إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الجزر الثلاث






موقع الجزر الثلاث



المبحث الثالث

المبحث الثاني

توجهات الطرفين حيال الأزمة

أولاً: موقف دولة الإمارات وأسانيدها التاريخية والقانونية

المبادئ الأساسية لمنازعات الحدود في القانون الدولي

يتعامل القانون الدولي العام مع ظاهرة الحدود الدولية وما قد ينجم عنها من مشكلات ومنازعات اعتماداً على مجموعة من المبادئ الأساسية أو الحاكمة التي ينبغي أن تكون محل اعتبار عند الشروع في أي محاولة لتسوية نزاع معّين من منازعات الحدود. ولعل المبدأ الرئيسي الحاكم، في هذا الخصوص، هو ذلك المبدأ الذي يطلق عليه فقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية، مبدأ "نهاية الحدود الدولية واستقرارها". ونصه كالتالي:

"تتمتع الحدود السياسية الدولية منذ لحظة إتمام تعيينها وتخطيطها (ترسيمها) ـ أو حتى تعيينها فقط ـ بقدر من الثبات والاستمرارية يفترض فيها أن تنتج آثاراً قانونية ذات طبيعة دائمة وملزمة، ليس فقط في مواجهة الأطراف المعنية مباشرة، وإنما في مواجهة الكافّة، طالما تم تعيينها على أساس سليم".

أ. مبدأ خلافة الدول في معاهدات الحدود

ويفيد بأن معاهدات الحدود تعد من المعاهدات التي تجوز الخلافة فيها، أي أن الدولة الجديدة إعمالاً لمبدأ نهائية الحدود الدولية واستقرارها واستمراريتها، بوصفها الدولة الخّلف، ترث الحدود نفسها التي تم تعينيها من قبل بواسطة الدولة أو الدول السلف.

ب. مبدأ لكل ما في حوزته

ومفاد هذا المبدأ، الإبقاء على الحدود السياسية بين الدول حديثة العهد بالاستقلال ـ بوضعها الراهن ـ لأنه قد يكون أخّف الأضرار التي ينبغي تحملها، وذلك ما لم تتفق الدول المعّنية طواعية وبشكل ودّي على غير ذلك.

ج. مبدأ استثناء معاهدات الحدود من نطاق تطبيق نظرية التغير الجوهري في الظروف

لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:

(1) إذا كانت المعاهدة منشّئة لحدود.

(2) إذا كان التغير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالتزام طبقاً للمعاهدة أو بأي التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.

د. مبدأ احترام السيادة الإقليمية

نص ميثاق الأمم المتحدة، ـ في المادة 2/4 منه ـ على أنه:

"يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة".

هـ. المبادئ الخاصة بأدلة الإثبات ودلالاتها القانونية في منازعات الحدود

(1) مبدأ السلوك اللاحق

يقصد بالسلوك اللاحق في هذا الخصوص، جميع ما يصدر عن طرف معين من أطراف النزاع الدولي بشأن الحدود من أعمال ومواقف يمكن الارتكان إليها لفهم وجهة نظره بخصوص هذا النزاع. وتأخذ هذه الأعمال أو تلك المواقف صوراً شتّى منها:

التشريعات، الخرائط، التصريحات أو البيانات المنسوبة إلى الدولة، التجنيد الإجباري للمواطنين، جباية الضرائب، تسجيل وقائع الزواج والميلاد والوفاة ومباشرة الاختصاص القضائي.

(2) مبدأ إغلاق الحجّة

ويقصد بهذا المبدأ أنه يمتنّع على الدولة التي تسّلك سلوكاً ما، يحقق لها نفعاً معيناً، أن تدعي لنفسها حقوقاً تضّر بدولة أخرى على نقيض هذا السلوك، أي أن التصرف السابق للدولة، والذي من شأنه أن يعّمد إلى إيهام الدول الأخرى بوجود حالة معينة، يُغلق على هذه الدولة الطريق لإمكان العودة والمطالبة بما يخالف هذا التصرف السابق، من الواضح أن هذا المبدأ يتفق تماماً ومبدأ حسّن النيّة، بل ويعد أحد أهم مقتضياته. ويعد من القواعد الموضوعية التي تقيم الدعوى ويستند إليها الحق في منازعات الحدود، وقد أعمّلت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ في العديد من القضايا.

(3) مبدأ حجّية الخرائط

جرت عادة الدول على إصدار خرائط رسمية أو غير رسمية، توضح عليها حدودها السياسية مع جيرانها، كما أن الخرائط قد تلحق بالمعاهدات المنشئة للحدود. ولا بّد أن تتحقق في الخرائط التي يعّول عليها في هذا الخصوص صفات وشروط معينة، وأشار بعض الفقهاء إلى وُجوب التمّييز بين نوعين من هذه الخرائط.

النوع الأول: يشمل الخرائط الملحقة بمعاهدة منشئة للحدود، وهذه تكون لها أهمية كبرى حيث أنها تعبّر بحق عما ارتضاه الأطراف المعنّيون عند اتفاقهم على تعيّين خط الحدود، ولكن من الملاحظ أن العمل قد جرى على أنه إذا حدث تعارض عند التفسير بين نصوص المعاهدة والخرائط، فإن الأولوية تكون للخط المشار إليه في المعاهدة.

النوع الثاني: يشمل الخرائط التي تصدر عن الدول الأطراف بالإرادة المنفردة، وهذا النوع يعّبر عن وجهة نظر كل طرف دون اتفاق الأطراف جميعاً على ذلك.

ثانيا: تطبيق المبادئ الحاكمة لمنازعات الحدود على حالة النزاع الإماراتي ـ الإيراني بشأن الجزر العربية الثلاث في الخليج

1. النزاع بشأن الجزر الثلاث ومبدأ نهاية الحدود واستقرارها

يُمثل التصرف الإيراني انتهاكاً صارخاً للمبدأ الأساسي مبدأ نهاية الحدود السياسية الدولية واستقرارها واستمراريتها.

فقد ظلت سيادة الإمارات مستمرة على الجزر حتى إعلان بريطانيا عن انسحابها من منطقة الخليج في أواخر الستينيات من القرن الحالي، والحق أنه إذا كان قد حدث أن سيطرت إيران فترة قصيرة جداً عام 1904 على جزيرة أبو موسى، إلا أن هذه السيطرة ووجّهت بمعارضة شديدة، سواء من جانب الحكام العرب أو من جانب بريطانيا، مما اضطرت إيران معه إلى التراجع وإنزال علمها من على الجزيرة.

2. مبدأ السلوك اللاحق

تمسّك الجانب العربي دوّماً بأحقيته في السيادة على هذه الجزر، على النحو التالي:

أ. الرسائل المتبادلة بين حاكم قواسم الساحل والمسؤولين البريطانيين في الخليج، والتي أكد فيها الحاكم عن تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى له نقلاً عن أجداده.

ب. إن بريطانيا، وكما يقول السيد ريتشارد سكوفيلد من مركز الدراسات الجغرافية السياسية والحدود الدولية في بريطانيا، اعترفت دوماً بالسيادة للقواسم في رأس الخيمة والشارقة على هذه الجزر.

ج. مباشرة العديد من مظاهر السيادة في تلك الفترة، ومنها خدمات التعليم والصحة، وجباية الضرائب.

د. حرص الحكام العرب على تسجيل احتجاجاتهم على أي تصرف من جانب أي قوة دولية، من شأنه أن ينال من السيادة العربية على الجزر الثلاث.

هـ. منح حاكم الشارقة امتياز للتنقيب عن المعادن عام 1898 لإحدى الشركات الأجنبية في جزيرة أبو موسى.

و. أنشأ حاكم الشارقة منذ السبعينات من القرن الماضي استراحة خاصة له في جزيرة أبو موسى، مما يقطع بتبعيتها له.

وفيما يتعلق بالجانب الإيراني:

يكشف السلوك اللاحق لإيران في هذا الخصوص، بما لا يدع مجالاً للشك، اقتناعها بتبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة، والدليل على ذلك ما يلي:

أ. عندما حاولت إيران اتخاذ خطوات عملية في سبيل تأكيد سيطرتها على جزيرة أبو موسى، ورفعت العلم الإيراني على الجزيرة، لم تصّمد إيران أمام احتجاجات كل من حاكم الشارقة والمسؤولين البريطانيين في الخليج مما دفعها إلى التراجع وإنزال العلم، بل ووصف التصرف الذي حدث بأنه يمثل تصرفاً فردياً لم يكن للحكومة الإيرانية عّلم به من قبل.

ب. كذلك مما يقطع باقتناع إيران بعدم تَبعية الجزر لها، إبداء رغبتها عام 1930، في استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى لمدة خمسّين عاماً من إمارة رأس الخيمة، وطبقاً للروايات التاريخية، فإن حاكم رأس الخيمة لم يمانع في تأجير الجزيرتين لإيران، غير أنه اشترط شروطاً عديدة من شأنها المحافظة على سيادته على الجزيرتين، ومع ذلك فإن تطور العلاقات بين بريطانيا ـ التي كان لها النفوذ الفعلي في إمارات ومشيخات الخليج العربي في ذلك الوقت ـ وإيران، على نحو سلبي، حال بالفعل دون إتمام هذه الخطوة، وبالتالي تراجعت السلطات الإيرانية عن المضي في عرض الاستئجار.

3. القيمة الاستدلالية للخرائط والنزاع حول الجزر الثلاث

إذا كانت إيران قد دفعت بأن هناك عدداً من الخرائط البريطانية قد أشارت إلى تبعية الجزر للسيادة الإيرانية، ومنها تلك الخريطة العسكرية التي قدمتها وزارة الخارجية البريطانية عام 1886 لشاه إيران وظهرت عليها الجزر الثلاث باللون الفارسي، إلا أن هذا الدفع لا يصمد أمام الحقائق التالية:

أ. إن هذه الخرائط من الخرائط الخاصة التي تستخدم في أغرض الملاحة البحرية، وليس في أغراض الاستعانة بها لترسيم الحدود الدولية.

ب. إن القاعدة بالنسبة للخرائط المتعلقة بأقاليم المنطقة تؤكد على عروبة الجزر الثلاث.

ج. ثمة خريطة إيرانية، صادرة عام 1955، أشارت بوضوح إلى تبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة.

د. الاعتماد على بعض الخرائط البريطانية للقول بتبعية الجزر لإيران لا يسّتقيم وحقيقة أن بريطانيا ذاتها قد اعترفت على الدوام بتبعية هذه الجزر للجانب العربي وليس لإيران.

هـ. تشير المصادر التاريخية بما لا يدع مجالاً لأدنى شك، إلى أن الخريطة البريطانية الوحيدة التي أظهرت تبعية الجزر الثلاث لإيران، قد اعتبرت من جانب وزارة الخارجية البريطانية بأنها تمثل خطأ غير مقصود ولم يتكرر بعد ذلك.

4. النزاع حول الجزر الثلاث ومبدأ احترام السلامة الإقليمية

إن استخدام القوة المسلحة من جانب إيران لاحتلال هذه الجزر لا يعطي الحكومة الإيرانية ـ ومهما طالت فترة هذا الاحتلال ـ أي حق في التمسّك بالبقاء على أراضي الجزر الثلاث، إضافة إلى أن الاحتلال الإيراني لهذه الجزر يشكل مخالفة صارخة لأحكام القانون الدولي الحديث ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، ومن الملاحظ أن الاحتلال الإيراني قد ووجه برفض قاطع من إمارتي رأس الخيمة والشارقة، ثم من دولة الإمارات العربية المتحدة التي انضمّت الإمارتان إلى عضويتها في الثاني من ديسمبر 1971.

والحق، أنه ليس لإيران أن تدفع فيما يتعلق بجزيرة أبو موسى أن سلطتها ووجودها العسكري والمدني في الجزيرة يسّتند إلى ما سّمي بمذكرة التفاهم أو الترتيبات التي وقعتها مع حاكم إمارة الشارقة في نوفمبر 1971، وذلك لأن المذكرة تعد باطّلة قانوناً لغياب شرط التعبير الحرّ والصريح من جانب الطرف العربي الموقع عليها، لاسيما أن حاكم الشارقة ـ الشيخ خالد بن محمد القاسمي ـ قد أكرّه على التوقيع على هذه المذكرة، وذلك ما ذكره الشيخ نفسه بشأن الظروف التي صاحبت توقيعه عليها.

يقول الشيخ، "قضيت نحو عامين في استخراج الوثائق الخاصة بعروبة الجزيرة وتبعيتها للشارقة، وكلفت طائفة من رجال القانون لإعداد المستندات والحجج القانونية، وقدمت هذه الوثائق إلى الحكومة الإيرانية، ولكن منطق القوة والتهديد لم يتّح فرصة عند العقل والحجج والأسانيد الشرعية، هناك عدة عوامل أصبحت فيما بعد كتلّة من الضغوط والملابسات الدقيقة.

كانت بريطانيا تهدد بإنهاء مشكلة الجزر دون أن تحسّم الموقف، وإيران تهدد وتتوعد أن الجزر إيرانية وستأخذها بالقوة، والظروف الاقتصادية القاسية وضعت الشارقة في مركز الضعف وعدم القدرة على الحركة وتواطؤ القوى الأخرى في تأييد إيران. ورأيت بعد مشاورات مع بعض الأشقاء أن نبحث عن صيغة لتجميد المشكلة سياسياً ومعالجتها اقتصادياً، وكان ما قيل عنه اتفاقية".

ثالثاً: الرؤية الإيرانية حول تبعية الجزر

طالبت إيران بحق فرض سيادتها على إمارة البحرين، التي كانت سيطرة الإمبراطورية الإيرانية قد انقطعت عنها منذ القرن الماضي، والتي كانت قد تحولت منذ ذلك الوقت إلى مجرد محمّية تابعة للتاج البريطاني. كما طالبت إيران بحق فرض سيادتها على كل من جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي كان مشايخ إمارتي الشارقة ورأس الخيمة قد حصلوا منذ عام 1904 على مرسوم ملكيتها.

خلال جولة المفاوضات التي أجريت بين الطرفين البريطاني والإيراني عامّي 1930، 1931، أبدت إيران استعدادها للتنازل عن مطالبتها بفرض سيادتها على إمارة البحرين، في مقابل حصولها على جزيرة أبو موسى الاعتراف بمطالبها المتعلقة بجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، غير أن الحكومة البريطانية لم تكن مستعدة آنذاك للتعامل مع إيران. وهكذا ظلت مختلف القضايا المرتبطة بهذه المسألة معّلقة حتى عام 1970، عندما قررت إيران التنازل عن مطالبتها بإمارة البحرين، كما توصلت مع شيخ إمارة الشارقة على عقد نوع من التسوية فيما يخص جزيرة أبو موسى، بينما استطاعت السيطرة على كل من جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وذلك بإنزال قواتها العسكرية على أرض هاتين الجزيرتين.

في عام 1968 عندما أعلنت بريطانيا عن عزمها الانسحاب من منطقة الخليج بنهاية عام 1970، كان الوضع مختلفاً تماما، حيث كان موقف الدولة البريطانية قد تعرض لكثير من الضعف والاختلال، لدرجة قبول الحكومة البريطانية عقد اتفاقية تتضمن الشروط التي كانت ترفضها بشكل قاطع عام 1930.

في 20 مايو 1970، أبلغت الحكومة الإيرانية بشكل رسمي الحكومة البريطانية بمطالبها المتعلقة بحقوق السيادة والملكية على الجزر الثلاث، وفي منتصف شهر أكتوبر من العام نفسه أعلنت إيران أنها ستقابل بالرفض التام العرض الذي قدمته فيدرالية المشايخ العربية (التي أصبحت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة) ولن تعدل مطلقاً عن هذا الموقف، إلا إذا قوبلت المطالب الإيرانية المتعلقة بالجزر المذكورة بالاعتراف والموافقة.

خلال يونيه 1971، جرت عدة لقاءات بين السلطات الإيرانية والسّير وليم لوس ـ الذي عينته حكومة ادوار هيث المحافظة ـ من أجل ايجاد حل مقبول لقضية جزر الخليج العربي، وفي ختام سلسلة هذه اللقاءات صّرح وليم لوس، أن على مشايخ إمارتي رأس الخيمة والشارقة ألاّ ينتظروا أي دعم من طرف الدولة البريطانية في حالة قيام إيران باحتلال الجزر المذكورة، ونصح المسؤول البريطاني مشايخ الإمارتين بالبحث ومحاولة التوصل إلى تسّوية مع الجانب الإيراني، ولكن تطور الأحداث جاء على النحو التالي:

1. التوصّل إلى تسّوية مرضية للطرفين فيما يتعلق بجزيرة أبو موسى، وذلك عبّر صياغة مذكرة تفاهم تحمل تاريخ نوفمبر 1971.

2. ترك جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى في وضعية قانونية معّلقة (وقد زاد من صعوبة هذا الوضع، الوعود بمّد يّد العون والمساعدة التي قدمتها كل من ليبيا والعراق للشيخ صقر شيخ إمارة رأس الخيمة)، وبينما كان شاه إيران السابق قد قرر تقديم بعض المعونات والمساعدات والتعويضات لشيخ إمارة رأس الخيمة (رداً على الاغراءات المالية التي قدمت لشيخ إمارة الشارقة)، لم يكن شاه إيران مستعداً لزحزحة سيادة إيران على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأرجع ذلك لعدة مبررات، منها ما يلي:

أ. إن رفع شيخ رأس الخيمة علم الإمارة على أرض جزيرة طنب الكبرى عام 1965 هو عمل استفزازي، إلى جانب القلق الزائد تجاه تصريحات مشايخ الإمارتين بأن الجزر المذكورة بمثابة صخور قارية. وبلغ قلق السلطات الإيرانية أقصى درجاته في نوفمبر 1971، عندما أُعلن عن اكتشاف مناجم النفط والغاز بمياه جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

ب. "الأهمية الاستراتيجية" للجزر المذكورة، بالنسبة لمصالح إيران القومية.

ج. اختارت إيران توقيت تنفيذ الاحتلال (بيوم واحد قبل إعلان انتهاء السلطة البريطانية من المنطقة بشكل رسمي)، بحيث تكون إيران مسؤولة عن أعمالها فقط أمام الدولة البريطانية ومشيخّتّي الشارقة ورأس الخيمة، وليس أمام المجموعة الدولية في مجملها.

رابعاً: موقف مجلس الأمن من النزاع

في 9 من ديسمبر 1971، وبناءً على طلب من كل العراق وليبيا والجزائر وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، طُرح موضوع احتلال إيران للجزر الثلاث أمام مجلس الأمن الدولي. وقد وجَّه ممثلو كافة الدول العربية بهيئة الأمم المتحدة، باستثناء مندوب دولة الإمارات العربية المتحدة، النقد اللاذع والصريح لبريطانيا وإيران على السواء، وكان المندوب العراقي أكثر المتشديين، حيث ذكر أن شيخ إمارة رأس الخيمة كان قد وجه طلباً إلى العراق لكي يمدّه بيد العون والمساعدة، وذلك قبل توجيه الطلب لكل من جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة. كما طعن المندوب العراقي في صلاحية مذكرة التفاهم، التي عقدتها إيران مع إمارة الشارقة، بخصوص جزيرة أبو موسى، ثم عبَّر خلال مناقشاته عن رفض بلاده (العراق) للتبريرات الثلاث التي صاغتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيران، لتفسير عملية وضع اليد الإيرانية على الجزر الثلاث، حيث كانت المبررات المشار إليها تقضّي بما يلي:

1. تأكيد إيران على حقوق السيادة التاريخية على الجزر الثلاث.

2. تأكيد إيران والولايات المتحدة الأمريكية معاً على حالة الفراغ السياسي والعسكري الذي نتج عن جلاء الوجود البريطاني من منطقة الخليج العربي.

3. تأكيد إيران الأهمية الإستراتيجية للجزر الثلاث.

وبعد ذلك، وجه النقد لبريطانيا، لأنها سلمت دورها الاستعماري في منطقة الخليج العربي لإيران، ولم تلتزم بالحفاظ على وحدة تراب إمارة رأس الخيمة، أما الكويت وجمهورية اليمن الجنوبية، فقد طالبتا مجلس الأمن بمطالبة إيران بإخلاء وسحب قواتها من أراضي الجزر الثلاث، بينما طالبت ليبيا المجلس المذكور "بتحمل مسؤولياته كاملة وأن  يكون على مستوى تطلعات المجموعة الدولية". أمَّا الانتقادات التي وجهها وفد دولة الإمارات فقد حملّت نبرة أكثر اعتدالاً من سابقاتها، حيث صرحت بما يلي:

"من أجل اتخاذ مسّار يكون في خدمة العلاقات التي تربط البلدان المجاورة ترابياً وساحلياً وخدمة الروابط الثقافية والروحية العميقة التي جمعت منذ عصور خلّت الشعبين العربي والإيراني..".

كان الرد الذي قدمته السلطات الإيرانية للإجابة على مطالب مجلس الأمن الدولي، موجهاً أساساً ضد العراق، الذي وصفّه الوفد الإيراني بأنه "مصدر القلق وزعزة الاستقرار" بالمنطقة، ثم أعلن المندوب الإيراني طعن الحكومة الإيرانية في المبدأ الذي أعطى العراق حق التحدث بالإنابة عن إمارة الشارقة. ثم شرح مندوب إيران أهداف وأبعاد السياسة الإيرانية مذكراً بحقوق "إيران التاريخية" في الجزر المذكورة وأهميتها الاستراتيجية وقربها من السواحل الإيرانية، ثم أضاف أن إيران قد ساهمت عبر سيادتها على الجزر المذكورة، في نشر الإسلام وإشاعة الأمن والاستقرار في ربوع المنطقة.

أما المندوب البريطاني فقد ذكر أن الاتفاق على مسألة البحرين، واستقلال قطر، وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والتوصل إلى تسوية بين كل من إيران وإمارة الشارقة بخصوص جزيرة أبو موسى، كل هذا، قد شكلّ أساساً معقولاً ومقبولاً من أجل ضمان أمن وسلام المنطقة في المستقبل. ثم أضاف التعبير عن رفض بلاده لموقف العراق القاضي بأن وضعية المنطقة بعد  جلاء القوات البريطانية عنها، لم تكن تشكل أي تهديد للسلام الإقليمي والعالمي. واخّتتم اجتماع هيئة الأمم المتحدة بتبّني مقترح مندوب دولة الصومال بتأجيل مناقشة مسألة الجزر الثلاث إلى أجل لاحق، بهدف توفير الفرصة والوقت الكافيين للأطراف المعنية لتحديد وتوضيح مواقفها المختلفة.

في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية، فإن إيران على يقين أنه: سيكون من العبث محاولة استغلال أي خلاف مع إيران، بما يمكن أن يشكل تهديداً محتملاً لاستقرار وأمن وسلامة منطقة الخليج العربي، مع مراعاة الاعتبارات التالية:

1. عند غزو العراق لدولة الكويت في 2 أغسطس 1990، طرحت هذه القضية كقضية بين دولتين عربيتين على المجموعة العربية، والتي عجزت عن أن تحل مشكلة بالغة الحساسية بين دولتين عربيتين، وكانت النتيجة أن جيوش العالم دخلت إلى منطقة الخليج العربي.

2. طالما أن دولة الإمارات غير قادرة عن الدفاع عن نفسها وعلى أخذ حقوقها، إذن لا بد من الاعتماد على طرف خارجي، وهكذا نعيد الكرّة في حل مشاكل هذه المنطقة التي تزخر بالمشاكل.

3. إن الدول العربية غير قادرة على حل مشاكل الحدود فيما بينها، فكيف لها الآن أن تطالب بحل المشاكل الإقليمية بينها وبين إيران.

كانت الحكومة البريطانية قد أوضحت في أكثر من مناسبة، من خلال الوثائق والمراسلات الرسّمية منذ القرن التاسع عشر، عن اعترافها بسيادة قواسم الشارقة ورأس الخيمة على الجزر الثلاث، ومعارضتها للادعاءات الإيرانية، حتى أن الحكومة البريطانية وجهت في سبتمبر 1934 تحذيرات للحكومة الإيرانية بعدم المساسّ بالأوضاع القائمة في الجزر، حيث اعتبرت أن المزاعم الإيرانية لا أساس لها من الصحة، وهددّت بمقاومة أي تدخل من جانب إيران في الجزر الثلاث.

في الثامن عشر من أكتوبر 1992، استقبل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، وناقش معه التطورات الراهنة في المنطقة. وأجرى الأمين العام للجامعة بعد ذلك محادثات مع راشد عبدالله وزير الخارجية، وخلال الاجتماع أكدت دولة الإمارات وجامعة الدول العربية، رغبة الدول العربية وحرصّها على حل الخلاف القائم بين دولة الإمارات وإيران، والخاص بالاحتلال الإيراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وانتهاك مذكرة التفاهم حول جزيرة أبو موسى، بالطرق السلمية التي تنصّ عليها المواثيق الدولية.

وأكد الجانبان رغبة الدول العربية في إقامة علاقات حسن جوار صحيحة ومتوازنة مع إيران، تستند إلى مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ودول عدم الانحياز، والقوانين الدولية التي تنصّ جميعها على احترام سيادة الدول واستقلالها ووحدتها الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم التهديد باستخدام القوة واللجوء إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وفق هذه المبادئ والمواثيق الدولية.

ومن جانبه أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية مجدداً دعم وتأييد جامعة الدول العربية لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه القضية المصيرية الحالية، وصرح في نهاية زيارته إلى أبو ظبي، أن الجامعة العربية ستواصل اتصالاتها مع دولة الإمارات للوقوف على تطورات هذه القضية، والتشاور حول الخطوات التي من شأنها أن تؤدي إلى حل هذا الخلاف بالطرق السلمية وفقاً للمواثيق الدولية.

خامساً: الأهداف الإيرانية في منطقة الخليج

بعد نهاية نظام الشاه واستلام الثورة الإسلامية لمقاليد الحكم في الحادي عشر من فبراير عام 1979، كان نظام الحكم الجديد في طهران لا زال فريسّة للصراعات الداخلية والتي تترك في طبيعتها أثراً مباشراً على الخيارات والتوجهات الإيرانية سواء في الداخل أو في الخارج. ثم تتابعت الأحداث حيث بدأت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ثمان سنوات، ثم وفاة الخميني في 3 يونيه 1989، تاركاً المسؤولين الإيرانيين غارقين في أزمات سياسية واقتصادية وثقافية حادة، من أبرزها، التعقيدات التي شهدتها عملية خلافة الخميني، وتعدد مشاكل الدستور، وتطورات ونتائج حرب الخليج الأولى، وآلية الخطة الاقتصادية الخمسية التي قرر تنفيذها، ونقص الأيدي العاملة المتخصصة، وانخفاض قيمة الاحتياجات من العملات الصعبة، واستحالة ضبط التضخم، وعدم إمكانية إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وتولى هاشمي رافسنجاني الحكم، وكان أول التغيرات سّحب عناصر حرسّ الثورة من سهل البقاع في لبنان، لأن هذا البلد لم يعّد يمثل لإيران أهمية استراتيجية. وأُعلن أن توجهات النظام الإيراني الجديد، تركز أساساً على كيفية تدعيم مواقعه في مناطق ذات أهمية استراتيجية بالغة، هي منطقة الخليج العربي، ومنطقة آسيا الوسطى حيث خصّمه القديم "تركيا".

تأمل طهران إعادة تنشيط علاقاتها السّرية التي أقامتها في منتصف الثمانينات مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر قنوات ما وراء الأطلسي، والتي كشفت عنها فيما بعد فضيحة إيران جيت، شريطة ألا يتخلى النظام الإيراني عن سياسته الإعلامية المعادية للإمبريالية. وبدأت إيران في دراسة تحديد الإطار السياسي الذي ستتبعه مع الغرب، وذلك أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي أصابتها قد أدت إلى التأخر في تسديد الديون، وأحدثت سخطاً داخلياً عارماً، الأمر الذي دفع بنظام هاشمي رافسنجاني إلى تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة واليابان ودول المجموعة الأوروبية.

ويبدو أن الولايات المتحدة كانت مسّتعدة لإعادة دراسة الملف الإيراني شريطة إلا تعترض إيران على مسار السلام في الشرق الأوسط، كما أن اليابان ودول المجموعة الأوروبية ليس بوسعها إلا التجاوب العاجل للإغراء الإيراني. ومع بداية حرب الخليج الثانية، استطاعت إيران أن تفرض نفسها على الساحة الدولية بفضل الدبلوماسية التي اعتمدها رافسنجاني، والذي عرف كيف يستغل هذه الحرب لصالحه، وأن يبقى بلاده خارج دائرة الصراع، كما أنه استطاع إلزام النظام العراقي بالتنازل لصالحه عن كل ما كان محل خلاف بين البلدين بعد الحرب العراقية ـ الإيرانية، إضافة إلى ذلك استطاع رافسنجاني القضاء على أي تهديد عسكري أو اقتصادي قد يأتي من بغداد. وبنهاية حرب "تحرير الكويت"، كانت إيران هي المنتصّر الأول فيها، على الرغم من عدم مشاركتها في القتال، وأعلنت أنها قوة إقليمية كبرى، بل الطرف الإقليمي الوحيد الذي يمكنه أن يقدم الحماية لدول الخليج من التهديدات العراقية.

أما بالنسبة لدول الخليج، فقد اقتنعت بأهمية إعطاء إيران دوراً في الترتيبات الأمنية في المنطقة، بينما أعلن هاشمي رافسنجاني أن استبعاد إيران من أي مفاوضات أمنية، يعني أن الأمن الحقيقي لا يمكن أن يتحقق. وبالفعل جاء "إعلان دمشق" بين دول الخليج ومصر وسورية كنواه لقوة سلام عربية، لينصّ في فقرة خاصة منه، على أن هذا سيكون مقدمة لفتح حوار مع الأطراف الإسلاميين والدوليين، في إشارة واضحة لإيران، ثم تلي ذلك اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي في سبتمبر 1991 ليضع إطار التعاون الخليجي ـ الإيراني المشترك في المجالات الاقتصادية والأمنيّة.

نجح النظام الإيراني الجديد في التعامل بذكاء مع الأمور الدقيقة والحساسّة التي تحرك الرأي العام الإسلامي، إذ أدان غزو العراق لدولة الكويت كما أدان وجود القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في منطقة الخليج، وكان لموقف إيران تجاه انتفاضة الشيعة في جنوب العراق، أكبر الأثر من تقدير واحترام الهيئات الدبلوماسية الغربية. اعتبرت الولايات المتحدة فيما بعد، أن السياسة الإيرانية الممثّلة في محاولة تصدير الثورة لبلدان المنطقة وخاصة منطقة الخليج، ومساعدتها للحركات الإسلامية المسلحة، ورفضها التسوية السلمية مع إسرائيل، وامتلاكها لترسانة أسلحة تقليدية إلى جانب محاولاتها الجادة لامتلاك سلاح نووي، يمثل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي وبالتالي للمصالح الأمريكية الحيوية.

بعد عدة سنوات من المواجهة، أصبح للولايات المتحدة عدّة شروط مسّبقة يتحّتم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوفاء بها لإقامة حوار معها، وهي عدم معارضة عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم دعم الحركات الإرهابية المسلحة، وعدم السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

رغم الرؤية السياسية الواقعية لنظام رافسنجاني، إلا أن عامل الازدواجية ما زال يفرض وجوده على ساحة التوجه السياسي لطهران، ففي شهر مايو 1991 تطرق الرئيس رافسنجاني إلى هذه الازدواجية بقوله('إنطوان صغير، محاضرة `الأبعاد والأهداف الإيرانية في منطقة الخليج العربي`، القسم الأول من ندوة جزر الخليج العربي: أسباب النزاع ومتطلبات الحل، مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي، عام 1994، ص 89 ـ 90.'): "نحن نسعى للحصول على التقّنية من الغرب، والغربيون يظنون أننا بصّد التراجع عن المبادئ الإسلامية، وهذا غير صحيح لأن إيران في الحقيقة ستحافظ على مبادئها الثورية وفي نفس الوقت ستستفيد من التكنولوجيا الغربية". وخير دليل ومثال على هذه الازدواجية، هو موقف إيران بشأن قضية الجزر الثلاث موضوع النزاع مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

بعد انتهاء عملية تحرير الكويت، وبدلاً من اتخاذ خطوات عملية لتطبيع العلاقات العربية ـ الإيرانية، تلبّدت الأجواء بين الطرفين، وكانت قضية السلام العربي ـ الإسرائيلي هذه المرة هي أحّد عوامل التباعد، إذ فيما كانت الحكومات العربية تشارك في فاعليات مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991، استضافت العاصمة الإيرانية مؤتمراً دولياً لدعم القضية الفلسطينية، ثم اندلعت أزمة الجزر الإماراتية الثلاث اعتباراً من إبريل عام 1992 حتى تصاعدت الأحداث في 24 أغسطس 1992، بانتهاك إيران لمذكرة التفاهم لعام 1971 بشأن جزيرة أبو موسى، لتزيد إيران من تعكّير صفو العلاقات العربية ـ الإيرانية.

تدخلت الولايات المتحدة بقوة لعزل وتطويق إيران بدعوى معارضتها للسلام وتهديدها للأمن الإقليمي في منطقة الخليج، وسعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل. الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة لن تترك إيران تعمل بحرّية في منطقة الخليج، لأن المصالح الحيوية للولايات المتحدة في هذه المنطقة تحتاج اتباع سياسة الحسّم والتشّدد وفرض العقوبات الصارمّة إذا لزّم الأمر.

سادساً: تحليل الموقف الإيراني من قضية الجزر الثلاث

1. الصّلف والتعّنت

أكد الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني، أن إيران لن تغّير موقفها نحو جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وأضاف أن:

"رغم أن موقفنا بشأن الجزر لن يتغير، وأننا قد عززنا الأمن لمنع وقوع أحداث تحريضية توجد عليها مؤشرات كثيرة، وأننا نرى استفزازات لا تخدم سوى مصالح الغرب لتثبت أقدامه في المنطقة".

2. التبريرات الإيرانية

هناك تضارب واضح في تبريرات إيران وتفسيراتها لمختلف جوانب القضية، منذ أن نقّضت في إبريل عام 1992 ـ من جانب واحد ـ مذكرة التفاهم التي أبرمت مع إمارة الشارقة لإدارة جزيرة أبو موسى، على النحو التالي:

أ. في البداية كانت السلطات الإيرانية تنفي أساساً وجود مشكلة، وتنفي قيام القوات العسكرية الإيرانية الموجودة بالجزيرة، بمنع سكانها من مواطني وموظفي دولة الإمارات من الدخول إليها.

ب. ثم عادت لتصّرح، أنها لم تمنع مواطني دولة الإمارات من الدخول إليها، ولكنها لم تسمح بدخول بعض الأجانب الذين لم يحصلوا على تأشيرات دخول إيرانية للجزيرة.

ج. بعد نشّر الصّور الدالة على ممارسات إيران ضد سكان الجزيرة في وسائل الإعلام المختلفة، عادت السلطات الإيرانية تعلن على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، أن ما تمارسه إيران في الجزيرة، هو جزء من مسؤوليتها الأمنية بموجب اتفاقية الترتيبات (مذكرة التفاهم) المعقودة مع إمارة الشارقة، والتي تجعل مسؤولية المحافظة على أمن الجزيرة من المهام المنوطّة بإيران.

د. الرهان على شق الصف الإماراتي

كان تقدير السلطات الإيرانية في البداية، أن التدرج السياسي والإعلامي لفرض سيطرتها على جزيرة أبو موسى بالكامل، بالاستناد إلى تجارب سابقة، سيكون هو الأسلوب الأمثل لتحقيق هذه الغاية، حيث أن دولة الإمارات وبصفة خاصة إمارة الشارقة لن تحاول ـ كما حرصت دائماً ـ تصعيد موقفها في مواجهة خطوات التصعيد الإيرانية. كان تقدير السلطات في طهران، أن الموقف السياسي والأمني لدولة الإمارات محكوم باعتبارات محلية وإقليمية، تفرّض عليها في النهاية قبول سياسة الأمر الواقع وتمنعّها من تصعيد القضية.

وبناءً على ذلك، حاولت إيران الانفراد بإمارة الشارقة وتحاورّت معها عن العلاقات الأخوية القديمة بينهما والكفيلة بحل أي مشكلة معلقة، وحاولت كذلك شق الصف الإماراتي، من خلال رفض طرح موضوع الجزيرة كقضية تتصّل بعلاقات دولة الإمارات بإيران، وحصر هذا الموضوع فقط في إطار علاقات خاصة وغير متكافئة مع إمارة الشارقة.

حاولت إيران خلال تلك الفترة المبكّرة من الأزمة، الإيحاء بشكل مباشر وغير مباشر، بوجود ثغرات في موقف دولة الإمارات في التعامل مع أزمة الجزيرة، وذلك من خلال الإشارة إلى تأثير العلاقات التجارية التاريخية والقائمة بين إمارة دبي (وهي إحدى الإمارات السبع في دولة الإمارات) وإيران، ولكن هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل، عندما أعلن المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة (وهو أعلى سلطة سياسية في الدولة) بكل وضوح عن تمسّكه بالحقوق المشروعة لدولة الإمارات في جزيرة أبو موسى وبقية الجزر المحتلة (جزيرتي طنب الكبرى والصغرى)، ورفضه القاطع القبول بأي صورة من صور الاستيلاء غير المشروع عليها.

وكان التوجه السياسي لدولة الإمارات بعد ذلك، هو التحرك في محيطها الإقليمي، فكان بيان جدة الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 9/9/1992، ثم بيان الدوحة الصادر عن دول إعلان دمشق في 10/9/1992، وأخيراً بيان مجلس الجامعة العربية الصادر عن اجتماعات وزراء الخارجية العرب في 14/9/1992.

هـ. الرهان على انشقاق الصف الخليجي

راهنت إيران كذلك على انشقاق الصف الخليجي الذي تصّورت أنه محكوم باعتبارات المواجهة التي أفرزتها أبعاد وآثار الاحتلال العراقي لدولة الكويت، تعاملت إيران مع فاعليات الاجتماعات الثلاث، اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، واجتماع دول إعلان دمشق، واجتماع مجلس الجامعة العربية، والذين أجمعّوا على تأييد موقف دولة الإمارات وحقها في استعادة سيادتها على جزرها المحتلة الثلاث، وعبرت عن عميق أسفها لاتخاذ إيران تلك الإجراءات والانتهاكات الغير مبررة.

عندما اتضّح أن موقف دولة الإمارات يحّظى بتأييد إقليمي وعربي، بدأت إيران تغير من أسلوبها، فلجأت إلى:

اتهام الدول الغربية بإثارة النزاع

(1)  ذكر رئيس البرلمان الإيراني "علي أكبر مشتاق نوري" أن أزمة الجزر ليست سوى مؤامرة دبرها الغرب، كما أكد الزعيم الروحي "آية الله خاميني" أن القوى الغربية تُغذي الأزمة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتبرّير وجود قواتها العسكرية في المنطقة.

(2)  صرح دبلوماسيون غربيون، أن إيران تخطط لبناء قاعدة بحرية عميقة في جزيرة أبو موسى، لتكون قاعدة بحرية صالحة لاستخدام الغواصات ـ وهو سلاح بحري جديد يدخل لأول مرة في المنطقة ـ التي تعمل على الحصول عليها من روسيا الاتحادية، ويعتقد دبلوماسيون آخرون أن إيران تسّعى إلى استخدام مشكلة الجزر وبصفة خاصة جزيرة أبو موسى، كورقة ضغط ومساومة إقليمية في المنطقة.

سابعاً: الأهداف الإيرانية من تصعيد أزمة

1. فرض وجودها الإقليمي في المنطقة بعد نهاية حرب الخليج الثانية وتدمير آلة الحرب العراقية، للخروج من حالة العزلة الدولية التي تعانيها منذ قيام الثورة الإسلامية، مما أثر سلباً على دورها التقليدي في المنطقة، مع الإعلان ـ مبكراً ـ عن ضرورة ترك أمن منطقة الخليج العربي لشعوب المنطقة تحققه وترعاه دون غيرها.

2. إشعار الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي الرئيسية، بأن أي ترتيبات سياسية أو أمنية في المنطقة لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن مشاركة إيجابية لإيران، القوة الإقليمية الكبرى والوحيدة في المنطقة، والتي يمكن أن تقدم الدعم والحماية لدول الخليج من أي تهديدات عراقية في المستقبل.

3. إعلام دول الخليج العربي بضرورة التعاون والتنسيق الكامل مع طهران لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وذلك بإعطاء إيران دوراً في الترتيبات الأمنية في المنطقة، وأن استبعاد إيران من أي مفاوضات أمنية، يعني بالضرورة أن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في منطقة الخليج.