إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

ثالثاً: تطورات القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة

1. لجنة تحقيق الأمم المتحدة

عندما اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 28 أبريل 1947 لبحث المشكلة الفلسطينية، فإنها قررت تشكيل لجنة تحقيق من مندوبي إحدى عشرة من الدول الأعضاء (استراليا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، جواتيمالا، الهند، إيران، هولندا، بيرو، السويد، أوروجواي، يوغسلافيا)، وبدأت اللجنة عملها بجولة كبيرة بدأتها من نيويورك وطافت بعدها ببعض الدول الأوروبية وزارت فيها معسكرات اللاجئين، كما استمعت إلى وجهات نظر زعماء اليهود وممثليهم، ثم زارت القدس وانتقلت إلى بيروت حيث استمعت إلى وجهة النظر الموحدة للدول العربية عرضها عليها السيد حميد فرنجية وزير الخارجية اللبنانية باسم هذه الدول بعد أن قاطع الفلسطينيون تلك اللجنة.

وعند وضع اللجنة لتقريرها في 21 أغسطس اتفق أعضاؤها على مجموعة من التوصيات العامة، منها إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان استقلالها (في أول فرصة مواتية) والحفاظ على وحدتها الاقتصادية، وسلامة الأماكن المقدسة وضمان الوصول إليها، وعدم النظر إلى حل المشكلة الفلسطينية على أنه حل لمشكلة اللاجئين اليهود في أوروبا، إلا أن اللجنة انقسمت حول طريقة تنفيذ هذه التوصيات إلى فريقين: الأول ويمثل سبع دول (السويد، كندا، أوروجواي، بيرو، هولندا، جواتيمالا، تشيكوسلوفاكيا) والثاني ويمثل ثلاث دول (إيران، الهند، يوغسلافيا)، أما استراليا فقد وقفت موقفاً محايداً ولم تشترك في توصيات أي الفريقين، وبينما أوصى فريق الأغلبية تقسيم فلسطين إلى دولتين وإدارة مستقلة لمدينة القدس، فقد أوصى فريق الأقلية بقيام دولة اتحادية تشمل كيانين يتمتع كل منها بالاستقلال الذاتي، وعلى ذلك اتفق أعضاء اللجنة على قيام كل فريق بوضع تقرير خاص بتوصياته.

2. بحث توصيات لجنة التحقيق في اللجنة الخاصة واللجان الفرعية

عندما انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية في الأول من سبتمبر 1947 كان أمامها تقريران: الأول يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، وإنشاء نظام دولي خاص بمنطقة القدس، وعقد معاهدة بين الدولتين العربية واليهودية لإنشاء وحدة اقتصادية بينهما، والثاني ويمثل رأي الأقلية ويوصي بتكوين دولة اتحادية من دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية يتمتعان بالحكم الذاتي بعد فترة انتقال، مدتها ثلاث سنوات، ويرأس تلك الدولة رئيس واحد له نائب، فإذا كان الرئيس عربياً يكون نائبه يهودياً، وبالعكس، كما كان أمامها طلب مشترك تقدمت به المملكة العربية السعودية والعراق لإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإقامة دولة مستقلة موحدة فيها.

وجاء رد الفعل العربي والصهيوني تجاه تقريري لجنة التحقيق متفاوتاً، فبينما استنكر العرب المشروعين التقسيم والدولة الاتحادية وهددوا بالمعارضة المسلحة تجاه أي محاولة لتنفيذ أي من المشروعَيْن، فقد رفض المجلس الصهيوني العام مشروع الدولة الاتحادية من أساسه، وأعرب عن الارتياح المتحفظ تجاه مشروع التقسيم الذي أوصت به أغلبية اللجنة لصغر مساحة الأراضي التي خصصها المشروع للدولة اليهودية بالنسبة إلى ما يطمعون فيه، وقرر المجلس انتظار قرار الجمعية العامة قبل الحكم النهائي على المشروع.

أما بالنسبة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد شكلت لجنة خاصة لبحث القضية الفلسطينية Adhoc من 55 عضواً من أعضاء المنظمة الدولية برئاسة وزير خارجية استراليا ، وقامت اللجنة بتشكيل ثلاث لجان فرعية من أعضائها، ودعت لحضور مداولاتها كلاً من الهيئة العربية العليا لفلسطين والوكالة اليهودية.

وقد تشكلت اللجنة الفرعية الأولى من تسع دول مؤيدة للتقسيم منها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي[3]، وأسند إلى تلك اللجنة الفرعية مهمة وضع خطة تفصيلية لمشروع التقسيم الذي قدمه فريق الأغلبية في لجنة التحقيق.

كما شكلت اللجنة الفرعية الثانية من تسع دول تعارض التقسيم منها ست دول عربية[4]، وأسند إلى تلك اللجنة الفرعية مهمة وضع خطة تفصيلية لمشروع دولة مستقلة موحدة طبقاً للاقتراح الذي تقدمت به المملكة العربية السعودية والعراق.

أما اللجنة الفرعية الثالثة فقد شكلت من استراليا وسيام وايسلاندا بغرض التوفيق بين الجانبين المتعارضين، إلا أن هذه اللجنة كانت موضع نقد شديد من جانب بعض الدول مثل فرنسا وكولومبيا لأنها لم تمارس مهامها بجدية ولم تشكل أية جماعة لبحث توصيات فريق الأقلية في لجنة التحقيق والتي كانت تقضي بإقامة دولة اتحادية في فلسطين أو أي حل وسط آخر.

وعلى ذلك فإن الجمعية العامة وجدت نفسها في النهاية مضطرة إلى اتخاذ قرار خطير حول مستقبل فلسطين على أساس أي من اقتراحي اللجنتين الفرعيتين فقط واللتان تمثلان موقفين مختلفين كل الاختلاف، إلا أنه قبل أن تقدم اللجنة الخاصة توصياتها إلى الجمعية العامة دعت ممثلي الهيئة العربية العليا والوكالة اليهودية لعرض وجهة النظر العربية واليهودية أمام تلك اللجنة، فشرح جمال الحسيني القضية شرحاً وافياً وفنَّد المزاعم الصهيونية وأوضح أن حقوق عرب فلسطين قد تعرضت لما لا يقل عن ثمانية عشر تحقيقاً خلال ربع قرن ولم تؤد كلها إلى شئ بعد أن تجاهلت حكومة الانتداب تلك الحقوق، وأكد جمال الحسيني على أن عرب فلسطين سيقاومون التقسيم حتى آخر قطرة في دمائهم، أما "جولدا مايرسون" (التي عرفت فيما بعد باسم جولدا مائير) ممثلة الوكالة اليهودية، فقد كررت أمام اللجنة الخاصة المزاعم الخاصة بالحقوق التاريخية والسياسية في فلسطين وعارضت بشدة مشروع الدولة الموحدة على أساس أن اليهود سيصبحون فيها أقلية مثلما هو عليه الحال في أي مكان آخر، كما لن يكون فيها ثمة مجال للوافدين الجدد من اليهود كما هو الحال في مشروع التقسيم.

وأثناء بحث التقسيم في اللجنة الفرعية الأولى علمت الوكالة اليهودية أن التعليمات الصادرة للوفد الأمريكي تقضي باستثناء النقب أو معظمه بما في ذلك منطقة العقبة من الدولة اليهودية لتعويض العرب. وبعد التشاور بين أعضاء المجلس التنفيذي للوكالة تقرر أن يتوجه الدكتور حاييم وايزمان إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي ويطرح عليه أهمية النقب واتصال الدولة اليهودية بالبحر الأحمر، وقد نجح وايزمان في إقناع الرئيس ترومان بوجهة النظر الصهيونية وسرعان ما تعدلت التعليمات الصادرة إلى الوفد الأمريكي لإدخال النقب في الدولة اليهودية لمشروع التقسيم.

وخلال المناقشات التي دارت في اللجنة الخاصة لم يلق العرب تأييداً ملحوظاً لآرائهم إلا من باكستان والهند وأفغانستان وإيران والصين وكوريا وتركيا والسلفادور، وعندما عرض مشروع القرار الذي تقدمت به الدول العربية لإقامة الدولة الموحدة في فلسطين وحماية حقوق الأقلية والأماكن المقدسة للتصويت لم يلق التأييد الكافي من أعضاء اللجنة الخاصة، كما رفضت تلك اللجنة بأغلبية صوت واحد التوصية التي تقدمت بها اللجنة الفرعية الثانية لعرض القضية على محكمة العدل الدولية لتدلي برأيها حول صلاحية الأمم المتحدة "لاقتراح أو فرض أي حل لا يتمشى مع رغبات سكان فلسطين".

والحقيقة أن الجهود الأساسية للدول العربية والدول الصديقة الأخرى التي ساندتها لم تكن تستهدف التمهيد لقبول مشروع الدولة الموحدة ـ الذي كانت تلك الدول تدرك أن الفرصة ضئيلة لتمريره ـ بقدر ما كانت تهدف إلى هزيمة مشروع التقسيم الذي قدمته اللجنة الفرعية الأولى، فعندما عرض المشروع الأخير للتصويت في اللجنة الخاصة لم يحظ ذلك المشروع إلا بأغلبية 25 صوتاً ضد 13 صوتاً وامتناع 17 عضواً عن التصويت، وهو ما يعني أن ذلك المشروع لم يحظ إلا بأقل من نصف أصوات اللجنة الخاصة بينما كان يحتاج إلى ثلثي أصوات الجمعية العامة حتى تجيزه المنظمة الدولية.

3. بحث مشروع قرار التقسيم في الجمعية العامة

في صباح يوم 26 نوفمبر 1947 اليوم المحدد لمناقشة مشروع التقسيم في الجمعية العامة والتصويت عليه كان مندوبو الدول العربية متفائلين بالنسبة إلى النتيجة النهائية، فمن ناحية التصويت كانوا يعتقدون أن المشروع لن يحظى بأغلبية الثلثين اللازمة لإجازته، ومن ناحية أخرى كان العرب راضيين عن موقف بريطانيا السلبي تجاه مشروع التقسيم وامتناعها عن التصويت عليه في اللجنة الخاصة، لاسيما وأن مندوبها في تلك اللجنة أعلن قبول حكومته لإنهاء الانتداب على فلسطين ومنحها الاستقلال التام، كما أكد على عدم استعداد تلك الحكومة لاستخدام القوة لتنفيذ أي قرار يتعلق بمصير فلسطين.

إلا أنه سرعان ما بدأ القلق يساور مندوبي الدول العربية عندما أشار الدكتور "أزولد أرنها" رئيس الجمعية العامة إلى أنه سوف يلغي الجلسة المسائية المقررة ويطلب التأجيل في نهاية جلسة بعد الظهر إلى يوم الجمعة 28 نوفمبر أي اليوم التالي لعيد الشكر عند الأمريكيين. وقد ناشد ممثلو الدول العربية رئيس الجمعية عدم إلغاء الجلسة المسائية لأنهم كانوا يعلمون أن كثيراً من وفود الدول التي لم تؤيد مشروع التقسيم في اللجنة الخاصة يتعرضون لضغوط وإغراءات شديدة للعدول عن موقفهم، وأن التأجيل سيفسح الفرصة لمزيد من الضغوط على تلك الوفود لإقرار مشروع التقسيم.

4. التصويت على قرار التقسيم

فيما بين يوم 26 و28 نوفمبر تعرضت اثنتا عشرة دولة لضغوط شديدة من الحكومة الأمريكية والمؤسسات الصهيونية ومشايعيها، وطبقاً لرواية "سمنر ويلز" وكيل وزارة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، "أن المسؤولين الأمريكيين استخدموا ـ بأمر مباشر من البيت الأبيض ـ كل أنواع الضغط المباشر وغير المباشر للتأثير على البلدان الواقعة خارج العالم الإسلامي، والتي عُرف أنها مترددة أو معارضة للتقسيم، واستخدام مندوبين ووسطاء من لدن البيت الأبيض للتأكد من الحصول على الغالبية الضرورية على الأقل".

ولم تكن الدول السابقة وحدها التي تعرضت للضغوط والغواية لمساندة مشروع التقسيم، بل إن الرئيس الأمريكي نفسه تعرض أيضاً لضغوط وغواية لا قِبَل له بها من جانب المؤسسات الصهيونية، وطبقاً لرواية الرئيس ترومان نفسه في مذكراته "الحقيقة أنه لم تمارس الضغوط فقط حول الأمم المتحدة كما لم تمارس من قبل، وإنما تعرض البيت الأبيض أيضاً لموجات قوية متواصلة، ولا أظن أنني تعرضت من قبل لضغط ودعاوة (وغواية) موجهين إلى البيت الأبيض كما تعرضت في ذلك الوقت، وقد ازعجني وأقلقني إلحاح بعض الزعماء الصهاينة المتشددين، مجسداً بحوافز سياسية، ومرتبطاً بتهديدات سياسية، حتى أن بعضهم كان يقترح علينا أن نضغط على أمم ذات سيادة لتقترع إلى جانبهم في الجمعية العامة".

وبالرغم من نفي الرئيس الأمريكي لأي أثر للضغوط السابقة عليه، فإن الرواية السابقة لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية توضح تماماً استجابة الرئيس ترومان لتلك الضغوط وهو ما يؤكده تحول الدول المترددة وبعض الدول التي كانت تعارض مشروع التقسيم في اللجنة الخاصة إلى تأييد المشروع عند التصويت عليه في الجمعية العامة، وقد أفرد "الفريد ليلينتال"عدة صفحات في كتابه "ثمن إسرائيل" ليوضح الضغوط التي مارسها العديد من الشخصيات السياسية وخاصة مستشاري الرئيس ترومان، وأعضاء الكونجرس ورجال المال لضمان حصول مشروع التقسيم على الأغلبية المطلوبة[5].

وعلى الجانب الآخر ناشدت الوفود العربية ووفود الدول الإسلامية مندوبي عدد من الدول الصغرى ومنهم مندوبو بعض دول أمريكا اللاتينية أن يصوتوا ضد مشروع التقسيم أو يمتنعوا عن التصويت.

وعندما عادت الجمعية العامة للاجتماع صباح الثامن والعشرين من نوفمبر، اتهمت الوفود العربية ومندوباً كولومبياً وفرنسا اللجنة الفرعية الثالثة بالتقصير في بذل جهود كافية لتقريب الفجوة بين الأطراف المتصارعة، وطلب مندوب كولومبيا في كلمته أن تعيد الجمعية العامة النظر في تقرير اللجنة الخاصة بشان التقسيم، وعندما رُفض ذلك الطلب اقترح الوفد الفرنسي تأجيل الاجتماع لمدة أربع وعشرين ساعة بحجة احتمال النجاح في إيجاد حل آخر، وأيده في طلبه مندوبو فنزويلا والدانمارك ولوكسمبرج، فوافقت الجمعية العامة على تأجيل الاجتماع بأغلبية 25 صوتاً ضد 15 صوتاً.

وفي صباح اليوم التالي (29 نوفمبر)، وقبل اجتماع الجمعية العامة بساعات محدودة صرح "أوزوالدو أرنها" رئيس الجمعية العامة، بأنه بات مقتنعاً أن قرار التقسيم سينال الأكثرية اللازمة عند طرحه للتصويت".

وعند افتتاح الجلسة قدمت الوفود العربية اقتراحاً يقضي بإنشاء دولة اتحادية مستقلة تُقسم إلى مقاطعات يهودية وأخرى عربية ويتضمن أحكاما لحماية الأماكن المقدسة والإشراف عليها، وهو اقتراح شبيه بالمشروع الذي أوصت به أقلية لجنة التحقيق في بداية جهود الأمم المتحدة. وإذ تبين للوفود العربية أن الاقتراح الجديد لن يساعد على إنقاذ الموقف، فقد أعربوا عن استعدادهم لبحث اقتراحات أخرى بديلة، وتقدم الوفد الإيراني باقتراح التأجيل حتى 15 يناير 1948 لإفساح مزيد من الوقت أمام اللجنة الخاصة لبحث القضية الفلسطينية من جديد، إلا أن رئيس الجمعية العامة رفض التصويت عليه قبل التصويت على مشروع قرار التقسيم.

وعندما طُرح المشروع الأخير للتصويت بعد انتهاء المناقشات لم يكن غريباً بعد كل الضغوط السابقة أن تتحول بعض الدول التي امتنعت عن التصويت في اللجنة الخاصة إلى التصويت لصالح التقسيم في الجمعية العامة (مثل فرنسا وبلجيكا وهايتي وليبيريا ولوكسمبورج وهولندا ونيوزيلندا) وأن يحوز مشروع التقسيم الأغلبية المطلوبة لإجازته (33 صوتاً مؤيداً مقابل 13 صوتاً رافضاً وامتناع 10 عن التصويت وتغيب مندوب واحد). وكانت الهند وكوبا واليونان هي الدول الوحيدة من خارج الكتلة العربية والإسلامية في الأمم المتحدة التي صوتت ضد التقسيم بالرغم من كل الضغوط والإغراءات التي تعرضت لها الدولتان الأخيرتان. (اُنظر ملحق قرار رقم 181 (الدورة 2) بتاريخ 29 نوفمبر 1947 التوصية بخطة لتقسيم فلسطين) و(النص الإنجليزي له General Assembly Resolution 181) و(خريطة تقسيم فلسطين الأمم المتحدة)

وعند الاقتراع على المشروع وقف "ظفر الله خان" مندوب باكستان في الجمعية العامة يعلق على تلك النتيجة قائلاً: "لقد سعينا لإحقاق الحق الذي استوحيناه من الله، ونجحنا في إقناع عدد من مندوبي الدول ليروا الحق كما لمسناه، ولكن مساعينا ضاعت في التيار الجارف.. نحن لا نحقد على زملائنا المندوبين الذين أُكرهوا تحت الضغط والإغراء الشديدين أن يبدلوا مواقفهم ويقترعوا على مشروع لا تقره العدالة والإنصاف".


 



[1] كانت المصانع اليهودية في فلسطين تصنع مدافع الهاون والقنابل اليدوية وذخائر الأسلحة الصغيرة.

[2] درج الزعماء والقيادات اليهودية على وصف نشاطاتها العسكرية بالدفاعية، والأعمال العسكرية العربية المشروعة لمنع اغتصاب أراضيها بالأعمال العدوانية.

[3] تشكلت اللجنة الفرعية الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وكندا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وجنوب أفريقيا وجواتيمالا وأورجواي وفنزويلا.

[4] تشكلت اللجنة الفرعية الثانية من مصر والمملكة العربية السعودية والعراق وسورية ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان وكولومبيا.

[5] الفريد ليلينتال هو دبلوماسي أمريكي يهودي شغل عدة مناصب هامة في وزارة الخارجية الأمريكية وخدم في الشرق الأوسط لمدة 5 سنوات كما عمل مستشاراً للوفد الأمريكي في مؤتمر سان فرانسيسكو لهيئة الأمم المتحدة، وهو أحد معارضي السياسة الصهيونية وكان لمقاله الذي نشر عام 1949 في مجلة "ريدرز دايجست" بعنوان "راية إسرائيل ليست رايتي" صدى بعيد في جميع أنحاء العالم.