إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

3. الصراع على المدن الرئيسية والمراكز الحيوية

أ. معركة "مشمار هاعيمك" (اُنظر خريطة معركة مشمار هاعيمك)

خطط فوز الدين القاوقجي قائد جيش الإنقاذ أولى أعماله التعرضية خلال هذه المرحلة للهجوم على مستعمرة "مشمار هاعيمك" الواقعة بالقرب من طريق حيفا/ جنين بهدف السيطرة على مرج ابن عامر، ووضع نهاية للإغارات اليهودية على القوافل العربية المتجهة إلى حيفا، علاوة على تأمين قاعدة تصلح للهجوم غرباً للسيطرة على طريق حيفا/ تل أبيب أو الهجوم شرقاً للسيطرة على مستعمرات مرج بن عامر.

وحشد القاوقجي لهذه المعركة قوة مشكلة من كتيبة اليرموك الأولى بقيادة المقدم محمد صفا وسريتي مشاه وثلاث عربات مصفحة تساندها بطارية مدفعية فرنسية من أربعة مدافع عيار 75 مليمتراً ومدفعية أمريكية عيار 105 مم وبعض الهاونات عيار 3 بوصة. وعلى الجانب الآخر كان "يهودا يغزوري" قائد المستعمرة قد أعدها للدفاع من جميع الجهات وزودها بنطاقات كثيفة من الأسلاك الشائكة وخنادق المواصلات، كما أتم تدريب المدافعين الثلاثمائة على مهامهم خلال المعركة المنتظرة، واحتفظ لهم داخل المستعمرة بما يكفيهم من احتياجات القتال والإعاشة مدة شهر كامل، وكانت قيادة الهجناة قد زودت القوة المدافعة بعدد من الهاونات عيار 3 بوصة.

وحتى يحول القاوقجي أنظار العدو عن اتجاه هجومه الوشيك قام فوج اليرموك الأول بهجوم خداعي ليلة 3/4 أبريل على مستعمرة زراعيم المجاورة لقرية زرعين العربية شمال شرق جنين.

وفي الساعة 1700 يوم 4 أبريل بدأ التمهيد النيراني للهجوم الذي استمر لمدة ساعتين محدثاً خسائر جسيمة في القوات المدافعة، أعقبه هجوم سرايا فوج القادسية بقيادة المقدم مهدي صالح العناني وسرية من كتيبة حطين وسرية أخرى أردنية، إلا أن القوات المهاجمة توقفت أمام أسوار المستعمرة تحت ضغط نيران المدافعين.

وخلال الليل دفعت قيادة الهجناه في المنطقة بكتيبة بالماخ وسريتين من اللواء جولاني، وبينما نجحت السريتان في التسلل داخل المستعمرة عبر الحقول المجاورة ليلة 4/5 أبريل، فقد اتخذت كتيبة البالماخ مواقعها في مستعمرة "عين هاشوفيط" القريبة، في الوقت الذي كانت فيه قوات القاوقجي تضغط على "مشمار هاعيمك".

وفي الصباح تجدد القصف المدفعي واستولت القوات العربية على المرتفعات المحيطة بالمستعمرة، إلا أن القيادة البريطانية في المنطقة طلبت من القاوقجي وقف إطلاق النار فوراً. وعندما استأنف القاوقجي الهجوم مرة أخرى يوم 7 أبريل تدخل الكولنيل "تشارلز بيل" قائد القوات البريطانية في المنطقة مرة أخرى ونجح في عقد هدنة بين الطرفين لمدة 24 ساعة لإجلاء النساء والأطفال من المستعمرة.

وخلال الأيام التي توقف فيها القتال أتمت المستعمرة تحصيناتها بعد وصول تعزيزات جديدة إليها، كما أتمت الكتيبة الأولى بالماخ استعداداتها في مستعمرة "عين هاشوفيط" للقيام بالهجوم المضاد. كما وصلت إلى المنطقة وحدات من لوائي "كرملي" و"اسكندروني" وفور انتهاء الهدنة اشتعل القتال مرة أخرى، وبدأت قوات البالماخ والوحدات الأخرى هجومها المضاد يوم 8 أبريل تحت قيادة "إسحاق صادية" عن طريق الاقتراب غير المباشر للوصول إلى مؤخرة قوات القاوقجي متجنبة الدخول في مواجهة مع قواته خوفاً من نيران المدفعية المعاونة لها وعاونها في ذلك طائرات سرب الجليل. وقد نجحت قوات صادية في الاستيلاء على بعض القرى العربية المجاورة، وتبادل الجانبان المرتفعات المسيطرة على المنطقة وبعض القرى عدة مرات.

وفي 12 أبريل شن القاوقجي هجوماً جديداً على مستعمرة "مشمار هاعيمك" إلا أن القوة المهاجمة وقعت في كمين وسط الأحراش التي تغطي مدخل المستعمرة، في الوقت الذي تمكنت فيه قوات الهجناه من الاستيلاء على قرية أبو زريق التي كانت تقطع الطريق القادم من حيفا، مما سمح بدفع تعزيزات جديدة من قوات الهجناة إلى منطقة القتال، في الوقت الذي اضطر فيه القاوقجي – الذي وصلته الأنباء عن القتال الدائر لفتح طريق القدس (العملية نخشون) ـ إلى إرسال قسم من قواته إلى الجبهة الجديدة في منطقة اللطرون.

وعندما فشل هجومه الأخير على "مشمار هاعيمك" يوم 14 أبريل أمر القاوقجي قواته بالانسحاب العام إلى معسكراتها حول طوباس، مما سمح لقوات البالماخ بالاستيلاء على القرى العربية في المنطقة (أبو شوشه والنعنعية والمنسي واللجون)، الأمر الذي سمح للقوات اليهودية بالسيطرة على مرج ابن عامر وتشديد قبضتها على حيفا.

ب. الإغارة على "دير ياسين"

في الوقت الذي كان يجرى فيه القتال في معركة "مشمار هاعيمك" قامت منظمتا الأرجون (ايتسل) وشتيرن (ليحى) بواحدة من أشهر مذابحهما الجماعية لإجبار العرب على الفرار وهجر قراهم لتفريغ المنطقة التي يسعون للسيطرة عليها من سكانها العرب.

ففي التاسع من أبريل أغارت بعض قوات هاتين المنظمتين الإرهابيتين بقيادة "بنزيون كوهين" على قرية دير ياسين العربية في ضواحي القدس، والتي لم يكن سكانها يشكلون أي خطر على التجمع اليهودي في العاصمة باعتراف المؤرخين اليهود أنفسهم، وانقض المغيرون على القرية تسبقهم عربة مصفحة، إلا أنهم اصطدموا بمقاومة لم يتوقعوها، وقُتل في تبادل إطلاق النار أربعة منهم وجُرح اثنان وثلاثون، فطلبوا المساعدة من قائد الهجناة في القدس، الذي أرسل لهم كمية من الذخائر وأمر رجال البالماخ بتغطيتهم أثناء سحب جرحاهم.

ولكن تغطية قوات البالماخ للمغيرين وإمدادهم بالذخيرة لم يسمح لهم فقط بسحب جرحاهم وإنما أيضاً بتحويل الإغارة الفاشلة إلى "مذبحة في القرية دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وأنهوا عملهم بحمل قسم من الأسرى الذين وقعوا في أيديهم على سيارات طافوا بها في شوارع القدس في موكب نصر وسط هتافات الجماهير اليهودية. وبعد ذلك أُعيد هؤلاء الأسرى إلى القرية وقُتلوا. ووصل عدد الضحايا من الرجال والنساء والأطفال إلى 245 شخصاً".

ج. العملية "ميسباريم" (الاستيلاء على حيفا)[5] (اُنظر خريطة العملية ميسباريم)

تصاعد التوتر في منطقة حيفا خلال مرحلة الحرب غير المعلنة. على أثر تفجير بعض العناصر اليهودية قنبلة في الحي العربي للمدينة أودى بحياة ستة من العرب وجرح 47 أخرون في السادس من ديسمبر 1947، مما أدى إلى تصاعد الاضطرابات بين العمال العرب واليهود في معمل تكرير النفط بالقرب من الميناء التي أسفرت عن مصرع 41 عاملاً يهودياً، وفي 14 يناير 1948 نسف بعض العرب عربة مكتب بريد في الحي اليهودي مما أسفر عن إصابة 45 يهودياً بجراح.

وبالإضافة إلى التراشق بالنيران وأعمال القناصة من الجانبين فقد كان أبرز الأحداث التي سبقت العملية "ميسباريم"، هو نصب اليهود كميناً خارج حيفا لقافلة عربية كانت تحمل أسلحة من لبنان لقوات المجاهدين في حيفا يوم 18 مارس، وقد لقى محمد الحنيطي قائد المجاهدين في المدينة مصرعه في ذلك الكمين، وقد رد المجاهدون بكمين آخر لقافلة يهودية كانت تحمل الإمدادات لمستعمرة "يحيام" ولقى معظم قوة الحراسة في القافلة مصرعهم.

وفي 18 أبريل اجتمع الجنرال "هيوستكويل" قائد القوات البريطانية في شمال فلسطين مع عمدة المدينة اليهودي ليخبره بعزمه على التخلي عن مسؤوليات حفظ الأمن في المدينة توطئة لإخلائها من القوات البريطانية، وقد أكد له عمدة المدينة تعهده السابق بتأمين عملية إخلاء القوات البريطانية عن طريق ميناء حيفا مقابل تسليم المدينة لليهود، وبعد يومين أخطر الجنرال "ستكويل" أمين عز الدين ـ الذي خلف محمد الحنيطي في قيادة مجاهدي حيفا ـ بنيته في التخلي عن مسؤوليات الأمن في المدينة تمهيداً لإخلاء البريطانيين منها.

وكان إخلاء القوات البريطانية لمواقعها في المدينة والتجمع بمنطقة الميناء يوم 21 أبريل بمثابة إشارة البدء "لموسى زاليتسكي (كرمل)" قائد لواء كرملي لشن عملية ميسباريم للاستيلاء على الأحياء العربية في حيفا والسيطرة على المدينة بأكملها طبقاً للخطة التي سبق إعدادها كأحد الخطط الفرعية لتنفيذ الخطة (د) على ضوء أوضاع العرب واليهود في المدينة.

فبينما كان العرب الذين يمثلون الأقلية في المدينة يسكنون في السفوح السفلي لجبل الكرمل كان معظم اليهود الذين يمثلون أغلبية السكان يسكنون منطقة السفوح الوسطى للجبل والتي كان يطلق عليها "هدار الكرمل"، كما كان باقي اليهود يسكنون في الحي التجاري ناحية الميناء. وبذا كانت الأحياء العربية محصورة بين البحر والأحياء اليهودية من ناحية الشرق وبين الحي التجاري اليهودي والأحياء اليهودية في هدار الكرمل من ناحية الغرب.

وعلى ذلك تلخصت فكرة عملية ميسباريم (المقص) في عزل وتمزيق الأحياء العربية في المدينة ثم الاستيلاء عليها بعد ذلك. وتنفيذاً لتلك الفكرة قُسمت قوات اللواء كرملي ثلاثة أقسام على النحو التالي:

(1) القسم الأول يهبط من هدار الكرمل ويتجه شمال شرق المدينة نحو وادي "روشميا" لعزل الأحياء العربية عن أية إمدادات يمكن أن تصلها من المناطق العربية خارج المدينة على طريق عكا، مع احتلال مقر لجنة الأحياء الشرقية (بيت النجادة) الذي كان مشرفاً على كوبري روشميا ويمكن أن يعرقل حركة المواصلات من حيفا إلى الجليل والمروج.

(2) القسم الثاني يهبط من هدار الكرمل نحو الشمال الغربي للمدينة لتجزئة القطاع العربي الأوسط والغربي والاستيلاء عليه بالتعاون مع قوات القسم الثالث.

(3) القسم الثالث يصعد من الحي التجاري ليقابل قوات القسم الثاني ويستكملان معاً الاستيلاء على المنطقة العربية وتطهيرها.

وبدأ تحرك قوة القسم الأول من اللواء فجر يوم 21 أبريل في مجموعة من العربات المصفحة لتنفيذ الشق الأول من الخطة، ونجحت تلك القوة في احتلال بيت النجادة بعد قتال ضار من حجرة إلى أخرى، وما أن استقرت تلك القوة في المبنى حتى حاصرتها قوات المجاهدين وراحت تمطرها بالنيران وأنزلت بها خسائر شديدة، وضاعت جميع محاولات قائد اللواء لفك الحصار عن تلك القوة سدى، فأصدر لها الأمر بالانسحاب إلا أنها كانت عاجزة حتى على تحقيق ذلك في ظل إحكام الحصار العربي والأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى التي كان عليها أن تحملها، وعلى ذلك لم يتم تحرير تلك القوة إلى بعد سقوط الأحياء العربية.

أما الشق الآخر من الخطة قد بدأ تنفيذه في منتصف ليلة 22/23 أبريل بتحرك القسمين الثاني والثالث من الواء "كرملي" للقيام بالهجوم العام لشطر الأحياء العربية وتجزئتها.

ولم يأت الصباح حتى كانت الأحياء العربية قد تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، وبدأت عملية تطهير المنازل ونسف بعضها على رؤوس من فيها، في الوقت الذي حالت فيه القيادة البريطانية دون تحرك إحدى سرايا الجيش الأردني – الموجودة تحت قيادتها في المنطقة ـ لمساندة المجاهدين في الدفاع عن الأحياء العربية، ولم يستطع قائد السرية أن يفعل شيئاً سوى إيواء بعض العائلات التي هامت على وجهها.

وسرعان ما انهارت المقاومة العربية ـ التي استمرت متفرقة بعض الوقت ـ وبدأ الذعر يجتاح الأحياء العربية، وهنا تدخل الجنرال ستكويل واقترح على الطرفين عقد هدنة إلا أن القيادة اليهودية أصرت على إلقاء العرب لسلاحهم أولاً وفرض حظر التجوال في جميع الأحياء العربية، بالإضافة إلى بعض الشروط التعسفية الأخرى، وخشي العرب أن يكون ذلك توطئة للتنكيل بهم على غرار المذابح الدموية السابقة، فقرر أغلبهم الرحيل إلى لبنان. وفي هجرة جماعية لم يعترضها اليهود ـ غادر حيفا نحو 70 ألف عربي من سكانها خلال خمسة أيام.

بنهاية شهر أبريل كانت القوات اليهودية قد أتمت السيطرة على المدينة بأكملها، والتي لم يبق فيها سوى بضعة آلاف من سكانها العرب.

د. العملية "شاميتز" (الاستيلاء على يافا)[6] (أنظر خريطة العملية شاميتز)

كانت مدينة يافا طبقاً لقرار التقسيم من نصيب العرب، كما كانت تخوم المدينة من ناحية الشرق والجنوب الشرقي مناطق عربية جيدة الدفاع تمثل أسفيناً بين المناطق اليهودية شمال شرق وجنوب شرق المدينة يعوق الاتصال الجغرافي بين هذه المناطق ويقطع الطريق إلى مطار اللد. وعلى ذلك أصدرت قيادة الهجناه توجيهاتها يوم 22 أبريل لتنفيذ العملية التي أطلق عليها الاسم الرمزي "شاميتز" بهدف الاستيلاء على المناطق العربية المتاخمة ليافا وحصار المدينة لإجبارها على الاستسلام.

وأُسند تنفيذ العملية "شاميتز" إلى اللواءات الثلاثة الموجودة في محيط المنطقة المطلوب الاستيلاء عليها. فكُلف لواء "اسكندروني" الانطلاق من "كفار عازار" شمال الأسفين العربي لاحتلال قرى ساقية والخيرية وسلامة، وفي الوقت الذي يقوم فيه لواء "كرياتي" من تل أبيب بتثبيت القوات العربية المدافعة عن المدينة من اتجاهي الشمال والجنوب، واللواء "جعفاتي" من جنوب شرق يافا باحتلال تل الريش وقرية يازور.

وبدأ تنفيذ العملية خلال الأسبوع الأخير من أبريل، وبينما كان اللواء كرياتي يقوم بتثبيت دفاعات يافا واللواءان اسكندروني وجعفاتي يقومان بتطهير المناطق العربية المتأخمة للمدينة من الشرق، إذ بمنظمة الأرجون (المنشقة) ـ التي حشدت نحو 600 مقاتل من أفرادها في مستعمرة "رامات جان" شرق تل أبيب ـ تنطلق من المستعمرة فجر يوم 25 أبريل لتشن هجوماً على حي المنشية الملاصق لتل أبيب دون أن تخطر أو تنسق هجومها مع قوات الهجناه التي تقاتل للسيطرة على تخوم المدينة العربية.

وعندما فشلت قوات الأرجون بقيادة "أميهاي فاجلين" في تحقيق أي نجاح يُذكر طوال يومي 25 و 26 أبريل نتيجة صلابة مقاومة قوات الجهاد المقدس بقيادة حسن سلامة ووحدة جيش الإنقاذ بقيادة النقيب نجم الدين – اللتين تعاونتا في إحباط هجوم الأرجون – اضطرت الأخيرة إلى طلب المساعدة من الهجناة وقبلت شروطها بإخضاع قواتها في المنطقة لقيادة الهجناة والتعهد بعدم القيام بأية أعمال دون موافقتها.

وعندما استؤنف تنفيذ العملية بالتعاون بين الأرجون والهجناه ليلة 27/28 أبريل، نجحت الهجمات اليهودية شمال وشرق يافا في تحقيق أهدافها، بينما تعثر اللواء جعفاتي على تل الريش. ففي الشرق نجح لواء "اسكندروني" في احتلال الجزء الجنوبي من معسكر تل "ليتفنسكي" وتل "هاشومير" وقريتي الخيرية وساقية، وفي الليلة التالية احتلت وحدات لوائي كرياتي واسكندروني قرية سلامة التي هجرها أهلها بينما سيطرت بعض وحدات اللواء جعفاتي على قرية "يازور"، وبذا تم عزل مدينة يافا تماماً. وفي الشمال نجحت قوات الأرجون بدعم من قوات الهجناه في الوصول إلى الساحل وعزل حي المنشية عن بقية يافا.

أما في الجنوب فقد تعثر هجوم كتيبة اللواء "جعفاتي" على تل الريش نتيجة لسوء التخطيط والتنسيق من ناحية والهجوم المضاد الناجح التي شنته قوات الجهاد المقدس بالتعاون مع إحدى وحدات جيش الإنقاذ من ناحية أخرى، مما كبد تلك الكتيبة خسائر جسيمة بلغت 133 بين قتيل وأسير وجريح وأجبرها على الانسحاب مخلفة وراءها كمية كبيرة من أسلحتها.

وإزاء عزل مدينة يافا أسرع فوز الدين القاوقجي بإرسال ميشيل العيسى على رأس إحدى وحدات جيش الإنقاذ المدعمة بالمدفعية لفتح الطريق إلى يافا، إلا أن القوات البريطانية – التي وجدت أن الوقت قد حان لتدخلها – كانت قد سبقته إلى ذلك، ولكن تدخل القاوقجي والبريطانيين الذي جاء متأخراً لم يغير مصير المدينة التي بدأ أهلها ينزحون عنها في هجرة جماعية إلى شرق الأردن بعد أن نجح البريطانيون في تأمين طريق الرحيل، وفي عصر 13 مايو 1948 كانت المدينة قد سقطت في أيدي القوات اليهودية بعد أن رحل عنها معظم سكانها العرب.

هـ. العملية "يفتاح" (الاستيلاء على صفد والسيطرة على الجليل الشرقي) (أنظر خريطة العملية يفتاح (تأمين الجليل)) و(خريطة الاستيلاء على صفد وتخومها)

لما كانت قوات جيش الإنقاذ تحتل عدداً من المراكز الحيوية الحاكمة في منطقتي الحولة وصفد التي خلفتها القوات البريطانية عندما بدأت تخفيف قواتها في المنطقة، فقد سمحت هذه المراكز لجيش الإنقاذ بالسيطرة على طرق المواصلات في الجليل الشرقي وتهديد المستعمرات اليهودية في وادي الحولة، كما سمحت بفرض الحصار على الحي اليهودي في مدينة صفد. ولما كانت تلك المراكز تقع في المناطق اليهودية طبقاً لقرار التقسيم فقد كان على قوات الهجناة ـ تبعاً للخطة "د" ـ تطهيرالمنطقة من القوات العربية وترتيب الأوضاع في الجليل الشرقي قبل تدخل الجيوش العربية النظامية.

وطبقاً لرواية ايجال آلون قائد البالماخ الذي أُسندت إليه قيادة العملية "يفتاح"، أن تلك العملية كانت تستهدف السيطرة على المعاقل الرئيسية وتحرير الطرق الشمالية، وتجهيز منطقة الجليل للدفاع قبل تدخل الجيوش العربية النظامية، وكان محور العملية هو السيطرة على مدينة صفد ذات الأهمية الإستراتيجية، التي تقع على ارتفاع أكثر من 800 م ويقطنها أغلبية عربية (نحو 12 ألف عربي مقابل أقل من ألفي يهودي).

وعشية انسحاب القوات البريطانية من صفد يوم 15 أبريل نجح آلون في تسريب قوة من البالماخ لدعم قوات الهجناه المستنزفة التي تقوم بالدفاع عن الحي اليهودي، كما نجحت قوات جيش الإنقاذ ـ فور انسحاب القوات البريطانية من المدينة ـ في الاستيلاء على المواقع الحاكمة فيها، التي كانت تشتمل على أربعة معاقل هى: قلعة الشرطة على جبل كنعان على التخوم الشمالية الشرقية للمدينة والقلعة القديمة ومركز الشرطة وبيت شلفا، وهى تقع جميعاً داخل المدينة نفسها.

وقبل الهجوم على صفد بدأت قوات اللوائين "جولاني" و"يفتاح" في التمهيد للعملية بمحاولة الاستيلاء على بعض المواقع الحاكمة التي يسيطر عليها جيش الإنقاذ في منطقة الحولة. فقامت إحدى كتائب اللواء جولاني بالهجوم على قلعة الشرطة شمال بلدة النبي "يوشع" ـ الواقعة شمال شرق بحيرة الحولة بمسافة 5 كم والتي تسيطر على طرق المواصلات في الجليل الشمالي الشرقي ـ إلا أن قوات جيش الإنقاذ في القلعة ردتها على أعقابها بعد أن كبدتها خسارة بعض قواتها، وعندما قامت كتيبة البالماخ الثالثة بتكرار الهجوم على نفس القلعة يوم 20 أبريل لم يكن حظها بأفضل من سابقتها، واضطرت إلى الانسحاب بعد مقتل 22 من أفرادها بينهما اثنان من قادة سراياها.

وما أن جلت آخر القوات البريطانية عن الجليل الشرقي بأكمله حتى بدأت قوات آلون في الاستيلاء على المراكز والقرى العربية المسيطرة على طرق الاقتراب إلى صفد، فقامت إحدى وحدات الهجناه يوم 28 أبريل بالاستيلاء على قلعة شرطة روشبينا ومعسكر الجيش شرق صفد بمسافة 3 كم، كما انطلقت كتيبة البالماخ الأولى في أول مايو من كريات سارة شمال شرق صفد بمسافة 1.5 كم للاستيلاء على قريتي بيريا وعين الزيت العربيتين شمال صفد بمسافة 2 ـ 3 كم، ثم تقدمت منها إلى الحي اليهودي شمال غرب صفد، وبذلك تم تدعيم القوات المدافعة عن الحي بكتيبة بالماخ، عُززت بكتيبة أخرى في الثالث من مايو.

وما أن اطمئن آلون على دعم قواته داخل الحي اليهودي حتى شن هجومه الأول على المعاقل العربية الرئيسية في المدينة ليلة 5/6 مايو، وبالرغم من الدعم النيراني بمدافع الهاون لم يكن بوسع قوات البالماخ إحراز أي تقدم في القتال الضاري، في الوقت الذي أمطرت فيه المدفعية العربية الحي اليهودي بوابل من نيرانها. وإزاء عجزه عن إحراز أي تقدم سحب آلون قواته خارج صفد بعد أن تزايدت خسائرها لإعادة تنظيمها ووضع خطة جديدة لهجومها، ودعمها بمدافع بيات المضاد للدبابات لفتح ثغرات في المباني الحصينة.

وفي مساء 10 مايو عاود آلون الهجوم على الثلاثة معاقل العربية القريبة من الحي اليهودي وهى: بيت شلفا والقلعة القديمة ومركز الشرطة، وفي ظل الأمطار الغزيرة التي ظلت تهطل طوال الليل نجحت القوات المهاجمة في شق طريقها بعد قتال ضار من بيت إلى بيت. وبصباح يوم 11 مايو كانت قوة الهجوم قد استولت على بيت شلفا، إلا أن القلعة القديمة لم تسقط في يد القوات المهاجمة إلا بعد أن تكرر الهجوم عليها ثلاث مرات، أما المعركة الأصعب والأطول فقد كانت على مركز شرطة المدينة.

وبعد قتال ضار استمر حتى يوم 12 مايو نجحت القوات اليهودية في الاستيلاء على باقي المعاقل العربية في صفد، بالإضافة إلى قلعة جبل كنعان على تخومها الشمالية الشرقية، وبذا أصبحت تتحكم في المدينة التي بدأ سكانها العرب ينزحون عنها، مما سهل لقوات اللوائين جولاني ويفتاح الاستيلاء على كافة الهيئات الحاكمة حول المدينة، وبالاستيلاء على صفد نجحت القوات اليهودية في السيطرة على الجليل الشرقي.

و. العملية "بن عامي" (احتلال عكا والسيطرة على الجليل الشمالي الغربي) (أنظر خريطة العملية بن عامي (تأمين الجليل)) و(خريطة الاستيلاء على عكا)  

بعد سقوط مدينة حيفا وتأمينها لم يبق من الخطة "د" في الجليل الغربي سوى الاستيلاء على مدينة عكا، وعلى ذلك شرع اللواء كرملي في الاستيلاء على القرى والمواقع العربية شمال وشرق عكا لعزل المدينة العربية من ناحية وتحقيق الاتصال مع المستوطنات اليهودية المعزولة في الجليل الشمالي الغربي مثل "يحيام" و"حنيتا" من ناحية أخرى، وفي 14 مايو كان اللواء كرميلي قد نجح في عزل مدينة عكا عن تخومها العربية في الشمال والشرق بعد الاستيلاء على تل نابليون شرق المدينة وقرى السامرية والزيف والبصة شمالها. وفي مساء 14 مايو انطلقت قافلة الإمداد إلى المستعمرات اليهودية المعزولة قرب الحدود اللبنانية.

أما مدينة عكا فلم تسقط إلا بعد بدء مرحلة الحرب المعلنة عندما شن لواء كرملي هجومه عليها يوم 17 مايو تحت ستر نيران القصف المدفعي من تل نابليون، الذي سبق أن استخدمه القائد الفرنسي لقصف المدينة نفسها خلال حصارها في ربيع عام 1799، فبعد قتال ضار لمدة 22 ساعة تمكنت قوات اللواء كرملي من اقتحام قلعة عكا الشهيرة والاستيلاء على المدينة التي أسرع أهلها أيضاً بالرحيل عنها براً وبحراً إلى لبنان[7].

ز. الاستيلاء على كتلة مستعمرات "عتصيون" (أنظر خريطة الاستيلاء على مستعمرات عتصيون)

كانت كتلة مستعمرات عتصيون محاصرة بواسطة بعض قوات جيش الجهاد المقدس منذ شهر يناير 1948، إلا أن طائرات النقل الخفيفة ظلت تربط المستعمرات الأربعة المكونة لتلك الكتلة (كفار عتصيون، مسؤوت اسحاق، عين تسوريم ورفاديم) بالتجمع اليهودي الرئيسي في السهل الساحلي، حاملة إلى تلك المستعمرات الإمدادات والأسلحة من وقت لآخر ومُخلية الجرحى في رحلات عودتها، إلا أن الحصار لم يمنع القوات اليهودية في تلك المستعمرات من فتح النار على قوافل السيارات العربية التي تتحرك بين القدس والخليل وتستغل فترة الحصار في تحصين دفاعاتها ضد الهجمات العربية.

ومع بداية شهر مايو كثفت القوات اليهودية في مستعمرة "كفار عتصيون" ملاحقتها للسيارات والقوافل العربية بالنيران، وقد رأى البريطانيون الذين كانوا يرغبون في المحافظة على فتح طريق القدس/ الخليل الذي تستخدمه قواتهم، أن الاشتباكات اليهودية لا يمكن السكوت عليها.

وعلى ذلك قامت فصيلة من الفيلق العربي الموضوع تحت القيادة البريطانية مدعمة بست سيارات مدرعة وثلاثة مدافع وقوة من المجاهدين العرب بشن هجوم تأديبي على مستعمرة كفار عتصيون صباح يوم 4 مايو، كما قامت بقصف دير الشعار (الروسي) ـ الذي يستخدمه اليهود في قطع طريق القدس/ الخليل ـ وبعض المواقع الأخرى بالقرب من الطريق مما اضطر المدافعون إلى الانسحاب منه بعد تكبدهم خسائر فادحة، وفي المساء انسحبت القوة بعد تأدية مهمتها.

وفي 12 مايو استغلت إحدى سرايا الفيلق العربي اشتباكاً مدبراً لتصفية الموقف في كتلة مستعمرات عتصيون بالتعاون مع قوات المجاهدين قبل خروج قوات الفيلق من فلسطين مع مؤخرة القوات البريطانية، فقام الرائد حكمت مهيار قائد إحدى سرايا الفيلق العربي المدعمة بست مدرعات بالاشتباك مع مستعمرة كفار عتصيون بأوامر من قائد كتيبتة الرائد عبدالله التل. وسرعان ما دُعمت تلك السرية بالمجاهدين من القرى العربية المجاورة، وكانت الأهداف الرئيسية للهجوم هى مستعمرة كفار عتصيون وأرض الهبوط وسط كتلة المستعمرات.

وبدأ الهجوم على الدير الروسي بعد قصف مكثف من المدرعات أجبر المدافعين على الانسحاب بعد تكبدهم خسائر جسيمة. وخلال القتال يوم 12 مايو نجحت القوات المهاجمة في عزل كل من المستعمرات الأربعة كل على حده واستولت على أرض الهبوط، إلا أن القوات العربية أوقفت هجومها خلال الليل، وعندئذ تحرك الرائد عبدالله التل لتعزيز سريته وتولى القيادة بنفسه. وفي الصباح الباكر قامت سرية الفيلق العربي باقتحام كفار عتصيون بعد تمهيد نيراني كثيف، وهرع في أعقابها قوة من المناضلين وأهالي القرى المحيطة لتطهير المستعمرة، وانتهى الهجوم بالقضاء على القوة المدافعة عن بكرة أبيها عدا ثلاثة من الأرجون أُخذوا أسرى، بينما لجأ سكان المستعمرة من غير المقاتلين إلى المستعمرات المجاورة[8].

أما المستعمرات الثلاثة الأخرى في كتلة عتصيون فقد عرضت التسليم عن طريق منظمة الصليب الأحمر، ووافقت الوكالة اليهودية على شروط التسليم التالية:

(1) تسليم السلاح للعرب.

(2) أخذ الرجال كأسرى حرب.

(3) تسليم النساء والأطفال والعجزة لمنظمة الصليب الأحمر.

وعندما عرض الأمر على الجنرال جلوب وافق على تلك الشروط. وبذلك تم تصفية ذلك الجيب اليهودي جنوب القدس عشية بدء الحرب المعلنة.

إلا أنه يمكن القول أن ذلك الانتصار وإن حسن الموقف العسكري العربي في القدس، إلا أنه لم يكن له نتيجة تُذكر على الموقف الإستراتيجي العام في فلسطين عشية بدء مرحلة الحرب المعلنة، فقد تحسن الموقف العسكري اليهودي كثيراً منذ بداية تنفيذ الخطة "د"، حيث أصبحوا يسيطرون على كل السهل الساحلي شمال مدينة غزة حتى الحدود اللبنانية، كما نجحوا في الاستيلاء على كافة المدن الساحلية، وبذا أصبحوا يسيطرون على كافة المواني الفلسطينية.

وفي منطقة الجليل نجحوا في احتلال المدن الرئيسية المسيطرة على خطوط المواصلات مثل صفد وطبرية وبيسان وبذلك حافظوا على الاتصال الجغرافي بين التجمعات اليهودية في السهل الساحلي ومرج بن عامر ووادي الحولة، وسيطروا على الجليل الشمالي الشرقي والشمالي الغربي، كما حافظوا على مستعمراتهم في منطقة النقب وفكوا الحصار عنها.

أما في منطقة القدس، فإنهم وإن فقدوا كتلة مستعمرات عتصيون ولم يتمكنوا من الحفاظ على الاتصال الجغرافي المستمر بين المدينة والسهل الساحلي، فإنهم نجحوا في تحقيق الاتصال بين الأحياء اليهودية في القدس وحسنوا موقفهم ودعموا قواتهم فيها، كما زودوا الأحياء والقوات اليهودية فيها بمخزون من مواد الإعاشة والذخائر تكفي لصمودها فيها عدة أشهر.

4. دور القوة الجوية في ثاني المراحل الفرعية للحرب غير المعلنة

عندما بدأت قوات الهجناه في التحول للهجوم في كافة المناطق لتنفيذ الخطة "د"، ألقى ذلك الانعطاف في سير الحرب عبئاً جديداً على قوتها الجوية الناشئة، حيث كان على تلك القوة ـ بالإضافة إلى مهامها السابقة ـ المشاركة في نقل الأسلحة والعتاد من الخارج، فضلاً عن معاونة العمليات الهجومية من الداخل.

وقد وقع نقل الأسلحة العاجلة على عاتق طائرات "الكوماندو" و"الكونستليشن" و"سكاي ماستر" التي تم شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية وكان يتولى قيادتها أطقم طيران أمريكية. وحتى يمكن أن تتحرك هذه الطائرات بصورة قانونية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفلسطين، أخذت هذه الطائرات غطاء شركات أمريكية وبنمية وهمية.

وقد سمح جلاء القوات البريطانية مبكراً عن جزء كبير من السهل الساحلي لفلسطين وبعض المطارات في تلك المنطقة، باستخدام هذه المطارات في هبوط طائرات النقل العاملة بين القاعدة الإسرائيلية في تشيكوسلوفاكيا ـ حيث يتم تجميع وشحن الأسلحة ـ والقطاع الذي تسيطر عليه القوات الصهيونية في السهل الساحلي.

وخلافاً لسياسة البيت الأبيض المنحازة للحركة الصهيونية، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتابع نشاط تهريب الأسلحة إلى المنظمات الصهيونية في فلسطين وتحذر منه، خاصة مع تورط العديد من الشخصيات الأمريكية فيه، ففي الثاني عشر من أبريل أرسل الأدميرال هيلنكوتر ـ مدير المخابرات المركزية ـ مذكرة بهذا الشأن إلى كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزيري الخارجية والدفاع بعنوان "عمليات نقل جوية تآمرية في أوروبا". وحذر هيلنكوتر في مذكرته من عمليات نقل الأسلحة بشكل تآمري إلى المنظمات الصهيونية في فلسطين وقال: "إن مثل هذه الرحلات الجوية تزيد من حدة التوتر السياسي في المنطقة". إلا أن تحذير مدير المخابرات المركزية لم يجد صدى ملائمـاً لدى الرئيس ترومان، الذي كان واقعاً تحت تأثير "دافيد نلز"، مساعده والمتحدث بلسان المنظمات الصهيونية في البيت الأبيض.

ومن ثم، استمر تدفق الأسلحة إلى المنظمات العسكرية الصهيونية في فلسطين لتتصاعد حدة الصراع وتنتقل إلى مستوى العمليات الهجومية من جانب تلك المنظمات ـ على نحو ما سبق، ولم تكن المعاونة المطلوبة من القوة الجوية في ذلك الوقت قاصرة على أعمال الإمداد ونقل الأسلحة إلى المناطق المحاصرة واستطلاع الطرق ـ شأنها في الشهور الأولى لعام 1948 ـ إنما تعدى ذلك الأمر إلى الحاجة إلى المعاونة الجوية النيرانية لتسهيل أعمال القوات القائمة بالهجوم.

ولما كانت الطائرات المتوفرة آنذاك للقوة الجوية في فلسطين، تتشكل في مجموعها من طائرات النقل الخفيفة والمتوسطة وطائرات المواصلات والاستطلاع، وجميعها غير مسلحة أو معدة لمهام المعاونة الجوية النيرانية، فقد تقرر إجراء بعض التعديلات عليها لتسليحها، حتى تتلاءم مع المهام الجديدة المطلوبة منها خلال تلك المعركة.

وطبقاً لرواية كاجان "جمعنا تشكيلة من المعدات التى وائمناها مع الجسم والأجنحة لحمل وقذف القنابل، وبقليل من التعديلات كان يمكن تحويل طائرة نقل صغيرة لتكون قادرة على حمل ست قنابل زنة مائة وخمسة وعشرين رطلاً، أربعة تحت الجسم واثنتان تحت الأجنحة".

وقد سمح تسليح طائرات النقل أن تقوم القوة الجوية الإسرائيلية الناشئة بمعاونة قوات الهجناه أثناء القتال من أجل خطوط المواصلات في ربيع عام 1948م، والتى كان أبرزها عملية "نخشون" و"هارئيل" و"مكابي" لفتح طريق القدس، و"بن عامي" للسيطرة على منطقة الجليل وطرق مواصلاتها، كما ساهمت في أعمال القتال لفك الحصار عن المستعمرات المحاصرة في النقب والجليل الشمالي الغربي.


 



[1] يشير ميرزوج أن قوة الدعم كانت فصيلة من 35 مقاتل وأنها أبيدت تماماً.

[2] يشير اللواء حسن البدري أن العملية "نخشون" بدأت صباح 4 أبريل بينما أوضح "حاييم هيرتزوج" أن العملية بدأت مساء 5 من نفس الشهر، أما المرجع الرسمي الذي أصدرته رئاسة الأركان الإسرائيلية عن تلك الحرب فقد حدد توقيت تلك العملية بفجر يوم 5 أبريل.

[3] تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن القوة المهاجمة قد نجحت في الاستيلاء على الشيخ جراح إلا أن القوات البريطانية أجبرتها على تركه، كما يشير "تريفور دي بوي" أن المرحلة الثانية بدأت يوم 25 أبريل. بينما أوضح اللواء حسن البدري أن تلك الرحلة بدأت مساء 24 أبريل، أما المرجع الرسمي الإسرائيلي فأكد على أن الهجوم بدأ فجر 26 أبريل.

[4] يشير اللواء حسن البدري أن معاودة الهجوم على مستشفى فكتوريا والقرية المجاورة لها بدأت يوم 29 أبريل كما تم الهجوم على القطمون في نفس اليوم إلا أن "دي بوي" أوضح أن الهجوم على مستشفى فكتوريا تم يوم 28، بينما تم الهجوم على القطمون في اليوم التالي. وما أشار إليه دي بوي هو الأقرب إلى المنطق لاشتراك كتيبتي اللواء هارئيل الموجودتين في القدس آنذاك في العملية الأخيرة، ولا يعقل أن يزج صادية بالكتيبتين مرتين في نفس اليوم مرة للاستيلاء على المواقع العربية في مستشفى فكتوريا في شرق القدس ومرة أخرى ضد القطمون في الجنوب.

[5] "ميسباريم" بالعبرية تعني المقص تعبيراً عن فكرة العملية.

[6] يشير دي بوي إلى أن توجيهات تنفيذ العملية صدرت في منتصف أبريل، بينما يشير اللواء حسن البدري أن تلك التوجيهات صدرت في أواخر أبريل، أما سلوتسكي فحدد 22 أبريل تاريخاً لذلك وهو الأقرب للمنطق، خاصة وأن سلوتسكي هو المؤرخ الرسمي للهجناة ومن ثم أتيحت له فرصة أكبر للاطلاع على وثائقها.

[7] يشير اللواء حسن البدري أن الهجوم على عكا بدأ يوم 19 بينما تجمع المصادر الإسرائيلية وبعض المصادر الغربية على أن الهجوم بدأ يوم 17 مايو.

[8] اختلفت الرويات العربية والإسرائيلية بشأن كيفية القضاء على المدافعين في مستعمرة كفار عتصيون، حيث تُجمع المصادر الإسرائيلية على أن المدافعين رفعوا الراية البيضاء بعد أن تم اقتحام المستعمرة، وأن الفيلق الأردني توقف عن إطلاق النار، إلا أن القوة غير النظامية والأهالي الذين دخلوا المستعمرة استمروا في إطلاق النار حتى أبادوا كل من كان فيها انتقاماً لما فعله اليهود في دير ياسين، أما رواية التل وبعض المؤرخين العرب فتشير إلى أن المدافعين استمروا يقاتلون خلف مواقعهم المحصنة مما دعا إلى قصف تلك المواقع واقتحامها والقضاء على من فيها من المقاتلين.