إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الإرهاب، وأولى حروب القرن





أوضاع الجانبين
أوضاع القوات المتصارعة
محاور الحرب البرية
الوجود الأمريكي
الهجوم على مزار الشريف
الهجوم على كابول
الهجوم على قندوز
الأعمال البرية
الأقاليم الأفغانية
التوزيع الجغرافي
الدول والقواعد العسكرية
الطبيعة الجغرافية
القوات المتحاربة
كهوف تورا بورا




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

سادساً: نهاية الحرب في العراق

وهكذا، بعد أن استمرت الحرب الفترة من 20 مارس – 15 أبريل2003، انتهت الحرب باحتلال أنجلو – أمريكي للعراق وسقوط بغداد، وفى يوم الثلاثاء 17 أبريل 2003، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أن المعارك الرئيسية في العراق قد انتهت بسقوط مدينة تكريت، وأنه لن يبقى سوى بعض اشتباكات محدودة لتصفية جيوب المقاومة، كما أعلن الرئيس بوش في مايو 2003، أن المعارك الرئيسية قد انتهت.

وعلى الرغم من مرور عدة سنوات على إعلان انتهاء العمليات العسكرية الخاصة باحتلال العراق، فقد تزايدت حدة المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال منذ أوائل شهر مايو 2003، وبالرغم من التفوق الأنجلو/أمريكي – الذي لا يقبل الجدل – إلا أن الجيش العراقي قد قاتل وقاوم بشرف دفاعاً عن أرضه ووطنه في حدود إمكاناته وقدراته، الأمر الذي مثَّل مفاجأة أربكت الجانب الأمريكي البريطاني.

ومن ثَم، فإن الهزيمة التي لحقت بالجيش العراقي في هذه الحرب، لا تقلل من الأداء القتالي المتميز لهذا الجيش العريق، الذي ظلمته قيادته أكثر من مرة.

ولاشك، أنه من الصعوبة بمكان حصر معظم التداعيات والنتائج المترتبة على هذه الحرب، خاصة مع استمرار أعمال المقاومة، واشتداد الحرب المذهبية بين الشيعة والسنة، واستمرار التهديد الأمريكي لكل من إيران وسورية وغيرهما من الدول العربية، لأن احتلال العراق فتح شهية الولايات المتحدة نحو تحقيق المزيد من العمل على إسقاط العديد من النظم العربية والتدخل في شئونها، وبما يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية ومصالح حليفها الإستراتيجي بالمنطقة وهى إسرائيل، من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد بما يتوافق ورؤيتها الإستراتيجية لدورها الإمبراطوري الجديد.

استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق أول أهدافها من تلك الحرب، بسقوط بغداد والنظام العراقي، وشرعت في تحقيق أهدافها الأخرى وفى مقدمتها تنصيب نظام جديد، موال لها يحافظ على مصالحها، في إعداد رسم خريطة المنطقة، ويحقق لها الهيمنة التي تريدها على العالم.

سابعاً: الآثار والنتائج التي ترتبت على الحرب

1. الآثار والنتائج المترتبة على النظام الدولي وموقف الأمم المتحدة

رغم الرفض الدولي واسع النطاق للحرب على العراق الذي عبرت عنه معظم الدول الأعضاء في مجس الأمن، والبيانات الختامية للقمم التي عقدتها التجمعات الإقليمية مثل "جامعة الدول العربية – منظمة المؤتمر الإسلامي – حركة عدم الانحياز- الإتحاد الإفريقي- الإتحاد الأوروبي"، إضافة إلى المظاهرات الشعبية الحاشدة في معظم دول العالم، ومواقف رجال الدين المناهضة للحرب، بل ومواقف مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، فقد ضربت الولايات المتحدة الأمريكية عرض الحائط بكل أنواع المعارضة وأساليبها، وشنت هجومها العسكري ضد العراق، دون تفويض صريح من مجلس الأمن، وبدأت الأسئلة تدور حول مستقبل النظام الدولي ومصيره ومبادئ الشرعية الدولية، التي تمثلها الأمم المتحدة في ظل هذا السلوك الأمريكي المنفرد والرغبة في الهيمنة على العالم، وهل يمكن أن تنهار الأمم المتحدة لصالح نظام دولي جديد أحدي القطبية يثبت الهيمنة الأمريكية، وما هي تداعيات هذه الحرب؟

وصدور قرار مجلس الأمن رقم (1483) بشأن العراق، والذي منح سلطات مطلقة للاحتلال، ويوضح ذلك كيف أصبحت الأمم المتحدة منساقة وراء المطالب الأمريكية، وإصدار القرارات التي تخدم أهدافها. بل أصبح دور الأمم المتحدة محدوداً للغاية في العراق خاصة بعد تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، كما يعكس القرار (1483) موقف القوى الدولية، فقد تغير موقفها تماماً بعد الحرب عما كان عليه قبل الحرب من معارضة، بل أعلنت عن مساهمتها في إعادة إعمار العراق.

ويرى العديد من المراقبين أن العالم لا يزال في حاجة ماسة للأمم المتحدة، رغم ما كشفته الأزمة العراقية من ضعف وفشل في أدائها، على أساس أن المشكلات التي يواجهها العالم اليوم تتسم بالتعقيد والتداخل، كما أنها في معظمها مشكلات عالمية يتعذر على دوله بمفردها إيجاد حل لها ومواجهتها.

2. الآثار الاقتصادية

لقد ألقت الحرب على العراق بظلالها على الاقتصاد العراقي، بل وامتدت آثارها المباشرة وغير المباشرة إلى اقتصادات دول العالم كافة، لا سيما في ظل وقوعها في منطقة شديدة الحساسية، تمتلك أكثر من 65% من احتياطيات النفط العالمية، وإذا كانت الاقتصادات العربية هي الأكثر تأثراً في هذا الخصوص من جراء استمرار التوترات السياسية والأمنية والعسكرية، لما تشمله من انعكاسات على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية وفى مقدمتها القطاع النفطي، أكثر القطاعات تضرراً، إلى جانب قطاعات السياحة والطيران والبورصات، فإنه يلاحظ على الجانب الآخر سعي الولايات المتحدة الأمريكية نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية والإنفراد بهيمنتها على العالم اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً، رغم ما قد يعترضها من مشكلات في الأجل القريب العاجل.

كما أن الاقتصاد العالمي، شهد بعد الحرب تباطؤا ملحوظاً في معدلات نموه، ولا شك أن أي تدهور يشهده الاقتصاد الأمريكي، يضر بالنمو الاقتصادي العالمي، بوصفه القوة الدافعة لاقتصادات دول العالم، حيث تُعد الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي بناتج يزيد على 10.17 تريليون دولار عام 2001، أي ما نسبته 32.5% من إجمالي الناتج العالمي ونحو 15% من إجمالي الصادرات العالمية، ويوجه نحو 50% من تدفقات التجارة العالمية بالدولار. كما أن الاقتصاد الأمريكي شهد تراجعاً في معدلات النمو إلى أقل من 1.3% خلال العامين الماضيين في المتوسط، ولم تتعد هذه النسبة 0.7% في الربع الأخير من عام 2002 بخلاف اهتزاز الثقة في أداء الشركات الأمريكية والأوروبية وتراجع ثقة المستهلكين، وهو ما انعكس سلباً على أداء البورصات الدولية.

3. تصاعد الإرهاب الدولي بعد حرب العراق

في واقع الأمر لم تُنْه الحرب على العراق الإرهاب الدولي، بل اشتعلت المقاومة العراقية في صور شتى، ومن فصائل مختلفة، مع بقاء الاحتلال الأنجلو – أمريكي للعراق بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1546)، لتحول العراق إلى فوضى، وتزداد خسائر العراقيين بصورة يومية، وتزداد خسائر الأمريكيين من القتلى، إلى جانب إخلاء الآلاف من المرضى أو المصابين.

وقد جاءت نتائج الحرب في العراق وتطوراتها في غير صالح أمريكا، وقد أدت هذه النتائج إلى إيقاف الاندفاع الأمريكي نحو الحرب في أماكن أخرى بالمنطقة، حتى لا يزداد تورطها، وكان هذا في مصلحة بعض الدول التي كانت تتوقع أن يأتي دورها مثل إيران وسورية.

والسؤال التي يطرح نفسه بشدة، هو هل أوقفت الإستراتيجية الأمريكية الإرهاب، أوحدت من تأثيره؟ وهل شعر الشعب الأمريكي نفسه بالأمن طوال هذه الفترة، وهل تحقق أمن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم؟. والإجابة تنفى كل ذلك، برغم تصريحات المسئولين الأمريكيين وفى مقدمتهم الرئيس بوش، بأن الولايات المتحدة الأمريكية الآن أكثر أمنا. ولكن أين هذا الأمن مع الإعلان بصفة شبه يومية عن احتمالات تعرض الولايات المتحدة ومصالحها لأعمال إرهابية؟ وأين هذا الأمن مع الإعلان بأن الإرهاب يتربص بالمصالح الأمريكية في العالم، بل إن الإرهاب تصاعد بشكل غير مسبوق في العديد من الدول الأوربية والآسيوية (باكستان – أفغانستان- الفلبين – إندونيسيا)، وفى منطقة الشرق الأوسط (السعودية – مصر – المغرب – اليمن- الأردن)، كما أن العراق نفسه، أصبح مركزاً لتجمع بعض المنظمات لقتال القوات الأمريكية.

وعلى الرغم من نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب – إلى حد ما – وفى القضاء على البنية التحتية لتنظيم القاعدة، لكن الخطر الأكبر يكمن فيما سيأتي بعد القاعدة، فالسياسة الأمريكية نحو العالم العربي والإسلامي، والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب العربية والإسلامية، خلفت حالة من الإحباط، وبيئة صالحة لانتشار جهاديين جدد، وانتحاريين في أماكن متناثرة من العالم، الأمر الذي يشير إلى امتداد ظاهرة الإرهاب وانتشارها في العالم.

فالإرهاب – في واقع الأمر – ظاهرة معقدة من الصعب القضاء عليها في وقت محدود، وتأخذ أشكالاً متطورة لتنفيذ عمليات عنيفة ضد المصالح الأمريكية وحلفائها، وبالطبع يمكن أن تستخدم في ذلك وسائل تكنولوجية ومعلوماتية عالية التقنية، وقد تستخدم شيئاً من أسلحة الدمار الشامل.

ويمكن القول، إنه على الرغم من نجاح الحملات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق، إلا أنها صنعت إرهاباً جديداً، انتشر صداه في العديد من دول العالم. ومن ثم لم تكن الحروب حلاً للإرهاب، ورغم الجهود الدولية والمحلية للدول للقضاء على الإرهاب، إلاَّ أن الواقع مخالف لذلك، وحقيقة الأمر أن الجهود الأمريكية والدولية ركزت على الحلول العسكرية والأمنية للقضاء على التنظيمات التي يرون أنها إرهابية، دون الاهتمام بالنظرة الشمولية لقضية الإرهاب ومعالجة جذوره على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، بواسطة الدول ومنظمات المجتمع العربي، والمجتمع الدولي، والمنظمات الدولية.

والحملة الأمريكية ضد الإرهاب والتي أدت إلى غزوها كلا أفغانستان والعراق، سرعان ما أوضحت أن الإرهاب سرعان ما بدأ يطور آلياته، بل أن الإرهاب الدولي ما فتئت شوكته تقوى يوماً بعد يوم عن طريق تطوير أساليبه، وجعلها أكثر صعوبة على الرصد من قبل الأجهزة الأمنية.

ويرى بعض الخبراء في هذا المجال، أن العالم بصدد خسارة الحرب على الإرهاب، والدليل على ذلك، هو أن الحرب على الإرهاب "بمثابة الحرب على أحد الأمراض لا يمكننا ربح معركتها كلياً" ومن ثم يجب أن تتحلى الحملة على الإرهاب بالصبر والأناة، لأن من شأن أي تقدم أن يذهب أدراج الرياح، إذا اقترن بالتهور وسوء التصرف في التعامل مع الإرهاب.

وعلى ذلك يمكننا القول، إن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، حملة ممتدة ليس لها نهاية، ما يعني أنها يمكن أن تمتد لعدة عقود قادمة، ويعني أيضاً غياب الهدف والناتج النهائي. وعلى الجانب الآخر هناك فشل في بعض جوانب الحملة، كما يوجد خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أعضاء حلف الأطلسي حول عولمة الجهود، والتأثيرات أحدية الجانب وفساد القيم والأهداف، وتعارض المصالح، كما تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من أزمة عسكرية وسياسية عالية في العراق، وتمر بأزمة مادية نتيجة تورطها في حربين متتاليين بأفغانستان والعراق وانتشارها العسكري حول العالم، وأزمة سياسية ومالية داخلية ناتجة عن قضايا سياسية داخلية، وتعرضها لخسائر كبيرة ناتجة عن مجموعة الأعاصير على الولايات الجنوبية، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط عام 2005.

وفى ظل كل هذه الظروف والأزمات، هل يمكن للقوة والثروة الأمريكية أن تستمر إلى ما لا نهاية في دعم الحملة الأمريكية ضد الإرهاب والمحافظة على الريادة الأمريكية؟، وبالطبع تظهر - في مواجهة هذه الحملة- عمليات تشكيك في إمكان استمرار القوة والثروة الأمريكية، ومن ثم ستتجه الولايات المتحدة، للبحث عن مخرج شكلي مشرف لتقليص انتشار حملتها ضد الإرهاب، والاعتماد على التحالفات الإقليمية مقابل تبادل المصالح، مع قيام الدول بتنفيذ هذا الدور نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

بل يمكن القول بعد عدة سنوات من غزو العراق، أن الحروب التي دارت باسم مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان، صنعت إرهاباً أعظم، ولم تكن حلا له، والوضع في العراق وأفغانستان يُؤكد فشل إستراتيجية تحويل الدول المارقة إلى دول ضعيفة فاشلة، والتي أدت إلى إضعاف القدرة العملية الشرعية للدول على محاربة الإرهاب، فالواقع أن أفضل سياسة للتعامل مع الإرهاب، هو القضاء على أيديولوجية العنف والتعامل معه بنظرة شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإعلامي والعسكري والأمني، بجهود داخلية وجهود دولية تشمل المجتمع الدولي كله والمنظمات الدولية.

4. التأثير على التوازن الإستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط

الواقع أن من نتائج حرب الخليج الثالثة، إشعال سباق التسلح بالمنطقة، ما أدى إلى التأثير على التوازنات في المجال العسكري، وربما تكون إسرائيل هي إحدى الدول في المنطقة التي تحاول تطبيق النظم التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدت الدراسات على مستوى القيادات الإسرائيلية إلى التوصل إلى منهج مُحدد في تطوير قدرات جيش الدفاع الإسرائيلي، والتي تبلورت حول "تشكيل جيش دفاع ، مختلف عما هو عليه الآن، يكون أقل حجماً في عدد القوات وأكثر قدرة في النواحي التكنولوجية، حتى يمكن مواكبة حجم التهديدات التي قد تتعرض لها إسرائيل، حيث إن الحرب الأمريكية على العراق غيرت كثيراً من المفاهيم والتعريفات العسكرية في العالم، بل ولقد غيرت المفاهيم الأساسية للحروب، وأن المفاهيم الحديثة هي أنه يمكن احتلال أية دولة في أقصر وقت ممكن، وبأقل خسائر، ودون الحاجة لإلقاء قنابل ذرية، وأن الجيش الإسرائيلي سيعمل على أن يكون مشابهاً تماماً للجيش الأمريكي في المرحلة القادمة من التطوير، خاصة في مجال بناء القوة العسكرية واستخدام الوسائل العسكرية القتالية والمعدات العسكرية.

هذا وقد استقر مفهوم التطوير المزمع – ليشمل تحقيق الآتي:

أ. تأهيل قوات برية خاصة وتدريبها للتدخل في أقصر وقت ممكن (قوات انتشار سريع).

ب. تطوير الأسلحة التي تعمل بنظرية التوجيه لتصل إلى درجة عالية من الدقة في إصابة الهدف وبمعنى آخر التوسع في استخدام الأسلحة الذكية؟

ج. التوسع في استخدام الطائرات بدون طيار، والقادرة على حمل صواريخ متعددة المهام إلى جانب مهام التصوير الجوى والاتصالات المباشرة، والمعلومات.

د. زيادة حجم الطائرات الهجومية وكفاءتها، لتصبح قادرة على تنفيذ مهام قتالية عالية المستوى.

5. استمرار الوجود العسكري الأجنبي بالمنطقة وتأثيره على تصاعد الإرهاب والتوازن العسكري

تشير كل الدلائل إلى استمرار الوجود العسكري الأجنبي، بحجمه الحالي مع احتمال الزيادة والنقص بمعدلات محدودة، ويرتبط ذلك بمدى تصاعد المقاومة العراقية وهبوطها، لا سيما مع إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على البقاء في العراق.

وهناك ثلاثة احتمالات لبقاء القوات الأمريكية بالعراق، أولها: السعي نحو تنصيب حكومة عراقية موالية لأمريكا، تستبقي القوات الأمريكية في العراق. وثانيها: أن تتزايد خسائر القوات الأمريكية، ومن ثَم، تعلن انسحابها التدريجي من العراق. وثالثها: أن تسحب قواتها وتترك قواعد عسكرية، بموافقة من الحكومة العراقية، وفى إطار اتفاقيات أمنية توقع معها.

وبرغم الوجود الكثيف للقوات الأمريكية في المنطقة، وتصاعد التوتر تجاه إيران وسورية، فإن تجربة العراق لن تدفع الولايات المتحدة لمغامرة عسكرية جديدة تجاه أيٍّ منهما، ولكنها سوف تستبدل الصراع العسكري بإجراءات أخرى مثل إصدار قرارات من مجلس الأمن لتشديد الحصار الاقتصادي على سورية وإيران، مع دفع الدول الأوروبية للضغط عليها من أجل الانصياع لأهداف النظام العالمي الجديد.

ويعني استمرار الوجود الأجنبي الكثيف على الأراضي العربية، الإخلال بالأمن والتوازنات الإستراتيجية، حيث يصب في مصلحة إسرائيل سواء في توازناتها مع الأمة العربية أو ضد إيران، وفى الوقت نفسه، يفرض أعباء عديدة على الأمة العربية، لا سيما ما يخص التهديدات الموجهة ضد كل من سورية وإيران.

إن الحرب غير النظامية، غيرت معايير التوازنات على المستوى العسكري، ولم تتحقق لها أي معاملات ثابتة حتى الآن. ويمكن استنباط هذه الحقيقة من خلال دراسة حالة المقاومة العراقية في مواجهة القوات الأمريكية، فبينما حقق الجيش الأمريكي نصراً حاسماً في غزوه للعراق، إلا أن الحرب الغير نظامية قد أفشلت بدورها سيطرة القوات الأمريكية على العراق، وألحقت خسائر كبيرة بالقوات الأمريكية، تقدر بنحو سبعة أضعاف ما أحدثته الحرب النظامية، كما يقدر حجم العمليات التي شنتها المقاومة العراقية في عام واحد، بنحو خمسة آلاف عملية، بمعدل 14 عملية يومياً.

ويأتي الإرهاب، بدوره، عاملاً جديداً في التوازنات، وربما كانت أحداث المغرب في مايو 2004، وأحداث السعودية على مدار عامي 2004، 2005، والأحداث الإرهابية في مصر خلال أعوام 2004، 2005، 2006،. دليلاً على ما يمكن أن بسببه الإرهاب من خسائر مؤثرة على الأمن القومي للدول، وبما يتطلب تطوير التوازن الأمني، الذي سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيقه من خلال إجراءات كثيفة ومتعددة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وهو ما يجب تحقيقه في الدول المتأثرة بأحداث الإرهاب، ومنها العديد من الدول العربية.

6. فشل المشروع الأمريكي بالعراق والبحث عن بديل لاستخدام القوة "الفوضى الخلاقة"

كان من نتيجة فشل المشروع الأمريكي بالعراق، هو البحث عن بديل لاستخدام القوة العسكرية، وتكلفتها المادية والبشرية العالية، والبحث عن أسلوب لإعادة رسم الخريطة السياسية للعالم العربي والإسلامي، لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الأوسع، وفى ضوء الدراسات التي أجرتها مراكز الأبحاث والدراسات، حول النظريات السياسية والعسكرية، فقد خرجت بمفهوم الفوضى الخلاقة. "Constructive Instability"، نظرية جديدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، هذا وقد عبرت وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس"، لصحيفة "الواشنطن بوست" في فبراير 2006 من خلال الرد على تعليق حول "أن التفاعلات الإقليمية لن تترك مجالاً للخيار بين الفوضى أو سيطرة الجماعات الإسلامية، ولن تؤدى بالضرورة إلى الديمقراطية"، ردت قائلة :"أن الوضع الحالي في المنطقة غير مستقر، وأن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديموقراطي فوضى خلافه، والتي ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً".

ويطلق على النظرية السياسية الأمريكية "الفوضى الخلاقة"، لما لها من دور في إعادة بناء الهيكل أو النظام السياسي للدولة المستهدفة، وهى سياسة بديلة للعمل العسكري الشامل والمحدود لتغيير الأنظمة، وأحياناً ما تكون مدخلاً للعمل العسكري في ظروف عدم نجاح أحد مراحلها لتحقيق الهدف المنشود، وفى أحيان أخرى قد تأتى بعد العمل العسكري الشامل لإعادة ترتيب النظام السياسي للدولة المستهدفة لخلق نظام حليف لدولة الاحتلال، وهى في الأساس نظرية سياسية مأخوذة عن مجموعة نظريات عسكرية وسياسية، وتهدف أساساً إلى إعادة بناء الأنظمة السياسية وترتيب حدودها دون اللجوء إلى القيام بعمل عسكري.

وفى حالة العراق،. فقد عملت الولايات المتحدة بنظرية الفوضى مع العراق بعد حرب الخليج عام 1991؛ لإسقاط النظام العراقي، إلاَّ أنها لم تنجح،فجاء الغزو عام 2003 لتغيير النظام بالقوة العسكرية، وعاشت العراق حالة فراغ سياسي وأمنى، خاصة بعد تطبيق أولى مراحل نظرية الفوضى الخلافة بواسطة الحاكم العسكري الأمريكي خلال الشهور الأربعة الأولى بعد الغزو، والتي شملت حل الجيش والشرطة والمخابرات وضرب البعث ومؤسسات الدولة، وإلغاء الدستور وغيرها.

وبحسابات خاطئة أسست قانوناً لإدارة الدولة، وتنظيم الحياة السياسية على أساس طائفي وعرقي، وعدت الطائفة السُّنية بقايا النظام السابق، وأن معظم الأحزاب السنية خلف عمليات مقاومة الاحتلال. وفى الوقت نفسه ساهمت في تحقيق انطلاقة سياسية وعسكرية واقعية للطائفة الشيعية، وانطلاقة سياسية انفصالية للأكراد في الشمال، وسمحت بوجود الميلشيات الطائفية وانتشارها، وأعادت بناء مؤسسات الدولة على الأسس الطائفية، حتى الجيش والشرطة والاستخبارات التي أفرزت ما أطلق عليه "فرق الإعدام" التابعة للداخلية العراقية، وتناست بحسابات خاطئة مصالح وتدخلات الدول الأخرى في العراق، فإيران بات لها وجود وتأثير كامل على الساحة السياسية والأمنية، خاصة في جنوبي العراق، كما حضرت إسرائيل في إقليم كردستان العراق، كما تدخلت تركيا لدعم التركمان في كركوك.

وهكذا استمر مخطط نظرية الفوضى، بما أدى إلى اتجاه العراق من سَيِّء إلى أسوأ بعد انفلات الأوضاع من قبضة سيطرة القيادة الأمريكية وترى الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ حكومة المالكي، مؤهلة حالياً للبدء في تولى السلطة ببعض أقاليم العراق، وأن هذه الحكومة مستعدة -  في حالة بدء انسحاب القوات الأمريكية – للموافقة على بقاء القوات الأمريكية بالعراق، بحجم محدود يتمركز في أربع قواعد عسكرية وإعطائها شرعية من البرلمان العراقي من خلال التصويت، وفى الوقت نفسه وضع برنامج عمل للقضاء على المقاومة العراقية.

ومع ذلك فالدلائل تشير إلى استمرار الصراعات الطائفية وتصاعد أعمال العنف، حيث إن أساس بناء النظام السياسي الطائفي لا يحقق الاستقرار والأمن في العراق، كما أن استمرار وجود قوى الاحتلال ودوره في تصعيد الفتنة الطائفية، يقود إلى استمرار تصاعد أعمال العنف، ومن ثم يمكن أن ينتهي الأمر بتقسيم العراق على أساس طائفي وعرقي.