إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الإرهاب، وأولى حروب القرن





أوضاع الجانبين
أوضاع القوات المتصارعة
محاور الحرب البرية
الوجود الأمريكي
الهجوم على مزار الشريف
الهجوم على كابول
الهجوم على قندوز
الأعمال البرية
الأقاليم الأفغانية
التوزيع الجغرافي
الدول والقواعد العسكرية
الطبيعة الجغرافية
القوات المتحاربة
كهوف تورا بورا




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

المبحث السادس

وجهة النظر الغربية في ربط الإسلام بالإرهاب

والخطاب الديني الصحيح لمفهوم الإرهاب

إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، استطاع اللوبي الصهيوني السيطرة على الإعلام الأمريكي، وأن يضع مقولة باطلة ويلبسها ثوب الحقيقة، وهى أن الإرهاب "صناعة إسلامية"، واستطاع بإمكاناته أن يصدر هذه المقولة الباطلة إلى الإعلام الغربي، ولكن حقيقة الأمر أن صحيح الدين الإسلامي منذ نزول الوحي على رسول الله r، يمنع أي تعد على أصحاب الديانات المخالفة وعلى إخواننا في الديانة، لأن صحيح الدين الإسلام في الكتاب والسنة واضح كل الوضوح بهذا الشأن.

هذا وقد ظهرت في أعقاب أحداث سبتمبر بعض السلوكيات والرأي العام المعادى للإسلام داخل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وذلك من خلال:

1. تزايد الإجراءات الاستفزازية ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا.

2. قناعة صانعي القرار ومتخذيه في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، بأن هناك ضرورة للحرب ضد الإرهاب.

3. تكثيف الحملات النفسية المعادية ضد الدول العربية والإسلامية عامة، مع التركيز على الدول المنعوتة بمحور الشر "العراق – سورية – إيران" إضافة إلى المنظمات الفلسطينية واللبنانية.

4. ظهور مرحلة من الهستيريا الجماعية داخل الولايات المتحدة، والتي كان من أهم انعكاساتها، نجاح الحملات الإعلامية والدعائية الأمريكية في خلق حالة من القناعة بضرورة استخدام القوة العسكرية ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية في العالمين العربي والإسلامي، مع سيطرة الشعور بالانتقام والكراهية ضد العرب والمسلمين.

5. ارتفاع معدلات السلوكيات الاستفزازية من حوادث التحرش والمضايقات، والتحقيق والعزل ضد العرب والمسلمين، في محاولة للتكيف الإيجابي مع الواقع، مع بناء صورة نمطية للشخصية العربية والإسلامية باعتبارها أكثر عدوانية وأصولية.

6. ظهور ما يسمى بعقدة الاضطهاد الديني بالمجتمع الأمريكي "لماذا يكرهوننا"، من خلال تجسيم الهجمات بكونها محاولة للقضاء على الحضارة والقوة الأمريكية وتدميرها، وتفريغ الشعور بالحق والدونية، وعدم الإحساس بتقدير الذات، خاصة لدى الشخصية العربية/ الإسلامية، التي تعانى من عقد النقص والهمجية والسلوكيات العدوانية ضد كل ما هو راق ومتقدم.

7. أن الربط بين الإسلام والإرهاب في وسائل الإعلام الغربية المختلفة، قد أدى إلى تعميق وتأصيل العداء للعرب، وسيطرة الحاجة للأمن على قمة مدرج الحاجات الأساسية لهذا المجتمع، والذي يتم استغلاله وتوظيفه لمد أيديولوجية الحرب ضد الإرهاب لدول أخرى مثل العراق، والتي وضح بعد ذلك أن الإدارة الأمريكية مهدت بذلك، الغزو العراق عام 2003.

8. التصاعد والتكثيف غير المسبوق في الحملات النفسية التي استهدفت دعم صانع القرار الأمريكي في الحرب ضد الإرهاب، وبصفة خاصة ضد الجماعات المنتشرة في دول عربية وإسلامية، حيث بلغ ما نشر في وسائل الإعلام المختلفة للآتي:

أ. إنشاء راديو سوا الأمريكي، والذي يقوم على الاتصال الجماهيري المباشر باللغة العربية مع شعوب منطقة الشرق الأوسط.

ب. قيام الولايات المتحدة بإعداد وإصدار (2792)، مقال وتحقيق صحفي، وكذلك نشر 672 كتاب، علاوة على إعداد فيلمين تحت عنوان (الإرهابي)، هذا بخلاف التصريحات والخطب واللقاءات والزيارات المتبادلة على المستويات المختلفة.

ج. التركيز على إتباع مبدأ التكرار والملاحقة في تنفيذ الحملة النفسية، الخاصة بتدمير الرمز بالنسبة للمجتمع الأمريكي- وهو أسامة بن لادن وغيره – من خلال تجسيده شيطاناً وتحقيره وتشويه صورته، وأنه أتى من دولة عربية إسلامية تقود العالم الإسلامي وهى المملكة العربية السعودية.

9. وعلى المستوى الغربي، بدأت تبرز صورة هامة، وهى محاولة الاهتمام بمعرفة الإسلام، وتفهم سيكولوجية العرب والمسلمين، وذلك من خلال وسائل المعرفة المختلفة والمتعددة.

10. محاولة تشويه صورة رسول الله r من خلال الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرت في بعض الصحف الغربية، بل وصل الأمر إلى قيام "بابا روما" بإلقاء محاضرة في ألمانيا هاجم فيها الإسلام، ما حدا برجال الدين في العالم الإسلامي إلى مهاجمته، ومطالبته بالاعتذار رسمياً عن هذا الحديث.

11. أن نظرة الغرب تجاه الإسلام والدول العربية، شكلت ثغرة في الثقة المتبادلة، وهذه الثغرة يتسلل منها الإرهاب، وهو ما يتطلب إيجاد صيغة مناسبة لإحداث تقارب للحضارات وفهم صحيح للدين الإسلامي.

 وفي إسرائيل: فقد برز مدى النجاح في توظيف هذه الأحداث واستغلال تداعياتها في تحقيق أهدافها ومواصلة تنفيذ سياستها بالأراضي المحتلة، وذلك من خلال التركيز على مخاطبة المشاعر واتجاهات الرأي العام على المستوى الدولي عامة، والأمريكي بصفة خاصة، لتأكيد اقتناعهم بأن ما ينفذ من عمليات فدائية يندرج تحت ما يسمى "بالإرهاب"، ومن ثم مشروعية الممارسات الإسرائيلية في مواجهتها (محاكاة الموقف والقرار الأمريكي ضد الإرهاب)، وهو ما يجرى الترويج له من خلال العديد من الإجراءات والأنشطة النفسية (كاريكاتير – تصريحات – استطلاعات رأي – مستندات، وغيرها)، ومن أكثر مؤشرات الاستمرار في هذه الحملة، توظيف استطلاعات الرأي التي تعكس مدى التخوف من العمليات الفلسطينية وإدراكها بأنها أكثر خطورة من التهديدات العراقية، علاوة على تأكيد مسئولية الإسلام عن الأزمات العالمية، خاصة الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إنشاء قناة فضائية عربية تخاطب الجمهور العربي، وتعد أحد أهم وسائل إدارة حملاتها المعادية.

أولاً: التوجه الأمريكي الغربي، نحو اعتبار أن الإسلام والعرب ضالعين في الإرهاب

زعم الغرب، في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، أن المنظمات التي قادت تلك الأحداث وتنفذ العمليات الإرهابية هي منظمات عربية المنشأ، وكذلك أن الإسلام وتعاليمه تحض على الإرهاب، وهو ما يتطلب تغيير أنماط الثقافة العربية على أسس أمريكية غربية، وهو ما يتطلب ضرورة انتشار القوات الأمريكية بصفة خاصة والقوى الحليفة لها بصفة عامة في المنطقة، في قواعد دائمة ضمن خطة انتشار القوات الأمريكية في العالم، والتي أعلنها الرئيس بوش في أغسطس 2004، مع تكليف حلف الناتو بمهام جديدة مثل : المشاركة في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الموسع - المشاركة الأمنية الأطلسية والمتوسطية في مهام بدول شرقي وجنوبي البحر المتوسط - دعم قوات حفظ السلام التابعة للحلف في أفغانستان – تدريب القوات المسلحة وقوات الأمن في الدول غير الأعضاء بالحلف" وهو ما يتطلب تشكيل قوة الردع السريع التابعة للحلف والمزودة بنظم تسليح حديثة وتتمتع بخفة حركة عالية.

ومن ثَم، تعرضت المنطقة العربية وسوف تتعرض إلى أنواع من الحروب النظامية أو غير النظامية، والضغوط السياسية والاقتصادية، على النمط التي تعرضت له سورية " قانون معاقبة سورية"، كذلك تعرض إيران للضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية لإيقاف برنامجها النووي، ويسمى هذا النوع من الحروب، "الحروب السياسية" التي تقع مسئولية إدارتها على القيادة السياسية، وتستخدم فيها كل الوسائل السياسية والاقتصادية والنفسية، والتخلص الجسدي (الاغتيال)، والحظر والحصار وأحياناً العمليات العسكرية المحدودة أو الشاملة، إلى جانب العمليات الاستخباراتية في نطاق حرب المعلومات.

وربما تكون تصريحات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير "حليف الولايات المتحدة الأمريكية"، في نهاية عام 2003، توضح رسوخ الفكر الذي يقول "أن الإسلام والعرب ضالعين في الإرهاب"، حيث حدد بلير مفهومه في الآتي:

1. أنه لا سلام على الأراضي الفلسطينية دون توقف الإرهاب الفلسطيني (وذلك دون الإشارة إلى إرهاب الدولة التي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وإحباطها الكامل لخطة خارطة الطريق، وإهانة وزير الخارجية البريطاني عندما زار إسرائيل عام 2002).

2. أن الدول التي تتخذ موقعاً مزدوجاً ستكون بعيدة جداً عن الأسرة الدولية، وجاءت هذه العبارة في معرض رده على موقف سورية، دون أن يذكر أن أراضي سورية في الجولان لازالت تحتلها إسرائيل.

3. ذكر بلير – في خطاب أمام القوات البريطانية بمدينة البصرة العراقية في أوائل عام 2004، وهو يهنئهم بالعام الجديد: "أنكم هنا لتقاتلوا الفيروس الإسلامي"، وهذا أمر خطير يتسم بالعنصرية، ويوضح النظرة الخاصة لقادة الغرب، الذين لهم توجهات في منطقة الشرق الأوسط، ويريدون أن يخلطوا الأوراق ما بين الأهداف والعقيدة والواقع.

ثانياً: حرب الأفكار في مواجهة أفكار الجماعات الإسلامية المتطرفة وسلوكها

من السهل على أي مراقب، أن يلاحظ مدى تعثر الوسائل العسكرية والأمنية في القضاء على جذور الإرهاب، ومن السهل أيضاً ملاحظة مدى التحول الأمريكي لأول مرة منذ الحرب الباردة، نحو الدخول في معركة حامية لاستمالة العقول والقلوب، والتي أطلق عليها حرب الأفكار "war of ideas" والهدف هذه المرة هو تعديل أفكار وسلوك الجماعات الإسلامية المتطرفة، والفئات المنسوبة إليها، أو لتحقيق مصالح بعينها بين جمهور خاص مستهدف مثل اختراق العقول أو لزعزعة استقرار نظم سياسية وإسقاطها، أو لنشر ثقافة الهزيمة والاستسلام، أو خلق خطر محدد وتضخيمه أو لدعم أهداف محددة، وذلك باستخدام وسائل إعلامية وثقافية وتربوية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية، بشكل منهجي مخطط وشامل.

ورغم أن هذه الأنواع من الحروب شهدتها معارك تاريخية، فطرية وبصور غير منظمة، إلاَّ أن واشنطن وظفتها منذ عام 2003 لتكون شكلاً من حروب المستقبل وحولتها من مرحلة التفكير إلى مرحلة التخطيط العلمي، ومن كونها نظرية لتكون إستراتيجية شاملة، تشارك فيها كافة أجهزة الدولة المختصة.

وتشير الشواهد إلى تعثر حرب الأفكار الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، مع استمرار السياسة الأمريكية والإسرائيلية كسابق عهدها، وتفاقم المشكلات الإقليمية عما كانت عليه، كما أن الأوضاع العربية والإسلامية، وما تحتاجه من إصلاحات تزيد الأمور تعقيداً، إضافة على أن هذا النوع من الحروب يحتاج إلى عقود زمنية لتحويل الأفكار والأيديولوجيات.

هذا وقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الفكر خلال الحرب الباردة وحققت نجاحاً كبيراً، واستخدمته في حرب الخليج عام 1991، وحرب كوسوفو عام 1999، وحرب أفغانستان عام 2001، وحرب العراق عام 2003،. إلا أن تدهور الحالة الأمنية في العراق خلال مرحلة ما بعد الحرب، وتطور الأحداث بالشرق الأوسط، وانتشار ظاهرة الإرهاب، والرفض الشعبي للسياسة الأمريكية، وتنامي أفكار وسلوك الجماعات الإسلامية المتطرفة، فرض رؤية جديدة لحرب الأفكار، وتأسيس مفهوم شامل لمكوناتها الأساسية للتعامل مع شعوب المنطقة، باعتبار أن العامل الأساسي للنجاح هو العامل الفكري. وكانت البداية في أكتوبر2003 بعد تسريب وثيقة أمريكية صادرة من وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى وسائل الأعلام بعنوان "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، حيث تضمنت حديثاً عن حرب العقول والقلوب للقضاء على جذور الإرهاب وأفكاره وشرعيته، كما تضمنت حديثاً عن التقصير الأمريكي حول توعية شعوب العالم بالسياسة الأمريكية والترغيب فيها.

وترى الولايات المتحدة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، تنوعاً سياسياً واجتماعياً، ومن ثم حتى تنجح إستراتيجية حرب الأفكار، فإن من الضروري أن يقبل الجمهور المستهدف الرسالة الأمريكية، وحددت فئتين أساسيتين لهذا الجمهور: الأولى هي الجماعات الأصولية، بهدف تحويل أفكارهم المتطرفة ودرء نشاطهم الإرهابي، أما الفئة الأخرى فهي متعددة مثل جماعات رجال الأعمال لدعم دورهم في مجال صنع القرار السياسي والإصلاح الاقتصادي ونشر السياسة والثقافة الغربية. ومن الجمهور المستهدف أيضاً فئات النساء والشباب، فالنساء لهم دور حيوي في بناء الأجيال القادمة، ومن خلالهم يمكن علاج قضايا التربية وحقوق الإنسان والمساواة، أما الشباب فتوجه لهم حرب الأفكار من أجل احتوائهم بعيداً عن التيارات المتطرفة، كما أن المثقفين وأهل الفن لهم دور كبير في التأثير على الرأي العام لبحث قضايا المجتمع وسياسة الدولة، خاصة التحديث ودور الإسلام في الدول العصرية.

هذا وتختلف إستراتيجية مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية الجماعات الإسلامية المتطرفة عن أوروبا – خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر – حيث تضع واشنطن الحلول العسكرية والأمنية على جدول أسبقياتها لدرء الإرهاب، مع جهود أخرى نشطة لتخفيض مكاسب الإرهابيين، أما أوروبا، فتتحرك على محورين: الأول هو استهداف الخلايا الإرهابية العاملة، أو ما يطلق عليها خلايا الهجوم، وذلك بالعمليات الأمنية، والمحور الثاني هو مراقبة الخلايا الداعمة أو المساندة لخلايا الهجوم ومتابعتها، وهي الخلايا التي تقوم بنشر الدعاية، وتجنيد الأعضاء، وتوفير الإمدادات والوثائق المزورة، والمأوى الآمن.

وتعددت الدراسات والتقارير الرسمية الأمريكية – حول الحرب الأمريكية ضد الإرهاب - ووصلت معظمها إلى استنتاج هام، خلاصته أن تنظيم القاعدة والمتطرفين الإسلاميين هم الفائزون، ويعود ذلك لأسباب متعددة أبرزها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتدنى الاهتمام بالعامل الفكري لمنع ظهور أيديولوجية الإرهاب. هذا وقد أشار تقرير للجنة خاصة بمجلس النواب الأمريكي عام 2004، إلى كيفية الانتصار على الإرهاب والجماعات الأصولية المتطرفة، واعتمدت الإدارة الأمريكية هذا التقرير وحولته إلى آليات جديدة من خلال خطة طويلة الأمد لمواجهة ظهور الإرهاب، وعلى سبيل المثال، اعتماد دبلوماسية عامة لبناء الجسور بينها وبين العالمين العربي والإسلامي للتأثير على الرأي العام فيها، وتعزيز التفاهم بين الثقافة الإسلامية والغربية، وذلك بزيادة عدد الدبلوماسيين الأمريكيين المتحدثين باللغة العربية، وقيام الخارجية الأمريكية بتشغيل نحو 500 متحدث باللغة العربية للاستعانة بهم في تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية ومناقشة القضايا المشتركة والسياسة الأمريكية في وسائل الإعلام العربية والمنتديات الثقافية، وتركيز الاهتمام بالأمريكيين العرب، ودعم الأصوات العربية والإسلامية المنادية بالتحديث، مع إقامة وتشغيل مائة مركز ثقافي أمريكي في العالمين العربي والإسلامي، ومضاعفة عدد المشتركين في برامج التبادل الثقافي من العالمين العربي والإسلامي، خاصة من الزعماء الصاعدين، وزيادة المنح الدراسية للشباب العربي والمسلم، بمقدار ألف منحة سنوياً.

ثالثاً: حكم الإرهاب في الإسلام

لقد أكد الإسلام على حرمة النفس والمال والعرض، وما شرعت الحدود والعقوبات في الإسلام، إلاّ صيانة لهذه الحقوق، وحماية لحق الأموال شرع حد  السرقة، وحماية لحق الأعراض شرع الجلد والرجم. وهكذا أكد الإسلام حرمات الأفراد والجماعات وحذر من التعدي عليها، وشرع العقوبات ردعاً لمن تسول له نفسه انتهاكها. ولقد كان النهى عن قتل النفس واضحاً وحاسماً، في قوله تعالى ]وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ[ w (سورة الإسراء، آية 33)، وهذا الحق أوضحه الرسول r في قوله: ]لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة[  (صحيح البخاري، 2521/6).

ولقد تحدث الإمام الماوردي في كتابة القيم "الأحكام السلطانية" عن موقف المسئولين من المخربين الذين ينزلون القتل والفساد بالناس ويروعون الناس ويقتلونهم بغير حق فقال: "إذا اجتمعت طائفة من أهل الفساد على شهر السلاح وقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل النفوس، فهم المحاربون الذي قال الله فيهم: ]إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ w  (سورة المائدة: آية 33).

هذا وقد نهى الرسول الكريم r، عن العنف والإرهاب، فقال ]ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه[. ونهى الله عز وجل أن تكون الرهبة بين الناس فقال تعالى: ]قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٌٍ[ w  (سورة الأعراف، آية 116) فالخوف يجب ألا يكون إلا من الله وحده، والتخويف يجب ألا يكون إلا بالله وحده، فمن خاف الله في الدنيا أمن من عذابه في الآخرة، والخوف خوفان خوف العقاب وخوف الجلال، أما التخويف فلا يكون إلا من الله وبالله، لأن التخويف نوع من التسلط والترويع، فالمسلم إذا التزم بدينه وخشي الله عز وجل، أوقع الله عز وجل الرعب في قلوب أعدائه، فالخوف من الله يزيد الإنسان أمنا لأنه يورث التقوى، والخوف من غير الله يزيد الإنسان وجلا، فيورث عنده الضعف.

ولم يمارس النبي r العنف والإرهاب، في مواجهة العولمة الرومانية، بل قابلها بالدعوة والحوار، وأسس منهجه الفكري والثقافي على الثوابت الإيمانية، وتحقيق الحريات وإشاعة المحبة والسلام، ولقد آثر عليه الصلاة والسلام، أن يجعلها عالمية تقوم على الوسطية الفكرية والتكاملية الإنسانية محققاً توازناً بين القيم المادية والقيم الروحية، بينما نجد العولمة تسعى لفرض أنماطها الحضارية، متوسعة في الجانب التقني، متراخية في الجانب القيمي، حتى أصبح العالم مهدداً بأسلحة الدمار الشامل.

رابعاً: الخطاب الديني المصحح لمفهوم الإرهاب

لقد كان من الطبيعي أن يتفق العالم – من خلال الأمم المتحدة – على وضع تعريف دقيق للإرهاب ولكن مع ذلك لم تفلح الجهود السياسية والقانونية في الوصول إلى هذا التعريف، وكان هذا الفشل هو تعبيراً عن الاختلاف في الرؤية والمصالح، فيما حرصت الدول النامية على ضرورة التمييز بين العنف الذي تضطر الشعوب لممارسته لمقاومة الاحتلال أو الظلم - طبقاً لما أقره ميثاق الأمم المتحدة – وبين العنف الناتج عن موقف سياسي أو أيديولوجي.

ومع ذلك كانت هناك معارضة من الدول الكبرى، حيث ترى في حركات التحرر الوطني التي تقاوم الاحتلال والاستعمار، أنها تمارس صورة من أعمال العنف والإرهاب، وخلال متابعة أحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، نجد أن هذا الاختلاف وضح في موقف الرئيس الأمريكي بوش، والذي أعلن فيه بأنه سيخوض حرباً شاملة ضد الإرهاب داعياً كل الدول للانضمام للولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب دون أن يحدد مفهوم هذه الحرب وأهدافها، والتي تحشد لها الأساطيل والجيوش.

هذا وقد تأكد هذا الخلاف، حيث أصدر مجلس الأمن يوم 28 سبتمبر 2001 القرار الرقم (1373) الذي دعا فيه الدول إلى الالتزام بمحاربة الإرهاب عن طريق قطع الموارد المالية عن الأفراد والمنظمات، والالتزام بعدم قبول أولئك الأفراد لاجئين سياسيين، وتعديل التشريعات الداخلية، بما يتفق وبنود ذلك القرار، وعلى كل حال لم نجد في ذلك القرار بكل تفاصيله تعريفاً محدداً للإرهاب، بل فتح باب الخلاف حوله، والواقع أن المسلمين ومعهم المدافعون عن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، حريصون أكثر من أي وقت مضى على أن يستثنى أي تعريف للإرهاب حركات التحرر الوطني، التي تقابل العنف بعنف مضاد تمارسه سلطات الاحتلال، وقد حرصت الحكومات والشعوب على هذه التفرقة، التي تكتسب هذه المرة أهمية استثنائية، بسبب تكرار الإعلان من جانب الإدارة الأمريكية في احتمال توجيه ضربات عسكرية إلى بعض الدول العربية. ورغم تناقض التصريحات الصادرة من المسؤولين الأمريكيين في هذا الشأن، فلا زال توجيه ضربات إلى عدد من الدول العربية التي لا تنصاع لقرار مجلس الأمن الرقم (1373)، أو رفض تسليم الإرهابيين قائماً، انطلاقاً من رغبة انتقامية ضد الإسلام والمسلمين.

ومن مفارقات التاريخ وغرائبه، أن يقترن الإسلام في الغرب بالعنف والإرهاب، وهذا يرجع في مجمله إلى تكرار وسائل الإعلام الصهيوني، وغياب الإعلام العربي والإسلامي، وأن يختزل الإسلام العظيم الذي جاء به النبّي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمة للناس وأمناً، ليتحول إلى مشكلة أمنية.

والواقع أن هذا القرن الظالم بين الإسلام والإرهاب، قد شاركت في صنعه عدة عوامل منها:

1. بقايا صراع تاريخي قديم بين المسلمين والدول الصليبية في الغرب الأوروبي، الذي حركته في مراحله الأولى، المنافسة الحادة التي دارت بين الدعاة المسلمين والمبشرين المسيحيين، ثم حركت هذا الصراع في مرحلة تالية، الحروب الصليبية التي حاول الغرب من خلالها أن يستولي على بلاد المسلمين، وأن يفرض عليهم وصايته.

وخلال هاتين المرحلتين، غرس المستشرقون والساسة الغربيون في عقول وقلوب أتباعهم وتلامذتهم، صورة للإسلام بالغة السوء، وركزوا فيها حملتهم على فكرة الجهاد، الذي رأوا فيه صورة من صور الإكراه والقسر وفرض الرأي على الآخرين.

وعندما انحسر المد الإسلامي سياسياً وعسكرياً في أوروبا تحول التاريخ تحولاً جذرياً إلى الاتجاه المقابل، وبدأت الجيوش الأوروبية غزوها للغالبية العظمى من الدول العربية والإسلامية، وكان من الطبيعي أن تظهر حركات تحرر وطنية تحارب المستعمرين وتعمل على طردهم عن أراضيهم. ولعب الإسلام دوراً بارزاً في تزويد تلك الحركات بحافز روحي عظيم الأثر، تمثل في إضفاء الطابع الديني لدى حركات تحرر عديدة في العالم الإسلامي، كما حدث في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.

2. أن ما ساهم في خلق الوهم الكبير، هو ظهور بعض الحركات والأحزاب التي تحمل أسماء وشعارات إسلامية، والتي تمارس بعضها السياسية بوسائل انقلابية، تنقض على المجتمع، وتعمل خارج قنواته الشرعية وتلجأ إلى تصفية خصومها السياسيين والعقائديين، تصفية جسدية تقوم على العنف، ويستباح فيها القتل وإراقة الدماء.

أن الأمر الذي يتركه هذا السلوك على مجمل الصورة الإسلامية، يفوق الحملات الإعلامية التي يقوم بها الغرب ضد الإسلام.

إن هذه الجماعات على تشعبها وتعدد فروعها وتنظيماتها خلال النصف الأخير من القرن الماضي، بقيت تشكل هامشاً صغيراً على جانبي التيار الواسع العريض للمسلمين، ولازالت جماهير المسلمين تراقب سلوكها بكثير من الحذر والارتياب، ومع ذلك فإن وجود هذه الجماعات والتنظيمات حقيقة لا يمكن إنكارها.

إن واجب العلماء ألا يكتموا الحق، وأن يدركوا جميعاً أن مجاملة المتمردين عن روح الإسلام الحقيقي ومبادئه وأحكامه الثابتة، والسكوت عما يمارسه بعضهم من تجاوز وعدوان لمجرد أنهم يرفعون رايات إسلامية، هذه المجاملة قد تسئ إلى الإسلام والمسلمين على السواء.

خامساً: تعريف الإرهاب

تعد مشكلة التعريف بالمفاهيم الحديثة وتحديدها، من المشكلات الأساسية في الفهم السياسي لسير الأحداث وطبيعتها، بل والتحليل الاجتماعي بصفة عامة.

أن تعدد التعريفات للمفهوم الواحد وتداخلها، من شأنه أن يخلق قدراً من الاضطراب واللبس عند استعمال مثل هذه المفاهيم، وللتغلب على مشكلة التعدد والتداخل في التعريفات النظرية للمفاهيم، طرحت فكرة التعريف الإجرائي، وأساسها تحويل المفهوم النظري المجرد إلى مؤشرات واقعية يمكن ملاحظتها.

وبالطبع لا يمكن الخلط بين استخدام الإرهاب بواسطة الدولة في نطاق العلاقات الدولية، وبين ديكتاتورية الدولة أو أعمالها غير المشروعة في التعامل مع خصوم النظام السياسي في الداخل، وهذه الحقيقة للإرهاب، تؤكد على دوره في الصراع، وتفرق بينه وبين أعمال العنف الأخرى، لأن الاستخدام البديل للقوة العادية، يستلزم أيضاً التنظيم والنسق والاستمرار، وهو ما تفتقر إليه الجريمة السياسية العادية، حتى إذا ما افترضنا جدلاً أن جرائم العنف تدخل في نطاق الجريمة السياسية، ومن ثم يمكن استخلاص ظاهرة الإرهاب في التعريف التالي: "الإرهاب هو عنف منظم ومتصل بقصد إيجاد حالة من التهديد العام الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية، والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية".

وللتفرقة بين الإرهاب والنضال الوطني، فمن المهم أن نعرف الأنشطة التي تمارسها المنظمات الثورية من أجل تحقيق الأماني الوطنية فيما يسمى بالكفاح المسلح، والتي تعنى: "أعمال العنف الثورية التي تنفذها منظمات تحريرية تحظى بالاعتراف الدولي ضد الاحتلال أو التفرقة العنصرية، والتي توجه أساساً ضد القوة العسكرية أو النظامية أو رموز السلطة في الداخل والخارج، ولا توجه ضد المدنيين الأبرياء، إلاَّ إذا كان ذلك غير مقصود بذاته ووقع مصادفة في أثناء العملية بصورة لم يكن من الممكن تجنبها".

هذا وقد أكد وزراء الداخلية العرب في اتفاقية مكافحة الإرهاب، على أن الإرهاب هو: "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه وأغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي، بهدف إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم".

هذا ويشير الدكتور حسنين توفيق إلى ثلاثة اتجاهات في تعريف العنف السياسي:

الاتجاه الأول: هو استخدام القوة المادية لإلحاق الأذى، والأضرار بالأشخاص، وإتلاف الممتلكات[1].

الاتجاه الثاني: والذي يُعد تطويراً وتوسيعاً للاتجاه السابق، خاصة فيما يتعلق بمفهوم العنف، ليشمل استخدام القوة، إلى جانب الاستخدام العقلي لها. ومن التعريفات التي تنطوي تحت هذا المفهوم، تعريف بول روكيج (Boll Rokeach)، بأنه الاستخدام غير الشرعي للقوة والتهديد بها لإلحاق الضرر بالأبرياء من الناس"، أما دنيستين "Dinisten"، فيعرف العنف: "باعتباره استخدام وسائل القوة والقهر لإلحاق الضرر بالأشخاص والممتلكات، وذلك من أجل تحقيق هدف غير قانوني أو مرفوض اجتماعياً".

الاتجاه الثالث: يشير إلى العنف بأنه مجموعة من الاختلافات والتناقضات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، ولذلك يطلق عليه العنف الكلى أو البنائي ويتخذ عدة أشكال منها: غياب التفاعل الوطني داخل المجتمع، وسعى بعض الجماعات للانفصال عن الدولة، وغياب العدالة وحرمان قوى معينة داخل المجتمع من بعض الحقوق السياسية، وعدم إشباع الحاجات الأساسية لدى المواطنين.

وعلى هذا الأساس، ولكي يتم الكشف عنها، يجب تحليل السياق الاجتماعي أو السياسي لهذه الظاهرة ويرى إدوارد عازاة: "أن وضعية العنف الهيكلي هي التي تؤدى إلى وجود الصراعات الاجتماعية الممتدة وهى صراعات تضرب بجذورها في البناء الاجتماعي والتكوين الثقافي للمجتمعات، وتقسم بتعدد المشاركين فيها، وتشعب القضايا الفرعية المرتبطة بها، مع تداخل أبعادها الداخلية والخارجية، كما تتميز باستمرارية حالة من العداء والتوتر الذي قد ينفجر في شكل أزمات حادة وأعمال عنف مسلحة، وفى حالة الصراع الاجتماعي الممتد، لا يبدو أن هناك نقطة أو نقاط محددة لانتهاء العنف.

ويطلق البعض على "العنف الهيكلي"، العنف الخفي لكونه عنف كامل في البني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمعات، وفى ذلك يتميز عن العنف الظاهر، وهو الذي يتم التعبير عنه بسلوكيات ظاهرة وملموسة.

وعلى ضوء هذه التعريفات، فإن العنف قد يكون سلوكاً فعلياً، أو قولاً مجرداً، مثل تهديد بالسلاح وممارسة الضغط النفسي والمعنوي بأساليب مختلفة – وأنه يقوم على أساس إلحاق الأذى والضرر والإتلاف المادي والمعنوي للأشخاص والممتلكات، وذلك للتأثير في إرادة المستهدفين.

وهناك خطأ كبير وقع فيه الغرب، وهو ربط الإرهاب بالدين، فموقف الإسلام من الإرهاب تحدده مجموعة من العوامل، أهمها العدل الذي هو ركن الأركان في الرؤية الثقافية للإسلام، وقبل ذلك كله قضية الإنسان وحرمة دمه وعرضه وماله، فموقف الإسلام مستمد من الوضوح وبغير تكلف ولا تعسف من مصادره الأساسية وإطاره المرجعي المعتمد، وهذا الموقف ثابت ومدون ومعلوم قديماً وحديثاً، وعلينا أن ندرك جانباً مهماً، وهو أن الإسلام ليس في حرب مع كل ثقافة معاصرة، وأن المسلمين شركاء لسائر الناس والشعوب في مواجهة الأخطار المشتركة، وفى السعي لإنشاء نظام جديد للعلاقات الدولية الإنسانية، يقوم على التعاون والتكامل ويتناول الخبرات والعطاء، بدلاً من نظام قديم يقوم على الأنانية والهيمنة والظلم واستعباد الآخرين.

إن مساهمة الإسلام الكبرى، تتمثل في إقامة نظام عالمي جديد للعلاقات الإنسانية، يقوم على التواصل ويحارب العنف والإرهاب وروح القطيعة بين الناس والتي تتمثل في أمور عديدة أهمها:

1. أن الإنسان أيا كان لونه أو أصله أو جنسه أو عقيدته هو في نظر الإسلام مخلوق مكرم ويفضل على سائر الكائنات.

2. أن التنوع الإنساني والاختلاف نعمة، وليس نقمة، وليس على أحد حظر، كما أن دم الإنسان وماله وعرضه، كل ذلك، معصوم، مسلماً كان أم غير مسلم، وهذه العصمة هي وصية الرسول r للإنسانية كلها، ذكرها  في حجة الوداع: "يا أنها الناس أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".

3. أن العهود واجبة الاحترام في السلم والحرب على السواء، قول تعالى: ]الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ[ w  (سورة الرعد: آية 20)، وهذا الاحترام الواجب يشمل العهود مع غير المسلمين، فلا يجوز نقضها حتى بقصد مناصرة المسلمين، في قوله تعالى: ]وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ[ w، (سورة الأنفال: آية 72).

4. أن الحروب ضرورة ولكنها خارجة على الأصل الذي هو المودة والسلام بين الناس جميعاً، وخروجها هذا لا يخرجها من دائرة القانون، إنما يظل السلوك الإنساني فيها محكوماً بذات القيود والضوابط الأخلاقية التي تحكم علاقات الأفراد والشعوب وقت السلم، وهكذا صار قانون الحرب جزاء في الشريعة، ولم تعد الحرب نظاماً همجياً يستعصى على كل الضوابط الأخلاقية أو يفلت من قاعدة القانون، ولا يملك الدارسون للقانون الدولي أو القانون المقارن، إلا أن يروا في دخول قانون الحرب داخل دائرة الشريعة، إلاَّ بداية حقيقية وواضحة لنشأة القانون الدولي بمعناه الحديث، فلا يمكن أن نربط بين الإسلام والإرهاب، وذلك من منظور إنساني قائم، على أن الإسلام دين محبة وسلام.

والنظر إلى الإسلام، من منظور إرهابي، نجد فيه ظلماً واستخفافاً بفكر المسلمين ودينهم، فهذه التهمة مرفوضة بل ومردود عليها، فالفرق واضح بين التدين الصحيح الذي يسعد به صاحبه وتنتفع به الأمة كلها وبين التدين المنحرف، الذي لا يورث صاحبه إلاَّ الابتعاد عن الناس، وهنا نجد أنفسنا مطالبين بالإشارة إلى ظاهرتين هامتين لهما صلة بالإرهاب:

أ. الظاهرة الأولى

إن العزلة عن التيار العام للحياة ومفارقة المجتمع شعورياً أو فعلياً والانحصار داخل الذات لا يتواصل مع الآخرين، هذه العزلة تضع لأصحابها فقها  خاصاً يراه أصحابه منتسباً للإسلام، ويعتقدون أن مفرداته وأجزائه مستمدة من نصوصه، ولكن عند التأمل نجد أنه فقه خاص تماماً، صنعته أجواء العزلة والانفصال عن التيار العام، فلا بد أن يؤدي إذاً، إلى العزلة التامة عن مفردات الحياة.

ب. الظاهرة الثانية

إن لجوء بعض حملة هذا الفكر الانعزالي، إلى تكوين جماعات أو مجموعات عمل سرية، وغير معلنة، يؤدي بدوره إلى فلسفة العمل السري والاقتناع به، وهذا الاقتناع يؤدى في النهاية إلى الانحراف في السلوك والتوجيه العدواني والعنف العشوائي، الذي يسير فيه بعض أعضاء تلك الجماعات.

ويؤكد حسن سليم، بأن دمج هذه التيارات في المجتمع وإشعارها بالأهمية والدخول في حوار موسع معها، في إطار مفاهيم وقيم المجتمع وحرية الإنسان وعدم تعرضه للخوف أو الإرهاب من جانب الدولة، سيكون له بالطبع مردوده السليم وهنا نستطيع أن نقول بأن مفهوم الديمقراطية سيشكل في الأساس نقطة الالتقاء والترك في الإطار المحكوم بمفهوم قبول الآخر، فالنص والمصادر تؤدى في النهاية إلى العنف المضاد.

سادساً: قضية تعميم الإرهاب

إن قضية تعميم دوافع الإرهاب، هو خطأ فادح، فالأسباب والدوافع الداخلية للإرهاب تختلف من دولة إلى أخرى ، ومن منطقة إلى أخرى، وكذلك من قارة إلى أخرى، وأحياناً تكون مشتركة. وقد تصبح قضية التعميم دقيقة في حالة الأسباب والدوافع الخارجية، لأنها مرتبطة أساساً بالسياسة الأمريكية أو الإسرائيلية وحلفائهم وهناك سبب آخر لدوافع العمل الإرهابي: وهو اختزال الأسباب في سبب واحد للهروب من الحقائق، خاصة مسألة نقد السياسة الداخلية للدولة، أو نقص المعلومات عن الحادث الإرهابي، والحقيقة أن الأسباب والدوافع متكاملة، فمنها ما هو مرتبط بالمصادر الحقيقية، ومنها ما هو مرتبط بتوفير المناخ والبيئة الحاضنة لانتشار الفكر المتطرف وأيديولوجية العنف.

كما أن العوامل الخارجية التي تحركها دولاً بعينها مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، تؤدي إلى تأجيج الإرهاب. وقد جاء في تقرير مجلس القوات البريطانية في نوفمبر 2005، عن أن السياسة الخارجية البريطانية من أسباب أحداث لندن (يوليه 2005).

ومن الأسباب الدافعة لهذا النوع من الإرهاب:

1. استخدام القوة وعدم احترام الشرعية الدولية، خاصة إذا كان الهدف هو احتلال الدول بالقوة العسكرية مثل العراق وفلسطين وأفغانستان، أو السعي لاستهداف دول أخرى مثل سورية، أو باستخدام القوة الاقتصادية لإخضاع وقهر الشعوب أو استعمارها اقتصادياً. فالحروب والاستعمار صنعت الإرهاب، وعظمت من دوره، ولم تكن حلاً له.

2. عدم الاكتراث لحل المشكلات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية وقضية العراق، أو النظر في حلها على حساب المصالح الفلسطينية والعراقية، وعلى أساس الاستسلام للرؤية الإسرائيلية والأمريكية، الأمر الذي خلق شعوراً بالمهانة والعجز، ما خلق مراكز جذب لقوى التطرف والإرهاب.

3. ازدواجية المعايير وعدم العدل والمساواة والانتقائية في التعامل مع دول المنطقة وقضاياها المختلفة.

4. الاعتماد على سياسة التقسيم لإضعاف الدول والتأثير على أمنها واستقرارها لصالح دول إقليمية أخرى، مثل بناء النظام السياسي في العراق على أسس طائفية وعرقية، ودعم تقسيم العراق، ومحاولات أخرى تجاه بعض الدول العربية والإسلامية، لإثارة القيم الطائفية أو الدينية أو العرقية، تحت شعار الحريات الدينية والمدنية والمغالاة في المطالبة بالحريات الدينية في بعض الدول العربية.

5. عدم احترام القيم وثقافة الشعوب العربية والإسلامية، مثل قضية التعامل مع السجناء في جوانتانامو وأبو غريب وإهدار إنسانيتهم وثقافتهم وقيمهم الإسلامية. وهناك أيضاً قضية فرض سياسات خارجية تتعارض مع الدين الإسلامي، أو على الأقل تحتاج لفترة زمنية للتحول من حالة إلى أخرى.

6. انعدام الثقة، والشك في السياسة الأمريكية وأهدافها غير المعلنة تجاه دول المنطقة، وهو أمر واقع في العراق وسورية ولبنان ودول الخليج وإيران.

7. عدم اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالظلم الواقع على أفراد أو جماعات أو دول، سواء كان ظلماً سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، كطرد السكان المحليين من ديارهم وأوطانهم وتشريدهم ليصبحوا لاجئين، مَثَلُهُ، القضية الفلسطينية.

سابعاً: العولمة واصطدامها بالفهم الإسلامي وتصاعد الحملة الأمريكية ضد الإرهاب

بعد انهيار المعسكر الشرقي، آلت السيادة الدولية إلى المعسكر الغربي، الذي جمع بين قوة الاقتصاد وقوة السلاح، وهذا ما دفع ببعض المفكرين في الغرب- خاصة الولايات المتحدة الأمريكية-  إلى الاتجاه نحو الصلف الفكري، فظهرت عدة نظريات أبرزها (صراع الحضارات – لصمويل هنتجتون)، و (نهاية التاريخ لنوكوياما)، و"الحرب العالمية الرابعة – لكروث هامر"، و" الدولة الأولى في العالم – لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر".

لقد ترسخ في ذهن هؤلاء المفكرين، إن الديمقراطية الغربية هي الأمثل، مستوحين ذلك مما كتبه مونتيسكو في سفره (روح القوانين)، الذي يعد في عرفهم إنجيل الحرية والعدالة، حيث يقول: "إن الديمقراطية إذا عمت العالم فسيسود السلام وتتحقق العدالة الكونية".

هذا وقد اصطدمت العولمة بالنهج الإسلامي، فهو وإن كان منهجاً متكاملاً في أساسه وثوابته، إلا أن المفكرين الإسلاميين في هذه الأيام، لم يرتقوا بالفكر الإسلامي إلى مواكبة المتغيرات العصرية، لأن الأمة الإسلامية أفاقت متأخرة من سباتها، وهذا ما جعل الحوار بعيد المنال.

لقد انفجر الصراع في مناطق الاحتكاك الحضاري في البوسنة وكوسوفو والسودان، والصومال ثم في أفغانستان، وفيها تحول حلفاء الأمس إلى أعداء، عندما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض العولمة على الأمة الإسلامية بعيداً عن الحوار الثقافي، فواجهوها بالإرهاب والعنف، لأن الإرهاب هو سلاح المستضعفين، فهل كان هذا العداء، بسبب دعم واشنطن لإسرائيل أم بسبب العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثل قهراً لثوابت الثقافة الإسلامية.

فإذا كان هذا العداء بسبب دعمها لإسرائيل، فلماذا لم يطرح جماعة العنف الإسلامي، القضية الفلسطينية إلا بعد الهجوم الأمريكي ولم تطرح من قبل، ولماذا الانصراف عن العدو الرئيسي – إسرائيل – والاتجاه نحو العدو المناصر وهو الولايات المتحدة الأمريكية؟. ولماذا لم يحدد أعداء الولايات المتحدة الأمريكية - من جماعة العنف الإسلامي - أسباب العداء بدقة ووضوح، منذ بداية العنف وإعلان الحرب عليها؟ ولماذا رفع بن لادن شعار الحرب ضد الصليبيين، ونحن نعلم أن النظام الغربي هو نظام علماني لا يعبأ بالأديان.

إن التفسير الوحيد لهذا العداء الدفين، هو التحدي الحضاري الذي يتمثل في العولمة، بالإضافة إلى انتقال الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لإسرائيل من فكرة توازن القوى بينها وبين الدول العربية، إلى فكرة التفوق الإستراتيجي الإسرائيلي على الدول العربية، ودعم هذا التفوق، كما أن إغلاق أبواب الحوار مع جماعة العنف، كفيل بفتح أبواب الإرهاب، وفتح أبواب الحوار كفيل بغلق أبواب العنف.

إن العنف المضار الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من تدمير للمنازل ومسح للقرى، بموجب الخطة ذات الحلقات الخمس، التي اعتمدها وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد"، سوف تورث مواجهات مستقبلية خطيرة، تدخل العالم في دوامة لا نهاية لها من العنف، ومن ثم فإن الحملة الأمريكية التي شهدتها أفغانستان في نهاية عام 2001، مع أنها موجهة لتدمير قواعد بن لادن وحكومة طالبان، إلا أنها تخدم أهدافاً إستراتيجية أمريكية بعيدة المدى، إذ هي إيذانا بانطلاق العولمة العسكرية، وذلك بنشر القوات الأمريكية والحليفة في هذا الجزء من العالم، والذي كان من المحرمات عليها قبل أحداث 11 سبتمبر.

ومن الواضح أن تفكيك البنية الأساسية للإرهاب الذي رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعاره في حربها ضد الإرهاب، لم يحقق الهدف منه، بل إن الحقائق تشير إلى أن العنف الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في هذا المجال، أدى إلى تفكيك عناصر من المطلوبات الرئيسية، لتنشأ منظمات مجهولة الهوية، تقوم بارتكاب أحداث أشد مما ارتكبه سابقوها.

كما إن حرص الولايات المتحدة الأمريكية على محاربة "تنظيم القاعدة"، أدى إلى تغيير في أدبيات الحرب وأدبيات السياسة، وجعل من "بن لادن" في نظر الإرهابيين بطلاً يحتذى به، وجعل من تنظيم القاعدة دولة تحارب أكبر قوة عسكرية في العالم "ومن كل ذلك فإن الأوراق تختلط ويصبح الإرهاب وسيلة – في نظر البعض- لإيقاف بطش"، النظام العالمي الجديد.

كما أن أحد أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب ضد الإرهاب، هو الهيمنة الثقافية، حيث يعد الدين أحد أسس الثقافة في مجال تكامل نظرية العولمة الثقافية، ومن ثم فإن الإسلام طرف في مجابهة هذه الهيمنة، كما أن الصراع الحضاري يمثل طرفاً ثانياً، وكلا الطرفين هما أسس العقيدة والفكر في المنطقة العربية التي تتوسط العالم.

 



[1] يعرف د. بكر القبانى: العنف "بأنه نقيض الهدوء، ويمثل كافة الأعمال التي تتمثل في استعمال القوة أو القسر أو الإكراه بوجه عام، ومثال ذلك أعمال العنف، والإتلاف والتخريب، علاوة على أعمال القتل والتعذيب".