إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث السادس

تطور المشروع الصهيوني في فلسطين

(1920 ـ 1939)

أولاً: المؤسسات الصهيونية ودورها في تهويد فلسطين

1. الوكالة اليهودية

اقتضى المخطط الصهيوني لتهويد فلسطين بدء الجهود العملية لوضع تصريح بلفور موضع التنفيذ فور استيلاء البريطانيين على القدس في التاسع من ديسمبر 1917، وأسفرت الاتصالات الصهيونية بالحكومة البريطانية في أعقاب إعلان تصريح بلفور عن قبول تلك الحكومة بتشكيل لجنة صهيونية تجسد التشكيل المدني الصهيوني الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الإدارة العسكرية البريطانية في حكم فلسطين، وقد حرص الدكتور حاييم وايزمان، الذي راس تلك اللجنة على توسيعها بحيث تضم أغلب المنظمات الصهيونية في دول الحلفاء، ولخص "السير رونالد ستورز" الحاكم العسكري لمدينة القدس مهمة هذه اللجنة في "إيجاد الجو المناسب لتنفيذ البرنامج الصهيوني والبدء في تنفيذ بعض المشروعات الصهيونية.

وبدأت اللجنة عملها في فلسطين اعتباراً من ربيع عام 1920 قبل تشكيل الإدارة المدنية البريطانية برئاسة هربرت صموئيل ببضعة أشهر، وقد تألفت تلك اللجنة من مائة عضو، يضمهم جهاز أشبه بوزارة تتكون من رئيس ونائب له وثلاثة أعضاء ومراقب وسكرتير وأمين صندوق ورئيس حسابات، ومع بدء عمل الإدارة المدنية البريطانية في أول يوليه من ذلك العام، أصبحت اللجنة الصهيونية تعمل كحكومة داخل الإدارة البريطانية الجديدة، وكان لتلك اللجنة مفوضون في يافا وحيفا والجليل وصفد وطبرية والقاهرة والإسكندرية وبور سعيد، ثم بادرت اللجنة بتشكيل جمعية تأسيسية وإنشاء عدة محاكم مدنية دائمة.

ومع إعلان عصبة الأمم في يوليه 1921[1] صك الانتداب وما به من صلاحيات أوكلت إلى وكالة يهودية معترف بها، أصبحت تلك الوكالة عنصراً رسمياً من عناصر الحكم في فلسطين. وقد استلزم ذلك الأمر تشكيل وكالة موسعة تتمتع بموافقة الأطراف اليهودية المختلفة وفي مقدمتها المنظمة الصهيونية العالمية، وعلى أثر ذلك قرر المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عشر في سبتمبر 1921 تشكيل لجنة تنفيذية منبثقة منه تحت اسم "اللجنة التنفيذية الصهيونية لفلسطين" لتحل محل اللجنة الصهيونية في تولي المسؤولية التي أوكلها إليها صك الانتداب في فلسطين.

وقد تشكلت اللجنة الأخيرة من رئيس ومحافظ وأمين صندوق وسكرتارية عامة وممثل سياسي ومجموعة من الإدارات[2]. وظلت تلك اللجنة تمارس عملها بالتنسيق مع المندوب السامي ـ الذي كان يجتمع بممثل عن تلك اللجنة أسبوعيا لمناقشة السياسة العامة ـ حتى تم توسيع الوكالة اليهودية في صيف عام 1929، لتمثل اليهود الصهيونيين وغير الصهيونيين.

وقد استهدف توسيع الوكالة اليهودية إشراك اليهود البارزين الذين يشغلون مناصب حكومية حساسة في بلادهم وأغنياء اليهود في مجالات تهويد فلسطين، مما يضيف ثـقلا جديدا يساعد في تنفيذ المخططات الصهيونية وتوفير التمويل اللازم لها، فضلاً عن أن توسيع الوكالة سوف يخفف من حدة معارضة اليهود المعادين للحركة الصهيونية، كما أن اعتراف عصبة الأمم بالوكالة اليهودية التي تمثل يهود العالم سوف يعزز مركز الصهيونيين في مجال الاتصال بالدول والشخصيات الرسمية الأجنبية.

وقد لاقت دعوة وايزمان لتوسيع الوكالة اليهودية في البداية معارضة شديدة وخاصة من جانب الصهيونيين الأوروبيين وبعض الصهيونيين الأمريكيين الذين رفضوا إشراك اليهود الإندماجيين في عمل الوكالة اليهودية التي وقع على كاهلها مسؤولية العمل الصهيوني في فلسطين، حتى لا يكون لهؤلاء الغرباء عن الحركة الصهيونية حق التصرف في شؤون الوطن القومي اليهودي، إلا أنه نظراً للأعباء المالية الضخمة اللازمة لتهويد فلسطين والتي عجزت عن توفيرها مصادر المنظمة الصهيونية العالمية، نجح فريق وايزمان في التغلب على تلك المعارضة والمضي قدما نحو توسيع الوكالة اليهودية علاجا للعجز المالي الذي كانت تعاني منه المؤسسات الصهيونية وضمانا لاستمرار المشروع الصهيوني في فلسطين.

وفي 11 أغسطس عام 1929 عُقد المؤتمر الدستوري للوكالة اليهودية الموسعة ووقعت الاتفاقية بين الصهيونيين وغير الصهيونيين بعد ذلك بأربعة أيام، وقد تضمنت تلك الاتفاقية دستور الوكالة اليهودية لفلسطين التي أنشئت "لتقوم بمهام الوكالة اليهودية كما نص عليها صك الانتداب تحقيقا لأهداف خمس تتمثل في، تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتكفل بالحاجات الدينية اليهودية، ورعاية اللغة العبرية والثقافة اليهودية، وحيازة الأرض في فلسطين، على أن تصبح فيما بعد ملكية شرعية للشعب اليهودي، والعمل على إنجاح الاستيطان الزراعي القائم على العمل اليهودي". (اُنظر ملحق الاتفاق المتضمن دستور الوكالة اليهودية لفلسطين كما تم توقيعه في زوريخ، اليوم الثامن من آب 5689 (عبرية)، الرابع عشر من أغسطس 1929)

وقد ضمنت مواد ذلك الدستور تحقيق الأغلبية الصهيونية في كافة أجهزة الوكالة اليهودية الموسعة، الأمر الذي يحقق سيطرة الصهيونيين على كافة أنشطة الوكالة، ويحول دون انحرافها عن التوجهات الصهيونية، وهو ما ظهر في أول قرارات لمجلس الوكالة اليهودية التي نصت على[3]:

"أولاً:  إعلان الابتهاج إذ يتحد كل إسرائيلي لإعادة بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ودعوة كل يهودي للالتفاف حول هذا الغرض المقدس.

"ثانياً:  إذ يعبر المجلس عن تقديره لبريطانيا العظمى لإصدارها تصريح بلفور، فإنه يأمل واثقا في تعاون الدولة المنتدبة مع الوكالة اليهودية الموسعة في التحقيق الكامل للهدف العظيم الذي يتضمنه تصريح بلفور وصك الانتداب، وبوضع هذا الهدف موضع الاعتبار يطلب مجلس الوكالة اليهودية أن يتحقق الاعتراف بوضع الوكالة اليهودية، وأن تتبنى الدولة المنتدبة إنماء الوطن القومي، مع حماية حقوق كل سكان فلسطين ورفاهيتهم".

وفي الاجتماع الأول لمجلس الوكالة اليهودية وجه المجلس نداءا إلى كل يهود العالم لدعم مصادر "الكيرين هايسود" الجهاز المالي الرئيسي للوكالة، واعتبار ذلك الدعم واجبا مقدسا يعتمد عليه مستقبل الوطن القومي اليهودي وتنميته".

وفي جلسته الختامية يوم 14 أغسطس وافق المجلس على تشكيل الأجهزة التنظيمية للوكالة، وأصبح حاييم وايزمان ـ كرئيس للمنظمة الصهيونية العالمية ـ رئيسا للوكالة اليهودية، بينما كان "لويس مارشال" (رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية) رئيساً لمجلسها، وفي نفس الاجتماع وافق المجلس على استمرار اللجنة التنفيذية التي انتخبها المؤتمر الصهيوني عام 1929 في عملها حتى تتخذ اللجنة الإدارية للوكالة الإجراءات اللازمة لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة.

وبالرغم من نجاح الوكالة الموسعة في تحقيق وحدة الصف اليهودي فإنها لم تتمكن من تحقيق الآمال التي علقها وايزمان عليها نتيجة لاختلاف الرؤى بين الصهيونيين وغير الصهيونيين التي عوقت عمل الوكالة، فقد اعتقد الأولون أن مسؤولية العمل في فلسطين تقع على عاتق المؤتمر الصهيوني العالمي ولجنة العمل الصهيونية فحسب، بينما كان الآخيرون يرون أن توسيع الوكالة يعني أن يوضع في الاعتبار رأي مختلف القوى التي تعمل في إطار الوكالة عند تقرير الأمور السياسية والمالية. وقد أنحى الصهيونيهن باللائمة على غير الصهيونيين بدعوى أنهم لم يحفظوا عهدهم، فلم تزد تبرعاتهم منذ توسيع الوكالة إن لم تكن قد تناقصت، وكان من شأن هذا الخلاف أن جرت عدة محاولات لإعادة النظر في أسس مشاركة غير الصهيونيين في أجهزة الوكالة، إلا أنها لم تتم حتى أجبرت الثورة الفلسطينية (1936 ـ 1939) الصهيونيين على إعادة تنظيم صفوفهم والاعتماد على أنفسهم في مواجهة الحركة الوطنية الفلسطينية.

وبالرغم من كل المعوقات السابقة، قامت الوكالة اليهودية بجهود كبيرة لوضع أساس الدولة اليهودية في فلسطين، فقد غطت أنشطتها مجالات الهجرة وحيازة الأراضي والتوطين والزراعة والصناعة والتجارة، فضلا عن النشاط السياسي والعسكري.

2. المؤسسات المالية الصهيونية

في الوقت الذي كان فيه صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار (الذي أُنشئ عام 1899) يقوم بالائتمان على الأوراق المالية للمؤسسات اليهودية المنبثقة من المنظمة اليهودية العالمية وتمويل عمليات الإنماء للاقتصاد اليهودي، كان الصندوق القومي اليهودي "كيرين كايمت" (الذي أُنشئ عام 1901) يقوم بوظائفه الصهيونية الثلاث، التي تمثلت في شراء الأراضي الزراعية في فلسطين وإدارتها، واستقبال المهاجرين الجدد وتوطينهم في تلك الأراضي، وتهويد العمل في المنشآت اليهودية.

وفي المؤتمر الصهيوني الذي عُقد في لندن عام 1920 اكتمل بناء الجهاز المالي الصهيوني بإنشاء "الصندوق التأسيسي لفلسطين" (كيرين هايسود) الذي اختص بجباية الأموال من كل يهود العالم لتمويل عمليات الهجرة والاستيطان في فلسطين وإنشاء المساكن والمدارس ورعاية المهاجرين وتقديم الخدمات اللازمة لهم.

وحتى عام 1929، كان الكيرين هايسود جهازاً تابعاً للمنظمة الصهيونية، ثم تحولت تبعيته إلى الوكالة اليهودية عندما تم توسيعها ليكون بمثابة الجهاز المالي لها لدعم جهودها في بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ومنذ إنشائه وحتى نهاية الانتداب قام ذلك الصندوق بإنشاء ودعم مؤسسات العمل السياسي الصهيوني في فلسطين وتوفير وسائل الهجرة اليهودية إليها والاستيطان فيها، وتهيئة الظروف الملائمة للعمل الزراعي والصناعي، وإيجاد تسهيلات التعليم وإنماء المدن.

وقام الكيرين هايسود بتمويل عمليات الاستيطان الزراعي في الأراضي التي كان يشتريها الكيرين كايمت ويؤجرها لليهود، وذلك بإعطاء المستوطنين قروضا طويلة الأجل لاستصلاح الأراضي واستثمارها، ولتشييد المباني وشراء المعدات والحيوانات، كما كان يعطي المستوطنين قروضا قصيرة ومتوسطة الأجل لتمويل عملياتهم الزراعية بفوائد منخفضة.

ومع بداية عام 1933 أصبح الصندوق التأسيسي في وضع مالي يمكنه من تقديم القروض اللازمة لتوطين المهاجرين الجدد، الذين لم يتمكن الصندوق القومي من شراء الأراضي اللازمة لهم بعد أن تزايد عددهم ابتداءا من ذلك العام بدرجة كبيرة، فوطَّن ما يقرب من ألفي أسرة بصفة مؤقتة في إحدى وثلاثين مستوطنة زراعية، بالإضافة إلى توطين مائة وخمسين أسرة في الأراضي الاحتياطية.

وبلغت إيرادات الكيرين هايسود حتى نهاية الانتداب 30 مليون جنيه فلسطيني استغل معظمها في تمويل الاستيطان الزراعي، ثم الهجرة فالأشغال العامة ثم التعليم وإنماء المدن.

وبالإضافة إلى المؤسسات المالية السابقة، كانت هناك مؤسسات مالية زراعية صغيرة أخرى تدور في فلك الوكالة اليهودية، مثل بنك التسليف الذي أُنشئ عام 1935 لتقديم السلفيات الصغيرة للعمال الزراعيين المتزوجين بعد أن تزايدت معدلات الهجرة من شرق أوروبا. وقد عمل هذا البنك في تعاون مع بنوك تسليف العمال في المستوطنات، كما تأسس البنك الزراعي اليهودي في نهاية 1935 بغرض تقديم القروض لمنتجي الحمضيات، والبنك المركزي للمؤسسات التعاونية لتقديم القروض طويلة الأجل للأغراض الزراعية.

3. الاتحاد العام للعمال اليهود في فلسطين "الهستدروت"

تأسس الهستدروت في ديسمبر عام 1920 لتنظيم حركة العمال اليهود، وخاصة العاملين منهم في المزارع الجماعية والتعاونيات، والمساعدة في تكوين العمود الفقري للاقتصاد اليهودي في فلسطين، وهو ليس نقابة بالمعنى المتعارف عليه لتلك الكلمة، إذ أن مهمته الرئيسية هي المعاونة في إيجاد فرص العمل اليهودي والتشجيع عليه والإشراف على حركة العمل اليهودية وتوجيهها، ولم ينشأ الهستدروت للدفاع عن أو تمثيل طبقة عاملة قائمة، وإنما كان الأداة التي اعتمدت عليها الوكالة اليهودية لتأسيس وتكوين هذه الطبقة، ورعاية حركة الاستيطان في فلسطين.

وقد وجه الهستدروت حركة الاستيطان سواء في المستعمرات (المستوطنات) الجماعية "الكيبوتز" أو في المستوطنات التعاونية "الموشاف"، وسيطر على سوق العمل، كما أسس التأمين الصحي وسيطر على الخدمات الطبية وصناعة الدواء، وأدار جانبا كبيرا من نظام التعليم اليهودي المستقل.

وقد عد الهستدروت نفسه أداة عملية الاستيطان وتنشيط الهجرة اليهودية لتحقيق الأهداف الصهيونية في فلسطين، ووضع الأسس اللازمة لاقتصاد سليم مزدهر قادر على امتصاص أكبر عدد ممكن من المهاجرين القادمين من الشتات وصهرهم في هيكل قومي واحد.

وقد نما الهستدروت بشكل متصل وسريع، فقد بلغ عدد أعضاء الهستدروت عند نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين حوالي 200 ألف عضو. وقد ارتفع هذا العدد عام 1969 إلى 653 038 1 عضو فإلى 852 159 1 عام 1974، أي نحو 42% من مجموع السكان و90% من مجموع العاملين. وامتدت سيطرته إلى كافة النشاطات الاقتصادية، وشكل سندا قويا للعمالة اليهودية من خلال جمعياته التعاونية للإنتاج التي توفر فرص العمل للمهاجرين، ووكالات البيع التي تقوم بتسويق المنتجات اليهودية.

وانبثق من الهستدروت عدة منظمات كان أبرزها: منظمة العمال الزراعيين، واتحاد عمال السكك الحديدية والبرق والهاتف، واتحاد الكتبة ومستخدمي المكاتب، واتحاد عمال البناء، واتحاد عمال التعدين، واتحاد عمال النسيج، واتحاد عمال الصناعات الغذائية، بالإضافة إلى اتحاد عمال الجلود، واتحاد عمال الماس، واتحاد عمال الخشب، واتحاد عمال الطباعة والورق.

4. المستعمرات (المستوطنات) الزراعية

مثلت حركة الاستيطان الزراعي في فلسطين منذ نشأتها التطبيق العملي لفلسفة الفكر الصهيوني وأحد أدواته الرئيسية في إنشاء الوطن القومي اليهودي. وتنقسم المستعمرات الزراعية من ناحية نشأتها واسلوب العمل فيها إلى ثلاث أنواع هي:

أ. المستعمرات المستقلة

تعد المستعمرات الزراعية المستقلة هي الصورة الأولى للمستعمرات التي قامت بإنشائها مؤسسة "البيكا" بتمويل ورعاية البارون "إدمون دي روتشيلد" في أواخر القرن التاسع عشر، وهي تقوم على أساس الملكية الفردية، التي تخلق المزيد من حب الأرض والتعلق بها، وتحفز المستوطنين على بذل الكثير من الجهد لإنجاحها.

وبالرغم من بدء إنشاء النوعين الآخرين من المستعمرات (الموشاف والكيبوتز) في نهاية العقد الأول من القرن العشرين، فقد استمر طابع الاستعمار الفردي اليهودي للأراضي الفلسطينية، فلم يكن الصندوق القومي اليهودي يمتلك حتى عام 1914 أكثر من 3.9% من مجموع الأراضي الزراعية التي يملكها اليهود في فلسطين، كما لم يكن العاملون في الموشاف والكيبوتز يمثلون أكثر من 5% من نسبة العاملين اليهود في قطاع الزراعة، ومع وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واعتراف الإدارة البريطانية رسميا بالصندوق القومي اليهودي كمؤسسة ذات نفع عام يحق لها شراء الأراضي وتأجيرها للمهاجرين اليهود، شهدت تلك المرحلة تطورا سريعاً في نمو المستعمرات التعاونية "الموشاف" والجماعية "الكيبوتز" على حساب انخفاض عدد المستعمرات المستقلة.

ب. المستعمرات التعاونية "الموشاف"

يعود تاريخ الموشاف إلى عام 1908 عندما أسس بعض صغار المستأجرين اليهود قرى صغيرة لهم إلى جوار المزارع الكبيرة لاتاحة الفرصة لهم للعمل في تلك المزارع بالإضافة إلى ما يستأجرونه، إلا أن اتجاه هؤلاء المستأجرين إلى تأجير أرضهم الصغيرة للتفرغ للأعمال الأخرى الأكثر ربحاً، دفع إدارة الزراعة بالوكالة اليهودية بالتنسيق مع الهستدروت إلى إصدار منشور عام 1919 ينظم العمل في الموشاف على الأسس التالية:

(1) يكون لكل عضو مزرعته الخاصة التي يزرعها على مسؤوليته وعليها يعتمد في تأمين رزقه.

(2) على العضو أن يقوم بكل العمل المطلوب في مزرعته بنفسه وأسرته دون مساعدة أحد من العمال المستأجرين.

(3) يكون للمستوطن حق زراعة الأرض وليس حق تملكها، حيث تبقى الأرض ملكا للصندوق القومي اليهودي التابع للمنظمة الصهيونية العالمية.

(4) تنظم عمليات تسويق منتجات المستوطنين وشراء احتياجاتهم على أسس تعاونية إجبارية لكل الأعضاء.

(5) على كل مستعمرة أن توفر ترتيبات شاملة للمساعدة المتبادلة لدعم الأعضاء المحتاجين في حالة وقوع كارثة أو إفلاس، على أن تشمل المساعدة العمل والطعام والمال، مع قيام كل مستعمرة باتخاذ الخطوات اللازمة لتأمين المزرعة من احتمالات الخسارة الاقتصادية.

وقد تأسس أول موشاف طبقا للقواعد الجديدة في مرج ابن عامر في سبتمبر عام 1921، ثم تبعه العشرات من مستعمرات الموشاف خلال السنوات التالية، حيث وصل عددها عام 1930 إلى 30 مستعمرة، يسكنها 5750 فرداً، ومع تزايد أعداد المهاجرين قفز عددها إلى 71 مستعمرة يسكنها 15740 فرد عام 1936، ثم إلى 104 مستعمرة يسكنها 30143 فرد عند نهاية الانتداب البريطاني عام 1948.

وتقام مستعمرات الموشاف على أرض يملكها الصندوق القومي اليهودي، وتوزع على كل عضو بالتساوي، ولا يحق لأي عضو زيادة قطعته أو استئجار أو زرع قطعة أرض مخصصة لعضو آخر، ولا يرث حق الانتفاع بها إلا فرد واحد تختاره أسرة العضو.

ج. المستعمرات الجماعية "الكيبوتز"

نتيجة للمصاعب التي واجهتها المستعمرات المستقلة وافتقار المهاجرين الأوائل للخبرة الزراعية، بدأت المؤسسات الصهيونية تأسيس نظام جديد من المستعمرات الزراعية يقوم على العمل الجماعي ويرتبط في فلسفته وأهدافه بالفكر الصهيوني هو مستعمرات الكيبوتز، التي بدأ ظهورها عام 1909 مع قدوم مهاجري الموجة الثانية القادمين من روسيا وبولندا والذين تأثر أغلبهم بالأفكار الاشتراكية، مما عزز فكرة المستوطنات الجماعية الأكثر اقتصاداً، خاصة وأن الصندوق القومي كان غير قادر على دعم المستعمرات المستقلة على النحو الذي موله روتشيلد في البداية.

وأُنشئ أول كيبوتز عام 1910 باسم داجانيا، بعد أن حصلت مجموعة من العمال على قطعة أرض ووزعوا العمل على أنفسهم، وكانت المرة الأولى التي يُعهد إلى مجموعة من العمال تنظيم مزرعة بشكل جماعي مستقل، وأظهر نجاح المستعمرة إمكانية قيام المهاجرين بمشروعات زراعية مستقلة بالاعتماد على قدراتهم الذاتية، مما شجع على تأسيس العديد من مستعمرات الكيبوتز التي تضم كل منها بضع مئات من الأعضاء الذين يسكنون قرية واحدة ويعملون في مزرعة جماعية مستأجرة من الصندوق القومي اليهودي بموجب عقود مدتها 49 عاما قابلة للتجديد.

وقد ساعد إنشاء مستعمرات الكيبوتز على استيعاب ودمج نسبة من المهاجرين في نوع جديد من العمل بعد تدريبهم على الزراعة، وفي عام 1930 كان هناك 4506 فرد يمثلون 2.5% من إجمالي عدد اليهود في فلسطين يعيشون في المستعمرات الجماعية، ثم تزايدت هذه الأعداد عام 1939، إلى 22600 فرد يمثلون 5.2% من إجمالي عدد اليهود في فلسطين في ذلك الوقت ثم إلى 54221 فرد عام 1948 يمثلون 7.1 % من إجمالي اليهود عند نهاية الانتداب.

ويسعى نظام المستعمرات الجماعية إلى تحقيق أربعة أهداف هي:

(1) استعمار الأرض.

(2) زيادة الإنتاج الزراعي.

(3) استيعاب حصة من المهاجرين وزيادة عدد السكان العاملين في قطاع الزراعة.

(4) إحراز مستوى معيشي لائق لأعضاء تلك المستعمرات.

وتعد عوامل الإنتاج في المستعمرات الجماعية هي الأيدي العاملة التي يقدمها الأعضاء والأرض التي يقدمها الصندوق القومي ورأس المال الذي كانت تقدمه إدارة الاستيطان في الوكالة اليهودية كمنحة حتى عام 1930، ثم تحول بعد ذلك إلى قرض يسدد بعد 50 عاما بفائدة 2%، وإزاء التوسع في الهجرة اليهودية من ألمانيا بعد وصول النازي للحكم، اضطرت الوكالة اليهودية عام 1935 إلى تقليل مدة القرض إلى 25 عاما ورفع سعر الفائدة على القروض إلى 4%.

5. المنظمات العسكرية

أ. الهجناه (منظمة الدفاع العبرية في أرض إسرائيل)

تعود بداية الهجناه إلى يوليه 1920، عندما قرر حزب العمال المتحدين في مؤتمره بطبرية تنظيم حركة الدفاع اليهودية في فلسطين، وخُولت اللجنة التنفيذية للحزب سلطة وضع التدابير اللازمة لإنشاء منظمة سرية لأغراض الدفاع، وعلى أثر الاضطرابات التي حدثت في يافا خلال شهر مايو عام 1921، وافقت الأمانة العامة للهستدروت في 25 يونيه من نفس العام على مقترحات "الياهو جولومب" إنشاء الهجناه".

وعلى أثر ذلك بدأ جولومب في تأسيس الجيش الصهيوني السري وتسليحه، ووضع الأسس العسكرية والعقائدية التي سارت عليها هذا المنظمة حتى عام 1948، ومضى جولومب في تحويل المئات من العمال الصهيونيين إلى جيش سري ينتشر في كل مكان يستطيع فيه الدفاع عن المصالح والتجمعات اليهودية، على عكس ما كان يطالب به "زئيف جابوتنسكي" (مُنظر المنظمات الصهيونية المتطرفة فيما بعد) من إنشاء قوة عسكرية علنية بالتنسيق مع حكومة الانتداب، في حين كانت أمانة الهستدرروت ترى أن علنية المنظمة المطلوبة ـ إذا وافقت عليها حكومة الانتداب ـ سوف يعرضها لتدخل الحكومة في شؤونها وفرض قيود على عددها وتسليحها، بينما كانت السرية تتيح لها حرية الحركة.

وفي ضوء أحداث الإنتفاضة الثورية الفلسطينية عام 1929، اتخذت الوكالة اليهودية عدة إجراءات لتطوير الهجناه وإعادة تشكيلها. وشمل ذلك التطوير وضع الهجناه تحت الإشراف المباشر للوكالة، وتوسيع نطاقها لتشمل اليهود غير الأعضاء في المنظمة الصهيونية العالمية أو الهستدروت. وشُكلت لجنة أمن برئاسة بنحاس روتنبرج عام 1930، وكُلفت تلك اللجنة بدراسة الموقف العسكري وتقديم التوصيات اللازمة لتدعيمه. وعلى ضوء اقتراحات لجنة الأمن شكلت قيادة عسكرية عليا للهجناه مكونة من ستة أعضاء، ثلاثة يمثلون الهستدروت هم "دوف هوس" و"الياهو جولومب" و"مابير دوتبرج"، وثلاثة آخرين من الفئات غير الصهيونية، وهم "دوف جيفين" و"سعد باشوشامي" و"إيكار ستيوكوف". وقد أثار هذا الإجراء بعض ضباط الهجناه مما أدى إلى أول انشقاق بفرع تلك المنظمة في القدس عام 1931، وإنشاء منظمة "أرجون هجناه بت" أي "منظمة الدفاع ب"، وهي المنظمة التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم المنظمة العسكرية الوطنية أي "أرجون تسفائي ليئومي".

وإزاء تعثر الهجناه في البداية نتيجة لنقص الاعتمادات المالية التي اًنفق أغلبها في شراء الأسلحة، وصعوبة إقناع المهاجرين الجدد من سكان المدن بالانخراط في سلك الهجناه السري، والاعتماد على العمل التطوعي لعدم تفرغ كل أفراد الهجناه بما فيهم قيادتها العليا، قررت رئاسة الوكالة اليهودية عام 1933، إنشاء هيئة أركان عامة متفرغة للهجناه وتدبير الاعتمادات المالية لها، وعُين للإشراف عليها كل من "دوف هوس" ممثلا للهستدروت" و"دوف جيفين" ممثلا للفئات الأخرى. وعندما عُهد إلى هوس بمهام سياسية تتعلق بالهستدروت حل محله "شاؤل أفيجور" الذي أصبح المنظم الأول للهجناه ابتداءاً من أغسطس 1933، وعزز أفيجور سلطة القيادة المركزية العليا وحدٌّ من الميول الاستقلالية للوحدات الإقليمية للهجناه، وعمل في تعاون كامل مع اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية في فلسطين، التي كانت تسيطر عليها الأحزاب العمالية بزعامة دافيد بن جوريون.

وفي عام 1934 أصبح "الياهو جولومب" الشخصية الأولى في قيادة الهجناه وارتبط اسمه بنموها وتطويرها أثناء الثورة العربية عام 1936، عندما بدأت حكومة الانتداب تدعم القدرات العسكرية للهجناه. وطبقا لرواية "ايجال آلون" انه "في هذا الوقت اسهمت مبادرتان مشجعتان من جانب البريطانيين في النهوض بالهجناه إلى حد كبير، وكانت المبادرة الأولى الرسمية هي إنشاء بوليس (شرطة يهودية) شرعية للمستعمرات اليهودية (JSP) يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية:

(1) عدد ضئيل من الوحدات (اليهودية) المنظمة (النظامية)، تقوم حكومة الانتداب بدفع أجورها وتزويدها بالأسلحة الصغيرة للقيام بكافة مهام الحراسة المحلية.

(2) عدد أكبر من رجال البوليس (الشرطة اليهودية) ذوي طابع خاص، يسمح لهم باستخدام أسلحة الوحدات المنظمة لأغراض التدريب وحالات الطوارئ.

(3) وحدات (يهودية) متحركة يقتصر وجودها على مناطق معينة تقوم الحكومة أيضا بدفع تكاليفها وتكون مسؤولة في تلك المناطق عن حراسة الطرق والحافلات ودعم المستعمرات التي تتعرض للهجوم، ووضع الكمائن في طرق رجال العصابات العرب عند اقترابهم من المناطق اليهودية أو انسحابهم منها.

"أما المبادرة الثانية فكانت غير رسمية ولكنها مع ذلك لا تقل أهمية عن الأولى، تلك هي ظهور كابتن "أورد وينجت" (جنرال وينجت فيما بعد) على مسرح الأحداث في فلسطين.

وقد تحولت شرطة المستعمرات السابقة إلى واجهة شرعية لإمداد الهجناه (غير الشرعية) بالرجال المدربين على أيدي الضباط البريطانيين والمسلحين بأسلحة بريطانية، وفي نهاية عام 1936 كانت شرطة المستعمرات تضم ألفا وثلاثمائة من أعضاء الهجناه. وتكونت قوة الشرطة اليهودية عام 1937 من عدة وحدات قوامها 3700 فرد لا يمثلون إلا الجانب الشرعي في القوة العسكرية اليهودية التي بلغت في ذلك الوقت 20 ألف فرد.

وقام الكابتن وينجت ضابط المخابرات البريطاني خلال هذه الفترة بإدخال تعديلات جوهرية على تدريب الهجناه وتكتيكاتها، وتعليم وحداتها كيفية حراسة الحقول والمزارع والطرق النائية ووضع الألغام وشن الإغارات، مما ساعد على خروج قوات الهجناه من خنادقها ودفعها إلى ساحات القتال المفتوحة، وجعلها تنتهج نوعا من الدفاع أكثر إيجابية.

كما اضطلعت الوحدات المقاتلة للهجناه ووحدات المهندسين العسكريين بإقامة مستعمرات دفاعية سابقة التجهيز في مواقع منتقاة. وكان تشييد مثل هذه المستعمرات يتم فوق أرض تملكها الدولة خلال يوم واحد من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، وكان يستوطن هذه المستعمرات شباب الحركة الصهيونية والهجناه. وأنشئ نظام جديد كامل من المستعمرات الدفاعية لمواجهة المطالب المتزايدة للأمن. وحظيت كل مستعمرة بقلعتها الخاصة وبرجها تحت حراسة دورياتها.

وطبقا لرواية آلون كانت عملية تخطيط وتطوير المستعمرات الصهيونية محكومة جزئيا باعتبارات استراتيجية، فعلى سبيل المثال، كان اختيار موقع المستعمرات لا يُحدد فقط على أساس اعتبارات النمو الاقتصادي وإنما أيضا على ضوء اعتبارات واحتياجات الدفاع المحلية. "وكان على كل مستعمرة يهودية أن تصبح قلعة للهجناه، كما كان التخطيط الاقتصادي والزراعي مصحوبا بترتيبات وتخطيط عسكري، وأصبح لزاما على الميزانية الخاصة بالهجرة أن تهتم بالسلاح والأدوات الزراعية على السواء".

وخلال الفترة ما بين عامي 1936 و 1939 تم تطوير الهجناه، فاُنشئت مراكز لتدريب الضباط، وجرى تحسين المواصلات بين شبكة المستعمرات، ونُشرت المؤلفات العسكرية، كما نُظمت عمليات لشراء الأسلحة والعتاد، وأُقيمت صناعة للأسلحة الصغيرة، كما وُضعت نواة لقوة بحرية وقوة جوية، بالإضافة إلى شبكة واسعة النطاق للمخابرات وجمع المعلومات.

وفي هذه الفترة اتخذت الهجناه موقفا أكثر مبادأة في مواجهة الثورة العربية التي اندلعت خلال تلك الفترة، وتحولت من الدفاع إلى الهجوم، فقامت بالعديد من الهجمات على المواقع والمراكز العربية.

ب. ايتسل (أرجون تسفائي ليئومي/المنظمة العسكرية الوطنية)

مع أواخر العشرينيات بدأ تكوين الجماعات اليمينية داخل الهجناة، ووفرت موجة الهجرة الخامسة مستودعا بشريا لحركة اليمين التصحيحي بزعامة "زئيف جابوتنسكي" التي كانت تعارض سيطرة الهستدروت على الهجناه. وانتقدت تلك الحركة انقياد الهجناه لليسار الصهيوني بزعامة بن جوريون وطالبت بتحرر التنظيم العسكري اليهودي من القيود الحزبية المفروضة عليه.

ومع استمرار سيطرة الهستدروت على الهجناه جرى أول انشقاق للهجناه بقيادة "ابراهام تهومي" قائد فرع الهجناه في القدس، الذي شكل تنظيم "هجناه بت" على نحو ما سلف. ومع اندلاع الثورة العربية وتزايد الخلاف بين حركة اليمين المتطرفة والقيادات الصهيونية المعتدلة التي تطالب بضبط النفس والتعاون مع حكومة الانتداب، انعكس ذلك الخلاف على الهجناه التي تعرضت لانشقاق جديد من جانب حركة شباب بيتار اليمينية بقيادة "ابراهام شتيرن التي عارضت سياسة ضبط النفس ورأتها شكلا من أشكال التسليم للبريطانيين ونجح شتيرن في توحيد حركته مع تنظيم "الهجناه بت" في منظمة إرهابية واحدة عام 1937 سُميت "أرجون تسفائي ليئومي" (المنظمة العسكرية الوطنية) وتبنت تلك المنظمة أفكار جابوتنسكي عن استخدام القوة، بل وتجاوزت هذه الأفكار في عملياتها الإرهابية التي بدأت تمارسها ضد عرب فلسطين والبريطانيين على حد سواء، فضلا عن عمليات التهجير غير الشرعية التي كانت تقوم بها، ومارست المنظمة العسكرية الوطنية أعمالها السابقة في استقلال تام خارج إطار الهجناه، وبعيداً عن سيطرة اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية.


 



[1] أعلن مجلس عصبة الأمم صك الانتداب في 6 يوليه 1921، إلا أن المصادقة عليه لم تتم إلا في 24 يوليه من عام 1922.

[2] ضمت اللجنة التنفيذية إدارات متخصصة هي: إدارات الهجرة، المالية، السياسية، التعليم، الصحة، التجارة والصناعة، العمل، الإحصاء.

[3] أنشأت المنظمة الصهيونية العالمية الصندوق التأسيسي لفلسطين (الكيرين هايسود) في لندن عام 1920، ليكون بمثابة الجهاز المالي للمنظمة.

[4] كان انخفاض الاستثمارات اليهودية المشار إليها عائدا بدرجة كبيرة إلى الثورة العربية التي اندلعت في فلسطين عام 1936 واستمرت حتى عام 1939.

[5] كان عدد السكان اليهودي في فلسطين عام 1936 هو 38411 نسمة .