إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









زيادة الكاف

زيادة الكاف

قال كثير من النحاة بزيادة الكاف، وزيادتها ليست ضرورة في كثير من مواضعها لورودها في النثر، قال المالقي: "وأما الكاف الزائدة فقد وردت في النثر والنظم". وأكثر مواضع زيادتها عندما تجتمع مع كلمة (مثل)، سواء كانت متقدمة عليها أم متأخرة عنها، نحو: زيد كمثل الأسد، أو زيد مثل كالأسد. فالكاف في المثالين زائدة، والمعنى: زيد مثل الأسد؛ وذلك لأن الكاف و(مثل) كلتيهما تدلان على التشبيه، وخصصت الكاف بالزيادة دون (مثل)؛ لأن الكاف حرف و(مثل) اسم، والأسماء لا تزاد عند جمهور النحويين، وإنما التي تزاد عندهم هي الحروف، قال ابن جني: "فلا يجوز أن تكون (مثل) هي الزائدة؛ لأنها اسم، والأسماء لا تزاد، وإنما تزاد الحروف، فإذا لم يجز أن تكون (مثل) هذه الزائد، ولم يكن بدٌّ من زائد، ثبت أن الكاف هي الزائدة".

ومما جاء على هذا الوجه قوله تعالى: ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(  (الشورى: 11)؛ فالكاف زائدة للتوكيد، و(مثله) مجرور لفظاً بحرف الجر الزائد منصوب محلاً على أنه خبر (ليس) مقدماً على اسمها، و(شيء) اسمها، والمعنى: ليس مثلَه شيءٌ. وإذا لم تكن الكاف زائدة يكون المعنى: ليس مثلَ مثلِ اللهِ شيءٌ؛ لأن الكاف بمعنى مثل، فزيد كالأسد معناها: زيد مثل الأسد، وعلى هذا يكون لله مثيل –تعالى الله عن ذلك- وهذا لا يجوز شرعاً. قال الزجاج: "هذه الكاف مؤكدة، والمعنى: ليس مثله شيء، ولا يجوز أن يقال المعنى: مثل مثله شيء؛ لأن من قال هذا فقد أثبت المثل لله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً"، وقال ابن جني: "تقديره –والله أعلم-: ليس مثله شيء، فلا بدّ من زيادة الكاف ليصح المعنى؛ لأن إذا لم تعتقد ذلك أثبت له –عزّ اسمه- مثلاً، فزعمت أنه ليس كالذي هو مثله شيء، فيفسد هذا من وجهين: أحدهما: ما فيه من إثبات المثل له، عزّ اسمه وعلا علواً عظيماً؛ والآخر: أن الشيء إذا أثبت له مثلاً فهو مثل مثله؛ لأن الشيء إذا ماثله شيء فهو أيضاً مماثل لما ماثله، ولو كان ذلك كذلك –على فساد اعتقاد معتقده- لما جاز أن يقال: ليس كمثله شيء؛ لأنه تعالى مثل مثله وهو شيء ... فهذا كله يؤكد عندك أن الكاف في (كمثله) لا بدّ أن تكون زائدة".

وذهب الزمخشري إلى أن الكاف أصلية غير مزيدة دالة على التشبيه، وأن كلمة (مثله) ليست للتشبيه وإنما يقد بها الذات على طريق الكناية، والمعنى: ليس كذاته شيء، وذلك لأن العرب تطلق المثل وتريد به الشيء نفسه، فيقولون: مثلك لا يفعل كذا، ويريدون بذلك ذاتك، فيكون النفي عن مثل الشخص نفياً عن الشخص نفسه، وهو من باب المبالغة، والآية جاءت على هذا النهج. قال الزمخشري: "قالوا: مثلك لا يبخل، فنفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته؛ قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسدّ مسدّه وعمن هو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه. ونظيره قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم: كان أبلغ من قولك: أنت لا تخفر. ومنه قولهم: قد أيفعت لداته وبلغت أترابه، يريدون: إيفاعه وبلوغه. وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب: "ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته"، والقصد إلى طهارته وطيبه، فإذا عُلم أنه من باب الكناية، لم يقع فرق بين قوله: ليس كالله شيء، وبين قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها، وكأنهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد: وهو نفى المماثلة عن ذاته، ونحوه قوله عز وجل: )بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ( (المائدة: 64)، فإنّ معناه: بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسط لها: لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون شيئاً آخر، حتى أنهم استعملوا فيمن لا يد له، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له". وقد أثبت أبو حيان ما ذهب إليه الزمخشري، وجوز أيضاً أن تكون (مثله) دالة على صفته، قال: "وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالْمَثَلِ الصِّفَةُ، وَذَلِكَ سَائِغٌ، يُطْلَقُ الْمِثْلُ بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَهُوَ الصِّفَةُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَيْسَ مِثْلَ صِفَتِهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَحْمَلٌ سَهْلٌ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَغْوَصُ".

وعلى الرغم من قول الرازي بالزيادة في تفسيره في مواضع عديدة، فقد منع منعاً شديداً أن تكون الكاف زائدة في هذه الآية. قال: "حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ مِثْلَ مِثْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلٌ لِمِثْلِ نَفْسِهِ، وَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِثْلَ مِثْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَنْتِجُ أَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مُسَمًّى بِالشَّيْءِ، فَإِنْ قَالُوا إِنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ، قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَغْوٌ وَعَبَثٌ وَبَاطِلٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ هُوَ الْبَاطِلُ، وَمَتَى قُلْنَا إِنَّ هَذَا الْحَرْفَ لَيْسَ بِبَاطِلٍ صَارَتِ الْحُجَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالْكَمَالِ".

وقد قال الدكتور محمد عبد الله درّاز بعدم زيادة الكاف في الآية، وخرجها على وجه لم يسبقه إليه أحد، وهو أنها تفيد نفي المكافئ وغيره. قال: "لو قيل: ليس مثله شيء، لكان ذلك نفياً للمثل المكافئ، وهو المثل التام المماثلة فحسب، إذ إن هذا المعنى الذي ينساق إليه الفهم من لفظ المثل عند إطلاقه. وإذاً لدبَّ إلى النفس دبيب الوسواس والأوهام أن لعل هناك رتبة لا تضارع رتبة الألوهية، ولكنها تليها، وأن عسى أن تكون هذه المنزلة للملائكة والأنبياء، أو للكوكب وقوى الطبيعة، أو للجن والأوثان والكهان، فيكون لهم بالإله الحقِّ شبه ما في قدرته أو علمه، وشرك ما في خلقه أو أمره ... فكان وضع هذا الحرف في الكلام إقصاء للعالم كله عن المماثلة وعما يشبه المماثلة، وما يدنو منها، كأنه قيل: ليس هناك شيء يشبه أن يكون مثلاً لله، فضلاً أن يكون له في الحقيقة". وفي توجيهه هذا نظر من جهتين: الأولى: إثبات من جهة اللغة أن: ليس مثله شيء تدل على نفي المكافئ فقط، وأن ما دون المكافئ لا يندرج تحتها. الثانية: توجيهه لمعنى الكاف على الأصالة مشابه لتوجيهها على الزيادة؛ وذلك لأن حروف الزيادة تدل على تأكيد المعنى وإثباته، قال المرادي: "فإن قلت ما فائدة زيادتها في الآية؟ قلت: توكيد نفي المثل".

وأما المواضع التي لا تكثر فيها زيادة الكاف، فهي المواضع التي لا تجتمع فيها مع (مثل)، وذلك إذا اجتمعت مع مماثلتها، كأن تقول: زيد ككما الأسد، وعلى ذلك قول الراجز:

وصالياتٍ ككما يَؤَثْفَيْنْ

فإحدى الكافين زائدة للتوكيد، ومثل هذا لم يرد في القرآن الكريم. وأحياناً تقحم في الكلام بين المتلازمين دون أن تؤدي معنى التشبيه، كقول الراجز في وصف حمر وحشية: 

لواحق الأقراب فيها كالمققْ

والمقق هو الطول، أي هي ضامرة فيها طول، والكاف زائدة. وقال المرادي: "حكى الفراء أنه قيل لبعضهم: كيف تصنعون الأَقِط؟ فقال: كهين. يريد هيِّناً فزاد الكاف. وفي الحديث: "يكفي كالوجه والكفين"، أي يكفي الوجه والكفان". وعلى هذه الزيادة وجه بعضهم قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (البقرة:259)، فذهبوا إلى أن الكاف في (كالذي) زائدة، وأن (الذي) معطوف على (الذي) في الآية السابقة لهذه الآية: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ( (البقرة:258) والمعنى: ألم تر إلى حاج إبراهيم في ربه، أو الذي مرّ على قرية وهي خاوية، قال الأخفش: "الكاف تزاد في الكلام، والمعنى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أو إلى الذي مرّ على قرية، ومثلها في القرآن: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) والمعنى: ليس مثله شيء". وقد ضعّف السمين الحلبي القول بزيادة الكاف في هذه الآية، قال: "الكافَ زائدةٌ كهي في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقول الآخر: 

فَصُيِّروا مثلَ كَعَصْفٍ مأكولْ

والتقدير: ألم تَرَ إلى الذي حاجَّ، أو إلى الذي مَرَّ على قريةٍ. وفيه ضعفٌ لأنَّ الأصلَ عدمُ الزيادةِ".

والرأي الغالب للنحاة والمفسرين أن الكاف في هذه الآية أصلية تفيد التشبيه؛ لكنهم خرجوها على وجوه:

الأول: أن (كالذي) معطوف على محل (ألم تر إلى الذي)، والمعنى: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مرّ على قرية، وهذ توجيه الزجاج. قال: "هذا الكلام معطوف على معنى الكلام الأول، والمعنى –والله أعلم-: أرأيت كالذي مرّ على قرية". وذكر السمين الحلبي أن هذا الوجه غير مقيس في العربية، ونسبه إلى الكسائي والفراء، قال: "إنه عطفٌ على المعنى وتقديرُه عند الكسائي والفراء: هل رأيتَ كالذي حاجَّ إبراهيم، أو كالذي مَرَّ على قرية، هكذا قال مكي؛ أمَّا العطفُ على المعنى فهو وإنْ كان موجوداً في لسانهم كقوله:

تقيٌّ نقيٌّ لم يُكَثِّرْ غنيمةًبِنَهْكَةِ ذي قُرْبى ولا بِحَقَلِّدِ

وقول الآخر:

أجِدَّكَ لن تَرَى بثُعَيْلِباتٍ  ولا بَيْدَانَ ناجيةً ذَمُولا

ولا متدارِكٍ والليلُ طَفْلٌ  ببعضِ نواشغِ الوادي حُمُولا

فإنَّ معنى الأولِ: ليسَ بمكثرٍ، ولذلك عَطَفَ عليه (ولا بِحَقَلَّدِ)، ومعنى الثاني: أَجِدَّك لستَ براءٍ، ولذلك عَطَفَ عليه (ولا متداركٍ)، إلا أنهم نَصُّوا على عدمِ اقتياسِه".

الثاني: أن (كالذي) متعلق بفعل محذوف، دلّ عليه الفعل المذكور مع الأول، والمعنى: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو أرأيت مثل الذي مرّ على قرية، وهذا توجيه الزمخشري. قال: "أو كالذي معناه: أرأيت مثل الذي مرّ، فحذف لدلالة (ألم تر) عليه؛ لأن كلتيهما كلمة تعجيب". وقد امتدح أبو حيان والسمين الحلبي ما ذهب إليه الزمخشري، قال أبو حيان: "وهو تخريج حسن لأن إضمار الفعل لدلالة المعنى عليه أسهل من العطف على مراعاة المعنى"، وقال السمين: "وهو حسن؛ لأن الحذف ثابت كثير بخلاف العطف على المعنى".

الثالث: أن تضمر زيادة في الآية قبل (كالذي)، والتقدير: ألم تر إلى من كان كالذي مرّ على قرية، وهذا توجيه المبرد. قال الرازي: "اخْتِيَارُ الْمُبَرِّدِ: أَنَّا نُضْمِرُ فِي الْآيَةِ زِيَادَةً، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، وَأَلَمْ تَرَ إِلَى مَنْ كَانَ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ".

الرابع: أن تكون الكاف اسماً بمعنى (مثل)، والمعنى: أو مثل الذي مرّ على قرية، وقد نسب هذا التوجيه السمين الحلبي إلى الأخفش -وهو غير موجود في تفسيره لهذه الآية في كتابه معاني القرآن-، قال: "َالكافَ اسمٌ بمعنى مِثْل، لا حرفٌ، وهو مذهبُ الأخفش وهو الصحيحُ من جهةِ الدليل، وإنْ كان جمهورُ البصريين على خلافِه؛ فالتقديرُ: ألم تَرَ إلى الذي حاجَّ، أو إلى مِثْل الذي مَرَّ، وهو معنى حسنٌ". وهذا الوجه الأخير خارج عن موضوع البحث، وهو الخلاف في زيادة الحروف.

والخلاصة أن هناك خلافاً بين النحويين في زيادة الكاف؛ فلم يقل أحد منهم باطِّراد زيادتها، كما لم يمنعوا زيادتها مطلقاً؛ وكأنهم فريقان متساويان في القول بزيادتها وأصالتها، عندما تجتمع مع (مثل) في مكان واحد، سواء تقدمت على (مثل)، كما في الآية (ليس كمثله)، أم تقدمت (مثل) عليها، كما في قول الشاعر:

فصيروا مثل كعصف مأكولْ

وأما إذا لم تجتمع مع (مثل)، وكانت دلالتها على التشبيه غير واضحة؛ فالسواد الأعظم من النحاة يذهبون إلى أنها أصلية غير مزيدة. وأما إذا اجتمعت مع كاف ثانية؛ فأغلب النحاة يذهبون إلى أن إحدى الكافين زائدة للتأكيد.