إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









زيادة (مِن)

زيادة (مِن)

أجمع جمهور النحاة على جواز زيادة (مِن)، واشترطوا لزيادتها أن يكون مجرورها نكرة، وأن تدل على العموم، وأن تسبق بنفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام والنهي. قال ابن يعيش: "تزاد في النفي مخلصة للجنس مؤكدة معنى العموم. وقد اشترط سيبويه لزيادتها ثلاثة شروط: أحدها: أن تكون مع النكرة، الثاني: أن تكون عامة، الثالث: أن تكون في غير الموجب، وذلك نحو: ما جاءني من أحد". وأجاز أبو الحسن الأخفش  زيادتها مطلقاً. قال الزجاج: "وأما الأخفش فلم يشترط في زيادتها شيئاً، بل أجاز زيادتها في الواجب وغيره، وفي المعارف والنكرات، فأجاز: جاء من زيد، واستدل على ذلك بقوله تعالى: ) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ( (الأحقاف: 31)، ألا ترى أن المعنى: يغفر لكم ذنوبكم لابعضها؛ لأن ذلك خطاب لمن يؤمن من الكفار، قال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يجب ما قبله"، فالمغفور إذن لمن آمن منهم جميع ذنوبه لا بعضها".

وذكر المرادي أن لزيادة (من) حالتين: الأولى: أن يكون دخولها في الكلام كخروجها، وتسمى الزائدة لتوكيد الاستغراق، وهي الداخلة على الأسماء الموضوعة للعموم، وهي كل نكرة مختصة بالنفي، نحو: ما قام من أحد؛ فهي مزيدة هنا لمجرد التوكيد؛ لأن ما قام من أحد، وما قام أحد سيَّان في إفهام العموم دون احتمال. الثانية: أن تكون زائدة لتفيد التنصيص على العموم، وتسمى الزائدة لاستغراق الجنس، وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي، نحو: ما في الدار من رجل، فهذه تفيد التنصيص على العموم؛ لأن ما في الدار رجل دون (من) محتمل لنفي الجنس على سبيل العموم، ومحتمل لنفي واحد فقط من هذا الجنس، ولهذا يجوز أن يقال: ما في الدار رجل بل رجلان، فلما زيدت (من) صار الكلام نصّاً في العموم.

وتزاد (من) مع المبتدأ والفاعل والمفعول به.

1. زيادة (من) مع المبتدأ:

وذلك نحو: ما في الدار من رجل، فـ(من) زائدة، و(رجل) مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ مؤخر، والمعنى: ما في الدار رجل، ومما جاء في القرآن الكريم على هذا الوجه قوله تعالى:)وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ( (هود: 61)؛ فـ(من) زائدة للتأكيد، و(إله) مبتدأ مؤخر، وخبره شبه الجملة (لكم)، و(ما) نافية، قال الزجاج: "المعنى: ما لكم إله غيره، ودخلت (من) مؤكدة"، وقوله (غيره) قرئ بالحركات الثلاث؛ فالرفع على التبعية لموضع (من إله)؛ لأن موضعه رفع بالابتداء كما تقدم، والجر على التبعية للفظه؛ لأن لفظه مجرور بحرف الجر الزائد، والنصب على الاستثناء؛ لأن المعنى: ما لكم من إله إلا إياه، كما تقول: ما في الدار أحد إلا زيداً، وغيرَ زيد. قال أبو حيان: ((قرأ ابن وثَّاب والأعمش وأبو جعفر والكسائي (غيرِه) بالجر على لفظ "إله" بدلاً أو نعتاً، وقرأ باقي السبعة (غيرُه) بالرفع عطفاً على موضع (من إله)، لأن (من) زائدة- بدلاً أو نعتاً، وقرأ عيسى بن عمر (غيرَه) بالنصب على الاستثناء. والجر والرفع أفصح".

     وجوز بعض النحاة أن يكون الخبر محذوفاً، وأن تكون (لكم) تخصيصاً وتبييناً. قال السمين الحلبي: "لك في الخبر وجهان أظهرهما: أنه (لكم). والثاني: أنه محذوف، أي ما لكم من إله في الوجود أو في العالم غير الله، و(لكم) على هذا تخصيص وتبيين". ومثل الآية السابقة قوله تعالى: )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ( (المائدة: 73) ، فـ(من) زائدة، و(إلهٍ) مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ، والخبر (إلا إلهٌ).

وخلاصة هذه المسألة أن النحاة متفقون على زيادة (من) في هذا التركيب ونحوه، ولم يقل أحد بأصالتها. وفي زيادتها معنى إضافة لمعنى التوكيد، الذي تدل عليه كل الحروف الزائدة، وهو الاستغراق. والاستغراق هو تخليص الخبر للمبتدأ بحيث لا يشاركه فيه غيره. قال الزمخشري: ""من" في قوله: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) للاستغراق، وهي القدرة مع (لا) التي لنفي الجنس في قولك: لا إله إلا الله، والمعنى: وما إله قطّ في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له، وهو الله وحده لا شريك له". وقال السمين الحلبي: "زيدت (من) للاستغراق والعموم".

2. زيادة (مِن) مع الفاعل:

وذلك نحو قولك: ما جاءني من رجلٍ؛ فـ(من) زائدة، و(رجل) مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد، مرفوع محلاً على أنه فاعل، والمعنى: ما جاءني رجل. ومما جاء على ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: )وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(  (الأنعام: 59) فـ(من) زائدة للاستغراق، و(ورقة) مجرورة لفظاً مرفوعة محلاً على أنها فاعل لـ(تسقط). قال الأخفش في قوله (ورقةٍ): "جُرَّ على (من) وإن شئت رفعت على: تسقط"، وقال السمين الحلبي: "قوله (من ورقة) فاعل (تسقط)، و(من) زائدة لاستغراق الجنس".

وذهب بعض النحاة والمفسرين إلى القول بأن (من ورقة) مبتدأ، خبره (إلا يعلمها)، و(تسقط) حال منه، والمعنى: ما من ورقة تسقط إلا يعلمها. قال الأخفش: "وإن شئت جعلته على الابتداء وتقطعه من الأول" . وقال ابن عاشور: "الأظهر في نظم قوله: (ما تسقط من ورقة) أن يكون ورقة في محل المبتدأ، مجرور بـ(من) الزائدة، وجملة (تسقط) صفة لورقة مقدمة عليها فتعرب حالاً، وجملة (إلا يعلمها) خبر مفرغ له حرف الاستثناء". وعلى هذا التخريج أيضاً (من) زائدة؛ لكن زيادتها مع المبتدأ وليست مع الفاعل.

وخلاص المسألة أن (من) تزاد مع الفاعل لتدل على الاستغراق والعموم، كزيادتها مع المبتدأ.

3. زيادة (من) مع المفعول به:

وذلك نحو قولك: ما رأيت من رجلٍ؛ فـ(من) زائدة، و(رجل) مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد منصوب محلاً على أنه مفعول به للفعل (رأيت)، والمعنى: ما رأيت رجلاً . ومما جاء على هذا الوجه في القرآن الكريم قوله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ( (النساء:64)، فـ(من) زائدة، و(رسول) مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد منصوب محلاً على أنه مفعول به للفعل (أرسلنا)، والمعنى: وما أرسلنا رسولاً إلا ليطاع. قال الزجاج: ""من" دخلت للتوكيد ، المعنى: وما أرسلنا رسولاً إلا ليطاع بإذن ربه". وقال الرازي: "ويمكن أن يكون التقدير: وما أرسلنا من هذا الجنس أحداً إلا كذا وكذا، وعلى هذا التقدير تكون المبالغة أتمَّ". وهو بهذا يرجع (من) إلى معنى الاستغراق، الذي تم توضيحه في المسألتين السابقتين، وعليه تكون زيادة (من) لا تخرج عن الاستغراق، سواء أكانت مع المبتدأ أم الفاعل أم المفعول به.

وخلاصة الأمر أن (من) تزاد للاستغراق، وهو استيعاب الجنس كله، وذلك إذا كان مجرورها نكرة واقعة مبتدأ، أو فاعلاً، أو مفعولاً به، وسبقها نفي أو شبهه. وشبه النفي الاستفهام مثل قوله تعالى: )فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ( (الملك:3) ، والنهي مثل قولك: لا تضرب من أحد. ويكاد النحاة يكونون متفقين على زيادتها إذا استوفت هذه الشروط، ولم يخرج عن هذا إلا المبرد في أحد قوليه – تقدمت إشارة إلى ذلك في بداية البحث- وهو: "وأما قولهم: إنها تكون زائدة، فلست أرى كما قالوا؛ وذلك أن كل كلمة إذا وقعت وقع معها معنى، فإنما حدثت لذلك المعنى، وليست بزائدة؛ فذلك قولهم: ما جاءني من أحد، وما رأيت من رجل، فذكروا أنها زائدة وأن المعنى: ما رأيت رجلاً وما جاءني أحدٌ، وليست كما قالوا، ذلك لأنها إذا لم تدخل جاز أن يقع النفي بواحد دون سائر جنسه، تقول: ما جاءني رجلٌ، وما جاءني عبد الله، إنما نفيت مجيء واحد؛ وإذا قلت: ما جاءني من رجلٍ، فقد نفيت الجنس كله، ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني من عبد الله لم يجز؛ لأن عبد الله معرفة، فإنما موضعه موضع واحد". فعلى الرغم من تصريح المبرد بعدم زيادة (من)، إلا أنه لم يُخَرِّجْها على الأصالة، بل وجهها على معنى الاستغراق، الذي تفيده عندما تكون زائدة. كما أنه أثبت زيادة الحروف في كتابه المقتضب، في غير هذا الموضع.