إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الإرهاب، وأولى حروب القرن





أوضاع الجانبين
أوضاع القوات المتصارعة
محاور الحرب البرية
الوجود الأمريكي
الهجوم على مزار الشريف
الهجوم على كابول
الهجوم على قندوز
الأعمال البرية
الأقاليم الأفغانية
التوزيع الجغرافي
الدول والقواعد العسكرية
الطبيعة الجغرافية
القوات المتحاربة
كهوف تورا بورا




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

المبحث الخامس

امتداد الحرب لاحتلال العراق وتهديد دول أخرى

واتساع دائرة الإرهاب

منذ تولي إدارة الرئيس بوش الابن، أولت كل اهتمامها لملف الأزمة العراقية، وطرح مفهوم العقوبات الذكية على العراق بهدف تضييق الخناق عليه واستنزاف قدراته وإمكانياته الاقتصادية. وفى فبراير2001، وجِّهت ضربة جوية "أمريكية – بريطانية"، ضد عدد من الأهداف العسكرية العراقية، وذلك كأولى تداعيات تولى هذه الإدارة الجديدة.

وفى أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، أعلنت الإدارة الجديدة "الحرب ضد الإرهاب" وبدأت أولى خطواتها بالحرب في أفغانستان، وأغراها نجاحها الجزئي في هذه الحرب، واعتمادها لإستراتيجية "الضربات الوقائية" أو "الإستباقية" بدلاً من "إستراتيجية الردع"، أن تكون العراق هي أولى الدول التي تطبق عليها هذه النظرية.

وبتحقيق الاستقرار النسبي في أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة في التصعيد لأزمة العراق على مستوى المجتمع الدولي، واتجهت للأمم المتحدة لتوفير الشرعية الدولية بما يخدم المخططات الأمريكية، كما أعادت الولايات المتحدة، صياغة إستراتيجيتها العسكرية فيما عرف باسم "الهيمنة الأمريكية" والتي تتحدد في خلق مستوى عال من التوتر، يصل إلى مستوى الأزمة، والتي تؤدى بدورها إلى الصراع العسكري إن لم يستحب الطرف الآخر لمطالب الولايات المتحدة، فعملت على إصدار القرار (1441)، من مجلس الأمن في نوفمبر 2002، كما قامت بالضغط على مفتشي الأمم المتحدة لإدانة العراق، والتحرك داخل مجلس الأمن للتأكيد على أن العراق لم ينفذ القرار (1441).

وعندما فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في إصدار قرار جديد يتيح لها ضرب العراق، ضربت عرض الحائط بالشرعية الدولية، وقامت بالتعاون مع بريطانيا – خارج الأمم المتحدة – بغزو العراق في مارس/ أبريل 2003 من أجل فرض هيمنتها على دول المنطقة والسيطرة على مصادر النفط.

أولاً: انطلاق الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان إلى العراق" تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب"

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، وقد كان هناك تأييد دولي لتشكيل هذا التحالف، وقد تجاوبت الدول العربية مع هذا التحالف بالرغم من حساسية العالم الإسلامي إزاء مهاجمة دولة إسلامية (أفغانستان)، كان الهدف من وراء ذلك هو أصابع الاتهام الأمريكي للعرب لاشتراك مواطنين من الدول العربية في أحداث 11 سبتمبر، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق إستراتيجيتها لمحاربة الإرهاب ضمن تحالف دولي وتأييد عالمي بالهجوم على أفغانستان، لاتهامها بإيواء منظمات إرهابية وخاصة تنظيم القاعدة.

ولكن سرعان ما تبين لدول العالم أن الهجوم على أفغانستان لم يكن سوى المحطة الأولى في طريق طويل، ربما سبق التخطيط له منذ فترة، وكانت أحداث 11 سبتمبر إشارة للبدء في التحرك على هذا الطريق. وكانت المحطة التالية هي العراق. ومن ثَم، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تكيل الاتهامات التي تسوغ المضي في طريق الهجوم عليها، فحاولت الربط بين العراق والإرهاب – خاصة تنظيم القاعدة – ولم يقتنع العالم، فكان اتهامها بامتلاك أسلحة تدمير شامل، وأنه يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية إذا أمدت بها منظمات إرهابية متطرفة، ومن ثم جاء قرار مجلس الأمن بتعيين لجان تفتيش للتأكد من وجود هذه الأسلحة في العراق من عدمه، ولم يظهر لهذه اللجان أي أدلة لوجود الأسلحة دمار شامل.

ولم تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تنتظر لإتمام لجان التفتيش لمهامها، وهنا سقط القناع عن وجه الولايات المتحدة، فالضربة العسكرية للعراق قادمة، بدون انتظار قرار من مجلس الأمن أو موافقة دولية، ونجحت أمريكا في تشكيكها بامتلاك العراق لهذه الأسلحة، علاوة على سبب إضافي، هو تغيير نظام الحكم العراقي، ومن ثَم، كان الغزو الأمريكي للعراق، ولم تكن هذه الحرب حرباً عادية، بل استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أحدث أنواع الأسلحة، وأكثرها  شدة وعنفاً وتأثيراً، حيث راح ضحيتها الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء.

هذا، وتعد هذه الحرب كارثة إنسانية للعراق بكل المقاييس، كما لم تقتنع معظم دول العالم بالمسوغات الأمريكية لشن هذه الحرب، حيث إن أمريكا هي التي أمدته بعناصر تصنيع هذه الأسلحة وعاونت بريطانيا أيضاً في ذلك، وبالرغم من قيام الهند وباكستان بتجارب نووية في وقت سابق، وامتلاك إسرائيل لبرنامج نووي شامل وأسلحة ذرية، واتجاه كوريا الشمالية وإيران نحو امتلاك أسلحة نووية، ومع ذلك ركزت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً على العراق، وهذا بالطبع لأهداف أخرى غير معلنة، سواء للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم، أو للوجود العسكري في هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.

وإضعاف العالم العربي لصالح أمن إسرائيل، وقد يكون لاكتساب موضع قدم داخل آسيا سواء في الوسط أو الشمال على الحدود الروسية والصينية، والاقتراب من إيران وسورية استعدادا لإستنئاف الطريق التي بدأته من أفغانستان للوصول إلى محطات ودول أخرى لاتسير على النهج الأمريكي، وكلها نوايا قائمة وأهداف غير مستبعدة للإستراتيجية الأمريكية المبنية على القوة والغطرسة والمصالح البترولية.

إن الهجوم على العراق واحتلاله – مهما كانت المسميات التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الدخول تحت غطائها- تعتبر زلزالاً، هز جوانب العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فقط، هذا الزلزال التي كانت له توابعه المؤثرة على مستقبل الأمم المتحدة، ومستقبل حلف شمال الأطلسي، ومستقبل جامعة الدول العربية والعديد من القضايا الإقليمية مثل القضية الفلسطينية وغيرها.

ولقد أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها أن تلعب دور الشرطي في العالم، لتحاسب بعض الدول في المجتمع الدولي طبقا لتصنيفها لها من "دول معادية" أو "دول محور شر" أو "دول مارقة" أو "دول حليفة"، وأخطر من كل ذلك ما أصاب العالم العربي من هزات عنيفة، وضحت أولى معالمها في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بتوجيه التهديدات إلى كل من سورية وإيران، والتي عدت محطات تالية على طريق الولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة مكافحة الإرهاب.

وهذا بالطبع ما أثار العديد من التساؤلات، حول ما هي المحطات التالية لما بعد العراق؟ فالقوات الأمريكية منتشرة في الخليج على استعداد للتدخل في إيران، ويمكن استخدامها تجاه سورية، وهناك قوات بالبحر الأحمر تتمركز في بعض الدول الإفريقية وشرقي إفريقيا، ويمكن استخدامها في اتجاه السودان، ومن هنا أصبحت التهديدات واضحة تماماً وواقعاً ملموساً.

وأصبح من الواضح أن العالم العربي معرض للضربات العسكرية الأمريكية، من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، بما يهدد الأمن القومي العربي، ويصب في مصلحة إسرائيل، وهنا برز التساؤل بالنسبة لمستقبل الأمن القومي العربي، وهل يستطيع العرب أن يطوروا أنفسهم وأهدافهم السياسية والاقتصادية والأمنية بما يحقق مستقبلاً أفضل، في ظل هذه الهجمة الشرسة، خاصة ما يشوبها من شبهة في تضمنها أهدافاً عقائدية تهدد العالم الإسلامي؟، وهذا بالطبع يحتاج إلى جهود عديدة تتعلق أساساً بتوفير آليات جديدة لمنظومة النظام العربي.

لقد أصبح هناك خطورة كبيرة في شن الحرب ضد الإرهاب، لأن الولايات المتحدة – وفقاً لمصالحها – تختار الدول التي توجه لها الضربات الوقائية، بما يعنى الاعتداء على سيادة الدولة في إطار مفهوم الحرب ضد الإرهاب، وقد يكون اختيار توجيه الضربة الوقائية تحت زعم امتلاك تلك الدولة للقدرات النووية والكيميائية والبيولوجية، ما يتطلب توجيه ضربة إحباط فورية، وقد يكون التوجه الأمريكي قائماً على توجيه ضربة وقائية نووية لتحقيق الحسم في القضاء على القوة العسكرية المعادية، فالخيار النووي مُتاح في الفكر العسكري الأمريكي.

وبناء على ذلك أصبح هناك عدم استقرار دولي، بل قلق مستمر في توقع توجيه ضربات وقائية إلى البنية الأساسية للدول المستهدفة، فقد أدى هذا المفهوم الأمريكي إلى أن يكون الحرب بديلاً عن السياسة بما يجعلها عملية مستمرة لا تتوقف، مع إمكان فرض أزمات على دول غير مرغوب في سياستها، وبذا يفتح الطريق أمام توجيه الضربات الوقائية التي هي أحد أساليب إدارة السياسة الخارجية.

ولقد أصبح المجتمع الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر مهيئاً لإقرار سياسة "الهجمات الوقائية"، حيث منح مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية موافقة على القيام بأي عمل عسكري طبقاً للمادة (51) من الميثاق على أساس أن هجمات 11 سبتمبر كانت ضخمة للغاية، ومن ثَم، فإن واشنطن من حقها توجيه ضربة في إطار الدفاع عن النفس، وتنبع خطورة هذه السياسة على المستويين الدولي والإقليمي في الآتي:

1. على المستوى الدولي: أن الولايات المتحدة الأمريكية لها الحق بمفردها في توجيه ضربة وقائية ضد أي دولة تقرر أنها تقوم بتطوير أسلحة الدمار الشامل أو تدعم الإرهاب، الأمر الذي يمثل ضوءاً أخضر لشن حرب أمريكية ضد أية دولة، أو ضد أي منطقة في العالم ترى واشنطن أنها تهدد مصالحها، دون أن تحتاج لأن تثبت تورطها في أعمال من هذا النوع، ومن ثم فإنه في حالة القبول بتقنين سياسة الإجراءات الوقائية، فإن هيكل السلام الدولي سوف يتعرض للانهيار؛ إذ يمكن لأية دولة أن توجه ضربة لدولة أخرى بحجة أنها شعرت بتهديد، مهما كان هذا التهديد بعيداً.

2. على المستوى الإقليمي: أنه إذا كانت لإستراتيجية "الهجمات الوقائية" الأمريكية، هذه الخطورة على الساحة الدولية، فإن الأمر الذي لاشك فيه هو أن هذه الخطورة ستكون أشد وأكثر فداحة على المنطقة العربية، وذلك في ضوء عاملين:

أ. الأول: هو استهداف الدول العربية من قبل بعض الدول، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي يمكن أن توجه، في إطار هذه الإستراتيجية، الهجمات الوقائية ضد دول، ترى أنها تهدر أمنها، وفي مقدمتها سورية من الدول العربية، وإيران من  الدول الإسلامية.

ب. الثاني: ويتمثل في التراجع المستمر للثقل العربي سياسياً على المستوى الدولي، وهذا ما يتيح للولايات المتحدة الامريكية الاستمرار في "تصفية الحسابات القديمة" مع دول بعينها داخل المنطقة.

ثانياً: لماذا كان اختيار العراق هدفاً رئيسياً بعد أفغانستان؟

واقع الأمر لم يكن الغزو الأنجلو- أمريكي للعراق، ماحقاً لها فحسب، إنما كان أيضاً ضاراً – ضرراً بليغاً – بالمنطقة العربية وعلى الجوانب كافة، وعن ذلك كتب "توماس فريدمان" في صحيفة نيويورك تايمز عن هذا الموضوع قائلاً: "إن السبب الحقيقي للحرب الأمريكية على العراق ناشئ من حاجة أمريكا بعد أحداث سبتمبر2001، إلى إرضاء النزوع إلى الانتقام بالضرب في قلب العالم العربي والإسلامي"، ومن هنا كان اختيار العراق.

ولقد كانت مشاهدة بغداد تحترق، تمثل تجربة صادمة جداً لمعظم العرب، وهي تعادل شعور الغربيين ما إذا دُمِّرت رموز حضرية مثل باريس أو روما أو فيينا، فاسم بغداد، يعنى موطن الحضارة الإسلامية، فبغداد ظلت على مدى عدة قرون، مدينة لا نظير لها في العالم كله.

لقد كانت حرب عام 2003- على الجانب الخاص بالعلاقات العربية ـ العربية والنظام الإقليمي –  مواصلة وتعزيزاً وتصعيداً لآثار حرب عام 1991.

ثالثاً: أحداث 11 سبتمبر والانطلاق نحو استكمال مسيرة الحرب ضد الإرهاب، بغزو العراق.

لقد أتاحت أحداث 11 سبتمبر – أكثر من أي شيء آخر – لمجموعة المحافظين الجدد الذين تولوا مواقع رئيسية للسلطة في إدارة بوش، أن تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية للسير على مسار جديد في المضمار الدولي، وقد حذَّر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر من هذه المجموعة في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" قال فيها: "يبدو أن مقاربات جديدة تتطور مع مجموعة محورية من المحافظين، الذين يحاولون أن يحققوا طموحات طال انتظارهم لها تحت غطاء الحرب المعلنة ضد الإرهاب".  لكن مثل هذه التحذيرات أخفقت في ثنى الإدارة الأمريكية عن شن حربها على العراق، والتي كانت قد تقررت بالفعل.

إن الغزو الأمريكي للعراق، فتح الباب أمام تساؤلات عدة حول الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة، ويأتي في مقدمة هذه التساؤلات: "هل خرجت الولايات المتحدة في حملة صليبية لتغيير خريطة المنطقة، وخلق شرق أوسط مستقبلي يرى (أمريكا تصعد)، وإيران تهبط والعراق يسقط؟، وهل هدف الولايات المتحدة هو الهيمنة الكلية على نفط الخليج؟، وهل شنت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحرب خدمة لحليف إقليمي، هو إسرائيل؟. وهل هذا ما عناه بول وولفويتس حينما قال "إن العراق ليس يعنى العراق فحسب".

وبالطبع فإن المحللين السياسيين، يستبعدون الزعم القائل بأن الولايات المتحدة الأمريكية، قد شنت الحرب على العراق لتجلب الديمقراطية إلى شعبه، والتفسير العقلاني الوحيد، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت مدفوعة بأمرين هما: النفط وإسرائيل، وهو ما برز في الآتي:

1. إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستبقى في العراق لمدة طويلة، حتى تنجح في إقامة نظام حكم ديمقراطي مستقر وصديق لها، وحتى عندما تفكر في الخروج من العراق، فإنها ستترك قواعد عسكرية لها في كافة أنحاء العراق.

2. توريط كل من إيران وسورية في الحرب الأهلية داخل العراق، وبما ينشأ وضع جديد، يتيح للولايات المتحدة الأمريكية التدخل ضد هاتين الدولتين، أو استدراجهما لأزمات تؤدى إلى شن الحرب ضد أي منهما، مع إعطاء أسبقية لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

3. أن احتلال العراق، سيضعف من المركز التفاوضي للفلسطينيين ومؤيديهم من العرب بدرجة كبيرة، ومن ثم يصبحون على استعداد للتخلي عن قدر كبير من حقوقهم التاريخية والتراجع عن مواقعهم السابقة.

4. العمل على إضعاف النظام الإقليمي العربي، وشل القدرة على تبني عمل عربي مشترك، وثم قول مأثور يقول: "تأبى الرّماح إذا اجتمعت تكسراً    وإذا افترقت تكسَّرت آحادا"، ونظم الحكم –  ولحد ما – ليست متماسكة معاً، وهو ما يتيح لغير العرب أن يشكلوا المستقبل العربي.

5. أن الأمريكان عندما احتلوا العراق لم يقضوا على النظام فقط، بل قضوا على الدولة العراقية نفسها، فقد فككوا الدولة العراقية وأنهوها، وحلوا الجيش وقوات الأمن، وسمحوا بنهب الإدارات الحكومية وحرقها، وبذلك أنهوا الدولة العراقية ليحاولوا إعادة تشكيلها كما يريدون، فكل ما قيل قبل الحرب عن أسلحة دمار شامل، تبين للعالم كله كذبه، وأن لا أسلحة دمار شامل بالعراق، وهو ما يوضح عدم صدقية الرئيس بوش في خطابه للاتحاد في يناير 2003، وكذب التقرير الذي قدمه كولن باول وزير الخارجية لمجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق في فبراير 2003.

رابعاً: الهدف الحقيقي للحرب من وجهة نظر العقيدة العسكرية الأمريكية

نأتي بعد، للحديث عن الهدف الحقيقي للحرب من وجهة النظر العسكرية الأمريكية والتي تتلخص في الآتي:

1. تأكيد سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها على النظام العالمي الجديد، وصياغة مبادئ لهذا النظام تضمن سلامة الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها في ضوء أحداث سبتمبر 2001، وكان العراق هو الوسيلة التي حد من خلالها "بوش الأب" بداية نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة عام 1991، فقد كان العراق أيضاً هو الوسيلة التي يعلن من خلالها "بوش الابن" هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات العالم عام 2003.

2. أن اختيار العراق هدفاً، ليس مقصوداً لذاته، وإنما المقصود هو التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، وربما تتضح صورة ذلك من خلال العديد من الإشارات التي أرسلت قبل الحرب وبعدها، منها:

أ. مبادرة كولين باول وزير الخارجية الأمريكي عن تحقيق الديمقراطية في دول الشرق الأوسط والتي طرحها في ديسمبر 2002، وأشار فيها إلى أن أنظمة الشرق الأوسط أدت إلى تصاعد الإرهاب.

ب. تعدد الإشارات من المسئولين الأمريكيين عن "دول الشر" و "الدول المناوئة"، وربما كانت الإشارة الأكبر هي التهديدات الموجهة إلى سورية في أعقاب النصر العسكري الأمريكي البريطاني في العراق، ومقوله باول: "على سورية أن تقدر أن نظاماً جديداً نشأ على حدودها، وأن أوضاعاً جديدة حدثت في المنطقة".

ج. إعلان الهند وباكستان عودة العلاقات بينهما، والتفاوض لإنهاء نزاع دام أكثر من نصف قرن.

د. الاستجابة المتدرجة من كوريا الشمالية للشروط المملاة عليها من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت ترفضها تماماً في السابق أثناء اشتعال أزمة العراق.

هـ. إعلان دونالد رامسفليد، وزير الدفاع الأمريكي، سحب قواته من السعودية قائلاً "إن قواتنا لن تبقى في دول لا تتمنى وجودنا"، ثم إعلانه المفاجئ نقل القيادة الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان من السعودية إلى دولة قطر.

3. تأكيد السيطرة على المنطقة، وما حولها، حيث إن العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسورية ". وهي من الدول المناوئة التي يجب احتواؤها"، وهذا يعني احتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من امتداد نفوذ كل من روسيا الاتحادية والصين، كما يحد من انتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.

4. هذا إلى جانب موارد العراق، ويأتي في مقدمتها البترول الذي يمثل 11% من حجم البترول العالمي، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على بترول الشرق الأوسط، تعني تكامل العولمة الاقتصادية، ووضعها تحت سيطرة النظام العالمي الجديد إلى جانب السيطرة السياسية والعسكرية.

5. أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت تتوجه للحرب ضد العراق، كانت تعلم أن الانتصار الأكبر، هو الانتصار على القوى العالمية، التي تحاول أن تجد لنفسها مكاناً على قمة النظام العالمي الجديد، فهناك الاتحاد الأوروبي الذي تتعاظم قوته، وروسيا التي تُسرع في اعتلاء مكانة مناسبة، وهناك الصين التي تحاول بناء قوتها العالمية في خطوات ثابتة.

6. قيام الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ العديد من الإجراءات في إطار تنفيذ إستراتيجيتها، الهادفة لتحقيق الهيمنة في إطار النظام العالمي الجديد، ومنها على سبيل المثال:

أ. الإطاحة بالشرعية الدولية، من خلال تهميش دور مجلس الأمن، الذي حاولت دول "الضد" استغلاله في عدم تمرير قرارات تعتمد عليها الولايات المتحدة كذريعة للحرب.

ب. الاكتفاء بتحالف محدود عوضاً عن تحالف دولي كبير على نمط ما حدث في حرب الخليج الثانية، وكانت بريطانيا وأسبانيا، هما الدولتان الرئيستان في هذا التحالف.

ج. توجيه إنذار بعواقب وجزاءات سوف تتعرض لها الدول التي عارضت الولايات المتحدة الأمريكية في شن الحرب.

7. إشعار المواطن الأمريكي – وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – أن الولايات المتحدة الأمريكية قوية وقادرة على تحقيق النصر في أي مكان من العالم وحماية أمنه، وأن أي قوى تناوئ الولايات المتحدة الأمريكية لا بد من تدميرها.

8. ضغوط لوبي التصنيع الحربي في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تمكن من إنتاج كم هائل من الأسلحة الذكية ولا بد له تصريفها حتى يواصل تطوير التكنولوجية العسكرية، وكذلك تسويقها في أرجاء العالم، وهو عامل مؤثر.

خامساً: بداية الترويج لفكرة الغزو

مع نهاية شهر ديسمبر عام 2002، ظهر الرئيس الأمريكي بوش في غرفة "روزفلت" ليعلن أن اللعبة قد انتهت؛ وليعطي الضوء الأخضر لخطاب باول أمام مجلس الأمن، كما أصدر البيت الأبيض توجيهات لعدد من كبار المسؤولين بوزارة الدفاع لإجراء سلسلة غير معتادة من المقابلات التليفزيونية، يركزون فيها على أهمية خطاب باول.

كما أجرى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، مقابلات عديدة، وأدلى بتصريحات لشبكات التليفزيون الأمريكية، كما أجرى بول وولفوتيز – الرجل الثاني بوزارة الدفاع الأمريكية- مقابلات بدوره مع قنوات التليفزيون المحلية في نيويورك وكليفلاند وسان فرانسيسكو، كما أجرت كوندليزا رايس أيضاً، مقابلات على نفس المنوال مع بعض الشبكات مثل "سي إن إن" وشبكة "أيه بي سي".

ومع كل ذلك، فإن حملة البيت الأبيض صادفتها عثرات عديدة، فقد كان الجدل محتدماً بين كبار مساعدي بوش للأمن القومي، بل وكان هناك عدم موافقة من بعض الدول مثل فرنسا على الحرب، فنجد وزير الخارجية الفرنسي يدلى بحديث خلال مؤتمر عقده بالأمم المتحدة في 20 يناير 2003، قال فيه" لاشيء مطلقاً يبرر الحرب"، بل أن مفتشي الأمم المتحدة طالبوا في الوقت نفسه بتمديد مهمتهم عدة شهور أخرى لإكمال عملهم.

1. التخطيط الإستراتيجي للحرب على العراق من جانب قوات التحالف

بنيت الإستراتيجية الأمريكية في إطار إستراتيجية هجومية، تحمل اسم الهيمنة السريعة، وتركز على تحقيق نصر عسكري حاسم، يؤدى إلى تحقيق هدف سياسي، تتحقق من خلاله الرؤية المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية في إعادة تشكيل المنطقة سياسياً واقتصادياً، وربطها بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

واعتمدت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية على نظرية "الصدمة والرعب"، حيث تتعدد الضربات النيرانية الجوية والصاروخية والمدفعية، في وقت متزامن مع هجمات برية قوية من اتجاهات متعددة، مع تخصيص دور رئيسي ومؤثر للقوات الخاصة في عمليات الاقتحام، وعمليات خلف الخطوط، بهدف سرعة انهيار الدفاع العراقي وسقوط بغداد. كما خطط لإدارة حرب نفسية منظمة تهدف إلى إفقاد النظام العراقي السيطرة على أركان الدولة، وعلى قواته المسلحة، وهذا يؤدي إلى انهيار النظام الحاكم، وانتهاء المقاومة العسكرية في وقت محدود وبأقل خسائر ممكنة.

هذا ولم تتعد إجمالي القوات البرية الأمريكية ست فرق ميكانيكية ومدرعة، بالإضافة على بعض الألوية المستقلة في مواجهة 24 فرقه عراقية، ولكن أسلوب استخدام القوات، اعتمد على تحقيق التفوق في محاور عملها، إلى جانب التوسع في معركة الأسلحة المشتركة، بما يحقق كثافة نيرانية وقدرة على المناورة، ومن ثم اعتمدت هذه القوات على أسس معركة الأسلحة المشتركة دون التقيد بالمقارنات العددية.

2. فكرة العملية الهجومية الإستراتيجية لقوات التحالف

توجه القيادة المركزية بقيادة قوات التحالف التي تقدر بنحو (300 ألف مقاتل) بتجمعها المشترك من القوات البرية والبحرية والجوية والقوات الخاصة، وبالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية "C I A" وبدعم معلوماتي من كل الوسائل المختلفة الحديثة، وفى إطار إستراتيجية "الصدمة والترويع"، بتوجيه ضربات نيرانية باستخدام القوات الجوية والصواريخ، يصاحبها تقدم القوات البرية بالأسلوب التالي: "توجيه الضربات الصاروخية المركزة ضد الأهداف الحيوية والإستراتيجية وأهداف البنية الأساسية للجانب العراقي، من خلال فرض السيطرة الجوية والمعلوماتية فوق مسرح العمليات العراقي، وعزل القيادة السياسية والعسكرية العراقية، وعزل القطاعات العسكرية داخل مسرح العمليات، وخفض قدرات القوات العراقية وبصفة خاصة قوات الحرس الجمهوري، والتوسع في تنفيذ العمليات النفسية المكثفة، وكذا أعمال قتال القوات الخاصة، لتهيئة الظروف المناسبة لشن الهجمات البرية في جنوبي العراق وشماله، يليها توجيه ضربة رئيسية في اتجاه المنطقة الوسطى.

ومن خلال أعمال الالتفاف والتطويق، تحاصر المدن الرئيسية العراقية وتعزل على محاور التقدم المختلفة، مع تفادي الاشتباك داخل المدن من أجل المحافظة على القوة الدافعة للهجوم، وتجنب الخسائر الكبيرة، مع تأمين الصحراء الغربية العراقية والحدود الدولية مع كل من سورية والأردن، وطرق الاقتراب الرئيسية للحدود مع إيران باستخدام القوات الخاصة الأمريكية، وذلك بهدف تحقيق الهدف النهائي للعملية الهجومية الإستراتيجية بالاستيلاء على بغداد خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من بدء القتال".

3. الركائز الأساسية لاستخدام القوات الأمريكية في العملية الهجومية على العراق:

أ. الاعتماد على التفوق التكنولوجي الكبير، خاصة في مجال استخدام الخريطة الرقمية لمسرح العمليات باستخدام الحواسب، وتحقيق السيادة الجوية، والسيادة المعلوماتية، والاستخدام الكثيف للأسلحة الذكية.

ب. الاستخدام المكثف للعمليات النفسية مع التخطيط لتنفيذ بعض عمليات عسكرية بمستوياتها المختلفة.

ج. الاستخدام الواسع للقوات الخاصة وقوات خلف الخطوط قبل بداية العمليات، وخلال التنفيذ الفعلي للعمليات، مع الاعتماد على عناصر المخابرات، والاستخدام المكثف للعملاء من أجل الحصول على المعلومات.

د. الاستخدام المكثف للقوات الجوية من القواعد الجوية بالمنطقة وحاملات الطائرات.

هـ. استخدام نظرية الاقتراب غير المباشر من أجل تحقيق المهام القتالية.