إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث السادس عشر

المرحلتان الأولى والثانية للحرب غير المعلنة

أولاً: المرحلة الأولى للحرب غير المعلنة

1. التطور العام لأعمال قتال الجانبين

بعد أقل من أسبوع من قرار التقسيم انطلقت قوات جيش الجهاد المقدس والإنقاذ تدير أعمال القتال في شكل كمائن الطرق وأعمال القناصة ونسف وحرق المنشآت التي تأوي المؤسسات الصهيونية والمنشآت التجارية اليهودية، إلا أن ذلك النشاط لم يكن يحكمه هدف واحد واضح أو خطة مدروسة أو قيادة موحدة.

وما أن حل عام 1948 حتى اشتد الصراع وارتفعت حدته بشن الغارات العربية على المستعمرات اليهودية المعزولة، ووضع الكمائن على الطرق إلى تلك المستعمرات وفرض الحصار على بعضها، كما قامت قوات المجاهدين بشن الهجمات على قوافل السيارات المتجهة إلى المناطق والمستوطنات المحاصرة.

وبعد أن أيقن الفلسطينيون أهمية التحكم في خطوط المواصلات، فإنهم جعلوا من قطع المواصلات اليهودية أهم أهداف هجماتهم فيما بين يناير ومارس 1948. وقد تركزت هذه الهجمات على المحاور الرئيسية التالية:

تل أبيب ـ القدس، حيفا ـ الجليل الغربي، العفولة ـ بيسان، بالإضافة إلى كل الطرق المؤدية إلى مستعمرات النقب.

أما على الجانب اليهودي، فكان أكثر ما أزعج القيادة الإسرائيلية في تلك المرحلة هو تدهور الموقف العسكري في المناطق التي يشكل اليهود أقلية فيها، وانقطاع المواصلات البرية مع المستعمرات النائية في النقب والتي بلغ عددها 27 مستعمرة. فبنهاية شهر مارس تم عزل مستعمرات "عتصيون" الأربعة في تلال الخليل كما أصبح النقب والقدس وأجزاء من الجليل الغربي معزولة عن التجمعات اليهودية الرئيسية، وكانت القوات المدافعة تقاتل قتالاً يائساً من أجل البقاء.

وعلى الرغم من أن المنطق العسكري كان يقضي بتقصير خطوط المواصلات إلا أن بن جوريون ـ الذي تولى منذ بداية الحرب زمام إدارتها بصفته قائدها السياسي وموجهها الإستراتيجي ـ أصدر توجيهاته إلى قيادة الهجناه بضرورة التمسك بكافة الأراضي والمستعمرات اليهودية مهما كان الثمن، مما فرض عبئاً عسكرياً ثقيلاً على قيادة الهجناه، بإرغامها على الاحتفاظ بخطوط مواصلات وإمدادات طويلة معرضة للهجمات العربية المستمرة، وقد حاولت تلك القيادة استغلال وضع هذه المستعمرات لامتصاص جزء من الضغط العربي بعيداً عن التجمعات اليهودية في السهول، واتخاذها قواعد لشن حرب عصابات خلف الخطوط العربية، وعدتها أهدافاً نائية يلزم بلوغها عندما يحين الوقت للتحول للهجوم من أجل احتلال المنطقة العربية بأسرها.

وكانت الإستراتيجية اليهودية في هذه المرحلة تقضي باتخاذ وضع الدفاع والتمسك بالأراضي التي يسيطرون عليها وربطها ببعضها قدر المستطاع لإقامة وضع عسكري مقبول يسمح بمواجهة الجيوش العربية عند تدخلها.

إلا أن تلك الإستراتيجية لم تمنع الهجناه والمنظمات الإرهابية من القيام ببعض الهجمات الانتقامية على بعض القرى العربية، وشن حرب المتفجرات ضد بعض المراكز العربية في الأحياء السكنية مثلما حدث في يافا يوم 5 يناير 1948 وفي القدس في اليوم التالي، رداً على الهجمات العربية على قوافل الحماية.

2. معارك المستعمرات

أ. معركة "كفار صولد"

بدأت أولى المحاولات العربية للاستيلاء على القرى والمستعمرات اليهودية المعزولة في العاشر من يناير 1948، ففي صباح ذلك اليوم عبرت كتيبة اليرموك الأولى المكونة من 200 مقاتل ـ من قوات جيش الإنقاذ بقيادة أديب الشيشكلي ـ الحدود السورية الفلسطينية، وهاجمت مستعمرة "كفار صولد "الواقعة جنوب الحدود مباشرة، وعلى مسافة 35 كم شمال بحيرة طبرية.

وقد نجحت الكتيبة في مفاجأة القوة المدافعة عن المستعمرة واحتلال قسم كبير منها، إلا أن القوة البريطانية المدرعة التي أرسلها القائد البريطاني لشمال فلسطين على وجه السرعة أجبرت الكتيبة العربية على إخلاء المستوطنة والعودة إلى داخل الحدود السورية.

ب. معركة "كفار عتصيون"[1]

بعد أربعة أيام من الهجوم السابق لكتيبة جيش الإنقاذ، قامت كتيبة من جيش الجهاد المقدس بقيادة عبدالقادر الحسيني بالهجوم على مستعمرات "كفار عتصيون" الأربعة الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة القدس بنحو 25 كم.

وقامت الكتيبة العربية في البداية بعزل المستعمرات الأربعة وقطع طريق الإمداد البري إليها يوم 14 يناير، ولم يبق من وسيلة اتصال بها سوى طائرات السلاح الجوي الخفيفة، وقد وجهت الكتيبة العربية هجومها الرئيسي إلى كفار عتصيون بينما قامت بعض قواتها بهجوم مخادع على "مسؤوت اسحاق" و"عين تسوريم". وتصاعد القتال بضراوة وتكبد الجانبان خسائر كبيرة، مما اضطر قيادة لواء "عتصيوني" بالقدس إلى دفع قوة تبلغ نحو 200 جندي من قوات البالماخ لنجدة المستعمرات المحاصرة، وبينما كانت قافلة تلك القوة تشق طريقها عبر تلال الخليل فجر 16 يناير حاصرتها القوات العربية بقيادة المجاهد إبراهيم أبو دية، وبعد أن طالبت القوات الأخيرة بالتسليم دون جدوى اقتحمت تلك القوات التل الذي احتمت به القوة اليهودية مع غروب شمس ذلك اليوم واستولت على القافلة اليهودية وأسرت جميع أفرادها.

ج. معركة "طيرة تسفي"

قامت قوة من جيش الإنقاذ فجر يوم 16 فبراير بمهاجمة مستعمرة "طيرة تسفي" الواقعة على مسافة 30 كم جنوب بحيرة طبرية على الضفة الغربية لنهر الأردن، وبمجرد أن أطبقت تلك القوة على المستعمرة احتدم القتال حتى أشرفت المستعمرة على السقوط، لولا تدخل القوات البريطانية التي أنذرت القوة العربية بإيقاف الهجوم على المستعمرة، ولما كانت قيادة قوات الإنقاذ في المنطقة غير مستعدة للتورط في قتال مع القوات البريطانية، قد أمرت قواتها بإيقاف الهجوم وفض الاشتباك والعودة إلى قواعدها في السامرة.

3. معارك خطوط المواصلات

مع تتابع شهر فبراير بدأت سلطة الانتداب تتقلص تدريجياً وزاد العرب من ضغطهم على المستعمرات اليهودية وأكثروا من إقامة الكمائن على طرق المواصلات الموصلة إليها. الأمر الذي أدى إلى معاناة تلك المستعمرات من نقص المؤن واضطرار قيادة الهجناه إلى تسيير القوافل المحمية بالعربات المدرعة وبعثرة جهودها في عدة اتجاهات لإمداد تلك المستعمرات مما أضعف قدرتها على العمل في وقت كانت تعيد فيه تنظيم قواتها وتقوم بتشكيل وحداتها الجديدة التي كانت تتطلبها عملياتها المقبلة.

وشهد شهر مارس تزايد الضغط العربى على خطوط المواصلات اليهودية، ففى السابع عشر من ذلك الشهر دارت معركة "الدهيشة" بين القدس والخليل حيث قُتل بضع مئات من اليهود وأسر المجاهدون الفلسطنيون 350 أسيراً وغنموا أسلحتهم وذخائرهم، فضلا عن الاستيلاء على 150 عربة كان بعضها مصفحا بدروع محلية.

وفى الرابع والعشرين من مارس، وقعت قافلة يهودية فى كمين عربى على طريق تل أبيب القدس، أسفر عن تدمير 12 عربة من تلك القافلة. وعندما حاولت قيادة الهجناة تسيير قافلة جديدة في اليوم التالي جرى تدمير خمس عربات أخرى، كما وقعت قافلة أخرى في كمين عربي في نفس اليوم قرب عطاروت أسفر عن مقتل أربعة عشر فرداً من أفرادها.

وفي السابع والعشرين من نفس الشهر دفعت قيادة الهجناه بقافلة كبيرة كانت تضم تسع عشرة عربة مدرعة وثلاثاً وثلاثين من عربات النقل وحافلة لإمداد مستعمرات كفار عتصيون الأربعة ـ التي كانت على شفا المجاعة ـ بالأطعمة والوقود والذخائر التي كانت في أمس الحاجة إليها، منذ أحكم حصارها جيش الجهاد المقدس في منتصف يناير. ووصلت القافلة سالمة إلى المستعمرات المنهكة، إلا أن عودتها لم تكن بنفس القدر من السلامة بعد أن وضع المجاهدون العوائق على طريق تقدمها، وقد نجحت القافلة في إزالة ست منها إلا أن الصخور الضخمة للعائق السابع أجبرت عربة الإزالة على الخروج عن الطريق فسقطت منقلبة في حفرة جانبية، وما لبث الرصاص أن انهال على القافلة يمزق أفرادها، وقبل الغروب كانت القافلة في حالة يُرثى لها من التعب واليأس بعد أن جُرح أغلب أفرادها وقُتل البعض الآخر، وعندما بدأت تنهمر عليهم قنابل المولوتوف فر القادرون منهم على السير إلى الحقول المجاورة يختبئون خلف أشجارها، ولم ينقذهم من الوقوع في الأسر سوى وقوع الظلام.

وفي صباح اليوم التالي أرسلت القيادة البريطانية في القدس قوة مدرعة لإنقاذ من تبقى حياً من القافلة، إلا أن القيادة العربية أصرت على أن يلقوا السلاح أولاً وتُغنم عرباتهم قبل أن تسمح للبريطانيين باصطحابهم إلى القدس الجديدة.

وفي 28 مارس قضت قوات الجهاد المقدس على قافلة يهودية أخرى كانت في طريقها إلى مستعمرة "يحيام" في الجليل وقتلت 40 فرداً منها. وقد لاقت قافلتان أخريان نفس المصير عندما حاولتا التسلل إلى القدس تحت جنح الظلام.

وبانتهاء شهر مارس كان جيشا الإنقاذ والجهاد المقدس قد كبدا القوات اليهودية 1200 قتيل، إلا أن تلك الخسائر لم تضع هباء فقد وفرت لقيادة الهجناه وقتاً ثميناً كانت في أمس الحاجة إليه لإعادة تنظيم وتعبئة قواتها وجلب ما تستطيع من الأسلحة والمهاجرين من الخارج حتى يمكنها التحول للهجوم وتنفيذ "الخطة د"، التي ألقت على ألوية الهجناه مهمة انتزاع المبادأة من العرب والاستيلاء على الهيئات الحاكمة التي تسيطر على محاور التقدم وعلى الفراغ الذي تخلفه القوات البريطانية المنسحبة. وتوقف موعد تنفيذ تلك "الخطة د" على وصول الأسلحة والذخائر والمجندين من الخارج واستكمال استعداد ألوية الهجناه للعمل.

4. استخدام القوة الجوية في أولى المراحل الفرعية للحرب غير المعلنة

منذ اندلاع القتال بين المنظمات العسكرية الصهيونية وجيشا الإنقاذ والجهاد المقدس، لعبت القوة الجوية الإسرائيلية الوليدة أولى أدوارها في الصراع المسلح ضد الفلسطينين والمتطوعين العرب الذين لم يتوفر لهم مثل هذا السلاح، بل أن أفضل أسلحتهم لم يكن يتجاوز بنادق ورشاشات الحرب العالمية الثانية.

فمع الأيام الأولى للحرب غير المعلنة، قام السرب الأول بأولى أعماله القتالية ضد جماعة من العرب قرب "كيبوتس نباطيم" في السابع عشر من ديسمبر 1947.

وتعددت استخدامات القوة الجوية تبعاً للإستراتيجية التي أملتها المتطلبات السياسية التي قررتها القيادة الصهيونية العليا في فلسطين، فقد أدى القرار السياسي بالاحتفاظ بالمستوطنات النائية والمنعزلة رغم إحاطة المناطق العربية بها وسيطرتهم على الطرق الموصلة إليها ـ إلى البحث عن وسائل بديلة لإمداد المستعمرات المحاصرة وإخلاء الجرحى منها، فضلاً عن فتح الطرق إليها. "وسرعان ما تبين أن المعاونة لهذه المستوطنات لا يمكن إرسالها إلا بطريق الجو".

ولعل أبرز الأمثلة على استخدام طائرات القوة الجوية في تحقيق الاتصال بالمستعمرات المحاصرة وإمدادها وإخلاء جرحاها، هو ما قامت به تلك القوة حيال مجموعة مستعمرات "عتصيون" قرب القدس. ففي البداية "كان يتم إلقاء الأسلحة وخصوصاً الذخائر، ومواد بناء، وأدوية طبية بالمظلات من طائرات الهجناة". وبعد ذلك تم تمهيد مدرج لهبوط وإقلاع الطائرات، "وبدأت الطائرات تحط يومياً، إذا سمحت حالة الطقس بذلك، جالبة ذخائر وأسلحة، ومنقذة المرضى والجرحى".

ولم تكن مستوطنات النقب أسعد حالاً من سابقتها، "فبنهاية شهر مارس وجدت المستوطنات في منطقة النقب نفسها معزولة بالكامل عن البلاد".

وقامت القوة الجوية بعمل ما يمكنها، إلا أن ما كان يمكن تحقيقه بالطائرات المتيسرة كان قليلاً جداً. كما كان سائقو القوافل يتنفسون الصعداء عندما يرون طائرات "الأوستر" تستطلع الطريق أمامهم وتبلغ عن الكمائن العربية، ومهما يكن الأمر، فقد عادت كل الإمدادات والمواصلات المنتظمة إلى القوة الجوية".

ومع سيطرة العرب على طرق المواصلات الرئيسية وجدت قيادة الهجناة الحل في تيسير قوافل السيارات المدرعة، ترافقها الطائرات لاستطلاع الطرق أمامها. إلا أن ذلك لم يمنع قوات المجاهدين من نصب الكمائن وتدمير القوافل اليهودية طوال شهر مارس على نحو ما سبق.

ثانياً: المرحلة الثانية للحرب غير المعلنة

1. التطور العام لأعمال قتال الجانبين

بنهاية شهر مارس كانت مناطق عديدة في فلسطين قد خلت من القوات البريطانية التي بدأت انسحابها مبكراً، وما تبقى من تلك القوات لم يكن قادراً ولا راغباً في تدخل يعوق انسحابه من هذا البلد، وحتى المرات التي تدخلت فيها القوات البريطانية خلال هذه المرحلة لم يكن تدخلها يحمل طابع الحسم، ولم يتصرف البريطانيون كأصحاب السلطة في ذلك البلد، وإنما كوسطاء للتهدئة والتوصل إلى حلول وسطى تضمن سلامة مصالحهم الحيوية وطرق انسحابهم من فلسطين، وأوجد انكماش السلطة البريطانية فراغاً عملت الوكالة اليهودية على ملئه قبل أن تسبقها إلى ذلك القوات العربية.

واستغلت القيادة اليهودية وصول نسبة كبيرة من شحنات السلاح التي تعاقدت عليها في أواخر مارس وأوائل أبريل لتصدر أوامرها بالتحول للهجوم وتنفيذ "الخطة د"، وكان تأمين التجمع اليهودي في منطقة القدس وتحقيق الاتصال به أحد الأهداف الرئيسية لتلك الخطة لرفع المعاناة اليهودية في المدينة المقدسة والمناطق المحيطة بها. وعلى ذلك بدأت قوات الهجناه أولى عملياتها الهجومية "العملية نخشون" في الثالث من أبريل لإنهاء عزلة منطقة القدس وتحقيق الاتصال بها، وبنهاية يوم 10 من نفس الشهر كانت قوات الهجناه قد حققت الاتصال بمنطقة القدس وفتحت ممراً لإمدادها، إلا أنه سرعان ما أعادت قوات الجهاد حصارها للقدس يوم 18 من نفس الشهر. مما أجبر قيادة الهجناه على القيام بعملية جديدة للسيطرة تماماً على طريق القدس.

وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه العملية "نخشون" كانت قوات المنظمتين الارهابيتين "الايتسل" و "ليهي" تقومان بمذبحتهما الشهيرة في قرية دير ياسين ضد السكان العزل يوم 9 أبريل، مخلفة وراءها 254 قتيلاً. وقد استهدفت تلك المذبحة ترويع عرب فلسطين وإجبارهم على الفرار من قراهم لتفريغ الدولة العبرية من السكان العرب والاستيلاء على ممتلكاتهم.

وانتهز القاوقجي فرصة انشغال قيادة الهجناه بمتابعة "العملية نخشون" لشن هجوم كبير في الثالث من أبريل للاستيلاء على مستعمرة "مشمار هاعيمك" ووضع نهاية للإغارات اليهودية على القوافل العربية المتجهة إلى حيفا وتأمين نقطة وثوب لأعمال قتاله التالية. إلا أن جيش الإنقاذ لم يحقق أهدافه بالرغم من تكرار ذلك الهجوم يوم 12 أبريل.

وخلال شهر أبريل بدأت الكفة تميل لصالح قوات الهجناه التي نجحت في استخدام قوات كبيرة لم يسبق استخدامها من قبل خلال عمليتي "نخشون" و"مشمار هاعيمك"، ففي العملية الأولى استخدمت قيـادة الهجناه مجموعة لواء، وفي الثانية استخدمت قوة تعادل كتيبتين.

وفي منتصف أبريل استولت وحدات اللواء "جولاني" على مدينة طبرية بعد جلاء القوات البريطانية عنها، وأجبرت سكانها العرب على الجلاء عن المدينة واللجوء إلى شرق الأردن، الأمر الذي كان بداية مأساة اللاجئين الفلسطينيين. وفي 28 أبريل استعد إيجال آلون للاستيلاء على مدينة صفد وفك الحصار عن الحي اليهودي في المدينة الذي كان محاصراً منذ شهر فبراير.

وعلى أثر إخلاء القوات البريطانية لمواقعها في مدينة حيفا يوم 21 أبريل بدأ لواء "كرملي" هجوماً ناجحاً على الأحياء العربية انتهى بالاستيلاء على المدينة يوم 31 أبريل. وفي الوقت الذي كانت قوات الهجناه تهاجم فيه حيفا، شنت قوات منظمة "الايتسل" هجوماً فاشلاً على مدينة يافا في 25 أبريل، أعقبه هجوم ثان ناجح بواسطة قوات "الهجناه" ومنظمة "الأيتسل" انتهى بسقوط المدينة في أيدي القوات اليهودية يوم 13 مايو.

وبينما كان لواء "كرملي" يحكم قبضته على مدينة حيفا قام لواء يفتاح بقيادة إيجال آلون بإعادة تنظيم أوضاع قواته في الجليل الشرقي استعداداً لمواجهة الجيوش العربية المنتظر تدخلها في منطقة مسؤوليته على امتداد بحيرة طبرية والحدود السورية اللبنانية، وعلى ذلك قام آلون باحتلال المناطق العربية الحاكمة في المنطقة للسيطرة على خطوط المواصلات فيها وكانت صفد بحكم موقعها المرتفع المتميز أحد الأهداف الرئيسية التي كان على آلون الاستيلاء عليها لإحكام سيطرته على المنطقة، وفور انسحاب القوات البربيطانية من الجليل الشرقي يوم 28 أبريل بدأ اللواء "يفتاح" هجومه لتطهير المنطقة تمهيداً للانقضاض على صفد. وفي السادس من مايو شنت القوات اليهودية هجومها على المدينة إلا أنها لم تستطع الاستيلاء عليها إلا في صباح 13 مايو.

ولما كانت قوات الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ في منطقة القدس قد أعادت غلق الطريق إليها، فقد حاولت قيادة الهجناه إعادة فتح الطريق قبل أن تتدخل الجيوش العربية في القتال، وحشدت لذلك قوات اللوائين هارئيل وجعفاتي اللذين شنا هجوماً على الهيئات والقرى العربية المتحكمة في الطريق ابتداءاً من 9 مايو إلا أنها واجهت مقاومة شرسة واضطرت للانسحاب يوم 13 مايو. ولكنها عندما كررت الهجوم ليلة 13/14 مايو نجحت في الاستيلاء على بعض القرى العربية في المنطقة، إلا أنها لم تستطع النفاذ إلى القدس قبل يوم 18 مايو.

2. الصراع على طرق المواصلات

أ. العملية "نخشون" (اُنظر خريطة طريق تل أبيب ـ القدس) و(شكل العملية نخشون)

مع نهاية مارس 1948 أصبح موقف التجمع اليهودي في القدس ميئوساً منه بعد أن تزايد الحصار العربي للمدينة وأوشكت المؤن الغذائية على النفاذ، وكان هناك نحو مائة ألف يهودي في القدس الجديدة وألفين وخمسمائة آخرين في القدس القديمة يعتمدون على إمدادهم بالمياه ومواد الإعاشة من السهل الساحلي ومنطقة تل أبيب بينما كان العرب يسيطرون على سفوح الجبال المسيطرة على المنطقة بين الأخيرة والعاصمة.

كما كانت المستعمرات اليهودية المنتشرة شمال القدس على طريق رام الله معزولة تماماً عن القدس، وبالمثل كانت الجامعة العبرية فوق جبل المكبر ومستشفى هداساً مقطوعتين عن المدينة الجديدة.

وإزاء هذا الوضع الحرج، رأي "بن جوريون" أنه لابد من عملية كبيرة لفتح الطريق إلى القدس، حيث كان أي فشل في هذه المدينة سيكون بمثابة ضربة قاتلة للمخطط الصهيوني في فلسطين والروح المعنوية للتجمع اليهودي فيها.

وعلى ذلك استهدفت عملية نخشون فتح ممر إلى القدس يراوح عرضه بين عشرة كيلومترات على جانبي الطريق في المنطقة الساحلية واثني كيلو متراً في المنطقة الجبلية. وحشدت قيادة الهجناه لهذه العملية مجموعة لواء قوتها 1500 مقاتل مشكل من كتيبة من اللواء "هارئيل" بقيادة عوزي نركيس، وكتيبة من اللواء جعفاتي، وبعض عناصر من اللواء "كرياتي" وسرية من اللواء "عتصيوني"، وأسندت قيادة تلك القوة إلى العقيد شيمون أفيدان قائد اللواء جعفاتي.

وقسمت مسؤولية العمل بين القوات المخصصة للهجوم، فوقع على الكتيبة الأولى تطهير المنطقة الممتدة من القدس حتى اللطرون والسيطرة على النقاط الحاكمة في هذا القطاع، بينما كان على الكتيبة الثانية تطهير المنطقة الممتدة من خلدة حتى اللطرون، مع الاحتفاظ بالكتيبة الثالثة كاحتياطي عام.

وبمجرد تأمين الطريق كان على أفيدان أن يتحرك على رأس قافلة إمداد كبيرة (60 عربة نقل محملة بالمؤن والتعزيزات العسكرية) إلى القدس لتزويدها باحتياجاتها من مواد الإعاشة والذخائر.

وما أن وصلت أولى شحنات الأسلحة المشتراة من تشيكوسلوفاكيا (200 رشاش و 4500 بندقية) في أوائل أبريل حتى قرر بن جوريون الإسراع بتنفيذ العملية نخشون، إلا أنه كان على قوات الهجناه أن تقوم قبل ذلك بعمليتين، الأولى قرب صرفند والثانية غرب القدس. ففي العملية الأولى قامت وحدة كوماندوز من الهجناه بنسف مقر قيادة المجاهد حسن سلامة الذي كان يقود قوات الجهاد المقدس في منطقة الرملة لضمان عدم تدخل تلك القوات في القطاع الغربي للعملية نخشون. أما العملية الثانية فكانت تستهدف احتلال القسطل وتأمين "موتسا" غرب القدس لضمان حرية المرور إلى "كريات عنافيم" والذي كانت تتحكم فيه قرية القسطل من موقعها المرتفع.

وفي ليلة 3 أبريل تحركت قوة من البالماخ من كيريات عنافيم ونجحت في احتلال القرية وسلمتها إلى قوة من اللواء عتصيوني قدمت من القدس صباح يوم 3 أبريل إلا أن قيادة قوات الجهاد المقدس في المنطقة حشدت بعض قواتها جنوب القسطل وبدأت تضغط على القوة اليهودية فيها، مما دفع قيادة اللواء عتصيوني إلى تعزيز قواتها المدافعة في "القسطل" بباقي الاحتياطي المتوفر لديها، بعد أن رفضت قيادتا "الأيتسل" و"ليهى" ـ اللتان كانتا تعدان للإغارة على دير ياسين ـ الاستجابة لطلبها من أجل دعم الدفاع عن القسطل.

وعندما بدأت العملية الرئيسية ليلة 5 أبريل نجحت كتيبة "جعفاتي" في احتلال قريتي خلدة ودير محيسن اللتين كانتا تتحكمان في طريق القدس شرق اللطرون في الوقت الذي قامت فيه كتيبة هارئيل بالهجوم على قرية دير محسير على مرتفعات باب الواد[2]، مما سمح للعقيد أفيدان بثغرة في الطريق لتمرير أولى قوافل الإمداد إلى القدس متجاوزاً مقاتلي هارئيل الذين كانوا يحاولون السيطرة على مرتفعات باب الواد، ولكن كتيبة هارئيل تعثرت في هجومها، فقد وُوجهت بمقاومة عنيفة من قوات الجهاد المقدس، وردت كل هجماتها على ساريس وبيت محسير، في الوقت الذي تمكن فيه المجاهدون من تعزيز مواقعهم بين قولونيه وموتزا غرب القدس.

أما في منطقة القسطل فقد دارت فيها واحدة من أعنف المعارك في تلك الحرب امتدت عدة أيام وتبادل فيها الطرفان القرية عدة مرات، وتحملا خسائر جسيمة، وقضى المجاهدون تماماً على أحد سرايا لواء عتصيوني التي لم ينج منها سوى ضابط صف واحد، في الوقت الذي كان فيه عبدالقادر الحسيني في دمشق يبحث مع اللواء إسماعيل صفوت إمداد قواته بالأسلحة والذخائر التي أوشك مخزون قواته منها أن ينضب.

وما أن عاد عبدالقادر الحسيني يوم 6 أبريل وألم بالموقف حتى أعد لهجوم مضاد قاده بنفسه ليلة 7/8 من نفس الشهر، واستمر تصاعد القتال بضراوة حول القسطل حتى التاسع من أبريل عندما أُجبرت بقايا القوات اليهودية في القسطل على الانسحاب بعد أن قتل كل قادتها باستثناء أحد قادة القطاعات.

إلا أن الموقف انقلب فجأة في اللحظة الأخيرة، فقد قُتل عبدالقادر الحسيني عندما اقترب من موقع ظن أنه أصبح تحت سيطرة القوات العربية. وفترت بموته همة المقاتلين الذين تركوا مواقعهم لتشييع جنازته، ولم يبق في القسطل سوى 50 مجاهداً، فلما عاودت قوات البالماخ الهجوم يوم 10 أبريل لم يكن صعباً عليها التغلب على هؤلاء المجاهدين الذين قاربت ذخائرهم على النفاد، وما أن استعادت القوات اليهودية السيطرة على القسطل حتى كانت القافلة الثانية تأخذ طريقها إلى القدس في نفس اليوم.

ب. العملية "هارئيل"

قبل أن تنتهي العملية نخشون تحولت مسؤولية استمرار فتح وتأمين طريق تل أبيب/ القدس إلى "إسحاق رابين" قائد لواء هارئيل المشكل حديثاً من كتيبتي بالماخ، بعد أن تم تدعيمه بكتيبة هجناه من لواء "جعفاتي" من أجل هذه العملية، ولتأمين استمرار فتح الطريق شنت قوات رابين عدة هجمات على القرى العربية التي تهدد القوافل اليهودية فاحتلت ودمرت قرى ساريس وبدو وبيت سوريك في الفترة ما بين 12 و 17 أبريل. الأمر الذي سمح لرابين بتمرير ثلاثة قوافل إضافية إلى القدس تشمل نحو 250 عربة.

وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه الأحداث السابقة، كانت القوات اليهودية المعزولة في جبل المكبر تتمسك بمواقعها بمساعدة الإمدادات التي كان يجري تسريبها إليها بشكل غير منتظم. وعندما تحركت إحدى القوافل اليهودية لإمداد تلك المواقع يوم 13 أبريل سد المجاهدون طريقها عند حي الشيخ جراح وانهالوا عليها بالنيران، وبعد نحو سبع ساعات تم اكتساح دفاعات القافلة وغنم المجاهدون عرباتها بما تحمله من إمدادات وذخائر وانتهى الأمر بسقوط أفرادها السبعة والسبعين بين قتيل وأسير.

ج. العملية "يبوس" (اُنظر خريطة العملية يبوس)

بانتهاء العملية هارئيل يوم 17 أبريل كانت القوافل التي نجحت في المرور إلى القدس خلال العمليتين السابقتين قد خففت أزمة الإمداد الخانقة بالنسبة للتجمعات والقوات اليهودية في القدس القديمة والجديدة وزادت من قدرتها على الصمود، على أن الغوث لم يستمر طويلاً فسرعان ما أُغلق الطريق إلى القدس مرة أخرى.

فقبل أن يمر يوم واحد على انتهاء العملية هارئيل حتى كان المجاهدون العرب قد استولوا يوم 18 أبريل على مستشفى اوجستا فكتوريا فوق جبل سكوبي وقرية الزاوية بالقرب من الجامعة العبرية، كما بثوا عدداً من الكمائن بينها وبين القدس.

ومع اقتراب موعد الانسحاب البريطاني من القدس واستمرار شن الهجمات العربية لم تصبح فقط المواقع اليهودية الأمامية (شمال المدينة القديمة) عرضة للاجتياح، بل إن المدينة الجديدة نفسها أصبحت عرضة للخطر. وبناءاً على طلب "دافيد شلاتيل" قائد لواء "عتصيوني" ومسؤول الدفاع عن القدس تعزيزه بقوات إضافية، قررت قيادة الهجناه إعادة اللواء هارئيل إلى المنطقة لدعم حامية القدس وأسندت قيادة القوات المشتركة إلى "إسحاق صادية"، الذي تحرك يومي 20 أبريل على رأس قافلة من 302 عربة تحمل قوات اللواء هارئيل ومزيداً من الإمدادات إلى قوات القدس، وصاحبهم في هذه الرحلة دافيد بن جوريون رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، الذي كان يريد أن يطمئن بنفسه على الأوضاع في القدس.

وبمجرد دخول القافلة المنطقة الجبلية عند باب الواد وقعت في كمين أعده لها المجاهدون على امتداد اثني كيلو متر من الطريق وأوقعوا بها خسائر جسيمة، كما فشل الهجوم المضاد الذي قامت به مجموعة العربات المدرعة التي كانت تحمي القافلة. إلا أن كثافة نيران القوات في القافلة حالت دون اقتراب المجاهدين منها، إلى أن جاءت في المساء تعزيزات يهودية جديدة من القدس ساعدت على تخليص الجزء الأمامي من القافلة الذي واصل طريقه إلى القدس، بينما اضطر القسم الخلفي منها إلى العودة إلى مستعمرة خلدة دون أن يتمكن من المرور. وهكذا أُغلق الطريق ثانية وفُرض الحصار على اليهود في القدس مرة أخرى.

وبوصول إسحاق صادية ومعه 700 من قوات هارئيل إلى العاصمة قرر استخدام قوات هذا اللواء فضلاً عن لواء عتصيوني لفك الحصار المضروب على القدس الجديدة والحي اليهودي في القدس القديمة وتحقيق الاتصال مع المستعمرات اليهودية شمال وجنوب المدينة، وذلك بالاستيلاء ـ كخطوة أولى ـ على الهيئات والمواقع العربية التي تسيطر على القدس وما يجاورها وهى، النبي صموئيل وشعفاط في الشمال، والشيخ جراح ومستشفى أوجستا فيكتوريا في الشمال الشرقي، والقطمون في الجنوب.

واشتملت خطة العملية "يبوس" على دق ثلاثة أسافين رئيسية، الأول في اتجاه النبي صموئيل الواقعة فوق أعلى قمم جبال اليهودية لفتح الطريق إلى مستعمرتي النبي يعقوب وعتاروت المعزولتين في شمال مدينة القدس والثاني في اتجاه الشيخ جراح لتحقيق الاتصال مع المواقع اليهودية على جبل المكبر، والثالث في اتجاه حي القطمون لتحقيق الاتصال بميكور حاييم (الحي اليهودي) جنوب القدس القديمة، مع تأمين الاتصال بكتلة المستعمرات اليهودية جنوب القدس.

وبدأت أولى مراحل العملية بهجوم اللواء "هارئيل" بقيادة إسحاق رابين ليلة 21/22 أبريل لدق الإسفين الأول. وبالرغم من نجاح رابين في الاستيلاء على بيت اكسا والشوفات في طريقه إلى النبي صموئيل، إلا أن قواته تعثرت عندما بدأت تقترب من هدفها الأصلي، حيث أخذت كمائن المجاهدين تفتك بتلك القوات والتعزيزات التي أرسلت لتدعيمها، واضطرت القوات اليهودية في النهاية إلى الانسحاب بعد تكبدها خسائر جسيمة. وبذا ظلت عتاروت والنبي يعقوب معزولتين.

وفي ليلة 26 أبريل بدأت المرحلة الثانية للعملية بالهجوم على حي الشيخ جراح، ودار القتال عنيفاً طوال الليل من منزل إلى منزل، ونجحت قوات الجهاد المقدس التي استماتت في الدفاع عن الحي إلى إجبار القوات اليهودية على الارتداد مدحورة إلى المدينة الجديدة[3].

وعندما عاود اللواء هارئيل الهجوم يوم 28 أبريل للاستيلاء على مستشفى فكتوريا وقرية الطور المجاورة لقطع الطريق على قوات الجهاد المقدس بين أريحا والقدس قوبل بوابل من النيران أجبرته على الارتداد مرة أخرى دون أن يحقق أهدافه[4].

وفي اليوم التالي بدأت المرحلة الثالثة بهجوم كتيبتي اللواء "هارئيل" على حي "القطمون" الذي كان يدافع عنه المتطوعون العراقيون في جيش الإنقاذ، وبعد قتال عنيف تمكنت قوات البالماخ خلال الليل من احتلال دير سان سيمون الذي كان المتطوعون العراقيون يتخذونه قاعدة لهم، ولكنها في الصباح تعرضت لسلسة من الهجمات المضادة الضارية من جانب القوات العراقية وبعض قوات الجهاد المقدس، وبصعوبة شديدة تمكنت قوات الهجناه من الصمود في الدير حتى وصلتها كتيبة من لواء عتصيوني قامت بتأمين الموقع، وعندما انتهت معركة الدير كانت كتيبة البالماخ التي استلوت عليه قد فقدت 40 قتيلاً و 60 جريحاً.

وبالاستيلاء على الدير وتأمينه واصلت كتيبة اللواء هارئيل الأخرى اقتحام حي القطمون بالتعاون مع كتيبة "عتصيوني" التي قامت بتعزيزها. وفي صباح أول مايو اتصلت القوات المهاجمة بحي "ميكور حاييم" المعزول. وبانتهاء العملية يبوس فإنه يمكن القول أن قوات صادية لم تحقق إلا هدفاً واحداً من جملة الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها، بينما لازمها الفشل بالنسبة لباقي الأهداف، وهو ما يرجعه حاييم هيرزوج إلى التوقيت السيئ لهذه العملية.

د. العملية "مكابي" (اُنظر خريطة العملية مكابي)

إزاء استمرار عزل منطقة القدس عن السهل الساحلي، قررت قيادة الهجناه القيام بعملية جديدة أطلقت عليها اسم "مكابي" لفتح طريق القدس/ تل أبيب باستخدام اللواء "هارئيل" من غرب القدس لتطهير المنطقة شرق اللطرون بينما يقوم اللواء "جعفاتي" بتطهير المنطقة من خلدة حتى اللطرون، وكانت بعض قوات جيش الجهاد المقدس والإنقاذ تحتل بلدة اللطرون وقرية بيت محسير اللتين كانتا تتحكمان في الطريق عند سفوح المرتفعات بمنطقة باب الواد.

وبدأ اللواءان تحركهما يوم 9 مايو طبقاً للخطة، وتقدمت قوات اللواء "جعفاتي" بنجاح واحتلت المواقع المسيطرة على الطريق من خلدة حتى غرب اللطرون حيث تعثرت نتيجة للقصف المدفعي العربي لجيش الإنقاذ الذي حال دون تقدمها للالتقاء بقوات اللواء "هارئيل" شرق اللطرون. ولم يكن اللواء "هارئيل" أفضل حالاً فقد انهالت عليه النيران العربية طوال الفترة من 9 إلى 11 مايو فحالت دون وصوله إلى أهدافه في باب الواد، ولم تستطع قوات اللواء هارئيل من الاستيلاء على قرية بيت محسير العربية إلا صباح يوم 12 مايو بعد أن تعثرت أمامها ثلاث ليال كاملة تكبدت فيها خسائر جسيمة لم تسمح لها باستكمال مهمتها التي كانت تقضي باحتلال قرية دير أيوب.

وعندما تحولت قوات الجهاد المقدس إلى الهجوم المضاد بمعاونة مدفعية القاوقجي التي كانت تعاونها صدرت الأوامر في حالة من اليأس إلى قوات اللواء جعفاتي بإرسال بعض مصفحاته لاختبار الطريق، فانهالت عليها نيران قوات جيش الإنقاذ التي نجحت في احتلال المرتفع المطل على اللطرون وأوقعت بها خسائر جسيمة أجبرتها على التراجع، ولم يكن حظ كتيبة جعفاتي التي تحركت يوم 13 أبريل لاحتلال معسكر الأسرى السابق في اللطرون بأفضل من سابقتها، حيث أجبرت تلك الكتيبة على التراجع تحت ضغط نيران جيش الإنقاذ.

وإزاء هذا التعثر في منطقة اللطرون أصبح الهدف الأساسي للعملية "مكابي" هو الاستيلاء على اللطرون وأسندت قيادة الهجناه هذه المهمة إلى "أفيدان" قائد اللواء جعفاتي، الذي قرر التخلي عن أسلوب الهجوم المباشر والقيام بعملية تطويق لمنطقة اللطرون من ناحية الغرب لقطع طريق رام الله / اللطرون، وبذلك تمكنت قوات اللواء جعفاتي من الاستيلاء على بلدة جزر ليلة 13/14 مايو، وبصباح 15 من نفس الشهر كانت قوات أفيدان قد استولت على قريتي أبو شوشة والقباب.

وما أن وصلت أنباء دخول الجيش المصري فلسطين من الجنوب في نفس اليوم حتى تم تحويل قوات اللواء جعفاتي إلى الجبهة الجنوبية باستثناء إحدى كتائبه التي بقيت في المنطقة في الوقت الذي أرخى فيه القاوقجي قبضته على اللطرون لتحوله إلى منطقة المثلث تنفيذاً للأوضاع العربية الجديدة بعد تدخل الجيوش العربية، الأمر الذي مكن كتيبة أفيدان المتبقية من احتلال اللطرون ليلة 15/16 دون مقاومة كبيرة في الوقت الذي تمكنت فيه بعض قوات اللواء هارئيل من احتلال قرية دير أيوب، وبذا انفتح الطريق إلى القدس مؤقتاً إلا أن قافلة الإمداد لم تكن مستعدة، وعلى ذلك لم يتحرك إلى القدس سوى مصفحة واحدة كانت تحمل بعض مدافع الهاون وقذائفها أطلق عليها قافلة "اليتيم".

ومع زيادة ضغط القوات المصرية في الجنوب والقوات الأردنية في الشرق خلال الثلاث أيام التالية أسرعت قوات اللواء جعفاتي واللواء هارئيل لمقابلتها، مما سمح لقوات المجاهدين من استعادة اللطرون دون مقاومة تذكر. وهكذا أغلق الطريق إلى القدس للمرة الخامسة، ولم يفتح بعد ذلك إلا خلال فترة القتال الثانية في شهر يونيه.

هـ. العملية "باراك"

كانت "الخطة د" تتضمن فتح الطريق إلى مستعمرات النقب المحاصرة قبل تدخل الجيوش العريبة. وعلى ذلك قامت إحدى كتائب اللواء جعفاتي يوم 14 مايو بالاستيلاء على قريتي البرير وجوليس اللتين كانتا تسدان الطريق إلى تلك المستعمرات لبناء مخزون من الأغذية والأسلحة والذخائر يكفي لإعاشتها وصمودها فترة طويلة، انتظاراً لما تسفر عنه الأحداث خلال المرحلة التالية من الصراع، عندما تتدخل الجيوش العربية.


 



[1] يشير ميرزوج أن قوة الدعم كانت فصيلة من 35 مقاتل وأنها أبيدت تماماً.

[2] يشير اللواء حسن البدري أن العملية "نخشون" بدأت صباح 4 أبريل بينما أوضح "حاييم هيرتزوج" أن العملية بدأت مساء 5 من نفس الشهر، أما المرجع الرسمي الذي أصدرته رئاسة الأركان الإسرائيلية عن تلك الحرب فقد حدد توقيت تلك العملية بفجر يوم 5 أبريل.

[3] تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن القوة المهاجمة قد نجحت في الاستيلاء على الشيخ جراح إلا أن القوات البريطانية أجبرتها على تركه، كما يشير "تريفور دي بوي" أن المرحلة الثانية بدأت يوم 25 أبريل. بينما أوضح اللواء حسن البدري أن تلك الرحلة بدأت مساء 24 أبريل، أما المرجع الرسمي الإسرائيلي فأكد على أن الهجوم بدأ فجر 26 أبريل.

[4] يشير اللواء حسن البدري أن معاودة الهجوم على مستشفى فكتوريا والقرية المجاورة لها بدأت يوم 29 أبريل كما تم الهجوم على القطمون في نفس اليوم إلا أن "دي بوي" أوضح أن الهجوم على مستشفى فكتوريا تم يوم 28، بينما تم الهجوم على القطمون في اليوم التالي. وما أشار إليه دي بوي هو الأقرب إلى المنطق لاشتراك كتيبتي اللواء هارئيل الموجودتين في القدس آنذاك في العملية الأخيرة، ولا يعقل أن يزج صادية بالكتيبتين مرتين في نفس اليوم مرة للاستيلاء على المواقع العربية في مستشفى فكتوريا في شرق القدس ومرة أخرى ضد القطمون في الجنوب.

[5] "ميسباريم" بالعبرية تعني المقص تعبيراً عن فكرة العملية.

[6] يشير دي بوي إلى أن توجيهات تنفيذ العملية صدرت في منتصف أبريل، بينما يشير اللواء حسن البدري أن تلك التوجيهات صدرت في أواخر أبريل، أما سلوتسكي فحدد 22 أبريل تاريخاً لذلك وهو الأقرب للمنطق، خاصة وأن سلوتسكي هو المؤرخ الرسمي للهجناة ومن ثم أتيحت له فرصة أكبر للاطلاع على وثائقها.

[7] يشير اللواء حسن البدري أن الهجوم على عكا بدأ يوم 19 بينما تجمع المصادر الإسرائيلية وبعض المصادر الغربية على أن الهجوم بدأ يوم 17 مايو.

[8] اختلفت الرويات العربية والإسرائيلية بشأن كيفية القضاء على المدافعين في مستعمرة كفار عتصيون، حيث تُجمع المصادر الإسرائيلية على أن المدافعين رفعوا الراية البيضاء بعد أن تم اقتحام المستعمرة، وأن الفيلق الأردني توقف عن إطلاق النار، إلا أن القوة غير النظامية والأهالي الذين دخلوا المستعمرة استمروا في إطلاق النار حتى أبادوا كل من كان فيها انتقاماً لما فعله اليهود في دير ياسين، أما رواية التل وبعض المؤرخين العرب فتشير إلى أن المدافعين استمروا يقاتلون خلف مواقعهم المحصنة مما دعا إلى قصف تلك المواقع واقتحامها والقضاء على من فيها من المقاتلين.