إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الإرهاب، وأولى حروب القرن





أوضاع الجانبين
أوضاع القوات المتصارعة
محاور الحرب البرية
الوجود الأمريكي
الهجوم على مزار الشريف
الهجوم على كابول
الهجوم على قندوز
الأعمال البرية
الأقاليم الأفغانية
التوزيع الجغرافي
الدول والقواعد العسكرية
الطبيعة الجغرافية
القوات المتحاربة
كهوف تورا بورا




الإرهاب وأولى حروب القرن

المبحث الثامن

تحول الإستراتيجية الأمنية الأمريكية لمواجهة الإرهاب (2006)

أولاً: المحافظين الجدد وتطور الإستراتيجية الأمريكية

كان من الواضح أن الإدارة الأمريكية في مرحلة ولايتَي كلينتون، تعاني من أزمة حقيقية، تتلخص في عدم قدرتها على بلورة رؤية إستراتيجية متماسكة وواضحة المعالم للنظام العالمي، في فترة ما بعد الحرب الباردة، ففي اللحظة التاريخية التي شهدت تعاظم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الفعل، تضاءلت قدرتها على تكوين رؤية إستراتيجية للفعل المطلوب، ولذلك اتسمت تلك المرحلة بعدم وضوح توجه إستراتيجي محدد لإدارة العلاقات الدولية بتفاعلاتها كافة، لا سيما جوانب الصراع منها، حيث كانت تُدير الأزمات والتوترات الدولية من موقع رد الفعل، دون السعي إلى امتلاك زمام المبادرة الإستراتيجية، وتُعد إستراتيجية الاحتواء المزدوج Dual Containment  والتي تضمنت في مدلولاتها أبعاد التحرك الأمريكي في منطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي نموذجاً لتدني مستوى الفكر الإستراتيجي الأمريكي، فهي بمثابة إعادة إنتاج لنظرية الاحتواء التي قامت عليها الإستراتيجية الأمريكية في النظام العالمي السابق، وكان التعامل مع العقوبات من أكثر القضايا تجسيداً لحدة هذه الأزمة.

سعت الإدارة الجمهورية الحالية (مرحلة بوش الابن) لتكوين رؤية إستراتيجية يتحدد فيها دورها الفاعل في النظام العالمي لدعم مصالحها الحيوية، على أن تفرض رؤيتها الكونية على كافة الأنساق الفرعية المكونة للنظام العالمي، دون الأخذ في الاعتبار القضايا الفرعية لتلك الأنساق، وهو ما أدى إلى العديد من تصادم المصالح وتعارض الرؤى مع القوى الإقليمية المحورية، وخاصة في الشرق الأوسط، ولقد سعى التيار المحافظ الأمريكي New-Conservative لدمج قضايا الشرق الأوسط في إطار صفقة متكاملة يدخل فيها الشأن العراقي إضافة إلى تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلا أنه سرعان ما وضح رفض الإدارة الأمريكية لكل مساعي السلام السابقة (وخاصة ما تم في عهد كلينتون)، لذلك كان إعادة ترتيب الأولويات الإستراتيجية الأمريكية بمثابة صدمة للجانب العربي، وخاصة لأولئك الطامعين بدور متوازن لها، فلقد تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وبدأ التركيز على إعادة بناء التحالف الدولي المناوئ للعراق ودعم عمليات احتوائه.

فرضت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تغييرات كبيرة على الفكر الإستراتيجي الأمريكي بعد ثبوت فشل العقيدة الأمنية التقليدية القائمة على الردع والاحتواء، وذلك في استجابة للتحديات الإستراتيجية والتهديدات الأمنية في شكلها الجديد وغير المألوف، ولذلك أقرت إستراتيجية الحرب الاستباقية، حيث رأت الإدارة الأمريكية أنها الإستراتيجية الأنسب خلال هذه المرحلة، وأصبح الاستخدام الوقائي للقوة هو الخيار الوحيد ضد الأخطار المحتملة، وغير المؤكدة، التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، وفي إطار هذه الإستراتيجية فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم مفهومها الخاص للإرهاب وجعلته مفهوماً عالمياً وحيداً، ووصفت أي معارضة داخلية أو خارجية على أنها إرهاب ومعاداة للحضارة والإنسانية، بينما لم يشمل هذا المفهوم إرهاب الدولة الذي يُمارس في العديد من مناطق التوتر، مثل إرهاب الدولة الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

من المؤكد أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، هي إستراتيجية عدوانية بكل المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية، حيث يعتمد خيار الحرب الاستباقية على تأويل منحرف، ومفهوم غريب لحق الدفاع عن النفس، حيث إن هذا المفهوم يُبقي على خيار الحرب الاستباقية سيفاً مسلطاً ضد كل من تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أنه يرعى الإرهاب أو يدعمه، وكذلك ضد كل من يرفض الخضوع للإملاءات الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، كما أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب دائمة ومفتوحة، وليس لها سقف زمني، فلقد بدأت لكي لا تنتهي، أو على الأقل لن تنتهي إلا في التوقيت الذي تختاره الإدارة الأمريكية، وبالطريقة التي تراها.

وإذا كانت الحرب الأمريكية ضد الإرهاب لا تُقيم أي اعتبار لمبدأ السيادة وسلامة أراضي الغير، بجعلها الكرة الأرضية كلها مسرحاً لعملياتها، فهي مستعدة للتدخل العسكري في أي مكان، وفي أي زمان، لمواجهة الإرهاب، إلا أن أخطر ما في إستراتيجية الحرب الاستباقية هو تغليفها بغطاء أخلاقي/ ديني باعتبار أنها حرب صليبية ضد الشر والوحشية، ودفاع عن الخير والحرية في كل مكان، ولذلك زجت بمفردات خطاب من التراث الاستعماري القديم، وحروب ملوك أوروبا التوسعية ضد الشرق، وأصبح ذلك المفهوم هو السمة المألوفة في السياسة الخارجية الأمريكية التي تولي العنصر الأيديولوجي أهمية كبرى في صياغتها، مع تحريك العنصر الديني من أجل التعبئة الداخلية وتأمين التضامن الوطني، لتغطية مستلزمات المواجهة سواء كانت مادية أو بشرية.

ثانياً: توجهات الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط

أصبح من الواضح أن الاحتلال الأمريكي للعراق كان جزءاً من رؤية إستراتيجية أمريكية متكاملة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور المصلحة القومية الأمريكية، فإلى جانب مواجهة الإرهاب بالمنظور المحافظ الجديد، كان التركيز على هدف آخر تمثل في نزع أسلحة الدمار الشامل من دول أُطلق عليها "مارقة" أو دول تمثل محور الشر وكان في مقدمة تلك الدول العراق، وسرعان ما انتقل التركيز الأمريكي إليه، إذ هو أضعف حلقات محور الشر، إضافة إلى أن احتلاله والسيطرة عليه يحقق السيطرة الأمريكية على أهم منابع النفط في الشرق الأوسط، التي تنتج أكثر من نصف إنتاج العالم، وتملك نحو 61% من احتياطاته.

ولقد كان احتلال العراق بداية لتحقيق هدف إستراتيجي يتمثل في استكمال السيطرة على قوس النفط الكبير الذي يبدأ طرفه الشمالي في آسيا الوسطى وبحر قزوين، ليمتد طرفه الجنوبي إلى الخليج العربي الأغنى والأهم، خاصة بعد أن فتحت الحرب على طالبان في أفغانستان المجال للسيطرة على الطرف الشمالي لقوس النفط الكبير، وتحقيق ذلك الهدف يمنح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الكاملة للسيطرة على أهم مصادر الإمدادات النفطية في العالم.

في إطار تحقيق ذلك الهدف كان التخطيط لتغيير خرائط الشرق الأوسط، بما يضمن بسط الهيمنة الأمريكية على المنطقة وبقاءها بتفكيك دول قائمة، وإنشاء دول جديدة، وإعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط، وبعد احتلال العراق طمحت الإدارة الأمريكية إلى البقاء لأطول فترة ممكنة حتى تجعل من العراق نموذجاً ليبرالياً واجب التطبيق في باقي الدول العربية، ولذلك لجأت الإدارة الأمريكية إلى ممارسة الضغوط على مصر والسعودية، وفرض عقوبات ضد إيران وسورية، ودعم الخلافات الداخلية في لبنان، حتى يمكن العصف بالتوازنات التقليدية، وتفضيل إسرائيل حليفاً إستراتيجياً وحيداً، وإجبار النظم العربية على التطبيع مع إسرائيل، وإجراء الإصلاحات الديموقراطية، وعدم التذرع بتجاهل الإدارة الأمريكية لتسوية الأزمة الفلسطينية، لفعل ذلك.

يضاف إلى ذلك الوجود العسكري الأمريكي الدائم في بعض دول الخليج العربية وتمكين إسرائيل من القيام بدور فاعل في العراق، إلى جانب إقامة نموذج لدولة مقسمة وممزقة عملياً، من دون سيادة مركزية في السودان (وهو ما تؤكده اتفاقات تقاسم السلطة والثروة في السودان) مع تنامي الضغوط الدولية بشأن إقليم دارفور في غربي السودان، وهو ما يمثل جزءاً هاماً في الإستراتيجية الأمريكية لفصل السودان عن محيطه العربي، وبذلك يتحول السودان إلى ساحة نموذجية للنشاطات الاستخبارية الأمريكية والإسرائيلية ليتكامل مع النفوذ الأمريكي في كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو الديموقراطية، وهو ما يُضعف موقف مصر ويعزلها عن عمقها السوداني والأفريقي.

ثالثاً: الإستراتيجية الأمنية الأمريكية 2006

أصدر البيت الأبيض في 16 مارس 2006، وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وكانت بمنزلة إعلان إمبراطوري جديد، حيث ثبت من الممارسة في ظل الإستراتيجية الأمنية السابقة والتي صدرت عام 2005، أن الحوافز والبواعث على الاستمرار على نفس النهج كان أكبر من المعوقات والدوافع للتباطؤ، ولذلك بدأ الرئيس بوش في إعلانه للوثيقة الأمنية الجديدة بتأكيد السعي إلى تغيير العالم ولعب دور أكبر في الأحداث، ولقد انطلقت الإستراتيجية من مبدأ أن الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حرب لهزيمة الإرهاب دولاً ومجموعات وأفراد، كما تهدف إلى نشر الديموقراطية ودعمها في كل ثقافة وأمة، وذلك للمحافظة على أمن الشعب الأمريكي، وذلك يستدعي استمرار الهجوم خارج الأراضي الأمريكية لهزيمة الإرهاب، كما أكدت الإستراتيجية أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أيديولوجية لا تنطلق من فلسفة علمانية، وإنما تتأسس على أيديولوجية شمولية ركيزتها تحريف الإسلام، الذي يختلف عن أيديولوجيات القرن الماضي، ولكنها تتفق معها في المضمون المتمثل في عدم التسامح والقتل والإرهاب والاستعباد والقمع.

ورغم أن الوثيقة تنفي أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية في حرب ضد المسلمين، وإنما تخوض معاركها ضد الإرهاب باعتبارها معركة أفكار وليست معركة ديانات، إلا أن الوثيقة في ذات الوقت، وصفت الدين الذي تحاربه بالإسلام الراديكالي الذي يسوغ القتل، ويحرف ديانة الإسلام لخدمة الشر، ومن ثم وضحت الرغبة الأمريكية في الاستخدام الأوسع للقوة العسكرية لتحقيق الأهداف في إطار مبادئ الدفاع عن الذات، حيث لا تستبعد استخدام القوة قبل حدوث هجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وإن لم تكن على اليقين بشأن توقيت الهجوم الإرهابي المعادي ومكانه.

لقد تضمنت الوثيقة العديد من الإجراءات لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية، إلا أنها تركزت على دعم التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب وكذلك مواجهة التهديدات المحتملة من استخدام الإرهاب لأسلحة الدمار الشامل، وتمثلت الإجراءات والتوجهات الأمريكية لمواجهة تلك التهديدات في الآتي:

1. التوجه الأمريكي لدعم التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب العالمي

أوضحت الوثيقة الأمنية ما أكدته وثيقة الإستراتيجية الأمنية الأمريكية لعام 2002، من أن القضاء على الإرهاب لا بد له من إستراتيجية طويلة المدى تختلف عن الأساليب والآليات السابقة، وذلك لمواجهة نمط جديد من الإرهاب، فلم يعد الردع أسلوباً مناسباً، بل يجب تنسيق العمل مع الحلفاء، مع العمل على حرمان الإرهابيين من الملجأ الآمن والحماية والدعم المالي.

أ. السياق الحالي للنجاحات والتحديات التي تمت منذ عام 2002

(1) حققت نجاحات عديدة في سياق مواجهة الإرهاب، حيث فقد تنظيم القاعدة الملجأ الآمن في أفغانستان، وتدنت قوة القاعدة، كذلك هناك تحالف دولي يواجه الإرهابيين في العراق، كما انعقد إجماع عالمي ضد القتل المتعمد للأبرياء، كما تزايد التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب سواء من خلال الاستخبارات أو استخدام القوة العسكرية أو النشاط الدبلوماسي.

(2) كانت هناك دول عديدة قبل أحداث 11 سبتمبر جزء من مشكلة الإرهاب، وحالياً أصبحت جزءاً من الحل، وحدث هذا التحول من دون التأثير على نظم حكم صديقة في المناطق الرئيسية، كما تبنت الإدارة الأمريكية تطبيق الإصلاحات الأمنية الأمريكية دون المساس بالحريات الداخلية.

(3) رغم أن العدو محدد ومعروف، ولكن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية بعض التحديات الكبيرة والجديدة، فشبكات الإرهاب أصبحت أكثر انتشاراً وأقل تمركزاً، وأصبحت تقوم على خلايا صغيرة العدد، إلا أنها تعمل من خلال عقيدة مشتركة وتوجه من قِبل قيادة مركزية.

(4) ورغم تمكن الإدارة الأمريكية وحلفائها من إفشال العديد من الهجمات الإرهابية، إلا أن الإرهابيين تمكنوا من تنفيذ هجماتهم في أماكن عديدة منها أفغانستان ومصر وإندونيسيا والعراق وإسرائيل والأردن والمغرب وباكستان وروسيا والمملكة العربية السعودية وإسبانيا والمملكة المتحدة، كما أن العناصر الإرهابية تعمل للحصول على أسلحة الدمار الشامل لإحداث تأثير تدميري أكبر، كما أن بعض الدول مازالت تؤوي العناصر الإرهابية.

ب. الإجراءات الأمريكية لمواجهة الإرهاب

(1) في البداية كانت الحرب على الإرهاب معركة أسلحة ومعركة أفكار ضد عقيدتهم، على المدى القصير تضمنت المعركة استخدام قوة عسكرية وآليات أخرى للقتل، أو أسر العناصر الإرهابية وحرمانهم من الملجأ الآمن، ومنعهم من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتجفيف مصادر التمويل والدعم، أما على المدى البعيد، فسيكون العمل على تحقيق النصر في معركة الأفكار.

(2) إذا كانت الحرب على الإرهاب معركة أفكار، فهي ليست معركة أديان، فالإرهاب العالمي الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية يستغل حالياً الدين العظيم ـ الإسلام ـ لخدمة توجهاته السياسية العنيفة، وإنكار كل الحريات السياسية والدينية، ويحرفون فكرة الجهاد إلى الدعوة إلى قتل لكل المرتدين أو المتشككين ومنهم المسيحيون واليهود والهندوس، والحقيقة أن معظم الهجمات الإرهابية منذ 11 سبتمبر كان ضحاياها مسلمون.

(3) لبدء معركة الأفكار ضد الإرهاب عملياً يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة التي لا تكون سبباً لتنامي الأنشطة الإرهابية، فالإرهاب ليس نتاج الفقر فأحداث 11 سبتمبر كان منفذوها من الطبقة المتوسطة، بينما زعماء الإرهاب من طبقة الأثرياء، كما أن الإرهاب ليس بسبب السياسة الأمريكية في العراق، حيث هوجمت الدول التي لم تشترك في الحرب على العراق، وأيضاً الإرهاب ليس نتيجة القضية الفلسطينية، فلقد نفذت القاعدة هجمات 11 سبتمبر خلال مرحلة اتسمت بنشاط العملية السلمية، إضافة إلى ذلك فإن الإرهاب ليس رداً على الجهود الأمريكية لمنع الهجمات الإرهابية، فلقد استهدفت القاعدة الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تستهدفها الولايات المتحدة الأمريكية.

(4) الإرهاب الذي تجرى مواجهته حالياً نتاج الانعزال السياسي، فالإرهاب العالمي يركز جهوده لتجنيد من ليس لهم القدرة على التعبير في بلادهم ولم يجدوا طريقاً شرعياً للتغيير، ولذلك كانوا عرضة للذين يدعون لرؤية منحرفة تقوم على العنف والدمار، ويقوم الإرهاب في النهاية على عقيدة تحِلُّ القتل حتى قتل الأبرياء، ولقد استغل الإرهابيون الدين الإسلامي لخدمة أهدافهم.

(5) تتطلب هزيمة الإرهاب على المدى البعيد اتخاذ العديد من الإجراءات، منها نشر الديموقراطية، والالتزام بالقانون، وحرية التعبير، واستقلال أجهزة الإعلام، واحترام كرامة الإنسان وحقوقه.

(6) تتعارض الديموقراطية مع الاستبداد الإرهابي، حيث تستند العقيدة الإرهابية على الاستعباد، ومن ثَم، فإن الديموقراطيات ليست محصنة ضد الإرهاب، فهناك الخلافات العرقية والجماعات الدينية غير الراغبة في الحرية، ومن ثَم، يستغلها الإرهاب العالمي، ووضح ذلك في تفجيرات لندن (يوليه 2005) والعنف في بعض الدول الأخرى.

(7) كذلك يجب تشجيع الإستراتيجية المواجهة للعقيدة الإرهابية من خلال مواصلة دعم سياسات الإصلاح السياسي التي تشجع المسلمين على تأكيد إيمانهم القائم على الاعتدال، وضرورة العمل بفاعلية في العالم الإسلامي، فكل من الأردن والمغرب وإندونيسيا اتخذت إجراءات مهمة بهذا الشأن، ويطلب مثل ذلك من الزعماء الإسلاميين لِمواجهة العقيدة التي تستغل الإسلام في التدمير.

(8) يعد تقدم الحرية والتمسك بكرامة وحقوق الإنسان من خلال الديموقراطية هي الحل طويل المدى لمواجهة الإرهاب العالمي، وهناك أربعة إجراءات ستتخذ في المدى القريب لخلق الحل المناسب تتمثل في الآتي:

(أ) منع الهجمات الإرهابية قبل حدوثها، كما أن الحكومات ملتزمة بحماية مواطنيها، ونظراً لأن الجماعات الإرهابية لا يمكن ردعها أو إصلاحها، لذلك يجب تعقبها قتلاً أو أسراً، ويجب نزع أفرادها من الشبكات التي ينتمون إليها، مع إعاقة تلك الشبكات الإرهابية وردعها.

(ب) منع الدول المارقة وحلفاء الإرهاب من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، من خلال آليات جديدة، ولذلك تعمل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تعاون دولي لتعزيز الأمن في المواقع النووية الضعيفة بالعالم، وتعزيز قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اكتشاف النشاط الإرهابي المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل وإيقافه.

(ج) حرمان الجماعات الإرهابية من الدعم والملجأ الذي توفره الدول المارقة، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حرب ضد الإرهابيين وضد من يدعمونهم، وأي حكومة تكون حليفاً مثل سورية وإيران، هي عدو للحرية والعدالة والسلام، ولذلك يجب على العالم أن يُحمل تلك الأنظمة المسؤولية.

(د) منع سيطرة الإرهابيين على أية دولة، وحرمان تنظيم القاعدة من أية قاعدة لانطلاق أنشطة الإرهاب، فهدف الإرهابيين إسقاط الديموقراطية وإنشاء ملجأ للإرهاب ما يزعزع استقرار الشرق الأوسط، وتوجيه ضربة إرهابية للولايات المتحدة الأمريكية.

(9) ستتزعم الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب، وستواصل مشاركة الحلفاء، وسينضم حلفاء جدد إلى المعركة من خلال الآتي:

(أ) في أفغانستان والعراق الخطوط الأمامية في الحرب على الإرهاب، ففي أفغانستان يجب الاستمرار في دعم النجاحات، فلقد أجريت انتخابات حرة ناجحة بها، وأصبحت حليفاً في الحرب على الإرهاب، ولذلك يستحق الشعب الأفغاني دعم الولايات المتحدة الأمريكية وسائر المجموعة الدولية.

(ب) يرى الإرهابيون أن العراق هي جبهة رئيسية في معركتهم ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم يعملون على هزيمتها في العراق، وإجبارها على التخلي عن العراقيين قبل تحقيق الاستقرار، وفي إطار الفوضى التي دمرت العراق اعتقد الإرهابيون بأنهم وجدوا الملجأ الآمن.

(ج) ستتمكن الحكومة العراقية، مدعومة من قِبل التحالف، من هزيمة الإرهاب، ولقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من قتل أهم قادة القاعدة (الزرقاوي) بعد أن حرمته من الملجأ الآمن الذي رغبه في العراق، وسيكون النجاح في العراق انطلاقاً للحرية في كافة أنحاء المنطقة التي كانت على مدى العصور مصدر عدم استقرار.

(د) ولقد أوضحت الإدارة الأمريكية في الإستراتيجية الأمنية آليات وأساليب مساعدة الشعب العراقي لهزيمة الإرهاب من خلال ثلاث مجالات رئيسية هي:

المجال السياسي: العمل مع العراقيين على تحقيق الآتي:

·   عزل العناصر المتشددة غير الراغبة في قبول العلمية السياسية سلمياً.

·   قبول الأفراد خارج العملية السياسية والراغبين في الابتعاد عن العنف.

·   إقامة بنية وطنية ومؤسسات تعددية فعالة تحمي مصالح العراقيين.

المجال الأمني: العمل مع قوات الأمن العراقية لتحقيق الآتي:

·   مواصلة الهجوم على المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، وقتلهم وأسرهم وحرمانهم من الملجأ الآمن.

·   تخليص المناطق التي يسيطر عليها العناصر الإرهابية بالتعاون مع قوات الأمن العراقية، على أن تبقى تلك المناطق تحت سيطرة الحكومة العراقية.

·   بناء قوات أمن عراقية، ودعم قدرة المؤسسات المحلية لتسلم الخدمات، وتقدم في تطبيق القانون، وتشكيل المجتمع المدني.

المجال الاقتصادي: العمل مع الحكومة العراقية لتحقيق الآتي:

·   إصلاح الاقتصاد العراقي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، القائم على اقتصادات السوق.

·   إعادة بناء البنية التحتية العراقية المهملة، لمواجهة المتطلبات والحاجات الاقتصادية.

·   بناء قدرة المؤسسات العراقية، والحفاظ على البنية التحتية والدخول إلى الاقتصاد العالمي، وتحسين المعيشة ورفاهية العراقيين.

2. التوجه الأمريكي لمواجهة تهديد المصالح الأمريكية ومصالح الحلفاء من أسلحة الدمار الشامل

أوضحت وثيقة الإستراتيجية الأمنية الأمريكية 2006 بشأن ما وقع من أحداث منذ عام 2002، أن البيئة الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية حالياً تختلف بشكل جذري عمَّا واجهته سابقاً، ورغم ذلك فإن المهمة الأساسية للإدارة الأمريكية هي حماية الشعب الأمريكي والمصالح الأمريكية، والالتزام بالمبدأ الأمريكي القائم على توقع التهديدات سواء بالنسبة للزمان أو المكان، واستخدام كل القدرات الوطنية لمواجهتها، فهناك تهديدات أخطر من الهجوم الإرهابي بأسلحة الدمار الشامل، ولمواجهة ذلك يجب أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وأن تلجأ للقوة في كل الحالات لمنع التهديدات المتصاعدة.

تتطلب عملية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لإستراتيجية شاملة لمنع وصول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، كما يجب إقناع أعداء الولايات المتحدة الأمريكية بأنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بأسلحة الدمار الشامل، وردعهم ونصحهم بعدم المحاولة للحصول على هذه الأسلحة.

السياق الحالي للنجاحات والتحديات التي تمت منذ عام 2002

أ. كان هناك جهد واضح لحماية أمن الولايات المتحدة الأمريكية ومواطنيها بالتعاون مع المجموعة الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة، فلقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء دفاعات ضد الصواريخ الباليستية للحماية من الهجمات الصاروخية من قِبل الدول المارقة التي لديها أسلحة دمار شامل، وفي هذا الإطار انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة 1972 والخاصة بمنع انتشار الصواريخ الباليستية.

ب. في مايو 2003 أطلقت الإدارة الأمريكية مبادرة أمنية (PSI) بهدف تفعيل الجهود العالمية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وكذلك المواد المتعلقة بها، ولقد أبدت أكثر من (70) دولة تأييدها لهذه المبادرة، مما حقق عدة نجاحات ضد تهريب أسلحة الدمار الشامل، كما تزعمت الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق القانون تطبيقاً واسعاً، كما كان هناك تعاون كامل بين أجهزة الاستخبارات لعدة دول ما أدى إلى القضاء على شبكة خان النووية، كما وافقت ليبيا على إنهاء برامج أسلحة الدمار الشامل، وكانت مواد نووية من شبكة خان قد منعت من الوصول إليها.

ج. نجحت الجهود الأمريكية خلال أبريل 2004 في إصدار قرار مجلس الأمن الرقم (1540) الذي يطالب الدول بتجريم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ويفرض الرقابة على تصديرها وتمويلها، كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز قدرة هيئة الطاقة الذرية الدولية لاكتشاف الانتشار النووي ومنعه، ولقد أسست الإدارة الأمريكية إطاراً شاملاً لجميع مبادرات حماية الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين من الإرهاب.

د. ورغم تلك الجهود المبذولة، ما زال هناك العديد من التحديات الجديدة تتمثل في الآتي:

(1) انتهكت إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتؤكد بأن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط.

(2) مازالت كوريا الشمالية تتحدى المجموعة الدولية، وتفتخر بامتلاكها ترسانة نووية وبرنامج نووي.

(3) استمرار الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

(4) تمكن بعض العلماء من تحضير بعض المواد الانشطارية الضرورية لإعداد الأسلحة النووية، غير أنها لم تؤمَّن جيداً ما يتيح الفرصة لتهريبها للجماعات الإرهابية، كما أن التقدم التقني أتاح الفرصة لجهات غير حكومية الحصول على الأجهزة ذات التقنية العالية.

3. الإجراءات الأمريكية لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل

تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية في وثيقة الأمن القومي بمنع وصول أسلحة الدمار الشامل للعناصر والجماعات الخطرة وذلك من خلال الإجراءات التالية:

أ. الانتشار النووي

(1) يشكل انتشار الأسلحة النووية التهديد الرئيسي للأمن القومي الأمريكي، والأسلوب المناسب للحد من طموح الدول المارقة والإرهابيين للحصول على المواد الانشطارية، وما ركزت عليه الإستراتيجية الأمريكية هو أولاً منع الدول من اكتساب الخبرات لإنتاج المواد الانشطارية المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية، وثانياً منع نقل تلك المواد إلى الدول المارقة أو الجماعات الإرهابية.

(2) يتطلب الهدف الأول السيطرة على منافذ إنتاج المادة الانشطارية الرخيصة، والتي يمكن أن تُستخدم في إنتاج الأسلحة النووية تحت ستار برامج الطاقة النووية المدنية، ولتحقيق ذلك يجب أن يتبع المنتجون والمصدرون الرئيسيون للمواد النووية نظاماً مقبولاً لإمداد المفاعلات النووية المدنية بحاجاتها من المواد الانشطارية بشفافية على أن تبتعد عن عمليات الإخصاب، التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج مادة انشطارية، يمكن أن تُستخدم في إنتاج الأسلحة النووية.

(3) لقد أخفى النظام الإيراني جهوده النووية الرئيسية عن المراقبين الدوليين، ما شكل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، كما أكد الرفض الإيراني، وعدم الالتزام بالقرارات الدولية أن البرنامج النووي ليس للأغراض السلمية فقط، فهناك بيانات عدوانية من رئيس الحكومة الإيرانية ضد إسرائيل، كذلك تتبني إيران النظم الإرهابية، إضافة إلى رغبتها الواضحة في إحباط عملية السلام في الشرق الأوسط، وعرقلة الديموقراطية في العراق، ومن ثم فإن القضية النووية، والمخاوف الأمريكية الأخرى، تحتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الأمن القومي، والاقتصاد الأمريكي، ضد تهديدات النظام الإيراني ومطامحه.

(4) يُشكل نظام الحكم في كوريا الشمالية تحدياً جدياً آخر للانتشار النووي، فهناك سجل طويل من المفاوضات التي اتسمت بسوء النية والازدواجية في الماضي، حالياً هناك إجماع بين الشركاء الإقليميين (الصين ـ اليابان ـ روسيا ـ كوريا الجنوبية) على ضرورة التزام كوريا الشمالية لمطالب المجتمع الدولي، ورغم البيان المشترك الذي وُقع في سبتمبر 2005 (ومحادثات اللجنة السداسية) ووافقت خلاله كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل ضغوطها مع اللجنة السداسية لتطبيق هذه الالتزامات، فمازال للولايات المتحدة الأمريكية مخاوف ما واصلت كوريا الشمالية أنشطتها المحظورة وتهديد جاراتها.

(5) يجب العمل على منع وصول المواد الانشطارية للدول المارقة والجماعات الإرهابية، ولتحقيق ذلك يجب مواجهة الخطر بأسلوب جديد في حماية المواد النووية والإشعاعية يختلف عما سبق، وتعتمد الإدارة الأمريكية حالياً عدة مبادرات عالمية تحقق خفض المخزون الحالي من المادة النووية، وتعقب انتقالها إلى أي مكان، حتى يمكن منع التهريب لهذه المواد، كذلك هناك جهود أمريكية/ دولية لمواجهة تهريب أسلحة الدمار الشامل سواء بحراً أو جواً.

ب. الأسلحة البيولوجية

(1) تعد الأسلحة البيولوجية تهديداً خطيراً بسبب انتشار العدوى والمرض بين عدد كبير من الأفراد حول العالم، وذلك خلال السلاح النووي، كما أن الأسلحة البيولوجية لا تتطلب بُنى تحتية أو مواد ما يمثل تحدياً كبيراً للسيطرة على انتشارها.

(2) لا بد لمنع انتشار الأسلحة البيولوجية من تحسين القدرة على اكتشافها والرد السريع على الهجمات، وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار التعاون الدولي للكشف المبكر عن حالات التفشي المريب للأمراض، كما أن هناك جهود أمريكية للإسراع في تطوير اللقاحات الجديدة، ما سينعكس على مواجهة الأوبئة وتهديدات الصحة العامة مثل أنفلونزا الطيور.

ج. الأسلحة الكيميائية

(1) هناك نشاط كبير من جانب الجماعات الإرهابية لنشر الأسلحة الكيميائية، وتزيد الأسلحة الكيميائية عن البيولوجية باحتياجها للتقنية المتقدمة وتطوير وسائل الحمل، إضافة إلى سهولة امتلاك المواد والأجهزة اللازمة للتصنيع.

(2) لمواجهة ذلك التهديد فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل لمنع الجماعات الإرهابية من الحصول على الأسلحة الكيميائية أو مواد إنتاجها، كما تعمل على زيادة القدرة على الاكتشاف والدفاع سواء في الداخل أو الخارج.

د. متطلبات المواجهة

(1) تتطلب البيئة الإستراتيجية الحالية أسلوبي ردع ودفاع جديدين، فإستراتيجية الردع الأمريكية لن تكون في المقام الأول لتدمير الأعداء المحتملين، وكل وسائل الدفاع ضرورية للردع ومنعهم من تحقيق أهدافهم وذلك من خلال الرد بقوة.

(2) فالقوة الموثوق بها والقوة النووية المؤمنة لها دور حاسم في الردع، بالإضافة إلى الدفاع السلبي والنشط والدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى بنى تحتية مناسبة للقيادة والسيطرة وأنظمة استخبارات، كل ذلك سيؤدي إلى ردع التهديدات الجديدة التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تعزيز أمن الأصدقاء والحلفاء.

(3) ردع الأعداء المحتملين يتطلب تعاوناً دولياً لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك لا يقتضي استخدام القوة العسكرية، بل يمكن ذلك من خلال الدبلوماسية الدولية، ولكنَّ مبدأ الدفاع عن النفس لا يستثني على المدى الطويل استخدام القوة قبل أن يقع الهجوم المعادي، وذلك في المكان والتوقيت المناسبين.

من تحليل الإستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية التي صدرت عام 2006، يتضح أن الإدارة الأمريكية اتجهت لاستخدام القوة العسكرية لمحاربة الإرهاب والدول التي تتهمها بمساندة الإرهاب، كما قامت بتنفيذ العديد من الإجراءات الهادفة إلى التصدي إلي عمليات إرهابية في المستقبل، وفي مقدمة ذلك الاهتمام بحماية البنية الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية وتقوية نظام الدفاع المدني وتعزيز أجهزة الاستخبارات وفرض القانون، وتوفير قدر أكبر من الحماية للحدود والسواحل ومنشآت البنية الأساسية الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شبكة كثيفة للدفاع الجوي والصاروخي.

أكدت الوثيقة الأمنية ضرورة الاستمرار في مواجهة الإرهاب على الساحة الدولية وتطبيق سلسلة من الإجراءات الداخلية التي لم يشهد لها الوضع الداخلي مثيلاً، وقد سعت جهود تعزيز الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق العديد من الأهداف، أبرزها الحيلولة دون وقوع المزيد من العمليات الإرهابية، باعتبار ذلك الهدف هو الأكثر إلحاحاً أمام الإدارة الأمريكية، ومعالجة الثغرات التي كشفت عنها الهجمات الإرهابية، فضلاً عن السعي لتحقيق هدف نفسي رئيسي يتمثل في توفير إحساس أكبر بالأمن للمواطن الأمريكي، الذي فقد قدراً كبيراً من ثقته في قدرة حكومته على تحقيق الأمن.

تضمنت الإستراتيجية الأمنية رسالة تحذير وتهديد قوية لإيران، مفادها أن الإدارة الأمريكية قد تستخدم القوة للقضاء على التهديد النووي الذي ينبع منها، إذ تشير بجلاء إلى إيران تعد أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، ومن الملاحظ أن الاتهامات الموجهة إلى إيران في وثيقة عام 2006 تشابه الاتهامات التي وجهت إلى النظام العراقي السابق في وثيقة عام 2002، فالولايات المتحدة الأمريكية بحسب الوثيقة الأمنية لديها مخاوف أكبر من النظام الإيراني الذي يدعم الإرهاب ويهدد إسرائيل، ويحاول نسف السلام في الشرق الأوسط، وينكر على شعبه التطلع إلى الحرية.

رابعاً: أسباب إخفاق الإستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب على الإرهاب

من أبرز النماذج وأوضحها على الإخفاقات الأمريكية التي مُنيت بها الإستراتيجية الأمريكية، هو فشل سياسة الاحتواء المزدوج التي طُبقت ضد كل من العراق وإيران، وانتهى معها قانون دامتو بعد أن رفضت الدول الأوروبية الالتزام به، وإذا كان تأييد الدول وتعاطفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، بما في ذلك الوطن العربي والعالم الإسلامي، كبيراً، إلا أنه انحسر كثيراً بعد مرور ثلاثة أعوام، ويرجع ذلك للأسباب الآتية:

1. إستراتيجية الإدارة الأمريكية التي اعتمدتها تجاه الصراعات الدولية ومناطق التوتر لم تحظ بالإجماع، سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو على صعيد الدول الغربية، التي رأت أن مبدأ الحرب الوقائية لا يخدم، في النهاية، نظام الرأسمالية ومصالحه الحيوية في المنطقة العربية، كما من شأنه تقويض الدعم الذي حظيت به الحرب الأمريكية على الإرهاب.

2. التجاهل الأمريكي الواضح لبعض الحلفاء في أوروبا، ما ساهم ظهور محور معارض في مرحلة ما (باريس ـ برلين ـ موسكو) تمكن من تقويض الجهود الأمريكية للحصول على قرار من مجلس الأمن بشن حرب ضد العراق، ولذلك شُنت الحرب دون غطاء قانوني دولي.

3. كان اعتماد الإدارة الأمريكية على التضليل الإعلامي لإجازة خططها وبرامجها الأمنية أحد العوامل التي ساهمت مساهمة بارزة في التأثير على الرأي العام الأمريكي والعالمي، غير أن الدلائل أكدت، بعد ذلك، تراجع تأثير الدعاية الأمريكية التي كانت قد حشدت لها الإدارة الأمريكية كل إمكاناتها.

4. إصرار الإدارة الأمريكية على خوض العديد من الصراعات في وقت واحد، مع طرح خطط متباينة التوجهات على المستوى الدولي، من غير أن تتوافر لها القدرة أو الكفاءة المناسبة لإدارة تلك الصراعات دون حلفاء فعليين، ووضح ذلك أثناء الحرب على العراق، حيث صعدت الأزمة مع كل من سورية وإيران وكوريا الشمالية إلى جانب استمرار المواجهات في أفغانستان.

5. التناقض الفاضح بين ما تنادي به الإدارة الأمريكية من توجهات بشأن الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبين واقع ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية بحق الأقليات، لا سيما المسلمين، مضافاً إلى ذلك أحداث معتقل جوانتانامو وسجن أبو غريب، ما أدى في النهاية إلى فقد السند الأخلاقي الذي كانت تعتمد عليه الإدارة الأمريكية، عند إعلان تقييمها للأوضاع الداخلية في العديد من دول العالم.

6. الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة قوى ضعيفة عسكرياً سواء من حيث التنظيم أو التسليح (أفغانستان ـ العراق)، وكان نتيجة استخدام الأسلحة والذخائر الأمريكية المتطورة ارتفاع نسبة الخسائر في المدنيين، ما حد من التأييد الذي كانت تحظى به العمليات العسكرية الأمريكية، ولا سيما بعد أن ساهمت وسائل الإعلام في الكشف عن الآثار الإنسانية القاسية للاستخدام المبالغ فيه للقوة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

7. غموض الشق السياسي في إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما إزاء العراق، وأسهم ذلك الغموض في إفشال خطط الإدارة الأمريكية في تكوين تحالف دولي يشن الحرب على العراق، زد إلى ذلك عدم تماسك الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي، ما دفع العديد من النُخب السياسية الغربية إلى النأي بنفسها عن مخططات الحرب على العراق وعدم التورط فيها.

8. على الرغم من أن الإدارة الأمريكية خططت لاستخدام العديد من القوى المعارضة العراقية، للمساعدة في الحرب على العراق، إلا أنها تخلت بعد ذلك عنها وعملت على إقصائها من الحكم، وهو ما أحدث شرخاً في العلاقة بين الجانبين، وأسهم كذلك في عدم تشكيل بنيان سياسي متماسك، يقود إلى حفظ الأمن والاستقرار داخل العراق.

9. بدء الإدارة الأمريكية بشن حملات عدائية ضد دول الجوار العراقي، حيث اعتقد مخططو الإستراتيجية الأمريكية أن التصعيد مع تلك الدول سيسهم في تعزيز سيطرتهم على العراق، ما أثار قلق تلك الدول، وجعل من مصلحتها عدم تمكين القوات الأمريكية من تحقيق الاستقرار في العراق.

10. عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تحويل النصر العسكري، الذي تحقق في العراق إلى نصر سياسي إقليمي، حيث كان من المفترض أن تحقق تقدماً على الساحة الفلسطينية، ولا سيما بعد طرح خريطة الطريق وإلزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بها، إلا أن الإدارة الأمريكية لم يكن لها القدرة على تحقيق تقدم على هذا المحور، وذلك انسياقاً وراء الرغبات الإسرائيلية.

11. افتقاد القوات الأمريكية للفهم الكافي للخصائص والتقاليد المحافظة للمجتمعات العربية والإسلامية بصفة عامة، والعراقية بصفة خاصة، حيث أفضت عمليات الدهم واعتقال المدنيين وتعذيبهم رجالاً ونساء إلى تزايد مستوى العداء لقوات الاحتلال.

خامساً: تقرير بيكر ـ هاملتون (مجموعة دراسة العراق) وإعادة تقييم الوضع في العراق)

قدمت مجموعة دراسة العراق التي رأسها "بيكر وهاملتون" تقريرها بشأن الأوضاع في العراق، وكانت تلك المجموعة قد تشكلت بموجب قرار للكونجرس في مارس عام 2005، ولديها تفويض بتقديم تقييم حالي ومستقبلي للأوضاع في العراق، بما في ذلك تقديم اقتراحات بشأن الإستراتيجية المقترحة للعراق والشرق الأوسط. ولقد عرضت اللجنة تقريرها يوم 7 ديسمبر 2006، وقد استغرق إعداده ثمانية أشهر، حيث أعلن المشاركون فيه أنهم وصلوا إلى استنتاج بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب، وأكدوا ضرورة إعادة تعديل مهام القوات الأمريكية لتقوم بعمليات الدعم وليس بعمليات قتالية، وإعادة تمركزها بعيداً عن المدن، كما حدد التقرير عام 2008 توقيتاً مناسباً لسحب معظم القوات الأمريكية من العراق.

ولقد خلص تقرير اللجنة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية نشرت حوالي 140 ألف جندي في العراق، قُتل منهم أكثر من 2900 جندي أمريكي، وجُرح حوالي 22 ألفاً آخرين، وتجاوزت نفقات الحرب 350 مليار دولار منذ غزو العراق في مارس 2003، وطغت أعمال العنف الطائفية في العراق منذ صيف 2006 على المواجهات بين القوات الأمريكية وفصائل المقاومة العراقية، حيث قُتل حوالي 13 ألف مدني خلال أربعة أشهر فقط.

كما أشار تقرير مجموعة دراسة العراق بوضوح تام إلى أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق غير فاعلة، وأن النفوذ الأمريكي هناك في تضاؤل مستمر، ولذلك أوصت اللجنة بضرورة تغيير المهمة الأساسية للقوات الأمريكية بما يتيح سحبها بطريقة مسؤولة، كذلك طالبت اللجنة خفض دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي، حال فشل الحكومة العراقية في إحراز تقدم بشأن تأمين البلاد وتحقيق الاستقرار.

ولقد حذر التقرير من مغبة استمرار تدهور الأوضاع في العراق، ما يزيد من مخاطر الانزلاق نحو فوضى قد تؤدي للإطاحة بالحكومة العراقية، وظهور كارثة إنسانية، مع الوضع في الاعتبار أن قضايا العراق لن تُحل بالعمل العسكري وحده، وفي ذات الوقت لم يركز التقرير على ضرورة وجود جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق.

ولقد تعرض التقرير لأهمية تحرك الإدارة الأمريكية بشأن سلام شامل في الشرق الوسط من أجل إرساء الاستقرار سواء في العراق، أو منطقة الشرق الأوسط من خلال تقديم مبادرة سياسية جديدة لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وحثت المجموعة في تقريرها إلى إجراء تغيير جذري في سياسات الحرب، مع ضرورة بدء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلٍ من إيران وسورية.

ولقد اعترف الرئيس الأمريكي بأن الوضع في العراق سيء، حيث أكد أن تقرير لجنة "بيكر ـ هاملتون" يتطلب إجراء دراسة جديدة، وإذا كان العنف هو إستراتيجية مقصودة في العراق بهدف التأثير على الديموقراطية، ومن ثم يجب التصميم على هزيمة الإرهاب، وذلك من خلال البحث عن نهج جديدة في العراق بصفة خاصة ومنطقة الشرق الوسط بصفة عامة، كما أكد تشكيل لجنة أخرى لتقييم شامل للأوضاع في العراق، وسيتخذ القرارات المناسبة بشأن الإستراتيجية الأمريكية التي يجب الالتزام بها تجاه العراق..