إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)




نتائج قصف صاروخ القسام
مجزرة السبت الأسود
معبر رفح البري
انصهار القذائف الفسفورية
شاحنات تحمل الفولاذ المقسم
قادة قمة الكويت

أسلوب القتال في المناطق السكنية

مناطق رماية صواريخ المقاومة
أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009
أعمال القتال جنوب قطاع غزة
أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة
قطاع غزة



الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة

المبحث الثاني

التحضير والتخطيط للحرب على قطاع غزة

يحدد للحروب العادلة غاية إستراتيجية، تحقق تسوية عادلة لإقرار الأمن والاستقرار؛ مع تسويغ أخلاقي وقانوني للحرب، يبرئها من أن تكون عملية قتل همجي. إلا أن الجانب الإسرائيلي، لم يملك، في الحرب على قطاع غزة، أيّ هدف سياسي، يؤدي إلى حلول عادلة للقضية الفلسطينية أو إلى تحقيق السلام والاستقرار. ولم يراعِ أيّ قوانين دولية أو مبادئ أخلاقية في الحرب.

حولت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة عقيدة "الجندية"، التي تعتمد على الفروسية، واحترام حدود الحرب وقوانينها، إلى عقيدة "المحارب"، التي تتخطى جميع الخطوط الحمراء لقوانين الشرعية الدولية، وتتجاوز معها ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. وتعود عقيدة المحارب إلى حروب الإبادة والإفناء Annihilation، التي اعتمدها المغول والتتار، خلال القرون الوسطى.

شنت إسرائيل حرب إبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ ثأراً وانتقاماً من حركة "حماس"، وغضباً على أفعالها. فاستخدمت أقصى قدراتها: العسكرية والتكنولوجية، عدا السلاح النووي. واستهدفت الأخضر واليابس، سيان كان له علاقة بالمقاومة الفلسطينية، خاصة حركة "حماس"، أو لم يكن. فقتلت النساء والأطفال والمدنيين العُزل من السلاح، بدون تمييز. وكان شعارها هو: "التدمير والقتل"؛ لتخريب أكبر مساحة من أراضي القطاع، والقضاء على أكبر عدد من سكانه (اُنظر ملحق معلومات عن قطاع غزة) و(خريطة قطاع غزة).

أولاً: التحضير للحرب

1. على المستوى السياسي

أ. انتهاز إسرائيل المرحلة الانتقالية، بين عهدَي الرئيسَين الأمريكيَّين: بوش وأوباما، حين تتلاشى إمكانية الضغط عليها؛ وطمعها في أن تفرض على الإدارة الأمريكية الجديدة أمام واقعاً جديداً في قطاع غزة، تراعيه عملية السلام في الشرق الأوسط.

ب. التحرك الإسرائيلي الدبلوماسي والسياسي، مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لترسيخ الانقسام العربي، بين دول ممانعة ودول معتدلة. والترهيب من التحالف الإستراتيجي، بين إيران وسورية وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، والذي يهدد الأمن القومي العربي. ووضع الدول العربية في مكانة، تمنعها من التدخل العسكري أو السياسي الفاعل، خلال الحرب.

ج. توزع إسرائيل رسالة على أعضاء مجلس الأمن، في 23 ديسمبر 2008؛ تُشير فيها إلى حقها في الدفاع عن نفسها، وفقاً للمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، في مواجهة الصواريخ الفلسطينية.

د. الاجتهاد في تضليل حركة "حماس"؛ لتوريطها في أخطاء التقدير السياسي، التي تُعَدّ أخطاء تكتية، ولكن نتائجها إستراتيجية. وتمثل ذلك في تخلي الحركة عن اتفاق التهدئة، واستمرارها في استهداف الإسرائيليين بالصواريخ؛ وتحميلها مسؤولية فشل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، بتحريض من سورية وإيران؛ ومبالغة "حماس" في الرهان على عزوف إسرائيل عن أيّ عملية عسكرية؛ فضلاً عن رهانها على تدخل دمشق وطهران وحزب الله عسكرياً لمصلحة الحركة.

هـ. المحافظة على الانقسام الفلسطيني، جغرافياً وسياسياً، بين الضفة وقطاع غزة. وإجهاض جميع الجهود: الفلسطينية والعربية والدولية، لنجاح الحوار الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الفلسطينية. ويؤثر ذلك سلباً في الجبهة الداخلية الفلسطينية وتماسكها، أو يعزل، على أقلّ تقدير، القطاع عن محيطه الفلسطيني في الضفة الغربية.

و. مبادرة مسؤولين إسرائيليين، إلى زيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول أوروبا، خلال نوفمبر وديسمبر 2008، لترويج السياسة الإسرائيلية، وخاصة تحميل "حماس" مسؤولية تفاقم الموقف؛ وحمْل المجتمع الدولي أن يَعُدّ حرب إسرائيل على الحركة جزءاً من الحرب الدولية على الإرهاب. ومن أبرز تلك الزيارات، وأكثرها إثارة للجدل، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أنقرة، في 22 ديسمبر؛ وزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية القاهرة، في 25 ديسمبر 2008.

ز. تعبئة سياسية للأحزاب والرأي العام في إسرائيل، والإجماع على ضرورة توجيه ضربة عسكرية إلى "حماس" ومعاقبتها على إطلاق الصواريخ؛ وأهمية خلق واقع أمني جديد في قطاع غزة، وتسخيره لمصلحة الحملات الانتخابية، وخاصة حزبَي العمل وكاديما.

ح. مبادرة كثير من المسؤولين الإسرائيليين إلى خفض سقف توقعاتهم من العدوان، في ضوء التجربة الإسرائيلية في حرب لبنان، عام 2006؛ فضلاً عن أن إسرائيل لم تفصح عن هدفها السياسي العسكري المباشر من عدوانها؛ وهو ما يعرف بالتكليف العسكري. فلم تحدد الحكومة الإسرائيلية المصغرة، أو وزارة الدفاع الإسرائيلية، تحديداً واضحاً للهدف العسكري، الذي كُلفت تحقيقه قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية. هل هو، مثلاً، إسقاط حكومة "حماس" في قطاع غزة، وعودة سلطة رام الله إليه؟ أو العودة إلى فرض احتلال إسرائيلي مباشر على القطاع؟ أو الاكتفاء بإضعاف "حماس"، وإيقاع أكبر خسائر: بشرية ومادية، بقوى المقاومة في القطاع؟ أو أيّ هدف آخر؟

ط. غموض الهدف العسكري المباشر، أفضى إلى غموض الهدف السياسي النهائي من الحرب. إلا أنه من الممكن أن يكون الإسرائيليون قد توقعوا أن ينجم عن الضربات المؤلمة لقوى المقاومة والأهالي عصيان السكان وتمردهم على إدارة "حماس"، وتقويض معنويات قيادتها؛ ما يدفعها إلى إبلاغ القاهرة رغبتها في التخلي عن الحكم المنفرد، والترحيب بعودة سلطة الحكم الذاتي للقطاع. وليس ثمة شك في أن القيادة الإسرائيلية، استهدفت إيقاع أكبر خسائر ممكنة بقوى المقاومة، وعقاب أهالي القطاع بدعمهم "حماس" وحكومتها، ورغبتهم في التغيير.

2. على المستوى الإعلامي (الوطني)

أنشأت إسرائيل جهازاً إعلامياً جديداً، باسم: "مديرية المعلومات الوطنية". ترأسه "ياردين فاتيكاي" Yarden Vatikai. وأُلحق بوزارة الخارجية. واستهدف تنظيم حملة إعلامية، تخدم الحرب، بالتنسيق مع الداخل والخارج؛ ونشر الرسائل الإعلامية. وحققت نجاحاً إعلامياً في وسائل الإعلام: الأمريكية والأوروبية، يفوق نجاح الإعلام الفلسطيني في تلك الوسائل عينها.

اعتزمت إسرائيل حملة إعلامية ودعائية، باسم: هاسبرا Hasbara، وتعني بالعربية: "الشرح". بدأت في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2008، قبل الحرب. واستمرت حتى نهاية الحرب. واستهدفت إقناع الرأي العام الإسرائيلي، والمجتمع الدولي، بأن إسرائيل تواجه تهديداً بالفناء، وأن الجيش الإسرائيلي يحارب قوة عظمى في قطاع غزة، وأن الحرب هي على إسرائيل، وليس على القطاع؛ واستطراداً، فإن مسؤولية الوضع الأمني والإنساني فيه، تتحملها "حماس".

وتولت الخارجية الإسرائيلية تنسيق النشاط الإعلامي والدعائي للمسؤولين الإسرائيليين، وتقييد تصريحاتهم السياسية بما تسمح به وزارة الدفاع. وأعدت وزارتا الدفاع والخارجية 97 متحدثاً رسمياً، بلغات العالم الرئيسية، يعملون، داخل إسرائيل وخارجها، لشرح وجهة النظر الإسرائيلية.

زِد على ذلك سلسلة من الإعلانات المدفوعة الأجر والأحاديث والتعليقات، في جرائد العالم، تؤكد الرسالة الإعلامية، "أن إسرائيل مضطرة إلى الرد على "حماس"؛ وليس باليد حيلة". كما أُعدت كتائب من المتطوعين المدنيين للعمل على مواقع الإنترنت، وإرسال رسائل إلكترونية، تشرح تطورات الحرب، إلى الجرائد وشبكات الأخبار وقنوات التليفزيون العالمية.

فرضت إسرائيل قيوداً إعلامية على وسائل الإعلام: الإسرائيلية والأجنبية. ومنعت الصحفيين والمراسلين: الإسرائيليين والأجانب، من دخول قطاع غزة، أو نشر أخبار الحرب؛ حتى إنها جردت جنودها المحاربين من هواتفهم المحمولة بالحؤول دون تسريب ما يدور في أرض المعركة، بدون سيطرة إعلامية.

وهناك موضوعات، عُدَّت أسراراً، لا يمكن الصحافة تناقلها، خلال العدوان، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية. ومنها اختطاف الجنود الإسرائيليين ومقتلهم؛ الخسائر البشرية الإسرائيلية، سواء العسكرية أو المدنية؛ وأماكن سقوط صورايخ المقاومة.

وإمعاناً في تشديد الرقابة، خُوِّل الرقيب العسكري منع إذاعة ونشر تقارير صحفية، بحجة أنها تمس الأمن العسكري. وهو ما عابه المسؤولون عن الإعلام؛ حتى إن الرقيب وُصف، في بعض الأحيان، بأنه يعامل الإعلام معاملة عدو في جبهة القتال.

وكجزء أساسي من العملية الرقابية، استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية عدداً من الاصطلاحات الانتقائية للتعبير عن كل ما يتعلق بأحداث العدوان. ولم يقتصر اختيارها على اصطلاحات معينة، لتستعمل مرة واحدة فقط؛ بل إن كثرتها أصبحت ثابتة، وذات استعمالات متكررة. وتجدر الإشارة إلى أن أسلوب الانتقائية في استخدام الاصطلاحات، لا يرتكز على قاعدة صحفية إعلامية فحسب، بل هي سياسية وعقائدية، في معظم الأحوال.

وقد أملت المؤسسة العسكرية الإعلامية على وسائل الإعلام بعض الاصطلاحات، التي أصبحت، فيما بعد، جزءاً من قاموس الإعلام الإسرائيلي اليومي؛ ومنها:

أ. المخربون والإرهابيون، بدلاً من الفدائيين والمقاومين.

ب. الفلسطينيون، بدلاً من الشعب الفلسطيني؛ ولكلّ منهما مدلوله الكبير.

ج. العمليات الوقائية، بدلاً من عمليات التوغل واقتحام المدن.

د. المستوطنون، يوصفون بالسكان.

هـ. المستوطنات، يعبر عنها بالبلدات والأحياء.

و. إغلاق، بدلاً من منع الدخول إلى إسرائيل.

ز. أعمال هندسية ذات طابع أمني، بدلاً من تجريف الأراضي الزراعية.

ح. خطوات أمنية، بدلاً من عمليات انتقام وعقاب.

ط. عمليات إحباط موضعية، بدلاً من قتل واغتيال.

وهكذا أوحى الإعلام الإسرائيلي باصطلاحات كثيرة إلى الإعلام العربي، الذي رددها، من دون التدقيق في أهدافها الخبيثة، مثل: "مسؤولية الطرفَين، الصدامات بين الجانبَين، حلقة الإرهاب".

3. على المستوى الإعلامي العسكري

ترتكز إستراتيجية الإعلام العسكري الإسرائيلي على سبعة مبادئ أساسية، تمثل السياسة الإعلامية الإسرائيلية. وهي تعتمد على الإلحاح وتكرار المعلومات، حتى تصبح حقائق مسلماً بها.

أ. المبدأ الأول: السابق إلى تحديد الخبر هو الأصدق: وقد سبقت إسرائيل العرب، أمام الإعلام الغربي، إلى تحديد بداية الحرب في قطاع غزة بيوم 19 ديسمبر 2008. وبررتها بخرق "حماس" لاتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه؛ وهذا غير صحيح.

ب. المبدأ الثاني: رواج الفكرة النمطية: أوحى الإسرائيليون إلى الإعلام الغربي، أن "الشرعية" الإسرائيلية، تواجه الإرهاب الفلسطيني.

ج. المبدأ الثالث: انتهاز أخطاء الخصم: اغتنمت إسرائيل تزايد أعداد الصواريخ الفلسطينية، التي استهدفت جنوبيها؛ لِتَدَّعي أنها قد تصل، مستقبلاً، إلى تل أبيب.

د. المبدأ الرابع: الاستئثار بجميع وسائل الإعلام العالمية: حرصت إسرائيل، في جميع حروبها، على تكثير المتحدثين الرسميين، الذين يجيدون لغات أجهزة الإعلام في كلّ بلد عربي؛ وتزويدهم بالمعلومات والبيانات، التي تدعم وجهة النظر الإسرائيلية.

هـ. المبدأ الخامس: تَعَجُّل دحض الحقائق المرغوب عنها، واتهام الخصم بها: ومثال ذلك قَتْل إسرائيل مدنيين أبرياء، واتهامها الفلسطينيين بقتلهم؛ لأن الإرهابيين منهم، يتخذون المدنيين دروعاً بشرية، يتترسون بها. أضف إلى ذلك استهدافها بعض المدارس، مدعية أن الفلسطينيين يتخذونها قواعد لأسلحتهم.

و. المبدأ السادس: التنسيق المستمر مع مراكز التأثير الغربية: لقنت وسائل الإعلام في إسرائيل نظيرتها الغربية، والأمريكية خاصة، كل ما يعكس الرؤية الإسرائيلية للحرب على قطاع غزة؛ ما يؤكد لمن يشاهدها صحة الخبر المذاع. وهي إحدى سمات تفعيل الإعلام الإسرائيلي، على المستوى السياسي.

ز. المبدأ السابع: العداء للسامية: هو الكَيّ، آخر الدواء، يُلجأ إليه في حالات الطوارئ، حين تفشل كلّ المبادئ السابقة. فيوصم به كلّ من ينتقد على إسرائيل رواياتها.

وفي إطار هذه المبادئ السبعة للإستراتيجية الإعلامية، أنشأت إسرائيل إدارة إعلامية وطنية، يعمل في إطارها الإعلام العسكري، الذي تولاه ضابط متخصص في هذا الشأن، برتبة نقيب، هو "أفيجاي أدرعي"، الذي يجيد اللغة العربية. وكُلف التعامل مع كلّ القنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية، وخاصة "الجزيرة" وBBC و"روسيا اليوم".

ولا شك أن المجتمع الإسرائيلي، وقف إلى جانب قيادته السياسية والعسكرية. وانعكس ذلك في تعاطي الإعلام العسكري مع الحرب على غزة، بتعاطف وتأييد واضحَين. ويمكن القول أن ما كتبته الجرائد: المكتوبة والإلكترونية، وبثته الإذاعات وقنوات التليفزيون الإسرائيلية، قبيل الحرب، يُثبت أنها كانت شريكة في صنع قرار الحرب، ورافداً من روافد الدفع في اتجاهه؛ وذلك بما نشرته وأذاعته وبثته، من مواد إعلامية تحريضية على "حماس"، مُطْلِقَة الصواريخ، والمنفذة عمليات: هجومية وانتحارية على أهداف: مدنية وعسكرية، في جنوبي إسرائيل، انطلاقاً من قطاع غزة.

ولئن حظر الجيش دخول غزة على المراسلين العسكريين: الأجانب والإسرائيليين؛ فإنه اليوم الثاني عشر من الحرب، سمح بدخولهم، شريطة أن يرافقوا قواته. بيد أنه لم يتح لهم التجوال بحرية، وذلك حتى اليوم الثامن عشر.

تشمل وسائل الإعلام، في إسرائيل، ثلاث قنوات تليفزيونية، وإذاعة رسمية، وإذاعة الجيش، إلى جانب عدة إذاعات محلية. زِد على ذلك ثلاث جرائد كبرى، هي: "يديعوت أحرونوت"، و"معاريف"، و"هاأرتس". أُوْلاها هي الأوسع انتشاراً. وهي منفتحة، تضم مراسلين متنوعين. وحيز الحرية في تلك الجرائد والقنوات واسع جداً. وهي صحافة مقاتلة، لا تتردد في محاربة الفساد. وقد تسببت في إقالة حكومة "أولمرت"؛ إضافة إلى إقالة كلّ من رئيس الأركان، إبّان حرب لبنان، عام 2006؛ ووزير الدفاع، "عمير بيرتس".

غير أن موالاة تلك الجرائد للجيش، لم تمنع بعضها من التشكيك في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ودوافعها وأهدافها الحقيقية، وما تحقق وما لم يتحقق منها؛ بل حذرت من خطر مخادعة بعض الجنرالات والسياسيين للرأي العام. ونشط بعضها في التفتيش عن الدوافع والمصالح الشخصية لبعض القادة، في الحرب الآنفة. وأبرزت عناوين ضخمة: "أوقفوا الحرب عند هذا الحدّ"؛ وهو ما أثر في قرار حكومة "أولمرت" إيقاف أعمال القتال، في 17 يناير 2009.

4. على المستوى العسكري

استفادت القيادات والقوات الإسرائيلية من الدروس والخبرات العسكرية، في حرب لبنان، صيف 2006؛ ونتائج تقرير لجنة فينوجراد، مايو 2007، وجزئه الثاني، يناير 2008. وكان أبرز توجهاته الإعداد لمواجهة حرب مقبلة، وقريبة.

أ. تطوير القوات المسلحة

بدأت إسرائيل، عام 2007، وضع خطة خمسية لتطوير القوات المسلحة، أُطلق عليها "تيفن". واشتملت على تكوين لواء مشاة؛ وزيادة القوات الخاصة 20 ألف شخص؛ لإدارة حرب عصابات، وحرب مدن، في مواجهة المقاومة؛ وزيادة تدريع الدبابة ميركافا 4، لمواجهة الصواريخ ذات العبوة المزدوجة؛ وتطوير أنظمة المقذوفات الذكية للمدفعية عيار 155 مم، والهاونات عيار 120 مم، فتوجَّه بالذخائر الذكية أو بأشعة الليزر؛ ما يزيد الإصابة دقة، تراوح بين متر ومترَين، فيمكن تلافي أخطاء حرب لبنان، 2006، التي استخدم فيها 170 ألف قذيفة مدفعية، 10% منها فقط أصابت الأهداف بدقة.

ب. أجرت إسرائيل العديد من التدريبات والمناورات الميدانية، في المنطقتَين: الجنوبية والشمالية، وخاصة مناورة كبرى في الجولان، أغسطس 2008. وذلك في إطار المخاوف الإسرائيلية من اشتعال الجبهة السورية، بمبادرة سورية، أو حالة الحرب في قطاع غزة. وفي هذا الإطار نفسه، عمدت إلى تعزيز التحصينات الهندسية الدفاعية، في الجولان.

ج. احتياطاً لرد الفعل الإيراني أو السوري، في ما يتعلق بالوقاية والإنذار من الصواريخ: البالستية والبعيدة المدى؛ وفي إطار التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، تمكنت إسرائيل، في أبريل 2008، من ربط شبكة الإنذار المبكر للصواريخ البالستية مع الشبكة الأمريكية. كما حصلت، في أكتوبر 2008، على نظام إنذار مبكر (رادار إكس باند)، نُشر قرب ديمونا، في صحراء النقب؛ وهو الأكبر في الشرق الأوسط. كما نُشر نظام إنذار مبكر أمريكي، وبأطقم أمريكية (رادار FBXT)، في قاعدة نفاطيم الجوية، في النقب. أضف إلى ذلك حصول إسرائيل على أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ، من نوع باتريوت وثاد الأمريكية.

د. أقامت إسرائيل منظومة إنذار مبكر، باسم: "تسيفع أدوم"، في المدن والمستعمرات الإسرائيلية، حول قطاع غزة؛ للإنذار بالصواريخ الفلسطينية.

هـ. بادرت إسرائيل، بين الأول والثالث من مارس 2008، إلى عملية جوية وبرية، استخدمت فيها لواء المشاة جفعاتي، وكتيبتَي دبابات، ووحدة قوات خاصة. وتوغلت في شمالي قطاع غزة، وخاصة في الشجاعية. وادعت أن هدفها هو وقف إطلاق الصواريخ، إلا أنها تأتي في إطار التدريب والإعداد لحرب كبرى مقبلة، واستكشاف قدرات المقاومة في المنطقة.

و. عمدت إسرائيل إلى أكبر مناورة داخلية، بين 7 و11 أبريل 2008؛ للتدريب على الوقاية من الهجمات الصاروخية، أو الصاروخية المزودة برؤوس كيماوية وبيولوجية.

ز. أدارت إسرائيل خطة استخبارات واسعة، لجمع المعلومات عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة بعد سيطرة حركة "حماس" عليه، عام 2007. فكشفت هوية العديد من مقاتلي الحركة؛ ما سمح بتعقبهم، باستخدام التكنولوجيا المتطورة والعملاء.

ح. طورت إسرائيل وسائل الدفاع الصاروخي قصيرة المدى؛ لاعتراض صواريخ "حماس" المنخفضة الارتفاع، مثل صواريخ (قسام ـ كاتيوشا ـ فجر ـ رعد ـ خيبر). وذلك بواسطة نظام (حيتس/ آرو المطور)، ونظام ثاد SAAD الأمريكي، ونظام (إيجسس) الراداري الأمريكي، ونظام القبة الحديدية، وهو في الاختبار، ونظام سكاي جارد، ونظام فلانكس الأمريكيين.

ط. وفرت إسرائيل منظومة كاملة للقيادة والسيطرة الآلية الرقمية، من إنتاج شركة تاديران، في إطار آلية القيادة والسيطرة وأنظمة التعارف، بين قيادات الفرق والألوية وكتائبها، وحتى مستوى الفصيلة والجماعة؛ مع توافر قاعدة بيانات متكاملة للقوات، بما يؤمن الربط بين المعلومات الاستخبارية والمعاونة النيرانية والعمليات الميدانية والشؤون الإدارية.

ي. طورت أساليب استدعاء القوات الاحتياطية وتدريبها. ووفرت وسائل نقل إلى وحداتها واندماجها في التشكيلات والوحدات الميدانية المكلفة مهام قتالية، في أقلّ وقت ممكن، وبمستوى ملائم من السرية والأمن.

ك. تطوير نظام الدفاع عن الجبهة الداخلية دون الصواريخ، بدءاً من الإنذار بها وقت إطلاقها من مواقعها في أرض العدو. وذلك بواسطة أقمار التجسس والإنذار؛ ثم اعتراضها أثناء اقترابها من أهدافها، وقبل وصولها إليها. وكذلك إغارة القوات الجوية على مواقع إطلاقها. وتطوير نظام إنذار السكان بها. والتدريب على اللجوء إلى الملاجئ المحصنة، والمعدة مسبقاً لذلك، وإزالة آثار الهجمات الصاروخية. وتنفيذ إجراءات الدفاع المدني، من حيث تطهير الأشخاص والأراضي والمركبات والمباني، من احتمال إصابتهم بغازات الحرب الكيماوية، أو مواد الحرب البيولوجية، التي قد تحملها الصواريخ المعادية. ونقل المصابين إلى المستشفيات.

ل. إجراءات الخداع الإسرائيلي

اعتمدت إسرائيل عملية واسعة، لخداع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإرباكها، وتضليلها عن كون واقعاً أو وهماً، العملية العسكرية شاملة أو محدودة. فقد تمكنت إسرائيل من تحقيق المفاجأة، خلال الأيام الأولى للحرب. وأنزلت، في اليوم الأول، أعلى خسائر بالطرف الفلسطيني؛ بسبب بدء الهجوم ساعة ذروة العمل في الأجهزة: الحكومية والأمنية، في القطاع، الساعة 11.30 بالتوقيت الفلسطيني، الساعة 9.30 بتوقيت جرينتش، يوم 27 ديسمبر 2008.

(1) أعلنت إسرائيل، يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008، مهلة 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ، مهددة "حماس" بعملية عسكرية واسعة، في حالة عدم الاستجابة. إلا أن العملية جاءت خلال أقلّ من 24 ساعة من تلك المهلة.

(2) زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أنقرة، في 23 ديسمبر؛ ووزيرة الخارجية الإسرائيلية القاهرة، في 25 ديسمبر 2008، أي قبل بدء الحرب بأقل من 48 ساعة.

(3) عمدت إسرائيل إلى فتح جزئي للمعابر، قبل يوم واحد من الحرب (26 ديسمبر). وسمحت بدخول 428 لتر غاز صناعي، و75 طن غاز طبخ، و175 شاحنة إغاثة.

(4) سربت إسرائيل معلومات إلى مسؤولين في بعض دول الخليج العربي، التي لها علاقة قوية بحركة "حماس"، تنفي أيّ نية في تنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة؛ لإبلاغها قيادات الحركة، في دمشق وغزة.

(5) بدأت إسرائيل العملية العسكرية يوم "سبت"، وهو يوم مقدس عند الشعب اليهودي، ومن المفترض عدم حدوث عمليات عسكرية فيه.

(6) حرص مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على إبلاغ الصحفيين، يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008، أن الحكومة سوف تجتمع يوم الأحد، 28 ديسمبر، لمناقشة عملية عسكرية مكثفة في قطاع غزة؛ الأمر الذي عزز التكهن بعدم إقدام إسرائيل على بدء الحرب، قبل يوم الأحد. وشارك وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك في برنامج تليفزيوني، نقدي، ليلة 26 ديسمبر 2008، أي قبل بدء الحرب بساعات، في خطوة غير ملائمة منطقياً لشن حرب وشيكة.

ثانياً: العملية الهجومية الإسرائيلية، "الرصاص المصبوب"

أشارت تطورات الأحداث الإسرائيلية، قبل بدء الحرب، إلى أن العملية الإسرائيلية في قطاع غزة عملية مخططة للتنفيذ الفعلي يوم 27 ديسمبر 2008. ولا علاقة لها باتفاق التهدئة (19 يونيه ـ 19 ديسمبر 2008). وحتى في حالة تجديد اتفاق التهدئة، فإن إسرائيل خبيرة باختلاق ذرائع نقض الاتفاقات، وتنفيذ الهجوم على قطاع غزة. فقد أشارت جريدة "هاأرتس" الإسرائيلية، يوم 28 ديسمبر، إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي، أصدر أوامره بالتخطيط للعملية، منذ ستة أشهر، أيْ خلال عملية التفاوض لإقرار اتفاق التهدئة، في 19 يونيه. أمّا جريدة "يديعوت أحرنوت"، فأشارت إلى أن وزير الدفاع، أقر الخطة الهجومية، في 19 نوفمبر، وصدق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 18 ديسمبر. وهذا يعني أن مسار التخطيط العسكري كان قائماً. أمّا مسار التفاوض في التهدئة، فكان بغرض الخداع.

1. الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية

تصريحات المسؤولين الإسرائيليين: السياسيين والعسكريين، والمصادر الإعلامية الإسرائيلية، كانت صيغها عامة، وغامضة، تجنبت تحديد أهداف سياسية للحرب على قطاع غزة؛ حتى لا يحاسب الحكومة بها الشعب الإسرائيلي أو أيّ جهات تحقيق قانونية محتملة. واتسمت أهداف الحرب بأنها أهداف مفتوحة، مباشرة وغير مباشرة.

أ. أهداف مباشرة

(1) فرض واقع أمني جديد، لحماية سكان جنوبي إسرائيل وتوفير أمنهم.

(2) إضعاف قدرة "حماس" السياسية والعسكرية على السيطرة على قطاع غزة. والقضاء على المقاومة الفلسطينية بعامة. ومنع تهريب الأسلحة.

(3) الضغط على حركة "حماس"، وفصائل المقاومة؛ لقبول التهدئة، على المدى القريب. وحل القضية الفلسطينية كلية أو جزئياً، على المدى المتوسط أو البعيد؛ وبالشروط الإسرائيلية، بعد فرض واقع سياسي جديد في قطاع غزة.

(4) استعادة هيبة قوة الردع الإسرائيلية ومكانتها، اللتَين فقدتهما في حرب لبنان، عام 2006؛ لتكون قوة ردع إقليمية عظمى.

(5) تدمير البنية العسكرية لحركة "حماس" وحلفائها في قطاع غزة. وتشمل القوة البشرية العسكرية، والقدرات التسليحية، وخاصة الصاروخية، ومراكز القيادة والسيطرة، وشبكة الاتصالات.

(6) تدمير الأنفاق المستخدمة في تهريب الأسلحة، والقضاء على مصادر التهريب، عبر ممر "فلادلفي"، على حدود قطاع غزة مع رفح.

ب. أهداف غير مباشرة (متحركة وفقاً للتطورات على الأرض)

(1) تحقيق أهداف سياسية داخلية، في مزايدة على الانتخابات الإسرائيلية، فبراير 2009.

(2) إرباك حركة "حماس" وشَغْلها بالأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة؛ لمنع تمدد نفوذها السياسي والأمني إلى الضفة الغربية.

(3) خلق واقع سياسي وأمني ومعنوي جديد، ومفروض، للتعامل معه فلسطينياً وعربياً وأمريكياً ودولياً، وخاصة تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية. وقد يؤجل بحث القضية الفلسطينية، سنوات مقبلة، تفقد خلالها جزءاً كبيراً من أهميتها.

(4) إطلاق الجندي الإسرائيلي، "جلعاد شاليط"، الأسير لدى حركة "حماس".

(5) تجربة أسلحة وذخائر جديدة إسرائيلية أو أمريكية.

(6) الإفراط المتعمد في استخدام القوة العسكرية والنيرانية؛ لإجبار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على الهروب، واختراق الحدود المصرية، في تكرار لحادث يناير 2008؛ طمعاً في تصدير الأزمة إلى القاهرة، والضغط عليها كي تقبل الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية، ووضع قطاع غزة تحت الحكم الإداري المصري. وإلا فقد يبادر بعض القوى الفلسطينية، ومصر، والدول العربية، وربما الدولية، إلى الضغط على "حماس"، كي تقبل الشروط الإسرائيلية للتهدئة؛ إنقاذاً للحالة الإنسانية في غزة.

(7) استغلال العمليات العسكرية في اختبار أساليب قتال جديدة، استُخلصت من الحرب على لبنان، عام 2006؛ والقتال في أحوال خاصة.

(8) إضعاف موقف "حماس" في المفاوضات، مستقبلاً، عبْر الاستيلاء على أراضٍ وهيئات حاكمة ومنشآت فلسطينية، وأسْر أكبر عدد ممكن من مقاتلي الحركة وقادتها العسكريين.

2. القوات المشاركة في العملية

أ. القوات البرية

قوامها فرقتان أو ثلاث فرق، إحداها احتياطية، خارج قطاع غزة؛ ولواء المشاة جولاني، ولواء المشاة جعفاتي، ولواء مظلي، ولواء نحال، وقوات خاصة، ووحدات مدفعية وأخرى هندسية. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه خصص 30 ألف جندي للحرب.

ب. القوات البحرية

عدد من الوحدات البحرية، كثفت نيران مدفعيتها وصواريخها على سواحل قطاع غزة. ووحدات أخرى، شاركت في حصار بحري للقطاع، بعمق 20 ميلاً بحرياً. أضف الضفادع البشرية، التي أعلنها وزير الدفاع، في 3 يناير 2009.

ج. القوات الجوية

استخدمت إسرائيل نصف قواتها الجوية. ونفذت 2500 غارة جوية. واستنفدت ألف طن متفجرات. فقد اضطلعت القوات الجوية، وخاصة الطائرات الموجهة من دون طيار، من نوعَي هيرمس ـ 450، وBK، بسيطرة واستطلاع جويَّين دائمَين، على مدار 24 ساعة، طوال الحرب الممتدة 22 يوماً. كما ظهر التنسيق والتعاون بين الطائرات F-16، والعمودية الأباتشي، والقوات البرية حتى مستوى دورية القتال على الخطوط الأمامية. واستخدمت إسرائيل أنواعاً متعددة من الذخائر، مثل: القنابل الموجهة بالليزر من نوع PAV WAY؛ وقنابل مضادة للتحصينات، من نوعَي BLU-109 وGBU-28, 39؛ والصواريخ مافريك والوول آي؛ والقنابل الفسفورية، التي تتشظى 160 شظية، وتراوح حرارتها بين 400 و900 درجة مئوية؛ وقد سُلطت على المدنيين في المناطق السكنية.

د. تعبئة الاحتياطي

(1) استُدعي، منذ 28 ديسمبر 2008، 6500 جندي احتياطي، ينتمون إلى وحدات قتالية ووحدات دفاع مدني. وحصلوا على دورة تدريبية، حتى 10 يناير 2009. ودُفعوا إلى أعمال القتال، في 11 يناير 2009. فشارك معظمهم في تأمين الخطوط الخلفية، والمناطق التي استولت عليها القوات الإسرائيلية، شمالي قطاع غزة. وتولى بعضهم حماية الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة من عمليات التسلل الفلسطينية عبْر الحدود.

(2) استُدعي الآلاف من جنود الاحتياطي (عدد غير محدود)، لينشروا في المنطقة الشمالية، احتياطاً من أيّ عمليات مفاجئة لحزب الله أو سورية.

3. فكرة العملية الهجومية الإسرائيلية

استند الفكر العسكري الإسرائيلي، في عملية "الرصاص المصبوب"، إلى خطط عسكرية، تعتمد على التصعيد المتدرج للعمليات العسكرية (عملية متدحرجة). فتنفذ على أربع مراحل. يُنتقل من إحداها إلى أخرى، طبقاً لانهيار سلطة "حماس" السياسية والعسكرية، في قطاع غزة. وتضمنت المرحلة الأولى عملية جوية، والمرحلة الثانية عملية برية محدودة، والمرحلة الثالثة عملية برية شاملة. أمّا المرحلة الرابعة، فتتضمن اعتقال قيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أو القضاء عليهم؛ ما يسمح بعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، واستعادة السيطرة عليه سيطرة آمنة. وطبقاً لمسار أعمال القتال، وما أعلنته المصادر الإسرائيلية، فإن القوات الإسرائيلية أنجزت المرحلة الثانية، وجزءاً من المرحلة الثالثة، وأطلقوا عليها 2.5. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 17 يناير 2009، في مؤتمر صحفي، وقف إطلاق النار، بعد تحقيق أهداف إسرائيل، وإثر الاتفاق مع الرئيس المصري، حسني مبارك.

4. مراحل العملية وأعمال القتال

أ. المرحلة الأولى: العملية الجوية

(1) استمرت نحو أسبوع، من 27 ديسمبر 2008 إلى 2 يناير 2009.

(2) أغارت القوات الجوية الإسرائيلية، غارات جوية واسعة، واكبتها نيران البحرية والمدفعية والصواريخ. واستهدفت البنية التحتية، السياسية والعسكرية والثقافية، للحكومة الفلسطينية المقالة، في قطاع غزة؛ ومواقع مدنية ومدنيين، مثل: المستشفيات والمقار الصحية، والجامعات، والمساجد، والمنازل، وخاصة قادة المقاومة وعائلاتهم، ووسائل الإعلام، ومصانع ومحلات وورش، وأنفاق التهريب في رفح مع الحدود المصرية.

(3) اعتمدت الهجمات الجوية على معلومات استخبارية دقيقة، أُعِدَّت قبل الحرب. فحددت الأهداف، وفصلت كلاً منها. وكان للعملاء، ووسائل الاستطلاع الجوي والإلكتروني، والتنصت الهاتفي، نشاط بارز في هذا المجال.

(4) نجح الخداع الإسرائيلي في مفاجأة الطرف الفلسطيني. وأسفرت عنه خسائر بشرية فلسطينية عالية، خلال اليوم الأول من الحرب؛ حتى إنه سُمِّي: "مجزرة السبت الأسود".

(5) أعلن الجيش الإسرائيلي، خلال نهاية المرحلة، أن العملية الجوية لم تحقق أهدافها. وثار جدل بين القادة الإسرائيليين في مواصلة العملية الجوية أو الانتقال إلى العملية البرية. فالواقع يؤكد استنفاد العملية لأهدافها المخططة سلفاً، واضطرار القيادة العسكرية إلى ضرب أهداف فلسطينية مراراً.

(6) دفع الجيش الإسرائيلي، خلال المرحلة، دوريات استطلاع مترجلة إلى عمق قطاع غزة. واكتشفت إحداها، في 31 ديسمبر 2008، في الشجاعية، شرقي غزة، حيث واجهتها المقاومة الفلسطينية.

(7) بدأت الضربة الجوية، في 27 ديسمبر 2008، الساعة العاشرة صباحاً، بإغارة 50 مقاتلـة F-16، خلال ثلاث دقائق، على مركز تدريب ضباط الشرطة، أثناء حفلة تخريجهم؛ فقتلت أكثر من 170 ضابطاً وجندياً (أُنظر صورة مجزرة السبت الأسود).

(8) تولت 60 مقاتلة الإغارة على الأهداف الأمنية، بعد نحو 30 دقيقة من الموجة الأولى. ثم استمرت الغارات الجوية حتى بدء المرحلة الثانية.

(9) اقترن بهذه المرحلة تعبئة الاحتياطي، وحشد القوات اللازمة للهجوم البري، والمقدرة بنحو 40 ألف جندي، مسلحين بزهاء 200 دبابة و80 مدفعاً وراجمة صواريخ. ونُشروا في شرقي قطاع غزة وجنوبيه، وفي محاور المعابر الرئيسية.

(10) كانت طلعات سلاح الجو على النحو الآتي:

(أ) الطائرات العمودية، نفذت أكثر من ألف طلعة. وضربت أكثر من ألف هدف.

(ب) الطائرات الحربية، نفذت أكثر من 500 طلعة. وضربت أكثر من 2000 هدف. واستخدمت أكثر من 3000 قذيفة.

ب. المرحلة الثانية: العملية البرية المحدودة

استمرت من 3 إلى 5 يناير 2009.

أربعة ألوية إسرائيلية، تدعمها نيران كثيفة، من المدفعية والصواريخ والقوات: الجوية والبحرية، هجمت على محافظتَي غزة وجباليا، شمالي قطاع غزة. وسيطرت على نحو 70% من الأرض، وحاصرت المربع السكني في مدن غزة وجباليا وبيت لاهيا؛ لعزل شمالي القطاع عن جنوبيه، واستدراج المقاومة الفلسطينية إلى الشمال الآنف. وكان ذلك كالآتي:

(1) بدأ التمهيد النيراني المكثف، سعت 1630. واستمر حتى سعت 1800، يوم 3 يناير 2009. واستهدف تطهير محاور القتال من أيّ أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض، وتنظيفها من الألغام والعبوات الناسفة، والقضاء على أيّ كمائن فلسطينية فيها.

(2) أربع جماعات قتال، قوامها قوى مترجلة، وقوات مدرعة آلية، تتقدمها دوريات الاستطلاع، وخلفها الجرافات. وكان تقدمها بطيئاً وحذراً:

(أ) الجماعة الأولى: اجتازت معبر المنطار (كارني)، في اتجاه جنوب مدينة غزة.

(ب) الجماعة الثانية: اخترقت معبر الشجاعية (نحال عوز)، في اتجاه شرق مدينة غزة.

(ج) الجماعة الثالثة: تخطت معبر بيت حانون (إيريز)، في اتجاه شرق جباليا.

(د) الجماعة الرابعة: اندفعت من معبر أيلي سيناي، في اتجاه غرب بيت لاهيا.

(3) خلال ثلاثة أيام قتال، تمكنت القوات الإسرائيلية من حصار المناطق السكنية، شمالي قطاع غزة، حيث وصلت إلى حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، ومنطقتَي الشجاعية والتفاح، شرقيها. كما بلغت شمال شرقي مدينة جباليا، وحول بيت حانون. واتخذت من ميدان الشهداء (نتساريم) مقراً لقيادتها المتقدمة.

(4) فشلت إسرائيل في إبرار قوات خاصة بحرية على ساحل شمال مدينة غزة، في 3 يناير؛ وقرب رفح، سعت 100، في 4 يناير (اُنظر خريطة أعمال القتال، من 3 إلى 5 يناير 2009).

(5) خلال هذه المرحلة، قُسِّم قطاع غزة بين ثلاثة اتجاهات رئيسية، على النحو التالي:

(أ) الاتجاه الشمالي: من معبر إيريز، حيث اندفع اللواء "جولاني" الآلي، ومعه كتيبة دبابات، بمهمة حصار مدن غزة وبيت حانون وبيت لاهيا، وتطهير منطقة شمال غزة وحتى الحدود مع إسرائيل، من مواقع الصواريخ. ومن معبر نحال عوز، اندفع اللواء 7643 الآلي، ومعه كتيبة دبابات وكتيبة مظلات.

(ب) الاتجاه الأوسط: من معبر كارني، في اتجاه نيتساريم؛ ومعبر كيسوفيم، في اتجاه دير البلح، حيث اندفع اللواء جفعاتي الآلي، وكتيبة دبابات من اللواء 401 المدرع، بمهمة حصار المدن والمخيمات، في وسط القطاع، والسيطرة عليها؛ وهي: دير البلح، والبريج، والنصيرات، والعجين.

(ج) الاتجاه الجنوبي: كان التحرك من خلال محورَين:

·   الأول في اتجاه عيسان ـ خان يونس، بقوة جماعة قتال من اللواء جفعاتي.

·   الثاني في اتجاه رفح ـ محور فلادلفي، بقوة اللواء 6643 الآلي، ومعه سرية مظلات، وسرية دبابات.

(6) رأى الجيش الإسرائيلي، أن أعماله، في هذه المرحلة، ناجحة جداً؛ فخسائره لم تتجاوز 8 قتلى، من الضباط والجنود؛ مقابل ما يزيد على 700 فلسطيني.

ج. المرحلة الثالثة: حرب استنزاف وتمدد عملياتي

(1) من 6 إلى 17 يناير 2009.

(2) ترددت القيادة الإسرائيلية في توسعة الحرب، خلال هذه المرحلة؛ خشية الخسائر المرتفعة، في المناطق السكنية. فلم تنفذ أيّ أعمال قتال رئيسية؛ مكتفية بعدة معارك صغيرة؛ ولكنها أفرطت في القوة النيرانية، وخاصة بعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة، في 6 يناير، واتخاذها قرار إيقاف تنفيذ المرحلة الثالثة من العملية البرية، للسيطرة على وسط القطاع وجنوبيه، ودخول المناطق السكنية مع استمرار العمليات.

(3) تضمنت المرحلة دفع ما يراوح بين لواءَين و3 ألوية إضافية، ليراوح الإجمالي بين 6 و8 ألوية مقاتلة، داخل قطاع غزة. تحاول الانتشار فيه، وحصار محافظاته الجنوبية، والسيطرة على الأحياء الخارجية (الضواحي) لمدن غزة وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

(4) استمرت أعمال القتال، شمالي قطاع غزة؛ لاستنزاف الحكومة الفلسطينية، في ظروف تحرمها تعويض الإمداد اللوجستي. كما استهدفت تعزيز نجاح المعارك الصغيرة بالتمدد العملياتي؛ لاكتساب أرض سكنية محدودة بعشرات الأمتار. وتمكنت بهذا الأسلوب من السيطرة على الضواحي: الجنوبية والشرقية، لمدينة غزة؛ والشمالية الشرقية، لمدينة جباليا؛ والشمالية الغربية، لبيت لاهيا؛ وإحكام السيطرة على بيت حانون.

(5) أمّا في وسط قطاع غزة وجنوبيه، فكانت معارك محدودة، يمكن وصفها بالإغارات المسلحة؛ ثم الانسحاب. وكان أبرزها:

(أ) الانطلاق من قاعدة، في ميدان الشهداء (نتساريم)، والهجوم على النصيرات، في 11 يناير؛ ثم الانسحاب. وهجوم آخر في اتجاه المفراقة، غرب دير البلح، في 17 يناير 2009.

(ب) الانطلاق من قاعدة، في منطقة معبر كيسوفيم، والهجوم على قرية القرارة، شمال خان يونس، في 6 يناير، بدعم من طائرات F-16 ، وطائرات الأباتشي العمودية. وأمكن الوصول إلى قرية عبسان الصغيرة، شمال شرق خان يونس. وفشل تقدم رتل مدرع، 20 دبابة وآلية، غرب كيسوفيم 300متر، يوم 8/9 يناير 2009.

(ج) الانطلاق من معبر صوفيا (العودة) إلى مشارف مطار ياسر عرفات، جنوب رفح، في 10 يناير. ورتل آخر وصل شرق رفح وجنوبها، في 10 يناير. وتوغل جماعة قتال في اتجاه خزاعة، شرق خان يونس، في 13 يناير.

(6) فشل عدة عمليات إبرار بحري للقوات الخاصة، على ساحل دير البلح، في 6 و14 يناير.

(7) سيطرت البحرية الإسرائيلية على الطريق الساحلي، في قطاع غزة كلّه، ومنع جميع التحركات عليه، حتى الفردية.

(8) من العمليات المثيرة للجدل حجْب القوات الإسرائيلية مدينة غزة كلّها بستارة دخان كثيفة، سعت 1800، في 14 يناير، طيلة ساعة تقريباً. وقد يكون هدفها ستر تسلل القوات الخاصة، أو المستعربين الإسرائيليين، إلى داخل مدينة غزة، حيث اغتيل القيادي في حركة "حماس"، سعيد صيام؛ إضافة إلى مقتل رئيس الاستخبارات في الحركة، في 15 يناير، إثر غارة جوية. وأعلنت إسرائيل أن وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، شاركتا في العملية (اُنظر خريطة أعمال القتال في شمال ووسط قطاع غزة) و(خريطة أعمال القتال جنوب قطاع غزة).

(9) نتيجة هذه المرحلة، تبلور الخلاف، داخل حكومة إسرائيل، على النحو الذي بدا في تصريح رئيسها، أولمرت، إذ قال إنه يرى استمرار العمليات البرية حتى تُحقق أهدافها؛ وقول وزير الدفاع، باراك الذي رأى إن الحرب حققت أهدافها، ولذلك ينبغي إيقافها؛ وقول وزيرة الخارجية، ليفني، إنه يجب إيقاف الحرب، لأسباب أخرى، تتعلق برؤية الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الغربيين. إلا أن ذلك يجب أن يكون من جانب إسرائيل فقط، أيْ من طرف واحد، ومن دون أيّ اتفاق مكتوب مع "حماس"؛ وذلك حتى تبقى أيدي إسرائيل طليقة في إمكانية معاقبة الحركة مرة أخرى، في حالة تصميمها على مواصلة إطلاق الصواريخ، بحيث تصبح مثل حزب الله، فاقدة للرغبة في ذلك الإطلاق.

(10) أظهرت تحليلات الخبراء العسكريين بطء المعركة، خلال هذه المرحلة؛ وتكبُّد القوات البرية أضراراً، لم تعهدها العسكرية الإسرائيلية، من قبل، في مثل هذه المعارك، التي تُعد من جانب واحد.

(11) حرصت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على حث الوحدات المقاتلة، في الميدان، على اعتقال أكبر عدد ممكن من مقاتلي "حماس"؛ لاستجوابهم، ولا سيما حول تكتيكات الحركة الدفاعية والتعرضية، وأماكن الأشراك والألغام، والأماكن المفخخة، ومواقع الصواريخ، ومراكز القيادة والسيطرة تحت الأرض، وأماكن اختفاء قادة "حماس": السياسيين والعسكريين.