إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الفصل الرابع

المبحث الحادي عشر

المتغيرات الدولية والإقليمية، التي أثرت في مسار الأزمة في أفغانستان

تعددت المتغيرات التي صاحبت الأزمة الأفغانية، منذ بدء العمليات العسكرية في نهاية عام 2001، ثم تصاعدت بشدة حتى نهاية عام2010. والعالم في انتظار ما سوف تسفر عنه تطبيقات الإستراتيجية الأمريكية، التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي حددت منتصف عام 2011 موعداً لانسحاب القوات الرئيسية من أفغانستان، تعدل في قمة حلف شمال الأطلسي ليصبح 2014. وقد بدأ تسليم الحكومة الأفغانية مسؤولية إدارة عملية الأمن في البلاد اعتبارا من عام 2011، وتشمل هذه المتغيرات الآتي:

أولاً: المتغيرات العالمية في مجال الحرب على الإرهاب، وانعكاساتها على مسار الأزمة

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، أعلن الرئيس الأمريكي الحرب على الإرهاب، مستهدفاً تنظيم القاعدة الذي يتخذ من أفغانستان مقرا له، وكذلك نظام طالبان الذي كان يحكم أفغانستان –آنذاك- ويدعم تنظيم القاعدة. وأعلن الرئيس بوش أفغانستان كهدف رئيسي لشن الحرب ضد الإرهاب. كما أعلن بكل وضوح ضرورة مشاركة العالم كله في هذه الحرب، قائلاً "من ليس معنا فهو مع الإرهاب" كما صدرت ثلاثة قرارات متوالية من مجلس الأمن هي 1368 في 12سبتمبر "أيلول 2001" و1373 في 28 سبتمبر "أيلول 2001" و1378 في 14 نوفمبر "تشرين ثاني" 2001، استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية كذريعة لشرعية الحرب ضد أفغانستان.

وفي البداية استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية ناجحة في غزو أفغانستان من خلال تقسيم المهام، بأن تتولي القوات الأمريكية تنفيذ الضربات النيرانية البالغة القوة، وتتولي قوات الشمال الأفغاني المناوئة لطالبان مهام القوات البرية بالسيطرة على ربوع أفغانستان، وذلك بأسلوب الحرب بالوكالة عن القوات الأمريكية.

وبقدر ما نجحت الخطة الأمريكية للغزو في مراحلها الأولي، فإنها لم تحقق الأهداف الأمريكية الأساسية في القضاء على الإرهاب، أو القضاء على نظام طالبان في أفغانستان؛ بل إن الدولة الأفغانية بشعبها البالغ حوالي 32 مليون نسمة، أضحت ضحية الغزو الأمريكي، بما نالها من ويلات الحرب، ومن ردود فعل القاعدة وطالبان في مواجهة القوات الأمريكية، ومن الفساد الذي استشري في الإدارة الأفغانية، التي صعدت إلى سدة الحكم بدعم أمريكي وانتخابات صورية مشكوك في نزاهتها.

المتغيرات التي صاحبت تطور الأزمة

تبدأ هذه المتغيرات قبل عملية الحرب على الإرهاب، وفي أعقاب انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، حيث تمكنت طالبان من السيطرة على معظم أرجاء البلاد، ثم أعلن تنظيم القاعدة عن وجوده عام 1995. وانتشرت السلفية في أرجاء أفغانستان، واتخذ حكم طالبان العديد من المواقف المتشددة، مثالها نسف تمثال بوذا على اعتبار أن الدين الإسلامي لا يقر صناعة التماثيل، ولم يتقبل أي وساطات ـ ومنها وساطات إسلامية معتدلة ـ في إبقاء هذا التمثال، الذي يعد قيمة تاريخية، إلى جانب التشدد في التطبيقات في مجال الزي وتقييد حرية المرأة وغير ذلك. ولكن طالبان لم تخلُ من مواقف إيجابية، مثل محاربة زراعة المخدرات وتصنيعها، انطلاقاً من أنها تخالف تعاليم الدين الإسلامي.

وكان يمكن بقاء الحال على ما هو عليه، إلا أن تنظيم القاعدة بدأ يزاول نشاطه في التخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية، خاصة ضد المصالح الأمريكية والغربية، كانت ذروتها تبنيه أحداث 11 سبتمبر2001.

وقد تطورت الأزمة بعد ذلك، من خلال خمس مراحل كالآتي:

1. المرحلة الأولي: إعلان الحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان والسيطرة عليها (2001 – 2002)

وهي أهم المراحل في بناء الأحداث وتطورها. وقد حققت المتغيرات الآتية:

أ. انتشار القوات الأمريكية في أحد أهم المناطق الإستراتيجية في آسيا، مثل غرب الصين، وشمال غرب الهند، وجنوب دول آسيا الوسطي، التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، وفي شرق إيران، وفي داخل باكستان، إلى جانب انتشار الأسطول الأمريكي في المحيط الهندي. وهذا الانتشار يثير شكوك هذه الدول في النوايا الأمريكية المستقبلية، بل ويشجع بعضها مثل إيران، وروسيا، والصين على العمل على توريط واستنزاف القوات الأمريكية العاملة في هذه المنطقة، والسعي لعدم تمكينها من تحقيق أهدافها الإستراتيجية.

ب. فشل القوات الأمريكية – على الرغم مما بذلته من جهود- في القضاء على قيادات تنظيم القاعدة وطالبان، الذين تمكنوا من الهرب عبر المناطق الجبلية الوعرة ليزاولوا نشاطهم منها.

ج. نجاح تنظيم القاعدة ونظام طالبان في المحافظة على كوادره، بل وإيجاد السبل لبناء كوادر جديدة مستغلاً الأوضاع الاجتماعية البائسة، إلى جانب التحريض على الانتقام من قوي الاحتلال الأمريكي، التي نفذت عمليات إبادة، وعمليات أسر واعتقال الكثيرين، وأبعدتهم إلى جوانتانامو وغيرها.

د. بلغت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية البشرية في هذه المرحلة 61قتيلاً، والجنسيات الأخرى المشاركة 18 قتيلاً. أما خسائر الشعب الأفغاني، فتقدر بالآلاف من الأفراد.

2. المرحلة الثانية: نقل الجهود الرئيسية في الحرب على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق (2002 – 2004)

وهي مرحلة أرادت فيها الولايات المتحدة الأمريكية توسيع مجالات الحرب على الإرهاب، وبسط سيطرتها على أحد أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تحقيق مسار إستراتيجية الهيمنة السريعة التي تحوي في ركائزها التخلص من الأنظمة المناوئة للولايات المتحدة وتغييرها بأنظمة موالية لها؛ لذلك كانت المحطة الثانية في الحرب على الإرهاب هي غزو العراق، وإنهاء حكم الرئيس صدام حسين؛ وبقدر ما نجح الغزو إلا أنه ترك متغيرات هائلة في هذه المرحلة أهمها:

أ. إهمال أفغانستان وعدم اتخاذ خطوات سريعة لاستغلال النصر في إعادة بناء أفغانستان، والتوجه إلى الارتقاء بالمستوي الحضاري؛ بل استمر العنف تجاه الشعب، وبدأت عناصر المقاومة في تجميع قوتها.

ب. توزيع الجهود الأمريكية على مسرحين للحرب، إلى جانب مسارح أخري فرعية مثل اليمن والصومال وغيرها، بما أدي إلى ضعف السيطرة الأمريكية على مسرح أفغانستان.

ج. توفر لتنظيم القاعدة مجالات جديدة للحرب ضد القوات الأمريكية، ومن ثم استطاعت القاعدة إعداد كوادر وأقساماً لتصبح تنظيماً هرمياً، حيث ظهر بعد ذلك "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، والتنظيم في الجزيرة العربية، وفي الشمال الإفريقي.. وغيرها"، بمعني أن تشتيت جهود القوات الأمريكية أدي إلى نجاح القاعدة في بناء مسارح عمليات جديدة للتنظيمات الإرهابية، ومن ثم خرجت من الحصار التي كان يمكن أن يفرض حولها في أفغانستان.

د. نجح نظام طالبان في النفاذ من خلال القبائل والأعراق، لينتشر في ربوع أفغانستان. وظهرت بوادر تنظيم "طالبان الباكستانية"، بما أدي إلى تصاعد التيار السلبي في باكستان نفسها، والذي فتح جبهة جديدة لضرب التحالف الباكستاني ـ الأمريكي، وإثارة القلاقل مع الهند، وإشاعة مناخ عدم الاستقرار في المنطقة، بما أدى إلى التأثير على المصالح والأهداف الإستراتيجية الأمريكية.

هـ. لم يكن أمام الموقف المتصاعد تجاه الولايات المتحدة، إلاّ إشراك حلف شمال الأطلسي في جهود الحرب على الإرهاب. فقد وافق قادة الحلف، في اجتماعهم في إسطنبول في 28 يونيه 2004، على المشاركة في تحقيق الأمن في أفغانستان "إيساف" "ESAF"، ورفض المشاركة في العراق، إلا في مجالات التدريب والنواحي الإنسانية.

و. يعني ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية قبلت مشاركة الحلف في إدارة مشاكل العالم، بعد أن كانت تصر على أن قيادة العالم هي مسؤولية أمريكية خالصة.

هـ. تضاعف إجمالي الخسائر البشرية الأمريكية في أفغانستان في هذه المرحلة ليصل إلى 161 قتيلاً، وقتلى الجنسيات الأخرى 39 قتيلاً.

3. المرحلة الثالثة: تنامي الأزمة وانتشار الإرهاب (2005 - 2007)

وهو تطور طبيعي لأزمة استمرت سنوات دون حلول جذرية، ولعبت فيها عدة عوامل أدواراً مهمة لتصعيدها، أهمها:

أ. يقين الإدارة الأمريكية بتأزم الموقف، خاصة أن الرئيس بوش فاز بفترة رئاسة ثانية بنسبة ضئيلة جداً من الأصوات، مع تدني شعبية الرئيس والحزب الجمهوري إلى درجات كبيرة لدي الشعب الأمريكي.

ب. تنامي أصوات المعارضة الدولية، خاصة من القوي الفاعلة على مستوي العالم، ضد استمرار الحرب على الإرهاب.

ج. بروز قضايا أخري أثرت على النظام العالمي الجديد، واهتمامات الرأي العام العالمي، مثل قضية دارفور، والبرنامج الإيراني النووي، والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وتطورات قضية السلام في الشرق الأوسط بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، إلى جانب تصاعد المقاومة والأحداث الدموية، في مناطق العمليات الرئيسية، سواء في أفغانستان أو العراق.

د. نجاح نظام طالبان وتنظيم القاعدة في السيطرة على مساحات واسعة من أفغانستان، خاصة مناطق الريف في الجنوب والجنوب الغربي، وبسط نفوذهما فيها، إلى جانب عودة زراعة وتصنيع المواد المخدرة وتسويقها لإيجاد مصادر لتمويل الحرب ضد القوات الأجنبية.

هـ. دعم بعض القوي وتحالفها مع طالبان من أجل استنزاف القوات الأمريكية، وتعد إيران إحدى هذه القوي الفاعلة في دعم طالبان.

و. تصاعد المواقف الأمنية في أفغانستان والعراق، وازدياد الخسائر الأمريكية في أفغانستان حيث وصلت في تلك المرحلة إجمالي خسائر قوات التحالف في أفغانستان إلى 554 قتيلاً، منهم 314 أمريكياً.

4. المرحلة الرابعة: محاولة الخروج من الأزمة بتنازلات أمريكية (2008 – 2010)

صادفت هذه المرحلة العديد من المتغيرات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها:

أ. الانتخابات الأمريكية، التي انتهت بتولي الحزب الديموقراطي الحكم، على الرغم من الجهود التي بذلتها الإدارة الجمهورية في تحسين صورة الولايات المتحدة، وإبرازها بأنها المنتصرة في الحرب على الإرهاب، مع طرح المبادرات والتوصل إلى اتفاقيات بخصوص عودة القوات الأمريكية إلى قواعدها الرئيسية، وتسليم مسؤوليات الإدارة والأمن للحكومات المنتخبة، سواء في العراق أو أفغانستان.

ب. الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 2007، ثم انتشرت في أرجاء العالم، ووصلت إلى ذروتها عام 2008 – 2009. وكان الإنفاق العسكري الأمريكي على الحروب عاملاً رئيسياً في تنامي عجز الميزانية الأمريكية للتصدي لهذه الأزمة.

ج. تلخص البرنامج الرئاسي للرئيس باراك أوباما عند انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، في تغيير صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وإيقاف أي صدامات مع الإسلام والدول الإسلامية. وأعلن من خلال برنامجه الرئاسي بكل الوضوح، أن حرب الولايات المتحدة في مجال الإرهاب ضد تنظيم القاعدة، وليست ضد الإسلام بأي حال من الأحوال.

د. تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ السيناريو الذي طُبق في العراق على أفغانستان، بتسليم الإدارة العراقية مسؤولية الأمن، وتكثيف تدريب العناصر الأمنية، وإجراء مصالحات في الداخل من أجل استقرار الأوضاع، حتى يمكن سحب القوات الأمريكية الرئيسية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، اعتباراً من منتصف عام 2011.

5. أهم المتغيرات في مجال الأزمة الأفغانية يمكن تلخيصها في الآتي

أ. تصاعدت الأزمة في أفغانستان على نحو يُصعِّب إيجاد حلول جذرية لها، على المدى القريب.

ب. أصبحت أفغانستان مقسمة ما بين شمال وجنوب ووسط، وكل جزء له مقوماته والعناصر القبلية المسيطرة عليه، وبما قد يؤدي إلى تقسيم أفغانستان (وهو أحد سيناريوهات الحل حالياً).

ج. استقرار وضع تنظيم القاعدة كتنظيم إرهابي معترف به في أرجاء العالم، وفشلت الجهود في القضاء عليه، أو الوصول إلى أماكن اختفاء قادته في المنطقة الحدودية الأفغانية - الباكستانية، بل إنه نجح في الانتشار من خلال هياكل تنظيمية وعناصر (قوات) منتشرة في العديد من المناطق، وتمارس نشاطها الإرهابي؛ بمعني أن تنظيم القاعدة تحققت له حرية الحركة.

د. أصبح لتنظيم القاعدة إستراتيجية معلنة وهي :"تدمير المصالح الأمريكية في أرجاء العالم، والتصدي للقوات الأمريكية الموجودة في الدول الإسلامية، وإنزال العقاب على أي نظام عربي أو إسلامي يتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل".

هـ. مع نجاح قيادات تنظيم القاعدة وطالبان في الاختفاء، حتى الآن، فإن العديد من كوادر التنظيم تمكنت من نقل النشاطات الرئيسية للإرهاب من أفغانستان إلى مناطق أخرى في العالم، خاصة في اليمن والصومال، إلى جانب التنظيمات الأخرى في العديد من مناطق العالم.

و. نجحت قيادات القاعدة في استخدام الإعلام الإرهابي في نشر الذعر في كثير من مناطق العالم، من خلال أعمال محدودة، وإنذارات إعلامية، على نمط ما حدث في تفجير كنيسة مسيحية في العراق، وإرسال إنذار إلى الحكومة المصرية بنسف الكنائس بدعوى الإفراج عن مسيحيتين اعتنقتا الإسلام، ومحجوزتين في أحد الأديرة.

ز. نجاح تنظيم القاعدة ونظام طالبان في إشعال الفتنة في شمال غرب باكستان وفي المناطق الحدودية مع أفغانستان، وتصعيد عمليات الإرهاب، والتأثير على قوافل إمداد حلف شمال الأطلسي التي تمر عبر الأراضي الباكستانية، وبما يؤثر على أوضاع القوات الأمريكية وقوات الحلف في أفغانستان.

تُعزى أسباب عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على حسم الحرب على الإرهاب، والسيطرة على تصاعد الأزمة في أفغانستان، إلى الآتي:

1. اختيار أفغانستان لتكون هدفاً للحرب على الإرهاب، شابه العديد من أوجه القصور، ومنها:

أ. أن الطبيعة الطبوغرافية للدولة تتطلب إجراءات خاصة بالحرب في المناطق الجبلية، وأهمها وجود حشود عسكرية ضخمة للسيطرة على كل أرجاء الدولة، خاصة الطرق الحيوية التي تربط المدن الرئيسية، وهو ما مثل أعباء شديدة على القيادة الأمريكية، وتطلب منها الاستعانة بقوات حلف شمال الأطلسي وبعض الدول الحليفة. كما تطلب الاستعانة بشركات أمن، وبنفوذ أمراء الحرب في أفغانستان، بما شكل في النهاية تحالفاً غير مسيطر عليه بأسلوب محكم، وأشاع الفوضى في أفغانستان وإخراجها عن نطاق السيطرة.

ب. أن الإدارة الأمريكية لم تدرس الخبرات من غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان (1979 – 1989) الدراسة الوافية، ولم تضع يدها على نقاط القوة والضعف، التي أدت إلى انسحاب الاتحاد السوفييتي بعد تكبده خسائر جسيمة، بل إنها سقطت في المستنقع نفسه الذي سقط فيه الاتحاد السوفييتي، مع العلم بأن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت أكبر داعمٍ للمقاومة الأفغانية والإسلامية ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان، وهي التي دعمت نظام طالبان في مواجهة القوات السوفيتية.

ج. أن الإدارة الأمريكية عندما تحالفت مع باكستان في الحرب على الإرهاب، بهدف دعم أعمال القوات الأمريكية، والسماح بمرور قواتها وقوافلها الإدارية، والطائرات الأمريكية عبر أراضيها، لم تراع عدداً من المسائل الجوهرية مثل:

(1) أن الاستقرار داخل باكستان محدود، وأن الحكومة الباكستانية تفتقر إلى السيطرة على كثير من المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، خاصة في مناطق الشمال الغربي المتاخمة لأفغانستان.

(2)    أن الأعراق القبلية ـ خاصة البشتون، التي ينتمي إليها معظم قادة طالبان ـ تمتد ما بين شطري الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، وهي مناطق تساعد طبيعتها الجبلية على حرية انتقالات مقاتلي طالبان عبر الحدود، وعدم قدرة القوات الأمريكية السيطرة عليها.

(3)    لم تدرس قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان طبيعة طرق الإمداد الجبلية، وإمكانيات السيطرة عليها ضد تدخل العدو، الدراسة الكافية، بما أدى إلى أن تكون الإمدادات هدفاً لإحداث خسائر مادية وبشرية للقوات الأمريكية.

(4) لم تضع الإدارة الأمريكية سيناريوهات فاعلة لإنهاء الأزمات ما بين الهند وباكستان، وهي أزمات تلقي بظلالها على الداخل الباكستاني، والداخل الهندي أيضاً، وتنعكس آثارها على الوضع في أفغانستان، نظراً لأن الهند لا تقبل أن تستقر الأمور على الحدود الباكستانية – الأفغانية، وتصبح أفغانستان عمقاً إستراتيجياً لباكستان.

(5) وفي السياق نفسه، فإن الهند لن تقبل أن يكون التحالف الباكستاني ـ الأمريكي في الحرب على الإرهاب ضد مصلحتها الإستراتيجية، ومن ثم فإنها تعمل في الخفاء من أجل تقويض هذا التحالف.

(6) اكتشفت الاستخبارات الأمريكية ـ مؤخراً ـ العلاقة ما بين الاستخبارات الباكستانية ونظام طالبان، وهي علاقة تضر بأمن القوات الأمريكية في أفغانستان. وكان من المفترض أن تضع القيادة الأمريكية هذا الاحتمال موضع البحث في بدايات الحرب، حتى لا تعطي الفرصة لنظام طالبان في الانتشار وتجديد قدراته.

د. أن الإدارة الأمريكية ـ على الرغم من الإمكانيات العسكرية التي تمتلكها ـ لم تتمكن خلال الصدامات المحتدمة، وحتى الآن، القضاء على رؤوس الإرهاب المتمثلة في قيادات القاعدة (أسامة بن لادن ـ محمد الظواهري) أو القضاء على قيادات طالبان (وفي مقدمتهم الملا عمر)، ومازالت معظم هذه القيادات حرة طليقة تمارس قيادتها لعناصر الإرهاب، أو عناصر طالبان، التي تقاوم قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان.

ثانياً: المتغيرات على المستوي الاقتصادي العالمي وانعكاساتها على مسار الأزمة

في مجال القدرة الشاملة للدولة، يلعب الاقتصاد الدور الرئيسي في بناء هذه القدرة، ويعكس آثاره على باقي القوى الأخرى، وأهمها القوة العسكرية. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم، وقد تجاوز ناتجها القومي 13 تريليون دولاراً عام 2008، وبلغ إنفاقها العسكري في العام نفسه حوالي 630 مليار دولاراً. وهذا الإنفاق يعادل ـ تقريباً ـ نصف الإنفاق العسكري على مستوى العالم.

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد وأكبر قدرة عسكرية، فإن أي أزمة تحدث فيها، تنعكس آثارها على العالم أجمع. وهذا ما حدث في الأزمة المالية الأمريكية التي بدأت بوادرها عام 2007، ووصلت إلى ذروتها عامي 2008، 2009، وأخذت تنفرج عام 2010.

إن ما يهمنا هو انعكاس الأزمة المالية العالمية على الأزمة في أفغانستان، ويمكن تلخيصها في الآتي:

1. إدراك الإدارة الأمريكية أن الإنفاق العسكري على حروبها الخارجية يؤثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد، بصفة عامة. وقد طرحت بعض مراكز البحوث الأمريكية عام 2008، أن حجم الخطة المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي والبالغة 700 مليار دولاراً، يمكن تدبيرها فوراً فيما لو توقفت حروب الولايات المتحدة، التي استهلكت خلال عامين حوالي 600 مليار دولاراً. وكان هذا دافعاً لبرنامج الرئيس أوباما، في إستراتيجية سحب القوات الأمريكية الرئيسية من العراق وأفغانستان.

2. الاقتصاد الأوربي الذي تأثر بشدة بهذه الأزمة، وضع الخطط لخفض الإنفاق العسكري، وانعكس أثره على خطط الدول الأوروبية المشاركة في قوات حفظ الأمن في أفغانستان، وإعلانها تباعاً لسقف زمني لتنسحب قواتها، بما يزيد الأعباء على الولايات المتحدة الأمريكية؛ بل إن الأمر وصل في خفض الإنفاق العسكري في بريطانيا إلى خفض حجم الأسطول، وحجم القوات الجوية بمعدلات كبيرة، وبما يوحى بعدم مشاركة بريطانيا في تحالفات مقبلة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

3. اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد صفقات تسليح ضخمة مع دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية، التي عقدت صفقة بمبلغ 60 مليار دولاراً، بهدف إحداث توازن في منطقة الخليج العربي الإستراتيجية.

4. تأثر الدعم الأمريكي والأجنبي لدول الأزمة نفسها "أفغانستان وباكستان"، وبما يؤدي إلى ضعف قدرة حكوماتها على التصدي لعوامل عدم الاستقرار في دولهم.

5. ومن كل ما سبق فإن آثار الأزمة الاقتصادية أدت إلى:

أ. القرار الأمريكي بسرعة سحب القوات الرئيسية من أفغانستان.

ب. ضعف قدرات الدعم لأفغانستان، والتي تحتاج إلى مبالغ ضخمة لإعادة بنيتها الأساسية والأمنية.

ج. إضعاف الاقتصاد العالمي، والذي انعكست آثاره على الإنفاق العسكري، ومن ثم القدرة العسكرية للقوى الفاعلة في العالم.

د. أدى إلى حدوث أزمات اقتصادية شديدة للدول النامية، خاصة في جنوب وغرب آسيا. وهذه الأزمات قد ينتج عنها زيادة معدلات الفقر، الذي يؤدي بدورة إلى تنامي الإرهاب، وسهولة تجنيد الإرهابيين.

ثالثاً: المتغيرات على المستوي الإقليمي (حول أفغانستان) وانعكاساتها على مسار الأزمة:

تلعب القوى الإقليمية حول أفغانستان دوراً رئيسياً في تحريك الأزمة أو احتوائها، طبقاً لأهداف كل دولة، وما تبذله من جهد لتحقيق مصالحها. ولا شك أن الأزمة في أفغانستان تعكس آثاراً سلبية على الجميع، على الرغم أن بعض الدول تحاول الاستفادة منها موقتاً، من أجل إضعاف أطرافٍ أخرى، أو تحقيق مصلحة ذاتية، بينما لو استمرت الأزمة فإنها ستؤثر على جميع الدول الإقليمية تأثيراً سلبياً شديداً.

أن أهم الدول المحيطة بالأزمة والمتأثرة بها بدرجة كبيرة هي الهند وباكستان، ثم دول آسيا الوسطي بدرجة أقل، ثم الصين، وروسيا كقوى فاعلة، ثم إيران كدولة تستغل الموقف لتوريط أمريكا؛ ولكل منهم درجة محددة في التأثير.

أثر المتغيرات على المستوي الإقليمي

1. أثر التواجد الأمريكي في أفغانستان وحول شبه القارة الهندية، إقليمياً

أ. أخل الوجود العسكري الأمريكي بالتوازنات في المنطقة، خاصة مع انتشاره في منطقة غرب الصين، وجنوبي شرق روسيا الاتحادية، وشرق إيران، وشمالي غرب القارة الهندية وكانت كل هذه الدول تحتفظ بتوازنات محددة على مدى سنوات طويلة ولكنها اختلت تماماً بالوجود الأمريكي الكثيف فيها.

ب. أحدث هذا الوجود خللاً في التركيبة الديموجرافية داخل أفغانستان نفسها، وفي الشمال الغربي لباكستان نتيجة لإشعال روح القوميات العديدة، التي تسيطر على دول هذه المنطقة؛ ومنها من انضم إلى النظام الحكومي الأفغاني، ومنها من استمر في المقاومة، سواء للنظام أو للوجود الأمريكي، وهو ما ينذر بتقسيم أفغانستان كأحد سيناريوهات الخروج من الأزمة.

ج. أحدث هذا الوجود حقيقة جيواستراتيجية مهمة، وهي تقييد حرية اتخاذ قرار الحرب في النزاعات الهندية – الباكستانية، المستمرة منذ منتصف القرن العشرين. وأصبح القرار الرئيسي في الحرب والسلام بينهما في يد الولايات المتحدة الأمريكية، لارتباطه الوثيق بمصالحها الحيوية في المنطقة.

د. إدراك الجميع أن أي انسحاب أمريكي كامل ومفاجئ من أفغانستان سيؤدي إلى إحداث فراغ هائل، ونشوء تحالفات وتوازنات قوى جديدة في المنطقة، وخاصة أن الحدود الهندية – الباكستانية قابلة للانفجار في أي وقت. كما يؤدي إلى سيطرة طالبان على أفغانستان، وهو ما جعل وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس" Jetes يطمئن الهند وباكستان في زيارته لهما في يناير 2010، من أن بلاده لن تنسحب بشكل كامل من أفغانستان منتصف عام 2011، بل ستظل بها لحين الاستقرار الكامل لها.

هـ. دعم الوجود الأمريكي قدرة باكستان في السيطرة على منشآتها النووية، في مواجهة قوى المعارضة الإسلامية السلفية، وانتشار الإرهاب في أرجاء باكستان، خاصة في المنطقة الشمالية الغربية. وهذا أدي بدوره إلى طمأنة الهند من احتمال نشوء حرب ذرية، فيما لو طالت يد الإرهاب المنشآت النووية الباكستانية.

و. الهدف الرئيسي الأمريكي من تخفيف التوتر بين باكستان والهند، هو أن يتسنى لباكستان القدرة على نشر أكبر حجم من قواتها على حدودها مع أفغانستان، لمساعدة القوات الأمريكية والغربية للقضاء على طالبان والقاعدة.

أما المتغير الديموجرافي الأهم، فهو للشعب الأفغاني الذي أثرت فيه الأزمة بشدة، خاصة أنها أتت في أعقاب غزو سوفييتي، وظلت البلاد على مدي حوالي 30 عاماً في حالة حرب، وهو ما سوف يؤدي إلى تغيير في طبيعة هذا الشعب.

2. أثر السياسة الهندية على تطور الأزمة الأفغانية

أ. تعد الهند أكبر قوة فاعلة في منطقة جنوب شرق آسيا، وهي تدير سياستها طبقاً لهذا المنظور، خاصة أن التحدي الرئيسي للهند يأتي من جانب جارتها الغربية (باكستان)، حيث استمر الصراع بينهما على مدي 63 عاماً، ومنذ انفصالهما عام 1947، وحتى الآن..

ب. أن للهند توجهاً رئيسياً في أن تصبح القوة الفاعلة – إقليمياً ودولياً – في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي، بل أن تصبح واحدة من القوي الاقتصادية والعسكرية العالمية المؤثرة. وهي في هذا السياق، ومنذ عام 1996، تتبع السياسة التي رسمها رئيس وزرائها في هذا الوقت "أندر كمومار جوجرال" "Gogeral" وتسمي "مبدأ جوجرال" وتعتمد على مناخ سياسي – عسكري آمن، لتحقيق نمو اقتصادي كبير.

ج. ينص هذا المبدأ على: "أن الهند لن تكون قادرة على شغل مكانتها في العالم من دون السلام والاستقرار في جنوب آسيا، وهو ما يعني الانفتاح على جيرانها دون مطالبتهم بالمثل". وكان جوجرال يري أن الهند لو أضاعت جهودها في صراعات مع جيرانها، فإنها لن تصبح قوة عالمية مؤثرة.

د. على الرغم من جهود الهند لتطبيق هذا المبدأ خاصة تجاه باكستان، والذي أتبعته في قمة لاهور عام 1999، وقمة أجرا عام 2001، ومحادثات السلام عام 2004، ثم ضبط النفس بعد أحداث مومباي عام 2008، ثم المحادثات الأخيرة في فبراير2010، إلا أن هناك العديد من السياسات التي تتمسك بها الهند تجاه الأزمة الأفغانية من جانب، ولإضعاف قدرة باكستان في الاستئثار بالقضية، من جانب آخر، وأهمها:

(1) عدم ترك باكستان لاعباً رئيسياً في قضية أفغانستان، بل على الهند أن تجد لنفسها مكاناً متسعاً لفرض الإرادة بما يتناسب مع قدرة الهند وسياستها، نحو تحقيق مصالحها في المنطقة. وفي ذلك فإن للهند تحالفات عديدة داخل أفغانستان لتحجيم أهداف باكستان، في السيطرة المطلقة على الأزمة.

(2) ربط الأزمة في أفغانستان، بمصير قضية كشمير والنزاع الهندي- الباكستاني في هذا المجال، مع المحاولات المستمرة لتحميل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية الضغط على باكستان، لحل قضية كشمير.

(3) محاولة تقليص حجم الدعم الأمريكي لباكستان وتوجيهه نحو الهند، خاصة في مجالات الأبحاث النووية، والاقتصاد، والتكنولوجيا، وبما يحقق الأهداف الهندية، تطبيقاً لمبدأ جوجرال.

(4) استمرار التحريض على أن باكستان تدعم الإرهاب في المنطقة، ولا تتمكن من السيطرة على الداخل، وبما قد يعرض العالم والمنطقة للخطر، فيما لو تمكن الإرهابيون في الوصول إلى مناطق تخزين وإطلاق الأسلحة النووية الباكستانية. والهند تعمل في ذلك من أجل دفع أمريكا للسيطرة على البرنامج النووي الباكستاني لصالح الهند.

3. أثر السياسة الباكستانية على تطور الأزمة الأفغانية

أ. تعد باكستان شريكاً رئيسياً في الأزمة الأفغانية منذ تصاعدها عام 2001، وحتى الآن. وبقدر ما تتطور الأزمة في أفغانستان، تنعكس آثارها في أزمات داخل باكستان، خاصة في المنطقة الجغرافية الشمالية الغربية الباكستانية المتاخمة للحدود الأفغانية.

ب. أن إدارة السياسة الباكستانية تجاه الأزمة الأفغانية تتأثر بالعديد من التفاعلات، وأهمها:

(1) الوضع الديموجرافي في البلاد، حيث يتصاعد التيار السلفي، ويؤثر على استقرار الدولة، وفي الوقت نفس فإن الامتداد القبلي عبر الحدود الباكستانية- الأفغانية، أدى إلى صعوبة السيطرة على هذه المنطقة الحدودية، بل وأدى إلى دعم لنظام طالبان باكستان، الذي يتحالف بدوره مع نظام طالبان أفغانستان، ويجد تأييداً من بعض القيادات العسكرية الباكستانية، الرافضة للتدخل الأمريكي للسيطرة على أفغانستان، أو المرور الأمريكي عبر باكستان ودعم القوات الأمريكية في أفغانستان.

(2) استمرار النزاع مع الهند، واستمرار التحريض الهندي للولايات المتحدة، وتدخلها في الشؤون الأفغانية، ودعم المقاومة في داخل باكستان ضد حكومتها الشرعية، بما يقلص من قدرة باكستان على احتواء الأزمة.

(3) الضغوط الأمريكية المستمرة على باكستان، والدعم الأمريكي للهند في المجال النووي، وحرمان باكستان منه، إلى جانب التأييد الأمريكي للسياسات الهندية، ودعمها اقتصادياً، بينما لا تجد باكستان المعاملة نفسها من الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من الشراكة الفعلية الباكستانية في الحرب على الإرهاب.

(4) تقليص الدعم الصيني لباكستان نتيجة الضغوط الأمريكية على الصين، وكذلك نتيجة للحصار المفروض على عالم الذرة الباكستاني "عبد القدير خان" نتيجة لتسريبه أسراراً ذرية إلى بعض الدول، التي ترى الولايات المتحدة أنها دول شر أو مناوئة.

(5) معاناة باكستان من الاتهامات الموجهة إليها بدعم الإرهاب، والذي تعرضت من خلاله إلى انتقادات عالمية في أعقاب أحداث بومباي الإرهابية في الهند نهاية عام 2008، شاركت فيها السعودية الحليفة لباكستان، وهو ما أدي إلى أن تعترف باكستان، وتقرّ  في 23 فبراير 2009، بأن تلك الهجمات تم التخطيط لها داخل أراضي باكستان، وأنه جرى اعتقال 71 فرداً من أعضاء "جماعة عسكر طيبة"، التي خططت ونفذت هذه العملية.

ج. أدي تصاعد الأزمة في أفغانستان إلى نشوء حرباً داخل القطاع الشمالي الغربي من باكستان، شاركت فيها القوات الباكستانية العسكرية ضد القبائل في مناطق سوات ووزيرستان. كما شنت الطائرات الأمريكية غارات كثيفة ضد المناطق، التي يحتمل أن تتمركز فيها عناصر قيادية من القاعدة أو طالبان، وبما أدي إلى أتساع حجم الخسائر الباكستانية، وترك ذلك آثاره على أعمال المقاومة داخل باكستان نفسها، التي أدت إلى التعرض لقوافل الإمداد الأمريكية- الغربية، والعمل على عرقلة وصولها عبر أراضي باكستان.

د. بوجه عام، وعلى الرغم من التحالف المعلن بين أمريكا وباكستان بخصوص الحرب على الإرهاب، ودعم باكستان للأنشطة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، فإن العلاقات الأمريكية الباكستانية يشوبها الكثير من التساؤلات والظنون، نتيجة لِما يتحقق على أرض الواقع من دعم طالبان باكستان لمثيلاتها في أفغانستان، ولعلاقة المخابرات الباكستانية بطالبان أفغانستان، وبعدم قدرة الجيش الباكستاني على السيطرة المطلقة على مناطق التوتر شمالي غرب باكستان، إلى جانب التوجهات السياسية الباكستانية تجاه عدم الوصول إلى حلول جذرية مع الهند، بشأن مشكلة كشمير.

4. أثر السياسة الإيرانية على تطور الأزمة الأفغانية

أ. كان نظام طالبان في السابق يشكل تحدياً رئيسياً لإيران على حدودها الشرقية. وكانت إيران تعاني من تهديدات على حدودها الغربية من النظام البعثي العراقي، وتهديدات على حدودها الشرقية من طالبان أفغانستان، إلى أن جاء النظام العالمي الجديد ليحل المشكلة الإيرانية برمتها في إزالة النظام العراقي، ونظام طالبان، ومن ثم يحقق للقدرة الإيرانية حرية الحركة للعمل ضد النظام العالمي الجديد، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

ب. في بداية الحرب على الإرهاب دعمت إيران جهود الولايات المتحدة الأمريكية في غزو أفغانستان بأسلوب غير مباشر، وبعدم السماح بالنزوح الجماعي الأفغاني إلى الأراضي الإيرانية؛ ولكن ومع تصاعد المتغيرات، خاصة بعد اكتشاف البرنامج النووي الإيراني، وتوجه إيران نحو اعتلاء دور مهيمن في منطقة الشرق الأوسط، مارست إيران دوراً لاستنزاف جهود الولايات المتحدة في أفغانستان من خلال دعم جماعات المعارضة، بما فيها نظام طالبان.

ج. تستغل إيران الطبيعة الجغرافية لحدودها مع أفغانستان، وعدم إمكان السيطرة عليها بسهولة في بناء العلاقات مع جماعات المعارضة الأفغانية، وإمدادهم بالمال والسلاح، وتدريب جماعات منهم على أعمال المقاومة بكافة أنواعها.

د. لا يطفو الدور الإيراني على سطح الأحداث حتى الآن، إذ يُعد دوراً محدوداً، إلى جانب أن مناطق الحدود الإيرانية ـ الأفغانية تقع في مناطق تسيطر عليها طالبان، ويأتي لها الدعم من عدة جهات أخري، وتشن فيها القوات الأمريكية ـ الأفغانية المشتركة عمليات خاصة، في مناطق هلمند، وقندهار.

هـ. سياسة إيران نحو الأزمة الأفغانية ـ في الوقت الحالي ـ تقتصر على دعم قوي المعارضة للحرب بالوكالة عنها، ضد القوات الأمريكية في أفغانستان.

و. لا شك أن إيران تعاني من تسرب تجارة المخدرات عبر حدودها، نظراً لأن هذه المنطقة الحدودية، تمثل أكبر نزاع لإنتاج وتصنيع المواد المخدرة في أفغانستان.

5. أثر سياسات القوي الكبرى (الصين ـ روسيا) على الأزمة الأفغانية

يتسم دور القوتان بالمراقبة واتخاذ إجراءات تأمين المصالح الذاتية، ولذلك لم تحدث منها أي اعتراضات سياسية على الدور الأمريكي في أفغانستان. غير أن الأدوار الأخرى لتأمين المصالح لا تظهر على سطح الأحداث بصورة إعلامية. وكلتا القوتين لها مصالحها في استنزاف قدرات الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وبما يؤدي إلى تصاعد قواهما في المجال العالمي.

وفي السياق نفسه، فإن روسيا تعاني أشد المعاناة من تسرب مخدر الهيروين، الذي ينتج في أفغانستان إلى أراضيها، وبما يزداد معه عدد المدمنين من الشعب الروسي. وقد طالبت روسيا مؤخراً بعقد مؤتمر لبحث أساليب القضاء على إنتاج وتجارة المخدرات في العالم.

رابعاً: المتغيرات على المستوي العربي، وانعكاساتها على مسار الأزمة

1. ترتبط أفغانستان بالعالم العربي بعلاقات ذات جذور قديمة؛ فهي دولة إسلامية، وجار غير مباشر للعالم العربي، وارتبطت معه بمصالح في فترات متعددة من مسار التاريخ؛ بل إن الحركات الجهادية العربية- الأفغانية استمرت حتى التاريخ المعاصر. وكان للشباب العربي، الذي تطوع لمقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان (1979- 1989)، دور رئيسي في إنهاء هذا الاحتلال، حتى أطلق هؤلاء الشباب "الأفغان العرب"، وقد تحول جزء منهم إلى تنظيم القاعدة، في منتصف التسعينيات من القرن العشرين.

2. يتحدد الموقف العربي المعلن في ضرورة المحافظة على وحدة أفغانستان واستقرارها، وإيجاد حلول سياسية لتنظيم العلاقة بين أطياف الشعب الأفغاني، تحت قيادة أفغانية مسؤولة، مع إنهاء الوجود الأجنبي على أرض أفغانستان، بعد التأكد من تحقيق وحدة الشعب واستقرار الدولة، وإيقاف التدخلات الأجنبية التي تؤدي إلى تمزيق الدولة.

3. يقتصر الدعم العربي لأفغانستان على الدعم المادي والمعنوي، وتوجد مستشفيات ميدانية للدعم الطبي للشعب الأفغاني قدمتها مصر والأردن. والأمة العربية على استعداد لتقديم دعم مادي كبير لاستقرار أفغانستان.

4. تري الأمة العربية، أن الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان، سيؤدي إلى تدمير الدولة، وقيام حرب أهلية طاحنة تقضي على ما تبقي من الدولة، لذلك فإن ضمان استقرار أفغانستان هو شرط للانسحاب الأمريكي منها.

خامساً: المتغيرات في البيئة السائدة داخل أفغانستان، وانعكاساتها على مسار الأزمة

لعبت البيئة السائدة في أفغانستان الدور الرئيسي في وصول الأزمة إلى وضعها الحالي، من التمزق، وفقدان المستقبل، بل الوصول إلى درجة طلب استمرار وجود المستعمر على أرض البلاد؛ لأن رحيله سوف يؤدي إلى قدر أكبر من التمزق والحرب الأهلية. وتتلخص البيئة السائدة في أفغانستان في الوقت الحاضر، وبعد مرور 9 سنوات على الغزو الأمريكي لأفغانستان، من خلال الآتي:

1. تعدد التدخلات الخارجية في السياسة الأفغانية، وفي دعم القبائل، وقوي المعارضة أو القوي الحكومية، بما أدي إلى نشوء مناخ عام تتصادم فيه المصالح الأجنبية في الداخل الأفغاني، خاصة مع النظام القبلي السائد في أفغانستان، وبما قد يؤدي إلى تقسيم أفغانستان؛ إلا أن الشواهد حتى الآن، تشير إلى عدم رغبة أيا من الأطراف في هذا التقسيم.

2. التمزق الشديد في الداخل الأفغاني، بين الشمال والجنوب، والذي من خلاله يسيطر نظام طالبان على أجزاء واسعة من أفغانستان، ووجد لنفسه مقومات الاستمرار والدعم، وجذب عناصر مقاتلة جديدة في صفوفه من الشباب الذي يعاني الفقر الشديد في أرجاء أفغانستان. ولم تفلح العمليات العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في إيقاف امتداد توسعات طالبان في السيطرة على العديد من أقاليم الجنوب، وبما أدي إلى أن تعود طالبان عاملاً رئيسياً في إيجاد حلول للأزمة الأفغانية، وهو بمثابة إعلان عن فشل جهود الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب.

3. انتشار الفساد في أفغانستان، وبما أدي إلى تقييمها في تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في نوفمبر 2010 بأنها تأتي في قائمة أكثر الدول فسادا في العالم بعد الصومال . وأصبح الفساد بمثابة نظام شبكي من الممارسات الفاسدة، التي تحول دون مثول الفاسدين أمام العدالة لأن الجهات المسؤولة عن التصدي للفساد، هي نفسها من تمارسه، بما فيهم قيادة الدولة. وأصبح الفساد جزءاً من الحياة اليومية في أفغانستان، على الرغم من إدعاءات الحكومة أنها أصدرت تشريعات لمحاربة الفساد.

4. تدني ثقة الشعب الأفغاني في حكومته، وتصاعد الغضب الشعبي ضدها، وأنها حكومة يعتقد أنها جاءت من خلال انتخابات مزورة، وأنها تتجه إلى عقد مصالحة مع نظام طالبان الأصولي، والذي سيؤدي إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو، ومن ثم فإن القوميات الأفغانية الشمالية، وهي الأوزبك والطاجيك والهزارة، فضلاً عن أقلية من البشون المناوئين لطالبان، تهدد بإشعال حرب أهلية فيما لو تمت صفقة المصالحة على حسابهم.

5. زيادة تفشي زراعة وتجارة المخدرات في أفغانستان، على الرغم من القوانين التي أصدرتها الحكومة. وتشير تقارير الأمم المتحدة،  أن مساحة الأراضي المزروعة بنبات الخشخاش بلغت عام 2009 حوالي 420 ألف فدان، تمثل حوالي 4% من الأراضي في أفغانستان، وتنتج 7 آلاف طن من الأفيون، الذي يتحول إلى مخدر الهيروين، حيت تنتج أفغانستان أكثر من 95% من الإنتاج العالمي من مخدر الهيروين، وتبلغ عائداتها حوالي 45مليار دولاراً، وتصدر معظم المخدرات للخارج، إلى جانب وجود حوالي 1.3 مدمن من الشعب الأفغاني، يمثلون نسبة 3.7% من إجمالي السكان. ويرتبط التوسع في زراعة المخدرات بالآتي:

أ. الفساد المنتشر في الدولة، وعدم قدرة أجهزة الحكومة على التعامل مع حكام وأفراد مناطق زراعة المخدرات.

ب. تحالف لوردات المخدرات وبعض حكام الأقاليم مع نظام طالبان في توفير الحماية لهم، حيث توظف طالبان عائدات تجارة المخدرات في الصرف على مطالبها العسكرية، وتجنيد الشباب الفقير للانضمام إليها.

ج. لم تفلح الإجراءات الدولية في دعم مكافحة زراعة المخدرات في أفغانستان في تحقيق أهدافها؛ بل إن الأموال التي ضخت من أجل تشجيع المزارعين في استبدال محاصيل زراعية مفيدة بزراعة المخدرات ، بسبب في الفساد المنتشر في أفغانستان.

6. ومن كل ما سبق يتبين أن البيئة الأفغانية تحتاج إلى معالجات جذرية، داخلية وخارجية للخروج من الأزمة المحيطة بالدولة والتي تكاد تقضي عليها.