إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









تمهيــد

تمهيــد

تعريف الحرف الزائد:

ذهب أكثر النحاة إلى أن الحرف الزائد، هو الذي إذا سقط لم يؤثر سقوطه على استقامة المعنى الأصلي. قال ابن يعيش: "حرف المعنى الزائد في اصطلاح النحويين هو ما كان دخوله في الكلام كخروجه، من غير إحداث معنى". وقال المبرد في معرض حديثه عن حرف الجرّ (من): "وأما الزائدة التي دخولها في الكلام كسقوطها فقولك : ما جاءني من أحدٍ، وما كلمت من أحدٍ، وكقول الله عزّ وجل: )مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ( (البقرة:105)، إنما هو (خيرٌ) ولكنها توكيد"، وقال الكافيجي: "سمي زائداً لأنه لا يتغير بحذفه أصل المعنى". وعرفه عبده الراجحي، من النحويين المعاصرين، بقوله: "هو الذي لا يضيف إلى ركني الجملة معناً فرعياً، وليس معنى زيادته أنه خالٍ من المعنى، وتقوية الرابط بين أجزاء الجملة، وهو لا يتعلق".

 فائدة الحرف الزائد:

ذهب كثير من النحويين إلى أن الفائدة من الحرف الزائد هي التوكيد؛ فإن قلت: ما جاء من رجلٍ، فمعنى كلامك: ما جاء رجلٌ، ما جاء رجلٌ. قال المرادي: "زيادة الحرف في الكلام تفيد ما يفيده التوكيد اللفظي من الاعتناء به. قال ابن جني: كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرّة أخرى"، وقال ابن هشام: "الزائد إنما دخل في الكلام تقوية له وتوكيداً، ولم يدخل للربط"، وزاد بعضهم على التوكيد تحسين الجمل، قال الكافيجي: "سميت الزيادة صلة لأنها يتوصل بها إلى زيادة فصاحة، أو استقامة وزن، أو حسن سجعِ،  أو تأكيد".

وقد منع بعض الدارسين المحدثين أن يكون الهدف من الحروف الزائدة التوكيد؛ وإنما الهدف منها الفصاحة، قال الصادق خليفة راشد: "الهدف من زيادة بعض الصيغ في التركيب ليس تقوية المعنى وتأكيده، وإنما طلب فصاحة الألفاظ".

تعلق الجار:

لابد لحروف الجرِّ من متعلق تتعلق به؛ لأنها تدل على معنى فرعي يتمم الحدث، الذي يدل عليه الفعل أو ما يشبهه. ويستثنى من هذا التعلق حروف الجرِّ الزائدة، قال المرادي: "جميع حروف الجرِّ لابد لها من متعلق تتعلق به، إلا الزوائد و(لعل) و(لولا) في لغة من جرَّ بها ".

فحروف الجرّ غير الزوائد تتعلق بالفعل وما يشبهه؛ فالفعل نحو: ذهب زيد إلى السوق، فـ(إلى السوق) متعلق بالفعل (ذهب)، ولولا الجار والمجرور لما عُرفت جهة الذهاب؛ فإذن الجار والمجرور تمما معنى الفعل؛ لأن الذهاب كان مفهوماً قبل ورودهما. وشبه الفعل هو كل كلمة تحمل معنى الحدث، كالمصادر وأسماء الأفعال والصفات العاملة، كأسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهه. ومثال شبه الفعل قولك: زيدٌ ذاهبٌ إلى السوق، فـ(إلى السوق) متعلق باسم الفاعل (ذاهب). قال الكافيجي: "وقد اجتمعا، أي التعلق بالفعل والتعلق بشبهه، أو الفعل وما يشبهه، في قوله تعالى: )صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ( (الفاتحة: 7)؛ فالأول للأول والثاني للثاني، أي (عليهم) الأول متعلق بالفعل وهو(أنعمت)، و(عليهم) الثاني متعلق بشبه الفعل، وهو(المغضوب)، والمغضوب مفعول من: غُضِبَ عليه". وأحياناً يكون الجار متعلق بمحذوف يقدر بالفعل، أو بما يشبهه؛ فإن قلت: زيد في البيت، فالجار والمجرور (في البيت) متعلق بمحذوف، يجوز أن تقدره بفعل، فتقول: زيد استقر في البيت، أو بما يشبهه، فتقول: زيد مستقرٌ في البيت، وذلك إذا كان الجار والمجرور خبراً أو صفة أو حال. أما إذا كانا في بابي القسم والصلة، فيتعين تقدير المتعلق فعلاً، نحو: جاء الذي في الدار؛ فـ(في الدار) يجب أن يتعلق بالفعل لا بما يشبهه؛ لأن صلة الموصول لا تكون إلا جملة فعلية، والتقدير: جاء الذي استقر في الدار. ومثل هذا ينطبق على الجار والمجرور في القسم؛ لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة فعلية. قال ابن هشام: "لا خلاف في تعين الفعل في بابي القسم والصلة؛ لأن القسم والصلة لا يكونان إلا جملتين ... واختلف في الخبر والصفة والحال؛ فمن قدّر الفعل - وهم الأكثرون- فلأنّه الأصل في العمل، ومن قدّر الوصف فلأنّه الأصل في الخبر والحال والنعت الإفراد؛ ولأنّ الفعل في ذلك لا بدّ من  تقديره بالوصف".

ويتعلق حرف الجرّ الزائد مع مجروره بشيء، بل يعرب مجروره في محلّ رفع أو نصب، مثل: ما جاء من أحدٍ، أي ما جاء أحدٌ؛ وما رأيت من أحدٍ، أي ما رأيت أحداً. وبين حرف الجرّ الزائد والأصلي اتفاق واختلاف؛ فيتفقان في شيء واحدٍ، وهو خفض الاسم الذي بعدهما؛ ويختلفان في ثلاثة أمور، وهي: أن الحرف الأصلي يأتي بمعنى فرعي جديد؛ بينما الزائد لا يأتي بمعنى جديد؛ وإنما يؤكد ما قبله؛ وأن الأصلي مع مجروره يتعلقان بعامل محتاجٍ إليهما في تكملة معناه؛ بينما الزائد ومجروه لا  يتعلقان بشيء، وأن الأصلي يجر الاسم بعده لفظاً ومحلاً؛ بينما الزائد يجر الاسم بعده لفظاً فقط، ويكون له محل من الإعراب، على حسب موقعه من الجملة.

التضمين:

التضمين هو إشراب لفظٍ معنى لفظٍ آخر وإعطاؤه حكمه. قال ابن هشام: "قد يشربون لفظاً معنى لفظٍ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك تضميناً، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين". وقال الدكتور أحمد حسن حامد: "قال ابن كمال باشا: التضمين أن يقصد بلفظٍ معناه الحقيقي، ويلاحظ معه معنى لفظٍ آخر يناسبه ويدل عليه بذكر شيء من متعلقات الآخر، كقولك: أَحْمَدُ إليك فلاناً؛ فقد لاحظت فيه مع الحمد معنى الإنهاء، ودللت إليك بذكر صلته، أعني كلمة (إلى)، كأنك قلت: أنهى حمده إليك". وللتضمين دور كبير في توضيح معاني حروف الجرً الزائدة، خاصة عند الذين خرّجوها على أنها ليست زائدة. فقد جعلوا الفعل الذي قبلها مضمناً معنى فعل آخر يتعدى بها، مثل قولهم: سمع الله لِمن حمده؛ فالفعل (سمع) يتعدى بنفسه، كما في قوله تعالى: )يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ( (ق: 42). وعلى هذا تكون اللام زائدة والتقدير: سمع الله مَنْ حمده. غير أن ابن هشام ذهب إلى أن الفعل (سمع) مضمن معنى الفعل(استجاب)؛ فلذلك عدي باللام، والتقدير: استجاب الله لِمَنْ حمده. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

تَبَلَتْ فؤادكَ في المنامِ خريدةٌ تسقي الضجيعَ بباردٍ بسامِ

فالفعل (سقى) يتعدى بنفسه إلى مفعولين، ولا يحتاج إلى حرف جرٍّ؛ فتقول: سقيت الضيف حليباً، دون أن تدخل حرف الجرِّ على المفعول الثاني؛ لذا الفعل في هذا البيت ضمن معنى فعل آخر يتعدى بالباء، قال الصَّبَّان: "ويحتمل عندي أنه ضمن معنى تشفي، فعداه بالباء"؛ وذلك لأن الفعل(شفي) يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء، كقولك: شفى الله المريض بالدواء.

من قال بالزيادة ومن منعها:

اختلف النحاة والمفسرين على مذهبين في القول، بزيادة الحروف في القرآن الكريم؛ فبعضهم منعها، وآخرون قالوا بها.

وأول من صرح بزيادة الحروف في القرآن أمام النحاة سيبويه، وذلك في معرض حديثه عن حرف الجرِّ الباء، قال: "ولو كانت الباء، زائدة بمنزلتها في قوله عزّ وجل: )قُلْ كَفَى بِاللَّهِ( (الرعد:43)، لم يجز السكت عليها". كما صرح بزيادتها المبرد في المقتضب، وهو من الذين اضطربت أقوالهم فيها؛ فقال في معرض حديثه عن حرف الجرِّ(من): "وأما الزائدة التي دخولها في الكلام كسقوطها فقولك: ما جاءني من أحد، وما كلمت من أحدٍ، وكقول الله عزّ وجل: )أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ( (البقرة:105)"، إلا أن سيبويه ومن سبقه والمبرد لم يميلوا إلى الاستشهاد للحروف الزائدة بالقرآن الكريم، ولم يبنوا قواعدهم على ما ورد فيه. ولعل أول من أورد القول بالزيادة في كثير من كلمات القرآن، أبو عبيدة بن المثنى (تـ210هـ) في كتابه (مجاز القرآن)، ومعاصره الفراء (ت207هـ) في كتابه (معاني القرآن)؛ ثم توسع في ذلك ابن قتيبة (276هـ) في كتابه (تأويل مشكل القرآن)، والزجاج (ت311ه) في كتابه (معاني القرآن وإعرابه)، ثم كثر الأمر عند المفسرين والنحاة، الذين أتوا بعد القرن السادس الهجري، مثل ابن يعيش (ت643ه) في(شرح المفصل)، والبيضاوي (ت685ه) في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، والرضي (ت686ه) في (شرح الكافية)، وأبي حيان الأندلسي (ت745ه) في تفسيره (البحر المحيط)، والسمين الحلبي (ت756ه) في تفسيره (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)، وابن هشام (ت761ه) في كتابه (مغني اللبيب). وفي العصر الحديث ابن عاشور (ت1393ه). وهؤلاء قعدوا لكثير من مواضع الزيادة، ممّا ورد في القرآن الكريم.

وأما المانعون للزيادة، فهم أقل من الذين صرحوا بها. ولعل المبرد (ت285ه)، -على الرغم من تضارب أقواله فيها- من أوائل النحاة الذين صرحوا بمنعها، وذلك في معرض حديثه عن حرف الجرِّ (من). قال: "وأما قولهم إنها تكون زائدة فلست أرى هذا كما قالوا. وذاك أن كل كلمة إذا وقعت وقع معها معنى، فإنما حدثت لذلك المعنى وليست زائدة، فذلك قولهم: ما جاءني من أحد، وما رأيت من رجلٍ. فذكروا أنها زائدة، وأن المعنى: ما رأيت رجلاً وما جاءني أحدٌ، وليس كما قالوا، وذلك لأنها  إذا لم تدخل جاز أن يقع النفي بواحدٍ دون سائر جنسه".  وأيضاً ممن قالوا بالزيادة في مواضع ومنعوها في أخرى  الزمخشري (ت528هـ) في تفسيره (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل)، وابن عطية (ت542ه) في تفسيره (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، والرَازي (ت 606هـ) في كتابه (مفاتيح الغيب). ولعل من أوائل المفسرين الذين لم يميلوا إلى القول بالزيادة في القرآن الكريم، ابن جرير الطبري (ت310ه) شيخ المفسرين؛ فيقول في تفسيره لقوله تعالى: )أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ( (البقرة: 259): "وقد زعم بعض نحوي البصرة أن الكاف في قوله: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ( زائدة، وأن المعنى: ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم أو الذي مرّ على قرية. وقد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيءٌ لا معنى له"، وهو يشير بـ(ما مضى) إلى قوله: "زيادة ما لا يفيد من الكلام معنى في الكلام، غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه"، وقد سار على نهج ابن جرير ابن بحر الأصفهاني (ت322ه)، كما نقل عنه ذلك الرازي في تفسيره. ولدى المحدثين تجد الدكتور فضل حسن عباس قد ألف كتاباً كاملاً في منع الزيادة في القرآن الكريم، سمَّاه (لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن). وقد عزى القول بالزيادة في القرآن الكريم إلى النحاة، نسبة لتمسكهم بقواعدهم التي قعدوها وجعلوها الأصل الذي يرجع إليه؛ فقال: "والحقيقة أن الزيادة نمت في بيئة النحاة، وترعرعت في حجورهم، وكان ذلك نتيجة للقواعد، التي قعدوها وألزموا أنفسهم بها". وقد عدد أسباب القول بالزيادة باثني عشر سبباً، أهمها جعل القاعدة النحوية هي الأصل، وتطبيقها على آيات القرآن، وقياس ما جاء في الشعر على القرآن، وقياس آية في القرآن على آخرى.

وهناك بعض النحاة والمفسرين يرون القول بالزيادة في القرآن؛ لكنهم يهربون من تسميتها بالزائد  إجلالاً لكلام الله من  نسبة الزائد إليه ، ومن هؤلاء محيي الدين الكافيجي؛ فعلى الرغم من قوله بزيادة حروف المعاني، فقد منع أن يقال إنها زائدة في القرآن الكريم، قال: "وينبغي أن يتجنب المعرب أن يقول في حرف من كتاب الله إنه زائد، لأنه يسبق إلى الأذهان أن الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك". وقد أشار إلى ذلك السمين الحلبي في معرض حديثه عن زيادة (ما) في القرآن، قال: "كأنَّ مَنْ يَدَّعي فيها أنها غيرُ مزيدة يَفِرُّ من هذه العبارة في كلام الله تعالى، وإليه ذهب أبو بكر الزبيدي، كان لا يُجَوِّزُ أن يقال في القرآن: «هذا زائدٌ» أصلاً. وهذا فيه نظرٌ، لأنَّ القائلين بكون هذا زائداً لا يَعْنُون أنه يجوزُ سقوطُه، ولا أنه مهمل لا معنى له، بل يقولون: زائدٌ للتوكيد، فله أُسْوَةٌ بسائر ألفاظ التوكيد الواقعة في القرآن، و «ما» كما تزاد بين الباءِ ومجرورِها تزاد أيضاً بين «عَنْ» و «مِنْ» والكاف ومجرورها".