إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









زيادة اللام

زيادة اللام

ذهب كثير من النحاة إلى القول بزيادة اللام، وجعلوا زيادتها على ضربين: مطرد وغير مطرد.

الأول: زيادة اللام المطردة:

وهو أن تزاد مع المفعول به، ويشترط لزيادتها معه أن يكون عامله مما يتعدى لمفعول واحد، وأن يكون ضَعُفَ عن العمل، إما لفرعيته، كالمصادر وأسماء الفاعل والمفعول وصيغ المبالغة؛ وإما بتأخيره عن المفعول. قال المرادي: "المطّرد أن تزاد مع المفعول به بشرطين، الأول: أن يكون العامل متعدياً إلى واحد. الثاني: أن يكون ضَعُفَ عن العمل بتأخيره نحو: )يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ( (يوسف:43)، أو بفرعيته نحو: )إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ( (هود:107)؛ فزيادتها في هذا مقيسة؛ لأنها مقوية للعامل".

وقد ورد هذان النوعان كثيراً في القرآن الكريم. ومن أمثلة زيادتها في النوع الأول، وهو تقدم المفعول به على عامله، قوله تعالى: )وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(  (الأعراف: 154) ، فاللام في (لربهم) زائدة، و(ربهم) مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد، منصوب محلاً على أنه مفعول به مقدم على عامله (يرهبون)، والمعنى: للذين هم يرهبون ربَّهم، ومثل ذلك قوله: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، والمعنى: إن كنتم تعبرون الرؤيا. قال الأخفش: "قال: (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)، كما قال: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، أوصل الفعل باللام". وقال الزجاج: "هذه اللام أدخلت على المفعول لتبين المعنى إن كنتم تعبرون وعابرين، ثم بين باللام فقال للرؤيا". وقال الطبري: "قال بعضهم: إنما فعل ذلك لأن الاسم تقدم الفعل، فحسن إدخال اللام". وقال السمين الحلبي في توجيه لام (لربهم): "اللام مقوية للفعل؛ لأنه لما تقدم معموله ضعف، فقوي باللام كقوله: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ). واللام تكون مقوية حيث كان العامل مؤخراً أو فرعاً، نحو: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، ولا تزاد في غير هذين إلا ضرورة". وقد ذهب كثير من النحاة والمفسرين إلى توجيه اللام في هاتين على أنها أصلية غير مزيدة، وذلك على وجوه:

أحدها: أن تكون للتعليل، المعنى: والذين هم لأجل ربهم يرهبون، قال الأخفش: "قال بعضهم: من أجل ربهم يرهبون". وقال أبو حيان: "وقال الأخفش: هي لام المفعول له، أي لأجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة". وقال السمين الحلبي: "اللام لام العلة، وعلى هذا فمفعول (يرهبون) محذوف، تقديره: يرهبون عقابه لأجله، وهذا مذهب الأخفش".

الثاني: أن تكون متعلقة بمصدر محذوف يفهم من الفعل المذكور، التقدير: والذين هم رهبتهم لربهم، وهذا التوجيه للمبرد. قال أبو حيان: "قال المبرد هي متعلقة بمصدر، المعنى: الذين هم رهبتهم لربهم. وهذا على طريقة البصريين لا يتمشى؛ لأن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عندهم إلا في الشعر، وأيضاً هذا التقدير يخرج الكلام عن الفصاحة".

الثالث: أن تكون متعلقة بفعل محذوف يتعدى باللام، التقدير: يخشعون لربهم، وهذا توجيه أبي البقاء العبكري، قال: "هي متعلقة بفعل محذوف تقديره: للذين هم يخشعون لربهم".

الرابع: أن تكون للبيان مثل (من) في قولك: عندي خاتم من فضة، والتقدير: إن كنتم أعني الرؤيا تعبرون.

الخامس: أن تكون مع مجرورها خبراً لـ(كان)، والمعنى: كنتم للرؤيا، كما تقول: كان زيد لليتامى. وتكون جملة (تعبرون) خبراً ثانياً أو حالاً.

السادس: أن يضمن (تعبرون) معنى فعل يتعدى باللام، والمعنى: إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا.

والتوجيهات الثلاثة الأخيرة للزمخشري، قال: "اللام في قوله: لِلرُّؤيا إما أن تكون للبيان، كقوله: )وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ( (يوسف:20)... ويجوز أن يكون (للرؤيا) خبرَ (كان)، كما تقول: كان فلان لهذا الأمر، إذا كان مستقلاً به متمكناً منه، و(تَعْبُرُونَ) خبر آخر، أو حال. وأن يضمن (تَعْبُرُونَ) معنى فعل يتعدى باللام، كأنه قيل: إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا". وقد نعت أبو حيان توجيهات الزمخشري هذه بالتكلف، قال: "وأَجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ وُجُوهًا مُتَكَلِّفَةً، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا لِلْبَيَانِ قَالَ: كَقَوْلِهِ: وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ، فَتَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْنِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ هَذَا إِنْ كُنْتُمْ أَعْنِي الرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، وَيَكُونُ مَفْعُولُ تَعْبُرُونَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ تَعْبُرُونَهَا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا خَبَرَ (كَانَ) قَالَ: كَمَا تَقُولُ: كَانَ فُلَانٌ لِهَذَا الْأَمْرِ إِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا به متمكناً منه، و(تعبرون) خَبَرًا آخَرَ أَوْ حَالًا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَضْمَنَ (تَعْبَرُونَ) مَعْنَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ تَنْتَدِبُونَ لِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، وَعِبَارَةُ الرُّؤْيَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَبَرَ النَّهْرِ إِذَا جَازَهُ مِنْ شَطٍّ إِلَى شَطٍّ، فَكَانَ عَابِرُ الرُّؤْيَا يَنْتَهِي إِلَى آخِرِ تَأْوِيلِهَا".

وأما أمثلة زيادتها في النوع الثاني، وهو العامل الفرعي، فهي كثيرة في القرآن؛ منها قوله تعالى: )وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران:108)، وقوله: )إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ( (هود:107)؛ فاللام زائدة في المفعول به (العالمين)، و(ما)؛ لأن عامليهما فرعان في العمل، فالأول مصدر، والثاني صيغة مبالغة، فقويا باللام في الوصول إلى مفعوليهما. قال السمين الحلبي في (للعالمين): "اللام زائدة لا تعلق لها بشيء، زيدت في مفعول المصدر وهو (ظلم)، والفاعل محذوف، وهو في التقدير ضمير البارئ تعالى، والتقدير: وما الله يريد أن يظلم العالمين؛ فزيدت اللام لتقوية العامل لكونه فرعاً، كقوله تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)  ".

الثاني: زيادة اللام غير المطردة:

وتقع زيادة اللام غير المطردة في مواضع كثيرة، منها: أن تكون بين المضاف والمضاف إليه، مثل: لا أبا لك؛ فاللام زائدة لأن من شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف أن تكون مضافة، والتقدير: لا أباك كريم أو موجود، أو نحو ذلك على حسب استخدام هذه الصيغة في كلام العرب. وتزاد أيضاً مع المستغاث به كقولك: يا لَزيدٍ لِعمروٍ؛ فقيل: هنا زائدة لصحة إسقاطها، فتقول: يا زيدُ لِعمروٍ. وتزاد كذلك بين الفعل المتعدي لواحد ومفعوله المتأخر عنه، كقول ابن ميَّادة في مدح عبد الملك ابن مروان:

وملكت ما بين العراق ويثربملكاً أجار لمسلمٍ ومعاهدِ

فزاد اللام في المفعول به (مسلم)، على الرغم من أن عامله (أجار) فعل متعدٍ بنفسه ومقدَّم عليه، أي أن عامله لم يضعف عن العمل، والمعنى: أجار مسلماً ومعاهداً.

وزيادة اللام بين الفعل ومفعوله وردت في القرآن سكثيراً، منها قوله تعالى: )قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ( (النمل:72)؛ فاللام في (لكم) مزيدة، والضمير مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد منصوب محلاً على أنه مفعول به للفعل (ردف)، والمعنى: ردفكم بعض الذي تستعجلون؛ وذلك لأن الفعل (ردف) متعدٍ بنفسه، قال الأخفش: ((وقال (ردف لكم)، ونظنها (ردفكم) وأدخل اللام فأضاف بها الفعل، كما قال: (لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)،  و(لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)، ، وتقول العرب: ردفه أمر، كما يقولون: تبعه وأتبعه)). وعلى هذا التوجيه اللام زائدة. وذهب الزمخشري إلى أن اللام أصلية غير مزيدة، وأن الفعل (ردف) ضُمِّن معنى فعل يتعدى باللام، والمعنى: دنا لكم بعض الذي تستعجلون، قال: ((ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو: دنا لكم وأزف لكم، ومعناه: وتبعكم ولحقكم، وقد عدى بـ(من)، قال:

فلمّا ردفنا من عمير وصحبه ... تولّوا سراعاً والمنيّة تعنق

يعنى: دنونا من عمير". وقد رجح السمين الحلبي هذا التوجيه، قال: "قوله: (رَدِفَ لَكُم) : فيه أوجهٌ، أظهرُها: أنَّ (رَدِفَ) ضُمِّن معنى فِعْلٍ يتعدَّى باللامِ، أي: دنا وقَرُب وأَزِفَ. وبهذا فسَّره ابنُ عباس و "بعضُ الذي" فاعِلٌ به".

وبعضهم جعل اللام أصلية للتعليل، أو أنها ومجرورها خبر مقدم لـ(بعض) والمفعول محذوف، ذكر ذلك السمين الحلبي، قال: "اللامُ للعلةِ أي: رَدِفَ الخَلْقُ لأَجْلكم ولِشُؤْمِكم". وقال أيضاً: "فاعل (رَدِف) ضميرُ الوعدِ أي: رَدِفَ الوعدُ أي: قَرُبَ ودَنا مُقْتضاه، و(لكم) خبرٌ مقدمٌ و(بعضُ) مبتدأ مؤخرٌ، والوقفُ على هذا على (رَدِفَ)، وهذا فيه تفكيك للكلامِ".

وخلاصة المسألة أن زيادة اللام مع المفعول به، على ثلاث درجات:

الأولى: الراجح أنها زائدة لتقوية العامل نسبة لضعفه؛ وذلك إذا كان عامل المفعول به فرعاً في العمل كأسماء الفاعلين، وصيغ المبالغة والمصادر.

الثانية: الراجح أنها أصلية غير مزيدة؛ وذلك كان عامل المفعول به الداخلة عليه فعلاً، والمفعول غير مقدم عليه، وأصالتها على تضمين هذا الفعل معنى فعل يتعدى باللام.

الثالثة: توجيهها على الأصالة أو الزيادة؛ وذلك إذا كان عامل المفعول به الداخلة عليه فعلاً، والمفعول مقدم عليه؛ فزيادتها على أنها مقوية للفعل في الوصول إلى مفعوله نسبة لضعفه بالتأخر عنه. وأصالتها على وجوه قد تقدمت، أشهرها أن تكون للتعليل.