إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الخامس

الإستراتيجية الأمريكية للحرب

أولاً: المبادئ الأساسية للإستراتيجية الأمريكية للحرب

اعتمدت الإستراتيجية الأمريكية للحملة العسكرية ضد العراق على عدة مبادئ، كانت هي ركائز كالآتى:

1. استغلال عناصر القوة التي تمتاز بها القوات الأمريكية إلى أقصى حد، وتفتقر إليها القوات العراقية، وهي المتمثلة في وسائل الاستطلاع الفضائي والجوي، والمخابرات الأرضية، والتفوق المطلق في القوة النارية ببعديها الصاروخي والجوي، وتحقيق السيادة الجوية، وخفة الحركة العالية لفرق مشاه الأسطول، والفرق المشاة والمدرعة، والفرق المحمولة جواً، بالإضافة للتفوق التكنولوجي في مجال الحرب الإلكترونية، والأسلحة والذخائر الذكية، مع عدم التورط في قتال بري إلا بعد إحداث خسائر 60-70% في العدو المواجه، بواسطة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي.

2. شن العمليات الهجومية في أكثر من اتجاه إستراتيجي، لتشتيت وبعثرة جهود القوات العراقية، وإجبارها على القتال في أكثر من اتجاه. بحيث تشمل العملية الهجومية توجيه هجمات من اتجاه الجنوب في الكويت، لأنه اتجاه الجهود الرئيسة للعملية الهجومية، ومن الشمال من تركيا، ومن الغرب من الأردن. مع الاستعداد لمواجهة أي متغيرات قد تحول دون تشغيل أي من هذه الاتجاهات الإستراتيجية.

3. تركيز الجهود القتالية (نيران ومناورة) لسرعة الوصول إلى بغداد، لكونها رأس النظام وحصارها، مع الامتناع عن التورط في قتال مدن، وعزلها تجنباً لخسائر بشرية ومادية جسيمة قد تقع للقوات الأمريكية والبريطانية، وهو ما راهن عليه "صدام حسين". فإذا ما نجحت القوات الأمريكية في سرعة الوصول إلى بغداد، وحصارها، وتكثيف القصف الجوي الصاروخي ضد القوات المدافعة، خاصة الحرس الجمهوري، وضد مراكز القيادة والسيطرة السياسية والإستراتيجية العراقية، بما يؤدي إلى سقوط بغداد أو استسلامها، فإذا ما سقطت الرأس (بغداد) سقطت تبعاً لها باقي (الأطراف)، وهي المدن المعزولة في باقى أنحاء العراق، لما يحدثه من سقوط العاصمة من صدى في باقي المدن، دونما حاجة إلى اقتحامها بالقوة. وهذا بالضبط ما عبّر عنه قائد القوات الأمريكية جنرال فرانكس في قوله: "سنحارب القوات العراقية بطريقتنا وليس بالطريقة التي يريدها صدام، وسنضع المدن في الفريزر".

4. حشد الحجم اللازم من القوات البرية، بما لا يزيد عن حاجة العمليات، اعتماداً على التفوق الساحق الذي تحققه القوات الجوية والصاروخية الأمريكية على نظيرتها العراقية، مع الاستعداد للدفع بقوات إضافية إلى مسرح العمليات، إذا ما تطلبت إدارة الحرب ذلك.

5. تقصير زمن الحرب إلى أقل فترة ممكنة، بحيث تكون سريعة وحاسمة في تحقيق أهدافها، وبأقل خسائر ممكنة، تجنباً لخسائر بشرية جسيمة ومضاعفات سياسية إقليمية ودولية، قد تؤثر سلباً في مسار العمليات، إذا ما طالت مدتها عن بضعة أسابيع. وهو ما عبّر عنه بوش ووزير الدفاع رامسفيلد، في قولهما أن الحرب قد تستغرق أسابيعاً وليس شهوراً. يساعد على ذلك تفعيل مبدأي "الصدمة والترويع"، وهو ما يعني التقدم السريع للقوات البرية، واستخدام قوات الاقتحام الجوي في العمق، وتطبيق مفاهيم الحرب الجو برية التي تعني بقصف ومهاجمة جميع أنساق قتال العدو وعناصر تشكيل معركته، خاصة مراكز القيادة والسيطرة، وتجمعات وسائل نيرانه في المواجهة والأطراف والعمق في وقت واحد، وبما يشل حركة قواته ويمنعه من المناورة بها ويسرع في انهيارها. مع الحرص على تحييد الجيش العراقي النظامي، بفصله عن قوات الحرس الجمهوري، وتخصيصه بعد تحييده لعمليات الحراسة ووقف المذابح الانتقامية، وحماية الحدود الدولية للعراق، تحت قيادة حكومة عراقية جديدة مؤقتة، على غرار النظام الأفغاني، بعد سقوط نظام "صدام حسين".

6. الاعتماد على تأييد الشعب العراقي لقدوم القوات الأمريكية لتحريرها من الحكم الديكتاتوري القمعي للنظام الصدامي، وذلك لتسهيل عملها في إسقاط هذا النظام. يرتبط ذلك بجهود الحرب النفسية، وإغراءات مادية لدفع القادة والضباط والجنود في الفرق العراقية، خاصة فرق الحرس الجمهوري، لتجنب القتال وترك أسلحتهم، وما يسهل من سرعة سقوط بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسة دون مقاومة. وذلك استفادة من تجربة الانتفاضة الشعبية العراقية التي وقعت، في مارس 1991، بمدن الشمال والجنوب العراقي.

7. تجنب قصف أهداف البنية الأساسية في العراق، حتى يمكن الاستفادة بها في مرحلة ما بعد صدام. ولكن التركيز على قصف مفاصل النظام الصدامي وهياكله الرئيسة السياسية والأمنية والعسكرية، دون الهياكل الاقتصادية، خاصة حقول النفط ومنشآته، مع الحرص على منع النظام الصدامي من تدمير منشآت البنية الأساسية تنفيذاً لإستراتيجية الأرض المحروقة التي هدد بها.

8. تحييد الدول المجاورة للعراق، خاصة تركيا وإيران، عن التدخل في الحرب، واستغلالهما لتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية أمريكية، وتخدم مصالحهما في ذات الوقت، وذلك بجهود سياسية أمريكية مسبقة، وإغراءات اقتصادية، وتهديدات بعقوبات اقتصادية وعسكرية عند اللزوم.

9. التحسب المسبق جيداً لاحتمالات استخدام النظام العراقي لأسلحة دمار شامل، وذلك بجهود من المخابرات تكشف عن أماكنها وتحييد قادتها، وتدميرها باستخدام ذخائر جديدة لم تستخدم من قبل، مثل قنبلة الميكروويف ذات المجس الحراري، وقنبلة البلازما، مع بذل جهود استطلاعية وجوية وبرية لكشف لحظة ومكان استخدامها، وجهود وقائية بإعداد القوات الأمريكية وتجهيزها بمهمات ومعدات الكشف والوقاية، وتحصينها ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، بالإضافة للتحسب المسبق بعمليات تطهير للأفراد والمعدات والأسلحة والأرض، إذا ما تعرضت لهجمات بأسلحة دمار شامل.

10. عدم المراهنة عسكرياً على قوات المعارضة العراقية الداخلية، أو الميليشيات الكردية وفيلق بدر التابع للمجلس الإسلامى، لأن النموذج الأفغاني (قوات التحالف الشمالي هناك)، على الرغم من نجاحه في أفغانستان، فإنه لا يمكن تكراره في العراق، لكون المعارضة العراقية ليست بحجم ولا بكفاءتها وتسليحها قوات تحالف الشمال الأفغانية، كما أن بعض فصائل الشيعة المسلحة (فيلق بدر) والبشمرجة الكردية لا تملك التسليح ولا التدريب الذي يمكنها من مواجهة قوات الحرس الجمهوري.

ثانياً: الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة لوسائل القتال الحديثة

قامت القوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت، عام 1991، بتطبيق مبدأ ضرب مركز الجاذبية، حيث تقوم النظرية على ضرب خمس حلقات داخل البلد المعادي، تمثل مركز الثقل والجاذبية، بينما خطة الحرب في العراق، عام 2003، لجأت إلى أسلوب معدل قائم على استعمال موسع للتكنولوجيا المتقدمة والمتفوقة، وأعداد أقل من القوة البشرية عن الحروب الماضية، واستخدام مكثف للقوة الجوية المصاحبة لقوات خاصة من طائرات وطائرات عمودية إنزال، مع اعتماد كبير على الطائرات من دون طيار، مسلحة وغير مسلحة، بالتوازي مع الحرب النفسية، وحرب أنظمة المعلومات المساندة من قِبل أنظمة الحرب الإلكترونية الفعالة.

وبعد انتهاء حرب تحرير الكويت، عام 1991، وخلال الاثني عشر عاماً التالية لها، حدثت ثورة حقيقية في التكنولوجيا العسكرية نتيجة التقدم العلمي الهائل في هذه الحقبة، والذي يعادل مئات السنين من عمليات الأبحاث والتطوير. ولعل استخدام الأنظمة الجديدة في الحملة الأفغانية، عام 2000، يُعد إنجازاً لم يسبق الوصول إليه في التاريخ مقارنة بالأساليب التقليدية المستخدمة في الحروب والمعارك القديمة. ويمكن تلخيص أبرز التغيرات التي طرأت على التكنولوجيا العسكرية في سنوات ما قبل حرب العراق، عام 2003، والتى أثرت إيجابياً على الحملة العسكرية الأمريكية في الآتى:

1. ثورة معلوماتية ذات تأثير في التطبيقات العسكرية الآتية

أ. تطوير شبكات الاتصالات، واستخدام الألياف الزجاجية بدلاً من الكابلات.

ب. تطوير شبكات الكمبيوتر، وتأثير ذلك على تقدم استخدام شبكة الإنترنت.

ج. إمكانية تخزين حجم هائل من المعلومات في وسائل صغيرة للغاية.

2. استخدام الطائرات من دون طيار، سواء بدون ذخائر، في مهام الاستطلاع والقيادة والسيطرة وإدارة النيران، أو في مهام الإخماد القتالي بتسليحها بصواريخ موجهة.

3. تطوير نوعيات من الذخائر الذكية الموجهة ذات استخدامات متعددة، طبقاً لنوعية الأهداف، ودرجة تحصينها والدفاع عنها، مع استخدام وسائل التوجيه عبر الأقمار الصناعية GPS في رؤوس توجيه القنابل والصواريخ، مع إجراء تحسن كبير في الصواريخ الطوافة (كروز)، أدى إلى زيادة المدى ودقة الإصابة، نتيجة تزويدها بأنظمة مزدوجة للملاحة.

4. تطوير أنظمة التحكم بالأسلحة والطائرات الموجهة عن بُعد، والاتجاه نحو (أوتوماتكية) القتال عن بعد بتحسن أساليب التوجيه بالأقمار الصناعية.

5. تحسن أنظمة ووسائل القتال الليلي والطيران في الأجواء السيئة، وتزويد الأفراد بمعدات تمكنهم من ذلك.

6. استخدام نظام شبكة القتال المركزي، وهو نظام مكون من توليفة لعدة أنظمة، تسيطر عليه شبكة رقمية لإعطاء القوات الصديقة ميزة القتال بمنطقة جغرافية كبيرة، مقارنة بمناطق القتال الحالية، وذلك عبر ربط عدة مجسات مختلفة (رادارات، أقمار صناعية، طائرات تجسس، طائرات من دون طيار، طائرات مراقبة وإنذار مبكر) بمركز عمليات واحد متفوق ومتناغم للسيطرة، وتحليل المعلومات بصفة دائمة وغير متقطعة، أو بما يساعد على اختصار الوقت على أرض المعركة، وتحسين القدرات التكتيكية لعدة أنظمة قتالية.

7. استخدام نظام مهاجمة الأهداف الحقيقية وقت اكتشافها، وهو نظام حديث للغاية كان لا يزال تحت التجارب، واستدعت ظروف الحرب في أفغانستان استعجال إنجازه. وهو تطوير لمنظومة قيادة وسيطرة واتصالات واستخبارات C3I، حيث ينقل مركز العمليات الرئيس الذي يقع عادة تحت الأرض، إلى طائرة كبيرة من نوع RC135، تصب فيها المعلومات المحولة كافة من نظام شبكة القتال المركزي، ليعاد بثها في الحال إلى كل الطائرات المقاتلة والقاذفة الموجودة في الجو، عن أية أهداف جوية أو أرضية، بحيث يتم تعريف الهدف ومتابعته وتدميره في فترة زمنية ما بين 3 - 5 دقائق.

8. تطوير نظام جديد للتعارف بين القوات الصديقة لتجنب الإصابة بنيرانها، وذلك بتزويد كل مركبة قتال في وحدات التحالف (دبابات، عربات قتال مدرعة، شاحنات... الخ)، برقيقة إلكترونية صغيرة Chip، تكون على اتصال بمركز القيادة والتى بدورها متصلة إلكترونياً بطائرات القتال. وهى منظومة متكاملة يطلق عليها IFF، وتعمل وفق نظام فني صارم، يتقيد بتعليمات دورية، تحدد مواعيد تغيير موجات الشفرة. لذلك فإن أى أخطاء في تنفيذ هذه التعليمات سيظهر الهدف عند مسدد النيران هدفاً معادياً، أو هدفاً دخل منطقة مفتوحة النيران، فيقصف في الحال.

ثالثاً: التخطيط للعملية الإستراتيجية الهجومية الأمريكية

1. عوامل مهمة راعتها الخطة الأمريكية للهجوم

أوضح المفكر العسكري الألماني الشهير "كلاوتزفيتز"، في القرن التاسع عشر، أن أفضل خطط الحروب، تلك التي تتسم ببساطة الأهداف، وكلما تعقدت الأهداف تشتتت مهام القوات وجهودها، وأصبح من الصعب تحقيقها. لذلك راعت الخطة الأمريكية للهجوم، في عام 2003، ألا تكون معقدة مثل خطة حرب تحرير الكويت، التي شاركت في تنفيذها 33 دولة، كما استفادت خطة هجوم عام 2003 من دروس الحرب الأفغانية، لا سيما وأن تمركز القوات والمعدات الأمريكية في الخطة الأخيرة، كان بالقرب من مسرح العمليات العراقي، ما أدى إلى تخفيض فترة الحشد العسكري. بالإضافة إلى أن وجود مقدرة إنذار مبكر متقدمة متمركزة، في كل من الكويت والسعودية وتركيا وإسرائيل، مربوطة بأقمار الإنذار الأمريكية، يساعد على تفادي الهجمات الصاروخية التي كانت متوقعة من جانب العراق.

استغلت الخطة عناصر الضعف البارزة في القوات العراقية، وأبرزها ضعف نظام القيادة والسيطرة الذي يعرف باسم (كارى)، وهو اسم العراق معكوساً باللغة الفرنسية، ويتمثل ضعف نظام القيادة والسيطرة العراقي في أنه شديد المركزية، ما يسهل على التحالف مهمته في فصل قيادة النظام السياسية والإستراتيجية عن باقى مراكز القيادة والسيطرة التعبوية، ومراكز العمليات والتوجيه في المستويات الوسطى، والذين لا يتمتعون بأى حس قيادي لاتخاذ القرار والمبادرة به، حيث تعَّودوا على ضرورة الرجوع إلى قياداتهم العليا في كل شئ. وعندما تنجح إعاقة وسائل الاتصال أو تدمير مراكز القيادة والسيطرة العليا، ومراكز الإرسال التابعة لها، تصاب القيادات الدنيا بالشلل.

ورغم سهولة السيطرة على وسائل الاتصالات التقليدية بواسطة عمليات الحرب الإلكترونية للقوات الأمريكية، إلا أن شبكة الاتصالات العراقية الجديدة التي أقامتها الصين، اعتماداً على الألياف الزجاجية وذات السعة الكبيرة في الخطوط، كانت تمثل هاجساً لقيادة التحالف لصعوبة تدميرها، ما يتطلب القيام بعمليات خاصة لتدميرها، وبما يجبر القيادات العراقية على العودة لاستخدام شبكة اتصالات الميكروويف والتروبوسكاتر، وحتى وسائل الاتصال السلكية، التي يسهل إعاقتها.

أما عناصر الضعف الأخرى في القوات العراقية، فإن أبرزها الأنظمة الرادارية الغربية والشرقية على السواء، والتى يمكن لوسائل الحرب الإلكترونية الأمريكية إجراء إعاقة إلكترونية عليها بإطلاق الشراك الخداعية (محلقات كاذبة) في الجو، وهي عبارة عن أهداف صغيرة تطلقها إحدى الطائرات، حيث تقوم برسم صور طائرات مغيرة على شاشات الرادار العراقية، وتعطي الانطباع للدفاع الجوي بهجوم مكثف، دون وجود طائرات في الجو، بينما تقوم طائرة الإعاقة الإلكترونية بقراءة ذبذبة الرادار، ثم توجيه المقاتلات لقصفها بالصواريخ المضادة للرادارات في حالة تشغليها. إلى جانب أن ضعف القوات الجوية العراقية، وسوء حالتها الفنية وضعف تدريب طياريها أجبر القيادة العراقية على إبعادها عن المعركة، ما أسهم في تعزيز السيادة الجوية الأمريكية فوق مسرح العمليات.

أما القوات البرية العراقية، فإن القوات الأمريكية لم تكن تخشى مواجهة الدبابات العراقية المتقادمة، بما فيها الدبابات الروسية T-72، ولكن كانت تخشى في الأساس من الصواريخ الروسية الحديثة المضادة للدبابات (كورنيت)، والقادرة على اختراق الدبابة الأمريكية (إبرامز م-1)، لذلك تحسبت الخطط الأمريكية في المستوى التكتيكي لذلك بضرورة تحييد هذه الصواريخ، من خلال غمرها بنيران الطائرات العمودية الهجومية والمدفعية وستائر الدخان، وسرعة هجوم الدبابات ضد المواقع التي تنتشر فيها هذه الصواريخ.

وإذا كانت المفاجأة بأبعادها السياسية والإستراتيجية والتكتيكية هي مفتاح الانتصار في الحروب، فقد فقدت الولايات المتحدة الإمريكية البعدين السياسي والإستراتيجي للمفاجأة، حيث كان معروفاً للعالم أجمع نواياها في شن الهجوم ضد العراق، وهدف الحرب في إسقاط النظام العراقي الحاكم، وهو ما يعني الوصول إلى بغداد والسيطرة عليها، وما يعنيه ذلك من تحييد أو تدمير القوات العراقية المدافعة عنها، كما أن توقيت الهجوم كان معروفاً بأنه لا ينبغي أن يتعدى شهر مارس، لظروف حرارة الجو بعد هذا التاريخ.

أما أوضاع وحجم القوات الأمريكية وتسليحها، فقد كان أيضاً منشوراً في كل وسائل الإعلام، ومن ثم فلم يبق للقيادة الأمريكية شيئاً تستطيع أن تحقق به المفاجأة. لذلك اعتمدت على ما يمكن أن تحققه أثناء إدارة الحرب من مفاجأة على المستويين التعبوي والتكتيكي في إدارة أعمال القتال عند التعامل مع القوات العراقية، وخداعها بأعمال قتالية في توقيتات وأماكن غير متوقعة، واستدراجها إلى مناطق قتل خارج دفاعاتها الحصينة، وحيث يسهل قصفها جواً وبراً والقضاء عليها، وهي إحدى أبرز دروس الحرب الجوية ضد يوغسلافيا، عام 1999، وغالباً ما يتم ذلك بواسطة القاذفات الثقيلة B-52 بأسلوب القصف الشامل على مدار الساعة، بواسطة طائرة كل ساعة، وبما يكبدها خسائر بشرية جسيمة تحرمها من مواصلة الدفاع بكفاءة، وأبرز مثال على ذلك، استدراج القوات العراقية إلى معركة مطار بغداد، ليلة 9/10 أبريل 2003.

وإعطاء أهمية خاصة لسرعة الاستيلاء على المطارات العراقية وأراضي الهبوط، لا سيما في جنوب وشمال ووسط العراق، لتسهيل عمليات نقل القوات الخاصة، والإمداد اللوجيستي للقوات، وأعمال البحث وإنقاذ الطيارين الأسرى، بالإضافة لتوجيه الطائرات نحو أهدافها، خاصة وأن النظام العراقي كان من المتوقع أن يضع أهدافه العسكرية تحت الأرض داخل المناطق المدنية، لا سيما التجمعات السكانية وحولها، ما يصعب مهمة قصف هذه الأهداف بواسطة المقاتلات الأمريكية، ويحتاج من ثم إلى قوات خاصة على الأرض بالقرب من تلك الأماكن، لمتابعة هذه الأهداف، وإشعال أجهزة الليزر بجوارها لتوجيه المقاتلات نحوها لقصفها بقنابل الأعماق لتفادي، إصابة المدنيين بالقرب منها.

كما قد يستدعى الأمر تكليف القوات الخاصة بتحديد الأهداف بالقرب منها. خاصة الأهداف العسكرية الضخمة والمهمة، مثل قيادات ومناطق تمركز فرق الحرس الجمهوري، لقصفها بواسطة القنابل العملاقة (ديزي كاتر) التي تزن 15 ألف رطل، وما تحدثه من تأثير نفسي رهيب وحجم دمار شامل، خاصة ضد مراكز المقاومة التي قد تقاتل بعناد في معركة بغداد، (هذه القنبلة استخدمت في فيتنام في ستينيات القرن الماضى، ولم تستخدم لمدة 30 عاماً، حتى استخدمت مرة أخرى في حرب تحرير الكويت، عام 1991، لفتح معابر في حقول الألغام العراقية بواسطة 11 قنبلة، مما تسبب في استسلام آلاف الجنود العراقيين نتيجة الهلع الذي أحدثه انفجارها).

وتحسباً لمعركة بغداد، والقتال في المدن إذا ما فرض على القوات الأمريكية، رغم حرصها على تجنبه، وضعت الخطة الأمريكية في حسبانها تقسيم بغداد إلى أربعة أقسام، تتولى كل فرقة التعامل مع قسم منها، وتطهيره بالانتقال من مجموعة مباني إلى مجموعة أخرى، مع تأمين عمليات الستر والتغطية قبل الاقتحام. وتجنب وقوع الدبابات والعربات المدرعة في كمائن مضادة للدبابات، اعتماداً على القوات الخاصة وفرق الاقتحام الجوي 101، 82، وبعد تدمير مراكز المقاومة في المدينة بالقصف الجوي الجراحي باستخدام القنابل الموجهة بالليزر والأقمار الصناعية، مثل القنابل الشراعية AGM-154، والقنابل الصاروخية AGM-130، وقنابل JDAM للهجوم المباشر المشترك (اُنظر صورة مواقع قًصفت بالذخائر الذكية).

وعزل المدينة عن المناطق الأخرى تدريجياً، مع تجاوز بعض الأهداف التي لا قيمة لها، والتركيز على الأهداف ذات القيمة العالية سياسياً وإستراتيجياً، مثل قصور الرئاسة ومقار الوزارات والحزب والأجهزة الأمنية والإذاعة والتلفزيون، للاستيلاء عليها، وتدميرها في حالة استحالة ذلك. هذا مع استخدام الطائرات من دون طيار الصغيرة والمحمولة مع بعض القوات الخاصة، بحجم الكف تعرف باسم عين التنين، لنقل صور حية للقوات الأمريكية المكلفة بالهجوم في الشوارع والمناطق المبنية لتطهيرها من مراكز المقاومة المتحصنة في المبانى. والتوسع في استخدام الطائرات من دون طيار، من نوع بريداتور، والمسلحة بالصواريخ (هيل فاير) الموجهة بالليزر لنقل صورة الموقف في بغداد، إلى مركز القيادة الطائر RC-135 عبر الأقمار الصناعية، لتوجيه صواريخ هذه الطائرات نحو الأهداف المخصصة لها. (اُنظر شكل الأهداف الإستراتيجية وسط بغداد)

مع إعطاء اهتمام للسيطرة على أسقف المبانى العالية بواسطة القوات الخاصة، المسلحة بصواريخ أرض/ جو محمولة على الكتف، لتأمين الطائرات الأمريكية التي تحلق على ارتفاع منخفض، مع إعطاء اهتمام خاص للتعاون مع عناصر المخابرات المركزية الموجودة داخل بغداد لتحديد أماكن والإمساك برأس النظام وأركانه الأساسيين، وبما يسهل بعد ذلك سقوطه واستسلام القوات المدافعة عنه.

2. إتباع إستراتيجية "الصدمة والترويع"

لأن الحملة العسكرية الأمريكية، خاصة الجوية منها، تستهدف كسر الروح المعنوية للقوات العراقية، لذلك أطلقوا عليها الاسم الكودي "الصدمة والترويع". وهذه الإستراتيجية تعتمد في الأساس على فكر أحد رجال الإستراتيجية الأمريكية هو "كارلان أولمان"، الذي يتمتع بإعجاب كل من وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" ووزير الخارجية "كولين باول".

وقد عبَّر أولمان عن فكره الإستراتيجي هذا، في كتاب له نشر للمرة الأولى في منتصف التسعينيات، تحت عنوان "الصدمة والترويع: وتحقيق السيطرة السريعة". والفكرة الرئيسة لهذه الإستراتيجية تتمثل في استخدام كم هائل من الأسلحة دقيقة التوجيه، للقضاء على أهداف محددة وبارزة قضاءً حاسماً وسريعاً، لإقناع قادة وقوات العدو بعدم جدوى المقاومة. وبحيث يتم تنسيق الهجمات الجوية مع توغلات عسكرية تقوم بها القوات البرية، تتسم بقوة الاندفاع نحو المناطق الحساسة لفرض السيطرة عليها، وبذلك وحده يمكن إقناع العدو بجدية نوايا الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق ما أعلنته عن أهدافها في الحرب.

ويبرر أولمان فكرته في الآتى: "لقد استسلم اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، لأنهم لم يتصوروا أن بإمكان قنبلة نووية واحدة أن تحدث ما تحدثه 500 طائرة في ليلة. فكانت الصدمة التي أجبرتهم على الاستسلام. ولكن السؤال اليوم هو: هل يمكننا أن نحقق نفس مستوى الصدمة التي وقعت لليابانيين؟، إذا ما طبقنا ذلك باستخدام أسلحة تقليدية؟ أعتقد أن بإمكاننا ذلك".

ويختلف تطبيق هذه الإستراتيجية في حرب العراق في ظل التطور الهائل الذي حدث في توجيه الذخائر الذكية، عن أسلوب تطبيقها في حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء)، منذ حوالى اثني عشر عاماً. حيث تم وظفت عمليات قصف إستراتيجي وتكتيكي هائلة في تلك الحرب، ذلك أن الذخائر الذكية التي استخدمت في حرب تحرير الكويت لم تزد نسبتها عن 20% من إجمالى الذخائر المستخدمة، كما كانت في بداية عمليات تطويرها الفني، بالإضافة إلى أن الهدف الإستراتيجي لتلك الحرب، عام 1991، تمثل في تدمير أكبر قدر ممكن من قوات الجيش العراقي وأسلحته من أجل تحرير الكويت، وتقليص حجم التهديدات العراقية لجيرانه.

وعلى العكس من ذلك، فإن تطبيق إستراتيجية "الصدمة والترويع" في حرب العراق عام 2003، حيث ارتفعت نسبة الذخائر الذكية فيها إلى حوالي 90% من الذخائر المستخدمة، استهدفت عدم المساس بأهداف البنية الأساسية الاقتصادية والعسكرية، وتشكيلات كثيرة من الجيش والحرس الجمهوري، وإقناع أفرادهم بجدوى الاستسلام وعدم القتال.

ويقول أولمان في هذا الصدد "إن هذه الإستراتيجية انبثقت من التجارب العسكرية لحرب الخليج الثانية، عندما فكر القادة والمحللون العسكريون في ضرورة تغيير العزيمة القتالية والروح المعنوية والمعتقدات السائدة لدى الجيش العراقي، ودونما حاجة لتدمير قواته كافة بالضرورة". ووصل أولمان في تشجيعه القيادات الأمريكية على تطبيق فكره الإستراتيجي إلى حد القول: "إن استخدام القوة الجوية بما تملكه من ذخائر ذكية ذات قوة تدميرية هائلة ووسائل توجيه دقيقة، يمكن أن يحقق مستويات لا تصدق تقريباً من الدمار الشامل؛ ما ينتج عنه لدى العدو مستوى عال من الصدمة والذهول، وبالسرعة التي تكسر إرادته على القتال، وتفقده القدرة على المقاومة".

وآمن الكثير من القادة الأمريكيين بهذا الفكر الإستراتيجي، لاسيما وأن تطبيقه في هيروشيما وناجازاكى أثناء الحرب العالمية الثانية، وضع نهاية لهذه الحرب التي دامت ست سنوات. كما آمن بهذا الفكر الإستراتيجي أيضاً أنصار الاعتماد على القوات الجوية في حسم الحرب في بداية القرن العشرين، بمن في ذلك المنظرين العسكريين البريطانيين والإيطاليين من أمثال السير "هيو ترنشارد"، و"جيلودوهيت"، اللذين كانا يعتقدان أن الروح المعنوية للمدنيين يمكن أن تنهار بسرعة مع الضربات الجوية الأولى على المدن.

ولكن القادة الأمريكيين من مؤيدي تطبيق هذه الإستراتيجية بواسطة القوات الجوية، دعوا إلى استخدامها بواسطة القصف الدقيق للأهداف العسكرية الصناعية، فقط دون المساس بالأهداف المدنية أو المناطق السكانية، خاصة وأن قصف الأهداف المدنية يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية. فرغم أنه في بداية الحرب العالمية الثانية نجح الألمان بقصفهم الجوي لمدينة روتردام في دفع الهولنديين إلى الاستسلام، إلا أنه على العكس من ذلك، فإن الهجمات الجوية الألمانية على لندن وغيرها من المدن البريطانية عززت المقاومة البريطانية، وهو نفس الأمر الذي تكرر في فيتنام عندما أدى القصف الجوي الأمريكي المستمر عليها إلى تعزيز وشراسة المقاومة الفيتنامية.

ولكن فيما يتعلق بالحالة العراقية، فإن القيادات الأمريكية كانت تعتقد قبل الحرب بأن نظام "صدام حسين" لا يتمتع بتأييد حقيقي، سواء في صفوف الجيش، أو بين فئات الشعب وطوائفه وعرقياته المتعددة. كما كانت تأمل القيادات الأمريكية في أن يؤدي القصف الجوي والصاروخي في بداية الحرب إلى تدمير شبكة القيادة والسيطرة السياسية والإستراتيجية لنظام "صدام حسين"، وبما يفقده القدرة على الاتصال بقواته، مع الشعور بالخوف الذي سيصيب الأفراد من توقع المزيد من الهجمات الجوية المؤثرة، وتفعيل أدوات الحرب النفسية، أن يؤدي كل ذلك إلى انهيار النظام وحدوث موجة من الاستسلامات الواسعة.

وعندما تولى "دونالد رامسفيلد" وزارة الدفاع في إدارة بوش، عام 2001، اعتمد هذه الإستراتيجية بحسبان أنها من أنجح الوسائل المتبعة لاستغلال التفوق الأمريكي في مجال التكنولوجيا العسكرية. وقال في ذلك: "أنه لا مقارنة بين أسلحة الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الأسلحة الغبية توزع على مساحات واسعة من المسرح العملياتي، وبين الأسلحة الذكية الحديثة التي تستخدم لضرب أهداف محددة، ومسؤولى النظام العراقي دون الإساءة للشعب العراقي".

3. التسريبات المعلوماتية قبل الحرب

جرت تسريبات متعمدة في الأسابيع السابقة للحرب بواسطة القيادة الأمريكية لعدة سيناريوهات هجومية، وتوقعات بأحداث حول العراق عبر صحف أمريكية كبرى، بحجة قيام أحد المجهولين بتسريب تلك الوثائق، وهو ما أدى إلى تساؤلات حول صدق تلك الفرضية، وإمكانية تسرب وثائق سرية للغاية من مؤسسة مثل وزارة الدفاع الأمريكية التي تشتهر ببيروقراطية حادة فيما يخص الوثائق السرية، خاصة وأنه لم يعرف في تاريخها أبداً أى تسريب لأى وثيقة، لكون نظم تصنيف وحفظ وثائقها على درجة عالية من الدقة.

وقد أرجع كثير من المحللين أسباب هذه التسريبات إلى رغبة الإدارة الأمريكية في تحضير الرأى العام الأمريكي والعالمي، والكونجرس على وجه الخصوص، لدعم فكرة شن الحرب على العراق لاستئصال النظام الحاكم فيه، وهو ما استدعى بالضرورة إجراء مناظرات إعلامية وتحقيقات صحفية، ومناقشة سيناريوهات لخطط عسكرية، مع طرح أفكار كثيرة مثيرة للجدل. بالإضافة لوقف ادعاءات المناهضين للحرب من المدنيين والعسكريين، والمطالبين بمواصلة سياسة احتواء النظام العراقي. ناهيك بالطبع عن رغبة الإدارة الأمريكية في قياس ردود الفعل على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وعند نظام "صدام حسين" على وجه الخصوص.

وقامت الإدارة الأمريكية، في بداية عام 2002، بإنشاء إدارة جديدة تحت اسم "إدارة الخداع الإستراتيجي"، بغرض التشويش ونشر المعلومات الملفقة عن عمد لأغراض إستراتيجية وتكتيكية، وأنيط بهذه الإدارة مشروع الحرب النفسية ضد النظام العراقي، وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة التسريبات الإعلامية المختلفة منذ ذلك الحين. وقد قامت إدارة الخداع الإستراتيجي بعمل مخطط من عدة مراحل لتنفيذ المهمة المناطة بها، كانت خطوطها العريضة كالآتى:

أ. المرحلة الأولى: مرحلة الضغط النفسي

استمرت من 5 - 8 أسابيع، بدءً من النصف الثاني من عام 2002، يتبلور خلالها عامل الحرب النفسية عامل ضغط وأداة تشويش فعالة طبقاً للإجراءات التالية:

(1) البدء في تسريب خطط عسكرية مضللة، أو شبه حقيقية لنشر حالة من الذعر والارتباك السياسي والعسكري داخل العراق.

(2) نشر أخبار عن تحركات لقوات عسكرية أمريكية إلى مناطق قريبة من العراق، بهدف ممارسة مزيد من الضغط السياسي على النظام العراقي، سواء من الخارج أو الداخل لتلبية المطالب الأمريكية، تفادياً لحرب توقعها الجميع، معظم هذه التحركات كانت حقيقية، إضافة إلى إجراء مجموعة من المناورات التدريبية المشتركة مع بعض جيوش الدول المحيطة بالعراق.

(3) استمرار رصد أي محاولات لتحريك أسلحة تقليدية، أو ذات دمار شامل عراقية، لمواجهة الضغوط السياسية والتحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

(4) نشر استفتاءات رأي تؤيد شن حرب أمريكية للإطاحة بنظام "صدام حسين"، ودونما حاجة للحصول على تفويض من مجلس الأمن، أو من الكونجرس الأمريكي لذلك.

(5) إبراز فصائل المعارضة العراقية على المسرحين الدولي والإقليمي، على أنها العناصر الجاهزة لتولي السلطة في العراق خلفاً لنظام "صدام حسين" بعد سقوطه، وبما يقضي على المخاوف الناشبة من حدوث فراغ سياسي عقب الإطاحة به، وإعادة النظر في دور للعائلة الهاشمية في مستقبل العراق.

(6) البدء في تسريب معلومات عن أسلحة وذخائر أمريكية جديدة، لم تستخدم من قبل، وذات تأثيرات مدمرة وقاتلة بالنسبة للمنشآت والأفراد، لزيادة حالة الإرباك العسكري العراقي.

ب. المرحلة الثانية: مرحلة التراجع الإعلامى المحسوب

استمرت 4 - 7 أسابيع، وصممت لدراسة رد الفعل المحلي والإقليمي والدولي، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، ومن ثم تقييم الوضع سياسياً وإستراتيجياً وتكتيكياً.  

(1) نشر تسريبات عن وجود رأى قوى مضاد للحملة العسكرية، ووجود خلاف داخل الإدارة الأمريكية بين المؤيدين والرافضين لمنظور تغيير النظام العراقي بالقوة، والحاجة إلى تفويض من الكونجرس.

(2) نشر استفتاءات تشير إلى تراجع دعم الرأي العام الأمريكي للحرب، وتشجيع قيام مظاهرات ومسيرات سلمية في أنحاء العالم مناهضة للحرب.

(3) إلقاء الطعم للنظام العراقي بأن رفض الرأي العام العالمي للحرب، يمكن أن يجبر إدارة بوش على التراجع عن قرارها بالحرب، ومن ثم دفعه إلى رفض الاقتراح المعروض بتنحيته طوعاً من الحكم، تجنيباً للعراق من ويلات الحرب.

(4) إثارة قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية، وعلاقات النظام العراقي مع تنظيم القاعدة، ومواصلة قصف وسائل الدفاع الجوي العراقية في مناطق الحظر الجوي، مع اتهام الصين ودول أوروبية بدعم نظام الدفاع الجوي العراقي بوسائل متطورة.

(5) بدء الحديث عن الحاجة إلى بناء تحالف عسكري مع الدول الحليفة والصديقة، مع استمرار تدفق القوات الأمريكية والبريطانية إلى منطقة الخليج.

ج. المرحلة الثالثة

بدأت مع اتخاذ قرار الحرب، في نوفمبر 2002، واستمرت حتى بدء الحرب، مارس 2003، حيث تم توظيف كل جهود الخداع السياسي والإستراتيجي والتكتيكي، وجهود الحرب النفسية لخدمة قرار الحرب، وتقليص حجم الخسائر الأمريكية إلى أدنى حد ممكن، وتحقيق أهداف الحرب السياسية والإستراتيجية في أقل زمن ممكن، وذلك من خلال:

(1) تكثيف إجراءات الحرب النفسية، منشورات، إذاعات، أعمال تجسس في داخل العراق، لدفع قادة وضباط وأفراد الجيش العراقي والحرس الجمهوري للتمرد على نظام "صدام حسين"، وعدم تنفيذ أوامره بالقتال، وتخويفهم من مغبة استخدام أسلحة الدمار الشامل، حيث سيتعرضون بذلك للقتل أو المحاكمة بصفتهم مجرمي حرب.

(2) محاولات شراء قادة بارزين في الحرس الجمهوري وزعماء العشائر والقبائل، وعناصر من الدائرة الداخلية المحيطة بصدام، للوقوف أولاً بأول على تحركاته وقراراته، حتى يمكن اصطياده مبكراً، وبما يساعد على الإسراع بإنهاء المقاومة العسكرية. وفي هذا الصدد تم تسريب معلومات حول اختفاء الفريق "نزار الخزرجى" من الدنمارك، حيث كان محتجزاً هناك على ذمة قضية رفعها الأكراد ضده، وأن وكالة المخابرات الأمريكية نقلته إلى الكويت توطئة لإدخاله العراق، لإقناع قادة الحرس الجمهوري بالتخلي عن ولائهم لصدام حسين، وعدم مقاتلة الأمريكيين.

(3) توسيع دائرة الاشتباكات الجوية الأمريكية مع عناصر الدفاع الجوي العراقية في مناطق الحظر الجوي وخارجها، وتكثيفها بما يمهد للضربات الجوية الأمريكية، ويؤمن لها سيادة جوية فوق مسرح العمليات.

(4) نشر معلومات على نطاق واسع حول خصائص الأسلحة والذخائر الذكية، التي ستستخدم في الحرب، وضخامة قوتها التدميرية ودقتها في الإصابة، بما يؤدي إلى زيادة التثبيط المعنوي لدى القوات العراقية، مع استمرار تدفق الحشود العسكرية على المنطقة.

(5) تكثيف الجهود السياسية على المستوى العالمي، وفي مجلس الأمن على وجه الخصوص لإعطاء القناعة للرأي العام العالمي بخطورة ما يمتلكه النظام العراقي من أسلحة دمار شامل على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، والأمن الدولي، وتهيئة الأجواء لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة لنزع هذه الأسلحة من العراق، وهو ما تمثل في خطاب "كولين باول" أمام مجلس الأمن، في فبراير 2003، مع إبراز استعداد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للعمل العسكري ضد العراق، دونما حاجة لقرار جديد من مجلس الأمن، اكتفاءً بالقرار الرقم 1441.

(6) توسيع دائرة التحالف المشارك في الحرب، بإدخال أسبانيا والبرتغال وأستراليا فيه ودول أخرى، بدرجات مختلفة.

(7) إعطاء صدقية للحرب بشن عملية عسكرية ضد المواقع العراقية في غرب العراق قرب الحدود مع الأردن، خاصة مطار H3 في الرطبة، وإقحام عناصر من القوات الخاصة بسطت سيطرتها على هذه المنطقة تحت غطاء من هجمات جوية، بواسطة أكثر من 100 طائرة مقاتلة، وذلك في إطار التدمير المبرمج لمسرح العمليات، خاصة ما يتعلق منها بوسائل الدفاع الجوي العراقية، واحتمالات استخدام الصواريخ البالستية سكود ضد إسرائيل من مواقع في غرب العراق، ونشر الأخبار داخل العراق بوجود فعلي لقوات أمريكية في غرب العراق وفي شماله بالمنطقة الكردية، بما يعطى الانطباع بين الشعب والجيش العراقيين بعدم قدرة نظام صدام على منع ذلك. قبل بدء الحرب الفعلية، فما بالنا بما ستؤول إليه قدراته مع بدء الحرب وأثنائها؟

(8) تسريب معلومات من علماء عراقيين منشقين تفيد بأن النظام العراقي يخفي تطويره لصواريخ وصل مداها إلى 650 كم، وأنه خلال عامين سيتمكن من إنتاج صاروخ عابر للقارات يتعدى مداه 3000 كم، وأن العراق يستطيع بمساعدة من بعض دول الاتحاد السوفيتى السابق، خاصة أوكرانيا وروسيا البيضاء، إنتاج سلاح نووي خلال ثلاث سنوات، كما يطور مخزونه من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المدفونة والمخبأة تحت القصور والمساجد والمدارس.

(9) عدم إغضاب روسيا والمجموعة الأوروبية المعارضة للحرب وطمأنتهم إلى حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تسديد ديون العراق السابقة لروسيا وفرنسا، وتفعيل العقود الاستثمارية التي وقَّعها نظام صدام مع الدول الأخرى، خاصة ما يتعلق منها باستثمارات في حقول النفط، مع إعطاء وعود بنصيب لهذه الدول في كعكة إعادة الإعمار العراقي بعد انتهاء الحرب. كما جرت طمأنة إيران بعدم بقاء قوات أمريكية في جهتها الغربية من العراق وخاصرتها الشرقية في أفغانستان، وبنفس المنطق مع سورية. والتعهد بتعويض تركيا ومساندتها في خططها للدخول في الاتحاد الأوروبي، والتأكيد على أحقيتها في الربح من مرور أنابيب النفط العراقية داخل أراضيها، وإزالة مخاوفها من انبثاق كيان كردي مستقل في شمال العراق.

(10) تحاشي تصوير الحرب على أنها حرب كفار يشنها صليبيون ضد المسلمين، وإبراز مفهوم إيجابي عن القوات الأمريكية التي تسعى إلى تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري الدموى لصدام حسين، ورفع الأغلال والقيود التي كبَّل بها الشعب العراقي لأكثر من ثلاثين عاماً، ونشر الديموقراطية في العراق، واستفادة الشعب العراقي من عائدات نفطه بعد أن كان محروماً منها لسنين طويلة، ويتمتع بها أركان نظام صدام في الحكم وحزب البعث، مع إبراز حرص الولايات المتحدة الأمريكية على دعم الاقتصاد العراقي عبر ضخ الأموال الأمريكية والإسهام في مشروعات تنموية مختلفة، مع رفع كامل للعقوبات ودراسة تخفيف نظام التعويضات. والتأكيد على رغبة القيادة الأمريكية في تفادي تدمير منشآت البنية التحتية، خاصة محطات توليد الطاقة، والاستعاضة بالقنابل الكربونية لتعطيلها مؤقتاً بدلاً من تدميرها.

4. رهانات الخطة الأمريكية وبدائلها

راعت الخطة الأمريكية للهجوم الإبقاء على الوحدة الإقليمية للعراق، حتى تصبح قوة مناهضة لإيران مستقبلاً، وحتى لا تكون المطامح الكردية في الشمال للانفصال عاملاً في تمزيق العلاقات الأمريكية ـ التركية، ولا المطامح الشيعية في الجنوب للحصول على مزايا سياسية في حكم العراق، مدعاة لنشوب صراع طائفي بين الشيعة والسُنة، تستغله إيران وسورية لصالحهما. لذلك حرصت هذه الخطة في جانبها السياسي على عدم إعطاء أى انطباع بانحياز القوات الأمريكية لطائفة أو عرقية معينة على حساب الباقين.

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت أن تهزم النظام العراقي بأسرع ما يمكن، وبأقل قدر من الخسائر البشرية والمادية، فقد كان من الصعب تحقيق المبادئ الإستراتيجية الثلاثة المعروفة معا وهي: الشمولية والسرعة وقلة التكاليف، وذلك لتعارضها مع بعضها البعض. حيث يمكن تحقيق السرعة وقلة التكاليف، ولكن لا يمكن تحقيق الشمولية، والمقصود بها شمولية تنفيذ كل الأهداف والمهام على كل الساحة العراقية، كما يمكن تحقيق الشمولية والسرعة ولكن بتكاليف باهظة في الخسائر، وأيضا يمكن تحقيق الشمولية والتكلفة المنخفضة ولكن في وقت طويل. لذلك كان مراعاة تحقيق هذه المبادئ الثلاثة هو التحدي الرئيس الذي واجهه المخطط الإستراتيجي الأمريكي.

لذلك اعتمدت الخطة على تعزيز وتدعيم العوامل الإيجابية التي تمتاز بها القوات الأمريكية، واستغلال العوامل السلبية التي تتصف بها القوات العراقية لأقصى الحدود. وكان من أبرز العوامل الإيجابية التي امتازت بها القوات الأمريكية الثورة التكنولوجية التي دخلت في معظم وسائل القتال الأمريكية آنذاك، وأبرزها الذخائر غير البالستية Non-ballistic Weapons وهي ذخائر دقيقة التوجيه، وPrecision guided munition (PGM) وهي التي توجه نفسها بنفسها وتصحح مسارها مع حركة الهدف، بما يزيد من احتمالات إصابته من أول قذيفة، وبذلك يتوفر الوقت والذخيرة، ويسهم في سرعة تحرك القوات ويقلل الضحايا المدنيين نتيجة دقة الإصابة. إلا أن ذلك يتطلب بالضرورة وسائل استطلاع ومخابرات جيدة، توفر معلومات دقيقة وموقوتة عن الأهداف المعادية على كل المسرح، وهو ما يصعب تحقيقه داخل المدن لتداخل الأهداف العسكرية مع المدنية، واختفائها داخل المباني.

ناهيك عن صعوبة اختراق عناصر المخابرات للدفاعات داخل المدن. بالإضافة لأعمال الخداع المتوقعة، وهو ما يقلل من قيمة الذخائر دقيقة التوجيه، ومن ثم ترتفع قدرة المدافعين داخل المدن على التمسك بها وقتاً طويلاً. لذلك راهنت الخطة الأمريكية كثيراً على إفقاد القيادة السياسية والإستراتيجية العراقية القدرة في مجال القيادة والسيطرة والتحكم في القوات العراقية، خاصة المدافعة عن المدن، وأبرزها بغداد، مع إجهاد هذه القوات بالقصف الجوي والمدفعي والصاروخي المتصل، ودفعها إلى الخروج من مواقعها الحصينة لملاقاتها في العراء وهي بدون غطاء جوي، حتى يسهل تدميرها في معارك تصادمية، وتصبح بلا تأثير قتالي في عمليات اقتحام المدن بعد ذلك.

واختلفت خطة هجوم مارس 2003، عن خطة هجوم يناير 1991، التي سعت أساساً لتحرير الكويت، فقد كانت خطة عام 1991 قائمة على قصف جوي وصاروخي مركز لفترة سبعة أسابيع ضد القوات العراقية، أعقبها هجوم بري داخل الكويت. وفي جنوب العراق استهدف القصف آنذاك قطع الطريق على انسحاب القوات العراقية من الكويت، بعد إفقادها القدرة على القتال نتيجة التفسخ الذي أصابها بسبب هذا القصف، وقد كان هناك آنذاك خلافات داخل القيادة الأمريكية حول الزمن اللازم لإحداث التفسخ المطلوب، قبل بدء الهجوم البري لتحرير الكويت.

أما خطة هجوم عام 2003، فقد تم بناؤها على افتراض مختلف تماماً قائم على الاستغلال الأمثل لخطة حركة القوات الأمريكية البرية والمنقولة جواً. وبدلاً من أسلوب تسلسل العمليات، الجوية ثم البرية، كما في خطة عام 1991، سعت خطة عام 2003 إلى القيام بعمليات متوازية ومتوازنة مشتركة، تشمل العمليات الجوية والبرية معاً في وقت واحد، توفيراً للوقت والجهد، وسرعة الوصول إلى بغداد لتحقيق هدف إسقاط النظام.

وبدلاً من أن تحدد الخطة مسبقاً اتجاه الجهود الرئيسة لهجوم الفرق الأنساق الأولى للهجوم، تركت هذا التحديد ليفرض نفسه نتيجة أعمال قتال الفرق أثناء إدارة العمليات، طبقاً للظروف التي ستسود فيما يتعلق بطبيعة الأرض، وأعمال قتال القوات العراقية، وأحوال الطقس، ومعدلات تقدم القوات الأمريكية التي ستختلف من فرقة إلى أخرى. لذلك حددت الخطة أربعة محاور لتقدم القوات البريطانية والأمريكية من الجنوب، مع محورين ثانويين في الشمال والغرب، ووفرت الخطة دعما نيرانياً جوياً وأرضياً وخدمة لوجيستية كافية لكل محور، مع الاستعداد لتعزيز ودعم أكبر لأكثر الفرق تقدماً نحو بغداد ونجاحاً في اختراق دفاعات القوات العراقية وتدميرها، وهو ما تطلب توفير قدرات استطلاعية ومخابراتية مبكرة ومستمرة لجميع التشكيلات والوحدات المقاتلة على جميع المحاور للقيام بمهام التحديد الدقيق للأهداف العسكرية العراقية، حتى يمكن استغلال إمكانات الذخائر دقيقة التوجيه وقدراتها، مع إجراء تقييم مستمر لنتائج الضربات الجوية والصاروخية، يجري في ضوئه تعديل مهام التشكيلات المهاجمة ودعمها طبقاً للحاجة.

وبذلك حققت خطة الهجوم مفهوم معركة الأسلحة المشتركة التي اشتملت على جهود قوات برية وجوية واستخباراتية متلازمة، وهو ما تحقق فعلاً أثناء الحرب، حيث كانت المناورة بالقوات البرية والمنقولة جواً، وتقديم الدعم الجوى كلما اقتضت الحاجة ذلك، كما انتقل المجهود الرئيس من فرقة المارينز المتقدمة على محور الناصرية ـ دجلة ـ بغداد في بداية الحرب، إلى الفرقة الثالثة الميكانيكية المتقدمة على محور السماوة وكربلاء ـ بغداد في نهاية الحرب.

وقد بني هذا التخطيط على أساس نظري، يفترض أنه باستطاعة قوة صغيرة (كتيبة أو لواء) أن تحقق نفس المهمة التي كانت تكلف بها في الماضي قوة كبيرة (فرقة)، إذا ما تسلحت هذه القوة الصغيرة، ليس فقط بالتفوق التكنولوجي، ولكن أيضاً بالكفاءة التي يكون بها انتشارها وتقدمها، ودعمها بالمعلومات المخابراتية والمساندة النيرانية الجوية الموقوتة، وبأعمال قيادة وسيطرة وتنسيق حازمة مع القيادات الأعلى والأدنى، والتشكيلات والوحدات الصديقة الأخرى في الأمام وعلى الأجناب وفي الخلف. وبذلك أمكن لخطة عام 2003 أن تحقق أهدافها في غزو العراق بقوات أمريكية يصل حجمها إلى 60% من القوات التي استخدمت في حرب تحرير الكويت عام 1991، مع الوضع في الحسبان أن الكويت أصغر من العراق بكثير جداً، ويرجع ذلك ليس فقط لاعتبارات ما عليه الجيش العراقي من ضعف، ولكن لاقتناع المخططين الأمريكيين بنظرية (الصدمة والترويع) في تحقيق الأهداف والمهام الإستراتيجية المطلوب إنجازها.

ولكن يعيب هذه النظرية أن التشكيلات والوحدات البرية الأمريكية والمنقولة جواً تعتمد بدرجة كبيرة على الاستخبارات، التي توفرها مصادر استطلاع فضائية وجوية، أكثر من اعتمادها على مصادر استطلاعها الذاتية، كما تعتمد أيضاً على نظام قيادة وسيطرة واتصالات ذو قواعد فضائية، وتلاحمه مع نظام إدارة معلومات فائق الدقة، يربط التشكيلات والوحدات المقاتلة مع جميع مستويات القيادة والخدمات اللوجستية. فلو نجح العدو في ضرب هذه الأنظمة المخابراتية والاتصالية أو الأنظمة المبرمجة بالكمبيوتر، فإن القدرات القتالية لهذه التشكيلات والوحدات قد تضمحل بدرجة لا يمكن تصور نتائجها السلبية.

وقد يكون رهان الخطة الأمريكية على عدم قدرة القوات العراقية على التدخل في أنظمتها الاتصالية والمعلوماتية صحيحاً، ولكن ذلك الافتراض قد لا يكون سليماً دائماً وفي جميع المواقف والأحوال، ما يعرض الخطة الأمريكية لكثير من المتاعب، لذلك كان الرهان الأكبر في الخطة الأمريكية هو سرعة وصول فرق النسق الأول للهجوم على بغداد واقتحامها، ولو بلواء واحد، لما يمكن أن يحدثه ذلك من تأثيرات نفسية وسياسية تعجل بانهيار النظام السياسي، واستسلام باقي قواته دون قتال، وتجنب الولايات المتحدة الأمريكية مضاعفات سياسية خطيرة، داخلية وخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.

كان رهان الخطة الأمريكية كبيراً على الارتقاء بالأثر النفسي لعملياتها الجوية والبرية، ناهيك عن نتائج الحرب النفسية، وبالارتقاء بالأداء العملياتي لتشكيلاتها ووحداتها المقاتلة، مع وضع التطورات السياسية الناتجة عن العمليات العسكرية داخل وخارج العراق في الحسبان، والتواؤم معها باستمرار، لكن بما لا يؤثر سلباً على إدارة الحرب وسرعة إنهائها، وتقليل حجم الخسائر البشرية إلى أدنى حد. وهو ما تطلب وضع أكثر من مخرج سياسي وعسكري لإنهاء الحرب، إذا ما صادفت عوامل وظروف غير مناسبة، مثل استخدام العراق أسلحة الدمار الشامل، وهو ما قد تضطر القيادة الأمريكية معه في مرحلة متأخرة من الحرب، إلى اللجوء لاستخدام سلاح نووي تكتيكي، لحسم الحرب نهائياً لصالحها.

وعلى العكس من ذلك يمكن تغيير نظام العمليات إذا ما حدثت تطورات سياسية داخلية، مثل انقلاب داخلي يطيح بالنظام الصدامي، بما يسرع بإنهاء الحرب، ويقلل حجم الخسائر. لذلك وضعت الخطة في حساباتها أهمية تكسير مفاصل النظام الصدامي، سواء بالقصف الجوي، أو الهجمات البرية السريعة على أماكن وجود هذه المفاصل مراكز القيادة والسيطرة السياسية، ومقار الأجهزة الأمنية والحزبية، وقيادات الحرس الجمهوري، للإسراع بانهيار النظام، وفرض الواقع العسكري على كل العراق.

ولأن موقف الجيش العراقي في الحرب كان يمتاز في الدفاع، بالقدرة على نقل قواتهم من جبهة إلى أخرى بسهولة، بالنظر لكونه يعمل من خطوط داخلية، على عكس القوات الأمريكية التي كانت تعمل من خطوط خارجية وفي مسارح عمليات غير متصلة ببعضها (الكويت، تركيا، الأردن، الخليج)، مما شكَّل ضغطاً كبيراً على نقل القوات والمعدات والإمدادات اللوجستية للجيش الأمريكي، دون عمل تفكك حقيقي في القوات العراقية. فقد تطلب هذا الموقف تخصيص مجهود جوى أمريكي لكشف وقصف القوات العراقية، في حالة تحركها من منطقة إلى أخرى، وبما يقلل ويحد من حرية مناورة هذه القوات، ويفقدها الميزة الجغرافية للعمل من خطوط داخلية.

مع الوضع في الحسبان أن الخيار التركي، كان نظرياً أكثر منه واقعياً، وبهدف إجبار القيادة العراقية على نشر قواتها على أكثر من جبهة، وعدم تركيزها في الاتجاه الجنوبي الرئيس. يساعد على ذلك سرعة وعمق تغلغل القوات الخاصة ومجموعات المخابرات الأمريكية داخل العراق في المدن، وفي مناطق انتشار تشكيلات الجيش العراقي، لاسيما مراكز القيادة والسيطرة فيها، بهدف إحداث شلل فيها خلال الـ48 ساعة الأولى من الحرب، وهو ما تطلب شدة تفعيل الضربات الجوية والصاروخية ضدها، والتى لإنجاحها يتحتم سرعة القضاء على منظومة الدفاع الجوي العراقية خلال الـ72 ساعة الأولى من الحرب، لما تشكله من خطر على القاذفات والمقاتلات الأمريكية والبريطانية؛ وذلك بمساعدة إجراءات الحرب الإلكترونية، والعمل على قطع الرأس في بغداد.

ولما كانت العمليات الأرضية هي مفتاح النجاح في هذه الحرب، أكثر من العمليات الجوية التي تقوم بالدعم والمساندة، حرصت الخطة على نشر سبع فرق في الكويت على اتجاه الجهود الرئيسة للحرب في جنوب العراق في ثلاث تجميعات قتالية على النحو التالي:

أ. في الغرب الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكية منتشرة على طول الحدود الكويتية الشمالية مع العراق، تنتشر خلفها الفرقة 101 اقتحام جوي، والقادرة على تنفيذ مهامها القتالية بالعمل كمشاة أرضية أو بالاقتحام الرأسي من الجو ضد مواقع العدو.

ب. في الشرق من هذا التجميع القتالي، وأيضاً على طول الحدود الكويتية ـ العراقية، انتشرت فرقتان من مشاة الأسطول (مارينز)، ومن القوات البريطانية اللواء السابع المدرع، واللواء 16 اقتحام جوي، واللواء الثالث كوماندوز، وذلك على طول الطريق الرئيسي 80 إلى داخل العراق.

ج. في اتجاه الجنوب انتشر لواء واحد من الفرقة 82 اقتحام جوى.

كما وضعت خطط لتنفيذ عمليات منفصلة، منها دفع الفرقة الرابعة مشاة من اتجاه المنطقة الكردية، في شمال العراق لتأمين حقول النفط في الموصل وكركوك، وجذب وتدمير فرق الحرس الجمهوري في هذه المدن وحولها، بما يخلق ضغطاً على القوات المدافعة عن بغداد من الشمال. مع تخطيط أعمال قتالية لقوات خفيفة للعمل من الأردن في اتجاه صحراء غرب العراق لتأمين المعابر المقامة على نهر الفرات ويسهل اندفاع قوات الفرقة الثالثة والفرقة 101 نحو بغداد، وتفادي منطقة القتل التي أعدتها فرق الحرس الجمهوري في مضيق كربلاء (بين بحيرة الرزازة ومدينة كربلاء) لإبادة القوات الأمريكية فيها.

ولأن الجانب الرئيس الذي لم يكن معروفاً على وجه اليقين في هذه الخطة، هو مدى قدرة القوات العراقية على خوض حرب طويلة أو قصيرة، فقد حرصت الخطة الأمريكية على أن تختبر هذا الجانب في بداية المعركة، وذلك بالاشتباك مع فرقتي الحرس الجمهوري (حامورابي والنداء) من طريق القوات البريطانية. فإذا ما أظهرت هاتان الفرقتان مقاومة ضعيفة أو عدم مقاومة، فإن هذا سيعني الإسراع في الاندفاع الشرس للقوات الأمريكية تجاه بغداد. أما إذا أظهرت الفرقتان مقاومة شديدة، فإن ذلك يعني التحسب الجيد للخسائر المتوقعة بجعل الهجوم أكثر تقليدية، وسيكون ذلك بالطبع على حساب الوقت وبما يطيل أمد الحرب.

والمنطقة الواقعة مباشرة شمالي الكويت تعد وعرة من وجهة النظر العسكرية، لاحتوائها الكثير من المستنقعات وحقول النفط المهمة، ذلك أن نجاح النظام العراقي في إشعال هذه الحقول سيخلق ستارة من الدخان والحرارة تؤثر سلباً في أجهزة الاستشعار المسلحة بها القوات الأمريكية، كما يعيق حركتها على الطرق. ولقد تحسبت الخطة الأمريكية لذلك بتخصيص قوات للاستيلاء على حقول النفط في الكويت وتأمينها، وسرعة إطفائها في حالة إشتعالها. فإذا نجحت القوات الأمريكية في ذلك، وأمكن تحييد فرق الجيش العراقي النظامية والحرس الجمهوري في الجنوب أو تدميرها، فإن ذلك سيسهل كثيراً في الاندفاع شمالاً تجاه بغداد مباشرة على طول نهر الفرات، بتجاوز البصرة التي تقع في الشرق، ويصبح بذلك هذا المحور هو الاتجاه الرئيس للهجوم. وستكون مهمة الفرقة الثالثة الميكانيكية دعم هذا الهجوم من الغرب، وتأمين الجناح الجنوبي لفرق المارينز التي تقوم بالهجوم في الشرق.

أما الفرقة 101 اقتحام جوي، فمن خلال قفزاتها (الضفدعية) بالطائرات العمودية المسلحة بها ستندفع للأمام لتسيطر مبكراً على معابر المياه على نهري الفرات ودجلة، لتسهيل الهجوم الرئيس للقوات نحو بغداد.

أما إذا أبدت القوات العراقية المدافعة في الجنوب مقاومة شديدة، واقترن ذلك بتدمير حقول النفط، وسدت طرق التحرك بالمدنيين الذين هجروا مدنهم، بما يصعب الهجمات الجوية نتيجة اختلاط المدنيين بالعسكريين العراقيين، فإن الخطة تحسبت لذلك بخلق محور جديد للهجوم، وذلك باندفاع الفرقة الثالثة الميكانيكية غرباً للقيام بحركة تطويق واسعة لحقول النفط الواقعة في الغرب (جنوب البصرة وشمال غرب وجنوب غرب الزبير) بهدف سرعة الوصول إلى الجسور المقاومة على نهر الفرات والاستيلاء عليها قبل أن تنجح القوات العراقية في تدميرها.

وفي حالة حدوث ذلك يتم بناء جسور مهندسين بديلة، وتكون مهمة الفرقة 101 اقتحام جوي ومعها القوات الخاصة الاستيلاء على الجسور الواقعة بين الناصرة والسماوة. على أن يتم المحافظة على القوة الدافعة للهجوم على جانبي نهر الفرات باستخدام القوات المنقولة جواً، لكي تقضي على ما بقي من مقاومات عراقية في هذه المنطقة. وهو ما يعني في المحصلة أن خطة الهجوم كانت تتسم بالمرونة لما توفره من بدائل ومحاور هجوم متعددة طبقاً لظروف القتال، وبما يسرع في وصول القوات إلى بغداد والاستيلاء عليها إذ إن ذلك الهدف هو النهائى للحرب.

ويتوقف النجاح في تحقيق ذلك إلى حد كبير على المتابعة الاستخباراتية والاستطلاعية المتصلة لموقف القوات العراقية، المنتشرة في حوض نهري دجلة والفرات الجنوبي، في المنطقة من كربلاء في الغرب إلى الكوت في الشرق، والعمارة في جنوب شرق، والسماوة في جنوب غرب؛ ودرجة صمودها واحتفاظها بكفاءتها القتالية، خاصة فرق الحرس الجمهوري منها. فإذا ما توفرت معلومات مؤكدة عن ضعف هذه الفرق أو انهيارها نتيجة هجمات الفرقة 101 اقتحام جوي، فإن ذلك يعنى ضرورة الاندفاع السريع بواسطة فرق المارينز والفرقة الثالثة الميكانيكية نحو بغداد، أما إذا أفادت المعلومات باشتداد مقاومة الفرق العراقية وصمودها في دفاعاتها، فإن ذلك يتطلب اتباع خطة أكثر حذراً في التقدم تجنباً لمزيد من الخسائر، مع الاستعداد لدفع فرق جديدة إلى أرض المعركة (الفرقة الأولى المدرعة، والفرقة 82 اقتحام جوى) لزيادة القوة الدافعة للهجوم نحو بغداد.

وعند الهجوم على بغداد كانت الخطة تسعى إلى إنهائه بسرعة، وذلك بالاندفاع السريع والمباشر داخلها لإرباك القوات العراقية المدافعة عنها، ومنعها من إبداء دفاع منظم داخلها، وهو ما يستلزم دفع عدد من كتائب الفرقة 82 اقتحام جوي وإنزالهم داخل المدينة أو بالقرب منها، خاصة في ضواحي المطار، لتكون قريبة من محور تقدم الفرقة الثالثة الميكانيكية. فإذا ما تم تأمين المطار يمكن إرسال كتائب إضافية من نفس الفرقة (82 اقتحام جوى) إلى داخل المدينة، في ذات الوقت الذي تقوم فيه الفرقة 101 اقتحام جوي بتعزيز مواقعها، وتواصل الفرقة الثالثة الميكانيكية تقدمها للاتصال بالقوات التي تم إنزالها جواً، ولتطبق على المداخل الغربية للمدينة من الطريق الرقم (8).

أما إذا أبدت القوات العراقية المدافعة عن بغداد وجنوبها صلابة في التمسك بمواقعها، فإن الخطة ستتعامل مع هذا الموقف بالأسلوب الآتى:

أ. القيام بعمليات قصف إستراتيجي ضد فرق الحرس الجمهوري والقوات الأخرى المدافعة حول بغداد.

ب. محاصرة المدينة وليس اقتحامها.

ج. الاعتماد على القوات المحمولة جواً للاستيلاء على المطارات الواقعة في شمال العراق، وتكوين قوة كبيرة هناك (اللواء 173 مظلي مستقل)، بواسطة جسر جوي، في حالة استمرار تعنت تركيا ومواصلة منعها عبور الفرقة الرابعة لأراضيها، في ذات الوقت الذي يتواصل فيه القصف الجوى لمواقع القوات العراقية في الشمال (حول الموصل وكركوك)، تمهيداً لاقتحام هذه المدن وفتح الطريق نحو بغداد من الشمال.

د. تصفية تجمعات القوات العراقية في الموصل وكركوك، والاقتراب نحو بغداد بحذر شديد وبطريقة منظمة تكفل تنسيق جهود الهجوم من الجنوب الغربي، بواسطة الفرقة الثالثة، والفرقة 101، مع جهود الهجوم من الجنوب الشرقي بواسطة فرقة المارينز، وهجوم اللواء 173 مظلي من الشمال، بحيث يشتد الضغط على بغداد من هذه الاتجاهات الثلاثة في توقيت متزامن.

ولتأمين نجاح هذه الخطة، كان ينبغي أن يتصل القصف الجوي للمواقع العراقية حول بغداد، لمدة تراوح ما بين 48 - 96 ساعة، مع تقييم دائم لنتائج القصف للوقوف على حقيقة الكفاءة القتالية للقوات العراقية المدافعة. فإذا ما تأكد انهيار فرق الحرس الجمهوري المدافعة عن بغداد، يستأنف هجوم الفرقتين الثالثة والمارينز المدعوم بالفرقة 101 اقتحام جوي بالاندفاع نحو قلب بغداد للاستيلاء عليها. أما إذا استمرت مقاومة فرق الحرس الجمهوري، فحينئذ العودة إلى القصف الجوي الإستراتيجي لفترة طويلة، ويتحول تركيز الجهود إلى الشمال لدعم عمليات هجوم اللواء 173 مظلي على شمال بغداد، بعد الإستيلاء على الموصل وكركوك، بالتعاون مع قوات البشمرجة الكردية، وتحييد القوات العراقية المدافعة عن تكريت حتى لا تتدخل في معركة بغداد.

وفي هذا السيناريو من الخطة، يكون تركيز الجهود الرئيسة للعمليات لسرعة الوصول إلى بغداد والاستيلاء عليها، وتعطى الأولوية لتحقيق هذا الهدف، بل وتسبق تصفية فرق الجيش العراقي في الموصل وكركوك، حيث سيساعد الإعلان عن سقوط بغداد على انهيار باقي القوات العراقية المدافعة في شمال وغرب وجنوب العراق، لما سيحدثه ذلك من انهيار معنوي في القوات العراقية.

وفي حالة مواصلة المقاومة الشديدة من جانب القوات العراقية في الموصل وكركوك، تعفى القوات الأمريكية من اقتحام بغداد مباشرة، وهنا تتغير الإستراتيجية، بحيث يتجمع حجم أكبر من القوات الأمريكية في الشمال، بالإصرار على تركيا أن تسمح بعبور الفرقة الرابعة مشاة لأراضيها، ما يصنف قوات أمريكية لتصفية الأوضاع حول الموصل وكركوك، وتحريك قوات أمريكية من الأردن على طريق عمان/ بغداد لتزيد من قدرة القوات الأمريكية على اقتحام بغداد.

وتفترض الخطة في هذا السيناريو أنه بمحاصرة القوات العراقية في الجنوب، ومواصلة قصف القوات العراقية في الشمال (حول الموصل وكركوك وتكريت) وتدميرها، ستكون بغداد غير قادرة على الصمود، وستنهار مقاومتها وتعلن استسلامها. وسيكون معيار العمل القتالي الأمريكي في هذه الحالة تقليل الخسائر بين المدنيين إلى أدنى حد، ولأن حصار بغداد ومواصلة قصفها سيؤدي إلى تدهور الأوضاع داخل المدينة من حيث انتشار الأمراض والجوع والعطش والموت، لذلك فإن السرعة في الاستيلاء على المدينة وإنهاء حصارها سيكون ذا أهمية بالغة.

وكان من الواضح أن المعركة قد تكون أكثر تعقيداً من تصورها قبل الحرب، لأن تسلسل القرارات سيكون أكثر تعقيداً وديناميكية. فعلى سبيل المثال، قد يتضح أن الفرق العاملة في الجنوب ليست على اتصال بالفرق والوحدات الأمريكية والبريطانية الأخرى الموجودة في المسرح العراقي، وعلى هذا تتغير طبيعة العمليات اعتماداً على الممارسة. لذلك فقد كان هناك خطر كامن في نظام إدارة الحرب، ذلك أن الإدارة الديناميكية للمعركة، كما تصورتها ورسمتها الخطة، لم تنفذ أبداً على أساس استخدام فرق متنوعة في القتال الفعلي.

فإذا ما فشلت أنظمة دعم القرار، وقنوات الاتصالات، وأنظمة الاستخبارات في عملها نتيجة أعطال فنية أو بفعل العدو، فإن الفوضى كانت ستعم أنظمة القيادة والسيطرة للقوات الأمريكية. وذلك رغم أن تدريبات كثيرة مسبقة جرت لقيادات الفرق والألوية ومراكز العمليات، على المناورة بالقوات وتعديل الخطط إستجابة لتقارير المخابرات الميدانية، وقد جرت هذه التدريبات العسكرية في منطقة Leaven Worth، وفي المعهد القومى للتدريب National Training Center، ولكنها لا يمكن أن تتطابق أبداً مع الحرب عند وقوعها.

ومهما كان الأمر، فبسبب الظروف الخاصة بالعراق، والحسابات السياسية فإن الخطط التقليدية للحرب لن تكون كاملة. ولكن في جميع الظروف والأحوال، فإن هناك تصميم أمريكي على وجوب إنهاء الحرب بأقصى سرعة، فإذا فشلت خطة لا بد أن تكون هناك خطط بديلة أخرى لتنفيذ نفس التصميم. ولكن الذي لا تستطيع أبداً أن تضمنه أى خطة مهما كانت سليمة هو الإطار الزمني الذي تستغرقه الحرب، وحجم الخسائر العسكرية والمدنية. فعلى سبيل المثال إذا تطلب الأمر العودة إلى الاعتماد على عمليات القصف الجوي المركز لكسر الإرادة العراقية سياسياً وعسكرياً، وإنهاء مقاومة القوات العراقية، فإن ذلك سيحتاج إلى شهرين لكي يكون مؤثراً، عندئذ سيجري الهجوم البري في حرارة الصيف، علاوة على ذلك فإن الخسائر المدنية ستكون كبيرة على طول العراق، بما في ذلك بغداد.

ويزداد الأمر سوءاً إذا ما استخدم النظام العراقي أسلحة دمار شامل كيماوية أو بيولوجية، إذ سيتعين على الولايات المتحدة الأمريكية حينئذ أن تلجأ إلى سلاح غير تقليدي لحسم الحرب على أي حال، وهو ما سيترتب عليه ردود فعل سياسية سلبية على كل الساحة العالمية.