إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الانتفاضة الفلسطينية (1988)









المبحث الأول

ثانياً: وسائل الانتفاضة القوى المشاركة فيها

1. وسائل الانتفاضة

أ. الشعارات

لم يكن لدى عناصر الحركات والمنظمات الشعبية، في داخل الأراضي المحتلة، قدرات إعلامية واسعة؛ فلا محطات تلفزيون وإذاعة، ولا صحف، يعبرون من خلالها عن أفكارهم وعواطفهم، وإن كانت أجهزة الإعلام العربية والغربية والإسرائيلية، قد غطت الأحداث، ونشرت أخبار الانتفاضة، وحللتها بشكل واسع. ولكن أفكار الشباب المنتفض وعواطفهم، لم تجد لها ميداناً تُعبر فيه، أصرح وأبقى وأرخص، من كتابة الشّعارات على الجدران. فقد تحولت جدران البيوت والحوانيت المطلة على الشوارع، صحفاً تحمل العناوين المؤثرة، وبالخط العريض. وصارت المنظمات تتبارى في هذا الميدان. وقد رصد باحثان شعارات الانتفاضة، وأصدرا كتاباً عنوانه "شعارات الانتفاضة" رصدا فيه أكثر من 800 شعار، نشرتها حماس على جدران منازل فلسطين، وأكثر من 350 شعاراً لفتح، و250 شعاراً للجبهة الشعبية، وحوالي 100 شعار للجبهة الديموقراطية، وأكثر من 50 شعاراً للقيادة الوطنية الموحدة "قاوم"، و50 شعاراً لحركة الجهاد الإسلامي، وحوالي 80 شعاراً للحزب الشيوعي.

ومن خلال هذه الشّعارات، يخاطب أصحابها جنود الأعداء مباشرة، عندما يمرون في هذه الشوارع، ويقرؤون هذه الشعارات، وفيهم العرب ومن عاش في بلاد عربية، ومن تعلموا العربية، ويفهمون مضمون الشعارات. وقد تأثر الجيش الإسرائيلي نفسياً من هذا الشعارات، لذلك لجأ جنوده إلى محاربتها بطرق شتى. وبعض هذه الشعارات آيات قرآنية، أو أبيات شعرية أو هتافات يرددها المتظاهرون، أو آراء توجهها بعض المنظمات إلى بعض، أو أوامر لأصحاب المحلات. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

"سنمسح من الوجود من يمسح الشعارات، دون ضغوط من اليهود"، "واعتصموا بحبل الله جميعاً" ومن أعمق هذه الشعارات معناً: "48+67= أرض فلسطين" و"عرب + إسلام = كل شيء" و"حماس × يهود= فلسطين سوف تعود. و"فلسطين عدو فردي، لا يقبل القسمة على اثنين" وفلسطين رقم صعب لا يقبل القسمة على 242 و338"، و"فتح + جد + حشف = قاوم"

ب. التظاهرات

بها بدأت الانتفاضة، وهي أبرز المظاهر الشعبية لها، ففيها تُشارك كل الفئات والمنظمات، وتلتهب الحناجر بالهتافات، وترتفع الرايات واللافتات، معبرة عن آراء ومطالب المنظمات التي ترفعها. وتتجاور جماهير المنظمات، وتتداخل، وتختلط فتتوحد بالعمل والحركة. وهي تظاهرات تتكرر كل يوم، بل عدة مرات في اليوم الواحد، وفي أماكن متعددة، تعدد المدن والقرى والمخيمات. وقد بلغت هذه التظاهرات "في نهاية الشهر الثامن من الانتفاضة، 6463 تظاهرة"، وهي قد تدوم لساعات طويلة، وتتوجه معظم هذه المظاهرات إلى مراكز الإدارة اليهودية، أو مواقع الجيش الإسرائيلي والشرطة، وتنتهي بالاشتباك المسلّح، "حجر مقابل رصاص"، مع الجنود وعناصر الشّاباك والمستوطنين، ويقع نتيجة ذلك قتلى وجرحى ومعتقلون. "وكان المتظاهرون يلجأون إلى تحطيم، أو حرق السيارات، والآليات الإسرائيلية، حتى بلغ ما حطموه ـ بعد أربعة أشهر من عمر الانتفاضة ـ 174 سيارة عسكرية أو مدنية أو حافلات نقل. كما أن سلاحهم الحارق "الزجاجات الحارقة"، تمكنت خلال هذه الفترة، من إحراق جزئي أو كامل) لحوالي مائتي سيارة".

ج. تشييع الجنازات

إذا كان مشيعو الجنازات العادية يسيرون بصمت وخشوع، أو يرددون في سرهم أو جهرهم ذكر الله، فإن تشييع جنازات الشهداء يختلف تماماً، فهذه الجنازات في الأرض المحتلة، وفي الانتفاضة، تتحول إلى تظاهرات سياسية وطنية إسلامية، ترفرف فيها الأعلام والرايات، وتتعالى الهتافات التي تتوعد الصهاينة بالثأر والانتقام، وتتغنى ببطولة الشهداء. ويستمر الأمر كذلك من بيت الشهيد، أو المستشفى، إلى المسجد حيث تحتشد الجماهير، ثم تخرج بعد الصلاة، إلى مقابر الشهداء.

وهناك أسلوب آخر مرتبط بسقوط الشهداء، وإقامة سرادق عزاء أو حفل تأبين، بعد أيام من الاستشهاد. فيحتشد الآلاف في ساحة عامة، أو في ملعب، وتتلى آيات من القرآن الكريم، ثم تتوالى الخطب، من تنظيم الشهيد ومن التنظيمات الأخرى ومن ذوي الشهيد. ويكون الحفل مظهراً وطنياً، يندد فيه الخطباء بالعدو الصهيوني، ويجددون رفضهم للاحتلال، وتصميم الأمة على اقتلاع الاحتلال من البلاد، مهما طال الزمن، وكلّف من تضحيات.

د. المنشورات

وهي بيانات تصدرها التنظيمات وتوزع سراً، أو علناً، حسب المكان والزمان. وهي تحدد المطالب، التي يتقدم بها التنظيم، أو تُبيّن فيها المواقف تجاه حدث من الأحداث، أو يتبنى فيها التنظيم إحدى العمليات العسكرية. وقد تكون البيانات شبه نشرة دورية، تلخص ما حدث في فترة محددة، وتخطط لما ينبغي أن يحدث. وقد بدأت البيانات تترى بعد بدء الانتفاضة، وكان أول بيان حول غزة وأحداثها، بتاريخ 14 ديسمبر 1987، أي بعد خمسة أيام، ووزع في الضفة الغربية في اليوم التالي 15 ديسمبر 1987، وقد أصدرته حركة المقاومة الإسلامية، وهو أول بيان أطلق على هذا التحرك الجماهيري مسمى "انتفاضة". وقد جاء فيه: "يا جماهيرنا المرابطة المسلمة، أنتم اليوم على موعد مع قدر الله، سبحانه، النافذ في اليهود... لقد جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته. وليعلم الصهاينة أن العنف لا يولّد إلا العنف "أنا الغريق فما خوفي من البلل"". وصدر بيانها الدوري 32 بعد سنة، بتاريخ 25 نوفمبر 1988، وبيانها 110 في 2 أبريل 1994. كما صدر أول بيان للقيادة الوطنية الموحدة "قاوم"، في 1 أبريل 1988، وصدر نداؤها 29 بتاريخ 20 نوفمبر 1988.

هـ. الإضراب

ويشمل إغلاق المدارس، وامتناع الطلاب عن الدراسة، وإغلاق المحلات التجارية، يوماً كاملاً، أو عدة ساعات من اليوم، وامتناع العمال الفلسطينيين عن الذهاب إلى أعمالهم، في الأرض المحتلة عام 1948، وإغلاق الدوائر الخاضعة للإدارة الإسرائيلية. ووصل الأمر أن شارك في الإضراب رجال الشرطة العرب "الفلسطينيون"، مِمَن يعملون مع الإدارة الإسرائيلية. يقول زئيف شيف "بعد ذلك نقل الملثمون ميدان المجابهة مع الإسرائيليين، إلى الحياة التجارية في المدن حيث أوقفوها؛ وبذلك دُفع رجال الأعمال، أكثر الطبقات الاجتماعية اعتدالاً، إلى الخط الأول في المجابهة، وأرغم الشباب التجار على مقاومة محاولات الجنود الإسرائيليين، إرغامهم على فتح متاجرهم بالقوة". وكان الجنود يكسرون الأقفال، ويحطّمون زجاج المحلات، فيضطر أصحاب المحلات إلى فتحها. ولكن يقف الشباب على أبواب المحلات فيؤشرون للتجار، مهددين بإشعال عود ثقاب على باب المتجر، فيغلق المحل أبوابه. وتغلب الشباب بذلك على ضباط الجيش، الذين كانوا يحذرون التجار من الإضراب". وقد راعى قادة الانتفاضة حاجة الناس، وحاجة أصحاب المحلات، إلى فتح الأسواق، فصاروا يحددون الإضراب بساعات معينة، في اليوم.

و. الكمائن

تمثل الكمائن أهم وأخطر ما قام به أبطال الانتفاضة. فقد كانوا ينصبونها للقوات العسكرية الصهيونية، وفيها يستخدم السلاح الناري عند المواجهة. وفي هذا المجال يكون وضع القوات العسكرية متردياً، فليست هي سيدة الموقف، كما هو الحال في المظاهرات ورشق الحجارة. فقد كانت الدوريات الإسرائيلية تسير على الطرقات، أو بين البيوت، وقلوب جنودها يمزقها الهلع، ويفتتها ترقب الانقضاض عليهم في كل لحظة، من خلف شجرة، أو من وراء جدار، أو من فوق سطح، وفي كل مكان. وما أكثر عمليات الكمائن، التي قُتل وجرح فيها أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين. ومن الأمثلة على ذلك، ما قام به ثلاثة من المجاهدين في 12 فبراير 1994، عندما نصبوا كميناً، في المنطقة الصناعية، القريبة من قرية ببتونيا، لسيارة تقل أحد ضباط الشاباك. واقترب أحد الأخوة من السيارة وأطلق النار على السائق، ثم انبطح أرضاً، فأطلق، الآخران المختفيان وراء جدار، الرصاص على من في السيارة. فقُتل الضابط وجرح معه آخران، وتمكن المجاهدون الثلاثة من الانسحاب والنجاة. وقد قالت صحيفة إيديعوت أحرونوت: "لقد سجلت حماس لنفسها إنجازاً مهماً، لقد نجحت في قتل خصمها المباشر، بواسطة كمين مسلح. وبذلك تلقى جهاز الشاباك ضربة قاسية". وقد ساعد في نجاح هذه العملية اختراق حماس لجاز الشاباك. وفي منطقة بئر السبع، تمكنت مجموعة فدائية من حركة فتح، من الاستيلاء على حافلة تقل علماء وفنيين وعاملين في مفاعل ديمونا النووي، وطالبت بمبادلتهم بالمعتقلين العرب في السجون الإسرائيلية، ولكن السلطات الإسرائيلية رفضت مطالبهم، واقتحمت الحافلة، واستشهد ثلاثة فدائيين، وقتل ثلاثة إسرائيليين. وكان الحادث في مارس 1988.

وفي الأول من ديسمبر 1993، أطلق مجاهدان النار من سيارتهم، على سيارة إسرائيلية، يستقلها أربعة مستوطنين، فقتل اثنان وجرح اثنان. وبعد ذلك بخمسة أيام، أطلقت مجاهدات النار على سيارة تقل عدداً من المستوطنين، عند مفترق مستوطنة "خارصينا" قرب الخليل، فقتل اثنان وجرح ثلاثة، وقد وقعت هذه العمليات ضد المدنيين، بعد أن أقدم المستوطنون على قتل صبي عمره 15 عاماً في غزة، وقد سبق ذلك صدور بيان يهدد المستوطنين، ويتوعدهم لهذا السبب.

وقد نشرت مجلة "فلسطين الثورة"، جداول تفصيلية حول الأشهر الستة الأولى وعمليات الانتفاضة، فسجلت ما مجموعه 434 حادثة ألقيت فيها زجاجات حارقة، وعشرون حادثة استعمال السكاكين والآلات الحادة، وست عشرة عملية تفجير عبوات ناسفة، و279 اشتباكاً مع الجنود والمستوطنين، و118 هجوماً ضد سيارات وآليات عسكرية، و 149 عملية ضد سيارات المستوطنين وسيارات إسرائيلية تحمل عمالاً، وعشرون عملية تخريب لممتلكات إسرائيلية، وعمليات أخرى متنوعة. وقد بلغت العمليات حسب هذه الإحصاءات، 1200 عملية.

ويرى زائيف شيف في كتابه "انتفاضة"، أن العمليات في الأربعة الأشهر الأولى، بلغت 730 عملية "زجاجات، حرائق، طعن، عبوات ناسفة"

ز. أسلوب سفينة العودة

ومن الأساليب السّلمية، التي لجأ إليها الفلسطينيون خارج الأرض المحتلة، لدعم الانتفاضة في الداخل، أسلوب سفينة العودة. وقد لجأت إليه المنظمة، وهي تعلم أن إسرائيل سوف تمنعها من الوصول إلى فلسطين. ولكن المنظمة هدفت إلى إثارة الرأي العام العالمي، وهي تعلن: كيف تستدعي إسرائيل المهاجرين من أرجاء الأرض، وتمنع أصحاب فلسطين من العودة إلى ديارهم؟ ولتُحرك الجماهير في داخل الأرض المحتلة عام 48، فيشاركوا في الانتفاضة.

فقد خطط في الأشهر الأخيرة من عام 1988، لاستئجار سفينة تحمل مئات أو آلافاً من اللاجئين الفلسطينيين، وينضم إليهم عدد من شخصيات عرب 48، ويتوجه عدد آخر من وجهائهم في سفينة صغيرة، إلى عرض البحر، لاستقبال سفينة العودة. وفي الوقت نفسه، يتجمع عشرات الآلاف من المواطنين العرب، على منحدرات جبل الكرمل ـ المشرف على ميناء حيفا ـ للترحيب بالسفينة ومَنْ عليها. وقدرت إسرائيل خطر وصول هذه السفينة، وادعت أنها ستؤدي إلى سفك دماء، وخشيت أن يتحرك العرب في الجليل، وأن يشاركوا في الانتفاضة، لذلك أخذت مخابراتها تفجيراً في السفينة، وهي في ميناء لارناكا في قبرص، وعطلتها عن العمل والحركة. ولم تتمكن المنظمة من تأمين سفينة بديلة بسرعة، فأُجهضت العملية، ولكنها شغلت إسرائيل والإعلام العالمي، فترة من الزمن. ومن سلبيات هذه العملية أنها شغلت الأنظار عن الداخل الفلسطيني عدة أسابيع.

ح. قتل العملاء

نجحت إسرائيل في شراء ذمم أفراد ضعاف، من الفلسطينيين، بشتى وسائل الضغط والتخويف، وضمتهم إلى عناصر الشاباك، فخانوا بذلك دينهم ووطنهم وأبناء أمتهم. وقد استغلت إسرائيل في هذا السبيل، وسائل تحقيق المصالح والحاجات، وتقديم المال، والتهديد بالفضائح بنشر صور أو إشاعات عن أحداث جنسية، حول الفريسة، التي وقعت بين براثنهم. وسمي هؤلاء العملاء الخونة، بـ"المتعاونين"، وعملوا جواسيس ينقلون أخبار المجاهدين والفدائيين وأسماءهم وعناوينهم، التي يمكن أن يصلوا إليها. وقد كان بعضهم مندساً، عن قصد وتخطيط، في بعض المنظمات الفلسطينية، ليعرفون أسرارها.

وقد لجأ قادة الانتفاضة، في البداية، إلى معالجة هؤلاء "بالحكمة والنصح، وقد تمثل ذلك في الطلب منهم إعلان التوبة في المساجد، والانضمام إلى صفوف الجماهير المنتفضة، بعد الاغتسال والحلف على القرآن، على ألا يعودوا إلى العمالة". وقد استجاب عدد كبير منهم، إما خوفاً وإما اقتناعاً، لهذه النداءات، ومَنْ رفض تعرض للعقاب بطرق مختلفة، "إحراق المنزل، أو الضرب الشديد، أو تحطيم المحل التجاري، أو إحراق السيارة". وقد كان للتصفيات الجسدية، التي نفذت بحق عدد قليل منهم، الأثر الواضح في توبة عدد كبير.

وقد تحدث زئيف شيف في كتابه "انتفاضة" عن مقتل عميل في قرية "قباطية" فقال: "في قباطية منطقة نابلس، قُتل، في محاكمة جماهيرية، فوضوية، أحد المتعاونين، "العملاء"، مع السلطات الاسرائيلية، الذي تحصن في منزله، وقتل ولداً في الرابعة عشرة من عمره، عندما أطلق النار على المتظاهرين، الذين طوقوا بيته، وظلت الجماهير محاصرة بيته عدة ساعات، ولم تصله نجدة. وعلق سكان القرية جثة المتعاون على أحد أعمدة الكهرباء".

وأما من رفضوا الرجوع عن العمالة لليهود، واستمروا في كشف المجاهدين والتسبب في اعتقالهم، أو قتلهم، فعندما اكتشفوا وألقي القبض عليهم، عقدت لهم محاكمات سرية، ووضعوا أمام الحقائق، فكانوا ينهارون ويعترفون بكل ما جنت أيديهم، ومن ثم تصدر عليهم أحكام الإعدام وينفذ الحكم "وحتى نهاية سبتمبر 1989، كانت القوات الضاربة في الانتفاضة قد أعدمت ما لا يقل عن تسعين عميلاً، بجريمة التعاون مع السلطات الإسرائيلية، وجرمت 245 آخرين. في حين هرب عدد ممن اكتُشف أمرهم، وقبل أن يلقى عليهم القبض "إلى داخل الأراضي، التي تحتلها إسرائيل، وسكنوا في المستعمرات الإسرائيلية، تحت حماية الجيش الإسرائيلي، الذي شكل وحدة خاصة لحمايتهم. وهكذا تحول العملاء من عون لليهود، إلى عالة على الجيش الإسرائيلي.

ومع ذلك بقى عدد من هؤلاء العملاء، ممن لم يكتشف أمرهم، يعملون مع العدو، حتى دخول السلطة الفلسطينية إلى القطاع والضفة. فأسكنت إسرائيل قسماً منهم في قرى خاصة بهم داخل الخط الأخضر، وبقي قسم في الأرض، التي تسيطر عليها السلطة الوطنية، مع ضمانات منها بألا تحاكمهم!! وكان لبعضهم أدوار خطيرة، قاموا بها لإيقاد الفتنة والحرب الأهلية، أو في اغتيال بعض قادة كتائب عزالدين القسام، أو تسليمهم، بشكل ما، إلى السلطة الإسرائيلية.

ط. العمليات الاستشهادية

هناك عمليات كثيرة استشهد فيها مجاهدون، من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أو من حركة الجهاد الإسلامي، أو من فتح، أو غيرهما من المنظمات الفلسطينية، المشاركة في الانتفاضة، أو من الجماهير الفلسطينية، غير المنتمية لإحدى هذه المنظمات، في معارك بالأسلحة النارية مع جنود العدو، أو في التظاهرات. ولكن المقصود بهذه العماليات الاستشهادية، تلك التي تكون مخطط لها، كأنّ يفجّر المجاهد الحافلة أو المطار بما يحمله حول جسده من متفجرات، لم يكن من السهل إدخالها إلى الحافلة، أو المكان بطريقة أخرى. وتعد هذه العمليات من أروع عمليات التضحية، التي يقدم عليها المجاهدون، وأملهم كله أن يُقتلوا في سبيل الله، ومن شعاراتهم: "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ولسان حالهم يردد قول الشاعر:

ما سرت قط إلى القتال

وكان من أملي الرجوع

شيم الأُلــى أنا منهم

والأصـل تتبعه الفروع

وقد كثرت العمليات الاستشهادية في المرحلة الأخيرة من الانتفاضة، وما تبعها بعد ذلك. وقد كانت هذه العمليات التفجيرية، تهز الكيان الصهيوني هزاً عنيفاً، و تنشر الرعب في أوساطه المختلفة".

ومن هذه العمليات، مثلاً، عملية نفّذها المجاهد عمار عمارنة، في يوم الأربعاء 13 أبريل 1994، قبل دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة، وهو يوم صادف احتفال الإسرائيليين بقيام دولتهم. ففي صباح هذا اليوم ربط المجاهد على جسده عبوة متفجرة، وحمل أخرى في حقيبة سوداء، ووصل إلى محطة الحافلات المركزية في مدينة الخضرة، وصعد إلى الحافلة 820 وترك الحقيبة المفخخة على الأرض. وبعد أن دخل الحافلة بثوان فجر العبوات التي تحزم بها، فاستشهد وقتل خمسة من ركاب الحافلة، وأصيب نحو أثنين وثلاثين آخرين، ومعظم المصابين من الجنود، وقبل أن تتفجر العبوة الثانية الموقوتة، تمكنت القوات الإسرائيلية من اكتشاف الحقيبة وتفجيرها بعد إخلاء المنطقة.

2. القوى المشاركة

تعددت القوى المشاركة في الانتفاضة وتنوعت، من حيث انتماءاتها، وأصولها الاجتماعية، وفئاتها العمرية، مما شكل مفاجأة لإسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية في تونس. فعلى الرغم مما قاله ياسر عرفات في البداية، أنه أعطى الأمر بالانتفاضة، لم تكن الانتفاضة تخطيطاً نابعاً من المنظمة، بل هي عمل شعبي تلقائي، قام به الشعب في الأرض المحتلة، بعد أن أوصلته الأحداث والتراكمات إلى الغضب العميق، وسادت في قلوب أفراده روح الجهاد وحب الاستشهاد، وغابت عنه الرهبة من العدو.

وأجمع عدد من المحللين على تآكل قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع، في نفوس الأجيال الشابة، التي نشأت وترعرعت بعد عام 1967م. فهذه الأجيال لم تشهد هزيمة مثل تلك، التي شهدتها ووعتها الأجيال السابقة، بل على العكس، فقد شهدت هذه الأجيال نصراً عام 1973م، وانتصار الثورة الإيرانية على الغطرسة الأمريكية، وهروب الولايات المتحدة من لبنان، وعدم قدرة إسرائيل على تحطيم المقاومة الفلسطينية في لبنان 1982م. واستوعبت هذه الأجيال العجز العربي عن تحقيق الحلم الفلسطيني. فعندما نشبت الانتفاضة عام 1987م، كانت هناك أجيال عمرها (20 عاماً) وأقل، وصلت أعدادهم في الضفة والقطاع حوالي 260 ـ 280 ألفاً، لديهم وعي عميق بقدراتهم النضالية، وعلى علم بمواطن الضعف لدى العدو، وعانوا من بطالة بمعدلات عالية، على الرغم من كونهم متعلمين في المؤسسات الفلسطينية.

3. الجهات الشعبية المشاركة في الانتفاضة

عَرِفت الساحة الفلسطينية عدداً كبيراً من المنظمات السياسية والدينية والعسكرية والاجتماعية. ولكن هذه المنظمات شهدت تشققاً وتشرذماً حيناً، وتجمعاً وتكتلاً حيناً آخر. وكل ذلك عائد إلى كثرة الآراء المطروحة، لمعالجة قضية فلسطين ومجابهة اليهود، ووضع الحلول لها. ولذلك، كان المجتمع الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، يعج بهذه الحركات الدينية والعلمانية، والسياسية والعسكرية. وعندما انطلقت الانتفاضة، لم يتخلف أيُ من هذه التنظيمات والتجمعات عن المشاركة فيها، إذ كانت الأحداث ضاغطة، فلم يكن أعضاء أي تنظيم، قلوا أو كثروا، قادرين على القعود عن المشاركة فيها.

وقد أحصى كتاب "شعارات الانتفاضة"، اثنى عشر تنظيماً، كان لكل منهم دور ومشاركة في الانتفاضة، ورفع الشعارات، وهي "حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والقيادة الوطنية الموحدة "قوم"، وحركة الجهاد الاسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديموقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني والحزب الشيوعي، وجبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي، وفتح الانتفاضة". كما شارك فيها أفراد تابعون لحركات أخرى، لها قيادات خارج الأرض المحتلة، كبقية الفصائل العشرة المعارضة لاتفاق أوسلو والموجودة في سورية، مثل الجبهة الشعبية القيادة العام، وكذلك جماعة أبي العباس، التي انشقت عن القيادة العامة، وكذلك اتباع حزب التحرير.. فكل هؤلاء شاركوا في الانتفاضة، وللكثير منهم نشاط مستقل ومتميز ومستمر.

تعريف بأبرز الحركات المشاركة وأشهرها في الانتفاضة

أ. حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح

هي أول حركة فدائية فلسطينية، انطلقت بالعمل، المسلح ضد إسرائيل. تأسست عام 1959 في الكويت، وصدر بلاغها العسكري الأول 1 يناير 1965 باسم العاصفة "الجناح العسكري لفتح"، وذلك بعد إعلان الجامعة العربية عن تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية. وركزت فتح على الاهتمام بالجانب الوطني العملي، بعيداً عن التنظير الفكري السياسي، "إذ ترى فتح أن الاهتمام بالقضايا النظرية، قد يؤدي إلى تفتيت القوى الوطنية وتشرزمها، بسبب الاختلاف حول القضايا النظرية، من ثم صرف الانتباه عن الكفاح المسلح"، الذي، رأت فيه، في بداية تأسيسها، الأسلوب الوحيد لتحرير فلسطين، وحرب التحرير الشعبية" ورأت الحركة في ذلك عام تحريض للنظم العربية للاقتداء بالفلسطينيين من أجل تحرير فلسطين". ولذلك، بقيت فتح تنظيماً لا فكر له، ولا عقيدة سياسية محددة، سوى الإطار العلماني العام، الذي ينظم التفكير الفتاوي، مما دفعها باتجاه الواقعية التنازلية زمنياً. فتخلت عن هدفها الأول تحرير كل فلسطين، إلى القبول بوجود إسرائيل، والاكتفاء بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع.

ب. حركة المقاومة الإسلامية حماس

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عن تشكيلها في مطلع العام الهجري 1409، أغسطس 1988، لتكون "جناحاً من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وأصدرت ميثاقها في هذا التاريخ، مع أنها كانت قد أصدرت أول بيان لها حول الانتفاضة في 14 ديسمبر 1987، بعد أسبوع واحد من انطلاق الانتفاضة. وكان من أول بيان لحركة فلسطينية، يصدر عن الانتفاضة. وتعلن المادة الأولى من ميثاقها، أن الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها، وإليه تحتكم في تصرفاتها، ومنه تستلهم ترشيد خطاها. وقد ظهرت حماس قوية واسعة الانتشار، لأن لها وجوداً فكرياً وتنظيمياً سابقاً، باسم "الإخوان المسلمون"، تجذّر وجوده في فلسطين من قبل نكبة 1948. كما أنه سبق لها ولهم العمل العسكري قبل الانتفاضة، بأسماء "المرابطون على أرض الإسراء"، و"الاتجاه الإسلامي في أرض الرباط".

وللحركة جناحها العسكري "كتائب عزالدين القسام"، والذي قام بعمليات كثيرة، أشهرها العمليات الاستشهادية في قلب عاصمة إسرائيل وسائر مدنها الرئيسية. وتظهر شعبية الحركة في الأوساط الفلسطينية، من خلال الانتخابات الطلابية والمهنية، التي تفوز فيها على سائر المنظمات مجتمعة بما فيها حركة فتح "وعملت على اكتمال البنية التحتية تربوياً وسياسياً وتنظيمياً، وبرزت إلى السطح عبر الكتل الطلابية الإسلامية في المناطق المحتلة، واستطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام التيار العلماني.

ج. حركة الجهاد الإسلامي

برز تيار الجهاد الإسلامي في أواخر السبعينيات، "وهو يربط بين العقيدة الإسلامية، والمعنى الوطني للنضال". وترجع جذور الحركة إلى جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان ظهورها احتجاجاً على طروحات الجماعة، وأسلوب عملها طويل النّفس حيال القضية". وقد دعا مؤسسوها إلى "الاقتداء بالثورة الإسلامية في إيران، واعتمادها نموذجاً يحتذى في فلسطين". وتركز الحركة على العمل العسكري، وهي لا تعد حركة جماهيرية شعبية واسعة، بسبب إبعاد مؤسسها، والضربات التي وجهت إليها، وتبنيها الدِّفاع عن برنامج الثورة الإيرانية، التي قادها الخُميني. فعضويتها تخيرية، ونشاطها يتركز في مجال العمليات العسكرية النوعية"، وعدم مشاركتها في مجالات التربية والتعليم والعمل الاجتماعي. وكان أول بيان صدر عن الحركة حول الانتفاضة في الأول من يناير 1988.

د. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

هي منظمة قومية كانت باسم "القوميون العرب"، ومعظم مؤسسيها من الدارسين في الجامعة الأمريكية في بيروت. وكانت تصدر نشرة بعنوان "شباب الثأر" في أواسط الخمسينيات، وتبنت في أواسط الستينيات الاشتراكية الماركسية. وقد تشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصدر بيانها السياسي الأول في 11 ديسمبر 1967، من تنظيمي: أبطال العودة، ومنظمة شباب الثأر"، وقادتها البارزون جورج حبش ووديع حداد ونايف حواتمة وهم من النصارى. وقد تشرذمت الجبهة بعد أقل من عامين، إلى عدة منظمات، منها الجبهة الديموقراطية، والقيادة العامة".

هـ. الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين

نشأت نتيجة للصّراع، الذي دبّ في صفوف الجبهة الشعبية في عام 1969. فقد كان نايف حواتمة يرى الالتزام بالأطروحات الماركسية المتطرفة، وعندما فشل في ذلك، انشق عن الجبهة في 22 فبراير 1969. وأبرز ما يميز الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية ـ على الرغم من يسارية الجبهة الديمقراطية ـ بصفة عامة، أنها "أقرب إلى التوجه الماوي، "نسبة إلى زعيم الصين الشعبية ماو تسي تونج". ثم استقرت سياستها على بناء منظمة ديموقراطية ثورية، تسترشد بالماركسية اللينينية، والأممية البروليتارية، وتنتقل إلى حزب ماركسي لينيني، يشكل فصيلاً من فصائل الطبقة العاملة الفلسطينية الموحدة".

وقد كان لهاتين المنظمتين دور بارز في العمليات، التي كانت تتم من خارج فلسطين عبر الحدود اللبنانية، أو في الخارج، قبل خروج المنظمة من لبنان 1982. ولكن شعبيتها في الأرض المحتلة انخفضت كثيراً بعد انطلاق الانتفاضة، ويظهر ذلك من خلال الانتخابات الطلابية والمهنية.

ويتهم زئيف شيف، الصحفي الإسرائيلي، بعض هذه المنظمات في قوله: "أما المنظمات اليسارية فكانت أكثر ضبطاً للنفس، فقد امتنع الشيوعيون عن تشغيل خلاياهم السرية بشكل مركز، على الرغم من أن رجالهم قاموا ببعض المبادرات في غزة والضفة الغربية، بينما الجبهتان الشعبية والديموقراطية سارعتا إلى اللحاق بالانتفاضة، غير أن معاملتهم الرئيسية في مخيم الدهيشة، مثلاً، بقيت هادئة".

وقد كانت هناك "قوتان رئيسيتان لقيادة الانتفاضة: الأولى هي حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي صدر بيانها الأول في 14 ديسمبر 1987. أما الثانية فهي القيادة الوطنية الموحدة "قاوم"، التي كانت تتألف من أربعة فصائل أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، هي: حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، والحزب الشيوعي الفلسطيني، وقد صدر بيانها الأول في 1 أبريل 1988.

و. هيئات أخرى

ولم تغب مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الأخرى عن الانتفاضة. فالمؤسسات التعليمية الفلسطينية ـ لاسيما الجامعات ـ لعبت دوراً فاعلاً في الانتفاضة الفلسطينية. فالتعليم لدى الفلسطينيين ليس قضية تنمية اجتماعية، بل هو قضية هوية ووجود وذاكرة. فإلى جانب حوالي 1700 مدرسة ـ وقتذاك ـ ابتدائية وإعدادية وثانوية، أضحى هناك ست جامعات، هي: بيرزيت، والنجاح الوطنية، والخليل، وبيت لحم، والقدس، والجامعة الإسلامية في غزة، وهي جامعات معترف بها من قبل اتحاد الجامعات العربية، وتمنح درجات علمية في كثير من التخصصات. وقد بلغ مجموع الطلاب الجامعيين في العام 1986م ـ قبيل الانتفاضة ـ أكثر من 14 ألفاً، بزيادة ما يقرب من الضعف، عمّا كان عليه عددهم عام 1983م. (اُنظر جدول عدد الطلاب في الجامعات).

(1) طلاب الجامعات

وخلال النصف الأول من الثمانينات، أصبح طلاب الجامعات من أكثر فئات الشعب الفلسطيني فاعلية في النضال الوطني الفلسطيني في الداخل، وأصبحوا العنصر الأكثر تنظيماً، من خلال المجالس الطلابية، التي نشأت في الجامعات.

(2) العمال الفلسطينيون

احتل العمال موقعاً متميزاً، في إطار انتفاضة ديسمبر 1987م، ليس فقط بسبب أن استشهاد أربعة عمال في غزة 8/12/87، كان الشرارة، التي أشعلت الانتفاضة، بل لأن دورهم يمتد إلى المبادرات البارزة، التي قدموها لدفع الانتفاضة قدما في المواجهة ضد الاحتلال، ثم المشاركة في الفعاليات الجماهيرية المختلفة للانتفاضة، بما في ذلك قيادتها. وقد ترتب على ذلك أن تعرضت الحركة العمالية والنقابية لهجوم شامل، من قوات الاحتلال، في إطار حملة القمع الصهيوني الفاشيّة، ضد الشعب الفلسطيني. وسقط من العمال شهداء وجرحى. وطرد المحتلون وأبعدوا العديد من العمال الفلسطينيين، والقادة النقابيين، إلى خارج وطنهم.

أضف إلى ذلك، دور العمال، من خلال الإضرابات التجارية، فضلاً عن شتى الإضرابات المهنية والحرفية، التي غطت أنحاء الضفة والقطاع. كما قدّم المحامون عدداً من الاحتجاجات ضد المحاكم العسكرية، وأسهم الأطباء بدور فاعل في تطوير شبكات جديدة آمنة للرعاية الصحية، في مختلف أنحاء الضفة وغزة.

(3) الصحفيون

سهر الصحفيون على توعية الشعب وتعبئته، ونقل الأحداث إلى أطراف العالم، فضلاً عن مشاركتهم العملية فيها. وحتى منتصف مايو 1988، كان عدد المعتقلين من الصحفيين قد بلغ 25 صحفياً، وفي أواخر الشهر نفسه أعلن عضو الكنيست " وادتي رشوكر (عن حركة حقوق المواطن)، أن هذا العدد وصل إلى 28 صحفياً، إضافة إلى 8 باحثين.

ولم تظهر الصلة الوثيقة بين عرب 1948م، الذين لديهم جنسية إسرائيلية، من جانب، وفلسطينيي الأراضي المحتلة بعد عام 1967م، من جانب آخر، بالقدر الذي ظهرت عليه في أثناء الانتفاضة؛ فلقد امتدت مشاعر التضامن الحضاري عبر الخط الأخضر، وهو الأمر الذي أصاب الإسرائيليين بلطمة قوية، ودفع بعض القادة الإسرائيليين إلى المطالبة باتخاذ إجراءات قمعية، لا ضد المتظاهرين فحسب، وإنما أيضاً ضد أعضاء اللجنة القطرية للمجالس المحلية، أي القيادة المحلية المنتخبة، التي لم تستطع ـ حتى لو أرادت ـ "كبح" المتظاهرين، ومنع " تماديهم"، في أعمال العنف، التي شهدتها المناطق المحتلة لعرب 1948. بل إن عدداً من المسؤولين الصهاينة، طالب بإعادة فرض الحكم العسكري على الجليل والنقب والمثلث، وسائر القرى المحتلة منذ 1948م .

وخلاصة القول، إن الانتفاضة نجحت في جمع شمل كافة القوى، والشرائح الاجتماعية الفلسطينية، تحت لواء القيادة الموحدة. فتناست تلك القوى اختلافاتها العقائدية والسياسية والاجتماعية، في سبيل الانتصار علي الإرادة الإسرائيلية، وجعل الإرادة الفلسطينية مكانها، وتحطيم المؤسسة السّيادية الإسرائيلية، وإحلال المؤسسة النضالية الفلسطينية محلها.