إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الحادي عشر

تطور الموقف بعد الحرب العالمية الثانية

أولاً: تطور الموقف الصهيوني بعد الحرب

في الوقت الذي كانت فيه حكومة حزب العمال تبحث الموقف في فلسطين خلال شهر أغسطس عام 1945، دُعي المؤتمر الصهيوني للانعقاد في لندن في أول اجتماعاته بعد الحرب، وقد حذر ذلك المؤتمر من أن اليهود في فلسطين سوف يلجأون إلى العنف ضد الحكم البريطاني إذا لم تتخل الحكومة البريطانية عن سياسة الكتاب الأبيض.

وما أن تبلورت السياسة الجديدة لحكومة العمال تجاه فلسطين، حتى قررت الوكالة اليهودية وقف تعاونها مع حكومة الانتداب وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية بالشكل الذي يهدم هذه السياسة، كما قرر قادة الهجناه أن الوقت قد حان لتحدي الحكم البريطاني، وهو ما أدى إلى تصاعد الأعمال الإرهابية ضد حكومة الانتداب بشكل أكثر عنفاً بعد أن توحدت جهود الهجناه ومنظمتا الأرجون وشتيرن في هذا المجال، وهو ما عبر عنه "مناحيم بيجن" في مذكراته بقوله "في تلك الفترة انتهت حملة اليهود ضدنا، وولدت حركة النضال الموحد وقمنا بعمليات مشتركة رائعة".

وقد اتخذت المواجهة الصهيونية للحكم البريطاني خلال هذه المرحلة أربعة محاور للعمل تصاعدت نشاطاتها حتى تم إحالة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أبريل عام 1947، وهذه المحاور هي:

1. الإسراع بمعدلات الهجرة غير الشرعية

أوكلت مهمة تهجير اللائقين من المهاجرين اليهود في أوروبا والشرق الأوسط إلى جهاز الموساد الذي أسسته الوكالة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت عمليات الهجرة غير الشرعية تعتمد في مراحلها الأولى على الجنود اليهود المتطوعين في القوات البريطانية ووحدات اللواء اليهودي في أوروبا، حيث كان يتم نقل كل مجموعة من المهاجرين في عربات عسكرية يمكنها أن تعبر نقاط التفتيش عبر الحدود الأوروبية، ثم يتم نقلها إلى مناطق للتجمع، ترسل منها إلى موانئ الإبحار، وكانت كل رحلة تستدعي الحصول على المستندات والمؤن بشكل يحقق الاكتفاء الذاتي لكل قافلة وشراء أو استئجار السفينة التي ستقوم بعملية النقل وإخفاء معالمها وكان على كل سفينة أن تجد طريقها إلى فلسطين بعيداً عن السفن والطائرات البريطانية، حيث تقابلها فرق الإنزال التابعة للهجناه عند النقطة المحددة على الساحل الفلسطيني، ومنذ صيف عام 1945 وحتى نهاية عام 1947 وصل إلى فلسطين سبعون سفينة تحمل المهاجرين اليهود.

وقد وصل إلى فلسطين بعض هذه السفن خلال الشهور الأولى بعد الحرب أكثر من ألف يهودي، ثم تزايدت أعدادهم بعد ذلك إلى ما يقرب من 22 ألف مهاجر، وفي أوائل عام 1947 ارتفع العدد إلى 40 ألف يهودي، وفيما بين صيف عام 1945 ونهاية عام 1947 وصل إلى فلسطين بطريقة غير مشروعة واحد وسبعون ألف مهاجر من معسكرات اللاجئين في أوروبا.

2. إقامة المستعمرات في المناطق التي حرَّمها الكتاب الأبيض

اتجهت الوكالة اليهودية بعد الحرب إلى إنشاء المستعمرات الدفاعية ـ التي سبقت الإشارة إليها ـ في المناطق المحظورة لتحقيق هدفين هما:

أ. السيطرة على مراكز حيوية في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية.

ب. إحباط سياسة الكتاب الأبيض الرامية إلى إبقاء الجزء الأكبر من فلسطين خارج الدولة اليهودية.

وطبقاً لرواية آلون كانت إقامة المستعمرات الدفاعية بالنسبة إلى الهجناه أيسر من تنظيم الهجرة غير الشرعية والإشراف عليها، فلم يكن الأمر يتطلب أكثر من "اختيار الموقع المطلوب وإعداد مستعمرة أو قرية كاملة التجهيز ثم القيام بعملية النقل وترتيب الدفاع والتعاون بين الجنود والمدنيين".

وقد لعبت هذه المستعمرات الدفاعية غير المشروعة التي أنشئت في هذه المرحلة دوراً حيوياً عند اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى (1948 ـ 1949)، وخاصة في منطقة النقب حيث أنشئ ست وعشرون مستعمرة.

3. الهجوم على الأهداف الحكومية العسكرية والمرافق الإستراتيجية

استهدفت الهجمات اليهودية الضغط على الحكومة البريطانية بتقويض هيبة الحكم ومركز البريطانيين وإحساسهم بالأمن في فلسطين، وإقناعهم بأنه بدون موافقة اليهود لن تستطيع الحكومة البريطانية الاحتفاظ بهذا البلد كقاعدة آمنة في الشرق الأوسط.

وقد اتسمت تلك الهجمات بطابع الإغارة على أهداف مختارة مثل "السكك الحديدية والجسور والعربات ومراكز الشرطة والقواعد العسكرية، بالإضافة إلى محطات الرادار وزوارق الدوريات المسلحة والسفن في فلسطين وقبرص.

وفي إطار تنسيق العمل بين المنظمات الصهيونية تولت قوات الهجناه المهام ذات الطابع العسكري مثل مهاجمة المنشآت العسكرية والأهداف الحيوية التي تشدد حكومة الانتداب الحراسة عليها، بينما اختصت الأرجون بأعمال النسف والتدمير، في حين انفردت شتيرن بأعمال القتل والاغتيال.

وقد دفع النشاط الإرهابي السابق وزير الخارجية البريطانية إلى إرسال مذكرة إلى نظيره الأمريكي في 6 نوفمبر 1945 يلفت نظره فيها إلى تصاعد أعمال العنف التي تقوم بها القوات الصهيونية في فلسطين، مشيراً إلى أن الحركة الصهيونية تريد دفع الأمور بأسرع مما هو لازم، الأمر الذي يضع سلطات الانتداب والقوات البريطانية في فلسطين تحت ضغوط شديدة، وأرفق بيفن بمذكرته بيان حجم القوات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي أجملها فيما يلي:

أ. قوات الهجناة: ما بين 60 ألف إلى ثمانين ألف جندي مسلح بما فيها قوات البالماخ ووحدات الكوماندوز وقوامها ستة آلاف جندي.

ب. قوات الأرجون: الأكثر تعصباً وعددها يقدر بما بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف مقاتل.

ج. عصابة شتيرن الإرهابية: وتضم عدة مئات من الإرهابيين المدربين.

كما لفت بيفن نظر حاييم وايزمان وموشي شرتوك (شاريت) إلى خطورة لي ذراع السلطات البريطانية، لأن ذلك سوف يؤدي إلى تعقيدات هم في غنى عنها.

ولم يسفر التحذير البريطاني عن تهدئة الأوضاع في فلسطين، حيث تشير الوثائق البريطانية إلى تزايد مشاركة الآلاف من يهود المستعمرات والمدن في النشاطات الإرهابية والعسكرية. فعندما تصاعد النشاط الإرهابي عام 1946، صدر بيان بريطاني في 24 يوليه من ذلك العام يحدد التنظيمات الارهابية اليهودية في التشكيلات التالية:

أ. قوات الهجناه والبالماخ غير المسموح بها قانونياً، وتعمل تحت قيادة مركزية يتبعها ثلاث قيادات إقليمية، وتشكل البالماخ قوة عاملة متفرغة من ستة آلاف فرد.

ب. قوة مستقرة تضم أربعين ألف فرد من سكان المستعمرات والمدن.

ج. قوة شرطة المستوطنات وهي قوة نظامية مدربة قوامها ستة عشر ألف فرد.

د. الارجون تسفاني ليئومي، وهي عصابة سرية تضم ما ين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فرد.

هـ. جماعة شتيرن، وهي عصابة تضم ما بين مائتين وثلثمائة من الرجال الخطرين، وهي أكثر التصاقاً بالأرجون.

وإزاء هذا النشاط الإرهابي المتزايد تحت إشراف الوكالة اليهودية وبتوجيهاتها، بدأت حكومة الانتداب في إلقاء القبض على عدد من زعماء اليهود، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد الوكالة اليهودية فضلاً عن إلقاء القبض على كثير من أفراد المنظمات السابقة المشتبه في تورطهم في الأعمال الإرهابية، ونفي بعضهم خارج فلسطين.

وقد أثارت المواجهة البريطانية العنيفة لإرهاب المنظمات الصهيونية ردود فعل غاضبة لدى جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهددت تلك الجماعات بدعوة الكونجرس إلى رفض قرض أمريكي مقترح كانت بريطانيا في أمسِّ الحاجة إليه، ومن ثم وجد المسؤولون البريطانيون أنفسهم مضطرين إلى وقف الإجراءات التأديبية وقصر ردود فعل قواتهم على مجرد الدفاع عن النفس، مما شجع المنظمات الصهيونية على تصعيد أعمالها الإرهابية إلى حد لم يعد يمكن السكوت عليه، مثل نسف فندق الملك داود ـ الذي كان مقراً لقيادة القوات البريطانية في فلسطين ـ وما ترتب على ذلك من خسائر فادحة في الأرواح (93 قتيلاً و3 جرحى)، مما دفع السلطات البريطانية إلى استئناف سياسة القمع، وهو ما أدى إلى إضعاف موقف المعتدلين ودعم موقف المتطرفين، سواء في الوكالة اليهودية أو المنظمة الصهيونية العالمية، كما أدى إلى تدهور العلاقات الإنجليزية اليهودية.

وعندما اجتمع المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في بال (بسويسرا) خلال شهر ديسمبر 1946، ثار خلاف في الرأي بين حاييم وايزمان (رئيس المنظمة الصهيونية) وبين دافيد بن جوريون (رئيس المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية في ذلك الوقت) حول العلاقات مع البريطانيين، فبينما كان وايزمان لازال يتشبث بالعلاقة مع بريطانيا ويطالب بالعمل على تقويتها، كان بن جوريون يرى تركيز الجهود الدبلوماسية الصهيونية على الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من انجلترا، وقد انحاز المؤتمر لرأي بن جوريون ولم يعاد انتخاب وايزمان لرئاسة المؤتمر الصهيوني مرة أخرى.

4. دعم القوة العسكرية اليهودية في فلسطين

قامت الوكالة اليهودية ـ فور انتهاء الحرب العالمية الثانية ـ بتكثيف جهودها لدعم القوة العسكرية اليهودية في فلسطين استعداداً للمواجهة المنتظرة مع الجيوش العربية عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، "وهذا يعني أولاً وقبل كل شيء الحصول على جميع أنواع الأسلحة"، "فالقوة العسكرية هي التي ستقرر نتيجة النضال". وعلى ذلك اتجهت جهود الوكالة اليهودية إلى الحصول على الأسلحة الثقيلة، وإنشاء المصانع الحربية لإنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة، استكمالاً لجهودها في مجال التصنيع الحربي الذي بدأته خلال الحرب العالمية الثانية[1].

ففي 15 مايو 1945 ـ فور انتهاء الحرب في أوروبا ـ توجه "بن جوريون" ومعه "اليعازر كابلان" أمين صندوق الوكالة اليهودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعقد صفقة ضخمة تهدف إلى إقامة صناعة للذخيرة في فلسطين والحصول على الآلات اللازمة لإنشاء مصانع السلاح. ونجح بن جوريون في جمع عدة ملايين من الدولارات من يهود الولايات المتحدة الأمريكية لشراء الاحتياجات المطلوبة ونقلها إلى فلسطين، ومع كل الجهد الذي كانت تبذله الحكومة البريطانية بحثاً عن الأسلحة في المستعمرات اليهودية خلال هذه الفترة فإنها لم تستطع اكتشاف طبيعة هذه الآلات والغرض منها.

وخلال وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية، في صيف عام 1945، طلب بن جوريون من بعض أعضاء المنظمة الصهيونية الأمريكية تكوين لجنة سرية في الولايات المتحدة الأمريكية تتولى تدبير الأموال اللازمة للحصول على الأسلحة من القارة الأمريكية وتدبير وسائل نقلها إلى فلسطين سراً. "وقد تكونت بالفعل هيئة سرية أُطلق عليها اسم "مؤسسة (سونبرن)" تولت جمع ملايين الدولارات وأنشأت مكاتب لشراء الأسلحة وشركات وهمية تتولى شحنها ونقلها بعد شرائها. وقد شملت هذه الأسلحة المشتراة على عدد من الدبابات الخفيفة والمدفعية الخفيفة والمتوسطة والسيارات المدرعة الخفيفة وسيارات النقل".

وكان يجرى فك أجزاء هذه الأسلحة وشحنها بالسفن والطائرات بواسطة مؤسسة سونبرن على أنها آلات زراعية، وتم تهريب هذه الأسلحة إلى فلسطين بالرغم من الرقابة التي فرضتها حكومة الانتداب في ذلك الوقت.

وعندما عقد المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في ديسمبر 1946 لفت بن جوريون نظر المجتمعين إلى مشكلة الأمن كما يراها، فقد يواجه المجتمع اليهودي في فلسطين "البيشوف" جيوش الدول العربية التي قد تُرسل للقضاء على ذلك المجتمع، وعلى ذلك "ينبغي أن تأخذ الأهبة لذلك الاحتمال، باستغلال قدراتنا الفنية والمالية إلى أقصى حد ... إن الدول العربية لم تستكمل بعد أهبتها إلا أننا قادمون على فترة تحول عنيف، ويتحتم علينا ألا نغفل الأخطار التي تنتظرنا، ولابد أن نتأهب من فورنا وبأكبر درجة ممكنة، إن هذا من وجهة نظرنا هو أخطر واجب تواجهه الصهيونية اليوم".

وفي نهاية المؤتمر كُلف بن جوريون بمهام الدفاع، بالإضافة إلى مهمته كرئيس للمجلس التنفيذي، فقام بدراسة أوضاع الهجناه ومدى إمكاناتها لمواجهة الاختبار المنتظر، وطالب قيادتها بتجنيد كل الضباط وضباط الصف اليهود ـ الذين اكتسبوا خبراتهم في الحرب العالمية الثانية ـ لمدة عامين في قوات الهجناه وخاصة في القوة الجوية والبالماخ.

وعندما قام بن جوريون بدراسة موقف الأسلحة المتاحة للهجناه في أبريل 1947، وجد أن هناك حاجة ماسة للحصول على مزيد من الأسلحة وخاصة الدبابات والعربات نصف جنزير وقطع المدفعية الثقيلة والهاون لدعم الوحدات البرية، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة لإنشاء القوة الجوية وزوارق الطوربيد والغواصات والسفن الأخرى اللازمة للبحرية، وعلى ذلك تم اعتماد المبالغ اللازمة لشراء مزيد من الأسلحة الثقيلة من تشيكوسلوفاكيا وفرنسا بالإضافة إلى ما سبق الحصول عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.

وطبقاً لرواية بن جوريون بلغت جملة الأسلحة التي تم شراؤها في تلك الفترة ما يلي:

أ. الأسلحة البرية

40 دبابة، 144 عربة (مدرعة) نصف جنزير، 416 قطعة مدفعية، 24 هاوناً ثقيلاً، 158 رشاشاً ثقيلاً، 1417 رشاشاً متوسطاً، 6034 رشاشاً خفيفاً 52391 بندقية، 523 بندقية آلية، 1752 مسدساً.

ب. الأسلحة الجوية

44 طائرة منها 20 طائرة خفيفة من المخلفات البريطانية في فلسطين (من طراز اوستر).

ج. الأسلحة البحرية

59 سفينة مختلفة الأنواع، وقد نجحت الوكالة اليهودية في تهريب نسبة كبيرة من هذه الأسلحة إلى فلسطين قبل اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، إلا أن الأسلحة الثقيلة مثل الطائرات والدبابات تأخر دخولها فلسطين إلى ما بعد إنهاء الانتداب رسمياً في 14 مايو 1948.

وفي 18 يونيه 1947 وجه بن جوريون تعليماته إلى قيادة الهجناه لافتاً أنظارهم إلى المخاطر المنتظرة كما يراها، وقد شدد على أن الييشوف يقف أمام جبهتين معاديتين: البريطانية والعربية، "ولكن يجب التمييز بين هاتين الجبهتين، وهذا التمييز حيوي، فالمعركة الدائرة بين الصهيونية وسياسة الكتاب الأبيض، هي في أساسها سياسية وليست عسكرية.. ويختلف الأمر في الجبهة العدوانية العربية، فالمنظمة (الهجناه) هنا هي العامل الرئيسي والحاسم، وإزاء هجوم مسلح من جانب العرب، لا مفر من الحسم عن طريق القوة، حسم عسكري يهودي، وإذا لم تُعدَّ المنظمة لتصبح قادرة على أداء هذه المهمة، فإنها تكون قد ابتعدت عن هدفها الأساسي، ويصبح صميم وجود الييشوف والمشروع الصهيوني عُرضة لخطر الدمار"[2].

وبعد عرض بن جوريون للقوة العسكرية العربية ـ كما قدرها ـ أكد على أن المهمة الأولى للمنظمة (الهجناه) هي إعداد نفسها لمواجهة هذه الجبهة العربية، ومن أجل ذلك "، يجب إحداث تحسن كبير في تدريباتها ونظامها، وتخطيطها، وتثقيفها الصهيوني والعسكري، وقدرتها على العمل، وقوتها الضاربة … ويجب ملاءَمة بنيتها مع الظروف الجديدة، ومع الحاجات المتفاقمة في خطورتها، من خلال الإفادة الكاملة من الخبرة العسكرية التي اكتسبناها واكتسبها آخرون من الحرب العالمية الأخيرة، ومن خلال استخدام منجزات العلم والتكنولوجيا الحديثة لأغراض الدفاع عن أنفسنا".

واتساقاً مع تعليمات بن جوريون أعلن قائد الهجناه في العاشر من أكتوبر 1947، إنشاء "شيروت هافير" (سلاح الطيران)، ومع إنشاء هذا السلاح الجديد، عُدت القوة الجوية تشكيلاً مستقلاً، وفي أوائل عام 1948، كان هذا السلاح مزوداً بثمان وعشرين طائرة منها 27 طائرة خفيفة وطائرة ذات محركين، كما توفر له آنذاك ما بين 50 و60 طياراً يهودياً، منهم عشرون طياراً خدموا في القوات الجوية الملكية البريطانية أثناء الحرب، فضلاً عن ألفين من الفنيين في التخصصات المختلفة ممن جُندِّوا في تلك القوات.

ثانياً: تطور الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية بعد الحرب

إزاء استمرار الخلاف بين حزب الاستقلال والحزب العربي الفلسطيني، الذي أحياه أنصار الحاج أمين الحسيني، قرر مجلس الجامعة العربية في دورته الثالثة (31 أكتوبر ـ ديسمبر 1945)، إرسال جميل بك مردم رئيس الوزراء السوري إلى فلسطين للمساعدة في إنهاء الخلاف بين الزعماء الفلسطينيين، وقد نجح رئيس الوزراء السوري في التوفيق بينهم وتكوين هيئة موحدة من 12 عضواً تمثل مختلف الاتجاهات عُرفت باسم الهيئة العربية العليا.

وقد حاولت الجامعة في البداية ترك اختيار رئيس الهيئة للزعماء الفلسطينيين إلا أنهم انشقوا مرة أخرى فقررت الجامعة تعيين جمال الحسيني – الذي نجحت وساطتها لدى الحكومة البريطانية في عودته من منفاه ـ نائباً للرئيس، وترك منصب الرئاسة شاغراً احتراماً للحاج أمين الحسيني الذي كان لازال متخفياً في أوروبا لاتهامه بالتعاون مع المحور، واعترفت الحكومة البريطانية والأمم المتحدة بالهيئة العربية العليا بصفتها ممثلة للشعب العربي في فلسطين، واعتبرتها الحكومة البريطانية الهيئة المناظرة للوكالة اليهودية.

وعندما لجأ الحاج أمين الحسيني إلى مصر ضيفاً على الملك فاروق عام 1946، بدأ يوجه نشاطات الهيئة العربية العليا من القاهرة والعواصم العربية الأخرى التي كان يتنقل بينها. وأضاف إليها أعضاء جدداً وفرض عليها اتجاهاته المتطرفة، إلا أنه عندما اقترح على الجامعة العربية إعلان دولة عربية في فلسطين تشرف عليها الهيئة العربية العليا رفضت الجامعة الاقتراح.

أما على صعيد الدول العربية، فإنه إزاء الخلافات الفلسطينية السابقة، تزايد دور هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية وسياسة الحكومتين البريطانية والأمريكية حيالها. فعندما أعلن هاري ترومان الرئيس الأمريكي في أواخر سبتمبر 1945 تصريحاً يطالب فيه الحكومة البريطانية السماح بهجرة مائة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين ونفى وجود تعهد من الرئيس روزفلت بخصوص الأوضاع في فلسطين، بعث إليه الملك عبدالعزيز برسالة عبَّر فيها عن دهشته لصدور مثل هذا البيان في ظل التعهد الذي قطعه له سلفه الرئيس روزفلت بشأن عدم اتخاذ أي قرار يتعلق بفلسطين قبل التشاور مع العرب كطرف معني بقضيتها، وطالبه بالبحث عن الخطاب الذي أكد فيه الرئيس روزفلت هذا التعهد بتاريخ 5 أبريل 1945 ونشر ذلك الخطاب. (اُنظر ملحق رسالة الملك عبد العزيز بن سعود إلى الرئيس هاري ترومان (25 شوال 1364 الموافق 2 أكتوبر 1945))

وعندما أعلن تقرير اللجنة البرلمانية الإنجليزية الأمريكية المشتركة حول المشكلة الفلسطينية دعا الملك فاروق ملوك ورؤساء دول الجامعة العربية (المملكة العربية السعودية وسورية ولبنان والعراق وشرق الأردن واليمن) لأول مؤتمر قمة عربية. وعندما عُقد المؤتمر يومي 28 و 29 مايو 1946 في انشاص اتخذ الملوك والرؤساء العرب عدة قرارات يمكن اعتبارها بداية عمل عربي مشترك لمواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين، حيث شملت تلك القرارات ما يلي: (اُنظر ملحق قرارات قمة أنشاص (28 - 29/5/1946))

1. رفض توصيات اللجنة البرلمانية الإنجليزية الأمريكية بفتح أبواب فلسطين لمزيد من الهجرة اليهودية، وعدِّ أي سياسة تهدف إلى تنفيذ هذه التوصيات بمثابة عمل عدائي ضد الدول العربية.

2. التمسك بعروبة فلسطين والعمل على استقلالها وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين دون تفرقة بين عنصر أو مذهب.

3. اتخاذ كل التدابير الممكنة للدفاع عن الكيان الفلسطيني ـ كجزء لا يتجزأ من كيان البلاد العربية ـ ضد أي سياسة عدوانية يواجهها.

4. دعم الشعب العربي في فلسطين للدفاع عن نفسه إذا ما استمر الغزو الصهيوني لفلسطين.

5. تقديم الدعم المالي للشعب العربي في فلسطين بما يساوي واحداً في المائة من الدخل القومي لكل دولة عربية.

6. النظر إلى الصهيونية كخطر داهم يجب أن تعمل الدول العربية والشعوب الإسلامية على مواجهته والتصدي له.

وبعد عشرة أيام من انتهاء مؤتمر أنشاص عقد مجلس الجامعة العربية دورة طارئة في فندق بلودان قرب دمشق في المدة من 8 إلى 12 يونيه 1946 لبحث القضية الفلسطينية في ضوء تقرير اللجنة البرلمانية الإنجليزية الأمريكية وقرارات الملوك والرؤساء العرب في مؤتمر أنشاص، وعندما بدأ المؤتمر أعماله شكل لجنتين: الأولى للشؤون الداخلية ومهمتها بحث المساعدات التي على الدول العربية أن تقدمها للشعب العربي في فلسطين، والثانية للشؤون الخارجية ومهمتها بحث الرد على ما جاء في المذكرتين البريطانية والأمريكية اللتين تلقتهما دول الجامعة العربية بخصوص تقرير اللجنة البرلمانية الإنجليزية الأمريكية.

وبحثت اللجنتان ما أوكل إليهما، ونجحت أولاهما في دفع القيادات الفلسطينية نحو الاتفاق وتشكيل الهيئة العربية العليا لفلسطين على نحو ما سلف، كما بحثت استخدام القوة في مواجهة تطورات المشروع الصهيوني، إلا أن اللجنة رفضت اقتراحاً تقدم به جمال الحسيني "كان يقضي بتشكيل جيش عربي يحتل فلسطين ويكسر شوكة الصهيونيين "، وانقسمت اللجنة حيال تدخل الجيوش العربية في فلسطين إلى فريقين: الأول يميل إلى التدخل وكان من أنصار هذا الرأي كل من شرق الأردن وسورية ولبنان والعراق وفلسطين، والثاني يرفض ذلك التدخل، وكان أنصار هذا الرأي كل من مصر والمملكة العربية السعودية. وقد "تأثر موقف الدول العربية بموقف مصر التي كانت حريصة على ألا يؤثر موقفها من التطورات في فلسطين على العلاقات بينها وبين بريطانيا، ومحاولاتها التوصل إلى نتائج إيجابية في المفاوضات من أجل الجلاء عن مصر، خاصة وأن بريطانيا كانت تقيم سياستها على أساس الربط بين الموقف في فلسطين والموقف في مصر".

وبحثت لجنة الشؤون الخارجية التدابير الواجب عملها فيما لو أخذت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بتوصيات اللجنة البرلمانية الإنجليزية الأمريكية، وطالبت اللجنة الحكومات العربية جماعات وفُرادى بمطالبة الحكومة البريطانية بالتفاوض لإنهاء الوضع القائم في فلسطين، وعرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة إذا لم تنته المفاوضات إلى حل مُرضٍ قبل أول سبتمبر من نفس العام.

وناقش المؤتمرون في بلودان توصيات اللجنتين وانتهوا إلى مجموعتين من القرارات، الأولى علنية والأخرى سرية للعمل بها فيما لو تفاقم الموقف في فلسطين، ولم تسجل القرارات السرية في محاضر الجلسات وإنما صاغها عبدالرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية في ذلك الوقت وسلم لكل من رؤساء الوفود العربية في المؤتمر نسخة منها.

وكان أبرز ما جاء في القرارات العلنية لمؤتمر بلودان ما يلي:

1. رفض كل أشكال تقسيم فلسطين وأي مزيد من الهجرة إليها.

2. مطالبة الحكومة البريطانية بفتح باب المفاوضات لإنهاء الوضع القائم في فلسطين، ونزع سلاح وتسريح الجماعات اليهودية المسلحة في تلك البلاد لوقف اعتداء هذه الجماعات على السكان العرب.

3. تشكيل لجنة عربية عليا لمتابعة تطورات القضية الفلسطينية والتنسيق مع الهيئة العربية العليا لفلسطين التي يوجهها الحاج أمين الحسيني.

4. إنشاء لجان دفاع عن فلسطين ومكاتب للمقاطعة في كل دولة عربية، ومنع تصدير المواد الأولية المساعدة للإنتاج اليهودي ومقاطعة المؤسسات الصهيونية.

5. إنشاء صندوق عربي تساهم فيه كل الدول العربية لمساعدة الفلسطينيين.

أما القرارات السرية للمؤتمر فقد تضمنت الإجراءات التي على الدول العربية القيام بها إذا ما قبلت الحكومتان البريطانية والأمريكية توصيات اللجنة الصهيونية المسلحة والشعب العربي في فلسطين، وبالنسبة إلى الرد على الاحتمال الأول الخاص بتبني الحكومتين البريطانية والأمريكية لتوصيات اللجنة البرلمانية نصت القرارات السرية على ما يلي:

1. العمل على عدم السماح للدولتين أو إحداهما أو رعاياهما بأي امتياز اقتصادي جديد.

2. عدم تأييد مصالحهما الخاصة في أية هيئة دولية.

3. المقاطعة الأدبية.

4. النظر في إلغاء ما يكون لهما من امتيازات مع الدول العربية.

5. الشكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة".

أما بالنسبة إلى مواجهة الاحتمال الثاني وهو تطور الموقف في فلسطين إلى صِدَام بين المنظمات اليهودية المسلحة وعرب فلسطين، فقد أشارت القرارات السرية إلى سماح الحكومات العربية لشعوبها "بالتطوع بجميع الوسائل لنُصرة عرب فلسطين بالمال والسلاح والمجاهدين".

وفور انتهاء مؤتمر "بلودان" أرسلت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وحكومات تلك الدول مذكرات إلى الحكومة البريطانية تطالبها بفتح باب المفاوضات حول مستقبل فلسطين، إلا أنه كان على الجامعة العربية ودولها الانتظار حتى تقوم لجنة الخبراء الإنجليز والأمريكيين التي سبقت الإشارة إليها بتسوية الخلاف بين الحكومتين البريطانية والأمريكية حول توصيات اللجنة البرلمانية. وما أن رفض الرئيس ترومان خطة الخبراء المشار إليه (خطة جريدي ـ موريسون)، حتى اضطرت الحكومة البريطانية إلى المضي وحدها بحثاً عن حل للمشكلة الفلسطينية، ومن ثم وجهت الدعوة في 25 يوليه 1946 إلى الأطراف العربية واليهودية لحضور مؤتمر لانكستر هاوس في لندن على نحو ما سبق ذكره.

وعندما عُقد المؤتمر السابق في 9 سبتمبر رفضت الوفود العربية مشروع الاستقلال الذاتي الإداري الذي اقترحه الوفد البريطاني وقدموا مشروعهم البديل الذي سبقت الإشارة إليه، وطالب المندوبون العرب بوضع دستور لفترة الانتقال يتمشى مع الأسس الواردة في مشروعهم، وهو ما يقتضي في البداية تشكيل حكومة مؤقتة تضم سبعة من الوزراء العرب وثلاثة من اليهود لوضع الترتيبات اللازمة لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور المطلوب، على أن تقوم الحكومة المؤقتة بإصدار ذلك الدستور إذا عجز المجلس التأسيسي عن إصداره نتيجة لعدم تعاون الأعضاء اليهود والعرب، وما أن يتم إقرار ذلك الدستور حتى تُجرى انتخابات المجلس التشريعي ويعُين أول رئيس للدولة الفلسطينية المستقلة الذي تُنقل إليه سلطة المندوب السامي، وتُعقد معاهدة تحدد العلاقات المستقبلية بين الحكومة البريطانية وحكومة فلسطين، في الوقت الذي يُعقد فيه اتفاق عسكري يوفر للحكومة البريطانية التسهيلات التي تحتاجها في أراضي الدولة الفلسطينية.

وعندما انتهى مؤتمر لندن بالفشل كفت الحكومة البريطانية الدول العربية اللجوء إلى الأمم المتحدة ـ طبقاً لما جاء في قرارات بلودان السرية ـ لأنها قامت بنفسها بنقل القضية إلى تلك المنظمة الدولية.


 



[1] كانت المصانع اليهودية في فلسطين تصنع مدافع الهاون والقنابل اليدوية وذخائر الأسلحة الصغيرة.

[2] درج الزعماء والقيادات اليهودية على وصف نشاطاتها العسكرية بالدفاعية، والأعمال العسكرية العربية المشروعة لمنع اغتصاب أراضيها بالأعمال العدوانية.

[3] تشكلت اللجنة الفرعية الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وكندا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وجنوب أفريقيا وجواتيمالا وأورجواي وفنزويلا.

[4] تشكلت اللجنة الفرعية الثانية من مصر والمملكة العربية السعودية والعراق وسورية ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان وكولومبيا.

[5] الفريد ليلينتال هو دبلوماسي أمريكي يهودي شغل عدة مناصب هامة في وزارة الخارجية الأمريكية وخدم في الشرق الأوسط لمدة 5 سنوات كما عمل مستشاراً للوفد الأمريكي في مؤتمر سان فرانسيسكو لهيئة الأمم المتحدة، وهو أحد معارضي السياسة الصهيونية وكان لمقاله الذي نشر عام 1949 في مجلة "ريدرز دايجست" بعنوان "راية إسرائيل ليست رايتي" صدى بعيد في جميع أنحاء العالم.