إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / البوسنة والهرسك (تاريخياً... وعسكرياً... وسياسياً)





"الليرية" ضمن ممتلكات الإمبراطورية
هجرات الصقالبة ومراحلها
هيكل الرئاسة الثلاثية
أراضي أطراف الصراع
البوسنة أثناء حكم الملك تفريتكو
البوسنة أثناء حكم البان" الدوق" كولين
البوسنة تحت سيطرة القوط
البوسنة في القرن الخامس عشر
البوسنة في القرن العاشر
البلقان 1800ـ 1913
انتشار حضارة كريت
الخريطة العرقية للبوسنة والهرسك
الطبيعة الجغرافية
تراجع العثمانيين في أخر الأيام
تعديل الخطة
خطة أوين ـ استول نبرجر سبتمبر 1993
خطة فانس ـ أوين إبريل 1993
سير الفتوح البحرية
قبائل الإلليريين في المنطقة

أهم مدن البوسنة والهرسك
أوروبا عام 1815
أوروبا عام 1871
موقع يوغسلافيا الاتحادية
مراحل الفتح الإسلامي للبوسنة
الهجوم المضاد البوسني والكرواتي
الهجوم الصربي على المناطق الآمنة
الهجوم الكرواتي الصربي
البوسنة والهرسك، كجزء من يوغسلافيا
الدويلة الفيدرالية البوسنية والصربية
توزيع مناطق المسلمين والكروات والصرب
ترسيم الكروات لحدود دويلتهم
ترسيم حكومة البوسنة للحدود
تفكك يوغسلافيا
تقسيم البوسنة بين فيدرالية
جمهورية البوسنة والهرسك
حرب الممرات الثلاثة
خطة احتلال البوسنة والهرسك
شبه جزيرة البلقان



رابعاً: مواقف الدول، الإسلامية والعربية

المبحث السادس عشر

مواقف الدول

أولاً: التنديد الإسلامي بالعدوان

نددت الدول، الإسلامية والعربية، بالاعتداء الصربي على البوسنة والهرسك، حكومات وشعوباً، خصوصاً بعد توجُّه الرئيس البوسني، علي عزت بيجوفيتش، بطلب المساعدة من الدول الإسلامية، وزيارات مفتي البوسنة، ووزير خارجيتها إلى دول العالم الإسلامي، لشرح الاعتداء الصربي.

وكان أبرز المواقف، العربية والإسلامية، موقف كلٍّ من مصر وتركيا وإيران وباكستان والمملكة العربية السعودية. وتحركت الدول الإسلامية داخل مجموعة عدم الانحياز، في المؤتمر، الذى عقد، في 17 يونيه 1992، في مدينة بالي، في إندونيسيا، على مستوى وزراء الخارجية، وإنْ كان المؤتمر لم يذكر، في بيانه الختامي، الاعتداء الصربى، تحديداً.

لقد أكدت قرارات المؤتمر أهمية الاحترام الكامل لوحدة أراضي البوسنة والهرسك، والانسحاب الفوري لكافة القوات الأجنبية من أراضيها. ونوهت بأهمية المحافظة على التراث، الثقافي والحضاري، للبوسنة والهرسك. ودعت إلى الوقف الفوري للمعارك. بيد أنها لم تحدد الجهة المسؤولة عن الفتنة، وعكست رغبة مجموعة عدم الانحياز عن تفتيت يوغسلافيا، ذات الدور البارز في المجموعة، سابقاً.

أمّا مؤتمر وزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي عقد في إستانبول، في تركيا، فقد كان بيانه الختامي أكثر وضوحاً، إذ ندد، علانية، بالاعتداء الصربي على جمهورية البوسنة والهرسك. وطلب فرض حظر، اقتصادي تجاري ودبلوماسي ونفطي، على دولة الاتحاد الجديدة، المكونة من الصرب والجبل الأسود. وطالب بعدم الاعتراف بها، كوريث للدولة الاتحادية اليوغسلافية السابقة. ودعا الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إلى اتخاذ إجراءات أشد، إذا لم تحقق العقوبات هدفها. وتحركت المجموعة، العربية والإسلامية، في مجلس الأمن، للضغط من أجْل اتخاذ قرار ضد الصرب وهو ما حمل مجلس الأمن على إصدار عدة قرارات، كان أهمها القرار 757، في 30 مايو 1992.

وبادر بعض الدول الإسلامية إلى إجراءات أكثر فاعلية؛ إذ سحب كلٌّ من مصر وإيران والسودان سفيرها لدى بلجراد. ونددت مصر، كذلك، على لسان وزير خارجيتها، عمرو موسى، بالاعتداء الصربي على البوسنة، وطالبت المجتمع الدولي، ومجلس الأمن باتخاذ إجراءات حاسمة، بما فيها الخيار العسكري، لردع صربيا.

وعلى الرغم من أن حصيلة مواقف الدول العربية والإسلامية، تشير إلى اتفاقها على تكييف الصراع، وتحميل صربيا مسؤوليته، والمطالبة بعمل عسكري، يندرج تحت المادة 42، من الفصل السابع، إلاَّ أن موازين القوى الدولية، لم تمكن الدول، الإسلامية والعربية، من اتخاذ عمل إنفرادي ضد صربيا.

ومما يذكر أن اتفاق الدول، العربية والإسلامية، حول موقف موحد، في شأن أزمة البوسنة، يرجع، إلى حدٍّ كبير، إلى إدراكها، أن الصراع اتخذ صبغة دينية، وتأكد ذلك بمراهنة حكومة البوسنة على الدور الإسلامي لوقف القتال، ومساعدتها، عسكرياً واقتصادياً. وفي المقابل، حرصت الدول الإسلامية على تأكيد أن دورها، سيكون في إطار الشرعية الدولية، أي من خلال الأمم المتحدة، وفي مرحلة تالية، دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى عمل عسكري لوقف القتال.

وبدا واضحاً فشل المحاولات، التي بذلتها إيران لأداء دور مباشر في الصراع؛ إذ منعت القوات الغربية وزير الخارجية الإيراني من دخول البوسنة، في 27 أكتوبر 1992.

ودأبت الدول الإسلامية في التحرك، في إطار الشرعية الدولية، فطالب المؤتمر الإسلامي، الذي عقد في جدة، في الأول من ديسمبر 1992، مجلس الأمن بإصدار تفويض فوري، لاستخدام القوة ضد الصرب، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما طالب بتقديم شحنة محدودة من أسلحة الدفاع عن النفس، إلى المسلمين. أمّا رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد بعث، في 4 فبراير 1993، برسالة إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، محتجاً على خطة فانس ـ أوين، التي تصادق على سياسة التطهير العرقي، التي مارسها الصرب ضد المسلمين. وعندما بدأت الأمم المتحدة تدرس الخيار العسكري، بدا واضحاً، أن الدول الغربية تعارضه، ولا سيما بعد تهديدات اليونان وروسيا بالوقوف إلى جانب يوغسلافيا الجديدة، وتهديد الصرب بتصعيد القتال في البوسنة، ضد المسلمين والكروات، في حالة استخدام القوة العسكرية. وانتهى الأمر، آنذاك، إلى الاتفاق على عدم اللجوء إلى القوة، بعدما نجحت الدول المعارضة لاستخدام القوة في إقناع سائر دول المجموعة الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية برفض الخيار العسكري.

هكذا، واجهت رغبة الدول الإسلامية في دفع المجتمع الدولي إلى التدخل عسكرياً، من أجْل وقف القتال في البوسنة، العديد من الصعوبات. ولذلك، اقتصر دورها على بعض المساعدات العسكرية المحدودة، وبعض المتطوعين، الذين شكلوا قوات "مجاهدين"، حاربت في صفوف المسلمين، وهو الأمر الذي ساعد الصرب على تأكيد الطابع الديني للحرب، وأن معاركهم، إنما هي للحيلولة دون قيام دولة إسلامية أصولية في قلب أوروبا. وهو ما أكده وزير الخارجية اليوغسلافي، بقوله: "إن يوغسلافيا، لن تسمح للمتطرفين المسلمين، بأن يغيروا تاريخها الطويل".

وفي عام 1993، سعت الدول الإسلامية، مع مجموعة الدول غير المنحازة، الأعضاء في مجلس الأمن، إلى إعداد مشروع قرار مضادّ لإستراتيجية الاحتواء، الأمريكية ـ الروسية ـ الأوروبية. وهو المشروع الذي عكف على صياغته كلٌّ من باكستان والمغرب وجيبوتى والرأس الأخضر وفنزويلا. ويركز في عرض المساهمة في قوات الحماية الدولية، مع توسيع صلاحياتها، لتشمل الأقاليم الثلاثة، المخصصة لمسلمي البوسنة، وفق خطة فانس ـ أوين، وذلك حتى لا يترسخ الأمر الواقع، الناجم عن سياسة التطهير العِرقي.

وفي جدة، جددت منظمة المؤتمر الإسلامى رفضها لخطة تقسيم البوسنة. وقالت على لسان أمينها العام، الدكتور حامد الغابد، إنها ترفض الخطة، التي تروج لها حكومات معينة في أوروبا، لأن هذه الخطة غير عادلة، ولا عملية. ونوه الغابد، في هذا الصدد، بالتحفظات، التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية، من الخطة، وأعرب عن مساندة المنظمة لدعوة الرئيس بيل كلينتون إلى بذل جهود جديدة، تشترك فيها روسيا، لوضع خطة سلام مقبولة.

أمّا بالنسبة إلى تركيا، فعلى الرغم من أن مسلمي البوسنة والهرسك، يشكلون بقايا الإمبراطورية العثمانية على هذه الأراضي، إلاَّ أن تركيا لم تكن تستطيع اتخاذ موقف جادّ في مصلحة مسلمي البوسنة، على غرار موقفها إلى جانب آذربيجان، في صراعها ضد أرمينيا، حول إقليم ناجورنو كاراباخ. وذلك حتى لا تتهم، من جانب الدول الأوروبية، بأنها تحتضن "الأصولية الإسلامية"، أو أنها تساند بقايا إمبراطوريتها القديمة، مما يزيد من المصاعب أمام احتمالات ضمها إلى المجموعة الأوروبية. وسارعت إلى إصدار بيان، أكدت فيه، أن تدخلها العسكري، لن يكون إلاَّ في إطار المجتمع الدولي، تحت مظلة الأمم المتحدة.

وحرصت تركيا على أن يكون دورها، في صراع البوسنة والهرسك، داخل إطار حلف شمال الأطلسي، ومجلس الأمن، في محاولة للدفع في اتجاه عمل عسكري ضد العدوان الصربي. فقدمت، في أغسطس 1992، "مشروع عمل" إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ينص على قصف طائرات عسكرية مواقع المدفعية الصربية، حول سراييفو. بعد ما اتضح لها اتساع نطاق التـأييد الإقليمي للجانب الصربي، من قِبل دول بلقانية، كاليونان وبلغاريا ورومانيا، وقوى أخرى كبرى، وفاعلة، مثل روسيا الاتحادية.

ولذلك، اصطدمت جهود المجموعة الأوروبية بمواقف متشددة، من جانب مؤيدي الصرب، للحيلولة دون إيجاد مواقف متشددة ضد صربيا وصرب البوسنة. ففي الوقت الذي وقفت فيه اليونان ضد محاولات المجموعة الأوروبية اتخاذ مواقف متشددة ضد الصرب، فإن روسيا تكفلت بالحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن باستخدام القوة ضد يوغسلافيا الجديدة (صربيا والجبل الأسود).

ثانياً: جهود إسلامية

لم تستطع القيادات العربية والإسلامية، أن تعزل نفسها، أو أن تبتعد عن مسيرة الأحداث في إقليم البوسنة المنكوب أهله. فانطلق التحرك العربي والإسلامي لمواكبة أحداث البوسنة والهرسك، منذ بدايتها. وكان للجامعة العربية، ومنظمة الدول الإسلامية، مواقفهما. من ذلك، على سبيل المثال، ما دار في المحادثات المصرية ـ البولونية، التي جرت في القاهرة (يوم 17مايو 1992) حيث أعلن وزير الخارجية المصرية، عمرو موسى، مطالبة بلاده ببقاء قوات الأمم المتحدة في جمهورية البوسنة والهرسك، لحماية شعبها  وحدودها. وأن مصر لن تظل مكتوفة الأيدي تجاه ما يجري فيها. وأكد وجود تحالفات ضد البوسنة والهرسك، واعتداءات ضد المسلمين فيها. ووصف،  عمرو موسى، الأوضاع هناك بأنها مؤسفة للغاية، مشيراً إلى ضرورة وقف الاعتداءات بأسرع ما يمكن. وقال: "إن مصر تتابع باهتمام بالغ التطورات في البوسنة، وتحتج عليها. وأوضح أن هذا الاهتمام، لا يشمل الاعتداءات على المسلمين وحسب، بل تلك التي يتعرض لها السكان عموماً".

وفي يوم 20 مايو 1992، أكد مصدر مسؤول في منظمة المؤتمر الإسلامي، في جدة، أن مشاورات عاجلة، تجري بين الدول الأعضاء، من أجل عقد اجتماع استثنائي، على مستوى وزراء الخارجية، للبحث في الوضع الخطير في جمهورية البوسنة والهرسك.  وأن السعودية ومصر وإيران قد أعربت عن تأييدها لعقد المؤتمر. وذكر أن المنظمة طلبت إلى الدول الأعضاء، الاعتراف بالاتحاد اليوغسلافي الجديد، الذي يضم جمهورية الصرب والجبل الأسود، وسحب السفراء من بلجراد، أو خفض مستوى التمثيل الديبلوماسي. وصرح مستشار الرئاسة في جمهورية البوسنة والهرسك، خير الدين سايمون، أن طلب منظمة المؤتمر الإسلامي من أعضائها سحب سفرائهم من بلجراد، يشكل خطوة مهمة على طريق التصعيد مع جمهورية الصرب، لوقف العدوان المستمر على المسلمين في البوسنة والهرسك. وأشاد خير الدين سايمون ببشائر التحرك الإسلامي الواسع، لوقف العدوان الصارخ على الجمهورية المستقلة، وأن لهذا التحرك تأثيراً كبيراً في رفع الروح المعنوية للمدافعين عن سيادة الجمهورية واستقلالها. وأضاف: "علمنا، أخيراً، أن سفراء السودان والأردن وإيران، سيغادرون بلغراد فوراً. وأنه من المتوقع أن ينضم إليهم، قريباً، سفراء آخرون".  وكان ممثلو البلدان الإسلامية في الأمم المتحدة، اجتمعوا في نيويورك، في منتصف، مايو، وطالبوا بإدانة الصرب لكونها المسؤولة عن تدهور الوضع في البوسنة والهرسك، وعدم الاعتراف دوليا بيوغسلافيا الجديدة. ومن جهة أخرى، دعا شيخ الأزهر، جاد الحق علي جاد الحق، المسلمين إلى التضامن في مواجهة أحداث البوسنة والهرسك، وإقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء المسلمين، عقب صلاة الجمعة 22 مايو 1992. وجاء في بيان الأزهر: "لا تزال الأنباء تترى عن تصاعد المحن التي ابتلي بها المسلمون في أنحاء العالم. لا سيما هذه المحنة الحادة في جمهورية البوسنة والهرسك".  وانتقد البيان موقف المنظمات الدولية، والأمم المتحدة، بقوله: "تواترت الأنباء عن انسحاب قوات الأمم المتحدة، وتوقف الوساطة بين المتقاتلين، من الجهات الدولية المسؤولة والمؤثرة كافة. ورأى أن ذلك يدعو الأمة الإسلامية، بكافة شعوبها، لأن تستبصر أمورها؛ وتسارع إلى التضامن في مواجهة هذه الأحداث، "ونجدة المضطهدين في أوطانهم، وإغاثتهم بما يحفظ لهم حياتهم وديارهم".

لقد كان قادة المسلمين، في البوسنة والهرسك، يعلقون الأمل على تحرك العالم الإسلامي. فركزوا جهدهم الديبلوماسي لتكثيف اتصالاتهم مع عواصم العالم الإسلامي، وبخاصة تركيا، بحكم الجوار الجغرافي والاتصال التاريخي. وضمن هذا الإطار، قام نائب رئيس وزراء البوسنة والهرسك، محمد جينجيتش، بزيارة تركيا، بهدف: "إقناع سلطات أنقرة، بالتدخل لدى إيران، وإقناعها بوقف شحنات النفط إلى صربيا؛ إذ إن وقود الدبابات الصربية، التي تدمر قرى البوسنة والهرسك؛ والطائرات الصربية التي تقصف مدنها هو وقود إيراني وليبي. وأن البوسنة والهرسك تتوقع من الدول الإسلامية، أن تقف إلى جانبها، أو أن تلتزم على الأقل الحياد". وأضاف محمد جينيكيتش قوله: "من المدهش، أن تستمر إيران في اعتبار صربيا صديقاً وشريكاً قوياً. وعلى إيران عدم الاعتراف بصربيا، كوريثة ليوغسلافيا".

وعلى الرغم من عدم اعتراف ليبيا وإيران بصربيا، على أنها الوريثة الشرعية للاتحاد اليوغسلافي المنحل؛ إلا أنهما استمرتا في تعاملهما مع صربيا، كمثل ما كانتا تتعاملان مع يوغسلافيا. إذ إن أكثر من ثلثي النفط، الذي تستهلكه صربيا، أتى من إيران وليبيا. وإن كميات محدودة جداً منه، تأتي من العراق. وتشير الإحصاءات الرسمية الإيرانية، إلى أن إيران كانت تصدر 55 ألف برميل، بصورة متوسطة، من النفط الخام، يومياً، إلى صربيا، في الفترة ما بين يونيه 1991 وفبراير 1992. ومقابل ذلك، استوردت إيران، ومنذ 12 عاماً، أنواعاً من الأسلحة من يوغسلافيا (سابقاً)، منها دبابات (ت72) ومدافع بعيدة المدى ورشاشات خفيفة. وتصدر إيران إلى يوغسلافيا، علاوة على النفط الخام، مركبات النقل، وعربات نقل الجند والمواد الغذائية. فكانت يوغسلافيا سادس أكبر شريك تجاري لإيران، وبلغت قيمة التجارة الإيرانية ـ اليوغسلافية، في عام 1990، مبلغ 827 مليون دولار. وحظيت صربيا، بعدئذ، بدعم إيران وليبيا والعراق ورومانيا واليونان (التي تأمل في اقتسام مقدونيا مع صربيا).

عقد، بعد ذلك، الاجتماع الطارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في استانبول، على مستوى وزراء الخارجية. وألقى وزير خارجية البوسنة والهرسك، حارس سيلاديتش، كلمة، يوم الافتتاح، جاء فيها: "إننا ندعو لتدخل عسكري دولي في البوسنة والهرسك. ونأمل مساهمة دول المنظمة ومشاركتها في هذا التدخل". أما وزير الخارجية التركية، حكمت تشيتين، فقد صرح بما يلي: "إذا لم تحقق عقوبات الأمم المتحدة أي نتائج، فيجب اتخاذ المزيد من الإجراءات، التي ستؤيدها وتساهم فيها منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تضم 47 دولة، ولا تملك خططاً رسمية. وهي تقترح تدخلاً عسكرياً من جانب الأمم المتحدة، أو تضع مهلة نهائية لنجاح العقوبات". وعندما صدر البيان الختامي للمؤتمر، يوم 18 يونيه 1992، جاء فيه: "إن منظمة المؤتمر الإسلامي، تدين بشدة العدوان الصربي، وعدم امتثال القيادة الصربية، سواء في بلغراد أو في البوسنة والهرسك، للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن؛ التي تستند إلى المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والخاصة بالعقوبات الاقتصادية. وإن منظمة المؤتمر الإسلامي، تحض مجلس الأمن على الاستناد إلى المادة 42 من الفصل السابع، التي تدعو لاتخاذ عمل منسق، بواسطة قوات جوية أو بحرية أو برية، بغية ضمان السلام والأمن الدوليين. وذلك ما أن يتبين عدم ملاءمة الوسائل، التي نصت عليها المادة 41. وإن السلطات الصربية، في كل من بلغراد، والبوسنة والهرسك؛ تتحمل المسؤولية الكاملة عن الفظائع، التي يرتكبها الجيش الاتحادي اليوغسلافي والقوات الصربية، غير النظامية، ضد المسلمين والكرواتيين في البوسنة والهرسك؛ وعن عرقلة ومنع وصول الأغذية وإمدادات الإغاثة أيضً إلى الشعب، الذي يتضوّر جوعاً وضحايا الصراع؛ مما يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني. ونذكّر تلك السلطات أنها ستتحمل تبعة جرائم الحرب".

طلبت منظمة المؤتمر الإسلامي، بعدئذ، يوم 16سبتمبر 1992، استبعاد جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (الصرب والجبل الأسود) من جميع هيئات الأمم المتحدة. فيما أيدت المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، صدور قرار يتعلق بذلك عن مجلس الأمن الدولي.

قد يكون من الصعب تقويم الموقف الأمريكي بدقة، تجاه دور العالم الإسلامي، والدول العربية، من أحداث البوسنة والهرسك. ففي يوم 2 يوليه 1992، وقف مساعد وزير الخارجية الأمريكي، السفير إدوارد جرجيان، ليدلى بتقريره أمام اللجنة الفرعية لأوروبا والشرق الأوسط، التابعة للجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس. وكان مما قاله: "إن العالم الإسلامي، والعالم العربي بخاصة، مهتم كثيراً بما يحدث في البوسنة والهرسك. وإن دولاً، مثل السعودية، أبدت اهتماماً بمصير السكان المسلمين في تلك المنطقة من البلقان. وإن واشنطن ترحب بالموقف البناء من جانب دول الخليج في البلقان؛ لضمان قيام أجواء من الاعتدال، وحصول تطور سلمى في تلك المنطقة من العالم. كما تشيد بالموقف البناء، الذي اتخذته المملكة العربية السعودية، في الحض على إيجاد حل سلمي للنزاعات، وتخفيف معاناة السكان، خصوصاً في البوسنة والهرسك".

وأمام التصعيد المستمر للصراع، ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وأمام الحصار، الذي فرضه الصرب على سيراييفو، فقد وجهت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في جدة، الدعوة، يوم 31 أغسطس 1992، لعقد اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الدول الإسلامية، في جدة، يومي 12 و 13 سبتمبر، للبحث في أوضاع جمهورية البوسنة والهرسك، وسبل تقديم المزيد من الدعم السياسي والمادي إلى مواطنيها، الذين يواجهون الاعتداءات الصربية. وذكر أن المملكة العربية السعودية، أبدت استعدادها لاستضافة المؤتمر الوزاري الإسلامي في جدة. وتقرر أن يبحث وزراء خارجية 47 دولة إسلامية، سُبُل مضاعفة الدعم السياسي والمادي لمواطني البوسنة والهرسك، وتصعيد الضغوط السياسية والاقتصادية على جمهورية اتحاد الصرب والجبل الأسود، وحض الدول الكبرى على اتخاذ تدابير عسكرية فاعلة، لإنقاذ مواطني البوسنة من الحصار والعدوان والتهجير، وتأكيد مقررات اجتماع استانبول، التي اتخذت يومَي 17 و18 يونيه 1992، والتي تضمنت دعوة مجلس الأمن إلى اتخاذ عمل عسكري ضد الصربوالجبل الأسود، وذلك ما أن يظهر عدم ملاءمة القرارات السابقة لمجلس الأمن، التي تفرض عقوبات إلزامية شاملة على الصرب، وفق المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وذكر، بعدئذ، أن المشرف على مكاتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، في البوسنة والهرسك وكرواتيا وسلوفينيا، الدكتور عبد الله العبدان، والمسؤول عن اللاجئين في الحكومة الكرواتية، الدكتور ألبرت ربيتش، وقّعا، يوم الأربعاء 5 أكتوبر 1992، اتفاقاً لرعاية مهجّري البوسنة والهرسك في زغرب، وعددهم 90 ألف لاجئ، وذلك في عملية تستلزم ستة ملايين دولار شهرياً. وتقضي المرحلة الأولى من الاتفاق برعاية أربعة مخيمات، تضم 1300 مهجّر.  وكانت قد وصلت، قبل ذلك بيومين، إلى ميناء سبليت الكرواتي، الباخرة السعودية "عرب هند"، حاملة 5200 طن من المساعدات الغذائية، من حكومة المملكة العربية السعودية، لإنقاذ شعب البوسنة. وأعقبتها باخرة أخرى تحمل 20 ألف طن من المساعدات، في إطار استعدادات هيئة الإغاثة الإسلامية، لمواجهة فصل الشتاء.

يمكن، ضمن هذا الإطار، الإشارة إلى ما أعلنه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حامد الغابد، في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، يوم 9 نوفمبر 1992، أن وزراء خارجية دول المنظمة، سيبحثون في دعم مسلمي البوسنة والهرسك عسكرياً، عندما يعقدون اجتماعهم الاستثنائي في السعودية، في مطلع شهر ديسمبر 1992. وأن المؤتمر سيناقش تقديم كل الوسائل المتاحة، لمساعدة أشقائنا في البوسنة والهرسك، في مواجهة العدوان الصربي. وهناك توجه من قبل جميع أعضاء المنظمة إلى تقديم المساعدات، على المستويين الثنائي والجماعي، لتمكينهم من الدفاع عن أراضيهم. وسيفعل العالم الإسلامي أقصى ما يمكن عمله، لحماية الشعب البوسني، ورفع حظر تزويده بالأسلحة. ويشار، هنا، إلى أن رئيس جمهورية البوسنة والهرسك، علي عزت بيجوفيتش، قد صرح، خلال زيارته الإمارات العربية المتحدة: "بأن البلدان الإسلامية، لا تفعل ما فيه الكفاية لمساعدة البوسنة والهرسك، التي لديها جيش من ستين ألف رجل. إضافة إلى مائة ألف من الاحتياطي لكن التسليح ينقصهم".  وأوضح الغابد أن منظمة المؤتمر الإسلامي، شكلت لجنة اتصال من سفراء إيران والسعودية وباكستان وتركيا والسنغال لدى الأمم المتحدة في نيويورك، من أجل الضغط على المنظمة الدولية، لرفع حظر الأسلحة عن البوسنة؛ والتدخل عسكرياً لوقف الحرب.

استمرت الجهود الإسلامية في متابعة مساراتها. وكان من بينها، ما أعلن، يوم 21 أكتوبر 1992، أن: "إيران قدمت عبْر مندوبها الدائم لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، الدكتور صباح زنكنة، مذكرة رسمية، طالبت فيها بعقد اجتماع، فوري طارئ، لوزراء خارجية البلدان الإسلامية، للبحث في وضع المأساة في جمهورية البوسنة والهرسك، وذلك لأن الصرب مستمرون في عدوانهم، على الرغم من قبولهم نتائج مؤتمر لندن الدولي، الذي عقد في 26 أغسطس 1992. وهذا مما يستدعى المطالبة بإلغاء الحظر، المفروض على إرسال السلاح إلى البوسنة والهرسك". وذكر أن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حامد الغابد، بعد تسلمه للمذكرة الإيرانية، أعرب عن أمله عقد الاجتماع الطارئ، في أسرع وقت ممكن، إضافة إلى عقد اجتماع، يضم منظمات الإغاثة للبلدان الإسلامية في مقر المنظمة، في جدة، للبحث في كيفية إغاثة مسلمي البوسنة والهرسك، من دون وجود أطراف وسيطة. وأعلن في اليوم عينه، عن توجه قافلة مشتركة لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، والهيئة العليا لجمع التبرعات، ومقراهما في جدة والرياض في المملكة العربية السعودية، نحو ميناء، سبليت، الكرواتي، المطل على البحر الأدرياتيكي. وتحمل القافلة مساعدات إنسانية عاجلة، من أغذية وأدوية وملابس وأغطية، تم شراؤها من ألمانيا والدول المجاورة، إلى اللاجئين المسلمين، داخل البوسنة والهرسك وخارجها، لمواجهة فصل الشتاء، ومن بينها المساعدات، التي تبرع بها الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

تجدر الإشارة، هنا، إلى أن هذه الجهود الإسلامية، قد أحيطت بنطاق من التعتيم الإعلامي العالمي، للانتقاص من قيمتها وأهميتها. ومن الغريب في هذا الأمر، أن مراكز الإغاثة الدولية؛ ومنظماتها، كانت تتوجه للحصول على الدعم من الأقطار الإسلامية، لتقدمها تحت واجهة إنسانية، دولية، لتحرمها من سمتها الإسلامية. ولكن منظمة المؤتمر الإسلامي، قد أدركت هذه الحقيقة، فسارعت إلى تنظيم "هيئة إغاثة إسلامية"، بهدف دعم الروابط الإسلامية. وهذا بدقة ما أوضحه الرئيس البوسني، علي عزت بيجوفيتش، في تصريح له، يوم 19 أكتوبر 1992، حين قال: "إنني أشكر تلك المساعدات الإنسانية، التي قدمها المجتمع الدولي؛ وأشيد، بإعجاب، بالجهود الكبيرة، التي تبذلها هيئات الإغاثة الإسلامية. وقد قدمت هذه الهيئات الكثير من المساعدات، التي تشكل عنصراً حيوياً لجمهورية البوسنة والهرسك وشعبها. لكن الإعلام بهذه المساعدات محدود جداً؛ وسنبذل الجهود لتحسين الوضع، لأن الكثيرين في العالم، لا يعرفون شيئاً عن المساعدات الإنسانية للبوسنة والهرسك". لم تكن جهود المسلمين لدعم إخوانهم في البوسنة والهرسك، مادية فقط، ولا رسمية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى مستوى جماهير المسلمين، التي كانت تتابع، في كل أرجاء الدنيا، ما يحدث للمسلمين هناك. ولئن تركزت الجهود الدولية لحرمان جماهير المسلمين من تقديم ما تستطيع إلى إخوانهم، فقد وجدت رغبة تلك الجماهير مجالات للتعبير عن وجودها.

واجهت أوروبا، والصرب خاصة، مسألة مساعدة المسلمين لإخوانهم في البوسنة والهرسك، بضجيج انفعالي مثير؛ وبحملات إعلامية منظمة ضد "تدخل المسلمين في القتال". وقد رد الرئيس البوسني، علي عزت بيجوفيتش، على ذلك بقوله: "نحن لا نطالب أحداً بأن يأتي إلى البوسنة ليقاتل معنا، لأن لكل إنسان حقه في أن يدافع عن العدالة. ولذلك لا نرفض أي قادم إلينا من الدول الإسلامية. وهناك في أوروبا من يعد وجود مجاهدين من الدول العربية والإسلامية، دليلاً على مطامح في إقامة "جمهورية أصولية" في البوسنة. إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون محاولات من الجهات المعادية، لإثارة المخاوف التاريخية في أوروبا من الإسلام والمسلمين. وإني أوجه شكراً خاصاً إلى إخواننا في البلدان العربية والإسلامية، الذين ساعدونا منذ اليوم الأول للحرب.

إن الشعب البوسني، يأمل الحصول على التأييد السياسي، لإنهاء العقوبات، التي فرضتها الأمم المتحدة، والتي حرمت المسلمين من الحصول على السلاح لقتال الصرب، الذين يعارضون استقلال جمهورية البوسنة والهرسك. نحن نحتاج إلى الأسلحة، وسنقبل هذه الأسلحة من أي طرف يقدِّمها إلينا. كذلك يأمل شعب البوسنة الحصول على المعونات الإنسانية، لإغاثة اللاجئين والمشردين؛ في ظروف الشتاء القارس؛ إذ زاد عدد اللاجئين على 1.3 مليون شخص؛ بينهم حوالي أربعمائة ألف لاجئ في كرواتيا".  وأُعلن أن الرئيس البوسني، علي عزت بيجوفيتش، التقى، أثناء زيارته الإمارات، ممثلي الجمعيات الخيرية، الذين قاموا بحملات واسعة لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة. وكان مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وسلطنة عمان، والبحرين، والكويت، قدَّم معونات، قدرت بمائة مليون دولار، كما أرسل إمدادات إغاثة إلى العاصمة البوسنية المحاصرة، سيراييفو. وكان في جملة ما قدَّمه المسلمون في العالم إلى إخوانهم في البوسنة والهرسك؛ ذاك التحرك الجماهيري في كل مكان استطاع فيه المسلمون التعبير عن غضبهم، لما نزل بإخوانهم من صنوف البلاء، فكانت تلك المظاهرات الصاخبة، التي عرفها كثير من عواصم العالم؛ ومنها ما ذكر يوم 6 نوفمبر 1992، "أن المكتب الإسلامي للثقافة والإعلام، في لندن، قد نظم اعتصاماً أمام منظمة الأمم المتحدة في العاصمة البريطانية؛ تضامناً مع مسلمي البوسنة والهرسك؛ واستنكاراً للمجازر الجماعية، التي يتعرضون لها على أيدي الصرب". وأصدر المكتب الإسلامي بياناً " أدان فيه سكون الأسرة الأوروبية، وتقاعس الأسرة الدولية تجاه هذه الاعتداءات اللاإنسانية". وجاء في البيان: "إننا ندعو للاعتصام، الذي يبدأ في الواحدة والنصف وحتى الثالثة من يوم الجمعة 6 نوفمبر 199، تضامناً مع المسلمين المظلومين في البوسنة والهرسك، الذين يتعرضون لإبادة شاملة، تستهدف استئصال الإسلام من أوروبا، وبأبشع الوسائل ولنشجب ونستنكر المجازر الجماعية، التي يرتكبها الصرب، على مسمع وتحت أنظار الأسرة الدولية، التي تلتزم الصمت تجاه هذه الاعتداءات اللاإنسانية".  ولكن، لا الجهود الرسمية، ولا الجهود الجماهيرية، ولا الجهود الفردية، عبر التبرعات، وحتى الالتحاق بالمجاهدين البوسنيين، استطاعت أن تخفف  من معاناة المسلمين في البوسنة والهرسك؛ ولا هي تمكنت من إحباط المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين.

ثالثاً: المؤتمر الإسلامي في جدة

أعلن في جدة، يوم 5 نوفمبر 1992، أنه بمبادرة من عاهل السعودية، الملك فهد بن عبدالعزيز، تقرر عقد مؤتمر لـ "منظمة المؤتمر الإسلامي"، في يومَي 1، 2 ديسمبر 1992، "للبحث في محنة المسلمين في البوسنة والهرسك". وأوضح الأمين العام للمنظمة، حامد الغابد، الذي أعلن النبأ من مقر المنظمة في جدة، أن وزراء خارجية دول "منظمة المؤتمر الإسلامي"، سيبحثون في مؤتمرهم: "التدهور الخطير للوضع في البوسنة والهرسك، نتيجة استمرار العدوان الصربي، والإجراءات الواجب اتخاذها، والتي يمكن لها أن تتيح، بسرعة، فرصة إنهاء الكابوس الجاثم على صدور أهل البوسنة. وأنه من المتوقع أن تطرح بقوة فكرة تشكيل قوات إسلامية، للمشاركة في الدفاع عن مسلمي البوسنة والهرسك، أو ممارسة ضغوط دولية، لرفع الحظر المفروض على إدخال السلاح إلى هذه الجمهورية".

ولقد جاءت مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز، استجابة لنداءات مسلمي البوسنة، الذين طلبوا، مرات متتالية، إلى البلدان الإسلامية، إمدادهم بالأسلحة والذخيرة. إلا أن أي دولة، لم تظهر أي التزام رسمي في هذا الشأن. وصادف، في اليوم عينه، (5/11/1992) أن صدر في العاصمة الإيرانية، طهران، نبأ جاء فيه: "إن القوات المسلحة الإيرانية، تعلن استعدادها لمساعدة مسلمي البوسنة على حربهم ضد قوات الصرب. ولن تبخل قيادة القوات المسلحة الإيرانية، في تقديم أي نوع من المساعدة، المادية أو المعنوية، لمساعدة الشقيقات والأشقاء المسلمين في البوسنة والهرسك".  وفي اليوم نفسه أيضاً، كان الرئيس التركي، سليمان ديميريل، يستقبل، في أنقرة، رئيسَي المؤتمر الدولي، الخاص بيوغسلافيا (سابقاً)، الوسيطين ديفيد أوين وسايروس فانس، اللذين صرحا لدى وصولهما أنقرة: "أنهما ما زالا يأملان التوصل إلى حل سياسي في البوسنة والهرسك، وأن المحادثات مستمرة بين المسلمين والكروات والصرب، من أجل إيجاد حل دستوري، إلا أن العملية ليست سهلة". أما الرئيس التركي، فقد تضمن تصريحه ما يلي: "إنني أوجه الدعوة إلى المجتمع الدولي، للاضطلاع بمسؤولياته، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، من أجل وقف الفظائع، التي يرتكبها الصرب في البوسنة. ولقد خرقت بلغراد الحظر، الذي فرضته الأمم المتحدة على، يوغسلافيا، وحصلت على بعض الوسائط القتالية الإستراتيجية. ويملك الصرب أسلحة، في حين أن البوسنيين لا يملكونها، إضافة إلى أن الصرب، يستخدمون الحظر لقتل البوسنيين".

أعلن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حامد الغابد، في اليوم التالي (7/11/1992)، أن الملك فهد، قد أجرى اتصالات دبلوماسية، شخصية، للتشديد على ضرورة حل مشكلة البوسنة والهرسك، بما يضمن حقوق الشعب المسلم هناك، ويضع حداً للمعاناة اليومية، والقتل الذي يتعرض له. وأن الاتصالات السعودية، تتواصل، سواء بالدول الأعضاء في المنظمة، أو بعدد من الدول الأوروبية، لشرح خطر الأوضاع المأساوية، التي يتعرض لها مسلمو البوسنة، وتأثير ذلك في العلاقات، التي تربط بين دول العالم الإسلامي والأسرة الأوروبية.

وذكر أن وزير الدولة الباكستاني للشؤون الخارجية، محمد صديق خان كانجو، قد التقى بنظيره السعودي، الأمير سعود الفيصل، في جدة، ضمن إطار الجهود المكثفة، التي تبذلها المملكة لضمان نجاح الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول الإسلامية، "منظمة المؤتمر الإسلامي". وقد أعلن الوزير الباكستاني، في الرياض: "أن الباكستان مستعدة لإرسال قوات مسلحة، للدفاع عن مسلمي البوسنة والهرسك، إذا طلب منها ذلك (؟). ولقد جرى البحث مع وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، في تأمين آلية تنشيط القرارات، التي سيتخذها اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي، كي تكون نافذة ومؤثرة، لإنقاذ مسلمي البوسنة. ومطلوب من الأمم المتحدة، تطبيق العدالة، ورفع حظر الأسلحة المفروض على جمهورية البوسنة والهرسك، والسماح لشعبها بالحصول على العتاد الحربي، كي يستطيع الدفاع عن وجوده في مواجهة العدوان الصربي. وهناك دعوة لتشكيل قوات إسلامية للدفاع عن المسلمين. وهي فكرة جيدة تدعمها الباكستان. وإننا نستنكر وقوف المجتمع الدولي موقف المتفرج إزاء شعب يتعرض للإبادة، فأين قوانين حقوق الإنسان، التي يرفعها العالم المتمدن؟  ونحض البلدان الإسلامية على تحمل مسؤوليتها، في نصرة شعب البوسنة والهرسك، الذي تكالب عليه الصرب، وبرد الشتاء، والمؤامرات الدولية. وتنتظر شعوب الأمة الإسلامية، أن يخرج وزراء خارجية البلدان الإسلامية بتوصيات عملية، بعيداً عن الشجب والاستنكار". وفي الوقت عينه، صرح حامد الغابد بما يلي: "إن مجلس الأمن مطالب باتخاذ عقوبات صارمة، ضد العدوان الصربي. وستوجه الدعوة إلى رئيسَي مؤتمر السلام الدولي، الخاص بيوغسلافيا السابقة، سايروس فانس واللورد ديفيد أوين، لحضور الاجتماع الطارئ للمنظمة في جدة. وهناك اقتراح إسلامي لحل معضلة تأمين قوات طوارئ دولية؛ على أن تلتزم، بموجبه، بلدان إسلامية فاعلة، تمويل تلك القوات، والإسراع في تجهيزها لحماية مسلمي البوسنة والهرسك".

قام، بعدئذ، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حامد الغابد، بزيارة إلى العاصمة البوسنية، سيراييفو، على رأس وفد من المنظمة (يوم الإثنين 16 نوفمبر 1992)، بالرئيس البوسني، علي عزت بيجوفيتش، وجرى استعراض الوضع، على الطبيعة، وعبر الغابد عن تأثره العميق، وهو يسير في شوارع سيراييفو، لما شاهده من آثار القصف الوحشي، الذي تعرضت له، إذ أصبحت المدينة اقرب إلى مدينة أشباح. ووجّه الغابد دعوة إلى العالم الإسلامي، "لمواصلة الضغط المباشر على الأطراف الدولية، القادرة على القيام بدور حاسم في وضع حد للعدوان الصربي، إذ من حق البوسنيين، بالتأكيد، الحصول على السلاح للدفاع عن النفس". كما وجّه نداء حاراً وعاجلاً، "لتحريك الموقف، وإيجاد مخرج من هذا المأزق، الذي سيغدو، في حال استمراره، وصمة عار في جبين الإنسانية". أما الرئيس البوسني، علي عزت بيجوفتش، فقد صرح بما يلي: "إن قدرات البوسنيين تشح وتتضاءل. وإنهم في حاجة ماسة جداً إلى المساعدات، للدفاع عن أنفسهم، وللصمود في وجْه العدوان الصربي المتواصل".

كذلك، صرح وزير خارجية البوسنة والهرسك، حارس سيلاديتش، بما يلي: "إن المسألة، بالنسبة إلينا، هي مسألة حياة أو موت. وإن من حقنا، أن ننتظر نتائج فورية، وعملية، للدورة الطارئة المرتقبة لوزراء خارجية البلدان الإسلامية. وإني أرى أن وقف إطلاق النار الحالي، لا وجود له في الواقع، ما دام القتال مستمراً حتى هذه اللحظة، في أربع مدن رئيسة هي: ماجلاي وبيهاتش وجراداجاتش وجورازدي. وإن إعلان وقف إطلاق النار، ما هو إلا أداة، يستخدمها العدو الصربي لحشد قواته، وتحقيق أهدافه العسكرية التوسعية".

وفي يوم 1 ديسمبر 1992، افتتح الملك فهد بن عبدالعزيز جلسات "منظمة المؤتمر الإسلامي"، بكلمة، أشار فيها إلى ضرورة تمكين جمهورية البوسنة والهرسك من الحصول على الأسلحة، التي تحتاج إليها لأغراض الدفاع المشروع عن وجودها. "وإن الشعب في هذه الجمهورية، يتعرض لاعتداءات مستمرة من الصرب، من أ جل طمس هويته. وإن المملكة تؤيد التوصيات والقرارات، التي صدرت عن مؤتمر لندن، الخاصة بالوضع في جمهوريات يوغسلافيا (سابقاً). ويجب أن تتضافر جهودنا، من أجل وضع تلك القرارات موضع التنفيذ الجدي، وتأكيد ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية، عبْر الأمم المتحدة، إلى مواطني البوسنة والهرسك، في ظل تفاقم المعاناة، التي يعيشونها اليوم. وستواصل السعودية جهودها لتقديم العون إلى شعب البوسنة والهرسك. وإن المملكة تؤيد كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وآخرها القرار 787، في 16 نوفمبر 1992، القاضي بإحكام المقاطعة المفروضة على صربيا والجبل الأسود. ولكن تحقيق العدالة، يحتم تمكين حكومة جمهورية البوسنة والهرسك من الحصول على الأسلحة".

ألقى، بعدئذ، رئيس جمهورية البوسنة والهرسك، علي عزت بيجوفيتش، كلمة مؤثرة، استعرض فيها، بإيجاز، مأساة شعبه، الذي تدَّبر ضده جريمة محكمة من جانب الصرب.

كذلك، ألقى رئيس جمهورية ألبانيا، صالح بريشا، كلمة هاجم فيها القوات الصربية، التي تقوم بارتكاب المجازر الدموية ضد المسلمين، ليس في البوسنة والهرسك فحسب، ولكن في منطقتَي كوسوفو ومقدونيا. ووصف الرئيس الصربي، سلوبودان ميلوسيفيتش، بأنه "شيطان البلقان". ثم تتابعت كلمات المسؤولين والقادة. وفي اليوم التالي، صدر قرار المؤتمر الإسلامي أو "البيان الختامي". وجاء في مقدمته "أن المؤتمر، يعبر عن قلقه العميق، إزاء تدهور الوضع في جمهورية البوسنة والهرسك، وأجزاء أخرى من يوغسلافيا السابقة. الأمر الذي يشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين. ويشيد المؤتمر بالجهود الدولية، المبذولة لإحلال السلام في البوسنة والهرسك. ويلاحظ تعنّت القيادة الصربية، المتمثل في عدم الإصغاء إلى نداء المجتمع الدولي، بالكف، فوراً عن أعمالها العدوانية المسلحة، التي ترتكبها في حق جمهورية البوسنة والهرسك. ويشيد، أيضاً، بالمحاولات، التي بذلت من جانب المجموعة الأوروبية والأمم المتحدة، لوضع قرارات مؤتمر لندن موضع التنفيذ، بهدف التوصل إلى تسوية للمشكلة من طريق التفاوض، وهي المحاولات، التي لم تلقَ أي استجابة جادة، من جانب صربيا والجبل الأسود والقوات الصربية غير النظامية في البوسنة والهرسك. ويؤكد (المؤتمر) ضرورة الالتزام بمبدأ عدم جواز ضم الأراضي بالقوة، وحق كافة اللاجئين البوسنيين في العودة إلى ديارهم بسلامة وشرف، والعزم على المساهمة بفاعلية في إنجاح الجهود الدولية، الرامية إلى إحلال السلام في البوسنة والهرسك، والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها. ويعلن (المؤتمر) أن استمرار العدوان الصربي على أراضي وشعب البوسنة والهرسك، بات يتطلب التطبيق الكامل لأحكام المادة (51) من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تجيز لهذه الجمهورية طلب الحصول على المساعدات العسكرية، حتى تتمكن قوات دفاعها الحدودية من الذود عن الجمهورية في وجه العدوان الصربي". ثم جاءت قرارات المؤتمر على النحو التالي:

1. يندد بشدة بالعدوان الصربي على جمهورية البوسنة والهرسك. ويندد بعدم امتثال صربيا والجبل الأسود والقوات الصربية غير النظامية هناك، لأي من القرارات الدولية، الواردة في هذا الشأن.

2. يندد بقوة، أيضاً، بالانتهاكات الصارخة، والمتكررة، للحقوق الإنسانية للمسلمين والكروات في البوسنة والهرسك. ويرى سياسة "التطهير العرقي" الصربية؛ وتهجير المسلمين والكروات وغيرهم جبراً من ديارهم هي "إبادة جماعية" و"جريمة" في حق البشرية.

3. يؤكد، مجدداً، التزامه بإعادة إحلال السلام في جمهورية البوسنة والهرسك، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، والذود عن وحدتها وسيادتها واستقلالها السياسي وسلامة أراضيها.

4. يؤكد، كذلك، كافة الأحكام الواردة في القرار 1/5 ـ إكس، في شأن الوضع في البوسنة والهرسك، الصادر عن الدورة الاستثنائية الخامسة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية.

5. يطلب، أيضاً، إلى مجلس الأمن الدولي ضمان التنفيذ الفعال لقراراته، في ما يتعلق بإقامة منطقة، يحظر التحليق فيها فوق أراضي البوسنة والهرسك.

6. يطلب، أيضاً، إلى مجلس الأمن إصدار قرار بوضع مراقبين على حدود البوسنة ـ صربيا، والبوسنة ـ الجبل الأسود، لمنع وصول أي مساعدات مباشرة أو غير مباشرة إلى القوات العسكرية الصربية.

7. ويطلب إلى مجلس الأمن، أيضاً، التفويض الفوري باستخدام القوة ضد صربيا والجبل الأسود، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لضمان التزامهما الكامل بالقرارات ذات العلاقة، خصوصاً القرارين (752) في 15 مايو 1992، و(757) في 30 مايو 1992، إضافة إلى مواجهة وردع أي أعمال عدوانية خارجية أخرى، ضد جمهورية البوسنة والهرسك.

8. يعلن أن حكومة جمهورية البوسنة والهرسك، التي تواجه العدوان، لها الحق؛ بمقتضى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، في اتخاذ التدابير اللازمة لدفاعها الوطني عن نفسها، بما في ذلك تقديم طلبات لمساعدات عسكرية، ثنائية أو متعددة الأطراف، واستلام تلك المساعدات، بالتنسيق مع مجلس الأمن الدولي.

9. يدعو الدول الأعضاء لتقدِّم، فوراً، شحنة محدودة من أسلحة الدفاع عن النفس إلى حكومة البوسنة والهرسك، لتمكينها من الدفاع عن أراضيها، ضد الهجوم الصربي المستمر، والعنيف، الذي يتميز باستخدام المدرعات والدبابات، في القطاعات الشمالية والوسطى والشرقية، والذي يهدد حياة الآلاف من مواطني البوسنة والهرسك، والذي سيدفع، في حال عدم إيقافه، مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء إلى الفرار من منازلهم.

10. يحث مجلس الأمن على التوضيح والإعلان صراحة، أن حظر بيع السلاح ليوغسلافيا السابقة، المفروض بموجب القرار (713) في 25 سبتمبر 1991، لا ينطبق على جمهورية البوسنة والهرسك.

11. يندد بخرق العقوبات الشاملة والإلزامية، التي فرضها مجلس الأمن على صربيا والجبل الأسود، ويحض مجلس الأمن على اتخاذ التدابير الفاعلة لتعزيز هذه العقوبات.

12. يطلب من الدول الأعضاء اتخاذ التدابير الملائمة، فرادى وجماعات، ضد الدول، التي تخرق عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على صربيا والجبل الأسود.

13. يطلب من الأمم المتحدة، وأمينها العام، تكثيف الجهود الرامية إلى إعادة فتح مطار توزلا، لإيصال الإمدادات الإنسانية، المنقولة جواً، من طرف المنظمات الإنسانية الدولية.

14. يطلب من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، ذات العلاقة، أن تقيم، بصفة عاجلة، مناطق آمنة تحت حماية عسكرية في البوسنة والهرسك، وأن تقيم وتدير بكفاءة، وتحمي أكبر عدد من الممرات، لنقل مواد الإغاثة الإنسانية.

15. يؤيد الجهود، التي تبذلها الأمم المتحدة، حالياً، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى شعب البوسنة والهرسك، ويرى ضرورة إقامة ممرات برية، تخصص لعمليات الإغاثة، وتمتد عبْر البوسنة والهرسك.

16. يطلب، كذلك، من الدول الأعضاء تأكيد استعدادها للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، للمساهمة بالمال والأفراد، بما في ذلك القوات البرية، في أي عمل لتنفيذ أي مهمة يجيزها مجلس الأمن؛ من أجل إحلال السلام في البوسنة والهرسك.

17. يحث المؤتمر الدولي في شأن يوغسلافيا السابقة، والمجموعة الأوروبية، ومؤتمر الأمن والتعاون الأوروبيين، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، واتحاد غرب أوروبا، وكافة الأطراف المعنية الأخرى، على تكثيف جهودها من أجل إعادة السلام إلى ربوع جمهورية البوسنة والهرسك، والعمل، على نحو عاجل، وبفاعلية، على إجهاض المخططات الصربية، الرامية إلى تغيير البنْية السكانية في البوسنة والهرسك، من خلال إبعاد سكانها الأصليين.

18. يطالب كافة الأطراف المتصارعة باحترام القانون الإنساني الدولي، والامتثال الكامل لما تمليه اتفاقيات جنيف 12، أغسطس 1949) من واجبات.

19. يطالب، مرة أخرى، بتجريد كافة القوات الصربية غير النظامية، في البوسنة والهرسك، من سلاحها، وتسريحها تحت رقابة دولية فاعلة.

20. يطلب من لجنة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، القيام، على نحو عاجل، ببحث الوضع في البوسنة والهرسك، من أجل اتخاذ تدابير حازمة، لوضع حدّ لما يرتكبه الصرب من انتهاكات للحقوق الإنسانية للمسلمين والكروات في البوسنة والهرسك.

21. يذكر القيادة الصربية في بلغراد، وفي البوسنة والهرسك، وكافة أولئك الذين يرتكبون، أو يأمرون بارتكاب انتهاكات خطرة لاتفاقيات جنيف، بأنهم سيكونون مسؤولين شخصياً عن هذه الانتهاكات، ويمكن معاقبتهم على ما ارتكبوه من "جرائم حرب".

22. يعرب عن قلقه العميق إزاء تزايد التوتر في كوسوفو وسنجق ومقدونيا، وعن انزعاجه في شأن احتمالات استخدام القوة ضد المسلمين في هاتين المنطقتين، والذي ستكون له عواقب، لا يمكن التكهن بها، ومن الممكن أن يؤدي إلى صراع إقليمي واسع.

23. يحث مجلس الأمن على النظر، بصفة عاجلة، في نشر قوات في كوسوفو وسنجق ومقدونيا، بغية احتواء الوضع الشديد الانفجار السائد في هاتين المنطقتين.

24. يطلب من الأمم المتحدة تعيين مراقبين دوليين، في كافة معسكرات الاعتقال في صربيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك، ومطالبة القيادة الصربية بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالدخول، فوراً ودون عائق، إلى المواقع التي يسجن فيها المدنيون، ويتعرضون لسوء المعاملة، ومصاحبة نزلائها المحررين إلى ديارهم، أو أماكن لجوء آمنة، والعمل، بصورة فورية، على إغلاق كافة معسكرات الاعتقال.

25. يقرر الدعم الكامل لكافة الجهود الرامية إلى تعليق عضوية يوغسلافيا السابقة (الصرب والجبل الأسود) في كافة الأجهزة والمنظمات، التابعة والعاملة في إطار الأمم المتحدة.

26. يعرب عن تقديره للدول والمؤسسات الدولية، التي قدَّمت مساعدات إنسانية إلى شعب البوسنة والهرسك، ويناشد كافة الدول الأعضاء المساهمة بسخاء في تخفيف معاناة ذلك الشعب.

27. يطلب من الأمين العام متابعة تنفيذ هذا القرار، ورفع تقرير بذلك إلى المؤتمر الإسلامي القادم.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، قد صرح عقب انتهاء المؤتمر، "أن قرارات المؤتمر الوزاري الإسلامي، طلبت من مجلس الأمن إعادة النظر في قراراته، ليس من أجل تغيير تلك القرارات، وإنما لإعادة تقويم وسائل تنفيذها، بما في ذلك استخدام القوة. ومن ضمن القرارات، استثناء جمهورية البوسنة والهرسك من قرار حظر بيع الأسلحة، لأن هذا القرار، أصبح يؤثر في طرف واحد فقط، هو البوسنة والهرسك. وقد حدد يوم 15 يناير 1993، موعداً لبدء عملية إعادة تقويم سُبُل تنفيذ قرارات مجلس الأمن. والأمل معقود أن يتمكن مجلس الأمن من معالجة ذلك بالشكل المطلوب لتنفيذ قراراته. وستتعاون الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مع مجلس الأمن، في هذا الشأن. ولقد وافقت الدول الإسلامية على تقديم كل أنواع المساعدات، الدفاعية والمادية، إلى البوسنة والهرسك، وأن قرارات المؤتمر، تطالب مجلس الأمن بالسماح للدول الإسلامية بتقديم هذه المساعدات الدفاعية، المطلوبة، لتأمين حق البوسنة والهرسك في الدفاع المشروع عن النفس. وتشعر كل الدول الأعضاء، في المنظمة، بالارتياح إلى قرارات التي ستساعد على تنفيذ قرارات مجلس الأمن على نحو يؤمن العدالة ويحق الحق، وأن قرارات المؤتمر الإسلامي، لا تتعارض مع جهود الأمم المتحدة، وجهود المؤتمر الأوروبي، لكنها تريد تطبيق قرارات المنظمة الدولية تطبيقاً فعالاً ومؤثراً. ولا يمكن لقرارات المؤتمر الإسلامي، أن تعمل على تصعيد الوضع في البوسنة والهرسك، لأن الأوضاع الخطيرة تتصاعد، كل يوم يستمر فيه العدوان الصربي على شعب البوسنة والهرسك".

كذلك، تجدر الإشارة إلى بعض ردود الفعل العالمية على قرارات "منظمة المؤتمر الإسلامي" في جدة، ومنها تصريح مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون أوروبا وكندا، توماس نايلز، الذي جاء فيه: "إننا نواصل الضغوط، للتأثير في موقف الصرب. ونعتقد أننا سننجح في وقف سياسة الصرب في البوسنة والهرسك. ومن الضروري أن يكون الحل النهائي للأزمة موافقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان، والحريات الأساسية. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى، بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى إحباط ممارسة الصرب "التطهير العرقي"، عبْر نزع أسلحة الصرب، بدلاً من زيادة تدفق الأسلحة إلى تلك المنطقة. وتبدو الحاجة ملحّة إلى تعزيز قدرة الأمم المتحدة على الرد، قبل أن تصل أي أزمة، قد تنشأ في المستقبل، إلى نقطة تتحول بعدها إلى نزاع مسلح".

وصرح وزير الدفاع البريطاني، مالكوم ريفكند، بما يلي: "إن بريطانيا، لن تزج بنفسها في حرب أهلية في البوسنة، إذ قد يتعرض الآلاف من الجنود البريطانيين للخطر. إن الاستجابة للموقف الإسلامي، قد تعني ضرورة إرسال أعداد كبيرة من الجنود؛ بينهم جنود بريطانيون وفرنسيون وأمريكيون، وقد يصل هذا العدد إلى مائة ألف جندي، مما سيؤدي إلى إصابات كثيرة. وهذا لن يحقق السلام المنشود". كذلك، صرح وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، بما يلي: "إن بريطانيا مستعدة للبحث في أي قرار، قد تتخذه الأمم المتحدة، ويقضي بالتدخل العسكري لتطبيق الحظر الجوي في المنطقة، وإطلاق النار على أي طائرة حربية تدخل المنطقة المحظورة. ولكن استخدام القوة العسكرية من الخارج، لن يؤمن فرض حل سياسي لمشكلة البوسنة. وإن عملية إنشاء محمية عسكرية، تعتمد على الحماية الخارجية، لا تحظى بتأييدنا. إن الأمم المتحدة وأصدقاءنا، يدرسون إمكان حدوث خروق للحظر الجوي، مما يتطلب القيام بإجراءات عسكرية.  وسنوضح للصربيين والكرواتيين عدم قبولنا بتقسيم البوسنة بالقوة. أما بالنسبة إلى مسألة تزويد المسلمين في البوسنة بالأسلحة، فإننا عندما نسمح بتزويد أي فئة بالسلاح، فستحدث فوضى، ولن يصل هذا السلاح إلى الجهة المعنية. ولا يمكننا رفع الحظر عن فئة، وإبقاؤه على فئة أخرى، إن هذا ليس أمراً عملياً، لأن أصدقاء الصربيين، سيعملون على تزويدهم بالأسلحة، مما سيُعوِّم المنطقة بالأسلحة، ويزيد من خطر الأوضاع".

أما وزيرة الخارجية في الوزارة البريطانية، البارونة ليندا تشوكر، فقد قالت: "لاحظت عمق مشاعر المسؤولين في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية. وإن التقارير الواردة من جدة مقلقة إلى حدّ ما. فالهدف الرئيسي لبريطانيا ووقف القتال في البوسنة، وإن تدفق الأسلحة، سيؤدي إلى المزيد من الموت والخراب. إن رفع حظر تصدير الأسلحة إلى البوسنة، لن يساعد أيّاً من الفئات، وسيكون له وقع عكسي على المسلمين البوسنيين … إن من المهم التوصل إلى حل سياسي لهذه القضية، لأنه مفيد للبوسنيين بقدر إفادته للفئات العرقية الأخرى".