إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

ثانياً: تطور الهجرة اليهودية إلى فلسطين (1920 ـ 1939)

بانتهاء تلك الحرب وإصدار الإدارة البريطانية في فلسطين القوانين المشجعة على الهجرة اليهودية إليها، نشطت المؤسسات الصهيونية المختلفة لاستئناف تنظيم عمليات الهجرة إلى فلسطين – التي كانت قد توقفت خلال الحرب – وبدأت أعداد كبيرة من اليهود الذين غادروها أثناء الحرب يعودون إليها بعد أن استقر الأمر فيها للبريطانيين. فمع احتلال القوات البريطانية للقدس في التاسع من ديسمبر 1917 وحتى آخر ديسمبر 1921 هاجر إلى فلسطين وعاد إليها 18962 يهودياً.

ومع بدء الإدارة المدنية البريطانية عملها عام 1920 كان تهجير اليهود إلى فلسطين وتوظيفهم فيها حتى يصيروا أغلبية سكانها هوهدف كل من الإدارة البريطانية والمؤسسات الصهيونية في فلسطين وخارجها، ومن ناحيتها قامت الإدارة البريطانية بدورها في إصدار التشريعات والقوانين لتسهيل عمليات الهجرة اليهودية وتوطين المهاجرين على نحو ما سبقت الإشارة إليه، كما كانت اللجنة الصهيونية ثم الوكالة اليهودية بعدها، تقدم لإدارة الهجرة في حكومة الانتداب مذكرة نصف سنوية (من أول أبريل حتى آخر سبتمبر، ومن أول أكتوبر حتى آخر مارس) تحدد فيها أعداد العاملين اليهود الذين من المتوقع الاحتياج إليهم خلال الفترة التي تتناولها المذكرة. وقبل موافقة المندوب السامي على المطالب اليهودية تجري إدارة الهجرة دراسة تقريبية للبطالة بين العمال العرب، تم تجهز عدد من استمارات الهجرة يخصص جزء منها لمطالب أرباب العمل بينما يخصص الباقي لمن يخشى أمر إقامتهم بالبلاد بطرق غير شرعية، ولهؤلاء الذين سيبلغون سن العمل ولم يكونوا محسوبين من العمال في بداية تاريخ المذكرة اليهودية. ثم تتولى الوكالة اليهودية بعد ذلك تعيين الأماكن التي يتقدم إليها المهاجرون بطلبات التأشير على جوازات سفرهم، كما تتولى توزيع الاستمارات على مكاتب فلسطين في المدن الأوروبية، ثم تخطر بذلك القناصل البريطانيين أو مأموري الجوازات البريطانية المعتمدين في تلك المدن، ويقوم هؤلاء باعتماد جوازات سفر من ترشحهم الوكالة اليهودية.

وبانتهاء إجراءات السفر في مناطق التهجير، تقوم مكاتب فلسطين المنتشرة في العديد من البلاد الأوروبية بإجراءات ترحيل المهاجرين إلى فلسطين، حيث تستقبلهم الوكالة اليهودية وتقوم بتجميعهم في دور الضيافة لحين توزيعهم على أماكن العمل التي أعدت لاستيعابهم في أرض الميعاد.

وبلغت أعداد اليهود المهاجرين إلى فلسطين في موجة الهجرة الثالثة (1919 ـ 1923) 35 ألف يهودي، منهم 19735 مهاجراً حتى نهاية عام 1921. ويوضح (جدول الهجرة اليهودية إلى فلسطين والهجرة العكسية منها (1922 ـ 1931)) تطور أعداد مهاجري الموجات الثالثة والرابعة والخامسة إلى فلسطين والهجرة العكسية منها طبقا للإحصائيات الرسمية البريطانية خلال الفترة من عام 1922 وحتى عام 1939.

وقد أرست موجة الهجرة الثالثة قاعدة صناعية واقتصادية يهودية مكنت الاستيطان الصهيوني من توطيد جذوره في فلسطين، وأسهمت العناصر المدربة على الزراعة في هذه الموجة في الاستغناء عن العمالة العربية في المستعمرات الزراعية اليهودية، بما يتمشى مع توجهات المنظمة الصهيونية في قصر العمالة على اليهود وحدهم.

كما أدخلت الموجة الثالثة شكلا جديدا للمستوطنات الزراعية اليهودية وهي قرى العمال "الموشاف عوفديم" كما ساهمت هذه الموجة في إنشاء اتحاد العمال "الهستدروت" عام 1920، الذي تكون نتيجة لاندماج المنظمات العمالية الصهيونية التي كانت قائمة في فلسطين آنذاك، واصبح هذا الاتحاد هو ذراع الوكالة اليهودية في مجالات العمل والتشييد.

وبالرغم من تزايد الهجرة اليهودية العكسية من فلسطين عام 1923 لسوء الأحوال الاقتصادية، استمرت حكومة الانتداب في سياستها لتشجيع تلك الهجرة بسن القوانين التي سبقت الإشارة إليها، ضاربة عرض الحائط باعتراض لجنة الانتدابات التابعة لعصبة الأمم التي حذرت من أن الهجرة اليهودية أكبر من قدرة فلسطين الفعلية على استيعاب المهاجرين، وأن ذلك يمثل خطورة على السكان العرب.

وشهد عام 1924 بداية الموجة الرابعة للهجرة اليهودية إلى فلسطين، التي استمرت حتى عام 1931 وجلبت إليها ما يقرب من 82 ألف يهودي. ومثلت الثلاث سنوات الأولى ذروة الهجرة في هذه الموجة، حيث وصل أعداد المهاجرين فيها إلى ما يقرب من 73% من مجموع مهاجري هذه الموجة الذين جاء أغلبهم من الاتحاد السوفيتي وبولندا بالإضافة إلى بعض بلدان الشرق الأوسط، وكان أغلبهم من يهود الطبقة الوسطى.

وقد أدت الزيادة المفاجئة في الهجرة في الفترة من 1924 إلى 1926 إلى انتشار البطالة في فلسطين والتسبب في سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي عانى منها اليهود والعرب على حد سواء وأدت إلى تزايد الهجرة اليهودية العكسية من فلسطين عام 1926 والتي مثلت أكثر من 56% من جملة اليهود الذين هاجروا إليها في ذلك العام، وفي العام التالي وصلت أعداد الهجرة العكسية ما يقرب من ضعف عدد اليهود الذين هاجروا إليها في ذلك العام (اُنظر جدول الهجرة اليهودية إلى فلسطين والهجرة العكسية منها (1922 ـ 1931))، فلم يكن الحماس الصهيوني من صفات مهاجري الموجة الرابعة الذي رفض أغلبهم حياة المستعمرات الزراعية القاسية وفضلوا عليها حياة المدن، وهو ما يفسر تزايد عدد السكان في تل أبيب من 13 ألف نسمة عام 1922 إلى 46 ألف في عام 1925، في الوقت الذي شهدت فيه الأحياء اليهودية في يافا والقدس أيضا تزايدا ملحوظا في عدد السكان.

وقد أدى عجز سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين عن الوفاء بمطالب الوكالة اليهودية من الهجرة بعد انتهاء عهد هربرت صموئيل إلى تزايد الخلاف بين الوكالة وحكومة الانتداب، الذي بلغ ذروته عام 1930، نتيجة لإصدار الحكومة البريطانية كتابها الأبيض لعام 1930 وما أشار إليه من قيود على الهجرة اليهودية من ناحية، ووصول معدلات تلك الهجرة إلى أدنى حد لها خلال العام التالي من ناحية أخرى، وهو ما دفع القيادات الصهيونية إلى شن حملة شرسة في بريطانيا على سياسة الكتاب الأبيض وشددوا ضغوطهم على الحكومة البريطانية مما دفع الأخيرة إلى التراجع عن سياستها الجديدة تجاه الهجرة اليهودية والاستيطان في فلسطين، وتوجيه "رمزي مكدونالد" رئيس الوزراء البريطاني خطابه المفتوح إلى حاييم وايزمان في الثالث عشر من فبراير 1931 لطمأنته على استمرار السياسة البريطانية تجاه إقامة الوطن اليهودي في فسطين على نحو ما سبقت الإشارة إليه.

وعلى ذلك، بدأ تزايد أعداد الهجرة اليهودية مرة أخرى اعتبارا من عام 1932 الذي واكب بدء موجة الهجرة اليهودية الخامسة التي استمرت حتى عام 1939. ويوضح (جدول الهجرة اليهودية إلى فلسطين والهجرة العكسية منها (1922 ـ 1931)) مقدار هذه الزيادة التي بلغت ذروتها عام 1935، ثم بدء انخفاض هذه الهجرة نسبيا نتيجة الثورة العربية التي اندلعت عام 1936، وإن ظلت نسبتها أعلى من معدلاتها قبل عام 1931.

وقد فاقت موجة الهجرة الخامسة كل ما سبقها من موجات، حيث جلبت إلى فلسطين 217 ألف مهاجر يهودي كان معظمهم من بولندا (91 ألف)، وألمانيا والنمسا (40ألف)، والاتحاد السوفيتي (16 ألف)، ورومانيا (11 ألف)، واليمن وعدن (7 آلاف).

ويرجع تدفق الأعداد الكبيرة السابقة من اليهود على فلسطين إلى عدة أسباب كان أبرزها:

1. وصول النازية إلى السلطة في ألمانيا وتزايد اضطهاد اليهود فيها.

2. الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها اليهود في وسط وشرق أوروبا، في ظل الأزمة الاقتصادية الذي عانى منها العالم الغربي في ذلك الوقت.

3. تشديد قيود الهجرة لسوء الحالة الاقتصادية في البلدان الأمريكية التي كان اليهود الأوروبيون يتوجهون إليها من قبل في هجراتهم السابقة.

وقد أدت الموجة الخامسة إلى دعم المشروع الصهيوني في فلسطين بالنسبة لتوفير القوة العاملة اليهودية ورؤوس الأموال والمهارات الفنية، فمن الناحية العددية، سمحت هذه الهجرة بزيادة القوة البشرية اليهودية في فلسطين لتصبح 29% من إجمالي عدد السكان في فلسطين عام 1935 بعد أن كانت 18% فقط عام 1931، ثم أخذت هذه النسبة في الزيادة لتصل عام 1940 إلى 31% من إجمالي عدد السكان في ذلك البلد. (اُنظر جدول تطور أعداد السكان العرب واليهود في فلسطين (1922 ـ 1947))

ونتيجة لارتفاع أعداد المهاجرين اليهود من أصحاب رؤوس الأموال في موجة الهجرة الخامسة وزيادة الإنفاق الصهيوني في مجال الاستيطان والاستثمار تزايد رأس المال اليهودي المستثمر في فلسطين من 2.25 مليون جنيه فلسطيني ما بين عام 1930 و1932 إلى 7 مليون جنيه فلسطيني ما بين عام 1933 و1939.

كما بلغت نسبة العاملين في مجال التجارة والمهن الحرة ضمن موجة الهجرة الخامسة 30% من العمالة المنتجة اقتصاديا بينما لم تزد هذه النسبة عن 17% في الموجة الثالثة و14% في الموجة الرابعة.

وبالنسبة للعمالة المدربة في الموجة الخامسة تزايدت أعداد الشباب اليهودي المدرب المهاجر إلى فلسطين من 957 شاب ما بين عامي 1928 و1933 إلى 14188 عاملا ما بين عامي 1933 و 1939.

ثالثاً: تطور الاستيطان الصهيوني في فلسطين (1920 ـ 1939)

1. تمويل الاستيطان

وقع على عاتق المنظمات الصهيونية المختلفة ومؤسساتها المالية تدبير التمويل اللازم لمشروعها في فلسطين بداية من الهجرة حتى الاستيطان وتقديم الخدمات اللازمة للمستوطنين. وكانت المصادر الأساسية لتمويل المشروع الصهيوني في فلسطين هي: التبرعات والهبات التي تتلقاها المؤسسات اليهودية المختلفة، وعوائد الاستثمار في المؤسسات المالية اليهودية، ثم رؤوس الأموال التي يحملها المهاجرون اليهود إلى فلسطين.

وقد نشطت حملات جمع التبرعات لبناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وتدفقت الأموال اليهودية إلى فلسطين لتكوين اقتصاد يهودي قوي يساهم في عملية التهويد التي ترعاها حكومة الانتداب البريطاني، وحققت اللجنة التنفيذية الصهيونية (الوكالة اليهودية) نجاحاً نسبياً خلال سنواتها الأولى في عهد هربرت صموئيل، وأعدت الوكالة عام 1926 برنامجاً للتنمية الزراعية والصناعية في فلسطين يسمح بتوطين 50 ألف مهاجر أضافيين من يهود شرق أوروبا.

وطبقاً لدراسة إحصائية لحكومة الانتداب بلغت إيرادات أجهزة المنظمة الصهيونية العالمية في فلسطين 164 مليون جنيه فلسطيني خلال الفترة الممتدة من عام 1917 حتى عام 1944. كما بلغت تدفقات رأس المال اليهودي إلى فلسطين ما يقرب من 126 مليون جنيه في الفترة من عام1922 إلى 1939، ويوضح (جدول تطور هجرة الرأسماليين واليهود (1930 ـ 1939)) نسبة اليهود الرأسماليين في موجات الهجرة الرابعة والخامسة من عام 1930 وحتى عام 1939.

وقد اُنفق من الأموال السابقة لتلبية مطالب الاستيطان والخدمات والاستثمار ما يقرب من 107 مليون جنيه موزعة كما يلي:

مليون جنيه

37

 حيازة الأراضي الزراعية وتجهيزها

مليون جنيه

10

 شراء الأراضي في المناطق الحضرية

مليون جنيه

28

 الإسكان

مليون جنيه

4

 الأملاك العامة وشبه العامة

مليون جنيه

2

 الخدمات (الصحية والاجتماعية)

مليون جنيه

8

 الصناعات الرئيسية

مليون جنيه

12

 ودائع البنوك

مليون جنيه

6

 المحلات الصناعية

إلا أن عامي 1936، 1937 شهدا هبوطاً ملحوظاً في الاستثمارات اليهودية السابقة فبعد وصولها إلى أحد عشر مليوناً من الجنيهات عام 1934 هبطت هذه الاستثمارات إلى سبعة ملايين جنيه عام 1936، ثم ستة ملايين جنيه في العام التالي[4].

2. استقبال وتوطين المهاجرين

منذ نشأتها وطوال سنوات هذه المرحلة، كانت عملية الاستيطان في فلسطين هي محور عمل الوكالة اليهودية والمؤسسات الصهيونية المختلفة، وفي هذا الإطار كان على الوكالة اليهودية استقبال المهاجرين وتدبير فرص العمل لهم في المنشآت الزراعية والصناعية والجهاز الإداري لحكومة الانتداب، وتنمية الاستثمارات الزراعية والصناعية لاستيعاب أكبر عدد من المهاجرين اليهود.

وكانت عملية التوطين تبدأ مع استقبال المهاجرين اليهود في دور الضيافة التي أقامتها الوكالة اليهودية في كل من تل أبيب وحيفا ـ وهما الميناءان اللذان كانا يستقبلان أغلب المهاجرين، حيث كان المهاجرون يقيمون بضعة أيام انتظاراً لنقلهم إلى أماكن التوطين والعمل، التي تحددها الوكالة اليهودية بالتنسيق مع الهستدروت، حيث يُقدم للمهاجرين خدمات الإعاشة والخدمات الطبية، والتأهيل المهني والمعدات اللازمة لعملهم حتى يتمكنوا من الاستقلال بأنفسهم دون مساعدة خارجية.

وكان النزول في دور الضيافة اختيارياً بالنسبة للمهاجر الذي كانت مدة إقامته فيها محددة بتوقيت إتاحة فرصة العمل له، ولذا فقد تفاوت متوسط مدة إقامة المهاجر في دار الضيافة تبعاً لقدرة الوكالة اليهودية على إيجاد فرص العمل للمهاجرين، فعلى سبيل المثال، كان متوسط مدة هذه الضيافة 12.5 يوماً عام 1931، ثم 5.5 يوماً عام 1932، ثم 4.8 يوماً عام 1933، و3.8 يوماً عام 1934، وكان بعض المهاجرين يقضون هذه الفترة في ضيافة أقاربهم أو معارفهم الذين سبقوهم في الهجرة إلى فلسطين.

وكان المهاجر الواحد يكلف الوكالة اليهودية حتى عام 1935 جنيهين فلسطينيين كمصاريف في الميناء والإقامة في دار الضيافة والتسجيل في قوائم التوزيع المهني، كما كان على الوكالة أن تمنحه قرضاً يعينه على الحياة والبدء في ممارسة عمله الجديد، إلا أنه نتيجة لتزايد الأعباء المالية على الوكالة نتيجة لتزايد أعداد المهاجرين في عقد الثلاثينيات قررت الوكالة أن يتحمل المهاجر المصاريف السابقة أو جزءاً منها على الأقل ابتداءاً من عام 1935، حتى تغطي إدارة الهجرة مصروفاتها دون أن تكون عبئاً على الكيرين هايسود.

ويوضح (جدول أعداد المهاجرين اليهود الذين استقبلتهم دور الضيافة (1933 ـ 1937)) أحد إحصائيات المنظمة الصهيونية العالمية لأعداد المهاجرين الذين استقبلتهم دور الضيافة في حيفا وتل أبيب في الفترة من عام 1933 وحتى مارس 1937، كما يوضح (جدول أعداد المهاجرين اليهود الموزعين على مواقع العمل من خلال دور الضيافة (1933 ـ 1937)) احصائية مماثلة لأعداد المهاجرين الذين تم توزيعهم على مواقع العمل من خلال دور الضيافة. وتشير الإحصائية الأخيرة إلى تزايد أعداد المهاجرين الذين تم توزيعهم على مواقع العمل الريفية مقارنة بزملائهم الذين تم توزيعهم على مواقع العمل الحضرية. وقد استمرت هذه النسبة في التزايد خلال عامي 1938و1939 حتى وصلت إلى 80% من مجموع نزلاء دور الضيافة.

ويبدو من اختلاف الأرقام الإجمالية لأعداد المهاجرين الذين استضافتهم دور الضيافة (اُنظر جدول أعداد المهاجرين اليهود الذين استقبلتهم دور الضيافة (1933 ـ 1937)) عن إجمالي الأعداد التي تم توزيعها على مواقع العمل من خلال تلك الدور (اُنظر جدول أعداد المهاجرين اليهود الموزعين على مواقع العمل من خلال دور الضيافة (1933 ـ 1937)) أن بعض المهاجرين كانوا يحصلون على فرص العمل بجهودهم الذاتية أو عن طريق معارفهم وأقاربهم الذين سبقوهم في الهجرة والاستقرار في فلسطين، وأن هناك عدداً من المهاجرين الذين تم توزيعهم من خلال دور الضيافة في أعوام 1933، 1935، 1936 كانوا يقيمون في ضيافة أقاربهم حتى تم توزيعهم.

3. الاستيطان الزراعي

كان الاستيطان في الأراضي الزراعية يحظى بأولوية كبيرة من قبل الوكالة اليهودية، وقد أوضح "بن جوريون" أمام المؤتمر الصهيوني التاسع عشر عام 1935 أن الاستيطان الزراعي كان العامل الأساسي في البرنامج الصهيوني، كما أوضحت الوكالة اليهودية في تقاريرها أنه كان على أجهزتها الزراعية أن تضطلع بمسؤوليات كبيرة في مجال التنمية الزراعية، وذلك بتوسيع رقعة الأراضي اليهودية المزروعة عن طريق تنشيط انتقال الأراضي لليهود وتجفيف المستنقعات وتحويلها إلى أرض زراعية منتجة، واصلاح الاراضي القابلة للزراعة، لزيادة القدرة على توطين المهاجرين في الريف، فضلاً عن زيادة الانتاج الزراعي، وقبل هذا وذاك كان على أجهزة الزراعة بالوكالة خلق العامل الزراعي المرتبط بالأرض.

كما دفعت تجارب رواد الاستعمار الزراعي الأول في فلسطين أجهزة الوكالة إلى بحث أشكال مختلفة لاستعمار الأرض تمكِّن المستوطنين من التعاون والعمل الجماعي، وانتهى الرأي إلى إنشاء "الكيبوتزات" ذات الطابع الجماعي في الحياة والعمل "والموشاف" ذات الطابع التعاوني، كأنماط قابلة للتطبيق في المجتمع اليهودي في فلسطين إلى جانب المزارع الخاصة.

ونظراً إلى أن أغلب المهاجرين اليهود لم يعملوا في الزراعة أو يُعَدُّوا للعمل فيها، كان على الوكالة اليهودية تدريب المستوطنين الجدد خلال سنوات حياتهم الأولى في المستعمرات (المستوطنات) الزراعية، ومن ثم رصدت تلك الوكالة الأموال لإنشاء المراكز الزراعية التي قامت بإعداد برامج منظمة لتدريب العمال الزراعيين، مع توزيع العمال المدربين على المستعمرات الجديدة ليعملوا جنباً إلى جنب مع المستوطنين الجدد لتهيئتهم للعمل بقدر كاف من المهارات الزراعية.

أ. حيازة الأراضي

مع بداية عهد الإدارة المدنية البريطانية في فلسطين كان اليهود يملكون 650 ألف دونم تمثل 2.5% من أراضي ذلك البلد البالغة 27 مليون دونم، وقد آلت بعض هذه الأراضي إليهم بالشراء من أصحابها العرب الذين كانوا يقيمون في الشام، والبعض الآخر بالشراء من الأراضي الأميرية خلال عهد لجنة الاتحاد والترقي.

ومع وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، سمحت قوانين الأراضي التي سنتها الإدارة البريطانية بحيازة اليهود مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية بلغت 1019574 دونماً حتى عام 1925. وتسجل البيانات الرسمية البريطانية استمرار انتقال الأراضي إلى أيدي اليهود خلال السنوات التالية، فطبقاً لأحد التقارير الرسمية البريطانية، كان اليهود يملكون مليون ومائتي ألف دونم عام 1929، كان منها مليون دونم من الأراضي الصالحة للزراعة تمثل 14.4% من جملة تلك الأراضي في فلسطين، عدا منطقة بير السبع التي كان اليهود يملكون فيها 50 ألف دونم. واستمر تزايد مساحة الأراضي الزراعية من مليون ومائة وثلاثة آلاف دونم عام 1930 إلى مليون ومائتي وثلاثة وثلاثين ألف دونم عام 1934، امتلك الصندوق القومي اليهودي منها نحو 345 ألف دونم.

وطبقاً لتقارير الوكالة اليهودية، كان إجمالي مساحة الأراضي الزراعية التي انتقلت إلى حوزة اليهود حتى عام 1938 هو 1455917 دونم من أجود الأراضي الزراعية الخصبة، تمثل أكثر من 22% من جملة تلك الأراضي في فلسطين، فقد كان اليهود يملكون 45% من مجموع الأراضي الزراعية في طبرية، 40.8 من مجموع تلك الأراضي في وادي بيسان، 40.9 في منطقة حيفا، و37% في منطقة الناصرة، و35% في منطقة يافا، و 20.8% في منطقة طولكرم، و16.8% في منطقة الرملة، و11.9% في منطقة غزة.

وقد حصلت المؤسسات الصهيونية على أغلب الأراضي الزراعية التي آلت إليها خلال هذه المرحلة (1920 ـ 1939) عن طريق الشراء من ملاك غائبين، حيث أدت ظروف وحدة الأراضي خلال عهد الدولة العثمانية إلى تملك فئة قليلة من الأسر السورية واللبنانية لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، وتحكمها في مقدرات قرى بأكملها. وأمام خطر الزحف الصهيوني وقوانين الأراضي التي فرضتها حكومة الانتداب، وجدت تلك الأسر أن فلسطين لم تعد مكاناً مأموناً لاستثماراتها الزراعية وأنه من الأفضل لها بيع تلك الأراضي، ولما كان الفلاحون الأجراء غير قادرين على الشراء في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي ترتبت على قوانين الانتداب والهجرات اليهودية، فقد وجدت تلك الأسر في عروض المؤسسات الصهيونية لشراء أراضيها فرصة ملائمة للبيع.

ويوضح حاييم وايزمان في مذكراته كيف اشترت اللجنة الصهيونية بعض هذه الأراضي:

"مع ضآلة المبالغ المخصصة، فإننا تمكنا صيف عام 1920 من شراء الأرض الأولى في مرج بن عامر، وهي أكبر قطعة أرض اشتريناها حتى ذلك الوقت، ومساحتها 80 ألف دونم، وكانت هذه الأراضي تخص عائلة سرسق من الملاك اللبنانيين، وعليها بعض القرى العربية المهلهلة المهملة المهددة بالملاريا، وظننا أن السعر الذي دفعناه كان عالياً، ولكن الوقت أثبت أنه لم يكن كذلك".

ونتيجة لشراء المؤسسات الصهيونية أراضي مرج بن عامر، استخدمت حكومة الانتداب القوة لطرد 2746 أسرة عربية من 22 قرية عربية في ذلك المرج.

وفي منطقة الحولة باعت أسرتا محمد بيهم وميشيل سرسق للمؤسسات الصهيونية 400 ألف دونم في النصف الشمالي من ذلك السهل الخصيب تشرد بسببها 2546 أسرة عربية كانت تسكن 22 قرية في ذلك السهل، وفي نفس المنطقة باعت أسرة سلام اللبنانية امتيازها إلى اليهود، وكانت تلك الأسرة قد حصلت من الحكومة العثمانية على امتياز إصلاح مساحة 165 ألف دونم في أرض الحولة وتمليكها إلى الفلاحين الذين نشأوا عليها، ونتيجة لبيع هذا الامتياز تشرد 15 ألف عربي من تلك الأراضي.

وتورط في عمليات بيع مشابهة أسرة خوري في حيفا والتويني والصباغ من بيروت التي باعت الأراضي الواقعة في السهل الساحلي بين عكا وحيفا، ومن سورية باعت أسر الجزائرلي وشمعة والقوتلي لليهود أراضي المنشية، كما باعت أسرة مارديني جزءاً كبيراً من أرض صفد.

أما الأراضي التي حصل عليها اليهود من صغار الفلاحين فلم تزد مساحتها عن 12% من جملة الأراضي التي حصلوا عليها خلال هذه المرحلة وقد اضطر ملاكها إلى بيعها وفاءاً للديون التي تراكمت على كاهلهم للمرابين بعد إلغاء البنك الزراعي العثماني والقوانين، والضرائب التي فرضتها حكومة الانتداب، والمنافسة غير العادلة مع المستوطنات الزراعية الصهيونية.

ولم تقتصر حيازة اليهود للأراضي الفلسطينية على عمليات الشراء من الملاك العرب، فقد اختصت حكومة الانتداب المنظمات الصهيونية بالكثير من أراضي الدولة.

ب. المستعمرت (المستوطنات) الزراعية واستيعاب المهاجرين

سمحت حيازة اليهود والمؤسسات الصهيونية لمساحات الأراضي الزراعية السابقة بنمو حركة الاستيطان الزراعي واستيعاب أعداد متزايدة من المهاجرين اليهود، ففي عام 1922 ـ بعد سنتين فقط من بدء عمل الإدارة البريطانية ـ بلغ عدد المستوطنات الصهيونية 73 مستوطنة مساحتها 000 649 دونم ويسكنها 15.172 نسمة يمثلون 18% من عدد اليهود في فلسطين في ذلك الوقت وخلال السنوات التالية استمر نمو الاستيطان الزراعي الذي كانت توليه الوكالة اليهودية عناية فائقة، فارتفع عدد المستوطنات عام 1927 إلى 104 مستوطنة مساحتها 1002000 دونم ويسكنها 30500 نسمة يمثلون 20.1% من عدد اليهود في فلسطين. (اُنظر جدول نمو وتطور الاستيطان الزراعي الصهيوني (1882 - 1938))

ومع تزايد معدلات الهجرة في عقد الثلاثينيات تزايدت معدلات إنشاء المستعمرات وقدرتها على استيعاب المهاجرين، ففي عام 1936 بلغ عدد المستعمرات 203 مستعمرة مساحتها 1324051 دونم، ويسكنها 98558 نسمة يمثلون 24% من عدد اليهود في فلسطين، ومع إندلاع الثورة في نفس العام، عملت الوكالة اليهودية على الإسراع بمعدلات إنشاء المستعمرات وتوطين المهاجرين فيها حتى بلغ عددها عام 1938، 233 مستعمرة مساحتها 1455917 دونم ويسكنها 120 ألف نسمة.

4. الصناعة وإستيعاب المهاجرين

كانت الصناعة اليهودية في فلسطين أحد المجالات الرئيسية لإستيعاب المهاجرين. وقد ساعد تطور هذه الصناعة في عهد حكومة الإنتداب ـ الذي سبقت الإشارة اليه ـ إلى زيادة طاقتها على إستيعاب المهاجرين، ويوضح (جدول نمو وتطور المنشآت الصناعية اليهودية (1923 ـ 1937)) تطور عدد المنشآت الصناعية اليهودية وعدد العاملين فيها في الفترة من عام 1923 حتى عام 1939. فطبقاً لإحصاء أجرته الوكالة اليهودية عام 1926، كان هناك 276 منشأة صناعية يهودية في فلسطين استوعبت 2231 من الأيدي العاملة في نوفمبر 1923، ثم ارتفعت أعداد هذه المنشآت عام 1926 إلى 592 منشأة استوعبت 5711 عاملاً. وأوضح إحصاء آخر أجرته الوكالة اليهودية عام 1930 ارتفاع عدد المنشآت الصناعية في ذلك العام إلى 617 منشأة استوعبت 6777 من الأيدي العاملة.

وتوضح دراسة أجراها معهد البحوث والدراسات العربية عن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، أن عدد المنشآت الصناعية اليهودية في هذا البلد قد ارتفع عام 1933 إلى 970 منشأة استوعبت 14419 من الأيدي العاملة، ثم واصلت أعداد تلك المنشآت وقدرتها على الاستيعاب في الارتفاع خلال السنوات التالية.

وطبقاً لاحصائية أجرتها الوكالة اليهودية عام 1937 كان هناك 5606 منشأة صناعية يهودية في فلسطين استوعبت 29986 عاملاً.

ويشير تركيب العمالة في الاقتصاد اليهودي عام 1936 إلى أنه كان هناك 171 ألف عامل في القطاعات الاقتصادية المختلفة وأن كلاًّ من قطاع الزراعة والتجارة والنقل استوعب 19% من جملة القوى العاملة اليهودية بينما استوعب قطاع الصناعة والحرف 17% من تلك العمالة يليه قطاع البناء والتشييد الذي استوعب 8% منها ثم باقي القطاعات الاقتصادية التي بلغت قدرتها على الاستيعاب 37% من إجمالي أعداد العاملين في تلك القطاعات. (اُنظر جدول حجم قوة العمل العربية واليهودية وتوزيعها على القطاعات الاقتصادية (عام 1936))

ولما كان متوسط الإعالة بالنسبة للعاملين اليهود السابقين هو 1.24، فإن ذلك يعني أن إجمالي عدد الأفراد المعالين بالنسبة للأيدي اليهودية العاملة في القطاعات الاقتصادية هو 212040 فرداً، وبذلك يكون إجمالي عدد اليهود الذين استوعبتهم القطاعات الاقتصادية فعلاً في ذلك العام (عدد العاملين واسرهم) هو 383040 نسمة تمثل 99.7% بالنسبة لإجمالي عدد اليهود في فلسطين في نهاية ذلك العام[5]. ولهذا كان اهتمام الوكالة اليهودية والمؤسسات الصهيونية المختلفة بتنمية الاقتصاد اليهودي في فلسطين لتوفير الظروف الملائمة لاستيعاب وتوطين المهاجرين اليهود الذين تدفقوا على فلسطين في هذه المرحلة.


 



[1] أعلن مجلس عصبة الأمم صك الانتداب في 6 يوليه 1921، إلا أن المصادقة عليه لم تتم إلا في 24 يوليه من عام 1922.

[2] ضمت اللجنة التنفيذية إدارات متخصصة هي: إدارات الهجرة، المالية، السياسية، التعليم، الصحة، التجارة والصناعة، العمل، الإحصاء.

[3] أنشأت المنظمة الصهيونية العالمية الصندوق التأسيسي لفلسطين (الكيرين هايسود) في لندن عام 1920، ليكون بمثابة الجهاز المالي للمنظمة.

[4] كان انخفاض الاستثمارات اليهودية المشار إليها عائدا بدرجة كبيرة إلى الثورة العربية التي اندلعت في فلسطين عام 1936 واستمرت حتى عام 1939.

[5] كان عدد السكان اليهودي في فلسطين عام 1936 هو 38411 نسمة .