إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام الجليل)





مراحل وتطور أعمال القتال
الهجوم على لبنان
المعالم الرئيسية للعاصمة
الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين
تحديد مواقع بطاريات الصواريخ
بطاريات أرض/جو




المبحث السابع

المبحث السابع

الانسحاب الإسرائيلي من لبنان

أولاً: تطور الأوضاع على الساحة السياسية، عقب فوز بشير الجميل بالرئاسة

1. فوز بشير الجميل برئاسة الجمهورية، ورد الفعل، الإسرائيلي والأمريكي

في الثالث والعشرين من أغسطس 1982، انتخب مجلس النواب اللبناني الشيخ بشير الجميل[1]، انوذلك بأكثرية 57 صوتاً، نالها في الدورة الثانية للاقتراع. وكان لهذه الانتخابات رد فعل سلبي داخل لبنان، إذ أُطلقت النيران على منازل بعض النواب، الذين شاركوا في انتخاب هذا الرئيس. وذكر التليفزيون الإسرائيلي، أن الرئيس المنتخب، بشير الجميل، قال: "أنوي حل الحكومة الحالية في لبنان، وتشكيل حكومة جديدة، يكون أحد أهدافها الأولى إمكان توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل"، وأضاف التليفزيون الإسرائيلي: "إن الرئيس المنتخب طلب من سورية إقامة علاقة بلبنان، على أساس المساواة بين البلدين. وإن على سورية أن تعتبر لبنان، من الآن فصاعداً، بلداً حراً وسيداً. أما المقاتلون الفلسطينيون، فعليهم مغادرة لبنان حتى آخرهم. كما توقع مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير دفاعه، أرييل شارون، أن يوقع الرئيس المنتخب، بشير الجميل، معاهدة سلام مع الدولة العبرية. وأشارت جريدة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن الجميل، أشار، سراً، إلى أنه يعتزم توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، خلال ستة أو سبعة أشهر.

وأكّد بيجن أن إسرائيل ستنسحب من لبنان لدى انسحاب القوات السورية منه، وأن بلاده على استعداد لمساعدة الرئيس اللبناني المنتخب، بشير الجميل، على بناء جيش ممتاز، منضبط، ومسلح تسليحاً جيداً. واستطرد قائلاً: "آمل أن نتبادل الزيارات، يأتي هو إلى القدس، وأذهب أنا إلى بيروت. كما آمل توقيع معاهدة سلام مع لبنان في القريب العاجل".

كما أرسل بيجن رسالة شخصية إلى بشير الجميل، جاء فيها: "تفضلوا بقبول أحر تحياتي في مناسبة انتخابكم. ليكن الله في عونكم، يا صديقي العزيز، ويوفقكم في تنفيذ مهمتكم التاريخية، من أجل تحرير لبنان واستقلاله".

وفي لقاء بشير الجميل رئيس الأركان الإسرائيلي، رفائيل إيتان، كان الأول مهتماً بما سيستتبعه انسحاب الفلسطينيين. وذكر أن السوريين يقلقونه في الدرجة الأولى. إلاّ أن إيتان طمأنه، بأن جيش الدفاع الإسرائيلي، سينتشر في البقاع، في مواجهة السوريين، وهو على أهبة لضرب كل تحرك.

وبدأت إسرائيل تُحضِّر لمشروع اتفاق سلام مع لبنان. وبسبب طبيعته السرية، رفض واضعوه كشف النقاب عن مضمونه، حتى أمام خبراء وزارة الخارجية، أو أعضاء الحكومة.

وفي ذلك الوقت، كانت واشنطن تحتفل بنتيجة أخرى ـ في الأول من سبتمبر ـ وهي انتهاء جلاء الفلسطينيين عن بيروت، وأصبح فيليب حبيب بطلاً وطنياً. وطلب الرئيس ريجان من مشاة البحرية الأمريكية، الذين أرسلوا إلى بيروت في إطار قوات الفصل المتعددة الجنسيات، مراقبة وقف إطلاق النار، دون الاهتمام بإسرائيل وبجيش الدفاع الإسرائيلي. وثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقال: يتولد الانطباع لدى سماع الرئيس ريجان، أن كل ما حصل هو نتيجة لوجود بعض جنود البحرية، الذين تكرمت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسالهم إلى لبنان، بعد أن وعد الإرهابيون فيليب حبيب بالمغادرة. أليس في هذا ما يدعو إلى الدهشة؟

وكانت واشنطن مهتمة بإعلان مبادرة سياسية جديدة، تحمل اسم الرئيس ريجان. فخلال أشهر عديدة، وبسرية تامة، أعدت وزارة الخارجية الأمريكية، بمشاركة مجلس الأمن القومي والبنتاجون، مشروعاً هدفه دفع العملية السياسية إلى الأمام. وكان بيجن أول من اطلع على مبادرة ريجان، وقد سارع إلى القول للسفير الأمريكي، لويس: "يا له من يوم صعب، بالنسبة إلينا نحن الاثنين، بالنسبة إليكم، وبالنسبة إِليّ حتى وصلنا إلى هنا!". كان يرى، بوضوح تام، أن الأمريكيين لن يتركوا ثمار بيروت تنضج، وقد أعرب بيجن عن هذا الشعور، في الأيام التالية، حين قرر رفض المشروع الأمريكي، وقال: "إنه مشروع ولد ميتاً". ثم أصدر أمراً بعقد اجتماع طارئ لحكومته، لتأكيد هذا الرفض.

2. لقاء بيجن وبشير الجميل

كان بيجن قد وعد شعبه بالهدوء لمدة أربعين عاماً، وبعقد اتفاق سلام مع لبنان، وبتحالف ثلاثي بين لبنان وإسرائيل ومصر. وقرر بيجن أن يناقش بشير الجميل في مستقبل العلاقات بين لبنان وإسرائيل، من خلال لقاء يُعقد بينهما. وحاول مستشارو بشير الجميل إقناع مندوبي الموساد وشارون، بتأجيل هذا الاتفاق، قائلين: "يجب أن تختاروا بين السلام مع بشير وبين عملية السلام مع لبنان". ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان مصرّاً على اللقاء. واختير مبنى في كارلتون نهاريا، وهي مدينة اصطياف صغيرة، شمالي إسرائيل. وبالفعل، تم اللقاء، وتصافح بيجن والجميل، ثم تعانقا، وتبادلا النكات. وبدأ بيجن حديثه إلى ضيفه بشير الجميل، بالقول: "عزيزي الرئيس بشير الجميل، أعزائي الزملاء، عزيزي شامير وشارون، أعزائي حضرات المدعوين. اسمحوا لي أن أتكلم كما كنت أفعل دائماً. يا بنَي، سأكلمك كأب. لقد فكرت دائماً في أنك ستصبح رئيساً للبنان، وأنك ستعيد بلادك إلى الاستقلال، والسيادة على كل أرضها، وإلى تحقيق الديموقراطية والسلام مع جيرانك. ... وإن العلاقات المتينة، القائمة بيننا، لن تنقطع. أمّا الآن، وقد رُسمت الطريق، وأزيلت عنها كل العوائق لإقامة لبنان مستقل، فقد حان الوقت لبناء مستقبل مشترك لشعبينا، يرتكز على السلام وعلاقات حسن الجوار". ورداً على كلمة بيجن، شكر الجميل رئيس الوزراء الإسرائيلي مساعدته، التي حصل عليها هو ورجاله، وتوفيره ظروف انتخابه رئيساً للجمهورية.

وواصل بيجن حديثه قائلاً: "لقد ارتكز تعاوننا معكم على واقع أن اتفاقاً للسلام، سيجري توقيعه فوراً، بعد الحرب". وحدق بيجن إلى بشير، الذي بدا شاحب اللون. فشرح بشير مشاكله قائلاً: "أتريدون دولة مسيحية صغيرة، تسيطر على قسم ضئيل من لبنان، وترغب في توقيع اتفاق سلام معكم، وكذلك معاهدة دفاع مشترك؟ أم تريدون أن تفسحوا لي المجال للاستفادة من الظروف الجديدة الناشئة في لبنان، وتشكيل حكومة تمثل قسماً كبيراً من السكان المسلمين؟ أمامي فرصة فريدة، بالفعل، لتوحيد لبنان تحت سلطتي، وتشكيل حكومة ترتكز على كل العناصر، التي يعز عليها مستقبل لبنان واستقلاله. أعطوني مهلة من ستة إلى تسعة أشهر، من أجل تحقيق الإجماع الوطني وتوطيده. عندها نستطيع أن نوقع معاهدة سلام معكم، تحقق علاقات طبيعية ومباشرة بين إسرائيل ولبنان، وكذلك ضمان أمن إسرائيل على حدودها الشمالية .

حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، دون جدوى، إقناع بشير الجميل بتغيير موقفه، وقال: "يجب ضرب الحديد، وهو ساخن. فمع الزمن، تبرز تعقيدات ناجمة عن الحرب، يمكن أن تشكل خطراً على العلاقات الإيجابية، التي طورناها". ومن ثمّ، تقرر تكوين لجنة، تضم ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارتَي الدفاع والخارجية، وكبار القادة في إدارة بشير الجميل، من أجل مناقشة مستقبل العلاقات الإسرائيلية ـ اللبنانية.

وغادر بشير الجميل هذا الاجتماع مكتئباً ومُحَرَّجاً من اللهجة القاسية، التي استخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبعد وقت قصير، عندما أُذيع من صوت إسرائيل، تقرير مفصّل عن هذا اللقاء، اغتاظ بشير، لأنه كان على اقتناع بأن تسريب هذا التقرير، كان مغرضاً، وأن المقصود هو إرباكه، وحرمانه من فرصة المناورة تجاه العناصر الإسلامية في لبنان، والمعادية للعلاقات بإسرائيل.

3. اغتيال بشير الجميل، واقتحام إسرائيل العاصمة اللبنانية

في الرابع عشر من سبتمبر 1982، وقبل تولّي بشير الجميل السلطة في لبنان، الذي كان مقرراً يوم 23 سبتمبر، وعندما كان يدير اجتماعاً في قيادة الميليشيات في بيروت، نُسف المبنى بقنبلة زنة 200 كجم، وعُثر على الجميل ميتاً وسط الأنقاض. وبموته مات التفكير في إقامة علاقات طبيعية بإسرائيل.

وفي الساعة السابعة، صباح يوم 15 سبتمبر 1982، أعلنت إذاعة صوت إسرائيل اقتحام جيش الدفاع الإسرائيلي بيروت الغربية. والواقع، أن بيجن، عندما سمع نبأ مقتل بشير الجميل، أمر قواته باحتلال بيروت الغربية. وفي الساعة الثامنة صباحاً، وصل وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون إلى بيروت، فأطلعه رئيس الأركان رفائيل إيتان، على الاتفاقات، التي تمت مع "الكتائب اللبنانية"، حيث تنص على التعبئة العامة، ومنع التجول، ودخول "الكتائب" إلى مخيمات اللاجئين. فوافق شارون، ثم اتصل برئيس الوزراء، وأبلغه بعدم وجود مقاومة، وأن كل شيء يسير كما كان متوقعاً.

وفي الساعة الحادية عشرة، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي اقتحام بيروت الغربية، من أجل حفظ النظام، ومنع حدوث اضطرابات خطيرة". وفي التوقيت نفسه، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي المبعوث الأمريكي، موريس درايبر، الذي احتج بشدة على دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية. فأبلغ بيجن المبعوث الأمريكي، أن هذه العملية، حدثت لاستباق بعض الأحداث. ثم أضاف: إننا نتخوف من أن تُسفك الدماء، أثناء الليل. واستطرد قائلاً: الكتائبيون يتصرفون بشكل صحيح، وقائدهم يسيطر جيداً على قواته. لكننا لا نستطيع قول الشيء نفسه عن القوى الأخرى. فهدفنا هو المحافظة على الأمن، وعدم حدوث مجازر".

وفي ظهر اليوم عينه، اجتمع وزير الدفاع الإسرائيلي مع قادة "الكتائب" في بيت الكتائب المركزي ببيروت. وقال شارون في هذا الاجتماع: "إن الوضع حرِج، ويجب علينا الآن اتخاذ قرارات. إننا معكم، وسنقدم إليكم كل مساندة ضرورية". وردّ زاهي بستاني، أحد زعماء "الكتائب" مطالباً شارون أن يحتل كل بيروت. فرد شارون قائلاً: "سنفعل ذلك، لكننا سنحتاج إلى مساعدتكم. سنحتل بعض الجسور الإستراتيجية، ومفارق الطرق. لكن يجب على "الكتائب" أن تفعل هي أيضاً ذلك. ابقوا على اتصال مع الجنرال دروري، وقرروا ما يجب فعله".

وفي السادسة مساءً، استمر تقدم القوات الإسرائيلية داخل بيروت، دون أي مقاومة. وفي التاسعة من صباح اليوم التالي، التقى السفير الأمريكي، موريس درايبر، وزير الدفاع الإسرائيلي، وطالبه بسحب قواته من بيروت الغربية، وذكر له "إن إسرائيل وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في وضع صعب، لأنه من الممكن اتهامنا بالتواطؤ معكم، وأنه يجب توفير الفرصة أمام الجيش اللبناني لتسوية القضية". وأعلن درايبر، بحزم، أن إسرائيل لم تفِ بوعد، قطعه رئيس الوزراء، بعدم دخول الإسرائيليين إلى بيروت. ورد شارون: "عندما قطعنا هذا الوعد، كانت الأمور مختلفة، أما الآن، فإن الوضع صعب جداً. فإذا ما انتُهك الاتفاق، فإن الخطأ يقع على الفلسطينيين، لأنهم خدعوكم وخدعونا. اليوم، هناك عنصر واحد يستطيع تلافي الانفجار الشامل، هذا العنصر هو نحن".

وفي الساعة العاشرة، قدم إيتان تقريره التالي إلى وزير الدفاع: "المدينة كلها أصبحت بين أيدينا. الهدوء تام. والمخيمات معزولة ومحاصرة. سيدخل إليها الكتائبيون حوالي الساعة الحادية عشرة، أو عند الظهر". وبذلك، نجح شارون في تسيير "الكتائب" نحو مخيمَي اللاجئين، صبرا وشاتيلا، للقضاء على الفلسطينيين في هذين المخيمَين.

وفي ظهر يوم 15 سبتمبر، وصل القادة الكتائبيون إلى اجتماع مع قيادة الجيش الإسرائيلي في لبنان، قبل الدخول إلى مخيمَي صبرا وشاتيلا. وطبقاً للخطة، اتفق على دخول 150 كتائبياً مسلحاً إلى المخيمين. وكان الهدف المعلن هو القضاء على باقي أفراد منظمة التحرير الفلسطينية، المعتقد وجودهم في المخيمات.

وفي الساعة السابعة مساءً، التقط الملازم علول، مسؤول قوات القيادة العامة في بيروت، على جهازه، محادثة بين ضابط كتائبي، يحتجز النساء والأطفال والشيوخ، يستفسر إيلي حبيقة عما يجب أن يفعل بهم، فأجابه الأخير: "للمرة الأخيرة تطرح عليَّ مثل هذا السؤال. إنك تعرف جيداً ما يجب أن تفعل". وانفجر الكتائبيون ضاحكين، فأدرك علول أن هؤلاء النساء والأطفال والشيوخ سيقتلون، فأبلغ قائد القوة مضمون الحديث. وعلى الفور، ظهرت صورة بشعة فقد نفذت ميليشيات "الكتائب" مجزرة، قُتل فيها مئات الشيوخ والنساء والأطفال.

وفي الساعة السابعة والنصف مساءً، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً طارئاً، كشف خلاله وزير الدفاع الإسرائيلي النقاب عن أنه أجرى، في 12 سبتمبر، أي قبل يومين من اغتيال بشير، محادثات مع الرئيس الراحل، وأنهما توصلا إلى قرارات مهمة، حول طبيعة العلاقات الإسرائيلية ـ اللبنانية. كما وضعا خططاً تفصيلية، تنص على دخول الجيش اللبناني إلى بيروت الغربية، والقضاء، في غضون شهر واحد، على كل نشاط إرهابي في المدينة. وبرر شارون دخول قواته إلى بيروت الغربية، بالقول: حتى لا يتكرر القتال مرة أخرى حول بيروت الغربية. وخلال الاجتماع قال شارون للوزراء: "لقد أُبلغنا الآن بدخول فرقة كتائبية كبيرة إلى مخيمَي صبرا وشاتيلا، وهي تقوم بتمشيطه الآن". وفي نهاية الاجتماع، قال ديفيد ليفي: "إن الأمور الآن ليست بتبرير الحجج لدخول جيش الدفاع إلى بيروت، فإن هذه الحجج سريعة العطب، وتعرضنا لخسارة مصداقيتنا. فعندما نسمع أن الكتائبيين دخلوا إلى بعض الأحياء، ونحن نعرف إلى أي درجة يريدون الثأر، فإني هنا أتخوّف من مجزرة. فلن يصدق أحد أننا دخلنا بيروت الغربية لإحلال النظام، بل سنكون موضع اتهام. ومن ثم، أعتقد أننا متورطون بعملية، سنُلام عليها، ولن تنفعنا الحجج أبداً". والواقع أن هذه الكلمات، تبخرت في الفراغ، ولم يتحرك أي وزير.

وفي نهاية الاجتماع، اتُّفق على أن تصدر الحكومة البيان التالي: "بعد اغتيال بشير الجميل، احتل جيش الدفاع مواقع في بيروت الغربية من أجل تلافي أعمال العنف وسفك الدماء، إذ لا يزال في هذه المدينة ألفا إرهابي مزودين بأسلحة ثقيلة حديثة، مما يشكل انتهاكاً فاضحاً لاتفاقية الجلاء". وبطبيعة الحال، كان هذا البيان أكذوبة واضحة من أجل تبرير هذا التدخل. وفي الوقت عينه، ممارسة للضغط على أي حكومة لبنانية، من أجل أن توقع مع إسرائيل اتفاق سلام، طبقاً لشروط الأخيرة.

وفي الساعة السادسة من صباح يوم 17 سبتمبر، تلقّى رئيس مكتب الاستخبارات الإسرائيلية تقريراً بأن المعلومات الأولية، تفيد أن قوات "الكتائب" قتلت نحو 300 شخص في مخيمَي صبرا وشاتيلا. وفي الساعة التاسعة من صباح اليوم نفسه، بعث فادي فرام، قائد "القوات اللبنانية"، رسالة إلى إسرائيل، بعد حديث مع أمين الجميل[2]، جاء فيها أن أميناً وافق على عقد اتفاق سلام مع القدس، كما كان يتمنى أخوه الرئيس الراحل، بشير.

وفي ظهر هذا اليوم، تم الاجتماع بين شارون وشامير والمبعوث الأمريكي، درايبر، الذي طالب بسحب القوات الإسرائيلية من بيروت، ولكن شارون رفض هذا المطلب. وبعد الظهر، اجتمع رئيس الأركان الإسرائيلي مع قادة "الكتائب"، وعبّر لهم عن ارتياحه لتصرفهم في عملية التنظيف، التي تمت في مخيمَي صبرا وشاتيلا، وطالبهم بمواصلة هذه العملية في المخيمات، التي انسحب منها الإرهابيون ـ كما يطلق عليهم ـ إلى جنوب منطقة الفاكهاني، على أن يتم ذلك قبل صباح اليوم التالي، استجابة للضغط الأمريكي. وطلب زعماء "الكتائب" جرافات لهدم الأبنية الفلسطينية في المخيمين، فقبِل إيتان مطلبهم. وفي الساعة التاسعة مساءً، وخلال مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان، أبلغ الأخير الأول، أن "الكتائب" قتلوا من المدنيين أكثر مما هو متوقع، وأضاف إيتان أنه طالب بإنهاء هذه العملية قبل الساعة الخامسة صباح اليوم التالي.

4. الموقف اللبناني بعد خرق إسرائيل وقف إطلاق النار

في 16 سبتمبر 1982، طلب لبنان إلى رئيس مجلس الأمن، دعوة المجلس إلى الانعقاد، من الفور. إذ تقدم بمشروع قرار، يتضمن إدانة إسرائيل، لخرقها وقف إطلاق النار؛ والانسحاب الفوري لقواتها من بيروت؛ وتأكيد قرارَي مجلس الأمن، الرقمَين (508) و(509). وتقدم مندوب الأردن بمشروع القرار، مضافاً إليه فقرة، تتعلق بإدانة اغتيال الرئيس المنتخب، بشير الجميل. وبعد مداولات بين الدول الأعضاء، أقر مجلس الأمن، بالإجماع، القرار الرقم (520)، في 17 سبتمبر 1982، الذي نص على إدانة التوغلات الإسرائيلية الأخيرة في بيروت، والتي تشكل انتهاكاً لاتفاقات وقف إطلاق النار، وقرارات مجلس الأمن (اُنظر نص تقرير الأمين العام عن القرار الرقم (520)، الصادر في 18 سبتمبر 1982)

5. موقف مجلس الأمن من المجزرة، التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون، في بيروت

في ضوء أحداث المجزرة، التي ارتكبتها إسرائيل، بالتعاون مع قوات "الكتائب"، اجتمع مجلس الأمن، في 19 سبتمبر 1982، وأصدر القرار الرقم (521)، في اليوم نفسه، بالإجماع، والذي يدين المجزرة، التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون. وأكد المجلس قراراته السابقة، التي تدعو إلى احترام حقوق السكان المدنيين، من دون تمييز. ويسمح القرار للأمين العام بزيادة عدد المراقبين الدوليين، في بيروت، من 10 مراقبين إلى 50 مراقباً، يمنحون حرية الحركة والانتشار، بالتشاور مع الحكومة اللبنانية. وأكد القرار سلامة السكان المدنيين.

6. الموقف اللبناني في شأن تشكيل قوات متعددة الجنسيات

وافق مجلس الوزراء اللبناني، في 20 سبتمبر 1982، على استدعاء قوات متعددة الجنسيات، لمساعدة الجيش اللبناني على الحفاظ على الأمن، وحماية المدنيين، في بيروت الغربية، لمدة محددة، قابلة للتجديد. وسلمت رسالة بذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة. (اُنظر ملحق مذكرة مندوب لبنان الدائم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في شأن إعادة تشكيل القوات المتعددة الجنسيات، في 20 سبتمبر 1982)

وفي اليوم نفسه، بعث الرئيس ريجان، برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يعلمه بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية على طلب لبنان المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات. (اُنظر ملحق نص الرسالة من الرئيس ريجان إلى الأمين العام للأمم المتحدة، الصادرة في 20 أغسطس 1982)

تفاصيل المجزرة، في الصحافة العربية، ووسائل الإعلام الأجنبية

في 19 سبتمبر 1982، صدر في جريدة "الأهرام"، في صفحتها الأولى، ما يصف بشاعة ما حدث:

·   "ميليشيات الكتائب وحدّاد تقتحم المخيمات، وتقتل 1400 من الأطفال والنساء والشيوخ تحت حماية دبابات الغزو الإسرائيلي"

·   "المخيمات تتحول إلى مقابر جماعية"

·   ريجان يطالب إسرائيل بالانسحاب الفوري من غرب بيروت دون قيد أو شرط"

·   بيروت في 18/9 ـ لقى اليوم ما يزيد على 1400 لاجئ فلسطيني، من الأطفال والنساء والشيوخ، مصرعهم في أبشع مجزرة دموية تشهدها لبنان، وذلك حينما اقتحمت قوات الميليشيا اليمينية، التابعة لكل من حزب الكتائب والرائد المنشق سعد حدّاد، مخيمات صبرا وشاتيلا، التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون، داخل العاصمة اللبنانية. ثم فتحت نيران الرشاشات، دون تميز، في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية تقوم بأكبر حملة اعتقالات ضد سكان المخيمات الفلسطينية المحاصرة بالدبابات والمدرعات، شملت ما يزيد على 1500 شخص من الفلسطينيين.

·   أكوام الجثث ملقاة على الأرصفة ـ وفي مداخل المخيمات وداخلها، في مجموعات من عشرة أفراد، كان بينها بعض النساء وهن يحتضن أطفالهن، بينما اخترقت طلقات الرصاص القتلى من ظهورهم من الخلف. إن أشلاء الجثث والأطراف المقطوعة للأطفال والضحايا، كانت تبرز من تحت أكوام الأنقاض التي تراكمت داخل مخيمات اللاجئين، في أعقاب الهجوم الوحشي.

نعم، جريمة بشعة ارتكبها أُناس، بلا قلوب، تجردوا من إنسانيتهم، وتحكمت فيهم شهوة الانتقام. فقد صدرت جريدة "الأهرام"، يوم 20 سبتمبر 1982، تصف التفاصيل المروعة للمذبحة الوحشية:

·   "بقر بطون النساء، وطعن الأطفال الرضع بالسكاكين، وتهشيم الرؤوس، وسلخ الجلد"

·   "الميليشيات اليمينية قتلت كل من لم يفر، ذبحاً أو حرقاً، وقيدت الضحايا بالحبال"

·   بيروت في 19/9 ـ أجمعت المصادر المختلفة على أن رجال الميليشيات اليمينية بقروا بطون النساء، وربطوا الضحايا بالحبال قبل إعدامهم، وطعنوا الأطفال الرضع بالسكاكين، وهشموا رؤوس الضحايا، وشوهوا الوجوه بالرصاص، كما سلخوا جلد البعض الآخر … إن جثث الضحايا لا تزال ملقاة، حتى صباح اليوم، في الشوارع وتحت الأنقاض، وفي كل شبر من أرض المخيمات … إن الميليشيات الكتائبية اقتحمت المخيمات، في حوالي الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة الماضي، 17/9، أي بعد الغزو الإسرائيلي لبيروت الغربية بيومين، واستمرت في عمليتها القذرة حتى صباح السبت.

كما وصف مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، بشاعة ما حدث:

إن سكان مخيم شاتيلا قُتلوا "بهدوء". شاهدت في نهاية ممر ضيق، غرفة مظلمة تفترش أرضها مراتب تناثرت فوقها خمس جثث تلتصق ببعضها، لرجل وسيدة وصبيين وطفل رضيع، اغتيلوا جميعاً وهم نائمون. وفي ممر آخر أُلقيت خمس جثث أخرى تغطيها الدماء، وقد انتفخت وجوه الضحايا، بسبب إعدامهـم رمياً بالرصاص قبل إلقاء جثثهم. وفي أحد الشوارع اغتيلت عائلة حاولت الفرار مع أطفالها، بينما لا يزال نبض الحياة يدق في جسد طفل رضيع يرتدي فانلة حمراء بين يدي أمه الميتة. .. تحت إحدى عربات النقل كان هناك جثث 15 شاباً تحطمت رؤوسهم وشوهت وجوههم بطلقات الرصاص وقيدوا بالحبال. على جانبي الطريق .. تنتشر أيضاً جثث القتلى ومن بينها جثث المسنين  والكهول … إن رؤوس كثيرين من القتلى كانت مهشمة، في حين جحظت أعينهم وبقرت بطونهم.

وقال صحفيان تابعان لمحظة راديو "باسيفيكا" الأمريكية:

"لقد رأينا جثتين انتزع منهما جزئياً الجلد، "أي مسلوخين"، في حين تحمل جثث بعض الأطفال الرضع آثار طعنات بالسكين". وأفادت الأنباء أن كل من لم يتمكن من الفرار من المخيم، سواء كان طفلاً أو امرأة أو شيخاً مسنّاً. قد ذبح".

7. رد الفعل الإسرائيلي

وفي الساعة الثامنة صباح يوم 19 سبتمبر، تجمهر العديد من الإسرائيليين متظاهرين أمام منزل بيجن، ووصفوه بـ "بالمجرم"، وطالبوا باستقالة الحكومة، وتشكيل لجنة رسمية لبحث أحداث مخيمَي صبرا وشاتيلا. وفي ظهر اليوم عينه، وفي كلمة أمام فريق من الإسرائيليين، وعد أمين الجميل بالمحافظة على علاقات متينة بالقدس، وأكد عزمه على القيام بكل الالتزامات، التي كان قد تعهد بها شقيقه، إذ قال: "فيما يتعلق بعلاقاتنا الرسمية، يجب أن نتخذ قرارات توافق عليها أغلبية حكومتي". واحتج أمين على التقرير، الذي أذيع من صوت إسرائيل، محملاً "الكتائب" مسؤولية المجازر الدموية، التي حدثت في المخيمَين الفلسطينيَّين، قائلاً: "حتى لو كانوا هم الذين فعلوا هذا، فلماذا يُعلن عن ذلك؟ ولماذا يراقب جيش الدفاع الإسرائيلي عمل هذه القوات؟ وعلى كل حال، يعرف الجميع ما يمكن أن تفعله الميليشيات في مثل هذه الظروف!". وألمح أيضاً إلى أنه سيلتقي القادة الإسرائيليين، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.

وفي الساعة التاسعة مساءً، دُعي الوزراء إلى منزل مناحم بيجن، لمناقشة مجازر مخيمَي اللاجئين. وأوضح شارون، خلال الاجتماع، أن جيش الدفاع الإسرائيلي، لم يدخل إلى المخيمَين. كان بيجن غاضباً مما حدث، بسبب توجيه الاتهامات إليه مباشرة وإلى حكومته، داخل إسرائيل وخارجها، فأصبح هو المسؤول الأول عن تلك المجازر. وعلى الرغم من أن البيان، الذي صدر عن الوزارة الإسرائيلية بأن الاتهامات المتعلقة بمسؤولية الجيش الإسرائيلي عن هذه المأساة، هي افتراء بغيض ضد حكومته، إلا أن السخط العام لم ينخفض، بل على العكس من ذلك، أخذ يزداد تدريجياً، كما أن المطالبين بلجنة تحقيق رسمية، أصبحوا أكثر تشدداً.

لقد أدت أخبار المجزرة إلى احتجاج دولي ضد الحكومة الإسرائيلية. وطلبت أحزاب المعارضة الإسرائيلية اجتماعاً طارئاً للكنيست، وقدمت استجواباً إلى الحكومة. ونادت باستقالة رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وقالت إن حقيقة إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن استتباب القانون والنظام في بيروت الغربية، قد حمّلها، مباشرة، مسؤولية الأحداث المأسوية، التي نزلت بمخيمَي صبرا وشتايلا، بل إن سماحها للميليشيات بدخولهما، كان خطأً كبيراً، يقع على عاتق من اتخذوا هذا القرار.

وفي البداية، قاوم بيجن الضغط العام لتنفيذ الاستجواب، قائلاً: "إنه يكفي أن يجري استجواب من دون السلطة المخولة، قانوناً، للجنة الاستجواب". وصوّت وزير الطاقة في حكومة بيجن، إسحاق برمان، وعضو آخر من تجمع الحزب الليبرالي ضد الحكومة، ودعما طلب الاستجواب، واستقال برمان من الوزارة. ووافق الحزب القومي الديني، وحزب تامي، وكلاهما من التجمع الحاكم، على طلب الاستجواب. وبذا، تعرضت الحكومة لخطر مواجهة طلب الأغلبية في الكنيست. كما طالب نحو 400 ألف إسرائيلي بضرورة الاستجواب. وفي ضوء الإلحاح في هذا المطلب، من داخل إسرائيل وخارجها، تراجع بيجن، وتم تنفيذ الاستجواب، برئاسة مدير المحكمة العليا، إسحاق كاهان، وعضوية أهارون باراك ويونا أفرات، عضوَي المحكمة العليا.

وانعقدت المحكمة لعدة أشهر، واستمعت لعدد كبير من الشهود، بمن فيهم رئيس الوزراء، ووزير الدفاع وأعضاء آخرون من الوزارة. وفي فبراير عام 1983، نُشر تقرير اللجنة، وفيه تأنيب لرئيس الوزراء على نقص سيطرته الحازمة، وكذا لوزير الدفاع، ورئيس الأركان، وقائد المنطقة الشمالية، الجنرال دروري، وقائد القوات في بيروت، العميد أموس يارون، ومدير الاستخبارات العسكرية، يهو شواعي ساغي، ووزير الخارجية، إسحاق شامير Yitzhak Shamir. وطالب التقرير بعزل وزير الدفاع، وطرد مدير الاستخبارات العسكرية، وإبعاد العميد يارون عن المناصب القيادية، لمدة ثلاث سنوات. وبالفعل، أُعفِيَ شارون من منصبه، كوزير للدفاع، واستبدل به موشي أرينز، الذي كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن.

ثانياً: انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية، وسياسته تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل

1. انتخاب أمين الجميل، وردود الفعل المختلفة

انتُخب أمين الجميل رئيساً للبنان، في 21 سبتمبر 1982. ولم يرسل له مناحم بيجن برقية تهنئة، فالقدس كانت تعرف، أن أسلوب العلاقات بشقيق بشير، سيكون مختلفاً. وشعرَ بعضُ المسؤولين الإسرائيليين بالذنب لعدم إقامتهم علاقات بأمين، خلال الحرب؛ إذ كانوا يعتقدون أن بشيراً لن يرضى عن ذلك، لأن والدهما، بيار الجميل، قدم الرئيس الراحل، كرجل الحوار اللبناني ـ الإسرائيلي، في حين أن أميناً، كان مكلفاً بإقامة علاقات بالبلدان العربية. وأظهر أمين معرفة كبيرة بالحلول، التي كانت إسرائيل قد اتفقت عليها مع شقيقه، إذ كان يطّلع عليها دورياً، من خلال اجتماعات عائلية في بيت والدهما، في بكفيّا. وكان أمين على اطّلاع أيضاً على الاتفاقات، التي عقدت خلال آخر لقاء بين شارون وبشير، في 12 سبتمبر. وكان يعرف أن مناقشات قد تمت حول مستقبل جنوبي لبنان، ووجود جيش الدفاع الإسرائيلي في هذه المنطقة.

والواقع، أن أميناً كان مختلفاً كثيراً عن شقيقه. فبعد تسلّمه مقاليد الحكم، لم يأتِ أبداً على ذكر إسرائيل في خُطبه. في حين تحدث كثيراً عن برقيات الدعم، التي بعث بها الرئيس حافظ الأسد، وشخصيات من الأوساط الإسلامية اللبنانية.

كان أمين الجميل في وضع حرِج، بين القدس ودمشق. كان يقف على مسافة سواء، بين الكتائبيين الحذرين، الذين كانوا على يقين من أنه لن يخونهم، وبين مراكز السلطة الإسلامية، التي كان أمين يفكر في تأسيس نشاطه عليها. وفضلاً عن ذلك، كان هناك الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبح ممثلوها من أقرب مستشاريه، فكان لا يخطو خطوة واحدة من دونهم. وظهر وكأن الخطة الإسرائيلية، لم تؤدِّ إلى شيء.

كانت أول تجربة للحكم على موقف أمين الجميل تجاه إسرائيل، ما طلبته واشنطن، وبموافقة من الأُسرة الدولية: "يجب على إسرائيل، فوراً، سحب قواتها من بيروت، لإفساح المجال أمام عودة قوات الفصل المتعددة الجنسيات إلى لبنان". وتحت الضغوط الخارجية، وبدعم من الرأي العام الإسرائيلي، انسحبت القوات الإسرائيلية، على عجَل، من العاصمة اللبنانية، ورابطت قوات الفصل المتعددة الجنسيات حول بيروت، من أجل مساعدة الجيش اللبناني على تطبيع الوضع، ونزع سلاح الميليشيات العديدة.

وفي نهاية عام 1982، حاولت إسرائيل، مرة ثانية، جسّ النبض من أجل عقد اتفاق سلام مع لبنان، وذلك لسببين. أولهما معنوي. والثاني عسكري، كوجود الجيش الإسرائيلي في لبنان، مع إمكان تطبيع العلاقات بين البلدين. ولكن الجهود الإسرائيلية كان يتم تعليقها من قِبل الحكومة اللبنانية، بسبب الأوضاع السياسية اللبنانية. وحدث تقارب بين أمين الجميل والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مبعوثها، موريس درايبر، أدى إلى زيارة أمين واشنطن، حيث استقبل استقبال المنتصرين الحقيقيين في الحرب.

2. تطور المباحثات اللبنانية ـ الإسرائيلية

بدءاً من شهر نوفمبر 1982، بدأت المباحثات بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، بمشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية. وانعقدت الاجتماعات، بالتبادل، في إسرائيل ولبنان. وطلبت إسرائيل انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، بما فيها القوات السورية والإسرائيلية، مع اتخاذ ترتيبات كافية في جنويي لبنان، لضمان عدم عودته، مرة أخرى، قاعدة لهجمات منظمة التحرير الفلسطينية على شمالي إسرائيل، مع إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل ولبنان، متضمنة حرية التنقل والسياحة والتجارة ومتعلقاتها الأخرى، والمحافظة على مكاتب التمثيل المتبادل بين الحكومتين. وطالبت إسرائيل بمنطقة أمنية، عمقها 45 كم

وأثناء المباحثات، سحبت إسرائيل مطلبها الخاص بالاحتفاظ بمراكز ملاحظة وإنذار داخل الأراضي اللبنانية. ونُوقشت الترتيبات لتنشيط دوريات مشتركة من الجانبين، وتم بحث طلعات الاستطلاع الجوي الإسرائيلية والدوريات البحرية، في أجواء لبنان وعلى سواحله. وطلبت إسرائيل استبقاء الرائد سعد حداد، ليكون قائداً للمنطقة الجنوبية من لبنان، وبالتحديد لمسافة 25 ميلاً شمال الحدود الإسرائيلية، وذلك في إطار الجيش اللبناني. وكان هذا المطلب يمثل مشكلة رئيسية في المباحثات مع الحكومة اللبنانية، التي رفضت الاعتراف بالرائد حداد، إذ تُعدّه خائناً، بينما رفضت إسرائيل التخلي عمّن ثبتت صداقته في الأوقات العصيبة.

وفي فبراير 1983، وصلت المناقشات الإسرائيلية ـ اللبنانية إلى طريق مسدود. واستمر أمين الجميل يرفض إقامة علاقات بإسرائيل، مماثلة لتلك التي تقام في زمن السلم، في الوقت الذي كان يعيش فيه أرييل شارون أيامه الأخيرة كوزير للدفاع، إذ كانت لجنة التحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا على وشك تقديم تقريرها.


 



[1] ولد بشير الجميل في بيروت، عام 1947. وحصل على إجازة في الحقوق والعلوم السياسية، من جامعة القديس يوسف، في بيروت. يتحدث اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. فقد ابنته في انفجار سيارة مفخخة عام 1980، ولم يتعدَ عمرها، في ذلك الوقت، العامين. وله ابن وبنت آخران. عيِّن قائداً لـ `القوات اللبنانية` الموحدة، عام 1976. كان صديقاً حميماً لبعض القادة الإسرائيليين، وتعاون معهم قبل الغزو الإسرائيلي للبنان. وكان يطالب، علناً، بانسحاب القوات السورية.')، رئيساً للجمهورية اللبنانية. وهو الرئيس السابع منذ استقلال لبن

[2] كان أمين الجميل قد رشح نفسه للرئاسة اللبنانية في 16 سبتمبر، على أن تجرى الانتخابات قبل 21 سبتمبر 1982، وقبل نهاية ولاية الرئيس (سركيس). وبعث زعماء `الكتائب` برسالة إلى إسرائيل، وعدوا فيها بأن أمين الجميل، سيتابع نهج شقيقه السياسي

[3] كانت إسرائيل تتشكك في نيات السوريين بسحب قواتهم من لبنان، فأكدت، بدورها، أنها لن تنسحب ما لم تتخذ الترتيبات الفعلية الكافية لضمان انسحاب القوات السورية، كذلك

[4] أعلن الرئيس حافظ الأسد، خلال محادثاته مع حبيب، أنه لن يتخذ قراراً بالانسحاب من لبنان، إلاّ بعد الاطلاع على الاتفاق الإسرائيلي ـ اللبناني

[5] عملية السلام من أجل الجليل`، ص 548 ـ 549

[6] يوجد في الجنوب اللبناني أعداد كبيرة من الشيعة الموالين لإيران، وقد اقترحت إيران، خلال الغزو، إرسال قوات لمساعدة سورية في لبنان