إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)




نتائج قصف صاروخ القسام
مجزرة السبت الأسود
معبر رفح البري
انصهار القذائف الفسفورية
شاحنات تحمل الفولاذ المقسم
قادة قمة الكويت

أسلوب القتال في المناطق السكنية

مناطق رماية صواريخ المقاومة
أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009
أعمال القتال جنوب قطاع غزة
أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة
قطاع غزة



الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة

المبحث الرابع

المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة

المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة، أجنحة عسكرية لتنظيمات سياسية متعددة، يغلب عليها الطابع الإسلامي، وبدرجات متفاوتة من التشدد الديني. ويجب ألاّ يختزل نشاط المقاومة في حركة "حماس" وحدها، إذ شاركتها في الحرب جميع التنظيمات الفلسطينية، بما فيها جماعات تابعة لحركة "فتح"، إلا أن "حماس"، تحوز قسطاً كبيراً من الاهتمام السياسي والإعلامي؛ لأنها القوة الكبرى على الساحة الفلسطينية.

وخلال الحرب، تحول بعض التنظيمات الفلسطينية، من تنظيمات مدنية مقاومة، إلى تنظيمات شبه عسكرية، وإن كانت أقرب إلى الجيش النظامي، بما تملكه من تنظيم وتسليح وقدرات لوجستية. كما أحاطت بنفسها سرية عالية وكتماناً شديداً.

أولاً: القدرات التنظيمية للمقاومة

تكتم المقاومة الفلسطينية عديد قواتها. ولكن بعض المصادر الإسرائيلية، التابعة لجهات أمنية، تقدر أن حركة "حماس" تنتظم 20 ألف مسلح. منهم نحو عشرة آلاف، ينضوون إلى كتائب عز الدين القسام؛ وخمسة آلاف، ينضمون إلى الأجهزة الأمنية؛ والباقون ينتمون إلى تنظيمات فلسطينية صغيرة، متعاونة بقوة مع "حماس". بيد أن تلك التقديرات، ليست إلا تكهنات، تفتقد العِلمية. أمّا أحد مسؤولي "حماس"، فقد أعلن، في 3 أغسطس 2008، بأنها تحتضن 30 ألف رجل في الأجهزة الأمنية، و15 ألفاً في كتائب القسام.

يجتمع، في قطاع غزة، نحو 18 تنظيماً مسلحاً. أبرزها كتائب الشهيد عز الدين القسام، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية، "حماس". أمّا حركة "فتح"، فلها ثماني أذرع عسكرية، من أبرزها كتائب شهداء الأقصى. وكتائب الشهيد أحمد أبو الريش. وكتائب المجاهدين. وحركة الجهاد الإسلامي، يتبعها سرايا القدس. وكتائب أبو علي مصطفى. وكتائب الشهيد جهاد جبريل، تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة". وكتائب المقاومة الوطنية، التابعة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. وألوية الناصر صلاح الدين، التابعة للجان المقاومة الشعبية. وسرايا النضال والعودة، التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكتائب أبو العباس، التابعة لجبهة التحرير الفلسطينية. أضف إلى ذلك بعض التنظيمات الفلسطينية، القريبة من تنظيم "القاعدة"، مثل: جيش الإسلام، وجيش الأمة، وجماعة المرابطين.

تنظم المقاومة قواتها أجنحة، بقيادات خاصة، مثل: المشاة، والقوات الخاصة، والأمن، والاستخبارات، والهندسة الميدانية، والمدفعية، والصواريخ، والاتصالات، وتصنيع أسلحة وصيانتها، وتنسيق التهريب؛ إضافة إلى الإمداد اللوجستي.

وقد شاركت في أعمال المقاومة الفلسطينية، داخل قطاع غزة، التنظيمات الآتية:

1. الجناح العسكري لحركة "حماس" (كتائب عز الدين القسام)

تتكون من ستة ألوية. قوام كلّ منها 1800 مقاتل. ينتظمهم بالتساوي ما يراوح بين 4 و5 كتائب. ويراوح عماد الكتيبة بين 4 و5 سرايا، تضم كلّ منها 72 مقاتلاً، تتوزعهم بالتساوي ثلاث فصائل. وتتكون الفصيلة من ثلاث جماعات، ملاك كلّ منها ثمانية مقاتلين.

2. الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس): نحو 3000 مقاتل.

3. الجناح العسكري لحركة "فتح" (شهداء الأقصى): زهاء 2000 مقاتل.

4. القوة التنفيذية (الشرطة): تناهز 6000 مقاتل.

5. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: 500 شخص.

6. الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية: 1000 مقاتل.

7. لجان المقاومة الشعبية (ألوية الناصر صلاح الدين): 500 شخص.

8. استشهاديون:

يقارب عددهم 200 شخص. يكونون خلايا نائمة، داخل إسرائيل. وهم مستعدون لتنفيذ مهام انتحارية، في المدن الإسرائيلية، بتعليمات من "حماس".

تعمل التنظيمات الفلسطينية المسلحة كلّ على حدة. وقلّما تتشارك في عمل ما، والتعاون بينها محدود؛ على الرغم من وجود مجلس للتنسيق المشترك. وينقسم عمل التنظيم العسكري بين جماعات صغيرة وأخرى صغرى؛ لكلّ منها اسم رمزي. كما تنتشر التنظيمات في القطاع بأسلوب "مسؤولية المناطق"، أيْ تحديد نطاق مسؤولية للحماية والتأمين والدفاع لكلّ تنظيم مسلح، ينفرد بالاضطلاع بها، وأحياناً تشاركه تنظيمات أخرى. وفي بعض الحالات، يلتزم نطاق المسؤولية المناطق السكنية للتنظيم وعائلات أتباعه، ليتحول الدفاع هنا عن العائلة والمسكن. وكلّ نطاق مسؤولية، يقسَّم بين قطاعات صغيرة، يقوم على كلّ منها جماعة قتالية، تراوح بين 50 و60 مسلحاً.

ثانياً: القدرات التسليحية للمقاومة

منذ عام 2007، اعتمدت التنظيمات المسلحة في قطاع غزة، ولا سيما حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي، إستراتيجية جديدة لتطوير القدرات التسليحية، قوامها إرسال خبراء إلى الخارج لدراسة تطوير القدرات الصاروخية وتصنيعها بالإمكانيات الذاتية، والأساليب المبتكرة لاستخدامها من تحت الأرض. واستندت كذلك إلى ابتكار أساليب جديدة للتهريب، بالتنسيق مع دول وجهات خارجية، وخاصة إيران وسورية وحزب الله اللبناني والسودان.

تهرّب المقاومة الأسلحة، عبر أنفاق إلى قطاع غزة، سواء الأسلحة التي تتزود بها من المافيا الإسرائيلية، وتلك المستقدمة من الأراضي المصرية. إلا أن الجزء الأكبر من السلاح، تهربه شبكة دولية، من إيران والسودان، داخل حاويات عازلة، تسلَّمها إلى مهربين، في البحر الأبيض المتوسط، يسربونها، في توقيتات محددة، إلى مناطق بالقرب من سواحل القطاع. ويراعى في هذه العملية اتجاه التيارات البحرية وسرعتها؛ إذ إنها هي التي تدفع الحاويات، ليلاً، إلى المناطق الساحلية حيث ينسق التقاطها. وقد تضل الحاويات طريقها، فتبلغ السواحل المصرية، شمالي سيناء، حيث تجرها القوارب، وهي تحت الماء إلى سواحل قطاع غزة؛ ذلك إن لم يعثر عليها حرس السواحل المصري. وتنقلها القوارب، أحياناً، تحت الماء، من السفن مباشرة إلى شواطئ القطاع.

وازدادت المقاومة خبرة بصناعة الصواريخ المحلية، وتطوير تلك المهربة، كصاروخ جراد، الذي بلغ مداها 50 كم، خلال الحرب. وأشار تقرير مركز الزيتونة للدراسات، في بيروت، الصادر في أبريل 2008، أن خبراء كتائب القسام، استخرجوا من روث الحيوانات بعض الغازات والمواد الكيماوية، التي تستخدم في صنع المتفجرات؛ فأحبطوا حظر إسرائيل جميع المواد، التي تدخل في صناعة الصواريخ والقذائف، بما فيها مواد النظافة، ومادة اليوريا، التي تستخدم في الزراعة.

يقتصر تسليح المقاومة على الأسلحة: الخفيفة والمتوسطة؛ وبعض أجهزة الرؤية الليلية؛ وهاونات: خفيفة ومتوسطة، عيارات 60 مم و82 مم و120 مم؛ ورشاشات عيار 14.5 مم. لم يتأتَّ معظمها لحركة "حماس" إلا بعد استيلائها على مخازن سلاح الأجهزة الأمنية، إثر سيطرتها على قطاع غزة، في مايو 2007. أضف إلى ذلك أنواعاً مختلفة من العبوات الناسفة، المضادة للأشخاص والعربات والدبابات؛ وعدداً غير محدد، من الألغام المضادة للدبابات. وأشارت المصادر الإسرائيلية، عام 2007، إلى وجود صواريخ مضادة للطائرات، محمولة على الكتف، في قطاع غزة. ونشرت صوراً لاعتراض أحدها، في أجواء القطاع، طائرة عمودية إسرائيلية، من طراز أباتشي. إلا أنها، في الأغلب، لم تستخدم في الحرب الأخيرة. كما تملك المقاومة أسلحة مضادة للدبابات، مثل RBG (ياسين)، وساجر، والصاروخ BG-29 المزود برأس تاندم ذي العبوة المزدوجة، عيار 107 مم. وتراوح أعدادها بين 500 و800 صاروخ مضاد للدبابات.

ذكرت القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي، في 30 ديسمبر 2008، أن المقاومة خسرت 25% من قدراتها الصاروخية، ولا تزال تملك 2000 صاروخ. وأشارت مصادر أخرى إلى أن المقاومة، تملك نحو 1500 صاروخ، يراوح مداه بين 10 و15 كم؛ إضافة إلى ما يراوح بين 200 و250 صاروخ جراد، عيار 122 مم إيراني، يناهز مداه 45 كم. وأعلنت المصادر الإسرائيلية، أن صواريخ المقاومة، تغطي عمق 40 كم من قطاع غزة؛ وأن واحد من بين كلّ ثمانية إسرائيليين، أي 800 ألف إسرائيلي، أصبحوا في مدى تلك الصواريخ. وتبقى عند المقاومة، بعد وقف إطلاق النار، في 17 يناير 2009، زهاء 1200 صاروخ.

1. الصواريخ المحلية الصنع

أ. تملك "حماس" صواريخ القسام، حتى الجيل الخامس. والجهاد الإسلامي، تملك صواريخ القدس، حتى الجيل السادس. وتملك لجان المقاومة الشعبية صواريخ ناصر، حتى الجيل الرابع. والأذرع المسلحة التابعة لحركة "فتح"، في قطاع غزة، تملك صواريخ أقصى وياسر وكفاح. والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تملك صواريخ صمود. ويراوح مدى الصواريخ المحلية بين 6 و20 كم.

ب. حاولت الفصائل الفلسطينية، في قطاع غزة، نقل تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلى الضفة الغربية؛ إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية، والأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية خيبتا عدة محاولات، عام 2008.

2. الصواريخ المهربة

وهي من نوعَي كاتيوشا وجراد. طُوِّر جزء كبير منها، حتى راوح مداه بين 20 و50 كم. ويأتي أغلبها من إيران.

3. قارب معدل إطلاق الصواريخ، يومياً، خلال الأسبوع الأول 70 صاروخ. وتراجع معدله اليومي إلى 40، خلال الأسبوع الثاني. وراوح بين 20 و25 صاروخاً، كلّ يوم، خلال الأسبوع الأخير من الحرب. فقد أطلقت المقاومة، إذاً، خلال الفترة منذ 27 ديسمبر 2008 حتى 17 يناير 2009، زهاء 1200 صاروخ وقذيفة هاون. أشار البيان الختامي لكتائب عز الدين القسام إلى إطلاق 943 منها. وأعلن بيان الجهاد الإسلامي إطلاق 262. أمّا الجيش الإسرائيلي، فقدرها بنحو 800 فقط.

4. تراوح حمولة الصواريخ الفلسطينية، من المواد المتفجرة، بين 5 و20 كجم. وتأثيرها التدميري محدود، إذ لم تقتل إلا ثلاثة مدنيين إسرائيليين فقط؛ ولذلك، فإن تأثيرها معنوي أكثر من كونه مادياً. وبالحسابات النظرية لمعامل الضرر، فإن النتيجة تقترب من الصفر، باحتساب عدد الصواريخ لكلّ ضحية بشرية إسرائيلية. ويُشار إلى أن معامل الضرر، في حرب يوليه 2006، ناهز 72، أيْ أن كلّ 72 صاروخاً لحزب الله، قتلت مواطناً إسرائيليا.

5. أشار حصاد المقاومة الفلسطينية إلى أنها تصدت للدبابات الإسرائيلية بعدد 98 قذيفة وصاروخاً، وتفجير 79 عبوة ناسفة، وتنفيذ 53 عملية قنص، و12 كميناً مسلحاً، و12 اشتباكاً مسلحاً، وعملية استشهادية واحدة.

6. زعرت الصواريخ الفلسطينية سكان مدن إسرائيل ومستعمراتها، في المنطقة المحيطة بقطاع غزة، بعمق 50 كم؛ فغادروها، لتمسي المدارس، والمؤسسات التجارية، والأنشطة السياحية شلاء. وأشار تقرير لمراسل جريدة "التايمز"، البريطانية، إلى مغادرة 30 – 40% من سكان بئر سبع، البالغ عددهم 186 ألف نسمة؛ وتوجههم إلى إيلات وتل أبيب. وأشارت تقارير أخرى إلى هجرة 50% من سكان المناطق المحيطة بغزة؛ وأن صفارات الإنذار المتكررة، المبشرة بالصواريخ، كان لها أثر نفسي شديد في السكان، وخاصة ليلاً؛ حتى إن بعضهم، حُرموا النوم، طوال ليالي الحرب.

7. أطلقت المقاومة، في 10 يناير 2009، صاروخ جراد مطوراً على قاعدة بلماخيم الجوية. وهي على مسافة 50 كم من غزة، و15 كم من تل أبيب. وفيها مركز قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي الإسرائيلي، ومنظومة صواريخ آرو المضادة للصواريخ، وجزء من نظام الدرع الصاروخي الأمريكي (اُنظر جدول أهم الأهداف التي استخدمتها حماس، والصواريخ والقذائف الموجهة ضدها ) و(خريطة مناطق رماية صواريخ المقاومة).

ثالثاً: التدريب والتأهيل

ينفرد بعض التنظيمات المسلحة، مثل "حماس" و"فتح" والجهاد الإسلامي، بعقد دورات نظرية للمتطوعين. تليها دورات تدريبية عملية ميدانية، تؤهلهم للعمل العسكري، بما فيه اللياقة البدنية. وتعقبها دورات اختصاصية، للتدريب على القواذف والصواريخ، أو الاتصالات أو الهندسة العسكرية. كما يخصص المشاة بدورات متقدمة لتدريبهم على الحرب الدفاعية، والقتال التعطيلي، وحرب العصابات، مثل: الإغارات والكمائن؛ ليصبحوا هم قوة النخبة في القوات الخاصة.

لم تعدم المقاومة ميادين تدريبية مجهزة، مثل حواجز الخماسي العسكري، ولو بدائية؛ وميادين للتدريب على ضرب النار. وجزء كبير منها موجود في شمالي قطاع غزة، رُصد منها 15 ميداناً. أمّا الدورات النظرية، فتُعقد في قاعات المدارس أو الجامعات، أو الجوامع؛ وأحياناً في شقق أو مساكن خاصة.

رابعاً: العقيدة القتالية، والقيادة والسيطرة

اعتنقت حركة "حماس" خاصة، وأجنحة المقاومة الفلسطينية عامة، عقيدة قتالية، قاعدتها هي الإدارة اللامركزية للميدان؛ فخصِّص كلّ قطاع عملياتي بقيادة محلية.

لقد خشيت المقاومة، أن يقدم الجيش الإسرائيلي على قطع طرق المواصلات، وتجزئة القطاع ومنع الانتقال الآمن بين مناطقه؛ فارضاً عليها حصاراً، يحرمها حرية الحركة أو المناورة والانتقال. فاستعدت لذلك، باعتماد مبدأ اللامركزية الميدانية، إذ جعلت لكلّ قطاع عملياتي قيادة مستقلة، وما يكفيه من المقاتلين والدعم اللوجستي، الذي يعينه على البقاء في الميدان محاصراً، مدداً طويلة نسبياً. وقد فوت هذا الأمر على الخصم فرص إسقاط أيّ منطقة محاصرة، من غير قتال. لا، بل اضطر إلى إخلاء بعض المناطق التي دخلها؛ لأنه لم يستطع أن يُجْهِز على كلّ المقاومين فيها، فخشي على نفسه من الخسائر.

وضمت غرفة تنسيق مشترك معظم التنظيمات، في قطاع غزة؛ إلا أن كلاً منها انفرد بإدارة معاركه، طبقاً لنطاق أو منطقة مسؤوليته. بيد أن بعض المعارك، تشارك فيها غير تنظيم، وخاصة شمال شرق غزة، وشرق جباليا. ولكلّ تنظيم كذلك اتصالاته للقيادة والسيطرة، وخاصة حركة "حماس" التي كانت مسيطرة على معدل إطلاق الصواريخ، والمناورة بالمقاتلين من مكان إلى آخر، واستمرار السيطرة على المقاتلين والاتصال بهم، في عمق القوات لإسرائيلية؛ لتكليفهم مهام جديدة أو إضافية. وأكد بعض التقارير، أن الشبكة اللاسلكية للحركة، قد دُمرت، خلال اليومَين الأولَين للحرب؛ إلا أنها استعادت كفاءتها، في اليوم الثالث، في 31 ديسمبر 2008.

فرضت القوة التنفيذية (لواء الشرطة المدنية)، خلال الحرب، سيطرتها على الأوضاع الأمنية، في قطاع غزة؛ على الرغم من النيران الإسرائيلية: البرية والجوية. فجابت دورياتها الشوارع، لتوقيف الجناة، مرتدية الملابس المدنية، وارتدى بعض رجالها، أحياناً، شارات، للدلالة على صفتهم الرسمية. وقد حال ذلك دون النهب، وحدّ من الجرائم.

خامساً: تجهيز مسرح العمليات

1. جغرافية قطاع غزة

يمتد قطاع غزة على شريط مستطيل من الأرض، يناهز طوله 40 كم. أمّا عرضه، فأقصاه في جنوبيه، عند خان يونس ورفح، حيث يبلغ 12 كم؛ وأضيقه عند دير البلح، حيث يبلغ 6 كم. فمساحة القطاع، إذاً، تقدر بزهاء 360 كم2، في جنوبي فلسطين المحتلة.

يبلغ عدد سكان القطاع مليوناً ونصف مليون نسمة. منهم مليون لاجئ، يعيشون في مخيمات، أبرزها: مخيم رفح، ومخيم خان يونس، ومخيم دير البلح، ومخيم النصيرات، ومخيم جباليا، ومخيم الشاطئ.

أهم مدن القطاع هي: رفح، خان يونس، دير البلح، غزة، بيت حانون، بيت لاهيا.

يقسم القطاع بين منطقتَين: شمالية وجنوبية. يراوح عدد سكان أُولاهما بين 800 و900 ألف نسمة. وتضم مناطق بيت حانون، بيت لاهيا، وجباليا؛ وهي الأقرب إلى عمق إسرائيل، ومنها تنطلق صواريخ المنظمات الفلسطينية إلى جنوبي إسرائيل. ويسكن الثانية 400 ألف نسمة. وما بين المنطقتَين معظمه أراضٍ زراعية وبساتين وعدة مخيمات للاجئين.

يفتقر قطاع غزة إلى العمق الإستراتيجي، إذ تطاوله نيران المدفعية والهاونات الإسرائيلية، فكاد يكون مدينة محاصرة. لذلك، يمكن سقوطه، من خلال اقتحامه عسكرياً، واحتلال مدنه، وتدمير مقاومته، ومحاصرته، وحرمانه مقومات الحياة، كالغذاء والماء والدواء والطاقة؛ إضافة إلى الضغط عسكرياً عليه، واستنزاف قواه في الداخل.

يفصل بين مدينتَي رفح: الفلسطينية والمصرية، ممر "فيلادلفي"، الملاصق لحدود مصر، والذي استثار نقاشاً طويلاً، على المستويَين: الإقليمي والدولي، في شأن حفر "حماس" أنفاقاً أسفله؛ لتسريب احتياجات سكان قطاع غزة، لا سيما "حماس"، من مصر إليها.

يقدر طول هذا الممر بنحو 14 كم. ويراوح عرضه بين كيلومتر و3 كم. ويشكل جزءاً من الحدود الدولية، بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. والمنطقة، التي يمر بها الممر الحدودي، فقيرة بمواردها الطبيعية؛ تربتها رملية إلى مختلطة. وتعاني شح المياه، الناجم عن استنزاف إسرائيل المستمر للمياه الجوفية. وهي منطقة شبه مستوية. يتدرج ارتفاعها، من الشمال إلى الجنوب، من صفر، عند سطح البحر الأبيض المتوسط، إلى 90 م، عند التقاء الحدود، بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل.

تقع المنطقة السكنية، التي تضم زهاء 40 ألف فلسطيني، في وسط الشريط الحدودي. وهو ما يمثل مشكلة أمنية كبيرة لإسرائيل، إذا ما سعت إلى السيطرة الكاملة على هذا الشريط الحدودي.

تتركز الأنفاق، التي تشكو منها إسرائيل، في منطقة مكشوفة للجانب المصري - الفلسطيني، يبلغ طولها 4 كم. ومخارج الأنفاق ومداخلها مكشوفة للجميع، وإن كان الفلسطينيون يموهونها، في جانبهم، بالخيام؛ ليخفوا ركام الحفر.

ويتحدد طول النفق وعمقه، حسب المكان وطبيعة الأرض. فيراوح طوله بين 200 و1000 م، وعمقه بين 15 و30 م. أمّا سعة النفق، فهي لا تزيد على مترَين، في الارتفاع والعرض. ويُدعم بعض الأنفاق بمساند خشبية؛ تفادياً لانهيارها.

أمّا منطقة الأنفاق، في الجانب المصري، فهي مفتوحة، وبها أراضٍ زراعية، في الغالب. ويوصل إليها ما يقرب من سبع طرق رئيسية، لا يزيد طولها على 300 م؛ وتحكمها نقاط تفتيش.

بادرت إسرائيل، عشية انسحابها من قطاع غزة، عام 2005 إلى ثَغْر 13 ثغرة في الشريط الحدودي، اندفع الفلسطينيون، من خلالها، إلى الأراضي المصرية. ولكن القوات المشتركة: المصرية والفلسطينية، أغلقت 11 ثغرة منها.

يحد قطاع غزة، من الشمال والشرق، المنطقة الجنوبية من إسرائيل. وأبرز مدنها، في شماله، "أشكلون"، "أشدود"؛ وبعدهما يافا وتل أبيب. وجميع هذه المدن على البحر الأبيض المتوسط. وفي شرقه، مستوطنتا سديروت، ونيتيفوت، وشرقهما مدينة بئر السبع.

وتتاخم مصر جنوبي القطاع، حيث تتصل به محافظة شمالي سيناء، عند مدينة رفح المصرية. أمّا من الغرب، فيطل القطاع على البحر الأبيض المتوسط، حيث المنطقة، التي تقول إسرائيل أنها منطلق لصورايخ "حماس"، والتي تبعد 7 كم عن حدودها الجنوبية.

يخترق قطاع غزة، طولاً، طريق صلاح الدين، الذي يصل شماله بجنوبيه. ويصله بإسرائيل، شمالاً؛ وبمصر، جنوباً. وتتفرع منه طرق عرضية، تصل المدن والمخيمات بعضها ببعض. وتقسم القطاع، عرضاً، بين خمس مناطق يمكن عزل بعضها عن بعض، عسكرياً (كما فعلت إسرائيل في الحرب الأخيرة).

2. التجهيز الهندسي

لم تغفل المقاومة عن إعداد ميدان المعركة، فاعتمدت خطة تجهيز هندسي لأرض العمليات. إلا أنها لم تنفذها، قبل بدء الحرب، في 27 ديسمبر 2008؛ ربما لانخداعها بالتضليل الإسرائيلي. ولم تتداركها إلا في مرحلة لاحقة، بعد بدء الحرب.

شملت الخطة نشر عبوات ناسفة وألغام في محاور التقدم. وإخلاء منازل فلسطينية من سكانها وتجهيزها للنسف بأشراك خداعية. وتجهيز كثير من قواعد إطلاق الصواريخ، تحت الأرض. وإعداد المكامن وملاجئ تحت الأرض؛ يختبئ فيها من سيعملون في عمق القوات الإسرائيلية. واختيار مخابئ محصنة، لتخزين الذخائر والصواريخ. وتجهيز خنادق ومرابض نيران، في بعض المناطق على محاور اقتراب العدو؛ لخدمة القتال التعطيلي؛ إلا أنها كانت محدودة، ولم تظهر إلا في مناطق شرق جباليا.

طالما أعلن الإسرائيليون، أن "حماس" أكثرت من الأنفاق، في مناطق متعددة. بيد أن وقائع الحرب، تنبئ بمبالغتهم؛ إذ إن معارك المقاومة الأساسية، تركزت في ضواحي المناطق السكنية؛ والعمليات في عمق القوات الإسرائيلية، كانت محدودة. وتمكنت القوات البرية الإسرائيلية من الانتشار في 70% من أراضي شمالي قطاع غزة، خلال 48 ساعة؛ وعُوِّقت أمام المناطق السكنية. وربما كانت الأنفاق عديدة، ولا مبالغة في كثرتها؛ وتوافرت للإسرائيليين معلومات مسبقة عنها، بالتصوير الجوي، والعملاء، نتيجة صعوبة إخفائها في الأرض المفتوحة في لقطاع، فدمروها بالنيران الجوية، خلال الأسبوع الأول للحرب.

لئن كانت جغرافية قطاع غزة ملائمة للحرب غير التقليدية وعمليات المقاومة؛ لأنها أرض سهلة مفتوحة، تخلو من الجبال والأودية والغابات، التي تلائم مثل تلك الحرب؛ فإن المقاومة هيأت أرض القطاع لحرب العصابات. فحاولت عرقلة تقدم العدو، إذ استعانت بالحفر والخنادق المموهة والأنفاق.

لكنها لم تتمكن من تنظيم مقاومة فاعلة، تمنع الجيش الإسرائيلي من التقدم، أو تلحق به الخسائر المؤثرة، في أثناء حركته في اتجاه المدن وسائر المباني، حيث الدفاع الأساسي للمقاومة. وقدرت أن مقاومته، في الأرض السهلة المكشوفة، المفتوحة لحركة الدبابات، صعبة؛ وهي غير مؤهلة لذلك. لهذا، اقتصر تصديها للعدو، المتقدم في المناطق الآنفة، على نسف الجسور، أو التلغيم، أو القصف والقنص، من مسافات بعيدة.

سادساً: المعركة الدفاعية

أطلقت المقاومة عليها اسم: "معركة الفرقان".

1. أهداف المقاومة الفلسطينية

أ. من أهم أهداف المقاومة، قبل الحرب وخلالها وبعدها، حرمان إسرائيل تحقيق أهدافها: السياسية والعسكرية، وخاصة القضاء على المقاومة الفلسطينية، في القطاع، بالقوة العسكرية، أو بالقوة الدبلوماسية. كما سعت إلى إحباط جميع الجهود: الدبلوماسية والسياسية، التي تستهدف تحقيق انتصار سياسي لإسرائيل، بعد فشلها في تحقيق نصر عسكري. وهناك مقولة للمقاومة، فحواها: "تربح المقاومة، إذا فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه".

ب. المحافظة على معدلات ثابتة لأعمال القتال، أطول مدة ممكنة، أثناء الحرب وبعدها؛ ما يحقق الاستمرار والصمود، أمام الهجمات الإسرائيلية. ويقتضي هذا الهدف استخدام معدلات يومية ثابتة من الذخائر، وخاصة الصواريخ؛ وعدم الإسراف في استخدامها؛ والسيطرة المركزية على زيادة هذه المعدلات أو تخفيضها.

ج. الضَّنّ بالمقاومين، قادة ومسلحين، والحرص على حمايتهم؛ للافتقار إلى بدلائهم، إن هم استشهدوا. واعتماد أسلوب القتال، على بصيرة، وليس مغامرة اندفاع عاطفية. واستمرار عمليات المقاومة، طوال الحرب، دونما توقف أو تراجع. والتشبث بإرادة المقاومة، وعدم انكسارها، أمام هجمات العدو القوية.

د. التأثير في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لتمثل عامل ضغط على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، لوقف الحرب.

هـ. الاستمساك بالتأييد الشعبي الداخلي والخارجي، لكونه الحاضن الرئيسي للمقاومة.

و. إبراز "حماس"كُفُؤاً لإسرائيل في التفاوض. وفرض نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني، سيان في قطاع غزة والضفة الغربية، عبر المطالبة بتغيير المرجعية الفلسطينية، التي تمثلها السلطة الفلسطينية، واستبدال الحركة بها، لتحل محلها بالخريطة العربية والإسلامية.

ز. إشهار "حماس" قيادة سياسية، واعتراف الدول بها؛ فضلاً عن كونها حركة جهادية مناضلة، تعمل على جميع المحاور: السياسية والعسكرية والإعلامية.

ح. إجبار مصر على فتح معبر رفح، بالضغط عليها سياسياً وإعلامياً وشعبياً؛ ما يتيح امتداد "حماس" غرباً، في شمالي سيناء، وفرض وجود فلسطيني.

ط. تأكيد قدرة "حماس" على تكبيد إسرائيل خسائر: بشرية ومادية، في مدنها وبلداتها ومستعمراتها، في المنطقة الجنوبية؛ ما يمنع إسرائيل من شن هجمات عسكرية على قطاع غزة. وذلك لامتلاك الحركة سلاح ردع، هو الصواريخ أرض/ أرض؛ وتطبيقها لما تسميه: "ميزان الرعب"، في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.

ي. كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، بواسطة القوة العسكرية.

ك. اختبار أسلحة ومعدات وأساليب قتالية جديدة، في مواجهة القوات الإسرائيلية. وإجبار إسرائيل على مراجعة نظريتها الأمنية والإستراتيجية، بعد إثبات نقاط ضعف فيها، وخاصة ما يتعلق بجدارها العازل، وقدرة الصواريخ أرض/ أرض على الوصول إلى أهدافها، داخل إسرائيل.

ل. استغلال العدوان الإسرائيلي في الحصول على أكبر قدر من المساعدات: المالية والعينية، من الدول الأخرى، ولا سيما العربية والإسلامية منها.

م. الإضرار بالمنشآت الاقتصادية، في جنوبي إسرائيل. واستنزاف الجهد الاقتصادي الإسرائيلي، عبر توجيهه نحو المجهود الحربي، وخصوصاً مع قرب الانتخابات الإسرائيلية. ما يحرج حكومة "أولمرت".

ن. إحراج السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وإثبات عجزها عن اتخاذ مواقف: سياسية أو عسكرية، في حالة تعرض جزء من الشعب الفلسطيني للعدوان. واستطراداً، اكتساب "حماس" الدعم الشعبي؛ وفرض نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني، في قطاع غزة والضفة الغربية.

2. جوهر فكرة المعركة الدفاعية

لا شك أن المقاومة الفلسطينية، استمدت فكرة المعركة الدفاعية، في قطاع غزة، من أساليب قتال حزب الله، في لبنان، في يوليه 2006. وقد خلطت تلك الفكرة حرب العصابات بعقيدة الجيوش النظامية؛ فتمخضت عقيدة خاصة جديدة، راعت قدرات العدو، وطبيعة الأرض المفتوحة، والقدرات العسكرية للمقاومة في القطاع، وصعوبة استعاضة الذخائر والصواريخ، خلال الحرب.

اعتمدت فكرة المقاومة على إدارة قتال تعطيلي، في الأرض المفتوحة، بالاستفادة من بعض التجهيزات الهندسية والمساكن المتناثرة في محاور تقدم العدو؛ واستنزاف قواته وإرهاقها، في معارك برية وحرب عصابات. واستندت إلى الدفاع عن المدن الرئيسية، بأساليب قتال المدن، في نطاقَين لكلّ مدينة. الأول، يتضمن إدارة معركة دفاعية عن القرى والضواحي الخارجية، بالقوات الخاصة والمسلحين المدربين. والثاني، يتضمن مراكز المدن، وتنتشر فيه القوات: الأمنية والشرطية، المدعمة بقوات خاصة؛ وتركيز الدفاع عنها، وعدم السماح باختراقها؛ ويُحتفظ بقوات احتياطية في كلّ مدينة رئيسية، لمواجهة الإبرار البحري والجوي. أضف إلى ذلك استخدام الصواريخ أرض/ أرض الميدانية، بإمكانياتها المحدودة؛ للتأثير المادي والمعنوي في سكان المنطقة الجنوبية الإسرائيلية.

3. معايير تخطيط العملية

أ. تعدد أشكال المقاومة المسلحة: عمليات استشهادية، وكمائن على محاور الاقتراب، وإغارات على مواقع عسكرية، وتفخيخ المنازل المنعزلة حول كردون المدينة، واقتحام المستوطنات، واختطاف جنود ومستوطنين إسرائيليين؛ إضافة إلى إطلاق الصواريخ أرض/ أرض والهاونات والقذائف المضادة للدبابات، في جميع الاتجاهات؛ ما يشتت جهود العدو.

ب. التنسيق بين كلّ فصائل المقاومة الفلسطينية. وتلاحم جماهير الفلسطينيين مع المقاومة. وتحرك الشارعَين: الفلسطيني والعربي. ومساندة وسائل الإعلام: العربية والإسلامية.

ج. الاستناد إلى أيديولوجية إسلامية، عسى أن يتمخض التحالف مع إيران وحزب الله اللبناني بفتح الحزب الجبهة في شمالي إسرائيل؛ لتخفيف الضغط على "حماس"، إن هي تعرضت لعمليات قتالية واسعة.

د. اعتماد مفهوم إستراتيجي، يقول إن "ميزان الرعب، وميزان الدم"، ينبغي أن يكون التفوق العسكري الإسرائيلي فيهما مرجوحاً، وأن العمق بالعمق. بمعنى نقل المعركة إلى أرض العدو، بواسطة الصواريخ أرض/ أرض؛ فيعتدل "ميزان الرعب". والحرص على قتل أكبر عدد من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، بالوسائل المتعددة؛ فيستقيم "ميزان الدم".

هـ. التقيد بمبادئ الحرب، ولا سيما مبدأ "الحشد"، في الاتجاهات الرئيسية للعملية، حيث تحشر أعداد ضخمة من مقاتلي "حماس" (كتائب القسام)، إلى جانب وحدات الهندسة العسكرية، والإمداد اللوجستي. والاجتهاد في السرية والتمويه والخداع؛ لتضليل العدو. والنشاط لاختراق خطوط الإسرائيليين. وامتناع مقاتلي "حماس" عن العمل الدعائي، وتجنبهم إظهار وجوههم، في الصور والاستعراضات.

و. التماسك التنظيمي والبنيوي والعقائدي. ويتمثل في وحدانية الرؤية والموقف والخطاب والبيانات؛ ما يقلل احتمالات التفكك والانشقاق الداخلي، ويزيد القدرة على تحمل الخسائر والصعوبات، واستيعاب الضربات، والاطمئنان إلى الاستعاضة بالخسائر البشرية.

ز. الاستفادة من نتائج حرب لبنان ودروسها، وبخاصة أخطاء الجيش الإسرائيلي. واستخلاص العِبَر الميدانية والاتعاظ بها. والاستغناء عن الحركة المقيدة، فوق الأرض، بحرية الحركة تحتها، عبْر شبكة أنفاق، تصل معظم شوارع القطاع بمنازله.

ح. مركزية التخطيط، ولامركزية التنفيذ، تمكنان من القتل، والصمود أطول مدة ممكنة، والاستفادة من ظروف الموقف، وحرية العمل، بالاعتماد على الذات، من دون حاجة إلى مساندة ودعم من قطاعات أخرى؛ فضلاً عن عدم الحاجة إلى مراجعة القيادة الأعلى، لأخذ التصديق، أو حتى الرأي، في مواجهة إستراتيجية القوات الإسرائيلية.

ط. استخدام العمليات الانتحارية ضد الأهداف، التي تحدث أكبر خسائر بشرية. والاعتماد اعتماداً أساسياً على القناصة في اصطياد جنود العدو؛ بما يجبرهم على الاحتماء، داخل الدبابات والعربات المدرعة، مدداً طويلة؛ ما يجهدهم، ويُقنطهم.

4. الظروف الإقليمية، ومرحلة ما قبل العدوان

أ. استمرار إغلاق المعابر، بين إسرائيل وقطاع غزة، إلا في أوقات محددة؛ لإرسال بعض مواد الإغاثة، من غذاء ووقود.

ب. دوام تبادل النيران: صواريخ "حماس" على مستوطنات وبلدات، في جنوبي إسرائيل؛ وغارات إسرائيلية: جوية ومدفعية، خرقاً للتهدئة، التي توصلت إليها مصر مع الطرفَين.

ج. تصريحات قادة إسرائيل بأنهم لن يصبروا طويلاً على استهداف صواريخ "حماس" للمستوطنات والبلدات، في جنوبي إسرائيل.

د. ضغوط الأحزاب اليمينية، المتشددة، على حكومة "أولمرت"؛ إضافة إلى الضغوط من داخل الوزارة الإسرائيلية؛ لشن عملية عسكرية واسعة على "حماس"، في قطاع غزة.

هـ. إعلان "حماس" نهاية التهدئة، التي استمرت ستة أشهر؛ وكذلك الجهاد الإسلامي. واستتبع ذلك محاولة إفساد زيارة "تسيبي ليفني"، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، إلى القاهرة؛ وهي الزيارة التي سعت إليها مصر؛ لحض إسرائيل على ضبط النفس، بعد أن تزايدت المعلومات عن نياتها شن عملية عسكرية على "حماس" في قطاع غزة.

و. عِلْم الاستخبارات الإسرائيلية بحيازة "حماس" أسلحة جديدة، من إيران وسورية وحزب الله اللبناني، أهمها الصاروخ "جراد"، الذي يبلغ مداه 40 كم.

ز. قرب الانتخابات الإسرائيلية، في فبراير 2009، ورغبة المعسكرَين المتشددَين: الليكود، برئاسة نتنياهو؛ وكاديما، برئاسة باراك، الاستحواذ على أكثر الأصوات؛ بالرهان على القضاء على سيطرة "حماس" على قطاع غزة.

ح. رغبة إسرائيل في فرض واقع جديد، في قطاع غزة، يمكنها أن تفرضه على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، "باراك أوباما"، عند وصوله إلى البيت الأبيض؛ فيكون أساساً لسياسته الجديدة حيال مشكلة الشرق الأوسط.

ط. حرص إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكرية، من دون تدخل الدول الكبرى ومجلس الأمن؛ واستغلال إجازة أعياد رأس السنة، والتي تستمر نحو أسبوع.

ي. إجراء إسرائيل مناورتَين كبيرتَين؛ لتدريب قواتها على عملية اجتياح قطاع غزة، في منطقة تشابهه، في جنوبي إسرائيل. الأولى في يوليه 2007، والثانية في مارس 2008، وحضرهما وزير الدفاع، "باراك". استهدفتا التدريب على القتال، في المدن والمناطق المبنية والأحوال الخاصة.

5. مراحل العملية، وأعمال القتال

أ. المرحلة الأولى

(1) امتدت من 27 ديسمبر 2008 إلى الثاني من يناير 2009. واتسمت بالوقاية من ضربات العدو: الجوية والمدفعية والصاروخية والبحرية.

(2) اعتمدت المقاومة، في قطاع غزة على إطلاق الصواريخ والهاونات على الأراضي الإسرائيلية.

(3) انتشار المقاومين واتخاذهم الأوضاع الابتدائية للعمل. وتنفيذ إجراءات التجهيز الهندسي لميادين المعركة، بنشر الألغام والعبوات الناسفة.

(4) التربص بقوى الاستطلاع الإسرائيلية: البرية والبحرية. وقد أمكن اكتشاف إحداها والقضاء عليها، في الشجاعية، شرق غزة، في 31 ديسمبر 2008.

ب. المرحلة الثانية

(1) استمرت من 3 إلى 5 يناير 2009. وتخللتها مواجهة العملية البرية الإسرائيلية المحدودة (اُنظر خريطة أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009).

(2) سعت المقاومة إلى عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية، بأعمال القتال التعطيلي، وحرب العصابات، وحرب المدن؛ فنشطت في الآتي:

(أ) أعمال قتال تعطيلية، حول بيت لاهيا وجباليا، شمالي قطاع غزة. والكُمون لدورية إسرائيلية، شرق جباليا، في 3 يناير 2009.

(ب) اشتباكات متعددة، في 4 يناير، شرقي غزة، وجنوبيها.

(ج) تمكنت المقاومة، في 5 يناير، من إيقاف القوات الإسرائيلية، في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، وحيَّي الشجاعية والتفاح في شرقيها، وشمال شرقي مدينة جباليا، وحول بيت حانون.

(3) صدت المقاومة إبراراً بحرياً، حاولته قوات خاصة إسرائيلية، على ساحل شمالي مدينة غزة، في 3 يناير؛ وقرب رفح، سعت 100، في 4 يناير.

(4) أعلن الجيش الإسرائيلي، في 5 يناير، إحباطه محاولة اختطاف جندي إسرائيلي، في قطاع غزة. وأعلنت المقاومة الفلسطينية، في 6 يناير، أنها أسرت جندياً إسرائيلياً، من سلاح الهندسة، شرق جباليا؛ إلا أن القوات الإسرائيلية، تعمدت قتله بنيران الطيران، أثناء انسحاب الجماعة الفلسطينية، ومعها الأسير الإسرائيلي، من أرض المعركة؛ على الرغم من أنه كان في مرمى بصرهم.

ج. المرحلة الثالثة

(1) طالت من 6 إلى 17 يناير 2009.

(2) أدارت المقاومة العديد من المعارك التكتية الشرسة، في ظروف تفوق القوات البرية الإسرائيلية، براً وبحراً وجواً. ويمكن وصفها بحرب استنزاف، لإرهاق العدو. وتضمنت عمليات حرب عصابات، وخاصة الكر والفر؛ ناهيك بإدارة حرب المدن، شمالي قطاع غزة وجنوبيه.

(أ) شمالي القطاع

تمكنت المقاومة من حرمان الجيش الإسرائيلي التوغل في المدن الفلسطينية، وإيقافه في عمق الضواحي: الجنوبية والشرقية، لمدينة غزة؛ والشمالية الشرقية لمدينة جباليا، والشمالية والغربية، لبيت لاهيا. وقبول حصار بيت حانون.

(ب) وسط القطاع وجنوبيه

صد العديد من هجمات الجيش الإسرائيلي، وحرمانه الانتشار في وسط قطاع غزة وجنوبيه. وكان أبرزها في القرارة، شمال خان يونس، في 6 يناير، وفي قرية عبسان، شمال شرق خان يونس كذلك. وهجوم آخر، غرب كيسوفيم، في 8 و9 يناير؛ ومطار ياسر عرفات، جنوبي رفح. وهجوم آخر شرقي رفح وجنوبيها، في 10 يناير. وفي النصيرات، شمال خان يونس، في 11 يناير؛ وغربها، في 17 يناير.

(3) صد إبرار بحري حاولته قوات خاصة إسرائيلية، في دير البلح، في 6 يناير. وكرر في المنطقة نفسها، في 14 يناير (اُنظر خريطة أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة) و(خريطة أعمال القتال جنوب قطاع غزة).

سابعاً: أبرز أساليب المقاومة

1. التوسع في استخدام العبوات الناسفة، المزودة بأشراك خداعية؛ لتدمير منازل، أُخليت من سكانها الفلسطينيين، وجُهزت للتفجير عند دخول أيّ قوات إسرائيلية إليها، واستخدام أيّ من محتوياتها. واعترف الجانب الإسرائيلي بدقة تلك الأشراك وإتقانها، والعديد من إصاباتها بين الجنود الإسرائيليين.

2. تسخير الأسلحة المضادة للدبابات، مثل RBG، لمواجهة الجنود المشاة؛ على الرغم من معارضته لقوانين القتال في الجيوش النظامية. وقد أشارت المقاومة الفلسطينية إلى نجاح هذا الأسلوب في استهداف جنود إسرائيليين، احتموا داخل منازل فلسطينية، سرعان ما رميت بقذائف، اخترقت جدرانها، لتنفجر في داخلها. وحقق هذا الأسلوب العديد من الإصابات بين الجنود الإسرائيليين.

3. التزيد في نشر قواعد الصواريخ وإخفائها تحت الأرض. وأُردفت، في كلّ منطقة، بقواعد بديلة؛ تداركاً لاكتشافها بواسطة الاستطلاع الجوي أو العملاء، أو تدمير إحداها بواسطة القوات الإسرائيلية. وروعي عدم إطلاق غير صاروخ من قاعدة إطلاق واحدة، في وقت واحد؛ ثم المناورة والانتقال إلى منطقة أخرى، وتنفيذ الإطلاق الثاني منها.

4. استخدمت المقاومة الفلسطينية أسلوب الكر والفر، لمواجهة أسلوب الكر والفر الإسرائيلي، حيث اعتمدت التكتيكات الصغرى لمجموعات القتال الإسرائيلية، على دفع دوريات أو عناصر محدودة، وأحياناً تكون مدعمة بالدبابات والآليات، والتي تقوم باستكشاف أماكن المقاومة والاشتباك معها، مدة محدودة، ثم الانسحاب وترك المنطقة لقصفها بنيران المدفعية والطيران، لتنظيف المنطقة أو المساكن من المقاومة. وبعد انتهاء القصف، تتقدم القوة الرئيسية لاكتساب أرض جديدة. وبعد تفهم المقاومة الفلسطينية لهذا الأسلوب، اعتمدت المقاومة على الاشتباك مع العناصر المتقدمة، وعند انسحاب القوات الإسرائيلية تنسحب المقاومة كذلك من المنطقة؛ وبذلك تسقط نيران المدفعية والطيران في مناطق خالية من المقاومة. وبعد انتهاء القصف الميداني تعود المقاومة لاحتلال المنطقة مرة أخرى، لتفاجئ بذلك القوة الرئيسية (اُنظر شكل أسلوب القتال في المناطق السكنية).

5. قامت شبكة الأنفاق التي أنشأتها "حماس" ونشرتها تحت الأرض أسفل قطاع غزة، وبطوله وعرضه، بدور كبير في الخطة الدفاعية التي نفذتها كتائب القسام، سواء فيما يتعلق بمهاجمة أرتال المركبات الإسرائيلية في مؤخرتها، أثناء تقدمها، بعد عبورها فوق الأنفاق، أو في إطلاق الصواريخ أرض/ أرض التي كانت تخرج قواذفها وصواريخها من الأنفاق، عبر فتحات برميلية مجهزة من أعلى كمواقع إطلاق، ثم توجه القواذف نحو أهدافها، ثم إعادة القاذف داخل النفق، عقب انتهاء عملية القصف. كما استخدمت الأنفاق بما يوفر مخزوناً إستراتيجياً من الصواريخ لمواجهة الحصار المرتقب على غزة. كما استُخدمت الأنفاق بواسطة مقاتلي كتائب القسام في شن هجمات مفاجئة داخل المباني والمنازل، ضد الجنود الإسرائيليين، الذين كانوا يهاجمون هذه المنشآت.

6. في إطار أعمال الخداع التكتيكي التي مارستها "حماس"، أثناء الحرب، كانت تنفرد إحدى جماعاتها القتالية بالاشتباك مع مجموعة مستهدفة ذات أهمية من وحدة إسرائيلية، بينما تُشغل باقي الوحدة الإسرائيلية بقصف مكثف بالهاونات، مع إشغال الطائرات الإسرائيلية بإطلاق نيران الرشاشات المتوسطة المضادة للطائرات عيار 14.5 مم و12.7 مم. وتحت تغطية كثيفة من النيران تخترق المجموعات الاستشهادية المجموعة الإسرائيلية المستهدفة، وتفجر نفسها فيها، أو تزرع العبوات المتفجرة بين مركبات الأرتال الإسرائيلية وتفجرها.

7. زرعت "حماس" أشراك خداعية داخل دُمى على شكل مقاتليها، بها شحنة متفجرة، ووضع المكيدة داخل فتحة نفق، وبمجرد اقتراب القوات الإسرائيلية من فتحة النفق وتحريك الدُمى تنفجر الشحنة. وقد فوجئت الوحدات الإسرائيلية بحجم كبير من الشحنات التي كانت تنتظرها.

8. بعض المنازل التي اتخذها مقاتلو "حماس" مواقع لهم، كانت توجد في الأدوار الأرضية مخازن للأسلحة والذخيرة والمتفجرات، بينما يحتل الدورين الأول والثاني مقاتلون من "حماس" وقادتهم، في حين توجد أسرة مدنية في الدور الثالث على سبيل التمويه، مما كان يعرض مثل تلك الأسر لمخاطر هجمات الوحدات البرية الإسرائيلية عند مهاجمة المنزل. وفي أحيان أخرى كان يتم تفجير المنزل على كل من فيه.

9. لزيادة طول المدى المؤثر للصواريخ أرض/ أرض والوصول إلى أهداف مهمة داخل العمق الإسرائيلي، وبالاستفادة بشبكة الأنفاق، تم توزيع الصواريخ أرض/ أرض على مواقع متعددة شمال وشرق القطاع، خارج حدود القطاع، وداخل العمق الإسرائيلي، بحيث توفر ثلاثة أرباع المدى، وإطلاق الصواريخ عبر فتحات مجهزة كموقع إطلاق، ثم تُوجه القواذف نحو الأهداف، وكلّها أهداف مساحية مثل المدن والمستعمرات، والتي لا يحتاج قصفها إلى درجة دقة عالية؛ لأن أيّ إصابة بالهدف ستحقق الغاية المطلوبة.

10. الكمائن الخفيفة والثقيلة: نفذت "حماس" هذه العمليات في الجزء الشمالي من القطاع على نطاق واسع. وكان لعملية النسف، التي تمت ليلة 5 ـ 6 يناير 2009، الدور المهم والبالغ الأثر في إفهام الخصم بأن اقتحامه للأماكن المبنية سيكون باهظ الثمن، الأمر الذي جعله يتوقف عن اندفاعه؛ وبعدها تغير مسار العملية برمّتها.

11. الإغارات: تنوعت الإغارات بين مجموعة صغيرة من مقاتلَين أو ثلاثة حيث تنتخب هدفاً منعزلاً ضعيفاً، والإغارة الكبيرة من 5 إلى 15 مقاتلاً التي تهاجم أهدافاً متعددة، في مكان واحد.

وقد اعتمد هذا النمط بصورة خاصة في الأيام، التي تلت توقف القوى المهاجمة على مشارف القرى والبلدات، وبصورة خاصة في الجزء الشمالي من القطاع.

12. المراوغة الميدانية وعمليات الاستدراج إلى مناطق القتل، ثم المهاجمة. وقد نجحت المقاومة في تنفيذ أكثر من عملية استدراج للعدو إلى بعض المنازل الخالية من السكان، بعد أن تكون قد جهزتها بالمتفجرات ثم تقوم بتفجيرها فور دخول الخصم إليها، في معرض ما كان يظنه ملاحقة أو تعقب للمقاومين، من دون أن ينتبه إلى أنه يستدرج. ويسجل للمقاومة تمكنها، في أحدى هذه العمليات، من أسر جندي إسرائيلي؛ لكنه قُتل مع الخلية الآسرة بالنار الإسرائيلية.

13. العمل ضد دبابات ومدرعات العدو، بوسائل متواضعة من الأسلحة المضادة للدبابات، حيث لوحظ أن المقاومة وبسبب الحصار المحكم الذي فرض على القطاع، لم تستطع امتلاك نظام صاروخي فاعل مضاد للدبابات؛ كما كان حال المقاومة في جنوبي لبنان، عام 2006. ومع ذلك، تمكنت المقاومة الفلسطينية، وبقدرات متواضعة، من مواجهة دروع الخصم وكانت بعض قذائفها تصيب المدرعة ولا تحدث أثراً فيها.

14. اللجوء ضمن قدرات متواضعة إلى قصف تجمعات الخصم ومحاور تقدمه وحركته بقذائف الهاون وبالقذائف الصاروخية. كذلك القنص من مسافات بعيدة. وكانت هذه العمليات مربكة للعدو؛ على الرغم من أنها لم تحدث في صفوفه إلا بعض الإصابات بين قتيل وجريح.