إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الإرهاب، وأولى حروب القرن





أوضاع الجانبين
أوضاع القوات المتصارعة
محاور الحرب البرية
الوجود الأمريكي
الهجوم على مزار الشريف
الهجوم على كابول
الهجوم على قندوز
الأعمال البرية
الأقاليم الأفغانية
التوزيع الجغرافي
الدول والقواعد العسكرية
الطبيعة الجغرافية
القوات المتحاربة
كهوف تورا بورا




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

المبحث الأول

الإرهاب تاريخياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً

أولاً: التطور التاريخي للإرهاب

صاحب الإرهاب البشرية منذ القدم، فقد كان له دور مشهود في كل أنواع الصراع بين الأفكار والإرادات أو المجموعات العرقية في التاريخ. ويحوى العهد القديم- الذي هو بين أيدينا – كثيراً من القواعد المرجعية للسلوك، هي - وفق كل النوايا والأهداف- يمكن أن توصف بالإرهاب، لأنه كما يقول غلاة اليهود: "أن السيف والتوراة قد نزلا معاً من السماء".

وقد كانت أول منظمة إرهابية عرفها التاريخ هي منظمة السيكاري "Sicari" التي شكلها بعض المتطرفين من اليهود بفلسطين الذين وفدوا إلى البلاد في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، بعد أن كان البابليون قد شتتوهم عام 586 ق.م، وكانت فلسطين في ذلك الوقت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية. وكان هدف اليهود الوافدين، هو إعادة بناء الهيكل الذي سمى بالمعبد الثاني، وقامت هذه المنظمة بحملة متصلة من الاغتيالات والحرائق والتدمير ضد الرومان، وانتهى الأمر إلى تدمير هيكلهم في عام 70 ميلادية وشردهم الرومان بما يعرف باسم "الدياسبورا".

وفى القرن العاشر، ظهرت منظمة إرهابية ذائعة الصيت في العالم الإسلام، هي جماعة الحشاشين، التي بلغت درجة عالية من التنظيم، واتخذ زعيمها حسن الصباح من قلعة الموت في إيران مركزاً له، وأشاعت هذه المنظمة، التي تنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، الرعب في قلوب الحكام وقادة الجيوش، وقادة الرأي العام الإسلامي، ويرجع إلى هذه المنظمة ابتكار الإرهاب للحرب، فقد كانت هذه الجماعة المتطرفة قليلة العدد، بحيث لا يستطيع رجالها الدخول في حرب ضد خصومهم، ومن ثم فإن فرق الاغتيال كانت توجه إلى القادة وأصحاب الرأي من الخصوم، لإجبارهم على الرضوخ للمطالب السياسية لهذه الجماعة[1].

وعلى مر القرون، عرفت البشرية عصابات الإرهاب التي كان يستخدمها النبلاء في أوروبا في العصور الوسطى للإخلال بالأمن في ربوع إقطاعيات خصومهم. كما عرفت ثورات العبيد، الذين كان يفرون من مقاطعات السادة ويشكلون عصابات الانتقام والقتل والسرقة وإشاعة الفوضى في أراضى الملاك.  كما جابت البحار مجموعات من القراصنة كانت تهدد الملاحة البحرية، واستخدمت الإمبراطوريات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية في حرب غير معلنة في البحار والمحيطات، وظلت القرصنة تقوم بدور هو أقرب ما يكون إلى الإرهاب الدولي في عصرنا الحالي، ورغم كل ما كتب عن تاريخ الإرهاب، فإن القرصنة البحرية تمثل نمطاً منفرداً للإرهاب الدولي، حتى أنه قد أعلن في المجتمع الدولي أن "القرصان عدو مشترك للبشرية".

كما عُدَّت القرصنة جريمة ضد قانون الشعوب، وانعقد الاختصاص القضائي لكل دول العالم بالنسبة لجرائمها، بحيث كان لأية دولة الحق في القبض على القراصنة ومحاكمتهم، حتى ولو لم تقع الجريمة في نطاق اختصاصها الإقليمي، وذلك على أساس أن القرصنة جريمة ضد البشرية والعالم أجمع، وما بين صدور إعلان باريس في عام 1856 واتفاقية جنيف 1958، عقدت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول التي تتناول موضوع العنف الإرهابي في أعالي البحار، وعلى هذا الأساس ينظر البعض إلى قضية خطف الطائرات على أنها البديل العصري للقرصنة البحرية.

وبدأت خطورة الإرهاب في الازدياد مع نشوء الدولة القومية منذ القرن السادس عشر، حيث صاحب ذلك النشوء، تبلور فكرة السيادة المطلعة التي أضافت مبدأً جديداً إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة. كما أدى الميل إلى المركزية الشديدة في مرحلة تكوين وبناء الدولة القومية وبنائها، إلى تعاظم وامتداد السلطات الملكية على حساب المؤسسات المنافسة مثل الكنيسة والنبلاء وأمراء الإقطاع، كما أدت التغيرات الاقتصادية والسياسية إلى التأثير على الأفكار الدينية والعلاقات الاجتماعية، وظهرت المعارضة القومية التي تحولت بسرعة إلى تبريرات فلسفية لجرائم الاعتداء على شخص الملك باعتباره رمزاً بارزاً للشكل الجديد للدولة.

إلا أن المقارنة بين الإرهاب في العصور القديمة أو الوسطى،وبين الإرهاب الحالي هو أمر بعيد عن الصحة، فيبدو أنه ينتمي إلى نوع ""Species جديد تماماً، ولم يظهر الإرهاب بالصورة القريبة من صورته الحالية، إلا في النصف الثاني من القرن 19، حيث ظهرت على الساحة السياسية بضع فئات مميزة، تمثل كل منها نوعاً مختلفاً من أنواع الصراع السياسي:

1. الحركة الثورية الروسية في صراعها مع الأوتوقراطية في الفترة من 1878 – 1881، ثم مرة أخرى في بداية القرن العشرين، وحتى انتصار الثورة البلشفية عام 1917.

2. حركات التحرر الوطني التي مارست أنشطة متطرفة مثل الأيرلنديين والمقدونيين والصربيين والأرمن.

3. الحركة الفوضوية التي سادت فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، خاصة في عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر.

4. انتفاضات الطبقة العاملة في صراعها ضد أصحاب رؤوس الأموال إبان الثورة الصناعية، والتي تحولت أحياناً إلى صراع بين الطبقات، واتخذت بعض أساليب العنف مثل الاضطرابات والمظاهرات ثم عمليات القتل والتخريب فيما يسمى بالإرهاب الصناعي "Industrial Terrorism".

وفى نهاية القرن 19، ظهرت أول بوادر الإرهاب الحديث: بظهور منظمة الأرض والحرية "Zemlya- I – volya" الروسية في عام 1876، ولكن المنظمة الأكثر أهمية كانت منظمة نوردنايا فوليا "Nerdoneya volya"، (منظمة الإرادة الشعبية)، التي تشكلت عام 1879، والتي جعلت الإرهاب جزءاً متكاملا من العملية الاجتماعية الروسية، وتوقف نشاط هذه المنظمة بعد الثورة البلشفية.

ولا يمكن لمن يتصدى لتاريخ الإرهاب أن يغفل بعض الحركات الثورية المتطرفة في أوروبا، والتي لازالت لها انعكاسات على الأنشطة الإرهابية في الوقت الحالي، من أهمها الحركة الأيرلندية من أجل الاستقلال والتي بدأت عام 1891، وأنشطة المنظمات الأرمينية التي قامت ضد الاحتلال التركي عام 1890، وحركة الاستقلال الوطني المقدونية "إمرو" Imro في بداية القرن العشرين، والتي ظل لها بعض بقايا داخل بلغاريا وبعض أجزاء يوغوسلافيا حتى عام 1930، وكذلك حركة تحرير إقليم الباسك الأسبانية التي بدأت منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى ولازالت مستمرة حتى الآن.

وكانت حادثة اغتيال الأمير "رودلف" ولى عهد النمسا، والتي ارتكبتها مجموعة إرهابية صربية، هي السبب المباشر لقيام الحرب العالمية الأولى، كما كانت حادثة اغتيال الملك الكسندر ملك يوغوسلافيا والمسيو برافو زير خارجية فرنسا في مارسليليا عام 1934، من أهم العمليات الإرهابية التي تورطت في نتائجها أربع دول على الأقل، وتدخلت عصبة الأمم، حيث وضعت أول لبنات التعاون الدولي من أجل محاربة الإرهاب.

والحقيقة المؤكدة، أن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة تحول، وخطاً فاصلاً عميقاً بين تاريخين للإرهاب، لأن تلك الحرب، غيرت من شكل الحياة على الأرض، ونتج عنها تغييرات جذرية في العلوم والفنون، وثورات علمية في كل المجالات، غيرت أنماط الحياة وأشكال العلاقات السياسية على المستويين المحلى والدولي، لذلك فإن العالم شن في عقد الستينيات من القرن العشرين، حركة غير مسبوقة في التاريخ للتحرر الوطني، وزالت الإمبراطوريات الاستعمارية بشكلها القديم، وتغيرت موازين القوى في العالم، كما تغير إيقاع الحياة وشكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح الإنسان يلهث خلف التطورات العلمية واستخدامات الحاسب الآلي والإنسان الآلي والمصانع ذاتية الإدارة، وأصبح العالم قرية صغيرة نتيجة التغطية الإعلامية والأقمار الصناعية وغيرها، وعاش الإنسان لأول مرة في التاريخ تحت ظل الرعب النووي الذي يهدد بتدمير كوكب الأرض.

ونتيجة لذلك كله، أصبح للصراع السياسي أشكال وقواعد وقوانين جديدة، لم تكن معروفة من قبل، وتعاظم دور الإرهاب السياسي وأصبح ظاهرة مختلفة تماماً عن تلك الظاهرة الإرهابية التي كانت تعرفها البشرية قبل منتصف القرن، حيث امتد ذلك التغيير السريع إلى نفوس الشباب، وظهرت حركة الشباب العالمي في فرنسا عام 1968 في شكل ثورة غير مفهومة الأسباب، لتمتد عدواها في توافق ذهني إلى أغلب دول العالم، حيث برزت حركات متطرفة في كل مكان من العالم، وهو ما طَوِّع ليأخذ صورته الحالية بوصفه أحد أسباب الصراع السياسي.

هذا وقد أفرزت هذه الحركات، عدداً من المفاهيم الشاذة التي اعتنقها الشباب (مثل فلسفة الهيبز/ والفلسفات الفوضية، والاتجاهات الدينية المتطرفة، وغيرها)، واتجهت بعض هذه الجماعات من الشباب إلى تكوين منظمات إرهابية، تعتقد جميعها في إمكانية تغيير المجتمعات بالقوة إلى ما تؤمن به من مفاهيم غير مقبولة.

وبلغت ظاهرة الإرهاب الدولي أقصى درجات الخطورة في عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين (في مرحلة الحرب الباردة)، إذ قامت الظاهرة خلال هذه الفترة بدور البديل للحرب الباردة في الصراع السياسي بين القوتين العظميين، حتى أن أوروبا وحدها، كان يعمل على أرضها 76 منظمة إرهابية، يعمل بعضها لحساب الإتحاد السوفيتي، والآخر لحساب الغرب، كذلك فإن 45% من الأعمال الإرهابية على مستوى العالم، نفذت على أرض أوروبا.

وانتشرت إلى جانب ذلك عشرات المنظمات الإرهابية في أمريكا اللاتينية وفى آسيا، كما أن نحو 82% من العمليات الإرهابية، كان وراءها مخابرات دول أجنبية.

وكان في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من 15 منظمة إرهابية تمارس أنشطتها الإرهابية مثل (منظمة جيش التحرير المتحد، والبانز، والفريزمان اندروجروند، وجبهة تحرير بورتيريكو، واوميجا- 9، ورابطة الدفاع اليهودية، وغيرها).

كما تُعَدّ أهداف الولايات المتحدة في الداخل والخارج، هي أكثر الأهداف المعرضة لعمليات إرهابية، وأشهرها في عقد التسعينيات (حادث تدمير مبنى التجارة الدولية في أوكلاهوما عام 1993، وحادث نسف سفارتي أمريكا في أفريقيا، كذلك حادث تدمير المدمرة الأمريكية كول في اليمن).

وإذا قارنا كل ذلك بما يحدث من إرهاب على الأرض العربية، فيجب أن يكون معلوماً مسبقاً، أن هناك فرقاً بين الإرهاب بوصفه جريمة منظمة، أو نوعاً من الحروب بالوكالة أو ارتكاب جرائم بدافع القهر،. وما بين الحركات التحررية، مثل المقاومة الفلسطينية، التي تمارس حقها من أجل التحرر والرد على ممارسات إرهاب الدولة، الذي نمارسه إسرائيل ضدهم.

وفى الوقت نفسه، كانت هناك أعمال إرهابية على أرض مصر، خلال حقب مختلفة، منها اغتيالات سياسية، أو أعمال بقصد التأثير على نظام الحكم، أو ضد التوجه الاقتصادي للدولة، ونفذتها جماعة مدعومة من الخارج. والواقع أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كانت لهم اليد الطولى في نماء هذا الإرهاب، فعلى سبيل المثال:

1. أن المخابرات البريطانية، كانت لها اليد الطولى في بناء تنظيم الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، كما كان لها علاقات قوية مع حزب التحرير الإسلامي، الذي أسسه تقي الدين النبهاني عام 1948، في أعقاب قيام دولة إسرائيل وهذا الحزب هو الذي أفرز جماعة الجهاد، التي قامت بأعمال عنف في مصر اعتباراً من عام 1974، ثم انشقت عن هذا التنظيم جماعات أخرى مثل "الناجون من النار" وغيرها، وانضم إليها عرب ومن عدة جنسيات ونقلت أنشطتها إلى خارج مصر.

2. أن المخابرات الأمريكية، هي التي وسعت أنشطة الإرهاب الأصولي، ودعمته في أفغانستان، بسبب الغزو السوفيتي. لتلك الدولة عام 1979، وكان هدف الولايات المتحدة هو الحرب عنها بالوكالة، وضرب العقيدة الشيوعية بالأصولية الإسلامية، كما اتفقت المخابرات الأمريكية مع العديد من الدول العربية لتجنيد الشباب وإرساله إلى أفغانستان، بحيث تتولى الولايات المتحدة الأمريكية التسليح والتمويل. وانضم وقتئذ إلى جيش "الأفغان العرب" الكثير من الشباب، إما بدافع العقيدة أو الحصول على المال، وتسلل أسامة بن لادن ممولاً ومحارباً للشيوعية، وباركت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك، ولكنها - بمجرد انسحاب السوفييت من أفغانستان- رفعت أيديها، متخلية عن آلاف من الشباب المرتزقة، الذين سرعان ما انضموا إلى جماعات إرهابية مختلفة عاثت في الأرض فساداً".

3. أن الغرب والولايات المتحدة، هم الذين أمنوا رؤوس الإرهاب الهاربة من مصر والدول الأخرى، وفتحوا لهم الأبواب للإقامة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تحت شعار"حقوق الإنسان"، ومن ثَم، مارست رؤوس الإرهاب أنشطتها من مناطق المهجر الجديدة، والتي لم تسلم هي نفسها من شرورهم.

إذا فالإرهاب لم ينشأ في البداية على الأرض العربية، بل إن نشأته كانت بتشجيع غربي/ أمريكي، كما أن تلك النشأة كانت نتاح دوافع نفسية وسياسية واقتصادية، لم تسيطر عليها الدول العربية أو الإسلامية في وقت مبكر، وأن التنسيق العربي/ الإسلامي لم يكن على المستوى المطلوب في مواجهة ظاهرة الإرهاب، وفى الوقت نفسه فإن مواقف الغرب، قد حالت دون حرية الحركة لهذه الدول للقضاء على الإرهاب، الذي نما وأصبحت له تنظيماته، وفكره وتخطيطه، وتحول من مجرد أعمال اغتيالات أو خطف طائرات واحتجاز رهائن، إلى تنظيمات هدفها تدمير البنية الأساسية للدول المستهدفة، وإسقاط النظام من الداخل، والقضاء على أكبر عدد من البشر.

ثانياً: الرؤية السياسية والاجتماعية للإرهاب

لا يمكن الحديث عن الإرهاب من المنظور السياسي والاجتماعي، دون الحديث عن مذهبين فكريين أساسيين هما "الفوضوية" Anarchism، والعدمية Nishilism، والتي تعود إلى أفكار ماكس ستيرنر (1806 – 1856)، والروسي "باكونين" وتسمى بالفوضوية الاجتماعية.

والواقع أن الفوضوية التي تنكر الإلوهية وسلطة الدولة، كما ترفض الديمقراطية والتمثيل النيابي، تؤمن بالإرهاب ، وسيلة لهدم النظم في المجتمعات. فمنذ الإعلان الذي صدر عن اجتماع الفوضويين في لندن (14 يوليو 1890)، والذي أطلقوا عليه اسم "الإنذار"، أصبح الإرهاب هو الوسيلة المشروعة في نظر الفوضويين لهدم المجتمعات ونظم الحكم والأديان.

وترجع أهمية الأفكار الفوضوية، إلى أن عدداً كبيراً من المنظمات الإرهابية في الوقت الحالي، تدين بها ومثالها منظمات "بادرماتيهوف" الألمانية، و"لواء الغضب البريطاني"، و"الجيش الأحمر" الياباني، و"وايزمان" الأمريكي، "وجيش التحرير" المتحدة الأمريكية، وغيرها.

أما الحركة العدمية، فهي تعود – في الأصل- إلى الفوضوية، والتيارات الاشتراكية الثورية، وهى لا تعني نظاماً فلسفياً للهدم، بل تحريراً ذاتياً يقوم به الفرد تجاه الأعراف والتقاليد الموروثة التي تحد من حريته، وقد قاد المؤمنون بهذا الفكر، نحو الأعمال الإرهابية، ولازال له صدى في بعض الحركات اليسارية المتطرفة، وأشهرها منظمات مثل "الدرب المضيء" في أمريكا اللاتينية.

والواقع أن الفعل الإرهابي لا ينطلق من فراغ، وإنما يرتبط بهوية الأطراف القائمين به، فضلاً عن السباق السياسي والاجتماعي والفكري الذي ينطلقون منه، والذي يختلف بتغير الظروف والوقت، فتختلف معه أشكال العمل الإرهابي ومضمونه. ولكن الحديث عن الإرهاب، في كل الأحوال، عادة، ما يرتبط بانتشار موجة من أعمال العنف سواء في بلد معين، أو إقليم معين، أو ربما على اتساع العالم كله في لحظة زمنية محددة.

وبانتهاء عقد السبعينيات في القرن الماضي، اجتاحت المنطقة، موجة جديدة من العنف، ارتبطت بتنامي حركات الرفض السياسي الإسلامي، التي اضطلعت – ومازالت – بأغلب أعمال العنف التي اجتاحت المنطقة وشكلت تحدياً رئيسياً أمام استقرارها، ولكن عنصر الاختلاف الأساسي في موجة العنف الجديدة، تركزت حول الهدف من أعمال العنف والطرف المستهدف منه، فلم يعد الأمر موجهاً فقط لأطراف دولية أو خارجية، كما لم يعد قاصراً على تحقيق أهداف مرحلية (كحالة مقاومة احتلال – أو مقاومة سلطة استعمارية)، وإنما أصبحت هذه الأعمال – وهذا هو الجديد في الأمر – مستهدفة في المقام الأول السلطات الحاكمة الوطنية، كما تجاوزت أهدافها حدود القضايا المرحلية، ليصبح هدفها النهائي، هو قلب كل الركائز السياسية والاجتماعية التي قامت عليها دولة ما بعد الاستقلال.

وإذا تحدثنا عن التعريف السياسي للإرهاب، فإنه يقصد به (فعل رمزي، يتم لإحداث تأثير سياسي، باستخدام العنف أو التهديد به)، ووفق هذا التعريف فإن العمل الإرهابي ينطوي على عدد من المقومات أهمها أنه فعل من أفعال العنف أو التهديد، ويقصد به في الأساس العنف المادي، وأنه ينطوي على استخدام أساليب تتجاوز ما هو شائع في المجتمع من قانون أو عرف، وينتهك عمداً القواعد الأساسية للسلوك الإنساني وهو ما يبرز عنصر "اللا شرعية" في الفعل الإرهابي وأنه ذو طابع رمزي، بمعنى أنه يكون له مغزى ودلالة أوسع من الفعل المباشر ذاته، وأنه يستهدف التأثير على السلوك السياسي أو الاجتماعي.

ومن ثم يمكن تقسيم الفعل الإرهابي وتصنيفه وفقاً لمعايير ثلاثة: الأول، هو الهدف من الفعل الإرهابي، ويرتبط هذا المعيار في الأساس بالتوجهات الأيديولوجية للطرف القائم بالفعل الإرهابي، بمعنى وجود أيديولوجية سياسية تسوغ العنف، والثاني هو مصدر الفعل الإرهابي أي الطرف القائم به، ووفق هذا المعيار يمكن التفرقة بين الإرهاب" الرسمي" أو "المؤسسي" بمعنى أن يكون الفعل نابعاً من أحد أجهزة الدولة أو من نظام سياسي. والإرهاب "غير الرسمي" كأن يقوم به فرد أو جماعة غير رسمية أو غير شرعية، والثالث خاص بالمجال أو النطاق الذي يقع فيه الفعل الإرهابي، وطبقاً لهذا المعيار يمكن التفرقة بين إرهاب "محلى" تنتمي أطرافه كلها إلى مجتمع واحد أو دولة واحدة ، وإرهاب دولي/ أي يتم عبر الدول، وتنتمي أطرافه إلى أكثر من دولة، وفى هذه الحالة يكون الفعل الإرهابي امتداداً لآليات السياسة الخارجية لدولة ما.

ثالثاً: الإرهاب والمنظمات السياسية

المنظمات السياسية، قد تكون حركات دينية متطرفة، تبدأ في شكل حركة عالمية تمثل دائرة متصلة، وهذا النوع منتشر في العديد من الدول، وقد تكون حركات انفصالية للأقليات العرقية التي تسعى للاستقلال عن الدولة، هذا وقد ارتبطت دائرة العنف طوال السنوات الماضية بتزايد جماعات إرهاب المنظمات السياسية، التي تنتهج العنف وتعتقد أنه وسيلة أساسية لتحقيق أهدافها السياسية، فهذه الجماعات لا تحظى بمشروعية قانونية أو سياسية، وتتبنى أيديولوجية سياسية تبرز أعمال العنف التي تقوم بها داخل الدولة التي تنتمي إليها، حيث تتجاوز إلى مد نشاطها عبر أكثر من دولة. والواقع أن علاقة العنف بالعمل السياسي ليست قضية جديدة، وإنما الجديد فيها هو الارتباط بجماعات بعينها، بعضها جماعات يُمثل حركات دينية متطرفة، وبعضها يمثل حركات انفصالية تسعى للاستقلال داخل بعض الدول.

ويمكن تصنيف هذه الجماعات وفق المجال والهدف الذي تتجه إليه إلى نمطين رئيسيين:

1. جماعات العنف السياسي[2]

اتخذت هذه الجماعات من الاغتيالات السياسية هدفاً أساسياً، حيث كانت من أكثر الأساليب التي لجأت إليها، وبدأت باستهداف الرموز والشخصيات السياسية وانتهت بأصحاب الرأي والفكر المعارضين لأفكارها، ولاشك أن لهذا النمط من العنف دلالة رمزية كبيرة تتجاوز عدد عمليات الاغتيال وتكرارها. ولا تقتصر أعمال العنف السياسي على أسلوب الاغتيالات وإنما تمتد إلى المجالات والأهداف الاقتصادية، فضلاً عن اللجوء إلى أسلوب العنف العشوائي، الذي يقصد به إضعاف هيبة الدولة، وهز شرعية النظام الحاكم.

يشمل العنف السياسي وفق نظرية ميلر، صور الحرب الأربعة المعروفة وهى:

أ. الحرب الشاملة Total war: وهى التي تعم دول العالم كلها سواء كانت طرفاً في الصراع أم لم تكن.

ب. الحرب العامة General war: والتي يكون أطرافها قوى دولية كبرى (فاعلة)، تؤيدها مجموعة من الدول، وتغطي مسارح عملياتها مناطق كثيرة من العالم.

ج. الحرب المحدودة Limited war: وهى الحرب التي تقع بين دولتين أو أكثر ويكون مسرح عملياتها منطقة محدودة، حتى ولو كان أحد أطرافها دولة كبرى.

د. القتال الأقل حدة: ويشمل أنواع العنف الداخلية، وهى الاضطرابات العامة والتمرد والإرهاب المحلي والحرب الأهلية، أما على المستوى الدولي، فتشمل مناوشات الحدود أو حروب الاستنزاف أو الإرهاب الدولي.

ومن ثم يقع الإرهاب الدولي بين صور أنواع العنف التي تدخل في إطار القتال الأقل حده، بينما يدخل الإرهاب المحلى بين صور العنف الداخلية، وجميعها من صور الحرب، حيث يعده ميللر أحد بدائل هذه الحرب. والواقع أن صورة الصراع الأقل حدة هو ما نراه سائداً في صور الصراع السياسي على مستوى العالم، وبذلك أصبح الإرهاب أحد بدائل الحرب.

2. جماعات العنف الاجتماعي

هو عنف يخرج عن النطاق السياسي ويكون موجهاً ضد الأفراد مباشرة، بمعنى أنه يقع في المحيط الاجتماعي، ويعود هذا النوع بدوره إلى طبيعة الأيديولوجية المسيطرة على فكر هذه الجماعات، حيث يتعارض النسق القيمي الذي تبناه مع نسق القيم السائد في المجتمع، وهى ترى بموجب أفكارها ضرورة تغيير الأنماط السائدة للسلوك الاجتماعي بالقوة، ولاشك أنها بذلك تجرد المجتمع القائم من شرعيته، أسوة بتجريدها للنظام السياسي من شرعيته.

وإذا كانت هذه الجماعات قد أضفت مسوِّغاً دينياً على الأنماط المختلفة من العنف الذي تمارسه، إلاّ أن ذلك لا يعنى أننا بصدد ظاهرة دينية خالصة، فكما أن هذه الجماعات في أفكارها وممارستها- تعبر في أحد جوانبها عن الأزمة الفكرية التي تعانى منها بعض المجتمعات، إلا أن ذلك لا ينفي الأبعاد السياسية والاجتماعية التي كانت وراء ظهور هذه الجماعات، وتشكيل أفكارها، وتحديد أسلوب حركاتها السياسية.

والواقع أن الخلفية الاجتماعية التي تعبر عنها القاعدة الواسعة من أعضاء جماعات العنف المعاصرة، إنما تأتى من شرائح اجتماعية معينة، وهى تلك التي تتمثل أساساً في الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى، كما أنها تتركز جغرافياً في مناطق متشابهة من حيث درجة التأخر الاقتصادي والاجتماعي ومستوى المعيشة، وهى مؤشرات تؤكد أن هذه البيئة الاجتماعية تساعد أكثر من غيرها، على تقبل أفكار هذه الجماعات، كما تؤكد أن من تستقطبهم، هم من أكثر الفئات الاجتماعية شعوراً بالحرمان، خاصة وأن أغلب أعضائها قد نالوا قدراً من التعليم زاد من مطامحهم وتطلعاتهم، من دون أن يقابله ذلك إشباع لهذه المطامح، على الجانب الآخر.

رابعاً: جماعات الإسلام السياسي وأعمال العنف

على مدى السنوات الماضية اتسمت جماعات الإسلام السياسي، بالعنف، والذي ترى فيه وسيلة أساسية لتحقيق أغراضها وأهدافها السياسية، وهذه الجماعات محظورة سياسياً، ولكنها تؤمن بِأيديولوجية سياسية تعتمد العنف، وتنتقي أهدافها إما داخل المجتمع أو الدولة التي تنتمي إليها، أو قد تمد نشاطها عبر أكثر من دولة.

هذا وقد احتلت هذه القضية مساحة هامة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، والتي تركزت حول مدى شرعية الخروج على الحاكم الجائر ومحاولة نزعه بالقوة، ورغم أن الرأي الغالب، مال إلى عدم إجازة الخروج عليه درءاً للفتنه، إلا أن اجتهادات أخرى بقيت، تجيز هذا الخروج وتسوّغ استخدام القوة والعنف لخلع الحاكم والاستيلاء على السلطة، كما رفضت هذه الجماعات الاعتراف بوجود مسافة بين النص المقدس وتأويله، أو بين العقيدة والفكر السياسي الإسلامي، والتي أدت إلى ميلاد العديد من المذاهب والفرق الدينية المتناحرة، على مر التاريخ السياسي الإسلامي. ولاشك أن ذلك قد أكسبها طابعاً متشدداً صار سمة الأيديولوجية السياسية التي تعتمدها تلك الجماعات، والتي برزت من خلالها أعمال العنف التي اضطلعت بها.

وقد بدأت هذه الجماعات بتجريد النظام الحاكم من شرعيته، وانتهت بتجريد المجتمع من الشرعية نفسها، وهو ما جعل ظاهرة العنف المرتبطة بها تأخذ طابعاً واسعاً ومتزايداً.

ويمكن تصنيف هذه الأعمال، إلى نمطين رئيسيين: الأول: هو العنف السياسي والموجه أساساً من هذه الجماعات ضد السلطة السياسية، والثاني: العنف الاجتماعي، الموجه ضد الأفراد مباشرة، أي التي تقع في المحيط الاجتماعي، وقد سبق الحديث عنهما.

هذا وقد ارتبط الصعود السياسي للحركات الأصولية، خاصة العنيفة منها وانتشارها على طول المنطقة العربية، خلال السنوات الأخيرة، بطبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها أغلب النظم السياسية العربية في سعيها لبناء نظم ديمقراطية حديثة. ولقد عاشت المنطقة في فترة مبكرة، عشية الاستقلال، حقبة ليبرالية في حياتها السياسية، وعرفت من خلالها الممارسة الديمقراطية، ونمت فيها قوى سياسية واجتماعية حديثة، كما شهدت الحياة الثقافية والفكرية ازدهاراً أغنى هذه الممارسة. وقد عرفت مصر نموذجاً متميزاً للحقبة الليبرالية التي استمرت فيها على مدى ثلاثة عقود (1923 – 1952).

ولكن هذه الفترة الليبرالية المبكرة التي عاشتها العديد من دول المنطقة، تعرضت للإجهاض المبكر بسبب عوامل عديدة، منها التدخل الأجنبي بحكم الوجود الاستعماري، ومنها ظهور تنظيمات وأحزاب ذات أيديولوجيات شمولية, وقفت ضد الاتجاهات الديمقراطية الليبرالية فكراً وممارسة، ثم انتهى الأمر بقيام العديد من الانقلابات والثورات التي أجهزت تماماً على هذه التجارب وأنهت النظم القديمة لتحل محلها نظم حكم تعتمد على الحزب الواحد، أو الشكل الجبهوي، ولأن مصر-  تحديداً – كانت دائماً تشكل نموذجاً حضارياً وسياسياً له تأثيره الخاص على المنطقة كلها، فإن إجهاض تجربتها الليبرالية في عام 1952، ربما لعب دوراً في التعجيل بإنهاء التجارب الليبرالية العربية الأخرى.

ولقد أدت الأوضاع السياسية في المنطقة إلى غياب المؤسسات السياسية الفعالة، القادرة على تحويل الديموقراطية إلى واقع يمارس من خلالها، وفى ظل هذه الظروف - التي تحكم التجارب الديمقراطية العربية – أصبحت القوى الإسلامية على اختلاف توجهاتها، هي القوى السياسية المرشحة للصعود السياسي أكثر من غيرها، ليس بسبب قدرتها على تقديم حلول جديدة لمشكلات المجتمع، وإنما لاعتمادها على مصدر شرعي تقليدي تستطيع به تحريك الجماهير. ومن هنا برزت فعالية الخطاب السياسي الإسلامي، الذي قدمته الحركات الإسلامية، وبالطبع فإن سرعة انتشار هذا الخطاب لا يرجع إلى المهارة السياسية أو التنظيمية لهذه الحركات، ولكنه يرجع إلى طبيعة البيئة الثقافية التقليدية التي تتجاوب معه، فالحركات الإسلامية، لا تصنف أحزاباً سياسية بالمعنى الحديث، ولكنها بخلاف الأحزاب تستطيع استقطاب عدد كبير من الأنصار، دون حاجة إلى تقديم برنامج سياسي أو اجتماعي؛ لأنها تعبر في النهاية عن ثقافة سائدة أو مزاج عام "Mood"، وحركة شعبية "Populist movement"، تستطيع تحريك الجماهير إذا ما توافرت لها فقط مجرد قيادة سياسية، وهذا العامل هو أحد الأسباب المهمة التي تفسر نجاحها في اكتساب الأصوات في الانتخابات التشريعية.

وبالطبع، فهناك عوامل أخرى تسببت في الصعود السياسي لهذه الحركات، مثل ضعف الأحزاب والقوى السياسية الديموقراطية أو غيابها، كما أن الأحزاب الحديثة التي ولدت لم تتمتع بفعالية سياسية، أو تكون لها قاعدة اجتماعية تعبر عنها، وكان الوجه المقابل هو بروز القوى السياسية الإسلامية، حيث استطاعت أن تعبئ الجماهير، وتنشر الخطاب السياسي دون حاجة إلى الحصول على اعتراف قانوني بها لمزاولة النشاط السياسي، كما أنها بحكم طابعها الشعبي، لم تكن بحاجة للتنظيم وفق قاعدة اجتماعية متجانسة أسوة بالأحزاب، وهذا الواقع يفسر إلى حد كبير حالة الاستقطاب الشديد "Polarization" التي تسود الحياة السياسية في أغلب المجتمعات بمنطقة الشرق الأوسط بين السلطة السياسية والقوى الإسلامية على وجه التحديد.

وفى مقابل هذه الأبعاد السياسية التي نمت في إطارها جماعات العنف، هناك أيضاً أبعاد اجتماعية واقتصادية، لعبت دوراً هاماً في تغذية المنحى العنيف الذي تتخذه هذه الجماعات، وفقاً لنموذج "جور" من الحرمان النسبي الذي يفسر من خلاله الإرهاب اعتماداً على نظرية العنف السياسي، تبرز العلاقة بين ما سماه الحرمان النسبي من ناحية، والعنف السياسي من ناحية أخرى، ويقصد بالمصطلح الأول حالة التوتر التي تنشأ عن التعارض بين ما يجب أن يكون، وبين ما هو كائن بالفعل فيما يتعلق بإشباع القيم الجماعية، الأمر الذي يدفع الأفراد إلى العنف.

ومثلها مثل سابقتها تتشكل القاعدة الواسعة من أعضاءها من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى، والمهاجرين من الريف إلى المدينة، كما أنها تتركز جغرافياً في مناطق متشابهة من حيث درجة التأخر الاقتصادي والاجتماعي ومستوى المعيشة سواء في العواصم الريفية أو في المناطق الفقيرة بالمدن.

ومن ثَم، فإن انخراط فئات من الأجيال الجديدة إلى جماعات الإسلام السياسي، بما تشكله من مظهر للرفض والتمرد والعنف، مرتبط بدرجة أو بأخرى بحالة الحرمان النسبي، التي تعانى منه هذه الفئات أو الشرائح الاجتماعية، ومن هنا فإن ظاهرة العنف المرتبطة بجماعات الإسلام السياسي رغم تغليفها بطابع ديني، إنما تعبر عن مشكلات سياسية واجتماعية وثقافية، أظهرتها عملية الانتقال والتحول من النظم المتسلطة، إلى الشكل الديموقراطي وما صاحبها من تحولات، مازالت في طور التشكيل، على الصعيد الاقتصادي – الاجتماعي فضلاً عما أبرزته من مشكلات ثقافية حادة بسبب الجمود الذي عانت منه لفترة طويلة. ولاشك أن هذه المتغيرات تلعب دوراً جوهرياً في التأثير على أية ظاهرة دينية، بل في تشكيلها وتوجيه مسارها.

سيكولوجية الإرهاب في ضوء أحداث 11 سبتمبر 2001

بعد أحداث سبتمبر 2001، أجمع مجلس إدارة رابطة علم النفس الأمريكية Psychological association" American " ووضعت منهجاً لما يجب على الرابطة أن تقوم به، ونشرت في مقال لها تحت عنوان "العلم السلوكي يعد العدة للقتال أو للصراع مع الإرهاب"، ولعل من أهم ما نشر في هذا المقال "أن حادثة سبتمبر 2001"، تعد دالة – بالمعنى الرياضي- في السلوك، وأنها لم تكن دالة في أمور خطوط الطيران أو المباني أو التكنولوجيا، لذلك يجب الاعتناء بكيفية منع مثل هذا "الحوادث من خلال سلوك الناس، لذا يجب التركيز على دراسة السلوك في شتى المناحي، سواء كان سلوك الناس في خطوط الطيران أو سلوكهم في مجال التكنولوجيا".

ومن ثم قامت الرابطة بتكوين لجنة فرعية مهمتها، بناء قاعدة بيانات ومعلومات سيكولوجية لمساعدة مؤسسات الحكومة والبرلمان وبحث الأسباب السيكولوجية وراء الحادث، وما يترتب على هذا الحادث من مردود سيكولوجي، وكذلك البحث عن الأسباب والعوامل التي سببت أو التي تجعل فرداً معيناً، إرهابياً، وأن هناك حاجة لتفكير إبداعي، يستخدم التراث السيكولوجي الضخم، والذي لم يستخدم بعد في مجال الإرهاب، وهنا ما أكده كاربنتر".

وعلى الرغم من أن رابطه علم النفس الأمريكية، اعترفت بقصور علم نفس /الإرهاب، إلاَّ أن "كرنشاوى" crenshaw، كان لها السبق في بحثها بعنوان"سيكولوجية الإرهاب، أجنده للقرن الحادي والعشرين، كان لها السبق في توعية العاملين في مجال البحث النفسي على وجه العموم والعاملين في مجالات البحث النفسي السياسي – على وجه الخصوص- إلى أن البحث في الإرهاب سيكولوجياً وسياسياً، والذي بدأ في السبعينيات من القرن العشرين، يواجه مشكلات عضال، تتمثل في القصور والاختلافات الواضحة في تعريف الإرهاب، وفى الإخفاق في جمع بيانات عديدة عنه، وبالتالي الفشل، حتى الآن، في بناء نظرية تكاملية تفسره مع استبعاد غزو الإرهاب لاضطرابات في الشخصية" Personality disorders"، أو عدم العقلانية "Irrationality"، كما نصح كرنشاوى، بأن على البحوث والدراسات المستقبلية عن الإرهاب والذي أسمته بالإرهاب الجديد- أن تختبر نقدياً، الزعم أو الافتراض (Assumption)، القائل بأن هذا الإرهاب الجديد ظهر في نهاية القرن العشرين، وعلى المحللين أن ينتهزوا الفرصة لإجراء دراسات مقارنة ومتطورة لا تنظر لأسباب الإرهاب فقط، ولكن تنظر أيضاً لمدى التغير في إستراتيجياته، ومدى فعالية السياسات، والإستراتيجية الحكومية حياله.

كما يرى بريوس هوفمان "Hoffman" في بحث له تحت عنوان "عقل الإرهاب، نظرات متعمقة من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي"، أُجملت في ثلاث نقاط:

الأولى: التكتيكات والأهداف والأسلحة، والتي تفضلها الجماعات الإرهابية، وما إذا كانت هذه التكتيكات والأهداف والأسلحة تختلف باختلاف أيديولوجية المجموعة الإرهابية، كذلك التنظيم الداخلي الديناميكي لهذه الجماعات وشخصياتهم الأساسية، والتي يجب أن تكون محل دراسة واعتبار.

الثانية: أن جميع المجموعات الإرهابية تعيش للمستقبل وعليه، فالمستقبل وليس الحاضر، هو الذي يحدد الحقيقة.

الثالثة: مجموعات الإرهاب العرقي، هي التي تعمر طويلاً، كما أنها الأكثر نجاحاً في عملياتها الإرهابية، وذلك يحتاج إلى تفسير من خلال دراسات مقارنة.

كما أن أزمة بناء العقل والوجدان للفرد على وجه العموم والإرهابي على وجه الخصوص، يمكن النظر إليها من مداخل أخرى تتمثل في النظم التعليمية السائدة، وربما كذلك نظيرتها في بناء العقل والوجدان، والتي تتمثل في وسائل الإعلام المختلفة.

هذه النظم التعليمية والإعلامية، ومدى تأثيرها على تنظيم بنية عقل الفرد ووجدانه في المجتمعات النامية في حاجة إلى تدعيم بحثي، حيث إنه من المهم أن تعرف كيف يجري بناء عقلية الإرهابي ووجدانه وكيف يفكر وما دور تنشئته التعليمية والإعلامية في كل ذلك، وما إذا كانت بنيته العقلية والوجدانية تختلف عن أقرانه الأسوياء، فهناك نوع من التربية يمكن أن يصنع عقلاً أحادى التفكير يتسم بالتصلب (Dogmatic)، حيث التصلب الفكري وربما عدم المرونة، لذلك فإن الغلو في الدين أو الاعتقاد عند الإرهابي. من المتوقع أن تكون له أسبابه العقلية البنيوية، وربما أيضاً البنوية الوجدانية عنده، ويصبح الكشف عن هذه البنيوبات مطلباً علمياً من أجل الوصول إلى حلول علمية تكاملية لسيكولوجية الإرهاب.

خامساً: معاهدات مواجهة الإرهاب

1. معاهدات مواجهة الإرهاب في إطار عصبة الأمم

في المؤتمر الثالث الذي عقد في بروكسل عام 1930، تحت إشراف الجمعية الدولية لقانون العقوبات، عُرِّف الإرهاب الدولي، بأنه الاستخدام المتعمد للوسائل القادرة على إيجاد دافع مشترك لارتكاب فعل يعرض حياة الأفراد، أياً كان عددهم وأياً كانت جنسيتهم للخطر والدمار، كما يهدد صحتهم وسلامتهم بصفة عامة، ويدمر الممتلكات المادية محدثاً خسائر فادحة.

إلا أن الحكومة الفرنسية حثت عصبة الأمم، في عام 1934، على إعداد معاهدة لمواجهة الإرهاب، وأبرمت هذه المعاهدة في 16 نوفمبر 1937، وبمقتضاها حُدِّد الإرهاب بأنه الأعمال الموجهة ضد دولة، والتي تهدف إلى إثارة الرعب لدى شخصيات معينة أو إلى جماعات أو أشخاص، ولقد تمثلت أهمية تلك الاتفاقية في تحديد تعريف دقيق للإرهاب، كما أقرت المعاهدة على إنشاء محكمة جنائية دولية.

ورغم واقعية المعاهدة فيما يخص إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وإمكان اللجوء إليها اختياراً، إلا أنها لم تحظ بمصادقة العدد اللازم من الدول لدخولها مجال التطبيق الفعلي، ورغم الجهود التي بذلها رجال القانون لتطوير القانون الجنائي الدولي إلا أنهم لم يتمكنوا من إقناع الدول بجدوى تلك المعاهدات، كما أن عصبة الأمم لم تهتم بما يتصل بمسألة الإرهاب.

2. مكافحة الإرهاب في إطار قانون المنظمات المختصة

عقدت، نتيجة الجهود المشتركة التي بذلتها العديد من الدول، اتفاقيات دولية تضمنت تعريفاً لبعض أشكال الإرهاب، وحددت تدابير مواجهتها، ولقد كانت اتفاقية جنيف الخاصة بالبحر المفتوح، والتي أُبرمت عام 1958، أولى تلك الاتفاقيات، وقد تضمنت تلك الاتفاقية عدة أحكام لمواجهة الإرهاب في أعالي البحار، وخاصة القرصنة البحرية، سواء ضد سفينة أو طائرة أو ضد أشخاص أو أموال في مكان يكون خارج دائرة اختصاص أية دولة من الدول.

وسعياً إلى ضمان سلامة الطيران المدني، أعدت منظمة الطيران المدني الدولية العديد من الاتفاقيات تهدف إلى مواجهة القرصنة الجوية، وكان منها اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات، ولقد أقرت تلك الاتفاقية في سبتمبر 1963 وتستهدف حماية سلامة الطائرة وركابها والممتلكات الموجودة فيها أثناء طيرانها فوق أعالي البحار أو فوق مجال بحري خارج أراضي أي دولة، إلا أنها لا تطبق على الطائرات المستعملة لأغراض حربية أو أمنية.

وفي إطار اتفاقية لاهاي، الخاصة بمنع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، والموقعة في ديسمبر 1970 ألزمت الدول بممارسة صلاحياتها، وملاحقة مرتكبي العمليات الإرهابية، وبذلك تكون قد تطرقت تلك الاتفاقية إلى أفعال لم تتطرق لها الاتفاقيات السابقة.

وأبرمت معاهدة عام 1979 في فيينا، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية بهدف حماية المواد النووية، ومنع وصولها إلى الجماعات الإرهابية، وحددت تلك الاتفاقية درجات الحماية اللازمة للمواد النووية الموجهة للأغراض السلمية أثناء النقل الدولي لتلك المواد، كما أقرت الإجراءات الواجب اتخاذها ضد الأعمال غير المشروعة التي تمس المواد النووية، أثناء نقلها أو عند استخدامها أو تخزينها محلياً.

ومن خلال المنظمة البحرية العالمية، أبرمت معاهدة عام 1988 بشأن منع الأعمال غير المشروعة، التي تهدد سلامة الملاحة البحرية، كما وقع بروتوكول بشأن منع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة المنشآت الثابتة في الجرف القاري[3]، وتطبيق كلتا الاتفاقيتين على الجرائم المرتكبة عمداً، وبصورة غير مشروعة، لتهديد الملاحة البحرية من خلال الاستيلاء على سفينة، أو السيطرة عليها، أو على حمولتها بأي شكل من أشكال الترويع، وطبقاً لأحكام تلك الاتفاقية تلتزم الدول بمواجهة المتهمين ومحاكمتهم أو تسليمهم إلى دولتهم الأصلية، والتعاون مع الدول الأخرى لاتخاذ التدابير الوقائية، وتبادل المعلومات، وتقديم الأدلة الضرورية للإجراءات الجنائية.

كما عقدت معاهدة جديدة في مونتريال عام 1991، تهدف إلى إلزام الأطراف المتعاقدة بحظر تصنيع المتفجرات البلاستيكية غير المميزة بعلامات تحدد مكان تصنيعها، كذلك حددت عناصر الكشف التي يجب وضعها داخل المتفجرات البلاستيكية أثناء عملية التصنيع، بالإضافة إلى منع دخول المتفجرات غير المعلمة إلي أراضي الدول أو الخروج منها، كذلك ممارسة رقابة صارمة على المخازن التي يوجد بها مثل تلك الأنواع. وأقرت المعاهدة أيضاً ضرورة إتلاف مخزون المتفجرات البلاستيكية، التي ليست في حوزة السلطات العسكرية أو الأمنية.

3. اتفاقيات مكافحة الإرهاب في إطار الأمم المتحدة

أقرت معاهدة نيويورك عام 1973، لمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية، ومن ضمنهم رؤساء الدول والحكومات، ووزراء الخارجية والدبلوماسيين وممثلو الدولة الرسميون، وممثلو المنظمات الدولية، وكذلك أفراد عائلاتهم الذين لهم الحق في حماية خاصة بالدول الأجنبية، وبموجب تلك الاتفاقية تلتزم الدول الموقعة بتسليم مرتكبي تلك العمليات الإجرامية وفق أحكام الاتفاقية.

وبناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 34/146، عقدت معاهدة دولية تحظر احتجاز الرهائن بتاريخ 17 ديسمبر 1979، ولقد عَرَّفت تلك الاتفاقية جريمة اختطاف الرهائن واحتجازهم، وأكدت على ضرورة معاقبة الفاعل الأصلي وشركائه، كما راعت الاتفاقية أولوية الحفاظ على سلامة الرهائن، بالإضافة إلى التدابير الجزائية التي يجب على الأطراف المتعاقدة اتخاذها، سواء لتسليم الفاعلين أو محاكمتهم.

وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نهاية التسعينيات من القرن العشرين قرارَين تضمن كل منهما اتفاقية جديدة، الأولى تقضي بمنع التفجيرات الإرهابية بتاريخ 15 ديسمبر 1997 طبقاً للقرار الرقم 52/164، والثانية: الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع تمويل الإرهاب بتاريخ 9 ديسمبر 1999، ولقد استمدت الأمم المتحدة بنود الاتفاقيتين من أحكام المعاهدات السابقة، خاصة ما يتعلق بعمليات الملاحقة والتسليم والإجراءات الوقائية التي تقع على عاتق الأطراف المتعاقدة. إلا أن هاتين الاتفاقيتين لا تطبقان في الحالات التي لا تتوفر فيها عناصر الجريمة الدولية.

4. المعاهدات الإقليمية ومكافحة الإرهاب

أقرت دول القارة الأمريكية معاهدة واشنطن في فبراير 1971، بهدف قمع العمليات الإرهابية الموجهة ضد الأفراد، وعمليات الابتزاز المقترنة بها، وخاصة عندما تكون تلك الأعمال ذات آثار دولية. وتعهدت الدول بالتعاون لمنع العمليات الإرهابية، التي تهدد حياة أو سلامة الأفراد، الذين يتعين على الدول وفقاً للقانون الدولي توفير الحماية اللازمة لهم، حيث اعتبرت المعاهدة أن تلك الجرائم ذات أهمية دولية بغض النظر عن الدافع.

كما أُقرت الاتفاقية الأوروبية لمنع الإرهاب، في ستراسبورج خلال شهر يناير 1977 وإدراكاً من الدول الأعضاء للمخاطر، بعد تزايد أعمال الإرهاب، أُلحق بتلك الاتفاقية معاهدة دبلن في 4 ديسمبر 1979 في إطار المجموعة الاقتصادية الأوروبية، حيث كانت هناك رغبة من الدول الأوروبية في اتخاذ تدابير فعالة لمنع هروب مرتكبي العمليات الإرهابية من المحاكمة أو العقاب، ثم تعددت بعد ذلك الاتفاقيات الأوروبية، حتى صارت منظومة متكاملة لمكافحة الإرهاب، لاسيما ما يقضي بتسليم المواطنين المتهمين من دولة أوروبية إلى أخرى موقعة على الاتفاقية.

وفي نوفمبر 1987، وافقت دول جنوب شرق آسيا من خلال جمعية التعاون الإقليمي، على إبرام معاهدة إقليمية للقضاء على الإرهاب، حيث وقعت اتفاقية بهذا الشأن.

5. الجهود العربية لمكافحة الإرهاب

بدأت الجهود العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب بالتوصل إلى إستراتيجية أمنية عربية، أقرها مجلس وزراء الداخلية العرب عام 1983، نصت على ضرورة المحافظة على أمن الوطن العربي وحمايته من المحاولات العدوانية للإرهاب والتخريب، الموجهة من الداخل والخارج، وفي إطار الخطة الأمنية العربية، تشكلت لجنة خاصة بالجرائم المنظمة، وقد عرضت توصياتها على مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته السادسة في 12 ديسمبر 1987، حيث أصدر قراراً بتكليف الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بإعداد مشروع إستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وفي مطلع عام 1988 أصدر مجلس وزراء الداخلية العرب قراراً بتشكيل لجنة من ممثلي الدول العربية على مستوى الخبراء، وتشارك فيها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وأمانة مجلس وزراء الداخلية العرب، لتحديد كيفية مواجهة ظاهرة الإرهاب. وضعت بعد عدة لقاءات تعريفاً إجرائياً للإرهاب يشمل كل صوره.

خلال الفترة من 29-31 يوليه 1996، عقدت اجتماعات لجنة العمل العربي المعنية بإعادة صياغة مشروع الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، بحضور وفود 15 دولة عربية، وأقرت الصيغة النهائية لهذا المشروع. وفي إطار التحرك والعمل العربي الجماعي أقرت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب خلال اجتماعات الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر وزراء الداخلية العرب في 5 يناير 1998، ووضع كذلك آليات تنفيذ الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، كما تضمن المشروع عدداً من المنطلقات والأهداف والمقومات والآليات، التي تُحَدِد الأسس التي تقوم عليها سياسة مقاومة الإرهاب، والسبل الكفيلة بتحقيق أقصى قدر من التعاون على الصعيد العربي والدولي لاحتواء تلك الظاهرة، والحد من الأخطار التي تشكلها على الدول المختلفة.

لقد أقرت الإستراتيجية العربية مفهوماً حديثاً ومتكاملاً عن الإرهاب، يتلخص في أن الأعمال الإرهابية هي أعمال عنف منظم يسبب رعباً وفزعاً، كما أنها في الوقت ذاته تكون بعيدة كل البعد عن الكفاح المسلح، الذي هو حق للشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي، من أجل تحرير أراضيها المحتلة، كما حددت الإستراتيجية العربية السياسة الوطنية لكل دولة، والإجراءات والتدابير اللازمة للوقاية من الإرهاب، وفي مقدمتها زيادة دعم الدولة للأسرة بما يكفل التربية السليمة للنشْء والشباب، وتكثيف استخدام وسائل الإعلام المختلفة لتنمية الوعي الوطني والقومي، وأن تلتزم الدول باتخاذ تدابير فعالة وحازمة لمكافحة الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله، وذلك من خلال الحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط الأعمال الإرهابية وتنظيمها وتنفيذها.

كما أكدت الإستراتيجية ضرورة قيام الدول العربية بتشديد إجراءات المراقبة لمنع تسلل عناصر الإرهاب والتخريب أو تهريب الذخائر والمتفجرات إليها، وتحديث قوانينها وتشريعاتها الجنائية لتشديد العقوبات على مرتكبي الأعمال الإرهابية، وأيضاً تجميد ومصادرة كافة الأموال الموجهة إلى دعم ومساندة تلك الأعمال.

كذلك تطرقت الإستراتيجية إلى تحديث وتطوير الأجهزة الأمنية من خلال توفير حاجاتها من معدات وتقنيات حديثة، وتدريب المؤهلين لاستخدامها، ولم تغفل الإستراتيجية العربية البحث العلمي، الذي تناول دراسة ما يقع من أعمال إرهابية وتحليلها، ومتابعة التطور المحلي والعالمي للظاهرة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التحديد الدقيق لواجبات الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، ومن خلال التعاون بين الأجهزة الأمنية للدول العربية فيما بينها.

وتضمنت الإستراتيجية العربية أيضاً آليات تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لمنع الإرهاب ومكافحته، وتقديم المساعدة المتبادلة في مجالات البحث الجنائي والتحري، وكذلك أكدت الإستراتيجية أهمية تبادل الخبرات والتقنيات الحديثة في مجال التعامل الأمني مع الجماعات الإرهابية ومواجهتها، وتختص الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بمتابعة مستجدات ظاهرة الإرهاب، وسبل مكافحتها والتنسيق بين الدول العربية في هذا الشأن.

وعلى صعيد التعاون العربي الدولي أكدت الإستراتيجية العربية أن ذلك التعاون يمكن تحقيقه من خلال التنسيق بين المنظمات والهيئات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، كما تقوم الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بمتابعة المؤتمرات واللقاءات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتنسيق مع الوفود العربية المشاركة فيها.

وعلى الرغم مما تحقق إنجازه في إطار التعاون العربي لمواجهة الإرهاب خلال الإستراتيجية العربية، إلا أن العديد من المعوقات ما زال يواجه تلك الإستراتيجية، حيث لا توجد حتى الآن فعاليات عربية متخصصة في مكافحة الإرهاب، كذلك توجد خلافات بين الدول العربية حول سبل ووسائل مواجهة الإرهاب ومعالجة أسبابه، وحول وسائل وأسلوب التعامل مع التنظيمات المتطرفة والعناصر الإرهابية، كما أنَّ اختلاف القوانين في الدول العربية، ولاسيما ماله صلة بتسليم الإرهابيين، من أكثر العقبات الفنية التي تعترض التعاون العربي في مواجهة الإرهاب، ونخلص من ذلك إلى أن الرؤية العربية لمواجهة الإرهاب مازالت تحتاج إلى مزيد من الدعم الرسمي والشعبي لإنجاح مسيرتها وتدعيم مسيرة التعاون العربي المشترك، ولن تتحقق الأهداف المنوطة بالإستراتيجية العربية دون التغلب على المعوقات السابقة.

6. قرارات الأمم المتحدة ومكافحة الإرهاب

أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم 2625/25 لعام 1970، إلى ضرورة امتناع الدول عن تشجيع أعمال الحرب الأهلية، أو أعمال الإرهاب في أراضي دولة أخرى، وعلى ذلك أصدرت قرارها الرقم 3034/27 في 18 ديسمبر 1972، إثر اقتراح تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية تدعو فيه إلى إقرار اتفاقية لمنع بعض أعمال الإرهاب الدولي والمعاقبة عليها، ولكن الموضوع تحول مع حدة النقاش ـ إلى إصدار قرار يتركز على أسباب الإرهاب أكثر من الاهتمام بمكافحته. وانبثق عنه تشكيل لجنة معنية بالإرهاب، إلا أنها لم تتوصل إلى إقرار اتفاقية شاملة، واكتفت بمعاهدة خاصة بحظر اختطاف الرهائن واحتجازهم، وتوقفت مهمة اللجنة عند هذا الحد.

أصدرت الجمعية العامة قرارها الرقم 36/109 في الدورة السادسة والثلاثين عام 1981، وكذلك قرارها الرقم 38/130 في الدورة الثامنة والثلاثين عام 1983، وطلبت خلالهما من جميع الدول أن تقوم بتنفيذ التدابير العملية للإسراع بالقضاء على مشكلة الإرهاب الدولي. وفي الدورة التاسعة والثلاثين عام 1984 أصدرت الجمعية العامة قرارها الرقم 39/159 والخاص بعدم قبول سياسة إرهاب الدولة، وأي إجراءات تتخذ من الدول بهدف تقويض النظم السياسية والاجتماعية في الدول الأخرى ذات السيادة، كما أدانت الجمعية العامة السياسات والممارسات الإرهابية وسيلة للتعامل بين الأنظمة وبين الشعوب. وفي الدورة الأربعين للجمعية العامة أصدرت قرارها الرقم 30/61 في ديسمبر 1985، أكدت خلاله على تكرار توصياتها السابقة.

وصدرت ـ مع استمرار النقاش حول الإرهاب في إطار الأمم المتحدة، وخاصة خلال دورات الجمعية العامة ـ عدة قرارات، حمل أحدها إعلاناً بشأن الإجراءات التي استهدفت القضاء على الإرهاب الدولي عام 1994، كما قامت لجنة خاصة بإعداد اتفاقية منع التفجيرات الإرهابية عام 1997، حيث شملت مهمتها مسألة الإرهاب النووي، إلا أن الحوار ما زال مستمراً في إطار الجمعية العامة بشأن إعداد معاهدة لمواجهة الإرهاب باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

7. القانون الدولي ومكافحة الإرهاب

يحظر القانون الدولي استخدام الأعمال الإرهابية وسيلة للنزاعات المسلحة، سواء في الحروب الدولية أو الحروب الداخلية، كما يصنف احتجاز الرهائن واختطافهم جريمة حرب، أما حظر الإرهاب بشكل صريح فقد نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أثناء الحرب، كذلك البروتوكول الثاني الإضافي من اتفاقيات جنيف بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية، ورغم اقتضاب الأحكام المتعلقة بحظر الإرهاب صراحة في اتفاقيات القانون الدولي، إلا أنَّ الكثير من مواد تلك الاتفاقيات تتضمن الأعمال الإرهابية، وخاصة أن الإرهاب من الناحية القانونية يتصل بعدة فروع من القانون الدولي، منها قانون النزاعات المسلحة، وقانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وكذلك القانون الجنائي الدولي، حتى وإن لم تذكر جريمة الإرهاب في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية.

نخلص مما سبق إلى أن تعريف الإرهاب يواجه بعقبات تتجاوز نطاق القانون الدولي، أما القوانين المحلية فقد حسمت مسألة التعريف، أما على المستوى الإقليمي فقد توصلت الدول إلى صيغ تتلاءم مع حاجاتها وخططها، وبقدر ما سادت النظرة القاصرة للإرهاب انعكس ذلك على تنوع المعاهدات ذات الصلة، ولذلك لم يتمكن المجتمع الدولي من إقرار معاهدة شاملة لمواجهة الإرهاب، وبرغم ذلك فإن الجدل القائم حالياً في الأمم المتحدة يعكس تزايد حدة الانقسام بين الدول الأعضاء، ما يعيق التوصل إلى معاهدة شاملة لمواجهة الإرهاب، كما يتضح وجود انعدام للإرادة السياسية الفعالة لدى العديد من الدول، من أجل التوصل إلى اتفاقية شاملة لمناهضة ظاهرة الإرهاب الدولي، ويرجع ذلك لعوامل عديدة، منها عدم الاتفاق على تعريف الإرهاب والخلاف الأيديولوجي بين بعض دول العالم، وكذلك اهتمام دول العالم الثالث بعدم المساس بحق الشعوب في تقرير المصير، والاستقلال وحقها في ممارسة الكفاح المسلح، بالرغم من وجود اتفاق عام بين الجميع على إدانة ظاهرة الإرهاب وأهمية مواجهته.


 



[1] كلمة اغتيال assassin في اللغة الإنجليزية، يرجع إلى اسم جماعة الحشاشين Ashashin، وقد عرفت الكلمة بعد أن أصبحت تدل على الثقل السياسي

[2] يعرف هارولد نيبرج العنف السياسي بأنه: "إقفال التدمير والتخريب وإلحاق الأضرار والخسائر التي توجه إلى أهداف أو ضحايا مختارة أو ظروف بيئية أو وسائل أو أدوات، والتي تكون أثارها ذات صفات سياسية من شأنها تعديل أو تغيير أو تحوير سلوك الآخرين في موقف المساومة، والتي لها أثر على النظام الاجتماعي.

[3] الجرف القاري: هو ذلك الجزء البحري الملاصق لشاطئ بلد ما، ويتكون عادة حسب القانون الدولي، من مياهه الإقليمية. وتستخدم هذه العبارة بنوع خاص للدلالة على المياه البحرية التي يكتشف فيها النفط.

[4] الإثنية: مصطلح يُشير إلى الرغبة في إنماء أو استعادة أو الاحتفاظ بشخصية سياسية مبنية على أساس عرقي أو إقليمي، وهو يُطلق على أي تقليد يكون له دور في تسهيل العنصرية في مجتمع عرقي معين.

[5] تعود الأسس الفكرية للفوضوية إلى آراء ميخائيل الكسندروفيتش وبطرس كروبوتكين، وقد تبنى الفوضويون مبدأ أو إستراتيجية الدعاية عن طريق العمل الإرهابي مستخدمين في عملياتهم المتفجرات والديناميت أهمية خاصة، إذ اعتبروا أن مثل هذه الأسلحة سوف تمكن الثوريين من أن يختاروا أهدافهم وأن يحققوا نسبة مرتفعة من الإشباع لتطلعاتهم في مناهضة رموز السلطة وأركان التسلط والقهر. وبذلك تكون الفوضوية عبارة عن تسور سياسي يرمي إلى إلغاء الدولة واستبعاد كل سلطة من داخل المجتمع تملك حقاً قسرياً على الفرد، ولقد بدأت الحركات الفوضوية الحديثة في الانتشار منذ عشرينيات القرن الماضي.