إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الثاني عشر

موقف الأمم المتحدة والموقف الصهيوني والبريطاني بعد قرار التقسيم

أولاً: مراحل الجولة العربية الإسرائيلية وسمات كل منها

عندما اشتعل القتال بين بعض جيوش الدول العربية والقوات الإسرائيلية في الخامس عشر من مايو 1948، في شكل حرب مُعلَنَة، لم تكن تلك بداية الجولة العربية الإسرائيلية الأولى في حقيقة الأمر، فقد اشتعل أوار تلك الجولة عقب صدور قرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947، واستمرت أكثر من خمسة أشهر في شكل حرب غير معلنة، بين فصائل الفلسطينيين المجاهدين والمتطوعين العرب من ناحية، والمنظمات الصهيونية العسكرية والإرهابية من ناحية أخرى.

وعلى ذلك، ذهبت المصادر التاريخية الإسرائيلية وبعض المصادر الغربية والعربية إلى أن البداية الحقيقية لتلك الحرب، هي بداية تفجُّر الصراع المسلح في فلسطين في الأسبوع الأول من ديسمبر عام 1947، بين الفصائل الفلسطينية والمنظمات الصهيونية، ذلك الصراع الذي تصاعد بالعنف من مجرد أعمال التخريب والإغارات وكمائن الطرق ـ كما كان في الشهور الأربعة الأولى لتلك الحرب ـ إلى المعارك والعمليات الحربية في الشهرين التاليين وحتى إعلان قيام الدولة الإسرائيلية في منتصف شهر مايو 1948.

ومن ثمَّ، فإنه يمكن القول بأن الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى اشتملت على مرحلتين: الأولى، هي مرحلة الحرب غير المعلنة التى سبقت الإشارة إليها، والثانية، هي مرحلة الحرب المعلنة التى اشتركت فيها بعض جيوش الدول العربية إلى جانب الفصائل الفلسطينية والمتطوعين العرب إبتداءً من 15 مايو 1948، ودُعِمت فيها المنظمات العسكرية الإسرائيلية بالمجندين الذين تمَّ تعبئتهم من يهود دول العالم المختلفة، خاصةً من أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، فضلاً عن المتطوعين والمرتزقة الذين تدفقوا على إسرائيل من العديد من دول العالم.

وقد انقسمت المرحلتين السابقتين ـ على ضوء تطور موازين القوى ومبادرات الطرفين خلالها ـ إلى أربع مراحل فرعية متميزة لكلٍّ منها سماتها الخاصة كما يلي:

1. المرحلة الفرعية الأولى (1 ديسمبر 1947 ـ 31 مارس 1948)

وقد بدأت هذه المرحلة الفرعية مع بدء الصراع العسكري في مرحلة الحرب غير المعلنة وانتهت مع انتزاع اليهود للمبادأة في أول أبريل 1948، وقد تميزت هذه المرحلة الفرعية بالمد العربي، وتمتع العرب خلالها بمزايا عامل المبادأة لمدة 121 يوماً حاول فيها عرب فلسطين والمتطوعون الذين يساندونهم الحفاظ على عروبة ذلك البلد، واتخذ القتال خلالها شكل الكمائن والإغارات وأعمال القناصة ونسف المنشآت، بالإضافة إلى أعمال الحصار.

وبنهاية المرحلة الفرعية الأولى كان الفلسطينيون والمتطوعون العرب قد سيطروا على أغلب خطوط المواصلات ونجحوا في عزل الحي اليهودي في القدس القديمة والقدس اليهودية الجديدة.

2. المرحلة الفرعية الثانية (1 أبريل 1948 ـ 14 مايو 1948)

وقد بدأت هذه المرحلة الفرعية مع تحول اليهود إلى الهجوم العام وانتهت بنهاية مرحلة الحرب غير المعلنة عشية تدخل الجيوش العربية في 15 مايو 1948، وقد تميَّزت هذه المرحلة الفرعية بالمد الصهيوني، وتمتع اليهود فيها بمزايا عامل المبادأة لمدة 44 يوماً حاولوا خلالها فرض التقسيم على العرب وتوسيع رقعة الأرض التى اختصتهم بها الأمم المتحدة واتخذ القتال فيها شكل العمليات الهجومية والإغارات، وجرت فيها أربع عشرة معركة، ركزت خمسٌ منها على فتح وتأمين الطرق، وثلاث للاستيلاء على موانئ فلسطين الرئيسية لتأمين استقبال المهاجرين والأسلحة والذخائر، واثنتان لتأمين الجليل وواحدة لحث الفلسطينيين على الفرار، وثلاث لأغراض متفرقة أخرى.

وبنهاية المرحلة الفرعية الثانية كان اليهود قد حقَّقوا معظم أهدافهم وأصبحوا يسيطرون على 20% من مساحة فلسطين بعد أن كانوا يسيطرون على 3.3% من مساحتها، كما سيطروا على الموانئ الفلسطينية الرئيسية الثلاثة وفتحوا الطريق إلى القدس.

3. المرحلة الفرعية الثالثة (15 مايو 1948 ـ 11 يونيه 1948)

وقد بدأت هذه المرحلة الفرعية مع بدء الحرب المعلنة وتدخل الجيوش العربية في 15مايو 1948 وانتهت مع بداية الهدنة الأولى في 11 يونيه 1948، وتميزت هذه المرحلة الفرعية بالمد العربي على كافة الجبهات، واتَّسمت بتمتع العرب خلالها بمزايا عامل المبادأة لمدة 27 يوماً، حاول العرب فيها الحفاظ على عروبة فلسطين، واتخذ القتال فيها شكل العمليات والمعارك التقليدية بين القوات المتحاربة وجرت فيها تسع عشرة معركة انتهت بفرض مجلس الأمن الهدنة الأولى على أطراف الصراع.

وبنهاية المرحلة الفرعية الثالثة كان العرب قد سيطروا على معظم رقعة الأرض التى اختصت بها الأمم المتحدة عرب فلسطين في قرار التقسيم.

4. المرحلة الفرعية الرابعة (8 يوليه 1948 ـ 13 مارس 1949)

وقد بدأت هذه المرحلة الفرعية في 8 يوليه 1948 فور انتهاء الهُدنة الأولى، وانتهت في 13 مارس 1949 عندما انتهت آخر العمليات الإسرائيلية في تلك الحرب، وتميَّزت هذه المرحلة الفرعية بالمد الإسرائيلي على كافة الجبهات العربية، واتَّسمت بتمتُّع الإسرائيليين بالمبادأة لمدة 51 يوماً غطت فترات القتال الأربعة في هذه المرحلة الفرعية، التى عمل الإسرائيليون خلالها على توسيع رقعة الأرض التى يسيطرون عليها، واتخذ القتال فيها شكل العمليات والمعارك التقليدية التى بلغ عددُها 34 عمليةً ومعركةً فصَلَت بينها أربع هُدنات فرضها مجلس الأمن وبلغت مُددها 224 يوماً.

ونظراً لطول مدد تلك الهدنات، فإنها كانت بمثابة وقفات استراتيجية تغيَّرت خلالها مواقف طرفي الصراع تغيراً جذرياً نتيجة للجهود التى بذلها كلٌّ منهم لتغيير موازين القوى وتهيئة المسرح للعمليات القتالية التالية.

وقد برز خلال هذه المرحلة الفرعية تكرار تدخل الوساطة الدولية بين طرفي الصراع ونجاح تلك الوساطة في إيقاف القتال بينهما دون استخدام قوات محايدة للفصل بين قواتها، مما كان يسمح بتجدُد القتال عند أول بادرة تسنح لأيٍ من الطرفين.

وخلال هذه المرحلة الفرعية ظهر عجز جامعة الدول العربية وضعف التحالف الذي أقامته، وانكشاف أهداف أطرافه، وطغى على السطح المشاكل الداخلية لكل بلد وكل جيش عربي، كما ازدادت المشكلة الفلسطينية تعقيداً وتدهوراً بعد أن لعبت السياسة الدولية والمؤامرات الخارجية دوراً بارزاً في تقرير مسار الحرب ونتائجها.

وعندما انتهت تلك الجولة من الصراع بتوقيع اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل كانت الأخيرة قد وسَّعت رقعتها على حساب دولة فلسطين العربية التى وُئدت قبل مولدها، وتفتت ما تبقى من أراضيها، فجزء ضمه الملك عبدالله إلى دولته والجزء الآخر وضعته مصر تحت إدارتها.

وقد اتسمت مراحل الحرب السابقة بمجموعة من السمات العامة كان أبرزها ما يلي:

أ. ضعف معلومات العرب ـ أحد طرفي الصراع ـ عن الطرف الآخر، بالرغم من طول المعايشة والجوار معه، وسوء تقديرهم لقدراته الظاهرة والكامنة.

ب. ضعف الدعم العربي المالي والعسكري الذي قُدِم للمقاومة الفلسطينية قبل التدخل بالجيوش العربية مقارنة بالدعم الذي حصلت عليه المنظمات الصهيونية العسكرية.

ج. اختلال موازين القوى بين أطراف الصراع في تناسب عكسيٍّ مع إمكاناتهم وتعدادهم البشري نتيجة لتعبئة الطرف الصهيوني كل إمكاناته البشرية والاقتصادية والمعنوية لهذا الصراع، على عكس الطرف العربي الذي لم يعبئ له إلا جزءاً يسيراً من إمكاناته وقدراته.

د. امتلاك اليهود لنظرية قتال وأسلوب عمل مستمد من خبرة طويلة سابقة من عملهم ضمن قوات الحلفاء واللواء اليهودي في الحرب العالمية الثانية، بينما كان العرب يفتقرون إلى نظرية قتال أو أسلوب عمل متفق عليه، فضلاً عن اختلاف أهدافهم.

هـ. الثقة العربية المفرطة بالنفس والتقليل من شأن العدو، بما صور لهم الأمر وكأنه مجرد حملة لردع العصابات الصهيونية، أو تأديبها.

و. تكرار تدخل القيادات السياسية العربية في عمليات قواتها بعد أن حدَّدت لها أهدافاً غامضة، ثم عرقلت تحقيق هذه الأهداف بتكرار قبولها لوقف إطلاق النار، مما أضَّر بأوضاع قواتها المسلحة.

ز. الافتقار للتعاون الاستراتيجي والتعبوي بين الجبهات العربية – وخاصة بعد الهدنة الأولى ـ مما سمح للقوات الإسرائيلية بالانفراد بكل من هذا الجبهات على حدة وإيقاع الهزيمة بها.

ثانياً: سمات مسرح عمليات الجولة العربية الإسرائيلية الأولى (أنظر خريطة حدود فلسطين تحت الانتداب) و(خريطة مسرح عمليات فلسطين)

1. موقع مسرح العمليات

يقع مسرح عمليات فلسطين في القسم الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر المتوسط بين خطي طول 13 َ 34° و34 َ 35° شرقاً، وخطي عرض 30 َ 29° و19 َ 33° شمالاً، حيث تشترك فلسطين فى الحدود مع أربع دول عربية هي: لبنان وسورية في الشمال وشرق الأردن في الشرق ومصر في الجنوب الغربي، وقد جعل هذا الموقع من فلسطين على مدى التاريخ كله معبراً للغزاة والفاتحين، وحلبة للصراع البشري سواء بين القوى العظمي أو القوى الإقليمية والمحلية.

2. السمات الطبوغرافية للمسرح

لما كانت طبوغرافية الأرض هي التى تقرِّر ديناميكية المعارك التى تدور على ثراها فقد تأثرت ديناميكية جولة الصراع الأولى بين العرب وإسرائيل بتضاريس مسرح العمليات التى تنوعت طبيعتها بين المرتفعات والسهول والمستنقعات في الشمال والسهول والكثبان الرملية في الغرب، والصحارى والجبال في الجنوب والشرق.

وتنقسم فلسطين من الناحية الطبوغرافية إلى أربع مناطق مميزة هي:

·   منطقة السهول الساحلية والداخلية.

·   منطقة المرتفعات الوسطى والشمالية.

·   غور الأردن.

·   منطقة النقب.

أ. منطقة السهول الساحلية والداخلية

وتشمل هذه المنطقة السهل الساحلي (الذي يتكون من سَهلَي فلستيا والشعرون في الجنوب وسهل عكا في الشمال)، ثم وادي جزريل (مرج بن عامر) الذي يربط عكا بكل من سهل الحولة في شمال شرقي فلسطين ووادي الأردن في شرقها، وتبلغ مساحة هذه السهول جميعها (عدا وادي الأردن) 4659 كم3.

ويحف السهول السابقة غرباً ساحل البحر المتوسط الذي يفصله عنها سلسلة من الكثبان الرملية يتراوح عرضها ما بين بضع مئات وعدة عشرات من الأمتار، ولا يتجاوز أعلاها 45م فوق مستوى سطح البحر.

وتمتد الأراضي الخصبة لهذه السهول لمسافة 20 – 25 كم شرق الكثبان الرملية وتتدرج في الارتفاع حتى تصبح هضبة منبسطة تكثر بها التعاريج والثنيات الأرضية، وتقطعها الوديان الصغيرة التى تكسوها المزروعات بين شهري أبريل ويونيه من كل عام.

وتعتبر منطقة السهل الساحلي والهضبة الداخلية صالحة للعمليات الحربية، ولا يعوق تحركات الجيوش عبرها سوى مجرى نهر العوجاء الذي يصب في البحر شمال يافا بستة كيلو مترات، ونهر الحاضرة الذي يصب بين قيصرية والحاضرة، ونهر المقطع الذي يصب شمال حيفا بأربعة كيلو مترات، ثم لسان التل الممتد جنوب شرق جبل الكرمل ويفصل بين سهل صارونة ووادي جزريل ويشكل نهري العوجاء والأردن مجاري المياه المتدفقة طوال العام.

ب. منطقة المرتفعات الوسطى والشمالية

وتمتد هذه المنطقة شرق منطقة السهول وتشمل على هضبة ضيقة يبلغ ارتفاعها نحو 725 متراً يتخللها خمس سلاسل جبلية تمتد من الشمال للجنوب جملة مساحتها 6500 كيلو متراً، وهذه السلاسل هي:

(1) مرتفعات الجليل وتشمل جبال الجليل الأعلى وأكثر قممها ارتفاعاً هي "جرمق" (1208م) قرب صفد، وتعد جبال الطور شمال وشرق الناصرة امتداداً لهذه السلسلة.

(2) جبل الكرمل جنوب شرق حيفا.

(3) جبال نابلس وأشهرها جبلا عيبال وجرريم التى تقع بينهما مدينة نابلس.

(4) جبال القدس وأشهرها جبل الزيتون.

(5) جبال الخليل التى تمتد نحو الجنوب حتى تتلاشى شمال شرق بئر السبع.

ويقطع المنطقة الجبلية من الشرق إلى الغرب منخفضان يختلفان في طبيعة أرضهما اختلافاً بيِّناً هما وادي جزريل (الشهير بمرج ابن عامر) وسهل صارونة، ويمتد وادي جزريل من وادي الأردن ماراً ببيسان والعفولة حتى حيفا في شكل مثلث خصب التربة تبلغ مساحته 301 كم3، أما سهل صارونة فيمتد من تلال اليهودية والسامرة ثم يتجه في شبه قَوْس ماراً بحوض نهر العوجاء إلى البحر المتوسط.

وتعتبر جبال الخليل والقدس مرتفعات ضيقة يبلغ متوسط ارتفاعها نحو 800 م، بينما تصل أعلى قممها إلى 1200 م، ويخرج منها كثير من الألسنة الجبلية العمودية عليها، والتى تنحدر بشكل عام نحو الشرق والغرب، وتقع بين هذه الألسنة عدة وديان عميقة تعرقل تقدم الجيوش في هذه المرتفعات من الشمال إلى الجنوب والعكس ـ وخاصة في وجه مقاومة منظمة ـ بينما يكون التقدم نحو الشرق أو الغرب أكثر يسراً نتيجة لطبيعة تضاريس هذه المرتفعات.

ج. غور الأردن

يمتد غور الأردن من بحيرة الحولة في الشمال إلى البحر الميت في الجنوب، وهو يمثل جزءاً من الأخدود الكبير الذي يمتد جنوباً حتى باب المندب ماراً بالبحر الميت ووادي عَرَبَة ثم خليج العقبة والبحر الأحمر، ويقف هذا الأخدود عقبة كئود في وجه أية تحركات عسكرية بين منطقة المرتفعات الوسطى التى تقع غربه وجبال معاب في شرقه، وتقدر مساحة الغور بنحو 1065 كم3.

ويزداد الغور انخفاضاً عن سطح البحر كلما اتجهنا جنوباً، حيث يبلغ انخفاضه عن سطح البحر عند بحيرة الحولة نحو مترين ثم يزداد هذا الانخفاض حتى يبلغ خمسة وعشرين متراً عند بحيرة طبرية وثلاثمائة وتسعين متراً عند البحر الميت.

ولا يُعَدّ نهر الأردن الذي يجري في هذا الغور مانعاً مائياً كبيراً في ذاته رغم سرعة تياره وانتشار المستنقعات حول شاطئيه، حيث لا يزيد عرضه عن 24 م في أوسع أجزاءه. إلا أن شدة انحدار المرتفعات التي تحد الغور من الشرق والغرب وانعدام المواصلات عبره وحرارته الشديدة وجوه الخانق يجعله مانعاً يعتد به يحد من التحركات العسكرية عبره، كما يمثل هذا الغور وكل من بحيرة طبرية والبحر الميت ووادي عربة الحدود الطبيعية التي تفصل فلسطين عن سورية وشرق الأردن.

د. منطقة النقب

تمتد منطقة النقب في شكل مُثلث مقلوب قاعدته خط المجدل/ الخليل ورأسه على خليج العقبة يحده من الشرق البحر الميت ثم الحدود الفلسطينية الأردنية ومن الغرب الحدود الفلسطينية المصرية، وتبلغ مساحة منطقة النقب 12576 كم3، أي نحو نصف مساحة فلسطين، ويعد النقب منطقة صحراوية تكثر بها التلال والكثبان الرملية وتبرز في وسطها سلسلة من المرتفعات الجبلية التي تمتد في اتجاه المنطقة الوسطى من الحدود الفلسطينية المصرية وجنوباً في اتجاه خليج العقبة، ويتراوح ارتفاع هذه السلسلة الجبلية بين ستمائة متر وألف ومائتي متر فوق سطح البحر.

ويتدرج النصف الشمالي من النقب في الانخفاض في اتجاه الغرب حتى يتصل بالسهل الساحلي عند كنتور 150 م، بينما ينحدر في اتجاه الشرق نحو البحر الميت حتى يصل إلى كنتور صفر، ثم ينحدر بشكل حاد عند حافة البحر الميت إلى منسوب ثلاثمائة وتسعين متراً تحت سطح البحر. أما النصف الجنوبي من النقب فيتدرج في الانخفاض نحو الحدود المصرية عدا سلسلة المرتفعات والمنطقة الواقعة جنوبها فيتدرج في الارتفاع كلما اتجهنا غرباً حيث تبلغ أقصى ارتفاعها قرب الحدود المصرية (نحو 1200 م)، بينما تنحدر في اتجاه الشرق نحو وادي عربة حيث تزداد درجة الانحدار كلَّما اقتربنا من ذلك الوادي الذي يراوح منسوبه بين ثلاثمائة وخمسين متراً تحت سطح البحر جنوب البحر الميت ونحو عشرين متراً فوق سطح البحر بقرب نهاية خليج العقبة.

وتصلح منطقة النقب للتحركات العسكرية من الشمال للجنوب في محورين محدَّدين الأول يمتد من الشمال إلى الجنوب محازياً لوادي عربة والثاني يمتد من الشمال إلى الجنوب مخترقاً وسط النقب وماراً ببئر السبع وسلسلة مرتفعات النقب ثم يسير محازياً الحد الأيمن لهذه المرتفعات حتى خليج العقبة. أما المحاور العرضية فهي أربعة وتقع كلها في النصف الشمالي من النقب، حيث يمر أولها من الخليل شرقاً في اتجاه بيت جبرين ثم أسدود علىساحل البحر المتوسط، يليه جنوباً ثلاثة محاور ترتكز على مدينة بئر السبع، هي بئر السبع ـ غزة، وبئر السبع ـ رفح، وبئر السبع ـ عسلوج ـ العوجة.

3. الموانئ والمرافئ

كانت فلسطين حتى نهاية الانتداب البريطاني فقيرة في الموانئ والمرافئ الطبيعية، فباستثناء ميناء حيفا في الشمال ويافا في الوسط لم يكن هناك سوى بضع جونات ومراسي قليلة الأهمية، ومنذ ذلك التاريخ انشئ ميناء أسدود عند مصب نهر المقطع (قيشون) وميناء إيلات عند قمة خليج العقبة.

4. المطارات وأراضي الهبوط

عند نهاية الانتداب البريطاني كان يوجد في فلسطين أربع قواعد جوية هي رامات دافيد في الشمال وعكير (تل نوف) وحاتسور (كاستينا) واللد في الوسط بالإضافة إلى عدد من المطارات الأقل شأناً هي مجدو وعين شيمر في الشمال وبتاح تكفاه وبيت دراس في الوسط فضلاً عن عدة أراض للهبوط تنتشر في شمال ووسط فلسطين ومنطقتي القدس والنقب.

5. الطرق والسكك الحديدية

خلَّف الانتداب البريطاني في فلسطين شبكة طرق عصرية، تمَّ إعداد أغلبها لخدمة التحركات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية وتمتد معظم هذه الطرق من الشمال إلى الجنوب، بعض منها بحذاء البحر، وبعضها الآخر داخل البلاد، فضلاً عن عدد من الطرق العرضية التى تربط المنطقة الساحلية بالداخل كان أبرزها طريق غزة ـ بئر السبع، وتل أبيب ـ القدس، وحيفا ـ الناصرة ـ طبرية، أما السكك الحديدية التى خلفها الانتداب فكانت تربط حيفا برفح، وتل أبيب ويافا بالقدس.

6. الاتجاهات التعبوية والتكتيكية (اُنظر خريطة الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات)

تحدد تضاريس فلسطين والأراضي العربية المتاخمة لها الاتجاهات التعبوية والتكتيكية التي عملت عليها القوات المتصارعة فيهذا المسرح منذ فجر التاريخ، ففي الشمال يوجد اتجاهان تعبويان واتجاه تكتيكي أقل أهمية وسعة، ويمتد الاتجاهان التعبويان من الجليل الأسفل فيرتقي أحدهما هضبة الجولان عند جسر بنات يعقوب ويمتد شرق جبل الشيخ في اتجاه الشمال الشرقي إلى القنيطرة ودمشق، بينما يتجه الآخر شمالاً نحو سهل البقاع ماراً بين جبل الشيخ في الشرق وجبلا نيحا والباروك في الغرب، أما الاتجاه التكتيكي فيمتد بحذاء ساحل البحر المتوسط من عكا إلى صيدا وبيروت.

كما يوجد في الشرق اتجاهان تعبويان آخران: الأول يمتد من حيفا في شكل قوس عبر وادي جزريل إلى جنوب بحيرة طبرية، ثم يعبر وادي الأردن ليصعد جبل جلعاد حتى إربد والثاني يمتد من يافا وتل أبيب في اتجاه الجنوب الشرقي حتى يبلغ القدس ويستمر شرقاً نحو أريحا، ثم يعبر وادي الأردن ليمتد حتى عمان.

أما في الجنوب الغربي فيمتد ثلاثة اتجاهات تعبوية بين فلسطين وشبه جزيرة سيناء: الأول يمتد محاذياً لساحل البحر المتوسط من غزة إلى رفح والعريش ويستمر غرباً حتى قناة السويس عند القنطرة، والثاني يمتد من بئر السبع إلى العوجة ومنها إلى قناة السويس عبر الهضبة الداخلية حتى الإسماعيلية. أما الاتجاه التعبوي الثالث فيمتد من جنوب النقب عند وادي الجرافي في اتجاه الجنوب الغربي نحو الكونتلا ومنها إلى السويس عبر السفوح الشمالية لهضبة التيه.

كما يمتد اتجاه تكتيكي محدود السعة بحذاء الساحل الغربي لخليج العقبة من رأس مثلث النقب شمالاً حتى شرم الشيخ ورأس محمد جنوباً، حيث يلتقي مع الاتجاه التكتيكي الآخر الممتد على الضفة الشرقية لخليج السويس ما بين السويس ورأس محمد.

7. المناخ

يتميز مسرح عمليات فلسطين بفصلين مناخيين رئيسيين، صيف حار مشمس وشتاء بارد ممطر، ويبدأ فصل الصيف عادة في شهر مايو ويستمر حتى شهر أكتوبر، ويكون الطقس فيه حاراً والهواء جافاً والسماء صافيةً، إلا أن المناطق الساحلية يكثر بها الضباب صباحاً والندى ليلاً، وتتراوح متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف بين 18 و20°م في جبال القدس والجليل وبين 30 و 40°م في أقصى جنوب النقب، ويُعد البحر الميت ووادي عربة أشد مناطق فلسطين حرارة نظراً لوقوعها تحت سطح البحر، وتتعرض منطقة النقب لرياح الخماسين في أوائل فصل الصيف وقرب نهايته فترتفع درجة حرارة الجو وتكثر الرمال المثارة، وباستثناء فترات الضباب الصباحية والفترات التى تهب فيها رياح الخماسين فالطقس صالح للطيران وأعمال القتال الجوية طوال فصل الصيف.

أما فصل الشتاء فيبدأ في فلسطين خلال شهر نوفمبر ويمتد حتى شهر أبريل حيث يستمر الطقس بارداً في مناطق السهول شديدة البرودة في مناطق المرتفعات، وتختلف شدة الأمطار خلال فصل الشتاء فتسقط غزيرة بين شهري نوفمبر وفبراير قليلة فيما عدا ذلك، وقد تنهمر السيول فجأة فتسبب الفيضانات التى تجرف التربة، وتتحول مساحات كبيرة من السهول إلى بحر من الطين تصعب فيه التحركات على غير الطرق المرصوفة، ويكسو الجليد مناطق الجليل الأعلى التى تعد أكثر مناطق المسرح الفلسطيني برداً وأكثرها مطراً، بينما يعتدل الطقس نسبياً وتقل الأمطار تدريجياً كلما اتجهنا جنوباً في السهل الساحلي ومنطقة النقب، وباستثناء الأيام التى تكثر بها السحب الرعدية وتهطل فيها الأمطار والثلوج، فالطقس صالح للطيران وأعمال القتال الجوية.


 



[1] شهد شهر فبراير 1948 انقلاباً شيوعياً في تشيكوسلوفاكيا في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفيتي يمارس ضغوطه وتهديداته ضد النمسا وإيران وتركيا.

[2] في صباح يوم 14 مايو تمكن "كلارك كليفورد" ـ مستشار ترومان الذي كان على اتصال مستمر بالقيادات الصهيونية وزعماء الحزب الديمقراطي ـ من إقناع الرئيس الأمريكي بوجوب القيام بعمل فوري لإنقاذ ذلك الحزب من هزيمة محققة في الانتخابات القادمة، خاصة وأن قادة الحملة الانتخابية قد أبلغوه أن مشروع الوصاية الذي قدمته الإدارة الأمريكية سيؤدي بالحزب والرئيس ترومان إلى فشل ذريع، وأنه هناك ثورة داخلية في الحزب ضد الرئيس.

[3] عندما اجتمع المجلس الصهيوني العام في تل أبيب يوم 16 أبريل 1948، قرَّر إقامة مجلس وطني يهودي من ممثلين عن الحركة الصهيونية المقيمين في فلسطين والهيئات اليهودية الأخرى فيها، على أن يتكون ذلك المجلس من 37 عضواً، مع تشكيل مجلس مديرين من 13 عضواً يكون مسؤولاً أمام المجلس الوطني الذي اجتمع للمرة الأولى في 18 أبريل.

[4] الكولونيل (عقيد) "بنجامين كاجان" كان أحد المسؤولين عن مشتروات الطائرات من تشيكوسلوفاكيا عام 1948، ثم من فرنسا في الخمسينيات، وأصبح مديراً لمشتروات القوات الجوية بعد ذلك.

[5] أصيبت إحداها في حادث أثناء إقلاعها في أوروبا، واستخدم الباقي في النقل وقذف القنابل.

[6] يحتمل وصولها بعد 15 مايو أو خلال شهر يونيه 1948.

[7] قامت وزارة الدفاع الأمريكية في أوائل شهر مايو 1948 بإجراء دراسة لتقدير الموقف على ضوء الأوضاع في فلسطين، وجاء في ذلك التقدير أن القوات اليهودية كانت متفوقة على جميع القوات العربية بالرجال والسلاح والعتاد والتدريب.

[8] كان اثنان من الهيئة التنفيذية محاصرين في القدس والثالث في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك حضر الجلسة المصيرية عشرة فقط من الهيئة التنفيذية.

[9] حينما أتمت بعض وحدات الجيش الإنقاذ (الذي موَّلته الدول العربية) تدريبها في سورية قرَّرت اللجنة العسكرية إرسال أولى كتائبه إلى فلسطين عن طريق شرق الأردن، وعند وصول الكتيبة إلى درعا في 9 يناير 1948، أرسل قائدها يستأذن المسؤولين في الحدود الأردنية، الذين طلبوا بدورهم الإذن من عمان، فطلبت الأخيرة بدورها الإذن من السلطات البريطانية. وتحت إلحاح الحكومة الأردنية وافقت السلطات البريطانية على دخولها على أن تتجه إلى القسم العربي في قرار التقسيم.