحملون مسؤولية التجمع.



[1] ثم صدرت قرارات بحل البرلمان والمجالس المحلية والمحكمة العليا ونتيجة للتفاهم بين قيادة المجلس العسكري وأحزاب المعارضة جرى تشكيل حكومة انتقالية لمدة 9 شهور مع تحديد شهر سبتمبر 1999 موعداً لإجراء انتخابات البرلمان والمجالس المحلية ثم إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر ثم تسليم السلطة للحكومة المدنية في يناير عام 2000.