إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









زيادة (إلى)

زيادة (إلى)

يمنع جمهور النحاة زيادة (إلى)، وأجاز زيادتها الفراء. قال المرادي في معرض حديثه عن معاني (إلى): "تكون زائدة ، وهذا لا يقول به الجمهور، وإنما قال به الفراء، واستدل بقراءة من قرأ: )فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ(  (إبراهيم: 37)، بفتح الواو"، و(تهوَى) بفتح الواو مضارع (هوِي) بكسرها، بمعنى (أحبَّ)، والمعنى على فتحها: اجعل أفئدة من الناس تهواهم، أي تحبهم، وعلى هذه القراءة تكون (إلى) زائدة؛ لأن (يهوَى) يتعدى بنفسه. وأما القراءة الثانية (تهوِي)، بكسر الواو مضارع (هَوَى) بفتحها؛ فمعناها: تسقط وتنحطّ، واستخدم مجازاً في الدلالة على سرعة وصولها إلى الحرم، وهذا يتعدى بـ(إلى)، والمعنى: اجعل أفئدة من الناس تسرع إليهم، وهذه قراءة الجمهور. قال أبو حيان: "قرأ الجمهور (تهوِي إليهم)، أي تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً". وقال الرازي: "قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا بِالْفَتْحِ إِذَا سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ. وَقِيلَ: تَهْوِي إِلَيْهِمْ تُرِيدُهُمْ، وَقِيلَ: تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ. وَقِيلَ: تَنْحَطُّ إِلَيْهِمْ وَتَنْحَدِرُ إِلَيْهِمْ وَتَنْزِلُ، يُقَالُ: هَوَى الْحَجَرُ مِنْ رَأَسِ الْجَبَلِ يَهْوِي إِذَا انْحَدَرَ وَانْصَبَّ، وَهَوَى الرَّجُلُ إِذَا انْحَدَرَ مِنْ رَأَسِ الْجَبَلِ".

وقراءة (تهوَى) بفتح الواو، هي قراءة علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وآخرين، قال أبو حيان: "وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُجَاهِدٌ: تَهْوَى مُضَارِعُ هَوِيَ بِمَعْنَى أَحَبَّ". واختلف العلماء في تخريج هذه القراءة، فذهب بعضهم إلى القول بزيادة (إلى)؛ لأن هذا الفعل يتعدى بنفسه تقول: يهوَى فلانٌ قراءةَ الشعرِ، وقال تعالى: )كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ( (الأنعام:71)، قال الأخفش: "زعموا في التفسير: تهواهم"، وقال السمين الحلبي: "وقرأ أميرُ المؤمنين علي وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر ابن محمد ومجاهد بفتح الواو، وفيه قولان، أحدُهما: أنَّ (إلى) زائدةٌ، أي: تهواهم. والثاني: أنه ضُمِّنَ معنى تَنْزِعُ وتميل". وذهب أغلبهم إلى القول بأصالة (إلى) وعدم زيادتها، وأن الفعل (تهوى) ضمن معنى فعل يتعدى بـ(إلى)، قدروه: تنزع وتميل وتسير وتقصد وتنزل، قال الزمخشري: "تهوَى إليهم: من هوِيَ يهوَى إذا أحبَّ، ضمن معنى (تنزع)، فعدي تعديته"، وقال ابن عطية: "وتعدى هذا الفعل وهو من الهوى بـ(إلى) لما كان مقترناً بسير وقصد"، وقال أبو حيان: "ولما ضمن معنى النزول والميل عدي بـ"إلى"".

وذهب ابن مالك إلى أن (تهوَى) بالفتح أصله (تهوِي) بالكسر، وقلبت الكسرة فتحة، وهذه لغة لطيّ، وعلى هذا الوجه تكون الآية خالية من الزيادة والتضمين. قال المرادي: "قال ابن مالك: وأولى من الحكم بزيادتها أن يكون الأصل (تهوِي) بكسر الواو، فجعل موضع الكسرة فتحة، كما يقال في رضِيَ: رضا، وفي ناصِيَة: ناصاة، وهي لغة طائية". وقد اعترض ابن هشام على هذا التوجيه؛ لأن أهل طيّ لا يبدلون الكسرة فتحة مطلقاً، بل يفعلون ذلك في مواضع مخصوصة، قال: "وفيه نظر لأن شرط هذه اللغة تحرك الياء في الأصل". و(تهوى) في الآية آخرها ألف ساكنة ليس ياء متحركة كما في (رضِيَ) و(ناصِيَة)، وعليه فهي غير مستوفية لشرط القلب.

وخلاصة المسألة أن الفعلين (تهوِي) بالكسر و(تهوَى) بالفتح متقاربان في المعنى. قال أبو البقاء العكبري: ((ويقرأ بكسر الواو وماضيه (هَوَى)، ومصدره الهوى، ويقرأ بفتح الواو وبالألف بعدها، وماضيه: هَوِي يهوَى هوىً، والمعنيان متقاربان، إلا أن الثانية عدّت بـ(إلى) حملاً على تميل". غير أن (تهوِي) يتعدى بحرف الجرّ، وعليه تكون (إلى) معه أصلية غير مزيدة، بينما (تهوَى) يتعدى بنفسه، ولا يحتاج إلى حرف جرّ يوصله إلى مفعوله،  ولذلك فإن وجود حرف الجر معه يحتاج إلى تخريج؛ إما على الزيادة وإما على التضمين، والأرجح أن يخرج على التضمين؛ لأن جمهور النحاة يمنع زيادة (إلى) في غير القرآن، فكيف يقال إنها زائدة في القرآن؟