إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام الجليل)





مراحل وتطور أعمال القتال
الهجوم على لبنان
المعالم الرئيسية للعاصمة
الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين
تحديد مواقع بطاريات الصواريخ
بطاريات أرض/جو




المبحث الخامس

المبحث الخامس

المرحلة الثالثة، تشديد الحصار حول بيروت (14 يونيه ـ 31 يوليه)

تُعدّ هذه المرحلة أطول مراحل القتال، إذ استمرت نحو شهر ونصف الشهر، شدّدت إسرائيل خلالها الحصار حول بيروت من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، إلاّ أن هذه المرحلة شهدت نماذج متعددة من القتال. وعلى الساحة السياسية، بدأ الحديث يدور حول خروج المنظمات الفلسطينية من لبنان، كما استمرت الجهود السياسية من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة. وفي الوقت نفسه، كانت إسرائيل تخطط لمرحلة جديدة للقتال، تقتحم خلالها العاصمة اللبنانية، من أجل تحقيق المكاسب السياسية التي خططت لها.

أولاً: أعمال القتال، يوم 14 يونيه

1. الموقف العسكري

وسّعت إسرائيل نطاق احتلالها لمشارف بيروت، في محاولة لعزل العاصمة عن الضواحي والجبل. وتقدمت قواتها حتى وصلت، في منتصف الليل، إلى "عين سعادة" في الجزء الشمالي، وفي اتجاه المنطقة الشرقية، من بيروت. كما تحركت بعض القوات الإسرائيلية المتمركزة في بعبدا، في ثلاثة اتجاهات، لاستكمال إحكام الطوق حول بيروت، وتم تمركزها دون مقاومة.

أ. المجموعة الأولى: تقدمت إلى ضهور الشويفات ومفترق عرمون، وقطعت جسراً يصل مفترق عرمون بمفترق بشامون. وعززت قواتها على طريق المعروفية ـ بسابا.

ب. المجموعة الثانية: عبرت طريق الشام، وتحركت من الحازمية إلى الفياضية واليزرة. وأقامت مراكز ثابتة لها في أماكن عدة، منها مركز قبالة ثكنة الجيش اللبناني في الفياضية، وآخر قرب منزل قائد الجيش اللبناني، العماد فيكتور خوري.

ج. المجموعة الثالثة: سلكت طريق الحازمية ـ جسر الباشا، وتوجهت إلى المكلِّس فمنصورية المتن. ثم تمركزت على الطريق، الذي يربط المتن الشمالي بالمتن الأعلى.

كما دفعت القيادة الإسرائيلية لواءً مدرعاً لتعزيز منطقة بعبدا، حيث تمركز أمام المبنى الجديد لوزارة الخارجية اللبنانية، قبالة القصر الجمهوري اللبناني.

وفي الجنوب اللبناني، واصلت القوات الإسرائيلية محاصرتها مخيم عين الحلوة. كما بدأ الجيش الإسرائيلي حملة مطاردة للفلسطينيين في المناطق التي احتلها بالجنوب، واحتجز نحو 12 ألف لبناني وفلسطيني، كانوا قد لجأوا إلى مركز الصليب الأحمر الدولي. ثم أُخلي سبيل اللبنانيين، واحتفظ بالفلسطينيين الذي نُقلوا إلى مركزين، في منطقة جنوب صور.

وعن الخسائر الإسرائيلية، صرح رئيس الأركان الإسرائيلي، بأن خسائر الجيش الإسرائيلي، في معارك لبنان، حتى ذلك اليوم، بلغت 170 قتيلاً و700 جريح.

2. الموقف السياسي، اللبناني والعربي

أ. الموقف اللبناني

شهد الوضع السياسي حدثين: الأول، إعلان إنشاء هيئة الإنقاذ الوطني[1]، برئاسة رئيس الجمهورية، إلياس سركيس، لتعاونه على مواجهة الظروف الحاضرة. والآخر، وصول السفير فيليب حبيب، المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي، إلى بيروت، آتياً من دمشق، وبدء محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين.

ب.الموقف العربي

ذكرت وكالة "وفا" الفلسطينية، أن ياسر عرفات تلقى برقية من الملك فهد، رداً على برقية بعث بها القائد الفلسطيني إلى العاهل السعودي. وجاء في برقية الملك فهد: "علمنا مما أوضحتموه استمرار العدو في عملياته العسكرية الصهيونية على بيروت وضواحيها ومطارها، ومخيمات الإخوة الفلسطينيين. وكما سبق أن أخبرناكم وأكدنا لكم، أننا معكم بكل قلوبنا وجوارحنا، وإننا مستمرون في بذل الجهد الدائم والحثيث، على كل الأصعدة والمجالات العربية والدولية. ولن نتوانى عن القيام بكل ما نستطيع، في سبيل العمل على إرغام هؤلاء الصهاينة الغادرين على سحب قواتهم إلى الحدود الدولية".

ثانياً: أعمال القتال، يوم 15 يونيه

1. الموقف العسكري

واصل الإسرائيليون تقدمهم في ضواحي بيروت وعلى مشارفها. واحتلوا بيت مري، في المتن الشمالي، ودير القلعة. كما عززوا مواقعهم على طريق الجسر، الذي يربط المتنَين، الشمالي والأعلى.

وفي بعبدا، انتشرت القوات الإسرائيلية في البلدة، وفي "الحدث" والحازمية. واقتحمت القوات الإسرائيلية، ليلاً، بلدة الشويفات، وقامت بقصف صحراء الشويفات، امتداداً من خلدة حتى محيط المطار.

وفي المقابل، قطعت القوات الإسرائيلية طريق بيروت ـ دمشق الدولي، في محلة الجمـهور، إضافة إلى عدة طرق في قرى قضاء عاليه. ووجّه الإسرائيليون رسالة، طالبوا فيها القوات السورية، المنتشرة في بيروت والضواحي، بإخلاء مواقعها، فرفضت القوات السورية ذلك الطلب، مؤكدة استمرار وجودها دفاعاً عن الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني.

(أذاع راديو دمشق بياناً رسمياً أعلن فيه: أن قوات الردع السورية تلقت إنذارا من قوات الغزو الإسرائيلية، بإجلاء مدينة بيروت وما جاورها، من القوات السورية، التي يبلغ عددها 1000 جندي. وإن السلطات السورية رفضت هذا الإنذار، وأبلغت العميد سامي الخطيب، قائد هذه القوة، أنها موجودة هناك بطلب من السلطة الشرعية في لبنان).

كما تجدد القتال بين القوات السورية (قوة الردع) والقوات المشتركة، من جهة، والقوات الإسرائيلية، من جهة أخرى، على محور خلدة ـ صحراء الشويفات. واستخدم فيه نيران الدبابات والمدفعية.

وفي صيدا، تمكنت القوات المشتركة من صدّ هجوم إسرائيلي على مخيم عين الحلوة. ومن ثم، قصفت القوات الإسرائيلية المنطقة، من البر والبحر والجو، من دون أن تتمكن من اقتحام المخيم.

وأصبح من الواضح، أن القوات الإسرائيلية ماضية في توسيع رقعة احتلالها وتصعيد الموقف. فقد بدأت بتعزيز مواقعها شرق وشمال شرق بيروت، على نحو يمكنها من تحقيق السيطرة على المخيمات الفلسطينية من الخلف، واستمرار مهاجمتها من الجنوب، مع تطويق المواقع السورية المدافعة على طـريق دمشـق، فضلاً عن الاقتراب من مرتفعات صنين، بما يسمح لها بالسيطرة على البقاع. كما وضح من الإجراءات الإسرائيلية، أن الإسرائيليين ينوون البقاء لفترة طويلة، إذ حولوا منطقة الشوف إلى مركز تجمع عسكري كبير، يضم مستودعات ومستشفيات وأراضٍ لهبوط الطائرات العمودية.

2. الموقف السياسي

وترافقت التطورات العسكرية مع تحرك سياسي، واهتمام دولي بمعالجة الوضع الخطير، تمثلا في المفاوضات، التي أجراها المبعوث الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط، السفير فيليب حبيب، والمبعوث الفرنسي، السيد فرنسيس جوتمان، الأمين العام لوزارة العلاقات الخارجية الفرنسية، الذي اجتمع مع الرئيس إلياس سركيس، إضافة إلى اجتماعات هيئة الإنقاذ الوطني، التي شُكلت لمعاونة رئيس الجمهورية على مواجهة ظروف الحرب.

وفي العواصم الأوروبية والعربية، بدأ العالم يدين الأعمال الوحشية الإسرائيلية، ورأى فيها انتهاكاً فاضحاً لحق الشعوب[2].

ثالثاً: أعمال القتال، أيام 16، 17، 18 يونيه

1. الموقف العسكري

اقتصرت العمليات العسكرية في الضاحية الجنوبية لبيروت، على عدة اشتباكات، وقعت بين القوات السـورية، العاملة في قوات الردع، والقوات المشتركة، من جهة، والقوات الإسرائيلية، من جهة أخرى. أما في الجنوب فقد ركزت القوات المشتركة نشاطها في بعض العمليات خلف الخطوط، ضد المواقع الإسرائيلية في صور وصيدا.

وفي غضون مآسي الحرب، كان انقطاع الماء والكهرباء عن بيروت عاملاً من عوامل إرهاق الشعب اللبناني الصامد. وقد عانى المواطنون في بيروت المحاصرة أشد العناء من هذا السلاح، الذي استعمل ضدهم بقسوة. كما قصفت القوات الإسرائيلية الضاحية الجنوبية في بيروت، موقعة العديد من الإصابات في برج البراجنة وحي السلّم، فضلاً عن إحراق عدة طائرات لبنانية مدنية على أرض المطار.

وواقع الأمر، أن وقف إطلاق النار، الذي وافقت عليه إسرائيل، بناء على طلب المبعوث الأمريكي، فيليب حبيب، لم يستمر، إذ استأنفت المدفعية الإسرائيلية قصف الضاحية الجنوبية، على طول المحور الممتد من الأوزاعي إلى مطار بيروت، ومخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا وصحراء الشويفات.

وفي 16 يونيه 1982، انضمت، وبصفة رسمية وعلنية، ميليشيات حزب "الكتائب" اليميني اللبناني، إلى قوات الغزو الإسرائيلي في المعارك الدائرة ضد معاقل المقاومة الفلسطينية المحاصرة داخل القطاع الغربي من بيروت. وقالت وكالات الأنباء: "إن قوات الغزو والقوات المناوئة استولت على المعقل الفلسطيني في "كلية العلوم" بضاحية كفار شيما جنوب شرقي بيروت. وذكر ضابط كتائبي أن ميليشياته تلقت أمراً بمهاجمة المواقع الفلسطينية، في الوقت نفسه، الذي وجه فيه بشير الجميل، قائد الميليشيات "الكتائبية" نداءً لإنقاذ بيروت، من التعرض للمصير الذي تعرضت له صيدا وصور". وذكرت الأنباء أن مدفعية الكتائب ظلت تقصف "كلية العلوم" لمدة ساعتين قبل أن تقتحمها قوات الغزو. وأن سقوط "كلية العلوم" يجعل المدرعات الإسرائيلية على المداخل الجنوبية لمخيم اللاجئين في برج البراجنة، وعلى حافة ممر الإقلاع الرئيسي في مطار بيروت.

وعن الخسائر الإسرائيلية، حتى 17 يونيه 1982، ذكر رئيس شعبة الطاقة البشرية في الجيش الإسرائيلي، اللواء موشيه ناتينف، أن خسائر الجيش الإسرائيلي، في معارك لبنان، بلغت 214 قتيلاً و1114 جريحاً. وأن لدى الجيش الإسرائيلي 149 أسيراً سورياً ونحو 5 آلاف مخرب.

2. التمديد للقوات الدولية في لبنان

دُعي مجلس الأمن إلى الانعقاد، للنظر في التمديد للقوات الدولية، في 15 يونيه 1982، وهو الموعد الأقصى لانتهاء ولايتها. واقترحت الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون التمديد لفترة ثلاثة أشهر. واتفق الجانبان اللبناني والأمريكي، على مشروع قرار، يؤكد القرارَين 508 و509. أمّا الاتحاد السوفيتي، فكان يوافق على التمديد المؤقت.(اُنظر ملحق مشروع القرار اللبناني ـ الأمريكي بالتمديد للقوات الدولية في 16 يونيه 1982). و (ملحق البرقيتان الرقمان 262، في 15 يونيه 1982؛ و263، في 16 يونيه 1982الصادرتين من السفير اللبناني إلى الأمم المتحدة، غسان تويني، إلى وزير الخارجية اللبناني، فؤاد بطرس)

3. الموقف السياسي

أ. موقف المملكة العربية السعودية

رأى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على إرغام إسرائيل على الانسحاب من لبنان، إذا قطعت عنها المساعدات العسكرية.  وقال: "إن ربط الانسحاب الإسرائيلي بسحب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، أمرٌ متروك للحكومة اللبنانية، على أساس أنها صاحبة القرار. وليس من حق إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى، أن تشترط هذا على لبنان". وحذر من أنه إذا امتنعت إسرائيل عن الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية، فسنضطر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، لإجبارها على ذلك، معرباً عن أمله أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية قوة إقناعها، لإجبار إسرائيل على الانسحاب.

وعن الموقف الذي يمكن أن تتخذه بلاده لمعالجة الموقف، قال سموّه: "إن السعودية تترقب ما يمكن أن يحققه العمل الدبلوماسي الدولي على هذا الصعيد، وأنها تواصل اتصالاتها مع الحكومة اللبنانية، للبحث في العمل العربي الجماعي، الذي يمكن القيام به في مواجهة الغزو الإسرائيلي، والموقف المتفاقم في لبنان". وحذّر من أن عدم التدخل الأمريكي، لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، سيؤثر سلباً، بشكل أو بآخر، في العلاقات بين الرياض وواشنطن.

كما صدر عن الديوان الملكي في الطائف بيان مهم، وزعت نصه وكالة الأنباء السعودية الرسمية، جاء فيه: "بناء على ما صدر على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، من تهديدات مستمرة باجتياح عاصمة لبنان الشقيق ، تحذر المملكة العربية السعودية من إقدام إسرائيل على هذه الخطوة، وتعلن أن اجتياح عاصمة دولة عربية مستقلة، ذات سيادة وكيان، سيبطل كل الجهود السياسية والمساعي العربية، المبذولة على كل ساحات العمل، السياسي والعسكري والاقتصادي، ..الخ، بما فيها ميدان المعركة نفسه. وسيضع الأمة العربية أمام مسؤولياتها التاريخية، وهي ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن أراضيها ومقدساتها، بكل الطاقات والإمكانات. وإن المملكة ستكون أول من يلبي نداء الواجب".

ب. موقف إسرائيل

وعن العاصمة اللبنانية المحاصرة، يقول زئيف شيف، المحرر العسكري الإسرائيلي لجريدة هاآرتس:

"يعتقد الكثيرون منّا أن الذي يحدث الآن في بيروت الغربية، سيؤدي إلى إحراج رجال المنظمات وقياداتهم. ويبدو أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن رجال المنظمات، في استطاعتهم الصمود طويلاً، ولأشهر عديدة. وفي ظل الظروف الحالية، فإن ما تعانيه إسرائيل، سياسياً وإعلامياً، يفوق النتائج السلبية العسكرية التي يُعاني منها رجال المنظمات. إن الحصار، الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على بيروت، هو حصار جزئي، يسبب عدم ارتياح السكان. ولكن لا يمكن عدّه حصاراً جدياً، من الناحية العسكرية.

فرجال المنظمة، يمتلكون مخازن ضخمة للأسلحة، ومواقع تحت الأرض. كما يوجد لديهم مخزون من المواد الغذائية، تكفي ستة أشهر. وفي ظل الاعتبارات العسكرية، والحصار الحالي، يستطيع رجال المنظمات والسكان، العيش في بيروت المحاصرة لفترة طويلة، وغير محددة. كما يعلم رجال المنظمات الوضع الغريب، الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، فهم يسمعون عن التحذيرات الأمريكية لإسرائيل، بضرورة عدم الدخول إلى بيروت الغربية، وأن واشنطن لا تسمح بفرض حصار تامٍ على المدينة.

إن أهداف رجال المنظمات، الآن، تكمن في الصمود. وهذا سيفسح أمامهم المجال لإدارة مفاوضات ناجحة، يستطيعون خلالها، على الأقل، تحقيق جزء من مطالبهم.

ويُعد هذا الموقف ورطة، وجدت إسرائيل نفسها فيها. فمن ناحية، هو حصار جزئي، وغير حاسم، من الناحية العسكرية. ومن ناحية ثانية، نحن ندفع ثمناً غالياً مقابل كل الأعمال العسكرية، التي نقوم بها. فكل العالم أصبح ينظر بازدراء إلى إسرائيل وآلتها العسكرية، التي تُدمر عاصمة دولة مجاورة على رؤوس سكانها، لا لشيء، إلا لوجود عدة آلاف من رجال المنظمات فيها. فواقع الأمر أن بيروت أصبحت فخّاً لإسرائيل. وحتى من الناحية المنطقية، لا يوجد حدود للأعمال العسكرية، التي تقوم بها. وسيجيء الحل السياسي، الذي يختلف تماماً عما تعرضه إسرائيل الآن".

وهكذا أصبح الموقف أمام إسرائيل، بعد أن وضعت نفسها في ورطة، لا تستطيع الخروج منها، وأصبحت بيروت تشكل فخّاً للقوات الإسرائيلية.

رابعاً: أعمال القتال، خلال الفترة من 19 إلى 22 يونيه

1. الموقف العسكري

تجددت الاشتباكات، خلال تلك الفترة، في الجزء الجنوبي الغربي من بيروت. كما نفذت إسرائيل عملية إبرار جوي بالطائرات العمودية ـ بقوة غير معلومة الحجم ـ على قمة جبل ظهر القضيب بالقرب من بلدة الأرز، شمال شرق بيروت، بالقرب من الطريق الذي يربط بين طرابلس، عاصمة شمال لبنان، بسهل البقاع شرقي لبنان. وبهذا العمل تتضح النية الإسرائيلية في مواصلة الزحف صوب الشمال من طريق محور جبل لبنـان. وبذلك يمكن إسرائيل تهديد مدينة طرابلس، التي تعَدّ المنفذ إلى الشمال وإلى سورية، مع إمكان تهديد الخطوط الخلفية للقوات السورية في سهل البقاع.  

ووجّه الجنرال أمير دوري، قائد المنطقة الشمالية في إسرائيل، تحذيراً إلى سورية، من إذاعة القوات المسلحة الإسرائيلية، قال فيه: "إنه إذا لم تعِ سورية الدرس، الذي تلقته في المعارك السـابقة، فسنكون مضطرين إلى القيام بعمل واسع النطاق".

ومن ناحية أخرى، عززت القوات الإسرائيلية، خلال تلك الفترة، مواقعها في منطقة الشوف، ومنطقة خلدة، والمطار. كما قصفت ضواحي العاصمة اللبنانية قصفاً مدفعياً مكثفاً، شمل مختلف ضواحي بيروت الغربية. فقصفت البحرية الإسرائيلية الجزء الساحلي من بيروت الغربية، وكذلك المشارف الجنوبية للعاصمة. فضلاً عن أن وحدات مدرعة إسرائيلية حاولت التقدم نحو بلدتَي بحمدون والمنصورية في الجبال القريبة من شرق بيروت، حيث تقدمت على ثلاث محاور في منطقة عاليه، وذلك بهدف احتلال المنصورية وتطويق منطقة عاليه، ومحاصرة القوات السورية فيها، وقطع طريق بيروت ـ دمشق. وتمكنت تلك القوات، وسط تغطية من نيران المدفعية الكثيفة، من احتلال بلدة منصورية بحمدون، كما نشب قتال بالدبابات بين الإسرائيليين والقوات السورية، تدخلت فيه الطائرات الإسرائيلية، التي قصفت ضهور عاليه، وتلال سوق الغرب، وبحمدون، والعبادية، والجمهور. وردت القوات السورية بقصف مواقع الإسرائيليين في بعض قرى قضاءَي عاليه والشوف. كذلك تزايدت حدة الاشتباكات بين سورية وإسرائيل، بهدف السيطرة على طريق بيروت ـ دمشق الدولي. وبعد قصف مركز من الطيران والمدفعية الإسرائيليين، استطاعت القوات الإسرائيلية أن تحتل مراكز مهمة في عاليه، وبحمدون، على مسافة 16 كم من بيروت.

2. التمديد للقوات الدولية

في 19 يونيه 1982، أصدر مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، القرار الرقم (512)، الذي يمدد للقوات الدولية، ويؤكد استمرار منظمة الأمم المتحدة، والوكالات المتفرع منها، بالاضطلاع بمهامها الإنسانية. كذلك، أكد القرار، في مقدمته، القرارَين (508) و(509).

3. الموقف السياسي، العربي والأمريكي

أ. الموقف العربي

عقدت المجموعة العربية في الأمم المتحدة، اجتماعاً، بعد ظهر يوم 21 يونيه 1982، بناءً على طلب منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل طلب استئناف الدورة الطارئة السابقة، الخاصة بقضية فلسطين. ولكن بعض الدول العربية، اعترضت على مقترح المنظمة؛ إذ رأت أن لا فائدة كبرى من هذه الدورة. وتقرر، في نهاية الجلسة، تأجيل بت هذا الموضوع.(اُنظر ملحق البرقية الرقم 272، في 21 يونيه 1982، الصادرة عن السفير اللبناني إلى الأمم المتحدة إلى وزير الخارجية اللبناني) و(ملحق رد وزير الخارجية اللبناني، في البرقية الرقم 410)، في 22 يونيه 1982)

(1) موقف المملكة العربية السعودية

صرح الدكتور محمد عبده يماني، وزير الإعلام السعودي، "أن أي هجوم إسرائيلي على بيروت، يُعَدّ مؤامرة أكبر مما يمكن أن تصوره إسرائيل، لأنها تهدف إلى إبادة شعب، هو الشعب الفلسطيني، وانتهاك حقوق الشعب اللبناني واستقراره وأمنه". وقال: "إن الرياض أبلغت البلدان العربية بضرورة العمل المشترك، في إطار جامعة الدول العربية"، معتبراً أن الخلافات العربية، أيّاً كانت، هي عابرة، وأن الأمة العربية قادرة على توحيد صفوفها في مواجهة العدوان الإسرائيلي". وكان الديوان الملكي السعودي، قد أعلن أن الملك فهداً، أمر بصرف 20 مليون ريـال، من أجل إعانة المواطنين، اللبنانيين والفلسطينيين.

(2) موقف مصر

انتقد الرئيس محمد حسني مبارك الموقف الأمريكي في لبنان. ورحب بتشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة في المنفى في القاهرة ـ وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها مبارك عن مثل هذه الحكومة ـ وحذّر الرئيس المصري من لُعبة، تقضي بنقل الفلسطينيين إلى الأردن.

(3) موقف الكويت

أعلنت الحكومة أنها وضعت مبلغ مليون دولار تحت تصرف مركز الغوث، في لندن، المكلف بإرسال المساعدات الطبية والغذائية إلى لبنان، بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي.

(4) موقف لبنان

في برقية إلى سفير لبنان إلى الأمم المتحدة، في 21 يونيه 1982،  أكد وزير الخارجية اللبناني،(اُنظر ملحق نص برقية وزير الخارجية للبناني إلى سفير لبنان إلى الأمم المتحدة، في 21 يونيه 1982) على أهمية:

·   تنفيذ قرارَي مجلس الأمن (508) و(509)، مع الإشارة إلى أن لبنان لا يزال يَعُدّ اتفاق الهدنة، هو الذي يرعى الوضع بينه وبين إسرائيل؛ وأن وقف إطلاق النار، ما هو إلا جزء من أحكام الهدنة.

·   السعي إلى إنقاذ مدينة بيروت من الدمار والاحتلال.

·   إعادة السيادة اللبنانية على كافة أراضي لبنان.

ب. موقف الولايات المتحدة الأمريكية

انتقد وزير الدفاع الأمريكي، واينبرجر، الغزو الإسرائيلي للبنان. وأعلن أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الحالي، هو انسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان، وتعزيز قدرات الحكومة اللبنانية، لتكون حكومة قوية ومستقرة. وادعى ألاّ سيطرة لواشنطن على أعمال إسرائيل، بل لم تكن على علم بها.

خامساً: أعمال القتال، خلال الفترة من 23 إلى 25 يونيه

1. الموقف العسكري

على الرغم من وقف إطلاق النار، إلا أن تلك الفترة شهدت نماذج متعددة من القتال:

أ. ففي محور الجبل، تجدد القتال بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية، واستخدم الجانبين نيران الدبابات والمدفعية. كما شمل القتال بين الجانبين محاور عاليه ومنصورية بحمدون في اتجـاه حمدون ـ الضيعة. وكذلك منطقة البقاع، شرقي بحيرة القرعون. كما استمرت القوات الإسرائيلية في تدعيم قواتها في الجبل ومنطقة الدامور، وعلى امتداد الطريق الساحلي من الجيَّة حتى خلدة، وأعلن ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أنه خلال المعارك التي دارت بين قواته والقوات السورية، سقط له ثلاثة قتلى وثمانية وأربعون جريحاً.

ب. وفي منطقة بحمدون، تمكنت القوات الإسرائيلية من الاستيلاء على جزء من طريق بيروت ـ دمشق عند بلدة بحمدون، الواقعة على مسافة 16 ميلاً شرق بيروت، بعد قصف مدفعي وجوي للمواقع السورية والفلسطينية. ووقعـت معركة جوية بين السوريين والإسرائيليين، أُسقطت خلالها طائرتان سوريتان، من طراز (ميج). وخلال هذه المعركة، تمكنت القوات السورية والفلسطينية من تدمير 17 دبابة إسرائيلية وحاملة جند، وقُتل وجُرح 85 جندياً إسرائيلياً، طبقاً لِمَا أذاعته المصادر الفلسطينية، في 24 يونيه 1982. أما المصادر الإسرائيلية، فقد أعلنت أن خسائرها، بلغت 28 قتيلاً و160 جريحاً. كما أنها دمرت بطاريتَي صواريخ مضادّة للطائرات، من نوع (S.I 6)، كان السوريون قد دفعوا بها إلى جبهة القتال.

ج. وفي بيروت، تعرض الجزء الغربي من بيروت لقصف مركز بالطائرات والزوارق البحرية، مما ألحق به دماراً هائلاً، وأدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين. كما هاجم الطيران الإسرائيلي الضواحي المحيطة ببيروت، والقرى شرقيها.

د. وفي إسرائيل، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية، أن قوات ميليشيات "الكتائب" استولت على بلدة "الجمهور"، على بعد خمسة كيلومترات شرق بيروت. وأن القوات السورية انسحبت من منطقة عاليه، بعد الخسائر التي مُنيت بها، مما يتيح للقوات الإسرائيلية السيطرة، بلا منازع، على الطريق الدولي بين دمشق وبيروت. وأوضحت إذاعة إسرائيل، أن سيطرة قوات "الكتائب" على "الجمهور"، يُعدّ نقطة تحول في المعارك، لأنها أول مرة، تشترك فيها "الكتائب" بشكل مباشر في المعارك، إلى جانب القوات الإسرائيلية.

2. الموقف السياسي

أ. الموقف اللبناني

على الساحة السياسية اللبنانية، وفي ضوء موقف "الكتائب" وتعاونها مع القوات الإسرائيلية، أعلن وليد جنبلاط انسحابه من هيئة الإنقاذ الوطني، وعقد مؤتمراً صحفياً، اتهم فيه المسؤولين اللبنانيين "بالتضلع من المؤامرة". كما استقال رئيس الوزراء واثنان من الوزراء المسلمين.

ب. الموقف الأمريكي

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قدّم وزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، استقالته إلى الرئيس الأمريكي. وعلى الفور، تم تعيين جورج شولتز George Pratt Shultz خلفاً له. وهو دليل واضح على الخلافات، التي تصاعدت داخل الإدارة الأمريكية، خاصة بين وزيرَي الدفاع والخارجية، حول الوضع في لبنان. كما أنه دليل واضح على فشل سياسة ألكسندر هيج. وباستقالة هيج، فقدت إسرائيل صديقاً لها في واشنطن، ومؤيداً شجّع الحكومة الأمريكية على اتخاذ قرارات لمصلحة إسرائيل في لبنان.  

ومع استقالة هيج، انتهى عصر من السياسة الأمريكية، بالنسبة إلى الأنشطة الإسرائيلية في لبنان. وبالفعل، دفع البيت الأبيض هيج إلى الاستقالة بسبب دوره في حرب لبنان. إذ إنه لم يستطع السيطرة على التقارير، التي تصل إلى الرئيس، فهناك تقارير ترسل إلى البيت الأبيض، تعطي صورة  قاتمة لعملية لبنان، بل أن بعض التقارير وصفت ما يحدث في لبنان بأنه مأساة. وفي لقاء هيج والسفير الإسرائيلي في واشنطن، موشى أرينز، بعد استقالة وزير الخارجية الأمريكي مباشرة، قال هيج للسفير: أنه "استطاع منع تنفيذ مشروع اقترحه حبيب، كان بموجبه سيوجه ريجان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة قاسية، يهدده فيها بفرض عقوبات على إسرائيل". ثم ألقى بعض الأضواء على ظروف استقالته، شاكياً بمرارة، أن مستشاري الرئيس، هم الذين وجهوا إليه هذه الضربة، ونسفوا سياسته".


 



[1] تشكلت هيئة الإنقاذ الوطني من السادة شفيق الوزان، رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية؛ فؤاد بطرس؛ بشير الجميل، (القوات اللبنانية)؛ وليد جنبلاط، نبيه بري، (حركة أمل)؛ نصري المعلوف، (الوطنيون الأحرار)؛ ولم تجتمع اللجنة إلاّ في 20 يونيه 1982

[2] في القاهرة: ذكرت جريدة `الأهرام`، في عددها الصادر في 15/6/1982، `النازية الجديدة` في الشرق الأوسط، وأنها لن تفلح في مصادرة حق شعب في الحياة، واقتلاع جذوره من الأرض. وأضافت أنه مع الغزو الإسرائيلي الهمجي للبنان، يدخل الشرق الأوسط منعطفاً تاريخياً بالغ الخطـر. ومع حرب الإبادة البربرية، التي تشنها قـوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بنسائه وأطفاله وشيوخه، يقف العالم كله مبهوراً ببسالة الفدائيين الفلسطينيين، الذين يتصـدون لحشود السلاح الأمريكي، في أيدي الجيش الإسرائيلي، بجسـارة واستماتة. فإذا كان الهدف الأول من غزو لبنان هو إبادة الشعب الفلسطيني، فإن بيجين وزملاءه، هم أول من يعلم أن الشعوب، لا يمكن أن تموت

[3] في 29 يونيه اجتمعت في بروكسل القمة الأوروبية المشكلة من عشر دول، ودعا البيان الصادر إلى إنسحاب متزامن للقوى الإسرائيلية والفلسطينية من جبهة بيروت. وقد شجب الاجتماع، بقوة، الاجتياح الإسرائيلي

[4] صرح الرئيس ريجان، في الأول من يوليه 1982، في الطائرة التي عادت به من سانتا بربارا إلى واشنطن، أن ثمة أسباباً لبعض التفاؤل بإيجاد تسوية للأزمة اللبنانية، تتضمن استخدام قدرات أمريكية. أمّا السنتاور تشارلز بيرس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، فقال، أن على الزعاء الإسرائيليين الاعتراف بأن الرأى العام في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم يتحول ضدهم بسبب الحرب في لبنان. واعتبر أن العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية في أسوأ حال منذ أزمة السويس عام 1956