إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)




نتائج قصف صاروخ القسام
مجزرة السبت الأسود
معبر رفح البري
انصهار القذائف الفسفورية
شاحنات تحمل الفولاذ المقسم
قادة قمة الكويت

أسلوب القتال في المناطق السكنية

مناطق رماية صواريخ المقاومة
أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009
أعمال القتال جنوب قطاع غزة
أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة
قطاع غزة



الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة

المبحث التاسع

رؤية مستقبلية لتبعات الحرب على قطاع غزة

أعلنت إسرائيل إيقاف القتال في قطاع غزة من جانب واحد، في 17 يناير 2009، ولم يكن هذا الإعلان إيذاناً بانتهاء الحرب بمعناها الشامل، بل هو هدنة مؤقتة للحرب بالوسائل الحربية، واستئنافاً للحرب بالقوى الناعمة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وفي بعض الأحيان بالقوى العسكرية إذا تطلب الأمر، فقد حرص كلّ طرف أن يُثبت للرأي العام الداخلي والعالمي، أنه حقق انتصاراً في هذه الحرب، مستنداً في ذلك إلى دعاوى أنه حقق أهدافه من الحرب، وفي المقابل حرم خصمه تحقيق أهدافه.

وانطلاقاً من هذا المفهوم المغلوط، سعى كلّ طرف إلى محاولة إثبات ما عَدّه انتصاراً عسكرياً، واستثماره على الصعيدَين: السياسي والإعلامي، إن يستطع تحقيقه على الصعيد العسكري.

واستناداً إلى هذا المفهوم، وعقب توقف القتال، ظهرت أحداث وتغيرات كثيرة في الدائرتَين: الإقليمية والعالمية، ارتبطت بشكل أو بآخر بالحرب التي وقعت في غزة ونتائجها؛ وبالتالي، أثرت فيها وطرحت سؤالاً فرض نفسه: ماذا بعد حرب غزة؟

أولاً: أهداف إسرائيلية لم تتحقق

إن ما أعلنته إسرائيل من أهداف قبل العدوان الإسرائيلي الأخير حول منع إطلاق الصواريخ على أراضيها، هو جزء من أهداف هذه الحرب؛ ولكنه في الإطار التكتيكي. أما الهدف الإستراتيجي الأشمل، فهو إعادة رسم الخريطة الإقليمية في المنطقة، وتمكين إسرائيل منها، وتفتيت العرب، وإضعاف موقف مصر بصفتها مركز الثقل والعقبة الكبرى في طريق تنفيذ هذا المخطط.

والهدف الإستراتيجي لإسرائيل لم يكن ليتحقق، وهي تتعلق بأستار السلام، بل يلزم تحقيقه تفتيت العالم العربي بعدوان إجرامي كالذي وقع على غزة 2008/2009، وأدى بالفعل إلى تقسيم الدول العربية بين دول الاعتدال ودول الممانعة. فاليوم ليس بأفضل من الأمس عقب إبرام مصر معاهدة كامب ديفيد عام 1978، حيث تشكل ما أطلق عليه: "جبهة الصمود والتحدي" من عدة دول عربية قاطعت مصر عشر سنوات.

واتساقاً مع هذه الإستراتيجية بعيدة المدى في ظل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، تتمنى إسرائيل استمرار بقاء الأحزاب والتنظيمات المتشددة في السلطة في الدول المجاورة لها، مثل الإخوان في مصر، وحزب البعث في سورية، وحزب الله في لبنان، وحركة "حماس" في غزة؛ مع الحرص على إبقائها في حالة ضعف غير قادرة على منازلة إسرائيل أو إزعاجها، ولكنها قادرة على إزعاج الحكومات الشرعية وإحداث صراعات داخلية تضعفها وتجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية سليمة، في مناخ عدم الاستقرار والضعف، واستمرار حالة التوتر في المنطقة.

وحقيقة الأمر أن إسرائيل لا تريد السلام في المنطقة؛ لأنها تتخوف من دولة فلسطينية موحدة على حدودها، مهما كانت مجردة من السلاح. وتفضل أن تبقى حالة الحرب سائدة؛ لأنها الوازع الوحيد لإبقاء ونمو مستوطناتها وسياستها للاحتلال والهيمنة ومعارضة إنشاء الدولة الفلسطينية التي يريدها العالم بأسره.

ومن ثم، فإن الاعتدال السياسي العربي المنفتح على العالم غير موات لإسرائيل؛ لأنه يضطرها إلى تنازلات لا ترغب فيها، وخاصة مع إصرار إدارة "أوباما" على تحقيق تسوية للقضية تقوم على إقامة دولة فلسطينية وإيقاف الاستيطان الإسرائيلي.

وفي السياق عينه، يجب ألا نتجاهل المواقف السلبية من وصول نيتانياهو إلى السلطة أخيرا في إسرائيل، وتحالفه مع الزعيم اليميني المتطرف "ليبرمان": وذلك في ضوء ما صرح به نيتانياهو أثناء الحملة الانتخابية، متهماً حكومة أولمرت ببث الضعف أمام حركة "حماس" والمنظمات الفلسطينية المتشددة. وأعلن أن الحكومة التي سيشكلها في حالة فوزه سوف تعمل على تحطيم "حماس".

كما أعطى أولوية لاهتمام حكومته في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. أمّا ليبرمان الذي أصبح وزيراً للخارجية فهو الداعي إلى ترحيل عرب إسرائيل إلى خارجها، وعدم التنازل عن أيّ جزء في القدس الشرقية، وتكثيف الاستيطان. ولذلك، فإذا كان نيتانياهو مستعداً لشن حرب ضد إيران لتدمير برنامجها النووي، فإنه سيجر بالقطع الولايات المتحدة الأمريكية إليها بعد أن ترد إيران على إسرائيل بقصفها بصواريخ شهاب، وبما ستضطر معه واشنطن إلى التدخل عسكرياً دفاعا عن إسرائيل.

وأيضا سيكون نيتانياهو مستعداً بدرجة أكبر لشن حرب أكثر عنفاً وأشد دموية ضد "حماس" في غزة؛ بهدف تدميرها واقتلاعها من هناك حتى لو أدى الأمر إلى إعادة احتلال غزة مرة أخرى.

ثانياً: الملاحقة القضائية لمجرمي الحرب

إذا كانت إسرائيل بالمقاييس العسكرية قد نجحت في حربها على غزة، فإنها بالمقاييس الأخلاقية قد هُزمت، بشهادة العالم والمراقبين الإسرائيليين أنفسهم، الذين عبروا عن استيائهم وغضبهم من الممارسات الإجرامية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، وأدت إلى هذا الحجم الكبير من القتلى والجرحى والدمار والخراب، الذي تجاوز الحدود.

وعلى المستوى العالمي، عبر عن هذه الحقيقة الأمين العام للأمم المتحدة، الذي طالب إسرائيل بوقف فوري للعدوان وسحب قواتها من القطاع، وكذلك قرار مجلس الأمن الرقم 1860؛ وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام حق الفيتو لمنع استصداره؛ حيث إن حجم الجرائم لم يسمح لواشنطن أن تتحدى الرأي العام العالمي الغاضب والمطالب بسرعة وقف القتال، ولا سيما أن الحرب دارت بين جيش نظامي وشعب أعزل تحمل وحده العدوان.

وقد اتهمت جريدة "أفتون" السويسرية الشهيرة، الإسرائيليين بقتل الفلسطينيين لسرقة أعضائهم بهدف الاتجار بها. واستندت في ذلك إلى شهادات أسر فلسطينية تتهم إسرائيليين بالقبض على شباب فلسطينيين وإعادتهم إلى أسرهم بعد نزع أعضاء منهم. وأشارت إلى الإسرائيلي "ليفي إسحق" المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، ويواجه اتهامات بالتورط في قضية تهريب أعضاء بشرية. وأكد الشهود أن هذه الجرائم لا تقتصر على الشباب فقط، بل الأطفال كذلك.

إن المظاهرات الغاضبة من التجاوزات والاستخدام المفرط للقوة العسكرية، في كثير من مدن العالم، رفضت العدوان ودانت إسرائيل وتعاطفت مع الفلسطينيين، وطالبت بحمايتهم. وهي المظاهرات التي أبرزت حجم الإدانة وسوء السمعة اللذَين لحقا بإسرائيل.

وإذا كانت إسرائيل قد نجحت في إعدادها السياسي والإعلامي المسبق والمنهجي للحرب، وتحركها السياسي الناشط في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أوروبا في تسويق عدوانها على غزة، وإيجاد مبررات مدعية أن "حماس" تسعى إلى إزالة إسرائيل وإقامة دولة دينية في فلسطين مثل دولة "طالبان"؛ فإنه يجب ألاّ تقوى "حماس" وتدعم فكرة حكمها المنفرد في القطاع، لذلك، يجب ألاّ تسيطر "حماس" وتتحكم في عمليات إعادة إعمار غزة؛ لأن "حماس" سوف توظف المبالغ الضخمة لهذا الغرض في إعادة التسلح مرة أخرى.

ومن منطلق أن إسرائيل تدافع عن وجودها، فقد حصلت على ضمانات أوروبية بعدم التعامل مع القضايا التي قد يرفعها متضررون فلسطينيون أو جماعات حقوقية من أجل محاكمة إسرائيل وضباطها لما ارتكبوه من جرائم حرب وضد الإنسانية أثناء الهجوم على غزة؛ واستخدامها أسلحة محرمة. فالقادة: السياسيون والعسكريون في الجيش الإسرائيلي يعيشون في حالة توتر شديد، وخاصة بعد أن بدأت بالفعل ملاحقة قضائية ضد قائد المنطقة الجنوبية فور الكشف عن هويته الجنرال "يوآف جالنت"، وقائد السلاح الجوي الجنرال "فحوشتان".

وقد أُعلن في إسرائيل، يوم 21 يناير 2009، أن جهات: غربية، وإسرائيلية، قدمت 15 دعوة إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي ضد 15 شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية على رأسهم "أيهود أولمرت" رئيس الوزراء، ووزيرة الخارجية "تسيبي ليفني"، وأيهود باراك" وزير الدفاع، وغيرهم كثيرون تورطوا في جرائم حرب في أحداث سابقة مختلفة. وقد أعربت أوساط عسكرية إسرائيلية عن قلقها. واحتل القانونيون والمحللون القضائيون محل الكُتاب في الجرائد. كما عُقدت اجتماعات طارئة في هيئة الأركان العامة لإعداد الخطط القانونية المضادة لهذه الدعاوى، بمشاركة خبراء بالقانون الدولي ومحاكمات مجرمي الحرب.

وقد تسلمت "سيري فريجارد" كبيرة المدعين في هيئة الادعاء العام في النرويج دعوى قضائية من ستة محامين نرويجيين ضد قادة إسرائيليين: سياسيين وعسكريين، مطلوبة ملاحقتهم قضائياً.

ومن أهم ردود الأفعال وتداعيات ملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة خلال حملة استمرت 22 يوماً، أنه في يوم 14 ديسمبر 2009، أصدرت محكمة وستمنستر أمر اعتقال بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، بشأن اتهامات بارتكاب جرائم حرب؛ وذلك بناءً على طلب محامين يمثلون ضحايا فلسطينيين.

وفي اليوم التالي كشفت جريدة "الجارديان" البريطانية، أن القضاء البريطاني سحب أمر الاعتقال بحق الوزيرة السابقة ليفني، بعد ما أدرك أن الأخيرة ألغت زيارتها للعاصمة البريطانية لندن للمشاركة في مؤتمر ينظمه الصندوق القومي اليهودي.

وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها وزير إسرائيلي سابق أمر اعتقال في المملكة المتحدة؛ ما يُعَد إشارة إلى الجهود المتزايدة في متابعة الادعاءات الخاصة بارتكاب جرائم حرب.

وكانت وكالة "معاً" الفلسطينية الخاصة للأخبار نقلت عن مصادر خاصة في العاصمة البريطانية قولها إن ليفني كانت قد وصلت لندن بالفعل؛ ولكنها تمكنت من الاختفاء في لندن قبل أن تصل قوة من الشرطة البريطانية توجهت إليها لاعتقالها.

أكدت تلك الأنباء لاحقاً منظمة "التضامن" الحقوقية البريطانية، حيث صرحت لموقع قناة "الجزيرة" أن شهود العيان شاهدوا ليفني في فندق "قاعة هندون هوتل" بلندن.

كما أكدت مصادر حكومية بريطانية أن هناك حالة ارتباك في لندن، التي تدرس بطريقة عاجلة تداعيات قرار اعتقال ليفني، وأنه سيتم اتخاذ إجراء عاجل لبحث ملابسات تلك القضية.

وقد انتقد سفير إسرائيل في بريطانيا "رون بروسور" قرار توقيف وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، وقال: "الوضع الحالي أصبح لا يُطاق. وحان الوقت ليتغير". وأضاف: "أنا واثق من أن الحكومة البريطانية ستدرك، أنه حان الوقت ليتغير، وأنها لن تكتفي فقط بالتصريحات".

أمّا مكتب ليفني، فقد نفى بدوره أن الوزيرة السابقة اضطرت إلى إلغاء زيارتها إلى لندن بسبب صدور قرار باعتقالها؛ مؤكداً أن قرار إلغاء الزيارة اتُخذ قبل أسبوعين بسبب "تضارب في المواعيد".

وعن مغزى أمر الاعتقال، فقد أكد أساتذة القانون "أن القرار صدر بناءً على القانون الإنجليزي الذي يتيح ملاحقة الجرائم الدولية، خصوصاً جرائم الحرب". وأعلنوا أن القرار يؤكد رغبة الدول في عدم جعل الجرائم تمر دون عقاب، وإمكانية عرضها أمام المحاكم الدولية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هناك وقائع على ارتكاب جرائم حرب، نذكر منها الآتي:

1. في 28 ديسمبر 2008، أقدمت قوات الاحتلال على قتل الأطفال الخمسة أبناء "أنور بعلوشه" وهم في منزلهم في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق صواريخ على مسجد "عماد عقل" فدمرت المسجد والمنزل، واستشهد جراء ذلك أطفاله الخمسة وهم: تحرير (13 عاماً)، وسمر (7 أعوام)، ودينا (8 أعوام)، والتوأم جواهر وإكرام (4 أعوام).

2. في 29 ديسمبر 2008، قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق صاروخ على منزل "زياد العبسي" الواقع في مخيم يبنا في رفح جنوبي قطاع غزة؛ فانهار المنزل على رؤوس قاطنيه؛ ما أدى إلى استشهاد أطفال العبسي الثلاثة، محمد (14 عاماً)، وأحمد (12 عاما)، وصدق (4 أعوام).

3. في الأول من يناير 2009، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة صواريخ باتجاه منزل القيادي في "حماس" "نزار ريان" بالقرب من مسجد الخلفاء الراشدين في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وأدى القصف إلى تدمير المنزل المكون من خمس طبقات واستشهاد نزار ريان، وزوجاته الأربع، وأبنائه الأحد عشر.

4. في 3 يناير 2009، استهدفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية مسجد إبراهيم المقدامة/غزة، وقتل عشرة مواطنين أثناء أدائهم صلاة المغرب.

5. في 4 يناير 2009، قامت قوات الاحتلال التي توغلت شرق حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة بتجميع عشرات الأفراد من عائلة "السموني" في بيت واحد مساحته 180 م2 ، هذا ما يرويه أحد الناجين من عائلة السموني، وهو "تائب السموني " 35 عاماً. ويضيف بعد ذلك قامت قوات الاحتلال بدك البيت على من فيه بالقذائف لمدة عشر دقائق حتى سقطوا جميعاً بين جريج وشهيد. وقال بعد ما قامت قوات الاحتلال بإمطارنا بهذا العدد من القذائف، تحول البيت إلى بركه من الدماء. وأكد السموني أن قوات الاحتلال منعت الإسعاف من الوصول إلى أفراد العائلة المستهدفة؛ على الرغم من المناشدات العديدة التي وجهها الصليب الأحمر. ويشهد الطاقم الطبي لمستشفى الشفاء أن ما حدث كان إعداماً جماعياً لسبعين ضحية، وصلوا إلى المستشفى بين شهيد وجريح.

6. في 5 يناير 2009، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية منزل عائلة أبوعيشة بصواريخ وقنابل؛ ما أدى إلى استشهاد سبعة من أفراد الأسرة هم أب وأم وخمسة من أطفالهما.

7. في 6 يناير 2009، وقبل 25 دقيقة من انتهاء ساعات التهدئة، قصفت الدبابات والطائرات الإسرائيلية أربعة صواريخ وقذائف مدفعية باتجاه مخيم جباليا شمالي قطاع غزة. وقد سقطت إحدى هذه القذائف في فناء منزل المواطن "سمير شفيق ديب" (43 عاماً)؛ ما أدى إلى استشهاده على الفور، هو ووالدته (70 عاماً)، وثلاثة من أبنائه وخمسة من أنجال شقيقه واثنتَين من نساء العائلة.

8. صباح يوم 9 يناير 2009، استشهد ستة من أفراد عائلة صالحة في منزل الأسرة الواقع في بيت لاهيا شمالي القطاع.

9. في 10 يناير، تم قصف منزل عائلة عبدربه بواسطة المقاتلات الإسرائيلية، فاستشهد ثمانية من أفراد الأسرة.

10. كشفت شهادات لمواطنين فلسطينيين في القطاع عن عمليات استهداف مباشر لمدنيين رفعوا الرايات البيضاء، ومع ذلك فقد تعرضوا للقصف ودُمرت منازلهم. أمّ (34 عاماً) تسمى "ابتسام القانوع"، رفعت الراية البيضاء ظنت أنها ستحمي منزلها من التجريف في بلدة "العطاطرة"، ولكنها سرعان ما تلقت الجواب بينما أطلق قناص إسرائيلي النار عليها بشكل مباشر وأرداها شهيدة.

11. أكدت شهادات أدلى بها جنود إسرائيليون بشأن ممارستهم خلال الحرب على غزة قيامهم بقتل فلسطينيين، وإطلاق النار من دون قيود، وتدمير ممتلكات الفلسطينيين بشكل متعمد. وفقاً لموقع جريدة "هآرتس" الإلكتروني فإن الجنود أدلوا بشهاداتهم خلال مؤتمر عقدته المدرسة التحضيرية العسكرية في أكاديمية "أورانيم" Oranim Academic College شمالي إسرائيل.

12. في 13 فبراير 2009، اعترف قائد وحدة في سلاح المشاة باستشهاد سيدة فلسطينية ووليدها جراء تعرضهما لنيران مدفع رشاش إسرائيلي.

13. في يوم 16 يناير 2009، تم تنفيذ قصف جوي لمنزل الدكتور/ عز الدين أبو العيش في جباليا، راح ضحيته جميع أفراد الأسرة، عدا الدكتور عز الدين وأصيب ابنته؛ وقُتل فيه ستة أفراد من العائلة وجرح عشرة آخرون. على الرغم من أن الدكتور عز الدين كان يعمل طبيباً للنساء والتوليد في مستشفى إسرائيلي لعلاج المواطنين الإسرائيليين داخل الأراضي الإسرائيلية. وقد تم مناشدة الإعلام الإسرائيلي للجيش بعدم استهداف منزل الدكتور/ عز الدين. وأكد الجيش بأنه لن يستهدفه، إلا أنه قام بتدميره على من فيه في النهاية. تلقى الدكتور عز الدين أبو العيش، في 6 أبريل 2009، خطاب ترشحه للحصول على جائزة نوبل للسلام.

ثالثاً: البُعد الديموجرافي (السكاني) للصراع العربي ـ الإسرائيلي

حرب غزة الأخيرة لن تكون نهاية المطاف، حيث إنها لم تحقق أهداف إسرائيل بعيدة المدى، ومن أهمها تفتيت المنطقة وإضعاف دولها بتنفيذ ما يُسمى بسياسة "شد الأطراف"، الذي يفتعل حروباً بين الدول العربية وجيرانها من دول غير عربية مثل تركيا وإيران وإثيوبيا. أو إضعاف الدول العربية داخلياً على أسس عرقية وطائفية ومذهبية.

وهذا ما نراه الآن في العراق والسودان والمغرب العربي ولبنان، وأخيراً فلسطين، بالانشقاق بين "حماس" في غزة وفتح في الضفة الغربية، ومخطط "تكثيف الاستيطان" الذي تصر حكومة "نتنياهو" على تنفيذه؛ على الرغم من معارضة واشنطن، وهي إستراتيجية ليست بجديدة وتدعو إلى ترحيل عرب إسرائيل (الفلسطينيين) من داخل إسرائيل إلى الدول العربية. هي سياسة تتبعها إسرائيل منذ نشأتها، تُنفذ على مراحل كلّما سمحت الظروف في البيئتَين: الإقليمية والدولية بذلك. وهي مُعلنة منذ قيام إسرائيل. وجاءت في مذكرات "بن جوريون" الذي قال: "أؤيد الترحيل الإجباري للفلسطينيين. ولا أراه تصرفاً غير أخلاقي".

ومما هو معروف، أن الهدف الإستراتيجي من حرب غزة الأخيرة، ولم يتحقق، هو ترحيل جزء كبير من سكان غزة تحت ضغط القصف الجوي والهجوم البري، ونزوحهم إلى سيناء عبر بوابة رفح. وتصدير جزء كبير من المشكلة إلى مصر. وترتبط إستراتيجية الترحيل بقضية البُعد الديموجرافي (السكاني) للصراع.

وإذا انتقلنا إلى أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة)، نجد أن عدد السكان الفلسطينيين المقيمين بالضفة وغزة تجاوز أربعة ملايين نسمة، وهو ما يمثل 40% من إجمالي الفلسطينيين الذين شردتهم النكبات المتتالية، حيث يعيش نحو 11% في أراضٍ داخل إسرائيل (عرب 48)، ونحو 28% في الأردن؛ إضافة إلى 16% في دول عربية أخرى، ونحو 5% في باقي دول العالم.

ويبلغ عدد سكان غزة مليوناً ونصف المليون نسمة مكدسين في مساحة لا تتجاوز 360 كم2، حيث تصل الكثافة السكانية إلى 4100 شخص لكل كم2، وهي كثافة مرتفعة جداً بجميع المقاييس، حيث تصل إلى ثمانية أمثال الكثافة في الضفة الغربية، ونحو 13 مثلاً للكثافة السكانية في إسرائيل. ويعيش نحو ثلث سكان غزة في مخيمات. ويصل معدل المواليد في غزة إلى 4.2%، وهو أعلى معدل مواليد في الدول العربية. ولا يكاد ينافس قطاع غزة في هذا المعدل سوى عدد قليل من الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية. وهو ما يعني أن أهل غزة يزداد تعدادهم السكاني كلّ عام نحو 63 ألف نسمة.

وقد نتج من ذلك تركيبة ديموجرافية (سكانية) شابة، حيث نصف السكان دون الخامسة عشرة. ومتوسط حجم الأسرة 6.6 نسمات. وعلى المدى الطويل وخلال العشر سنوات الماضية، زاد عدد السكان من مليون إلى مليون ونصف نسمة، أي زيادة 50% في عشر سنوات. وفي المقابل زاد عدد سكان الضفة الغربية بنحو 40% خلال المدة نفسها من عام 1997 إلى عام 2007.

تُشير التوقعات إلى أن عدد سكان هذه الأراضي سيتجاوز ستة ملايين نسمة بحلول عام 2025. وسيقرب من تسعة ملايين نسمة في عام 2050. ومع استمرار معدل الزيادة في مواليد غزة، من المتوقع أن يتساوى عدد الفلسطينيين من سكان غزة مع عدد الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، وهو ما يضيف عاملاً إضافياً في معادلة توازن القوى في الداخل الفلسطيني.

أمّا عدد سكان عرب إسرائيل (فلسطيني 48)، فيبلغ مليوناً و200 ألف نسمة. وهم يزيدون بمعدل 4.2% سنوياً، ويشكلون حالياً 20% من إجمالي سكان إسرائيل. وطبقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء، يتوقع أن يصل عددهم، عام 2015 إلى مليونَي نسمة. وحتى على افتراض أن إجمالي سكان إسرائيل سيصل إلى سبعة ملايين نسمة عام 2015، فإن نسبة العرب داخل إسرائيل سترتفع إلى 28%؛ وهو ما يُهدد مستقبلاً بأن تتحول إسرائيل إلى دولة مزدوجة القومية. وهو ما يتعارض مع أساس قيامها، وهو المحافظة على نقاء الهوية اليهودية لسكانها.

خطر هذا الأمر يتمثل في زيادة مطالبة عرب إسرائيل بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة، في مجتمع يشكلون نحو ثلثه. وهو ما لا تستطيع أيّ حكومة إسرائيلية تجاهله. ومن هنا جاء إلحاح زعماء إسرائيل اليوم على "يهودية الدولة" وإستراتيجية "الترحيل".

ومن الواضح أن السلوك الإنجابي في قطاع غزة يسير جنباً إلى جنب مع معدلات البطالة بين السكان. فقد كان معدل البطالة قبل الانتخابات التشريعية التي فازت فيها "حماس" 19% في الضفة الغربية مقابل 35% في غزة. وهو ما يشير إلى أنه إذا كان الضلع الأول في المثلث هو إنجاب مرتفع، والضلع الثاني هو بطالة مرتفعة، فإن الضلع الثالث الذي يُكمل المثلث هو حالة اليأس التي لا تلبث أن تتحول إلى طاقة تدميرية، وخاصة إذا ما تحولت غزة بفعل الحصار إلى ما يشبه سجناً مغلقاً.

ومن هنا يجب دراسة هذه السلبيات والرجوع عن هذا التوجيه العقائدي المتمثل في "المقاومة بالإنجاب"؛ إذ إنه لم يثبت نجاحه وفاعليته.

رابعاً: رد إسرائيل إذا ما استمر إطلاق صواريخ جديدة

حتى تثبت حركة "حماس" فشل إسرائيل في تحقيق هدفها من الحرب على غزة، والتي انتهت "مؤقتاً" في 17 يناير 2009، وهو استعادة مصداقية الردع؛ ومما يؤكد أن الحرب لم تنتهِ نهائياً، عاودت "حماس" والجهاد إطلاق الصواريخ على جنوبي إسرائيل. وهو ما دفع إسرائيل إلى الرد بعنف عقب كلّ عملية إطلاق صواريخ، وذلك بشن غارات جوية ضد مواقع عسكرية داخل القطاع، مثل ورش تصنيع وتجميع الصواريخ، ومقار أجهزة الأمن، والأنفاق التي أُعيد بناؤها؛ إضافته إلى نشطاء "حماس" في أماكن وجودهم وأثناء تجوالهم.

فقد هددت "ليفني" وزيرة الخارجية السابقة قائلة: "سيُطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية أخرى في قطاع غزة، إذا لم تدرك "حماس" حقيقة عدم موافقة إسرائيل على عمليات تهريب السلاح إلى القطاع، وعلى استمرار عمليات إطلاق القذائف الصاروخية على أراضيها".

أمّا وزير الدفاع "باراك"، فقد هدد "بشن هجوم أعنف على قطاع غزة، إذا ما استمر إطلاق الصواريخ".

أمّا رئيس الحكومة الجديدة "نتنياهو" فقد عبر عن المفهوم عينه زاعماً أن عملية "الرصاص المصبوب" لم تحقق أهدافها كاملة، وأن "حماس" تُعيد تسليح نفسها وتختبر الموقف الإسرائيلي. ورأى أن حكومته لا تملك إلا استكمال ما استهدفته العملية السابقة، واجتثاث ما أسماه: "قاعدة الإرهاب الإيرانية في قطاع غزة".

أمّا الوزير "إلي بشاي"، فقد طالب الجيش الإسرائيلي بتدمير 100 منزل فلسطيني في قطاع غزة، مقابل كلّ صاروخ تطلقه "حماس" تجاه إسرائيل.

كما دعا نائب وزير الدفاع "متان فلنافي" إلى إعادة احتلال مناطق إطلاق الصواريخ بعمق 5 – 6 كم داخل قطاع غزة. كما لم يستبعد قائد الجبهة الداخلية في الجيش الجنرال "يائير جولان" القيام بحملة عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، وخاصة بعد أن وصل مدى الصواريخ التي لدى "حماس" إلى 45 كم؛ ما يجعلها قادرة على الوصول إلى بئر السبع وأشدود.

وفي الإطار نفسه، لم تكتف إسرائيل بالهجمات الجوية، بل شنت عملية برية بقوات خاصة في شرق خان يونس، يوم 22 مارس 2009. بينما قصفت الزوارق الحربية منطقة "المواصي" الساحلية غرب غزة.

وقد استمرت عمليات القصف الصاروخي من قطاع غزة (اُنظر صورة نتائج قصف صاروخ القسام)، والرد الإسرائيلي بعمليات قصف جوي عنيف ضد أهداف منتقاة في قطاع غزة حتى نهاية مايو 2009. وبعد ساعات من سقوط صاروخ على مستوطنة سديروت ، صرح "يوفال ديسيكين" رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، أنه لا مفر من إسقاط حكم "حماس" قائلاً: "في نهاية المطاف، لدينا طريق واحد فقط. ويجب أن نقرر متى نفعل هذا. أنا أدعي أنه لا حاجة إلى احتلال كلّ القطاع لإسقاط حكم "حماس"". واستدرك ديسيكين قائلاً: "يمكن إسقاط حكمها، ولكن لا يمكن اقتلاع "حماس" من قلوب الناس". وأكد أنه لا أمل في إجراء مفاوضات ما بقيت "حماس" تسيطر على القطاع.

وقد دفعت الهجمات الجوية الإسرائيلية العنيفة التي شنتها إسرائيل رداً على استئناف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، دفعت "حماس" إلى توقفها عن إطلاق الصواريخ، حرصاً على شعب غزة.

وكانت مصر قد نقلت إلى "حماس"، في أبريل 2009، رسالة إسرائيلية مفادها أن الحكومة الإسرائيلية سترد بقوة في حال استمرار إطلاق الصواريخ.

وقد نقلت "حماس" هذه الرسالة إلى أربع فصائل فلسطينية ("حماس" والجهاد الإسلامي والجبهتَين: الشعبية والديموقراطية) عن ضرورة ضبط عملية إطلاق الصواريخ التي تهدد مصالح الشعب الفلسطيني والاستقرار في القطاع.

ولهذا الغرض تم تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة للتنسيق بين الفصائل الأربع، على أن تتولى وزارة الداخلية معالجة الخروق الفردية خارج إطار الفصائل الأربع.

وبالفعل قامت وزارة الداخلية في حكومة "حماس" خلال الأسبوع الأول من مارس 2009، باعتقال 10 من ناشطي مجموعات "حزب الله الفلسطيني" وذلك على خلفية استمرار الحزب في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة من دون التوافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى؛ فهم استطراداً، "خارجون عن الإجماع الفلسطيني".

تضم مجموعات حزب الله الفلسطيني منشقين عن سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ـ ومنشقين عن ألوية الناصر صلاح الدين، ويُعرفون أنفسهم بأنهم متشددون ويتبعون خط أبو مصعب الزرقاوي الذي اغتالته القوات الأمريكية في العراق.

وقد ردت سرايا القدس على ذلك بأن قصفت بلدات في جنوبي إسرائيل رداً على قيام إسرائيل باغتيال "خالد شعلان" أبرز قادتها وثلاثة آخرين من ناشطيها.

وفي الأسبوع الأول من مارس 2009، اتهمت سرايا القدس حركة "حماس" "بأنها تسير على طريق السلطة الفلسطينية في رام الله باعتقالها المقاومين في غزة مثلما تعتقلهم السلطة هناك". وتشوب العلاقة بين "حماس" والجهاد توترات من حين إلى آخر وتتهم الجهاد الحركة بمحاولة السيطرة على المقاومة في القطاع لمنعها من إطلاق الصواريخ.

كانت خلافات سابقة قد تفجرت بين الحركتَين بسبب اتهام الجهاد "لحماس" بمحاولة الاستئثار بالدعمَين: الشيعي والسُّني ومحاولة الاستيلاء على مساجد معروف أنها تتبع الجهاد الإسلامي. ومن المعروف أن الجهاد رفضت غير مرة قبول التهدئة مع إسرائيل وصممت على استمرار إطلاق الصواريخ في اتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية.

خامساً: تداعيات مكافحة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه دمر نصف الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون بين مصر وقطاع غزة، بهدف تهريب الأسلحة والصواريخ، والمُقدر عددها بنحو 300 – 500 نفق.

وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية، في 18 يناير 2009، صرح "يوفال ديسيكين" رئيس الشاباك، أن حركة "حماس" ستتمكن في غضون بضعة أسابيع من إعادة حفر أنفاق التهريب هذه التي دمرها الجيش الإسرائيلي في هجومه على قطاع غزة. ورأى أن "حماس" عانت مما سماه: "صدمة إستراتيجية"، ولم تتوقع أن تطلق إسرائيل عملية بهذا الحجم الكبير، وأن ترسل قواتها إلى داخل قطاع غزة في حرب برية شرسة. إلا أن "العملية لم تسدد ضربة قاضية للأنفاق؛ على الرغم من الضربات القاسية التي تلقتها البنية التحتية".

والهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل خلال الأشهر التي أعقبت وقف إطلاق النار، وحتى مايو 2009، رداً على قصف مستوطنات جنوبي إسرائيل بالصواريخ من قطاع غزة ـ استهدفت تدمير كلّ ما كان يتم اكتشافه من أنفاق في منطقة الحدود برفح.

وقد استعانت إسرائيل بقصاصي الأثر البدو، إلا أنها وجدت أنهم يتعاونون مع المهربين؛ ما دفعها إلى إصدار تعليمات مشددة بعدم إطلاع قصاصي الأثر البدو العاملين مع الجيش على مخططاته المتعلقة بنصب مكامن، حتى لا يتم إبلاغ المهربين بها.

نقلت جريدة "جيروزاليم بوست" في عددها بتاريخ 7 أبريل 2009، أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين يخشون من توجه "حماس" نحو حفر أنفاق كبيرة وواسعة وأكثر عمقاً، على امتداد الخط الحدودي مع مصر وقطاع غزة، واستخدام هذه الأنفاق في تهريب أسلحة وصواريخ بعيدة المدى بعد تفكيكها؛ وتكون قادرة على تهديد العمق الإسرائيلي.

ومن المعلوم أن الطائرات الإسرائيلية من دون طيار كانت قد شنت، في فبراير 2009، غارتَين جويتَين ضد قوافل تحمل أسلحة متجهة إلى حركة "حماس" في غزة، آتية من السودان، وقبل أن تدخل مصر.

إضافة إلى غارة بحرية ثالثة ضد سفينة كانت تحمل كذلك أسلحة في البحر الأحمر متجهة إلى سواحل السودان لتفريغ حمولتها لنقلها براً، بالطريقة نفسها إلى قطاع غزة عبر سيناء.

وفي السياق عينه كانت السلطات القبرصية قد احتجزت، في 29 يناير 2009، سفينة إيرانية محملة بالأسلحة في البحر الأبيض المتوسط متجهة إلى سواحل سورية؛ استجابة لطلب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت إسرائيل قد طلبت من الأمم المتحدة أن تسمح لها بتفتيش سفن يُشتبه بأنها تحمل سلاحاً لحركة "حماس" أو حزب الله اللبناني، كما توجهت إسرائيل بطلب مشابه إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي. وقد حضر مسؤول أمني إسرائيلي جلسات لقاء كوبنهاجن، في 4 فبراير 2009، الذي تم خلاله بحث سُبل مكافحة تهريب الأسلحة إلى "حماس"، وحضره خبراء أمريكيون وأوروبيون.

وكانت جريدة "معاريف" الإسرائيلية قد ذكرت أن السفن الإيرانية تحمل الأسلحة لحركة "حماس" في قطاع غزة، حيث يقوم غواصون إيرانيون بنقلها تحت البحر، ثم ربطها في سفن وقوارب صيد فلسطينية لتعود بها إلى شواطئ القطاع.

وتُعد الحدود بين مصر ورفح هي أكثر المناطق مناسبة لتهريب الأسلحة عبر الأنفاق؛ ما دفع السلطات المصرية إلى رفع سواتر ترابية وحواجز داخل مدينة رفح المصرية الملاصقة لرفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، في محاولة للسيطرة على تجارة الأنفاق. كما عززت أجهزة الأمن المصرية من وجودها داخل مدينة رفح. وتتولى قوات حرس الحدود مهمة ضبط ومراقبة الأنفاق، باستخدام أجهزة المراقبة الحديثة التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة الأمريكية.

سادساً: استعدادات إسرائيل لمواجهة حرب صاروخية بالستية جديدة

في إطار استعدادات إسرائيل لحرب مقبلة واختبار مدى قدرتها على مواجهة هجمات صاروخية مكثفة من عدة اتجاهات عدائية، أجرت إسرائيل، من 31 مايو إلى 4 يونيه 2009، مناورة ضخمة أطلقت عليها: "نقطة تحول ـ 3"، والتي تلت مناورة أخرى أُطلق عليها: "نقطة تحول ـ 2"، نُفذت في أبريل 2009، واستُخدم فيها المقلدات استعداداً للمناورة.

خلال هذه المناورة نفذت تدريبات مكثفة شملت القيادات: السياسية والعسكرية، والسلطات المحلية ووحدات عسكرية والشرطة والدفاع المدني، إلى جانب جميع السكان وطلبة المدارس في إسرائيل.

تولى إدارة المناورة نائب وزير الدفاع الجنرال "أتان فلنائي"، وقد سبق إجراءها مناورة أخرى جوية استمرت ثلاثة أيام، شملت موضوعات تتعلق بقدرة القوات الجوية الإسرائيلية على شن ضربات جوية على مسافات بعيدة تصل إلى 2000 كم (تمثل إيران). جرى خلالها عمليات إمداد بالوقود في الجو، وإعادة تمركز في مطارات دول أخرى، وشن هجمات جوية بواسطة ذخائر خاصة موجهة ذاتياً ضد منشآت نووية تحت الأرض، وإجراء عمليات إبرار جوي لقوات خاصة في عمق العدو، والتقاط طيارين سقطوا أثناء المعارك بعد تدمير أو إصابة طائراتهم.

تُشير توقعات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن إيران ستتمكن خلال النصف الأول من عام 2010 من أن تحصل على كمية من اليورانيوم المخصب 235 بنسبة 90%، تُقدر بـ25 كجم، قادرة على بناء قنبلة نووية أو رأس نووي للصاروخ البالستي "شهاب" أو الصاروخ "سيجل"، والذي يصل مداه إلى 3000 كم. كما تقدر هذه الأجهزة الاستخبارية أن الجهود الأمريكية لإجراء مفاوضات مع إيران أو فرض عقوبات دولية عليها بهدف منعها من استكمال برنامجها النووي ـ ستبوء بالفشل.

وبالتالي لزاماً على إسرائيل أن تشن ضربة جوية وصاروخية وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية لتدمير أو تعطيل البرنامج النووي الإيراني، على الأقل لعدة سنوات.

ومن المنتظر أن ترد إيران بقصف إسرائيل بصواريخ شهاب برؤوس تقليدية: وفوق تقليدية كيماوية وبيولوجية. وستساندها في ذلك كلّ من سورية بشن هجمات بصواريخ سكود، وحزب الله من لبنان، و"حماس" من غزة، بقصف صواريخ قصيرة المدى (كاتيوشا، وقسام، وفجر، وقادر، وزلزال، وجراد.. وغيرها). ومن ثم فإن إسرائيل يجب أن تستعد لصد هذه الهجمات الصاروخية المتزامنة باعتراضها وتدميرها خارج أراضيها باستخدام المنظومات المضادة وبالوسائل القتالية المختلفة التي تبدأ بالإنذار المبكر منها بواسطة الأقمار الصناعية. يلي ذلك قصف مواقع إطلاقها بالمقاتلات واعتراضها في الجو بالصواريخ المضادة، مثل (حيتس، وباتريوت، والقبة الحديدية، وسكاي جارد، وثاد، وفلانكس...). وفي حالة سقوطها داخل إسرائيل يتعين على أجهزة الدفاع المدني أن تقوم بدورها.

هذا إلى جانب التدريب على شن ضربة جوية وصاروخية انتقامية ضد مصادر التهديد في جميع الدول التي ستشارك في قصف إسرائيل. وهذا ما تم التدريب عليه خلال المناورة "نقطة تحول ـ 3"، والتي بدأت في يومها الأول بإطلاق صفارات الإنذار من 2700 جهاز في جميع المدن والبلدات والمستعمرات الإسرائيلية. وتمثلت الهجمات المعادية لإسرائيل في قصف عشرات الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى استهدفت المناطق السكنية والأهداف الإستراتيجية في المناطق الساحلية والوسطى والجنوبية؛ إلى جانب هجمات معادية بعضها انتحاري من جانب إيران وسورية. وأمكن اعتراض بعض الصواريخ، والبعض الآخر نجح في الوصول إلى أهدافه وأحدث تدميراً وتلوثاً وخسائر بشرية ومادية متنوعة.

وقد تم اختبار أجهزة الدفاع المدني، وكفاءة أطقم جهاز الحرب الكيماوية في إزالة آثار التلوث. كما شمل التدريب شن عمليات انتحارية في حافلات وغيرها، واحتجاز رهائن وقصف معسكرات.

كما شملت المناورات كذلك اختبار حكومة "نتنياهو" في إدارة الأزمة وعقد اجتماع طارئ برئاسة رئيس الوزراء، واتخاذ القرارات بوصفها حرب شاملة على إسرائيل، وانتقال الحكومة المصغرة إلى مركز القيادة والسيطرة الإستراتيجي الرئيسي.

إضافة إلى اختبار نظام الاتصالات، وكيفية التعامل مع حجم ضخم من الخسائر: البشرية والمادية، وإزالة الآثار السلبية الناتجة، إلى جانب الاستفادة من الحلفاء في طلب دعم خارجي ومادي، عسكري وسياسي.

وتم تصوير طائرات من دون طيار كنموذج لطائرة سورية أو إيرانية، في إطار المناورات الجوية التي أُجريت يوم 23 يونيه 2009، قرب الحدود مع سورية، وإسقاط الطائرة النموذج التي تمثل هجمات جوية سورية، وكأنها اخترقت الحدود الإسرائيلية، فانطلقت نحوها عدة طائرات F-16 من قاعدة حتسور الجوية، وأمكن اعتراضها وإسقاطها.

وتعقيباً على هذه المناورات، تم تدريب السلاح الجوي الإسرائيلي على اعتراض المقاتلات: السورية والإيرانية MiG-29، التي حصلت عليها الدولتان من روسيا في السنوات الأخيرة.

وقد كشفت مناورات "نقطة تحول ـ 3" عن بعض المثالب في الدفاع عن الجبهة الداخلية، وأن بعض الأحياء خالية من الملاجئ، وجهل بعض المواطنين وعدم معرفتهم بما يجب أن يفعلوه، وأن عدد من الملاجئ غير مجهز بوسائل الحماية.

وقد وجهت هذه المناورات عدة رسائل، أولها إلى شعب إسرائيل لطمأنته إلى استعداد الدولة للتعامل مع أشد التهديدات، بما يقلص خسائره إلى أدنى حدّ؛ إضافة إلى رسالة ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن إسرائيل لن تقبل تحت أيّ ظرف أن يتعرض كيانها لتهديدات من جانب أعدائها.

والرسالة الثالثة والأهم موجهة إلى أعداء إسرائيل، فحوى الرسالة أن إسرائيل مستعدة لمواجهة أسوأ الاحتمالات وهو شن هجمات جوية وصاروخية كثيفة ومتنوعة من أربعة اتجاهات في وقت واحد. وأن إسرائيل مستعدة لتقبل الخسائر: البشرية والمادية. وأنها في الوقت عينه، وهو الأهم، قادرة على توجيه ضربات انتقامية ضد من سيطلقون عليها الصواريخ تكلفهم أضعاف ما ستتعرض له إسرائيل من خسائر، مع عدم استبعاد لجوئها إلى استخدام سلاحها النووي إذا ما تطلب الموقف ذلك، وتقصد إذا ما تعرضت لصواريخ مزودة برؤوس: كيماوية وبيولوجية.

سابعاً: الانقسام الفلسطيني وجهود المصالحة

شاهد العالم كلّه، خلال حرب غزة الأخيرة، الخلافات بين المنظمات الفلسطينية العديدة، وخلافات الدول العربية، وانشقاق الفصائل، وتفريخ فصائل أخرى باعت نفسها لدول ومنظمات: عربية وغير عربية؛ وهو يُعد ما النكبة الرئيسية في سبيل حل القضية. وبات العالم يسمع بوجود عشرات المنظمات والأحزاب الفلسطينية المتناحرة والمنتمية إلى هذا الاتجاه أو ذاك.

والمشكلة أن أحداً لا يتعلم من دروس التاريخ وعبره، وآخرها ما جرى خلال أيام العدوان الأخير على غزة. فقد ترك معظم الفصائل الفلسطينية إسرائيل تمارس مذابحها واعتداءاتها، وتَعيث في غزة دماراً وفساداً وقتلاً، وانصرفت تلك الفصائل إلى تبادل الاتهامات وتحريض بعضها على بعض، أو على هذه الدولة أو تلك.

1. جذور وأسباب الصراع بين "فتح" و"حماس"

بالعودة إلى مرحلة ما قبل العدوان، كانت غزة موضع تجاذبات: محلية وإقليمية ودولية. فلم تعد غزة تلك الرقعة المستطيلة المعزولة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين إسرائيل ومصر؛ وإنما أصبحت جيباً يمارس تأثيرا جيوسياسياً متزايداً.

وبعد أن نجحت حركة "حماس" في إقصاء حركة "فتح" وفرض سيطرتها الكاملة على القطاع. وعلى الرغم  من خروج "فتح" وهزيمتها، إلا أنها مضت قدماً في مواصلة الصراع مع "حماس"، ولكن بوسائل سياسية وعقائدية.

أمّا داخل قطاع غزة، وتحديداً داخل "حماس"، فقد تحول صراع السلطة والثروة الذي كان دائراً بين الحركتَين: "فتح" و"حماس"، إلى صراع سلطة وثروة بين أجنحة "حماس".

ومن أسباب هذا الصراع الاختلاف حول مفهوم النظام السياسي والسلطة السياسية بمعنى الكلمة، ذلك أن الساحة الفلسطينية لا تفتقد حيزاً جغرافياً محدداً تُقيم فيه مؤسساتها وتمارس فيه سلطاتها؛ وإنما هي تفتقد المجتمع المستقل الذي يُشكل الولاء جزءاً منه. ولا يخفف من وطأة هذه الحقيقة قيام سلطة في الضفة والقطاع مع افتراض توحدها؛ على الرغم من كون هذه السلطة ما زالت بطور التكوين، وبحكم وجود سلطة احتلال وعدم تحقيق الاستقلال الوطني بشكل كامل، وعدم ممارسة أيّ نوع من السيادة.

كذلك نشأة ونمو منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج جعلاها مضطرة إلى الخضوع والتكيف مع الشروط الرسمية لدول ذلك الخارج، وبالتالي التأثر بالاختلافات والتباينات: السياسية والأيديولوجية والمصلحية بين الدول العربية، وتوظيف هذه الظروف الصعبة لمصلحتها. في ظل ذلك ما كان في إمكان الفلسطينيين توليد حركة سياسية موحدة ومستقلة بحكم التداخلات والتجاذبات مع الواقع العربي.

عزز من هذا الانقسام الفلسطيني عجز الحركة الوطنية الفلسطينية بتشعباتها عن فرض نفسها على شعبها، بحكم غياب الحقل الاقتصادي الإنتاجي المستقل، واعتمادها على المعونات الخارجية التي تزيد من ترسيخ التبعية السياسية والأيديولوجية الفلسطينية للجهة التي تدفع وتقدم هذه المعونات.

وهكذا اختلفت الحركة الوطنية الفلسطينية عن غيرها، بأنها نشأت خارج أرضها ولم تعتمد على شعبها بقدر ما اعتمد شعبها عليها. وفي الجانب الآخر، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى التكيف مع عدو يشكل ويصنع حصاراً ويملي شروطه. أضف إلى ذلك أن علاقة هذه الحركة بمجتمعها الفلسطيني في الداخل ظلت علاقة محدودة من جهة المشاركة والمؤسسات والتفاعل السياسي، وكانت في الأغلب علاقة عاطفية ورمزية.

وفي كلّ هذا استطاعت حركة "فتح" إدارة هذا النظام الذي يعتمد على الزعيم (الأب). وكان الفلسطينيون يمنحون قيادة المنظمة ثقتهم بشكل عفوي وتلقائي وعاطفي، بحكم حرمانهم الهوية الوطنية.

وإذا انتقلنا إلى الوضع بعد انحسار العدوان الإسرائيلي على غزة، فسنجد أن الوضعية الفلسطينية قد أُصيبت بتصدعات مخطرة، قد تفضي إلى انهيارات بنيوية بفعل تضافر عوامل خارجية غير مساعدة، وعناصر داخلية فلسطينية مهيأة لاستقبال السلبيات. فقد سارعت الفصائل التي يُقيم قادتها في سورية إلى توجيه اتهامات "التخوين" و"التواطؤ" إلى غير ذلك من مظاهر التهم ضد السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، وتصنيف للفصائل الفلسطينية بين "فصائل مناضلة" وفصائل أخرى "مساومة". وهو الأمر الذي دفع الكثيرين في العالم العربي إلى تحميل قادة الفصائل الفلسطينية المتناحرة مسؤولية ما حل بالشعب الفلسطيني من كوارث.

2. الصراع داخل "حماس"

لقد شمل صراع الأجنحة داخل "حماس" جوانب متعددة، كالآتي:

(1) الجانب العسكري: على الرغم من أن قيادة كتائب القسام كانت ميدانياً في يد "أحمد الجعبري"، إلا أن مرجعيته السياسية كانت في يد "عماد العلمي" و"خالد مشعل" الموجودَين خارج غزة في دمشق. لذلك كان ينظر الكثيرون إلى "العلمي" على أنه هو الأكثر ارتباطاً بالنظام الإيراني وأجهزته الأمنية.

(2) الجانب الأمني: تكوين ما يُعرف بـ "القوة التنفيذية"، التي كان يقودها "سعيد صيام" وزير الداخلية الذي اغتالته إسرائيل أثناء الحرب. وفي الوقت نفسه تم تكوين جهاز أمن داخلي جديد يقوده "الزهار" و"صيام" و"هنية". كما استطاع "هنية" من جانبه أن يكوّن جهازاً ثالثاً خاصاً به "جهاز الأمن والحماية"، وكان طبيعياً أن تتضارب هذه الأجنحة والأجهزة على النحو الذي أدى إلى تزايد التوترات بين أجنحة "حماس".

(3) الجانب الاقتصادي: ساد خلاف بين "كتائب القسام" و"القوة التنفيذية" حول من يقوم بالإشراف على نقل السلع وتهريبها من الخارج عبر الأنفاق إلى داخل القطاع.

وقد برز أثناء الحرب الأخيرة على غزة وجود خلافات عميقة بين ما يُطلق عليه "حماس" الداخل، و"حماس" الخارج، أو "حماس" السياسي و"حماس" العسكري، حيث سعى كلّ منهما إلى تأكيد أن فريقه لديه القدرة على قيادة "حماس" في المستقبل.

حيث بدا واضحاً أن قيادات "حماس" في الداخل تضيق ذرعاً بممارسات قادة "حماس" من الخارج الذين يتمتعون بكلّ شيء، في الوقت الذي يلقى قادة الداخل الحرمان والقهر والحصار.

3. جهود مصر في تحقيق المصالحة

منذ ما قبل العدوان الإسرائيلي على غزة، ومصر تسعى إلى إجراء مصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة، وخاصة "حماس" و"فتح"، لرأب الصدع الفلسطيني وتوحيد الموقف في مواجهة إسرائيل.

ثم وقع العدوان، وانتهى إلى نتائجه المعروفة والوخيمة. وحدث ما حدث من تبادل الاتهامات بين الفريقَين.

ضغطت مصر لاستئناف حوار المصالحة لمواجهة حكومة اليمين المتطرف التي يرأسها "نتنياهو" في إسرائيل، الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم.

كما طالب الرئيسان الأمريكي "أوباما" والفرنسي "ساركوزي"، وغيرهما من زعماء العالم، بتوحيد صف الفصائل الفلسطينية. ولم يكن خافياً على أحد أن دولاً في المنطقة على رأسها سورية، كانت تصر على أن تتم جولات المفاوضات في دمشق.

وعلى الرغم من كلّ هذه المعوقات، فإن مصر لم تيأس من تحقيق المصالحة، فدعت في فبراير 2009، إلى جلسات حوار فلسطيني يضم جميع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، وبعض القوى المستقلة؛ لتوحيد الصف.

وقد انطلق الحوار، في 26 أغسطس 2009، بكلمة قصيرة للوزير "عمر سليمان"، طالب فيها ممثلي الفصائل بأن يجعلوا قرارهم بأيديهم. وقد تم الاتفاق على تشكيل خمس لجان لبحث وحسم الموضوعات الرئيسية وهي: المصالحة، والحكومة، والأمن، والانتخابات، ومنظمة التحرير. واستمر الحوار عبر ست جولات في مصر، تخللته خلافات، تدخل الوسيط المصري على إثرها مهدداً ومنذراً بمخاطر الفشل.

ومع استمرار الفشل وتكرار المفاوضات، تقلص الهدف وانحصر في مجرد (استمرار المفاوضات وألا تنقطع).

طالبت "حماس" بمشاركة عربية أوسع تضم سورية وقطر والمملكة العربية السعودية والأردن، وأنه بدون ذلك لا يمكن لجلسات الحوار المقبلة أن تؤدي إلى نتيجة.

ولا يتفاءل المراقبون بإمكان تحقيق نجاح حاسم في الجولات المقبلة من الحوار؛ لأنها لن تكون بأفضل من نتائج الجولات السابقة.

وقد انكشفت أثناء جلسات الحوار حقائق مهمة كانت وراء تعثر المصالحة، منها أن "حماس" لا تستطيع أن تقبل مصالحة تفقدها قدرتها التي تمكنت منها بعد فوزها في الانتخابات. في حين تنطلق رؤية السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" من أن "حماس" هي التي يجب أن تأتي للمشاركة على أساس سياسي جديد.

وقد أبدت مصادر: فرنسية وأوروبية، يأسها من الوضع الفلسطيني الداخلي، ومن إمكانية توصل حركتَي "فتح" و"حماس" إلى تفاهم، ووضع حدّ للنزاع الدامي بينهما.

ثامناً: ملامح المبادرة الأمريكية المتوقعة

في ضوء المعطيات الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية والعالمية، والتي بدأت منذ تولي الرئيس "أوباما" الحكم؛ وعلى الرغم من حرص الرئيس في اجتماعه مع رؤساء المنظمات اليهودية على تأكيد دعم بلاده التقليدي لإسرائيل؛ إلا أنه طالبهم بالضغط على إسرائيل لتقبل ما أسماه: "مقترحات حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين". وقد أبدى المجتمعون معه تأييدهم لممارسة ضغوط على إسرائيل، ولكنهم طالبوا أن تغير الإدارة الجديدة نبرتها مع إسرائيل، وأن تمارس ضغوطاً على الدول العربية لتحسين علاقاتها بإسرائيل؛ وهو ما أبدى "أوباما" تفهماً له.

ومن المتوقع أن يُعلن الرئيس "أوباما" مبادرة أمريكية لحل المشكلة الفلسطينية، أصبح المناخ ملائماً لها، في ضوء معطيات جديدة أصبحت تشكل منطلقاً للتوجه الأمريكي، أبرزها:

1. تأكُّل المحور الإيراني ـ السوري ـ حزب الله اللبناني ـ "حماس"، وذلك بعد أن انكشف ضعف الموقف الداخلي في إيران. وتخشى واشنطن اختراقاً في علاقاتها بسورية. وهزيمة حزب الله في لبنان الأخيرة. وما أكدته استخبارات: إسرائيلية وغربية من تراجع تهريب الأسلحة من إيران إلى "حماس" الناتج من إحكام الحصار الأمريكي ـ الأوروبي ـ الإسرائيلي على طرق وممرات تهريب السلاح إلى غزة، براً وبحراً وعبر الأنفاق الحدودية.

ومن المعطيات الجديدة كذلك التي سوف تؤثر في صياغة المبادرة الأمريكية، ضعف موقف "حماس" في غزة، وأنه من المتوقع أن تفقد "حماس" مساندة الغزاويين بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، وذلك نتيجة تضرر سمعة "حماس" بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع في الحرب الأخيرة.

2. من المعطيات الجديدة كذلك تزايد الضغط الدولي على إسرائيل لحملها على الاستجابة لمتطلبات السلام، ووقف الاستيطان، وإقامة الدولتَين، وتنفيذ القرارات والاتفاقيات الدولية. الأمر الذي دعا "خافيير سولانا" المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، أن يطرح فكرة تحديد تاريخ محدد لإقامة دولة فلسطينية، يتم الاعتراف بها من قِبل مجلس الأمن، في حالة عدم توصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق.

ولأول مرة كذلك، تبعث الخارجية البريطانية برسالة سرية إلى إسرائيل، في أعقاب ضغوط برلمانية وضغوط منظمات حقوق الإنسان، تفيد أنها قررت إعادة النظر في أسس تصدير السلاح إلى إسرائيل على خلفية حرب غزة.

وكانت جريدة "هاأرتس" قد أفادت بأن الرئيس الأمريكي سيعلن قريباً عن خطة لدفع عملية السلام تحدد جدول أعمال زمنياً لضمان إدارة المفاوضات بشكل ملزم. لكنها أضافت أن الخطة لا تتطرق إلى تفاصيل المفاوضات، وإنما تطرح "إطار المفاوضات، وشكل إدارتها، وآليات متابعتها، والجدول الزمني لذلك".

أمّا تفاصيل المبادرة في ما يتعلق بقضايا الحل النهائي، فإن هناك أحاديث عن إمكانية العودة لوثيقة أمريكية قديمة، أعدتها وزيرة الخارجية السابقة "مادلين أولبرايت"، عام 2000، لتكون تصوراً نهائياً لحل القضية الفلسطينية، أهم ما جاء فيها:

البند 1: يكون نهر الأردن والجسور المقامة عليه من الجهة الغربية تحت السيادة الفلسطينية، على أن يتم نشر قوة مراقبين دولية تضم في صفوفها وحدة إسرائيلية كبيرة.

البند 2: تخضع منطقة غور الأردن على الجانب الغربي للسيادة الفلسطينية، مع تمتع الإسرائيليين بحق استئجارها لمدة طويلة من الزمن (رفض الفلسطينيون هذا الاقتراح).

البند 3: تقول وجهة النظر الأمريكية، وفقاً لوثيقة أولبرايت هذه، أن هناك صيغة عامة في ما يتعلق بحق العودة، تُلبي المطلب الفلسطيني والعربي. ولكن يجب أن يكون معروفاً أن هذا الحق بالنسبة إلى الأراضي الإسرائيلية لن يكون مطلقاً، ولكن سيقتصر على عدد محدود جداً لا يشكل أيّ قلق لإسرائيل. أمّا بالنسبة إلى أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة، فإنه سيكون وفقاً لما يقرره الفلسطينيون أنفسهم.

البند 4: حل قضية القدس يجب أن يستند إلى القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار الرقم 242، مع الأخذ في الحسبان ضرورة التعاطي مع وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بإمكانية إخضاع أحياء عربية في هذه المدينة للسيادة الفلسطينية، وضم الأحياء اليهودية (حائط المبكى) إلى إسرائيل من الناحية الديموجرافية.

وقد ذكرت جريدة "معاريف" أن "بيريز" عرض فكرة لتسوية مرحلية للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني مستنداً إلى مشروع طُرح عام 2000، ورفضته السلطة الفلسطينية، وهو يتلخص في إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، من دون القدس ومن دون تسوية قضية اللاجئين، وتتضمن بنوده:

أ. إقامة دولة فلسطينية على 80% من مساحة الضفة الغربية، على أن تظل بقية المنطقة بأيدي الإسرائيليين على شكلَين:

الأول: يضم الكتل الاستيطانية والطرقات التي توصل إليها، وهي بمساحة 10% من مساحة الضفة.

الثاني: غور الأردن، ويؤجر لإسرائيل لمدة 20 سنة.

ب. يؤجل البحث في موضوعي القدس واللاجئين الفلسطينيين إلى المفاوضات حول التسوية الدائمة التي تجري عندما يحين الوقت لذلك بين الطرفَين، بحيث تجري المفاوضات بين دولتَين (إسرائيل وفلسطين).

ج. المفاوضات حول الدولة ذات الحدود المؤقتة لا تتم مع السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير، كما جرت الأمور حتى اليوم، بل مع وفد من الجامعة العربية يضم ممثلين عن السلطة الفلسطينية، حتى تكون نتائجها مقبولة من معظم الفلسطينيين في قطاع غزة، وليس الضفة الغربية فقط.

وتدعي إسرائيل في تفسير وتبرير هذا التوجه، أنه لا يوجد في الطرف الفلسطيني من يفاوض إسرائيل، فالرئيس "عباس" يرفض التفاوض حالياً، فالقيادة الفلسطينية ممزقة ومتصارعة فيما بينها، ولا توجد قيادة موحدة يُعتمد عليها.

وقد عُرض هذا المشروع على بعض القادة العرب ومعظمهم تحفظوا منه، منتظرين ما يمكن أن يقدمه الرئيس الأمريكي، في خطته للسلام في الشرق الأوسط.

تاسعاً: تداعيات بناء "الجدار الفولاذي" على حدود مصر ـ قطاع غزة

على الرغم من إقامة السواتر الترابية وحواجز داخل مدينة رفح المصرية الملاصقة لرفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، لم تتوقف الأنفاق الأرضية عن العمل، ما إن يحل الظلام حتى ينطلق في باطن الأرض على الحدود المصرية مع قطاع غزة، بشر وسلع وحيوانات، في مشهد يعكس حياة سرية لا تتوقف إلا مع طلوع الفجر.

أنفاق رفح ظاهرة حدودية فرضت نفسها عقب الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982، وكانت تستخدم آنذاك في تهريب السلاح والممنوعات إلى أن انقلب الحال رأساً على عقب لتشهد أنشطة الأنفاق تطوراً مذهلاً عقب زوال الاحتلال الإسرائيلي عن القطاع عام 2005، وصولاً إلى سلسلة من الإجراءات التي مارسها الاحتلال بعد استيلاء "حماس" على السلطة عام 2006، واقتصار السلع المسموح بدخولها على المواد الغذائية وبعض أنواع الأدوية في حصار شرس تسبب في تحول عملية بناء وحفر الأنفاق إلى نوع من الصمود، أسهم في نجاحه العلاقات الممتدة بين القبائل في كلتا الرفحَين: المصرية والفلسطينية.

وقد أفردت الجرائد المصرية الصادرة في 22 ديسمبر 2009، خبراً لشهود عيان في منطقة رفح أكدوا فيه أن هناك أربعة ماكينات حفر عملاقة تواصل العمل في ما يسمى: "الجدار الفولاذي". وهي تعمل منذ أسابيع على الشريط الحدودي بين رفح المصرية والفلسطينية والبالغ طوله 14 كم، موضحين أن الذين يقومون بتشييد هذا الجدار هم من المصريين التابعين لشركة "المقاولون العرب". وقد تم الانتهاء من أعمال البناء بالفعل لمسافة كيلومترَين.

وأضافت جريدة "الوفد" المصرية أن السور المزمع إنشاؤه يقام على عمق 18 م تحت سطح الأرض. وهو من الفولاذ المقسم إلى قطع أبعادها 8×12 م. ومن المنتظر أن يمتد من منطقة تل السلطان حتى معبر رفح البري (اُنظر صورة شاحنات تحمل الفولاذ المقسم).

وأضافت الجريدة أن العمل توقف يوم 21 ديسمبر 2009 في بناء السور الفولاذي الذي يقام على الحدود مع قطاع غزة، بعد اعتداء عناصر من حركة "حماس" على معدات بناء السور، حيث فتحت عناصر "حماس" نيران أسلحتها الرشاشة، على ثلاثة أوناش ضخمة وجهاز دقاق يستخدم في بناء السور الجديد؛ ما أدى إلى تعطل العمل. فأسرعت عناصر من القناصة المصرية إلى اعتلاء أسطح المنازل القريبة من منطقة بناء السور في رفح المصرية، حيث تمكنت عناصر "حماس" من الهروب.

قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، أثناء مرافقته الرئيس مبارك في زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، رداً على سؤال لقناة "العربية" حول ما يثار عن إنشاء جدار على حدود مصر مع قطاع غزة، قال إن أيّ إجراءات لصيانة الأمن القومي المصري، وتأمين الحدود، مهما كان شكل هذه الإجراءات سواء أعمال إنشائية أو هندسية، أو معدات جس أو معدات للاستماع (تنصت) فوق الأرض أو تحتها، هي شأن مصري يتعلق بالأمن القومي المصري؛ مشدداً على أنه يدخل في مسؤوليات الدولة وأسرارها.

وأضاف أبو الغيط "أن هناك سوراً أقامته مصر منذ سنوات، وأيضاً بقايا سور أقامته إسرائيل"؛ موضحاً أن الأول تم تحطيمه عندما تحركت جموع الشعب الفلسطيني في غزة نحو مصر عام 2008. وتمت إعادة بنائه مرة أخرى؛ لأن هناك خطاً للحدود يجب أن يحترم؛ ومن لا يحترمه يصبح معتدياً على السيادة المصرية.

وتابع وزير الخارجية المصري أن هناك تهديدات تسعى على إحداث فروقات من خارج سيناء إلى داخلها، وإلى داخل الأراضي الفلسطينية. كما أن هناك من يسعى إلى إحداث خروقات من قطاع غزة إلى سيناء ومنها إلى الأراضي المصرية؛ ومن يترك أمور الأمن القومي نهباً لهذه المحاولة أو تلك، يكن قد تهاون في أمن الوطن؛ وهو شيء مقدس.

وفي ذات الشأن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير "حسام زكي"، أن الحديث عن بناء الجدار مصدره الأساسي جريدة إسرائيلية ثم تناقلت الخبر عنها بعض وسائل الإعلام دون أن يكون لدى هؤلاء معلومات واضحة حول الإجراءات التي تقوم بها مصر؛ مشدداً على أن الخوض في هذه الأمور هو مساس بالأمن القومي المصري؛ مؤكداً أن مصر تختار من الإجراءات ما يحمي أمنها نافياً أن تكون هذه الإجراءات بهدف معاقبة "حماس" والضغط عليها.

وفي فلسطين دعا النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي "أحمد بحر" الكتل البرلمانية والمستقلين والقوائم إلى جلسة طارئة يوم 23 ديسمبر 2009 لمناقشة آثار بناء الجدار الذي حذر من "مخاطر كارثية" في حال إكماله.

وقال مصدر في كتلة "حماس"، إنها تعُد ورقة عمل قانونية لإعلانها حول بناء الجدار بصفته "جريمة حرب". ويسهم في تشديد حصار مليون ونصف المليون فلسطيني داخل قطاع غزة. وكان العشرات من أتباع حركة "حماس" قد تجمعوا رافعين الأعلام الخضراء أمام السور الفولاذي بمنطقة صلاح الدين الحدودية، والذي اكتملت أعمال بنائه بطول نحو كيلومترَين في المنطقة الممتدة من معبر رفح حتى بوابة صلاح الدين.

أدى بناء السور الجديد إلى إزالة أعداد كبيرة من أشجار الموالح والزيتون في المنطقة. وقررت محافظة شمال سيناء تعويض المتضررين من إزالة الأشجار بنحو 250 جنيهاً لكلّ شجرة.

وقال عدد من أصحاب الأنفاق إن المصريين في رفح لا يقبلون استمرار الحصار المفروض على أشقائهم في غزة ويرفضون أن يموتوا جوعاً لذلك يساعدونهم على التخلص من تبعات الحصار بتوصيل السلع إليهم عبر الأنفاق، مؤكدين أنها نحو 400 نفق. يتكلف إنشاء النفق الواحد زهاء 200 ألف دولار، وذلك نظراً إلى الطبيعة الجيولوجية لصحراء سيناء حيث يتميز سطح الأرض بتربة رملية على عمق مترَين ويلي ذلك تربة طينية بدرجات ليونة مختلفة؛ وقد يتخلل ذلك حجر رملي. أمّا عمق النفق، فيراوح بين 15 و35 م.

وقد أجمع كلّ التجار المتعاملين مع الأنفاق أن الأنفاق لعبت دوراً أساسيا أثناء حرب إسرائيل على غزة 2008-2009، حيث عملت جميع الأنفاق بلا أيّ مقابل مادي في توصيل الأدوية وبعض الأطباء المتطوعين إلى القطاع. ونظراً إلى الزحام الشديد على معبر رفح كانت الأنفاق تعمل بجميع طاقتها ليلاً ونهاراً.

وفي سياق التعاون المشترك بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "ليفني" ونظيرتها الأمريكية السابقة رايس، أبرم الاتفاق بينهما والذي وقعته الوزيرتان في يوم 16 يناير 2009، في أعقاب تباشير انتهاء الحرب على غزة. وتنص المادتان الأولى والثانية منه على الآتي (اُنظر ملحق نص اتفاق رايس ـ ليفني حول التهريب إلى غزة، 16 يناير 2009):

1. سيعمل الطرفان بتعاون مع دول الجوار، وبشكل مواز سيعملان مع الدول الأخرى في المجتمع الدولي، لمنع تهريب الأسلحة والمواد ذات العلاقة للمنظمات الإرهابية التي تهدد أيّاً من الطرفَين، وبشكل خاص التركيز في تزويد الأسلحة والمواد ذات العلاقة والمتفجرات ومنعها من الوصول إلى غزة إلى منظمة "حماس" والمنظمات الإرهابية الأخرى.

2. ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع الشركاء في المنطقة وفي حلف شمال الأطلسي لمعالجة مشكلة تزويد الأسلحة والمواد ذات العلاقة وتنقلات الأسلحة والشحنات البحرية إلى "حماس" وإلى المنظمات الإرهابية الأخرى في غزة. ويشمل ذلك النقل في البحر الأبيض المتوسط، وفي خليج عدن، والبحر الأحمر وفي شرقي أفريقيا، من خلال تحسينات على الترتيبات الحالية أو من خلال إطلاق مبادرات جديدة لزيادة فاعليات هذه الترتيبات في ما يتعلق بمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. وأضافت الاتفاقية العلم بالجهود التي يقوم بها الرئيس المصري مبارك وبشكل خاص الاعتراف بأن ضمان حدود غزة أمر لا غنى عنه، وإدراك أن ذلك يضمن إنهاء القتال في غزة بشكل قوي ودائم.

وفي مقال تحت عنوان: "جدار مصر الفولاذي في نظر القانون الدولي"، للدكتور عبدالله الأشعل، ذكر الرأي القانوني محللاً إياه كالتالي:

من حق أي دولة أن تفعل ما تشاء داخل حدودها لتأمين نفسها من جيرانها. ولكن القاعدة المستقرة في القانون الدولي هي أن حق هذه الدولة مقيد بالتزام عدم الإضرار بشكل غير مشروع بالدولة المجاورة أو الإقليم المجاور.

لكن لما كان القانون الدولي يَعُد غزة أرضاً محتلة وأن حصارها من الجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية لسكانها، فضلاً عن كونه جرائم حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فقد أوجب القانون الدولي على الدول أطراف المعاهدات التي تجرم هذا العمل أن تسعى إلى فك هذا الحصار وإنقاذ السكان وكفالة الحدّ الأدنى من الظروف الإنسانية لبقائهم.

أمّا بالنسبة إلى مصر، وبسبب وضعها كمنفذ وحيد على الجانب الآخر لغزة فقد رتب القانون الدولي عليها التزامات أقصى، وهي ضرورة فتح معبر رفح وكلّ منافذ الحدود الأخرى؛ لإنقاذ غزة من مخطط الإبادة الإسرائيلي.