إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام الجليل)





مراحل وتطور أعمال القتال
الهجوم على لبنان
المعالم الرئيسية للعاصمة
الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين
تحديد مواقع بطاريات الصواريخ
بطاريات أرض/جو




المبحث الخامس

سادساً: أعمال القتال، خلال الفترة من 26 إلى 30 يونيه

1. الموقف العسكري

أعلنت إسرائيل موافقتها على وقف إطلاق النار الرابع، بناء على طلب المبعوث الأمريكي، فيليب حبيب. لكن هذا الموقف لم يُحل دون توسيع الإسرائيليين رقعة غزوهم في اليوم الثالث والعشرين للاجتياح. فقد تقدمت آليات إسرائيلية من بحمدون، واحتلت عاليه وسوق الغرب والقماطية، محققة بذلك اتصالاً مع قواتها في القرى الساحلية لقضاء عاليه. كما تمكن الإسرائيليون من قطع طريق بيروت ـ دمشق الدولي في أول "صوفر". وواصل الإسرائيليون تعزيز مواقعهم في عاليه وبحمدون وصوفر والقرى التي احتلوها. وذكرت المصادر الإسرائيلية، أن خسائرها، بلغت، حتى 27 يونيه 1982، 271 قتيلاً، و15 مفقوداً، بخلاف الجرحى.

2. الموقف السياسي

أ. موقف الأمم المتحدة

(1) المشروع الفرنسي في مجلس الأمن: (اُنظر ملحق مشروع القرار الفرنسي في 24 يونيه 1982)

أجرت فرنسا العديد من الاتصالات، على المستوى العربي عامة، واللبناني خاصة، وعلى المستوى الإسرائيلي، من خلال زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران، إلى إسرائيل. واقترحت التقدم بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن، في 24 يونيه 1982، بهدف حماية بيروت ولبنان من الأخطار المحدقة، وضرورة احترام وقف إطلاق النار، وأهمية إرسال مراقبين.

وإزاء بعض التحفظات اللبنانية من المشروع الفرنسي، عدَّلت فرنسا مشروعها، (اُنظر ملحق مشروع القرار الفرنسي في 25 يونيه 1982) في اليوم التالي. وفي 25 يونيه، عقد مجلس الأمن جلسة مشاورات رسمية، استمع، خلالها، إلى بيان من السفير الفرنسي، في صدد مشروع القرار المقدم من بلاده. وقد أثار المشروع جدلاً كبيراً في المجلس.

وفي 26 يونيه، اجتمع مجلس الأمن، للمرة الثانية، لمناقشة المشروع الفرنسي. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت ضده حق النقض (الفيتو)، بسبب اعتراضها على إحدى فقراته. واقترح السفير الفرنسي تعديلاً، (اُنظر ملحق مشروع القرار الفرنسي في 26 يونيه 1982) وضعه وزير الخارجية نفسه، شيسون، ويتعلق بوضع العاصمة، بيروت، دون سواها، تحت السلطة اللبنانية، وإحلال الجيش اللبناني. وحاول السفيران، اللبناني والمصري، إقناع واشنطن بقبول هذا التعديل، ولكنها أصرت على النقض. وقد اقترع إلى جانب المشروع، أربعة عشر عضواً. ونددت فرنسا والاتحاد السوفيتي والمملكة العربية السعودية ومصر بالنقض الأمريكي.

(2) وفي الجمعية العمومية للأمم المتحدة

في 26 يونيه 1982، اقتُرع على مشروع القرار، الذي صدر بالأغلبية الساحقة (127 مؤيداً). ولم تعارض سوى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ولم يمتنع أحد. وقد أصرت الجمعية العامة، في قرارها، على المطالبة بتنفيذ القرارَين 508، 509، وتأكيد سيادة لبنان المطلقة على كل أراضيه.

ب. الموقف الأمريكي

أوضح ألكسندر هيج، في رسالة، بعث بها إلى الحكومة الإسرائيلية، أهداف بلده، المباشرة، التي تتلخص في الآتي:

(1) خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، من بيروت.

(2) تسليم سلاح المنظمة إلى الجيش اللبناني.

(3) سيطرة القوات الشرعية اللبنانية على بيروت الغربية.

(4) تأليف حكومة مركزية قوية، في لبنان.

(5) خروج جميع القوات الأجنبية، من الأراضي اللبنانية.

ج. الموقف الأوروبي

في بروكسل، دعت القمة الأوروبية، التي اختتمت أعمالها يوم 29يونيه 1982، إلى انسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من مواقعها حول العاصمة اللبنانية، على أن يرافقه انسحاب للقوات الفلسطينية من بيروت الغربية[3].

د. الموقف العربي

على المستوى العربي، بعث الملك فهد والرئيس حسني مبارك برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، يدعوانه فيها إلى القيام بعمل عاجل من أجل وقف الغزو الإسرائيلي للبنان. وأبلغ العاهل السعودي ريجان: "أن ما تقوم به إسرائيل، سيؤدي إلى عواقب خطيرة على السلام، في العالم كله. وأنه من الضروري وقف الغزو، وانسحاب إسرائيل الفوري من لبنان".

وفي لبنان، وجّه الرئيس إلياس سركيس نداء إلى الملوك والرؤساء العرب، أذيع عبْر التليفزيون اللبناني، في 28 يونيه 1982، جاء فيه: "في أحلك الأوقات من سنوات المأساة الطويلة، التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سبع سنوات، وفي الساعات الصعبة، التي يحبس فيها اللبنانيون أنفاسهم، مترقبين المخاطر، التي باتت تنذر مدينة بيروت بخراب شامل، أوجّه إليكم هذا النداء، الذي يعبّر عن صرخة نابعة من ضمير شعب معذب، أصبح مهدداً بأعز ما يرمز إلى علة وجوده … ورغبة مني في المحافظة على أرواح مئات الألوف من المدنيين الأبرياء، وعلى ما تحتويه مدينة بيروت من معالم إنسانية وحضارية، جئت أوجّه إليكم نداء عاجلاً، كي تساهموا معنا في إنقاذ بيروت من الكارثة الأكيدة المحدقة بها.  وإنني إذ أرجو من صميم القلب، أن يَلقَى ندائي هذا لديكم الاستجابة الفورية، أعرب لكم عن أسمى مشاعر اعتباري".

وفي لبنان، أيضاً، دعا التجمع الإسلامي والجبهة الوطنية، رئيس الوزراء، شفيق الوزان،  إلى الاستمرار في تحمل مسؤولياته الوطنية، حرصاً على الوطن والمصير، مع تقديرهما وتفهمها للدوافع التي أدت إلى استقالته. وتراوحت ردود الفعل، الرسمية والشعبية، بين الدعوة إلى الصمود ودعوة رئيس الحكومة والعدول عن استقالته.

في تونس، اجتمع مؤتمر وزراء الخارجية العرب، يومي السبت والأحد الموافقَين 26 و27 يونيه 1982، لبحث الموقف في لبنان. وتقدم لبنان بورقة عمل (اُنظر ملحق ورقة العمل اللبنانية في 26 ـ 27 يونيه 1982) إلى المؤتمر اقترح فيها: "إدانة العدوان الإسرائيلي على شعب لبنان وأرضه، ودعم لبنان في كل ما يؤول إلى تنفيذ قرارَي مجلس الأمن، الرقمَين 508 و509، ووقف العمل العسكري الفلسطيني في لبنان، تقديم المساعدة الاجتماعية إلى الشعب اللبناني".

هـ. الموقف الإسرائيلي

في القدس، حدد رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحم بيجن، خلال جلسة مناقشات في الكنيست، في 29 يونيه1982، رفضه إعطاء أي تعهد، يُلزم الجيش الإسرائيلي عدم دخول بيروت الغربية.  ودعا المدنيين المقيمين في بيروت إلى مغادرتها فوراً، مطالباً بدخول الجيش اللبناني، وخروج الفلسطينيين "براً وبحراً".  وقال إنه بعد رحيل المنظمة، تبدأ مفاوضات لضمان سلامة الأراضي اللبنانية، وانسحاب الجيوش الأجنبية. وسنجلس مع الحكومة اللبنانية ونوقع معاهدة سلام.

في نهاية الشهر الأول من الاجتياح، كان الموقف الإسرائيلي، داخلياً وعسكرياً وسياسياً، كما يلي:

(1) داخلياً: تجلي، بصورة واضحة، وخصوصاً في معارك الجبل، تفرد الثنائي بيجين ـ شارون باتخاذ القرارات الخاصة بسير العمليات وتوجيهها. ورافق ذلك تطبيق متشدد للرقابة العسكرية على الجرائد ووكالات الأنباء.

(2) عسكرياً: على الرغم من الاندفاعة السريعة، التي سجلها الجيش الإسرائيلي، في أيام الحرب الأولى، بهدف الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من العاصمة، بيروت، فقد اضطر هذا الجيش إلى خوض معارك ضارية، بالسلاح الأبيض، أحياناً، ضد القوات الفلسطينية ـ اللبنانية المشتركة. وهو ما دفع شارون إلى اتّباع سياسة الحصار الطويل، والقصف المتواصل لبيروت.

(3) سياسياً: استفادت إسرائيل من انخفاض مستوى النشاط السياسي للإدارة الأمريكية، خلال العطلة السنوية، في الأسبوعَين، الأول والثاني، من يوليه 1982.

و. موقف المنظمات الفلسطينية

حدث تقدم طفيف في الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، والذي يهدف إلى خروج فدائيي المنظمات الفلسطينية بأسلحتهم الشخصية من بيروت، حتى يتجنّب لبنان معركة دموية في بيروت الغربيـة. وعلى الرغم من ذلك، كان هناك عقبات كبرى في طريق التوصل إلى تسوية، تمثلت إحداها في طـلب الفلسطينيين إبقاء وحدة رمزية من قواتهم في لبنان، تكون خاضعة لقيادة الجيش اللبناني.

وقال بيار الجميل، في لقائه وفداً من الصحافة الغربية: "ليس في استطاعة لبنان أن يتحمل 700ألف فلسطيني. كما أن القضية الفلسطينية تخطت إطارها الإقليمي وأصبحت قضية دولـية، وإذا كان لا بد من حل لها، فليكن، ولكن ليس على حساب لبنان".

سابعاً: أهم أحداث النصف الأول من شهر يوليه

1. الموقف العسكري

ضيّقت إسرائيل الحصار على المنطقة الغربية من بيروت، وعلى ضاحيتها الجنوبية. ولجأت إلى قطع الماء والكهرباء عن الأحياء الغربية، إضافة إلى منع وصول المواد التموينية، في إطار الضغط  العسكري والاقتصادي، الذي مارسته لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان. كما عزز الإسرائيليون وجودهم على مداخل بيروت الغربية، وأحكموا الطوق حول العاصمة، بعدما سدّوا بوابات العبور.

وفي الضاحية الجنوبية من بيروت، دارت اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية والقوات المشتركة، تركزت في مهبط مطار بيروت، ورافقها قصف مركز على أحياء برج البراجنة والطريق الجديدة. وتحت ستر نيران المدفعية الكثيفة، تمكنت المدرعات الإسرائيلية من التقدم نحو المدرج الشرقي للمطار، حيث تمركزت في تلال الرمل المحيطة به إلى الجهة الغربية.

وتجدد القتال على محور المطار بين القوات الإسرائيلية والقوات المشتركة، إذ تبادل الجانبان القصف المدفعي الصاروخي، الذي أدى إلى إشعال النيران في عدد من أحياء المنطقة الغربية، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في منطقتَي بيروت، الشرقية والغربية، بينهم جنودا إسرائيليون ولبنانيون.

كما تجدد الاشتباك يوم 11 يونيه 1982، وشمل المنطقتين الشرقية والغربية من بيروت، واستمر التراشق لمدة 16 ساعة متواصلة على الأحياء السكنية، وكانت محصلة الاشتباك في هاتين المنطقتين، مقتل 75 فرداً و180 جريحاً من المدنيين. وللمرة السادسة، يتم الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار.  وذكرت الإذاعة الإسرائيلية وقوع 28 جريحاً بين صفوف قواتها ومقتل جنديين.

وفي الثالث عشر من يوليه 1982، عززت إسرائيل من قواتها حول بيروت الغربيـة، إذ دفعت بلواءين، إحداهما مدرع، والآخر آلي. وانتشرت هذه القوات في المواقع الإسرائيلية الممتدة من خلدة، جنوب بيروت، حتى الميناء، الذي يشكل المدخل الشمالي لبيروت. وبذلك قدّر حجـم القوات الإسرائيلية التي تحاصر بيروت بنحو 30 ألف جندي و300 دبابة و500 عربة مدرعة.

2. الموقف السياسي

أ. الموقف اللبناني

استمرت الاتصالات والمساعي من أجل التوصل إلى حل سياسي لأزمة بيروت وضواحيها الجنوبية، ومسألة وجود المقاومة الفلسطينية فيها. وذكرت وكالة "الصحافة الفرنسية" أن مشروعاً من ثلاث نقاط، تم التوصل إليه في الاجتماع، الذي تم بين رئيس الوزراء اللبناني وياسر عرفات. وتقضي النقطتان الأُولَيان برحيل 5000 مقاتل فلسطيني من لبنان إلى الدول العربية، وتألـيف كتيبتين عسكريتين فلسطينيتين، كل واحدة من 250 جندياً، على أن تنسحب هاتان الكتيبتان، بعد إخلاء لبنـان من القوات الإسرائيلية. وتقضي النقطة الثالثة بفض اشتباك، يؤدي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية بضعة كيلومترات من محيط بيروت في الوقت الذي يغادر الخمسة آلاف مقاتل فلسطيني لبنان.

وفي لبنان، أيضاً، تم التوصل إلى مشروع اتفاق بين فيليب حبيب ورئيس الوزراء اللبنـاني، ينص على فك الاشتباك بين القوات الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، تحت إشراف قوات دولية، إلا أن الأطراف المختلفة لم تقبل هذا الاتفاق. ولهذا لم تعلن تفصيلاته.

ومن جهة أخرى، أبلغت واشنطن السفير اللبناني إلى الأمم المتحدة، رغبتها في اشتراك مراقبين دوليين، من الأمم المتحدة، من أجْل مراقبة وقف إطلاق النار، والجلاء عن بيروت. كما طالب سفير لبنان إلى الأمم المتحدة، من خلال رسالة، بعث بها إلى رئيس مجلس الأمن، في 13 يوليه 1982، بإرسال مراقبين من الأمم المتحدة إلى منطقة بيروت. (اُنظر ملحق نص رسالة مندوب لبنان إلى رئيس مجلس الأمن في شأن طلب مراقبين من الأمم المتحدة لمنطقة بيروت)

وفي 15 يوليه، أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية، من طريق السفير الأمريكي المناوب، وليم شيرمان، إلى المندوب اللبناني الدائم في الأمم المتحدة، موقفها من المراقبين، وأنها تخشى أن يؤدي تقديم المقترح إلى مجلس الأمن، إلى فتح مناقشة، تعرقل المفاوضات الميدانية، وأنها تخشى، كذلك، رفض السوفيت الطلب، كجزء من رفضهم القوات الأمريكية.(اُنظر ملحق نص البرقية الرقم (321) في 15 يوليه 1982،التي توضح الرسالة والحديث بين السفير الأمريكي والمندوب اللبناني).

ب. الموقف السعودي

وفي الطائف في المملكة العربية السعودية، عُقد اجتماع اللجنة السداسية، المنبثقة من المؤتمر الطارئ لوزراء الخارجية العرب، لإيجاد مخرج للوضع القائم في لبنان، وقد بدأت أعمالها في الأول من يوليه 1982. وقد عكفت اللجنة على دراسة مشروع اتفاق لبناني ـ فلسطيني حول الوجود، العسكري والسياسي، للمقاومة الفلسطينية في لبنان. وجاء هذا المشروع نتيجة للجهود التي بذلتها السـعودية. وفي إطار بحث هذا الاتفاق، وصل إلى الطائف الشيخ بشير الجميل، قائد قوات "الجبهة اللبنانية"، بناء على دعوة رسمية من وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، أعرب فيها الوزير السعودي عن رغبته ورغبة اللجنة السداسية، في إجراء مشاورات مع بشير الجميل، من أجل التوصل إلى اتفاق، يحقق انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وتأمين احترام حقوق منظمة التحرير الفلسطينية.

ج. الموقف الكويتي

وفي الكويت، اتهم الشيخ جابر الأحمد، أمير دولة الكويت، الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الغزو الإسرائيلي للبنان، ودعا الدول العربية إلى إعادة النظر في علاقاتها الدولية، لئلاّ تواجه "الهزيمة المستمرة". وقال الشيخ جابر إنه لم يكن في وسع إسرائيل القيام بعدوانها، وتجاهل القيم والتقاليد الإنسانية والدولية، من دون تلّقي الدعم الكامل من الولايات المتحدة الأمريكية.

د. الموقف المصري

وفي القاهرة، انتقد الرئيس حسني مبارك، مجدداً، سورية. بسبب الأداء العسكري السوري، في المعارك الأخيرة، ضد القوات الإسرائيلية في لبنان. وقال إن القوات السورية، لم تبدأ الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، إلا بعد ما أصبحت المسافة بينهما لا تتجاوز 20 متراً. وتساءل هل هناك أي اتفاق سري بين سورية وإسرائيل على هذه المسألة؟ وأجاب أن هذا هو فهْمه للموقف السوري.

هـ. موقف الأمم المتحدة

في الأمم المتحدة، تقدمت مصر وفرنسا بمشروع جديد إلى مجلس الأمن، تضمن 12 بندا أهمها: (اُنظر ملحق مشروع القرار المصري ـ الفرنسي المُقدم إلى رئيس مجلس الأمن في 2 يوليه 1982)

(1) الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من ضواحي بيروت إلى مسافة مقبولة، كخطوة أولى نحو انسحاب شامل من لبنان.

(2) رحيل القوات الفلسطينية من بيروت الغربية، بأسلحتها الخفيفة، إلى أحد المخيمات خارج بيروت.

(3) انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، ماعدا تلك التي قد تسمح لها الحكومة الشرعية في لبنان بالبقاء.

واقترح لبنان إجراء بعض التعديلات. فتأجّل عرض المشروع، ريثما ينتهي لبنان من هذه التعديلات. وفي الرابع من يوليه 1982، وعلى أثر توارد أخبار عن تزايد الأعمال اللاإنسانية، التي تمارسها إسرائيل، اتصل المندوب الفلسطيني بسفير الأردن، وطلب إليه دعوة مجلس الأمن للنظر في الموضوع. وبعد المشاورات التقليدية، صادق مجلس الأمن، بالإجماع، ومن دون مناقشة، على المشروع الأردني، والذي صدر تحت الرقم (513)، في 4 يوليه 1982.

وفي 12 يوليه 1982، وافق لبنان على المشروع الفرنسي ـ المصري المعدل، والمقترح المقدم إلى مجلس الأمن. (اُنظر ملحق مشروع القرار المصري ـ الفرنسي المعدل بناءً على طلب لبنان، في 12 يوليه 1982) أمّا الوفد الفلسطيني فقد تقدم، في اليوم نفسه، بمشروع فلسطيني، إلى مجموعة عدم الانحياز في مجلس الأمن. (اُنظر ملحق مشروع القرار الفلسطيني إلى مجموعة عدم الانحياز في مجلس الأمن، في 12 يوليه 1982)

و. الموقف الأمريكي

وفي واشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، أنه وافق، مبدئياً، على اقتراح لبناني، غير رسمي، بمساهمة أمريكية في قوة متعددة الجنسيات، تحل في بيروت، وتشرف على خروج الفلسطينيين منها، بحراً[4]. ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتعاون الأمريكي ـ الفرنسي، من أجل إخراج القوات الفلسطينية من العاصمة اللبنانية.

كما أعربت الإدارة الأمريكية عن اعتقادها أن إيجاد مكان، يلجأ إليه مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية يعَدّ مسؤولية عربية. وصرح دين فيشر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، بأنه جاء الوقت المناسب، ليساهم العالم العربي في حل هذه المسألة. كما ذكر أن منظمة التحرير الفلسـطينية وافقت، مبدئياً، على مغادرة بيروت. كما قال كاسبار واينبرجر، وزير الدفاع الأمريكي، أن ثمة حاجة إلى إشراك الفلسطينيين في عملية التسوية في الشرق الأوسط، مؤكداً أنه من دون وطن للفلسطينيين، لا يمكن التوصل إلى سلام دائم في الشرق الأوسط.

ثامناً: أهم أحداث النصف الثاني من شهر يوليه

1. الموقف العسكري

موقف بيروت: خلال الأسبوع الثالث من شهر يوليه، استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على عدة أحياء في المنطقة الغربية من بيروت. وشاركت القطع البحرية الإسرائيلية في هذا القصف. في حين شهدت الضاحية الجنوبية عدة اشتباكات بالمدفعية، شملت أيضاً المناطق الواقعة قرب خطوط التماس. كما استمر تشديد الحصار الإسرائيلي لمنع الإمدادات الغذائية إلى بيروت الغربية، مع دخول أعداد محدودة من سيارات الصليب الأحمر، المحملة بكميات محددة من الأدوية والدقيق والأرز.

وخلال الأسبوع الرابع من شهر يوليه، اتسع نطاق القصف الإسرائيلي لبيروت، ليشمل المناطق الجنوبية والغربية، وكذلك المنطقة الشرقية وضواحيها، وساحل المتن الشمالي. واستمر هذا القصف يومَي 28،29، حتى تم إيقاف إطلاق النار ـ للمرة الثامنة. وأدى هذا القصف إلى تدمير 250 منزلاً في بيروت الغربية، كما وصل حجم الخسائر إلى نحو 554 قتيلاً وجريحاً من المدنيين.

موقف مدينة صيدا: استمرت القوات الإسرائيلية في عزل مدينة صيدا عن العالم، بمنع التجـول فيها أو الخروج منها أو الدخول إليها. كما أفاد الصحفيون الذين زاروا المدينة، أن مخيم عين الحلوة، أصبح مهدماً بنسبة 90%، وأن عدد المنازل التي دُمرت تماماً في صيدا وصل إلى 1450 منزلاً، علاوة على تصدع 2350 منزلاً. وأفادت الوكالة المركزية للصليب الأحمر أن 1100 فرد، لبناني وفلسطيني، أصبحوا في عداد المفقودين.

وفي القطاع الشرقي: اشتبكت القوات الإسرائيلية والقوات السورية، في 22 يوليه 1982، في قطاع، عرضه 40 كم. واستمر القتال أكثر من ساعتَين، بالطائرات والمدفعية والمدرعات. وانتهى الاشتباك بتدمير 72 دبابة سورية، وعدد من مركبات الجيش السوري ومدفعيته. وخلال يوم 24 يوليه 1982، تكرر الاشتباك، وتمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير ثلاث مركبات سورية، حاملة صواريخ مضادّة للطائرات، من نوع (SS8) أُدخلت، ليلاً، إلى سهل البقاع اللبناني.

الموقف القتالي على باقي المحاور: في منطقة الأوزاعي، حاولت كتيبة مدرعة إسرائيلية التقدم في اتجاه منطقة الأوزاعي، حيث اشتبكت معها "القوات المشتركة" ودمرت لها عدداً من المركبات المدرعة، وقتلت وجرحت نحو100 جندي إسرائيلي.

كما نشطت مجموعات "القوات المشتركة" في الجنوب اللبناني، خلف الخطوط الإسرائيلية، حيث أغارت على مقر القيادة الإسرائيلية في مدينة صور، وقتلت عدداً من الضباط في ذلك الهجوم. كما أغارت على المنطقة الواقعة بين بحمدون وعاليه، حيث دمرت عدد من المركبات المدرعة الإسرائيلية. ونصبت عدة كمائن في البقاع الغربي، وزرعت الألغام على محاور التحرك الإسرائيلية، الأمـر الذي زاد من حجم الخسائر الإسرائيلية، على نحوٍ أزعج قيادتها.

2. الموقف السياسي

أ. الموقف الأمريكي

عُقد اجتماع يوم 20 يوليه في البيت الأبيض، بين الرئيس الأمريكي، ريجان، ووزيرَي خارجية المملكة العربية السعودية وسورية، من أجل إيجاد حل وسط للأزمة اللبنانية. وصرح وزير الخارجية السعودي، إثر اجتماعه ونظيره السوري بالرئيس ريجان، أنهما أبلغا الرئيس الأمريكي: "بضرورة تنفيذ قرارَي مجلس الأمن رقمَي 508، 509 اللذين يدعوان إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وأن هذين القرارين قد وافقت عليهما الولايات المتحدة الأمريكية". وأكد سعود الفيصل أنه نقل إلى الرئيس الأمريكي رغبة الدول العربيـة وجدّيتها، في تحمل مسؤوليتها في مساعدة الحكومة اللبنانية على المحافظة على استقلال لبنان وسلامة أراضيه، والمحافظـة، في الوقت نفسه، على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وأكد أن منظمة التحرير الفلسطينية وافقت على الانسحاب من بيروت ومن لبنان. وأن ما يجب ضمانه هو الخطوات الضرورية، المطلوب اتخاذها من أجل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

ب. موقف مجلس الأمن

في 27 يوليه 1982، استأنفت البعثتان، المصرية والفرنسية، تحركهما في مجلس الأمن، لوضع صيغة معدلة لمشروع القرار الفرنسي ـ المصري، تمهيداً لتقديمه، رسمياً، إلى مجلس الأمن. واجتمع السفيران، المصري والفرنسي، إلى مجلس الأمن، وطلبا إليه، رسمياً، عقد اجتماع، يوم الخميس، الموافق 29 يوليه 1982.

كما أكدت السفيرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة، كير كباتريك، لسفير مصر إلى الأمم المتحدة، عمرو موسى، أن تعديلاً طرأ على الموقف الأمريكي، إذ إنها ستعرب، في المشاورات، عن ترحيبها، من حيث المبدأ، بالمشروع المصري ـ الفرنسي، وستتحفظ من بعض بنوده؛ إلا أنها لن تشترك في المناقشة الرسمية.(اُنظر ملحق البرقية الرقم 335، في 28 يوليه 1982، الصادرة من السفير اللبناني، غسان تويني، إلى وزير الخارجية اللبنانية).

وفي 29 يوليه 1982، عُرض القرار، وصدر عن مجلس الأمن القرار الرقم (515)، في 29 يوليه 1982، الداعي إلى رفع الحصار عن مدينة بيروت، بغية السماح بإرسال المؤن، وتأمين الحاجات الملحّة للسكان المدنيين. وصوّت في مصلحة المشروع 14 دولة، بينما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت.

ج. الموقف السعودي

اجتمعت في جدة، يومَي 28، 29 يوليه 1982، اللجنة السداسية، المنبثقة من مجلس الجامعة العربية في دورته الطارئة. وعقدت اللجنة سلسلة من الجلسات، برئاسة وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، وشارك في الاجتماعات وزراء خارجية الكويت وسورية ولبنان، ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وسفير الجزائر، وأمين عام جامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي. وانتهت اللجنة إلى إصدار قرارات ستة، عُدّت خطوة إيجابية في سبيل حل الوضع في بيروت. كما وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة قواتها المسلحة بيروت، مع المطالبة بتوفير ضمانات تؤمن هذا الانتقال، وكذا ضمانات أمن المخيمات، بالاتفاق بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأكدت اللجنة ضرورة مشاركة القوات الدولية في عملية ضمان الأمن والسلامة لبيروت وضواحيها.

د. الموقف اللبناني

جرت مباحثات، يوم 25 يوليه 1982، بين ياسر عرفات ووفد يمثل مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيين، وانتهى الاجتماع بتوقيع عرفات على وثيقة، جاء فيها: "أنه يوافق على كل قرارات الأمم المتحدة، المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، بما فيها قرارَا مجلس الأمن الرقمان 242، 338".

كما اجتمع السفير فيليب حبيب مع الرئيس اللبناني، إلياس سركيس، ورئيس الوزراء اللبناني، شفيق الوزان، وأطلعهما على المحادثات التي أجراها مع زعماء مصر والمملكة العربية السعودية وسورية والأردن وإسرائيل، في شأن مشكلة بيروت والقضية الفلسطينية. وتبع ذلك اجتماع بين ياسر عرفات ورئيس الوزراء اللبناني، للبحث في سُبُل تنفيذ قرارات اللجنة السداسية العربية، المنعقدة في جدة. وتقدم ياسر عرفات إلى الحكومة اللبنانية بخطة تفصيلية لأسلوب انسحاب القوات الفلسطينية من لبنان.

وفي وسط هذه الحرب الدامية، رشح بشير الجميل نفسه لرئاسة الجمهورية، وأكد تمسكه بوحدة لبنان. وجاءت ردود الفعل سلبية، إزاء هذا الترشيح، على مستوى الجبهات السياسية اللبنانية، إذ عُدّ أنه مسؤول عما يجري في لبنان، وأن حزب "الكتائب" رفض إدانة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، بل قدّم العديد من التسهيلات للقوات الإسرائيلية.

هـ. الموقف المصري

بعث الرئيس حسني مبارك رسالة عاجلة إلى الشيخ بشير الجميل، أوضح فيها، رأي مصر في ما يجري داخل لبنان، معرباً عن قلقه البالغ إزاء المواقف، التي يمكن أن تتورط فيها "الكتائب" بالمشاركة في المخطط الإسرائيلي. وتضمنت الرسالة النقاط الآتية:

(1) إن مصر ترى، أن تصفية منظمة التحرير الفلسطينية من طريق اقتحام بيروت، لن يؤدي إلى استقرار الأوضاع في لبنان، خاصة مع وجود نصف مليون فلسطيني، يعيشون داخل لبنان، بل سيترتب على ذلك موجة من الإرهاب لن ينجو منه لبنان.

(2) أن "الكتائب"، ستقع في خطأ تاريخي، يصعب محوُه، إذا ما تأكدت صورتها في العالم العربي، خلال هذه المحنة، كوجه حليف، يساند مخططات إسرائيل، التي تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني.

(3) أن "الكتائب"، إذا لم تراجـع، بروح موضوعية، مواقفها السابقة، فستجد نفسها، في المستقبل القريب، في عزلة عربية، بل سوف تواجه أيضاً خطر استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتوغّل نفوذه في لبنان.

(4) إن الموقف يفرض على "الكتائب"، أن ترتفع فوق الحزازات القديمة، وألاّ تعوق أي جهود إيجابية، تهدف إلى الحفاظ على كرامة المنظمة. وأن وحدة لبنان واستقراره وقدرته على إعادة بناء ما دمرته الحرب، سوف يتوقف على المسلك الراهن لـ "الكتائب".

كذلك، أكد الرئيس حسني مبارك، خلال خطابه بذكرى مرور ثلاثين عاماً على ثورة يوليه 1952، أن مصر ستقف ضد أي محاولة لتقسيم لبنان، أو فرض سيطرة فئة على الفئات الأخرى، مكرراً دعوته إلى تبادل الاعتراف بين إسرائيل والفلسطينيين. ودعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبنّي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.


 



[1] تشكلت هيئة الإنقاذ الوطني من السادة شفيق الوزان، رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية؛ فؤاد بطرس؛ بشير الجميل، (القوات اللبنانية)؛ وليد جنبلاط، نبيه بري، (حركة أمل)؛ نصري المعلوف، (الوطنيون الأحرار)؛ ولم تجتمع اللجنة إلاّ في 20 يونيه 1982

[2] في القاهرة: ذكرت جريدة `الأهرام`، في عددها الصادر في 15/6/1982، `النازية الجديدة` في الشرق الأوسط، وأنها لن تفلح في مصادرة حق شعب في الحياة، واقتلاع جذوره من الأرض. وأضافت أنه مع الغزو الإسرائيلي الهمجي للبنان، يدخل الشرق الأوسط منعطفاً تاريخياً بالغ الخطـر. ومع حرب الإبادة البربرية، التي تشنها قـوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بنسائه وأطفاله وشيوخه، يقف العالم كله مبهوراً ببسالة الفدائيين الفلسطينيين، الذين يتصـدون لحشود السلاح الأمريكي، في أيدي الجيش الإسرائيلي، بجسـارة واستماتة. فإذا كان الهدف الأول من غزو لبنان هو إبادة الشعب الفلسطيني، فإن بيجين وزملاءه، هم أول من يعلم أن الشعوب، لا يمكن أن تموت

[3] في 29 يونيه اجتمعت في بروكسل القمة الأوروبية المشكلة من عشر دول، ودعا البيان الصادر إلى إنسحاب متزامن للقوى الإسرائيلية والفلسطينية من جبهة بيروت. وقد شجب الاجتماع، بقوة، الاجتياح الإسرائيلي

[4] صرح الرئيس ريجان، في الأول من يوليه 1982، في الطائرة التي عادت به من سانتا بربارا إلى واشنطن، أن ثمة أسباباً لبعض التفاؤل بإيجاد تسوية للأزمة اللبنانية، تتضمن استخدام قدرات أمريكية. أمّا السنتاور تشارلز بيرس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، فقال، أن على الزعاء الإسرائيليين الاعتراف بأن الرأى العام في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم يتحول ضدهم بسبب الحرب في لبنان. واعتبر أن العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية في أسوأ حال منذ أزمة السويس عام 1956