إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة






منطقة القوقاز (الخريطة الطبيعية)
منطقة القوقاز (الخريطة السياسية)
الدول الواقعة غرب روسيا
الدول المحيطة بالبحر الأسود
الدول المحيطة ببحر قزوين
جمهوريات جنوبي روسيا
دول الاتحاد الأوروبي
دول الاتحاد السوفيتي السابق
دول الكومنولث المستقلة
دول بحر البلطيق (1)
دول بحر البلطيق (2)
دول حلف شمال الأطلسي
جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا
خط أنابيب باكو ـ تبليسي ـ جيهان
روسيا الاتحادية، والدول المرتبطة بها
غرب روسيا الاتحادية



فهرس الدراسة

هل تعود الحرب الباردة مرة ثانية؟

في إطار الأزمة الجورجية، برزت أزمة أخرى لا تقلّ عنها خطراً، وهي توقيع الولايات المتحدة الأمريكية مع بولندا اتفاقاً لنشر جانب من النظام الدفاعي الصاروخي الأمريكي، وتشغيله فوق الأراضي البولندية، وهو الأمر، الذي زاد من غضب القيادة الروسية إيذاناً باحتمال بداية مرحلة فعلية جديدة من مراحل الحرب الباردة.

وما زاد من تعقد الأمور، أن أوكرانيا سرّبت نواياها الخاصة بالانضمام لنظام الدفاع الصاروخي الأمريكي، وذلك عقب انسحابها خلال العام الحالي من اتفاق يسمح لروسيا بتأجير بعض محطات الرادار في أوكرانيا. ومع انضمام ثلاث دول من الدول المحيطة بالبحر الأسود[1] إلى حلف شمال الأطلسي، وسَعْي الحلف إلى ضمِّ كلٍّ من جورجيا وأوكرانيا، يصبح الأسطول الروسي في البحر الأسود مهدداً، بأن يكون محاصراً في بحيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي في غضون سنوات قليلة.

ولاشك أن هذه الإجراءات من جانب الغرب والحلف، فضلاً عمّا حدث في القوقاز، كلّها أكدت لمتخذ القرار في الكرملين، أن روسيا الاتحادية تتعرض لحصار فعلي من قبل الحلف، وهو الأمر الذي عَبَّر عنه الخطاب السياسي الروسي الخارجي خلال الشهور الماضية، الذي تراوح بين اللوم والتلويح بالعداء، وصولاً إلى اقتحام الأراضي الجورجية، في محاولة لتأكيد سيطرة روسيا على القوقاز، واستئناف طلعات القاذفات الإستراتيجية في أنحاء العالم، ونشر الأسطول الروسي في المواقع البحرية الحاكمة. ومن جانب آخر، وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق والتضييق على إيران، وجدت روسيا التي فقدت حليفها العراقي ، الفرصة مواتيه لاستغلال الورقة الإيرانية للمساومة عليها في وقف الزحف الأمريكي. وليس بخاف تلك الفائدة الكبيرة التي جناها الروس من جراء استمرار حالة التوتر الإيراني الأمريكي، وما تبعها من ارتفاع لأسعار النفط.

وفي الوقت نفسه، ولمواجهة التحركات الأمريكية اتجهت روسيا نحو: (1) تدعيم روابطها مع الصين ومع دول وسط آسيا، من خلال تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون؛ (2) توقيع اتفاقيات تعاون ثنائي مع الصين؛ (3) تسـريب معلومات وتلميحات إعلامية، حول إمكانية عودة روسيا لتشغيل محطة التنصت المعروفة باسم (لودرس) فوق الأراضي الكوبية، والتي كانت روسيا قد أغلقتها عام 2001؛ (4) أطلقت تلميحات أخرى حول إمكانية نشـر القاذفات الروسية في كوبا، على مسافة 90 ميلاً من جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية؛ (5) تسريب أنباء عن وجود خطط روسية لنشر صواريخ إسكندر الروسية في سورية، مع توقعات بإمكانية إقامة قواعد بحرية وجوية فيها؛ (6) تسريبات أخرى بوجود خطط لتزويد إيران بنظم صاروخية متقدمة، وأنظمة دفاع جوي متطورة. هذه الإجراءات والتلميحات كانت بمثابة رسائل واضحة إلى الغرب.

وهكذا اتجهت روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستعانة بأدوات مختلفة لتحقيق أهداف سياستهما الخارجية؛ وهي أهداف تتراوح بين استخدام الأدوات الدعائية والاقتصادية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية[2])، وصولاً إلى المرحلة الأكثر خطورة والمتمثلة في الأدوات العسكرية. لذا، فإن الحرب الباردة يمكن أن تتصاعد مرة ثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

إلاَّ أن عدداً من المحللين السياسيين يؤكدون أن أحداث جورجيا والسلوك الروسي العنيف ليست، بأي حالٍ من الأحوال، عودة إلى "الحرب الباردة"؛ ولكنها محاولة مخططة لها من قِبَل روسيا، كانت تنتظر الوقت الملائم لتنفيذها لإعادة التوازن إلى النظام الدولي المُخْتَلّ بحكم "الهيمنة المقننة"، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الهيمنة تعني، من بين ما تعنيه، أن ما تقوله واشنطن في أي شأن اقتصادي أو سياسي أو ثقافي يصبح قانوناً لا رجعة عنه. وأن من حقِّها وحدها مخالفة المعاهدات الدولية، أو خرقها أو الانسحاب منها. وأن إرادتها هي الإرادة المطلقة، وأنها وحدها المُشَرِّع العالمي في شؤون الحرب والسلم، وفي ميادين الاقتصاد والدفاع والثقافة.

ويقرر هؤلاء المحللون أن الحرب الباردة، التي دارت بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية كانت حول الصراع الأيديولوجي بين الشيوعية، من جانب، والرأسمالية، من جانب آخر. والصراع الحالي لا يدور حول الأيديولوجية ولكنه يتركز في الجغرافيا السياسية. أي أنه يتعلق بمحاولة روسيا، بعد أن تعافت اقتصادياً وعسكرياً، تنظيم النطاق الجغرافي المحيط بها، تحقيقاً لأهداف الأمن الوطني الروسي، وعدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية أن تُحيط بروسيا من خلال اتفاقيات سياسية أو تحالفات عسكرية، سواء مع جورجيا أو أوكرانيا، أو غيرهما من دول الاتحاد السوفيتي السابق.

والسؤال، هل الردّ العسكري الروسي العنيف، الذي وُجِّه إلى محاولة رئيس جورجيا ضم أوسيتيا الجنوبية بالقوة المسلحة، هو بداية النهاية للهيمنة الأمريكية المطلقة على شؤون العالم؟ لقد بدأت الدول الغربية وعدد من دول آسيا مراجعة موقفها، بعد تصميم روسيا على إعادة التوازن للنظام الدولي، وبداية الانتقال من عصر القطب الأوحد إلى عصر تعددية الأقطاب، خاصة أن عدداً من هذه الدول ترفض الهيمنة الأمريكية، وما جرته على العالم من حروب وفوضى، خلاقة وغير خلاقة، وفشل في حرب لا تظهر لها نهاية على الإرهاب. إن روسيا تدخل المعركة وهي مسلحة بقوتها الاقتصادية، وسيطرتها على تدفقات الغاز إلى أوروبا، إضافة إلى قوتها العسكرية، مستغلة تورط واشنطن في أفغانستان والعراق، وما تجنيه، في الشرق الأوسط، من عبء نتيجة تصرفات حليفتها إسرائيل؛ فضلاً عن مشاعر الكراهية التي تضاعفت خلال ولاية الرئيس بوش الابن.



[1] دول البحر الأسود هي: تركيا، جورجيا، رومانيا، أوكرانيا، روسيا، بلغاريا. منها ثلاث دول ضمن حلف الناتو، هي: تركيا، رومانيا، وبلغاريا.

[2] تأسست عام 1960، ويبلغ عدد أعضائها، اليوم، ثلاثين دولة. وتتلخص أهدافها الرئيسية في ما يلي: دعم النمو الاقتصادي المُستدام، زيادة فرص العمل، رفع مستويات المعيشة، الحفاظ على استقرار الأوضاع المالية، دعم التنمية الاقتصادية للدول الأخرى، المساهمة في نمو حجم التجارة العالمية.