إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / ومضات من القرآن الكريم / حروف الجر الزائدة في القرآن الكريم









زيادة (في)

زيادة (في)

المشهور عند النحويين منع زيادة (في)، غير أن ابن مالك أجاز زيادتها عوضاً عن (في) أخرى محذوفة. قال المرادي: "وأجاز ابن مالك أن تزاد عوضاً، وذلك نحو قولك: ضربت فيمن رغبت، أصله: ضربت من رغبت فيه، فزيدت (في) قبل (من) وحذفت من آخر الكلام". وأجاز الفارسي أن تزاد في غير العوض ضرورة، قال ابن هشام في تعداده لمعاني "في":  "الْعَاشِر التوكيد وَهِي الزَّائِدَة لغير التعويض أجَازه الْفَارِسِي فِي الضَّرُورَة وَأنْشد:

أَنا أَبُو سعد إِذا اللَّيْل دجا  يخال فِي سوَاده يرندجا

وَأَجَازَهُ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى:)وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا( (هود: 41)"، أي يخال سوادُه، فزاد (في) ضرورة مع نائب الفاعل، وسيأتي الكلام عن الآية لاحقاً.

والآيات التي قيل فيها بزيادة (في) هي: )وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا(، )وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ(  (الكهف: 54)، )قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي( (الاحقاف:15) وتوجيهها على النحو التالي:

الآية الأولى: قيل إن (في) زائدة، والمعنى: اركبوها؛ وذلك لأن الفعل (اركب) متعدٍ بنفسه، كما في قوله تعالى: )وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا( (النحل: 8)، قال القرطبي: "وَقِيلَ: الْمَعْنَى ارْكَبُوهَا، وَ(في) للتأكيد كقوله تعالى: )إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ( (يوسف: 43)، وَفَائِدَةُ (فِي) أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا فِي جَوْفِهَا لَا عَلَى ظَهْرِهَا"، وقال أبو حيان: "وَقِيلَ: فِي زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ أَيِ: ارْكَبُوهَا".

وذهب أكثر النحاة والمفسرين إلى أن (في) في هذه الآية أصلية غير مزيدة، دالة على الظرفية المكانية، وذلك إما على حذف مفعول (اركبوا)، أو تضمين (اركبوا) معنى فعل يتعدى بـ(في). والمعنى على الوجه الأول: اركبوا الماء في السفينة، قال الرازي: "قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَفْظَةُ (فِي) فِي قَوْلِهِ: ارْكَبُوا فِيها، لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِلَةِ الرُّكُوبِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ رَكِبْتُ السَّفِينَةَ، وَلَا يُقَالُ رَكِبْتُ فِي السَّفِينَةِ، بَلِ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَفْعُولُ ارْكَبُوا مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ ارْكَبُوا الْمَاءَ فِي السَّفِينَةِ". وعلى الوجه الثاني: فقد ضمنوا (اركبوا) معنى: صيروا أو ادخلوا، قال البيضاوي: "قال: اركبوا فيها، أي صيروا فيها، وجعل ذلك ركوباً؛ لأنها في الماء كالمركوب في الأرض"، وقال ابن عاشور: "وَضُمِّنَ الرُّكُوبُ مَعْنَى الدُّخُولِ لِأَنَّهُ رُكُوبٌ مَجَازِيٌّ، فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ (فِي) الظَّرْفِيَّةِ".

واختار أبو السعود توجيهاً لطيفاً، وهو أن الفعل (ركب) يتعدى بنفسه، إذا كان مفعوله مما يتحرك إرادياً من تلقاء نفسه، كالخيل والبغال والحمير ونحوها، ويتعدى بحرف الجر (في) إذا كان مفعوله مما لا يتحرك إرادياً من تلقاء نفسه، كالسفن ونحوها، وذلك مراعاة للمحلية والمكان في الركوب. قال: ((الركوبُ العلوُّ على شيء متحرّكٍ ويتعدى بنفسه واستعماله ههنا بكلمة (في) ليس لأن المأمورَ به كونُهم في جوفها لا فوقَها، كما ظن؛ فإن أظهر الرويات أنه عليه السلام جعل الوحوش ونظائرها في البطن الأسفلِ، والأنعامَ في الأوسطِ، وركب هو ومن معه في الأعلى، بل لرعاية جانبِ المحلية والمكانيةِ في الفلك. والسرُّ فيه أن معنى الركوبِ العلوُّ على شيء له حركةٌ، إما إراديةٌ كالحيوان، أو قسرية كالسفينة والعجَلة ونحوهما؛ فإذا استُعمل في الأول يوفر له حظُّ الأصل، فيقال: ركبتُ الفرسَ، وعليه قولُه عز من قائل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا)، وإن استُعمل في الثاني يلوح بمحلية المفعول بكلمة "في"، فيقال: ركبت في السفينة، وعليه الآيةُ الكريمة وقولُه عز وجل قائلاً: )فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ( (العنكبوت: 65)  وقوله تعالى: )فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ( (الكهف: 71)". وقد أكد هذا المعنى ابن عاشور، قال: "وَعُدِّيَ فِعْلُ ارْكَبُوا بِـ(فِي) جَرْيًا عَلَى الْفَصِيحِ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: رَكِبَ الدَّابَّةَ إِذَا عَلَاهَا. وَأَمَّا رُكُوبُ الْفلك فيعدّى بـ(فِي) لِأَنَّ إِطْلَاقَ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ جُلُوسٌ وَاسْتِقْرَارٌ، فَلَا يُقَالُ: رَكِبَ السَّفِينَةَ؛ فَأَرَادُوا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الرُّكُوبِ الْحَقِيقِيِّ وَالرُّكُوبِ الْمُشَابِهِ لَهُ، وَهِيَ تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ".

الآية الثانية: )وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ( ، قيل: (في) زائدة، والمعنى: ولقد صرفنا هذا القرآن للناس؛ وذلك لأن الفعل (صرّفَ) يتعدى بنفسه، كما في قوله تعالى: )انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ( (الأنعام:46)، وقوله: )وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ( (الفرقان: 50). قال ابن عطية: "وقال بعض من شدّد الراء: إن قوله (في) زائد، والتقدير: ولقد صرفنا هذا القرآن، وهذا ضعيف"، وقال القرطبي: "وقيل (في) زائدة، والتقدير: ولقد صرفنا هذا القرآن، مثل: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) ، أي أصلح ذريتي"، وقال أبو حيان: "وقيل (في) زائدة، أي صرفنا هذا القرآن، كما قال: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)، وهذا ضعيف لأن (في) لا تزاد".

 وذهب الأكثرون إلى أن (في) أصلية غير مزيدة، ووجهوا الآية على حذف مفعول (صرفنا)، والتقدير: صرفنا القول أو الأمور في القرآن. قال الزمخشري: "المعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى"، وقال الرازي: "اعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيفَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ صَرْفِ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، نَحْوَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَتَصْرِيفِ الْأُمُور،ِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ جَعَلَ لَفْظَ التَّصْرِيفِ كِنَايَةً عَنِ التَّبْيِينِ، لِأَنَّ مَنْ حَاوَلَ بَيَانَ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ كَلَامَهُ مِنْ نَوْعٍ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ وَمِنْ مِثَالٍ إِلَى مِثَالٍ آخَرَ لِيُكْمِلَ الْإِيضَاحَ وَيُقَوِّيَ الْبَيَانَ؛ فَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ صَرَّفْنا أَيْ بَيَّنَّا وَمَفْعُولُ التَّصْرِيفِ مَحْذُوفٌ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ ضُرُوبًا مِنْ كُلِّ مَثَلٍ. وَثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ لَفْظَةُ "فِي" زَائِدَةً كَقَوْلِهِ: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)، أَيْ أَصْلِحْ لِي ذَرِّيَّتِي". وقال أبو حيان: "وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلَقَدْ صَرَّفْنا بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ. فَقَالَ: لَمْ نَجْعَلْهُ نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ وَعْدًا وَوَعِيدًا، وَمُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا، وَأَمْرًا وَنَهْيًا، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، وَأَخْبَارًا وَأَمْثَالًا، مِثْلَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ مِنْ صَبًا وَدَبُورٍ وَجَنُوبٍ وَشَمَالٍ. وَمَفْعُولُ صَرَّفْنا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَحْذُوفٌ، وَهِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَيْ: صَرَّفْنَا الْأَمْثَالَ وَالْعِبَرَ والحكم والأحكام والأعلام. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ نُنْزِلْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَلْ نُجُومًا وَمَعْنَاهُ أَكْثَرْنَا صَرْفَ جِبْرِيلَ إِلَيْكَ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ صَرَّفْنا جِبْرِيلَ".

الآية الثالثة: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)، قيل (في) زائدة، والمعنى: أصلح لي ذريتي؛ وذلك لأن الفعل (أصلح) يتعدى بنفسه، كما في قوله تعالى:   )وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ( (الأنبياء: 90). (وقد تقدم جزء من الحديث عن زيادة (في) في هذه الآية في الآيتين السابقتين لها)، وذكر بعضهم أن فائدة الزيادة هي الدلالة على تمكن الصلاح من الذرية. قال الزمخشري: "فإن قلت: ما معنى (فِي) في قوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي؟ قلت: معناه: أن يجعل ذرّيته موقعاً للصلاح ومظنة له، كأنه قال: هب لي الصلاح في ذرّيتى وأوقعه فيهم"، وقال ابن عاشور: "وَمَعْنَى ظَرْفِيَّةِ (فِي ذُرِّيَّتِي): أَنَّ ذُرِّيَّتَهُ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الظَّرْفِ يَسْتَقِرُّ فِيهِ مَا هُوَ بِهِ الْإِصْلَاحُ وَيَحْتَوِي عَلَيْهِ، وَهُوَ يُفِيدُ تَمَكُّنَ الْإِصْلَاحِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَتَغَلْغُلَهُ فِيهِمْ".

وقد وجهت هذه الآية، أيضاً، على أصالة (في) وعدم زيادتها، وذلك بتضمين (أصلح) معنى (الطف)، أو على تقدير مفعول محذوف له. قال السمين الحلبي: "أَصْلَحَ يتعدَّى بنفسِه لقولِه: (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)، وإنما تعدَّى بـ(في) لتضمُّنِه معنى (الطُفْ) بي في ذرِّيَّتي"، وقال الطبري: "يقول: وأصلح لي أموري في ذريتي".

وخلاصة هذه المسألة أن الأصل في (في) ألا تزاد، وما جاء منها يوحي بزيادتها فيؤول على التضمين أو على حذف المفعول به كما تقدم