إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الجزر الثلاث






موقع الجزر الثلاث



المبحث الخامس

المبحث الخامس

العلاقات الخارجية الإيرانية وصعوبتها

أصبح واضحاً أن سياسة التقارب بين إيران وبعض الدول الخليجية، قد تكون منعطفاً إيجابياً إلى بدء مرحلة جديدة تستهدف التخلص من الشوائب التي كثيراً ما أصابت هذه العلاقات تارة بالفتور وتارة أخرى بسوء الظن وبالكثير من الشكوك، ومن المعروف أن تحريك هذه العلاقات قد أخذ وقتاً ليس بالقصّير ومرت بعقبات وأزمات، بعضها كان صامتاً والبعض الآخر كان واضحاً على مستوى العلنية وتبادل المؤاخذات.

وقد واكب انعقاد القمة الإسلامية الثامنة في طهران 9 ـ 11 ديسمبر 1997، ظهور وجه إصلاحي جديد على مسرح قمة الحكم الإيراني وهو الرئيس الحالي محمد خاتمي، بعد مرحلة شاقة خاضها بعقلانية ضد الانفلات السياسي وضد القوى المناهضة للديمقراطية وحرية الرأي، وكانت نقلّة كبيرة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الانفّتاح على العالم.

وفي ظل أوضاع خليجية وإقليمية مشجعة، توجهت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لمزيد من التفاهم والتعاون المشترك نتج عن سلسلة من المبادرات الإيجابية الشجاعة من قبل الطرفين نالت التشجيع والترحيب، مما سّرع في تطور العلاقات بشكل واعٍ ومدروس  يدعو إلى التفاؤل. وينظر الخليجيون بعيّن الرضا لهذا التقارب، ويعتقدون أنه كفيل بالمساهمة في حل الغالبية العظمى من مشكلات المنطقة وخفض توتراتها الإقليمية، كما أنهم يرّون أن إدماج إيران في المنطقة يفتح آفاقاً واعدة.

وللمرة الأولى منذ قرابة عقدين من الزمان، يجرى الحديث عن إمكانية إشراك إيران في ضمان أمن الخليج، تردد ذلك في أوساط مجلس التعاون الخليجي، وتفكر الدول المعنّية جدياً بطيّ صفحة الصراعات التي تضّر المنطقة بأسرها وتعيق تطورها وتكاملها.

ويتحدث المسؤولون عن البحث الجاد في خطوات عملية، ومن بينها ما جاء على لسان وزيري الخارجية والدفاع الإيرانيين، باقتراح صيغّة أمنية مشتركة وتسّوية عادلة للمشكلات العالقة بين إيران ودول الخليج العربي.

ومع ذلك بدت في الأفق بوادر أزمة سياسية حادة بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، نتيجة لبعض التجاوزات الإيرانية الجديدة على النحو التالي:

1. في 27 فبراير 1999، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية نقلاً عن أحد المسؤولين العسكريين ما يلي: "يبدأ اليوم سلاح البحرية الإيراني مناورات عسكرية عند مدخل الخليج وقرب جزيرة أبو موسى، وأن مناورات "الفاتح 77" تستمر 9 أيام، وتتكون من عدد من الوحدات البحرية ومقاتلات قاذفة من القاعدة التاسّعة الواقعة جنوب البلاد، ستشارك في المناورات بالإضافة إلى ثلاثة غواصات روسية الصنع. (تنظم إيران حوالي 40 مناورة عسكرية سنوياً في مياه الخليج وبحر عُمان).

2. في 2 مارس 1999، تسّلم الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد، مذكرة احتجاج رسمية من دولة الإمارات تجاه قيام وزير الداخلية الإيراني يوم 5/2/ 1999 بافتتاح مقّر جديد للبلديّة ومجمعاً طبياً في جزيرة أبو موسى، مما يعّد انتهاكاً لمذكرة التفاهم ومحاولة فرض واقع غير مشروع وتكريس الاحتلال الإيراني وتغيّير الطبيعة الديمغرافية بالقوة.

3. في 5 مارس 1999، دعت دولة الإمارات العربية المتحدة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع طارئ في أبو ظبي،  لبحث التجاوزات الإيرانية الأخيرة، وصدر عن هذا الاجتماع بيان شديد اللهجة تضمن النقاط التالية:

أ. إدانة المناورات العسكرية الإيرانية "الاستفزازية" التي جرت في الجزر الثلاث، والمطالبة بالكفّ عن مثل هذه الأعمال لأنها تهدد الأمن والاستقرار في الخليج العربي، وتشكل مصدر قلق بالغ ولا تساعد على بناء الثقة.

ب. دعوة إيران إلى إنهاء احتلالها للجزر الثلاث، من أجل مزيد من التقارب وإزالة العوائق في العلاقات الإيرانية الخليجية.

ج. ضرورة أن تقوم إيران بترجمة توجهاتها الانفتاحية المعلنة في عهد الرئيس خاتمي إلى عمل ملموس قولاً وفعلاً، من خلال الاستجابة إلى دعوة دولة الإمارات للتفاوض المباشر أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها الوسيلة السلمية لحل النزاعات بين الدول.

4. يتضح هذا الموقف الخليجي الجماعي في ضوء التصريحات التي أدلى بها راشد عبدالله وزير خارجية دولة الإمارات ورئيس المجلس الوزاري لمجلس التعاون في دورته الحالية، بعد انتهاء الاجتماع الوزاري (5/3/1999) والسابق الإشارة إليه. حيث أشار راشد عبدالله إلى عدم اتخاذ الدول الخليجية إجراءات احترازية إزاء المناورات الإيرانية وحتى "لا تتّهم الدول الخليجية بتصعيد وزيادة المخاطر في المنطقة، وأن مثل هذه المناورات كبيرة وضخمة وتفوق احتياجات إيران الدفاعية وتسبب قلقاً للخليج وللعالم أجمع".

وأضاف وزير خارجية دولة الإمارات، أن هذه المناورات لن تغّير من موقف بلاده التي تعتقد أن الانفتاح على إيران والتعامل معها له أهمية كبيرة لأننا نعيش في منطقة واحدة، فنحن نسّعى إلى تغّيير السياسة الإيرانية وليس من أجل قطع هذا التعاون، ونريد من إيران كذلك أن توظف هذه العلاقات لخدمة المصالح المشتركة والاستقرار في الخليج.

5. في 6 مارس 1999، صعدت طهران لهجتها مع مجلس التعاون الخليجي رافضة دعوة الدول السّت الأعضاء في المجلس، إلى وقف المناورات العسكرية الإيرانية في الجزر الثلاث المتنازع عليها مع دولة الإمارات، واتهمت مجلس التعاون بالتدخل في شؤونها الداخلية، وأوضح الناطق باسم الخارجية الإيرانية ما يلي:

أ. إن السياسة الخارجية الحالية لبلاده والتي تهدف إلى الانفراج وتطوير علاقاتها مع جيرانها، يجب ألا يفهم منها تجاهل حقوقها المشروعة، وكرر الادعاء أن الجزر الثلاث هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، مشيراً إلى أن بلاده تتوقع من دول مجلس التعاون العمل على حمل الإمارات على التصّرف بواقعية، والابتعاد عن الأساليب غير المثمرة، والدخول في حوار مباشر في إطار اتفاقية (مذكرة) التفاهم لعام 1971.

ب. وأوضح الناطق الإيراني أن المناورات التي تجريها بلاده تتعلق باعتبارات دفاعية، مشيراً إلى أنها حق طبيعي لا يستهدف تهديد أي طرف بل يصّب في خانة حفظ أمن الخليج، وأعرب عن "الدهشة حيال طرح مزاعم غير واقعية، في الوقت الذي تجرى فيه دول المنطقة مناورات عسكرية، مشتركة مع قوات أجنبية منتشرة في المنطقة".

6. أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن أمله في حل النزاع بين الإمارات وإيران بالطرق السّلمية، مشيراً إلى أنه يتطلع لأن تتحلى العلاقات الخليجية الإيرانية بالاستقرار والهدوء وصولاً لعلاقات متميزة، وأكد أن تجنب أي أعمال استفزازية هو أمر واجب على الطرفين.

أولاً: التوجهات السياسية والدبلوماسية لدول مجلس التعاون الخليجي

في 10 مايو 1999، عقدت في جدة أول قمة تشاورية لدول مجلس التعاون الخليجي، وصرّح الشيخ جميل الحجيلان الأمين العام  لمجلس التعاون بأن قمة جدة التشاورية تنعقد دون جدول أعمال، لن يصدر عنها بيان ختامي، وسيكتفي فقط بعقد مؤتمر صحفي بعد انتهاء أعمالها. وكان الشيخ الحجيلان قد أكد في وقت سابق، أن قمة جدة تأتي استكمالاً لمسيرة التعاون الخليجي وتستهدف تنفيذ القرارات السابقة ودعم التواصل بين قادة الدول الأعضاء، وأشار إلى أنه قام بجولة بين العواصّم الخليجية للاستماع إلى توجهات القادة بشأن القضايا المطروحة على قمة جدة.

وذكرت وسائل الإعلام في دولة الإمارات أن القمة التشاورية الخليجية الأولى ستبحث مسيرة العمل المشترك لمجلس التعاون، وعدداً من الملفات، من بينها ملف العلاقات مع إيران، وسط متغيرات بارزة على صعيد العلاقات الخليجية الإيرانية التي وصفّها وزيران خليجيان قبل أيام بأنها تبدو في أزهّى صّورها.

وعشية انعقاد أول قمة تشاورية خليجية، لم تصدر أية تعليقات رسّمية في دولة الإمارات عن أي نجاح في تحقيق اختراق كبير للموقف الخليجي، وتتساءل الأوساط السياسية والإعلامية في دولة الإمارات حول إمكانية إسهام التقارب بين أكثر من نصف أعضاء مجلس التعاون الخليجي وإيران إيجاباً أو سلباً على قضية الجزر، كما تتساءل هل يفرضّ هذا التقارب على دولة الإمارات أن تقف وحدها في مواجهة إيران؟ ولعل أشّد العبارات قسّوة هي تلك التي عبّر عنها مسؤول خليجي كبير بالقول "أن هناك من تتجّه قلوبهم وعقولهم إلى إيران، وألسّنتهم وحناجرهم إلى الإمارات".

في 5 يونيه 1999، انتّقد بشدة راشد عبدالله النعيمي وزير الخارجية الإماراتي، دول مجلس التعاون الخليجي لتقاربها مع إيران، وأعلن في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة:

·   إن التقارب الإيراني الخليجي يجئ على حساب بلاده وهو الذي شجع إيران على أن الاستفزازات المتعددة على الجزر وتغيير كثير من معالمها وإصدار التهديدات عبر وسائل إعلامها.

·   انتقد بشدة ما يتردد أن التقارب الخليجي مع إيران يصّب في اتجاه دعم الاعتدال الذي يمثله الرئيس محمد خاتمي، وقال "إننا لم نرصّد أي نتائج إيجابية لهذا الاعتدال على أرض الواقع بل إن الأمور تتفاقم في الجزر من جراء ما يعانيه المواطنون الإماراتيون من تعامل متعسف وصل إلى حدّ حرمانهم من فرص التعليم ومن ممارسة شعائرهم وتهديد أمنهم وأمانهم.

·   وأوضح أن دولة الإمارات لا تنكر أن لإخواننا في دولة مجلس التعاون أهداف ومصالح مع إيران يجب أن يسّعوا إلى تحقيقها وأن تكون علاقتهم مسّتقرة مع طهران، ولكن يجب ألا نغفل أننا أعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي ولدينا مصلحة واحدة، وإذا كان كل طرف سيذهب في طريقه فما فائدة الالتزام بإطار المجلس وغيرنا لا يّلتزم؟.

·   وطالب بضرورة إعادة النظر في التقارب الخليجي الإيراني وتقويمه على أساس ما تحقق، مشيراً إلى أهمية تبنّي سياسة خليجية مشتركة لمعالجة جميع القضايا، وأعاد إلى الأذهان الموقف الخليجي الموحد حيال الاحتلال العراقي للكويت، وتساءل لماذا لا يستبعد الآن هذا التقارب الخليجي مع إيران تحقيقاً لمصلحة وحقوق دولة الإمارات؟.

في 12 من يونيه 1999، اختتم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أعمال دورتهم الحادية والسبعين بالرياض، دون إصدار بيان ختامي عن نتائج الاجتماعات. في سابقة غير معّهودة، فيما أعتبر أمين عام المجلس، الشيخ جميل الحجيلان، أن هذه الدورة "مازالت مفتوحة" في إشارة إلى أن الوزراء بحاجة إلى مزيد من النقاش إزاء عدد من القضايا التي كانت مطروحة على جدول الأعمال. ومثل هذه السّابقة، أي عدم إصدار بيان، يمكن تفهمها في ضوء الملابسات التي سبقّت حدوث الاجتماع، وتمحورت حول ما سّمي "بالعتب الإماراتي" إزاء الموقف الخليجي المنفتح بقوة تجاه طهران، وتأثيره على حقوق الإمارات في الجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران.

وكان المجلس قد بدأ اجتماعاته بجلسة تشاورية بين وزراء الخارجية السّت لاستعراض جدول الأعمال وبحث صيغة لتقريب وجهات النظر بين دول المجلس، حول التقارب الخليجي حيث تعتبر الإمارات أن هذا التقارب سيكون على حسّاب قضية احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. وفيما كان موقف دولة الإمارات واضحاً في هذا الصدّد، فإن بعض الدول الخليجية ـ ومنها العربية السعودية ـ ترى أن حلّ هذه القضية يتم عن طريق التفاوض المباشر أو إحالته للتحكيم الدولي، مع الاستمرار في مسيرة تحسّن العلاقات مع إيران، باعتبار أن ذلك سيؤدي إيجابياً إلى تحسين العلاقات مع الدول المجاورة، وإقامة علاقات تعاون وحسّن جوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وفي أبو ظبي انتقدت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية في عددها الصادر في 13/6/99، مجلس التعاون الخليجي واتهمته بالفشل وبالقيام بهجوم متزامن مشترك مع إيران لعزل موقف دولة الإمارات في النزاع على الجزر الثلاث، وانتقدت الصحيفة تقارب بعض دول الخليج مع إيران على الرغم من استمرارها في احتلال هذه الجزر. وقالت لقد احتّلت قضية الجزر بنداً دائماً على جدول أعمال المجلس سنوات طويلة، لكنها للأسف لم تظهر على جدول أعمال مباحثات التطبيع الانفرادية بين أشقائنا وإيران، حيث بلغت علاقات بعض منهم مرحلة متقدمة ومتمّيزة.

ثانياً: توتر وأزمة العلاقات بين السعودية والإمارات

الأمر الذي لا شك فيه أن ما يمكن تسميته "أزمة" بين الدولتين العربيتين الخليجيتين الشقيقتين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قد جاء مباغتاً ومثيراً للدهشة والاسّتفهام، رغم أن مقدمات هذه الأزمة كانت متلاحقة وواضحة. فقد اعتادت الدول العربية السّت أعضاء مجلس التعاون الخليجي على ممارسة نوع من الدبلوماسية، يحرصّ على إخفاء الخلافات رغم كثرتها وحدّتها أحياناً، والظهور بمظهر التجانس والتوافق، فكل شئ دائماً على ما يرام في حين أن الحقيقة قد تكون عكس ذلك تماماً.

إن مبعث الإثارة في هذه الأزمة، أنها لم تخرج فقط إلى العلن، بل تفجرت بشكل حّاد، انفلت في لحظة لتتحول إلى تراشق غير مسبوق بين شخصيتين سياسيتين مرموقتين في البلدين. وكان التساؤل الذي تردد كثيراً ولم يجدّ له حتى الآن إجابة منطقية هو ما الدافع للوصول بالبلدين إلى هذا المستوى من الحدّة في الخلاف؟ وهل حسّبت وقدّرت كل من السعودية والإمارات أمرهّما جيداً وبصفة خاصة أمر علاقاتهما المشتركة؟، وأمر مستقبل مجلس التعاون الخليجي قبل الاندفاع في هذا الخلاف؟.

يتركز أصل الخلاف بين الدولتين في شكله الخارجي، حول اعتراض الإمارات على التقارب الدافئ في العلاقات السعودية الإيرانية، من منظور أن هذا التقارب سوف يكون على حساب الإمارات ومصالحها الوطنية فيما يتعلق بقضية الجزر الثلاث التي احتلتها إيران عشية الانسحاب البريطاني الخليجي عام 1971.

وترى الإمارات أن هذا التقارب السعودي مع إيران، سوف يشجع الأخيرة على التمادي في موقفها المتشّدد من الجزر الثلاث، ظناً منها أن المملكة العربية السعودية وباقي دول المجلس قد سحبت دعمها لموقف الإمارات، ومن ثم لن تكون إيران مضّطرة فيما بعد للقبول بدعوة الحل السلمي لمشكلة الجزر، وهي الدعوة التي تطالب بالتفاوض الثنائي المباشر بين البلدين، أو بعرض المشكلة على محكمة العدل الدولية.

كانت دولة الإمارات تراهن طيلة السنوات الماضية وبصفة خاصة منذ عودة مشكلة الجزر للتفجر مجدداً في 24 أغسطس 1992، على أن موقف دول مجلس التعاون الخليجي الذي يربط بين تحسن العلاقات مع إيران وقبول الأخيرة بالدعوة السلمية بحل مشكلة الجزر سوف يؤتي ثماره عاجلاً أو آجلاً، ولذلك جاء ردّ فعل الإمارات منفعلاً وعصبياً نحو التقارب السعودي مع إيران، لأن هذا التقارب تم قبل أن تقدم إيران على أي خطوة إيجابية، أو حتى مجرد وعّد رسمي بالنظر في دعوة دولة الإمارات للتفاوض حول قضية الجزر.

أما المملكة العربية السعودية فلا ترى أي مبّرر للانفعال الإماراتي  وتؤكد أن التقارب السعودي الإيراني سيكون، على عكس تصور الإمارات، وفي صالح حل مشكلة الجزر. فهذا التقارب سيقدم الإغراء الكافي لإيران لكي تسعى نحو المزيد من الانفتاح وانفراج العلاقات مع دول مجلس التعاون، ذلك أن إقامة شبكة من المصالح المشتركة بين السعودية وإيران، وفي هذا الوقت بالذات الذي تواجه فيه إيران مشاكل اقتصادية حادة، سوف يجعل من الاحتفاظ الإيراني بالجزر هدفاً لا يداني هدف التوسع في تعميق علاقات المصالح المشتركة مع السعودية وباقي دول مجلس التعاون، إضافة إلى ذلك فإن هذا التقارب بين الرياض وطهران سوف يدعم التيار الإصلاحي والتصّالحي داخل السلطة الإيرانية بزعامة الرئيس محمد خاتمي، وعندما يقوي هذا التيار سيكون في إمكانه فتح ملف الجزر المتنازع عليها، دون خشّية الإطاحّة به من جانب التيار الآخر المتشّدد في السلطة، والذي يمكن أن يصّور إقدام تيار خاتمي على تقديم تنازل بالنسبة للجزر، على أنه خيانة عظمى لمصالح وطنية إيرانية.

هذا الخلاف في وجهتي النظر بين الإمارات والمملكة العربية السعودية، لا يمكن وصفه إلا أنه مجرد خلاف في الشكل أو المظهر لخلافات أخرى أهم وأعمق. والقضية الأساسية هنا هي إدراك الإمارات أن خطوة السعودية في هذا الوقت للتقارب مع إيران، سوف تؤدي إلى حدوث اختلال في معادلة توازن القوى الإقليمي في الخليج، وهو اختلال ليس في مصلحة الإمارات وبالذات بالنسبة لمشكلة الجزر الثلاث المحتلة، كما أنه قد لا يكون في مصلحة باقي الدول الأربع الصغرى الأخرى في مجلس التعاون (الكويت وسلطنة عُمان وقطر والبحرين).

ثالثاً: البعد الإقليمي للخلاف السعودي ـ الإماراتي حول العلاقات مع إيران

إن الخلاف الذي نشب داخل مجلس التعاون الخليجي، نظر إليه البعض وناقشه، من زاوية تأثيره على العلاقات بين دول مجلس التعاون، وخطره على وحدة المجلس.

ويرى فريق آخر، أن هذا الخلاف يؤكد على ضرورة بحث العلاقة بين المصلحة القومية والمصلحة القطرية، وأيهما تسبق الأخرى، أو توظف لخدمتها؟، وهل يمكن أن تكون مراعاة المصلحة القومية، وتقديمها، ضّارة بالمصلحة القطرية؟.

إن الإطار الاتحادي يفترض المساواة في الحقوق، ولا يعطي ميزة للكبير على الصغير، حتى لو كان متميزاً في المساحة أو عدد السكان أو حجم الثروات التي يملكها، بل أن ذلك يّرتب عليه مسؤوليات أكبر تجاه الشقيق الأصغر حتى يعّزز الدوافع لديه بالانتماء للإطار الأكبر، دون أن يتولد لديه أي إحساس أن هذا الانتماء قد أفقده خصوصيته الوطنية، أو أنه سيكون في مرتبة أدنى من مراتب الآخرين، أو أن مصالحه وحقوقه ستكون عرضّه للمساومة عليها لحساب شركائه الآخرين.

إن تباين الرؤى هو أمر وارد، ولكن المحك الأساسي هو طريقة طرح هذا التباين وإدارته والنظر إليه، وعدم مساسه بالمبادئ العليا التي تحكم العلاقات بين أطرافه، وأن ما حدث بين الإمارات والسعودية جاء على غير قصد من الجانبين.

أثبت مجلس التعاون الخليجي أنه مؤسسة إقليمية أكثر انسجاماً من الجامعة العربية، وهو يقوم بين دول تقع في إطار جغرافي متصل، ويضم دولاً ذات أنظمة حكم  متشابهة، وله مجالس إقليمية متخصصة في مختلف الشؤون العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتربوية، وكثيراً ما يتعامل، أو يتم التعامل معه كوحدة سياسية واحدة أو متكاملة، ولذا واجه كل التحديات التي واجهته بنجاح وثبات، فهو نتاج تجربة طويلة من التفاعل بين شعوبه ودوّله، وقد استطاع أن يتخذ من الأزمات التي ألمّت به (مثل أزمة غزو العراق لدولة الكويت) منطلقاً للتطور نحو الأفضل من خلال إعادة النظر في سياسته وتوجهاته.

رابعاً: احتواء أزمة الخلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات

خلال شهري مايو ويونيه 1999، شهدت الساحة الخليجية عدة تحركات سياسية ودبلوماسية للتوسط واحتواء النزاع القائم في وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية والإمارات، منها ما يلي:

1. في 21/5/99، أنهى محمد خاتمي، الرئيس الإيراني، جولة عربية هي الأولى له شملت سورية والمملكة العربية السعودية وقطر، وانتقل خاتمي من دمشق إلى المملكة العربية السعودية حيث أجرى مباحثات مع الملك فهد بن  عبدالعزيز، العاهل السعودي وسائر المسؤولين السعوديين وعلى مدى أربعة أيام، من أجل إقامة أفضل العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية على أساس حسن الجوار والتعايش السلمي في المنطقة وتسوية أي خلاف من خلال الحوار المباشر، وقد اختّتم الرئيس الإيراني محادثاته في الدوحة حيث اجتمع مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر، ووقع الجانبان عدداً من اتفاقيات في مجالات مختلفة.

2. في 20/6/99، أجرى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر، محادثات في أبو ظبي مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، انتقل بعدها إلى الرياض حيث اجتمع مع الملك فهد بن عبدالعزيز، العاهل السعودي، وذكرت الأنباء الإعلامية، أن الشيخ حمد أزال "العتّب المتبادل" بين السعودية والإمارات بشأن التقارب مع إيران. وقد رافق أمير قطر خلال زيارته للسعودية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهو أول مسؤول إماراتي رفيع المستوى يزور السعودية منذ بدء الخلاف. وقد رحبت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بالوساطة القطرية، في بيانين منفصلين صدر عن كل من الدولتين.

وتشير بعض المصادر، أن دولة قطر تقدمت بمشروع قرار جديد بشأن العلاقة بين مجلس التعاون وإيران، ومن المقرر أن يعرض مشروع القرار على أول اجتماع للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي.

وأعلنت المصادر السياسية، أن المملكة العربية السعودية طمأنت الإمارات بشأن علاقاتها مع إيران، وأكدت أن هذه العلاقة لمصلحة الجميع، وبذلك أُسدل السّتار على النزاع وتم تنقية الأجواء ورأب الصدّع بين الدولتين، والتي كادت أن تؤدي إلى تفكك أو تصدع مجلس التعاون الخليجي.

خامساً: احتمالات العودة إلى طريق المفاوضات

شكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لجنة ثلاثية بعضوية كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ودولة قطر، بهدف وضع آلية لبدء مفاوضات مباشرة بين أبو ظبي وطهران، وعقدت هذه اللجنة أولى اجتماعاتها في جدة في 10 يوليه 1999.

أعرب الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات، عن أمل بلاده في أن تتوصل اللجنة الثلاثية إلى بدء مفاوضات جادة وصريحة بين الإمارات وطهران، وفق سقف زمني محدد من أجل إيجاد حل ينهّي احتلال إيران للجزر، بما في ذلك الإحالة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي أو اللجوء إلى التحكيم. وقال: "نحن نريد أن نعطي الفرصة كاملة لهذه اللجنة ومن خلالها للجانب الإيراني للخروج بنتائج إيجابية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال لجزرنا الثلاث، وإن الإمارات تدرك أن تجاوب الجانب الإيراني مع مساعيها هو العنصر الحاسم".

وجاء رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، حميد رضا أصفى، بإبداء استعداد إيران لعقد مفاوضات مع دولة الإمارات العربية المتحدة حول قضية الجزر، دون أي شروط مسّبقة. وقال أن طهران ترحب بأي مسؤول إماراتي يرغب في عقد مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين حول الجزر الثلاث، ومن المعروف أن كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني قد أعلن بعد زيارته الأخيرة إلى العربية السعودية، أنه قد وجّه دعوة لنظيره الإماراتي لزيارة إيران، ولا تزال هذه الدعوة قائمة.

أعلن الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان عن استعداده لزيارة إيران، على أساس الإعداد الجيد وتحضير مسودات اتفاقيات أو مذكرات تعد تتويجاً لجهود تحضيرية سابقة، وصرح "نحن نريد إنهاء الاحتلال ولا نقبل بتجزئة حقوقنا الوطنية وسيادتنا على كل شبر من أراضي دولة الإمارات". وقد طلبت دولة الإمارات من الحكومة الإيرانية، توضيح ما تعنيه إيران تحديداً بالترحيب بإجراء محادثات غير مشروطة مع دولة الإمارات حول النزاع بشأن مجموعة من الجزر؟.

وصرحت المصادر الإماراتية، أن على طهران أن توضح ما إذا كانت ستوافق على مطلب أبو ظبي الخاص بتحديد جدول أعمال وجدول زمني لأي مفاوضات تجرى بين البلدين بشأن الجزر الثلاث موضوع النزاع. وذكرت تلك المصادر، أن مثل هذه المراوغة يمكن أن تكون مبرراً لعدم إجراء محادثات.

سادساً: مقترحات التفاوض السلمي والاحتكام إلى الشرعية الدولية

1. التفاوض الثنائي المباشر أو الوساطة بين الأطراف المتنازعة

وفي هذا المجال، بإمكان السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، أن تستخدم كافة الأساليب الدبلوماسية المتاحّة لإقناع الحكومة الإيرانية بالتخلي عن احتلالها العسكري للجزر الإماراتية الثلاث، وعودة سكان الجزيرة الأصليين لمزاولة أنشطتهم الاقتصادية وضمان حرياتهم السياسية في التعايش السلمي جنباً إلى جنب مع المهاجرين الإيرانيين، وغير ذلك من الأمور الأخرى، إضافة إلى ذلك من الممكن وضع استراتيجية متبادلة ومشتركة للمصالح الاقتصادية، وقيام مشاريع استثمارية متبادلة المنافع بين الدولتين.

ومن الضروري أن تكون هناك التزامات لإبعاد شّبح المخاطر الأمنية، وذلك بعدم استخدام هذه الجزر كقواعد عسكرية لقوى أجنبية قد تهدد مستقبل أمن الملاحة البحرية الدولية في منطقة الخليج.

يتفق الجانبان على برنامج زمني محدد لتنفيذ القرارات التي سوف يتم الاتفاق عليها، وفقاً للأسبقيات والأولويات المطروحة ومثال ذلك: أولوية الانسحاب العسكري، وأولوية تبادل المصالح الاقتصادية، وقيام مشاريع استثمارية أو نفطية مشتركة، وتنظيم الهجرة المتوازنة، وإنشاء علاقات ثقافية، وغير ذلك من الأمور التي سوف تعود على شعوب هذه المنطقة بالأمن والرخاء والاستقرار الشامل.

2. اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتسوية النزاع حول ملكّية الجزر

في حالة فشل التفاوض الثنائي المباشر بين الدولتين أو الوساطة بينهما، وعدم انسحاب القوات العسكرية الإيرانية من الجزر الإماراتية الثلاث موضوع النزاع، خلال مهّلة زمنية محددة (من شهر إلى حد أقصى ثلاثة أشهر)، يحقّ لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تلجأ بصفة رسمية وعاجلة وفق مقتضيات القانون الدولي إلى محكمة العدل الدولية لتسوية النزاع.

عند طرح مستندات هذه القضية على مستوى القضاء في الشرعية الدولية، من الضروري التأكيد على عدد من المسائل التي تملك الدبلوماسية الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة خبرة طويلة فيها، للتأكيد عليها وطرحها قانونيّاً ومثال ذلك:

الهّوية السيادية الوطنية في ملكية الجزر الثلاث، وإثبات الحقوق الشرعية أو المشروعة لسكانها الأصليين، وطرح كافة أسباب ومبرّرات هذا النزاع في أركانه السياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية، وطابع الاحتلال العسكري المتزامن مع الأحداث الساخنة.. الخ، وذلك بهدف بلورّة الرؤية القانونية الكاملة لدى هيئة التحكيم الدولية لإيجاد مخرج سلمي للمشكلة.

وفقاً للأعراف الدولية وطبقاً للقانون الدولي، فإن اللجوء إلى التحكيم متاح لأطراف النزاع ، والتحكيم هو أهم مراحل فصّل أي نزاع بين دولتين، ومن أحدث قضايا نزاع فصل فيها التحكيم، هي قضية "طابا" بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل، واحّتكم فيها طرفّا النزاع للتحكيم الدولي، ومن أهم مميزات التحكيم ما يلي:

أ. قبول الأطراف المتنازعة اللجوء إليه دون أن ينشأ بينهم العداوّة والحقّد، ويذكر في وثيقة التحكيم والذي يتفق عليها ـ بما معناه ـ أن يقبل الأطراف الحُكم الصادر من هيئة التحكيم أياً كان هذا الحُكم.

ب. مقابلة الحجة بالحجة على أن يقدم كل طرف ما يملكه من مستندات ووثائق للدراسة والاسّتدلال والمناقشة، من قبل هيئة التحكيم، وهذه الوسّيلة تسّبق القضاء الدولي.

إن التحكيم الدولي يسبق القضاء الدولي في محكمة الأمن الدولية، لأن هذه المحكمة لا تُصدر قراراً، إنما تصّدر حكماً مبّرماً نافذاً في حق الدولة الصادر بحقها هذا الحكم.

لذا من المفضل، أن تعّرض دولة الإمارات العربية المتحدة هذا النزاع، إن لم يحّل بالتفاوض المباشر أو بالوساطة بين طرفي النزاع، للتحكيم الدولي للفصّل فيه.

3. دور جامعة الدول العربية في طرح القضية على المحافل الدولية

ويمكن أن يأخذ هذا الدور محورين أساسيين:

أ. المحور الأول

المطالبة بتحريك الموقف السياسي الرسمي عالمياً في القضية، وتدّويل الخلاف من أجل اتخاذ إجراءات وضغوط سياسية واقتصادية دولية طويلة المدى ضد الحكومة الإيرانية، من أجل الابتعاد عن وسائل السيطرة العسكرية أو التهديد بالقوة، في إنهاء احتلال جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث.

ب. المحور الثاني

التلميح باستخدام الحلول القصوى وفق القانون الدولي، والتأكيد على إمكانية التصّدي وطلب استخدام القوة العسكرية الدولية في حالة تصعيد الموقف أو استمرار التهديدات السياسية والعسكرية الإيرانية. وذلك باعتبار:

إن دولة الإمارات العربية المتحدة هي عضو في جامعة الدول العربية، والتي ينصّ ميثاقها على الدفاع عن سيادة واستقلالية الدول الأعضاء في حالة حدوث اعتداء خارجي عليها.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة هي عضو في جمعية الأمم المتحدة، والتي ينصّ ميثاقها على ضمان سيادة واستقلالية الدول الأعضاء.