إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)




نتائج قصف صاروخ القسام
مجزرة السبت الأسود
معبر رفح البري
انصهار القذائف الفسفورية
شاحنات تحمل الفولاذ المقسم
قادة قمة الكويت

أسلوب القتال في المناطق السكنية

مناطق رماية صواريخ المقاومة
أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009
أعمال القتال جنوب قطاع غزة
أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة
قطاع غزة



الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة

المبحث الثالث

إدارة الحرب على غزة

أولاً: أبرز أساليب القتال الإسرائيلية

1. حرب الاستنزاف

دفْع جماعة قتال مترجلة، تراوح بين 6 و8 جنود، تدعمها، أحياناً، دبابة وآلية مدرعة أو اثنتان، إلى المناطق السكنية، حيث تشتبك مع المقاومة الفلسطينية، مدة محدودة. ثم تنسحب، لتتولى نيران المدفعية والطيران الكثيفة إبادة تلك المناطق. ثم تتقدم القوة الرئيسية؛ فإن واجهتها نيران للمقاومة الفلسطينية، ولو محدودة، تنسحب، لتكرر عملية النيران الكثيفة (اُنظر شكل أسلوب القتال في المناطق السكنية).

2. التمدد العملياتي

أ. نجاح استنزاف المقاومة وإسكات نيرانها، يليه الاندفاع إلى أرض جديدة، والمسارعة في هدم منازلها وتجريف أرضها بالجرافات الإسرائيلية؛ لإجراء تقدم بطيء وحذر، يُقاس، أحياناً، بالأمتار.

ب. استغلال النجاح التكتي لغير جماعة قتال، في غير طريق؛ وتوسيعه ليكون نجاحاً تعبوياً في محور التقدم.

3. العمليات "الجراحية"

هجمات برية، تبدأ بإغارة المقاتلات والطائرات العمودية من نوع أباتشي، على المنطقة أو الهدف المعني. يلي ذلك إنزال القوات الخاصة من الطائرات العمودية الاقتحامية، بالقرب من الهدف، والهجوم عليه من عدة جهات؛ لتشتيت جهود حُماته، وتضليلهم عن اتجاه الهجوم الرئيسي. والاتجاه الأكثر نجاحاً، تُدفع منه القوات المدرعة، التي تراوح بين 40 و60 مركبة، للحاق بالقوات الخاصة، ومساعدتها على معركتها للسيطرة على الهدف واستكمال احتلاله. ويواكب ذلك قطع للاتصالات الإلكترونية بين فصائل "حماس"، واصطياد قياداتها: العسكرية والمدنية، فور خروجهم من تحصيناتهم، ووشاية العملاء بهم.

4. أساليب أخرى

أ. استخدام ذخائر جديدة، وبأساليب مبتكرة. ومنها "قنابل غاز" غير معروفة، تنتج غازاً ذا رائحة كريهة، ونتنة، تسبب الاختناق وحريقة في العيون؛ لدفع المدنيين والمسلحين إلى الخروج من مساكنهم، فاعتقالهم، أو لحمل المقاومين على مغادرة أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض. وأكد ذلك ضحاياها تلك الذخائر في مخيم جباليا، حيث استهدفتهم في 9 يناير 2009. وكانت إسرائيل قد أعلنت هذا السلاح، في 3 أكتوبر 2008. وهو مدفع مائي، يرش مكونات كيماوية ذات رائحة نتنة، باسم: "سكونك". وتترك أثاراً في الجسم مدة ثلاثة أيام. واستخدامه الأساسي هو في مواجهة أعمال الشغب الفلسطينية.

ب. اتخاذ الفلسطينيين دروعاً بشرية؛ وذلك باحتلال القوات الإسرائيلية الطبقات العليا من المنازل، والتترس بها؛ وحشر سكانها المدنيين في الطبقات السفلى.

ج. اتصال الاستخبارات الإسرائيلية بفلسطينيين في قطاع غزة، ومحادثتهم بلغة عربية سليمة، وادعاء المتصلين بأنهم متعاطفون عرب (مصريون وسعوديون وأردنيون وليبيون). وبعد التعبير عن فزعهم من الحرب الإسرائيلية، والسؤال عن أحوال الأسرة، يسأل المتصلون عن الأوضاع المحلية، ومدى ولاء المتصَل بهم لحركة "حماس". ويستفسرون عن وجود مقاتلين في المبنى أو في المنطقة. فإذا كان الرد إيجابياً، توجَّه الطائرات الإسرائيلية، بأنواعها طبقاً لطبيعة الهدف، من الفور إلى الإغارة عليه.

د. اقتحام المواقع من اتجاهات غير متوقعة، وليس بالضرورة أن تكون أفضل الاتجاهات وأسهلها، ولكنها ليست في حسبان "حماس"؛ فبارت كمائنها، التي كانت مجهزة في اتجاهات التقدم التقليدية؛ وتكاثر قتلاها، وأُسر بعض مقاتليها.

هـ. الهجوم على المباني واقتحامها بأساليب غير مألوفة، مثل الإنزال الجوي على سطوحها، ثم الهجوم على طبقاتها العليا فالسفلى. وهو ما لم تتوقعه "حماس"، إذ تشددت في حراسة المداخل. وإن صعُب الاقتحام من الطبقات العليا، تُستدعى إحدى الدبابات لتدمير المبنى كلّه، مثلما حدث في حي السلاطين.

و. استخدام الروبوت (باك بوتس)، وهو نظام أمريكي، يساعد القوات، في المناطق الكثيرة المباني، على المراقبة واكتشاف أهداف العدو والتعامل الفردي معها قبل التورط في عمليات قتالية. وهو مسلح بمجسات وأسلحة يمكنها أن تمثل خطراً على الجنود، وخاصة في الشوارع الضيقة. بعض هذه الروبوتات مجهز بكاميرا صغيرة، تنقل صور الأهداف المعادية، المختبئة داخل المباني، إلى القوات الرئيسية المتجهة إلى هدف معين؛ فيستهدف قبل هجومها عليه. وبعض الروبوتات يطلق نيراناً، تستدرج نيران المدافعين داخل المبنى؛ فتعرف أماكنهم، ثم تضرب بالأسلحة التقليدية، قبل الهجوم عليها. استُخدم هذا الروبوت في ضواحي مدينة غزة، مثل حي الزيتون. وقد عزت الوكالة الروسية محدودية خسائر إسرائيل، في الحرب على قطاع غزة، إلى حرص تل أبيب على تزويد جيشها بالعتاد التقني المتطور.

ثانياً: استخدام الأسلحة والوسائل الأخرى

1. الذخائر المحرمة دولياً

أ. جعلت القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض سلاح قتل، وليس سلاحاً معاوناً للإضاءة، أو لإنتاج ستائر الدخان. وكلّ قذيفة، تنشظى 160 قطعة، تلتهب لدى تعرضها لأكسجين الجو. وتراوح حرارتها بين450 و900 درجة مئوية، وتغطي مساحة 800 م2. واسم العملية الإسرائيلية: "الرصاص المصبوب"، مأخوذ من انصهار القذائف الفسفورية، وهي ملتهبة، وساقطة من الجو. وأسفر عن هذا النوع من الذخائر حروق من الدرجة الأولى، في العديد من المدنيين (اُنظر صورة انصهار القذائف الفسفورية).

ب. ذخائر الطائرات والمدفعية الإسرائيليتَين التي يدخل في تصنيعها اليورانيوم المنضب، وخاصة ذخائر التحصينات، من نوع GBU 28, 39.

ج. استخدام ذخائر محرمة دولياً، وغامضة. وهي من الذخائر المميتة. وتُسمَّى: D.I.M.E، اختصاراً لعبارة متفجرات المعدن الخامل ذات الكثافة العالية. وتزن القنبلة 250 رطلاً. وما زالت في مرحلة التجارب الأمريكية. ما إن تصدم القنبلة الأرض حتى تنفجر، وتحدث تفاعلاً كيماوياً، ينتج موجة ضغط وحرارة وتناثر شظايا المعدن الخامل الدقيقة جداً (تونجستورم). تخترق الشظايا الأجسام البشرية، فتحدث قطعاً في الأنسجة الداخلية والعظام. وتسبب نزفاً داخلياً. وتصيب بسرطان الدم. وتؤدي إلى الوفاة. وكلّ ذلك رصده الأطباء الأجانب، في مستشفيات غزة.

د. أسلحة التفجير الحجمي (VDW)

وتُسمَّى: أسلحة موجات الضغط Volume Detonating Weapons (VDW)، أو متفجرات الوقود الغازي، إذ تنفجر سحابة الغاز، فور ملامستها الهواء.

تعتمد فكرة هذا السلاح على إطلاق سحابة من ذرات الوقود، بعد تحويله إلى غاز، أو تكوين سحابة من ذرات مواد معينة عالية الطاقة، مثل غاز أكسيد الإثيلين أو أكسيد البروبيلين، ومخالطتها الهواء الجوي. وما إن تصبح نسبة الغاز إلى الأكسجين ملائمة، حتى يشتعل الخليط، بواسطة مفجر، فيحدث انفجار، يولد موجات من الضغط، تنتشر من مركز الاشتعال، في دوائر، تنبعث منها كتلة حرارة، تناهز 1000 درجة مئوية، ضد جميع الأهداف، على اختلاف أنواعها. وحجم التدمير الناتج، يفوق ما يماثله من مادة TNT بنحو خمس مرات.

هـ. قنبلة اختراق التحصينات Bunker – Buster

حصلت إسرائيل على نحو 1000 قنبلة من هذا النوع، من الولايات المتحدة الأمريكية، قبل عدة أشهر من العدوان على قطاع غزة. تُسمَّى القنبلة: GBU-39. وزنتها 250 رطلاً. وهي مخصصة لاختراق التحصينات، تحت الأرض، وبخاصة الأنفاق، إذ تنفُذ في ثلاثة أمتار من الأسمنت المسلح إلى عشرين متراً (أيْ زهاء ثلاث طبقات). ويبلغ طولها 1.8 م، وقطرها 200 مم. وتحمل رأساً مدمراً، زنته 95 كجم.

يوجهها، في مرحلة الإطلاق الأولى، نظام ملاحي ذاتي. يعاونه نظام ملاحي فضائي، في المرحلة التالية؛ ما يحقق إصابة، لا يتعدى اختلال دقتها متراً واحداً. وهي تُطلق من المقاتلات F-15 وF-16، التي تحمل كلّ منها زهاء 15 قنبلة. ويمكن إطلاقها من مدى 100 كم.

و. القذائف المسمارية

تُطلِق هذه القذائف المدفعية والدبابات. وتتشظى كلّ منها نحو 5000 شظية مدببة الرأس، بحجم مسمار، طوله 3 سم، وقطره 2 مم. تنتشر بشكل دائري في مسافة 100 م طولاً. يكمن خطرها في افتقارها إلى الدقة؛ ما يتهدد المدنيين.

2. استخدم المدفعية والصواريخ

استخدمت القوات الإسرائيلية المدفعية والصواريخ، بجميع أنواعها، استخداماً مكثفاً، وعشوائياً، في تطهير مناطق من العبوات الناسفة والألغام والأنفاق والمخابئ الفلسطينية؛ إضافة إلى تدمير المنازل قبل تقدم القوات الرئيسية، على جميع المحاور. واستخدمت المدفعية عيار 155 مم، وذخائر فسفورية، كانت تحمل رمز (M825A1)، الأمريكية الصنع.

3. استخدام الأسلحة والمعدات

أ. حاملة الجند المدرعة، "نامير"

تلافى الجيش الإسرائيلي الضعف في الدبابة ميركافا، وخاصة في بطنها، والتي سبق أن دمر منها حزب الله عدة دبابات، في حرب لبنان، صيف 2006، باستخدامه، أثناء الحرب على قطاع غزة، المدرعة الجديدة، المتطورة، "نامير".

فقد استغنت المدرعة "نامير" عن برج الميركافا، وأبقت على شاسيتها؛ ما قلّل الوزن، وزاد من خفة الحركة والقدرة على المناورة. واستبدل بالسلاح الرئيسي للميركافا رشاش متوسط، نصف بوصة؛ فأمست مركبة قتال مدرعة، خفيفة، تحمل عشرة جنود مشاة، قادرين، عند اللزوم، على مغادرتها، لاقتحام المواقع المعادية؛ مستغلين مميزات الدبابة ميركافا، ولا سيما الحماية، ونظام الإطفاء الآلي، ومقاومة أسلحة التدمير الشامل، ونظام الرؤية الليلية.

ب. الرادار "هامر"

أمكن حزب الله، في حرب لبنان، عام 2006، التنصت لاتصالات القيادة الشمالية الإسرائيلية ووحداتها؛ فوقف على تحركاتها؛ ما أعانه على الكمون لها، حيث كبدها خسائر كبيرة. وقد تجنب الجيش الإسرائيلي هذا المصير بتطوير رادار، سُمِّي: "هامر"، يمكنه الاتصال بالأقمار الصناعية، والتشويش على وسائل الاتصالات كتشويش على اتصال رئيس الجناح السياسي في "حماس"، الذي اعترف بذلك التشويش، الذي قطع مكالماته. كما نجح في التشويش على إذاعة الحركة. وأفسد الاتصالات بين قيادتها الرئيسية وقياداتها الفرعية.

ج. نظام حماية الدبابة ميركافا – 4 (TROPHY)

خسائر المدرعات الإسرائيلية، في جنوبي لبنان، صيف 2006، والناجمة عن استخدام حزب الله الصواريخ الموجهة، المضادة للدبابات، مثل كورنيت، ذي الحشوة المزدوجة ـ حملت الصناعات الحربية الإسرائيلية IMI، على تطوير منظومة، أسمتها: تروفي TROPHY، توفر حماية ذاتية للدبابة ميركافا من الصواريخ المضادة للدبابات.

تتكون المنظومة من رادار كشف وإنذار، يغطي الدبابة في جميع الاتجاهات، وينذر باقتراب أيّ مقذوف مضاد، معادي. وهو موصول آلياً بقواذف، على جانبَي الدبابة (دروع انفعالية)، تُطلق مقذوفات تتشظى، لتحيط شظاياها بمسار الصاروخ المضاد للدبابات، وتدمره قبل أن يصل إلى درع الدبابة.

4. سلاح المهندسين

استخدمت إسرائيل المعدات الهندسية، وخاصة الجرافات، استخداماً لافتاً، جعلها داعماً أساسياً للقوات المقاتلة. فمنها ما هو خاص بهدم المنازل، وإزالة الأشجار والمزروعات والأحراج؛ وأنواع أخرى، تشق طرقات جديدة، لتلافي الألغام والعبوات الناسفة، على المدقات والطرق؛ إضافة إلى الدقاقات الخاصة بتطهير طرقات التقدم من ألغام المقاومة الفلسطينية.

5. العمليات النفسية

أ. عمدت إسرائيل، يومياً، خلال الحرب، إلى إسقاط المنشورات من الطائرات؛ إضافة إلى الرسائل الإلكترونية، عبْر الإنترنت والهاتف النقال. وكانت تدعو فيها الفلسطينيين إلى عدم التعاون مع المقاومة، وأن يشوا بالمقاومين، من خلال الاتصال بهاتف إسرائيلي، حددته لهم؛ وطمأنتهم إلى أن البلاغات والمعلومات، ستكون سرية. كما دعت منشورات أخرى إلى إخلاء المنازل، وخاصة في رفح الفلسطينية، قبل الإغارة الجوية عليها.

ب. سعى المتحدثون ووزارة الدفاع إلى إضعاف معنويات المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

ج. أفرطت القوات الإسرائيلية في إطلاق النيران على المقاومة والمدنيين الفلسطينيين؛ لتثبيط المقاومين، وتكوين رأي عام فلسطيني وعربي ضاغط، لتحميل المقاومة مسؤولية الخسائر: المادية والبشرية، في قطاع غزة.

د. اخترق الجيش الإسرائيلي تردد فضائية "الأقصى"؛ التابعة لحركة "حماس". وبث مواد دعائية، تناوئ الحركة، وتزري بقادتها، وخاصة الدكتور "الزهار"، الذي اتهمته بالجبن والاختباء، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه غزة للنيران. وفي محاولة لتقنيط مشاهدي الفضائية المذكورة، عرضت إحدى المواد الدعائية صورة كرتونية لأحد مقاتلي "حماس"، وهو يرتجف خوفاً، ويفر من ساحة المعركة.

هـ. حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على تضخيم قدرات الاستخبارات والقوات الخاصة الإسرائيليتَين على اصطياد قادة بارزين في "حماس"، مثل: الريان وصيام. لا، بل ادعت أنهما قادرتان على الوصول إلى كلّ قياداتها: السياسية والعسكرية. كما نوهت بعجز "حماس" عن أسر جندي إسرائيلي واحد، خلال هذه الحرب.

و. اخترق الجيش الإسرائيلي بث إذاعة "صوت الأقصى"، التابعة لحركة "حماس"، وأذاع عبْرها مواد دعائية، تصف الحركة بأنها حركة إرهابية، لا تبالي بمصلحة الشعب الفلسطيني؛ وإنما هي أداة في يد إيران، تنفذ ما تمليه طهران ودمشق؛ لا، بل أمست ذراعاً إيرانية، في قطاع غزة.

ز. منح التليفزيون والإذاعة الإسرائيليان، الناطقان باللغة العربية، معلقين هوداً، يجيدون اللغة العربية، فرصة الإخصاص بحركة "حماس"، واتهام قيادتها بأنها تتخذ من ملجأ تحت مستشفى دار الشفاء، في غزة، ملجأ لها؛ لا، بل إن بعض قادتها، هربوا إلى مصر؛ والبعض الآخر، يختبئ في مقار بعثات دبلوماسية.

ح. حمل الجيش الإسرائيلي على "حماس"، قبل بدء الحرب، حملة نفسية عارمة، أوحت بأن الحركة، لا تقلّ قوة عن "حزب الله"؛ وأن مقاتليها، الذين تدربوا في إيران، يتحفزون لمواجهة الجيش الإسرائيلي، وهم مزودون بمنظومات دفاعية متينة. هذه التقارير، التي نفخت في أنف "حماس"، كانت مبرراً، أمام الرأي العام المحلي والعالمي، ليستخدم ذلك الجيش آلته الحربية بأقصى طاقتها في مواجهة الحركة؛ وليفاخر بعد انتهاء الحرب، بالقول: "لم نعد ذلك الجيش، الذي فقد هيبته في حرب لبنان؛ لتكتمل صورة النصر ونشوته".

ثالثاً: الأخطاء الإسرائيلية، في الحرب

1. تواني إسرائيل في مراعاة دروس حرب لبنان، صيف 2006؛ على الرغم من أن الحرب على قطاع غزة نسخة فلسطينية من الحرب على حزب الله؛ ونسخة مكررة، أهدافاً وقوة نيران، من عملية "أمطار الصيف الإسرائيلية" على قطاع غزة، عام 2006، وعملية "الشتاء الساخن" الإسرائيلية عليه كذلك، في مارس 2008. وهو أمر، أكده وزير إسرائيلي سابق، إذ قال، في 13 ديسمبر 2008، إن إسرائيل أغفلت دروس حرب لبنان، على أكثر من صعيد. وإن عدو باراك الفعلي، ليس "حماس"؛ وإنما ذاكرة العام 2006. إلا أن الجانب الإسرائيلي، لم يستوعب درس صعوبة القضاء على المقاومة بالقوة العسكرية؛ وأن الإفراط في القتل والتدمير، يزيد تأييدها، في الداخل والخارج؛ كما يشحذ تصميمها على الممانعة، لاعتمادها على ثقافة الجهاد.

2. فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهداف الحرب. وما إعلان إسرائيل نجاحها في تحقيق تلك الأهداف، إلا دعاية، اقتضتها عوامل مختلفة. فقد استمرت المقاومة الفلسطينية في إطلاق الصواريخ، بعد انتهاء الحرب. كما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في 20 يناير 2009، أن "حماس"، ما زالت تملك مخزوناً صاروخياً، يُقدر بنحو 1200 صاروخ. وكشف، في فبراير 2009، أنها تملك 70 طناً من المتفجرات. كما اعترفت الجرائد البريطانية، في 18 يناير 2009، بأن الحرب الإسرائيلية، جاءت بلا هدف. وانتهت إلى هزيمة أخلاقية.

3. الغلو في استخدام القوة العسكرية والنيرانية، في مواجهة مقاومين، أسلحتهم خفيفة، وينتشرون، أحياناً، وسط المدنيين. وتغاضي القوات الإسرائيلية عن التمييز بين هؤلاء وأولئك، خلال القتال البري، والغارات الجوية والمدفعية؛ على الرغم من إعلان تغيير قواعد الاشتباك، في مرحلة الهجوم البري على المناطق السكنية؛ لتستهدف عند الارتياب فقط، تجنباً لتعريض حياة الجنود للخطر.

4. ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باعتراف المنظمات الدولية: الرسمية وغير الرسمية، باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، والإفراط في قتل المدنيين. والتدمير الشامل لقطاع غزة، وارتكاب العديد من المجازر، شوها صورة إسرائيل، أمام المجتمع الدولي؛ ما اضطرها، بعد الحرب، إلى تكوين فريق خاص، يضطلع بحملة دبلوماسية وإعلامية دولية، تحسّن تلك الصورة.

5. تخطيط إسرائيل، تركز في إشعال الحرب على قطاع غزة، ولم يطاول إطفاءها. فقد أشار معظم التقارير الرسمية إلى ارتباك القيادات الإسرائيلية، بعد أسبوع من الهجوم البري، في توسعة الحرب من عدمها؛ فأمست العمليات عشوائية، وتكتية، اقتصرت على القتل، وتدمير أحياء سكنية فلسطينية كاملة. كما أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحرب، في 17 يناير 2009 إيقافاً غير مبرر، ومفاجئاً؛ بل مناقضاً للسياسة والأسلوب الإسرائيليَّين؛ إذ إن المقاومة الفلسطينية، لم تغير أداءها تغييراً جوهرياً، على المستويَين: السياسي والعسكري.

6. فشل معظم عمليات الإبرار البحري لوحدات قوات خاصة بحرية، على سواحل قطاع غزة.

7. انخراط الجيش الإسرائيلي في الحرب، قبل اكتمال إعداده، طبقاً للخطة الخمسية لتسليح الجيش، التي تنتهي عام 2012، وخاصة تطوير دروع الدبابة ميركافا 4؛ وزيادة أعداد القوات الخاصة، لمقاومة حرب العصابات؛ وتطوير ذخائر المدفعية عيار 155 مم، لزيادة دقة الإصابة.

8. استخدام إسرائيل ذخائر محرمة دولياً، مثل قنابل الفسفور الأبيض، التي تسبب نزفاً داخلياً وجروحاً وكسر عظمة الفك؛ كما تحدث حروقاً في الجلد، وتفسد الكبد والقلب والكُلى، بما يؤدي إلى الموت نتيجة إنتاج غازات حارقة. وكذلك قنابل دايم (DIME)، التي تندرج في الأسلحة غير التقليدية، الأقرب إلى أسلحة التدمير الشامل، والتي تُسمَّى: "السلاح اللغز"؛ واسمها اختصار لعبارة متفجرات المعدن الخامل ذات الكثافة العالية Dens Inert Metal Explosives . زِد على ذلك القنابل الارتجاجية لأسلحة التفجير الحجمي، والتي تُعرف باسم: Volume Detonating Weapons (VDW)؛ وقد استخدمت في حرب "عاصفة الصحراء"؛ وهي محرمة دولياً. وكذلك القذائف المسمارية، التي تتشظى الواحدة منها 5000 شظية مدببة الرأس، تخترق جسم الإنسان؛ وهي مشابهة للذخائر "دم دم" المحرمة دولياً.