إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

3. تطور الموقف على الجبهة العراقية (اُنظر خريطة معركة جيشر) و(خريطة معركة جنين)

بدأت القوات العراقية عبورها نهر الأردن يوم 15 مايو على جسر المجامع جنوب بحيرة طبرية واحتلت بعض هذه القوات رأس كوبري على الضفة الغربية للنهر.

وفي اليوم التالي عبر النهر فوج عراقي كامل وتقدم نحو قلعة "جيشر "، ثم عبر فوج آخر يوم 17 مايو. وبالرغم من استمرار هجوم الفوجين طوال ليلة 17/18 مايو على مستعمرة "جيشر" إلا أنهما فشلا في اقتحامها، نتيجة للمقاومة الشديدة للقوات الإسرائيلية المدافعة، والإمدادات التي تدفقت عليها من "العفولة".

وإزاء هذا الفشل أصدرت قيادة القوات العراقية أوامرها يوم 19 مايو إلى الفوج الأول بالاستعداد للهجوم على "جيشر" وقلعتها يوم 21 مايو، إلا أنها عادت وأمرت بتأجيل هذا الهجوم لتغير منطقة عمل القوات العراقية إلى نابلس. وبذلك توقفت أعمال قتال القوات العراقية في منطقة "جيشر" وما حولها.

وبينما كانت القوات العراقية تتدفق على "نابلس"، كانت القوات الأردنية وجيش الإنقاذ ينسحبان منها ومن "جنين" و"طولكرم" و"قلقيلية" لتعديل أوضاعهما طبقاً لأوامر الملك عبدالله على نحو ما سلف، وقبل أن تُتم القوات العراقية اتخاذها لأوضاعها الجديدة في محوري "نابلس/ طولكرم"، و"الهوارة/ قلقيلية"، أصدر الملك عبدالله ـ بصفته القائد العام للقوات العربية – أوامره للقوات العراقية بالهجوم لتخفيف الضغط على القوات الأردنية في منطقة "اللطرون" طبقاً للتخطيط التالي:

أ. الهجوم على محور "طولكرم/ ناتانيا" الذي يدافع عنه اللواء "إسكندروني"، بهدف الاستيلاء على "بيت ليد" وتقاطع الطرق المجاور لها.

ب. الهجوم على محور "جنين/ زرعين" (يزرع إيل) الذي يدافع عنه اللواء "كرملي" بهدف الاستيلاء على "اللجون".

وبدأت القوات العراقية تنفيذ هاتين المهمتين يوم 28 مايو، فنجح أحد أرتالها في الوصول إلى "كفار يونا" (على بعد 8 كم شرق ناتانيا) واحتلالها بعد أن اقتحم في طريقه إليها مستعمرة "جويلم". وفي الرابع من يونيه أرسلت القوة العراقية السابقة مفرزة إلى مستعمرة "قاقون" حيث اصطدمت بقوة إسرائيلية كبيرة فدار القتال بينهما حتى عصر 6 يونيه، عندما اضطرت المفرزة العراقية إلى الانسحاب.

وعلى محور "جنين/ زرعين"، دفعت القيادة العراقية برتل آخر وصل إلى "جنين" يوم 27 مايو، وبعد يومين قامت تلك القوة بالإغارة على "زرعين" ثم هاجمت "اللجون" يوم 30 مايو، وعندما فشلت في احتلالها اتخذت تلك القوة أوضاعها الدفاعية على الخط العام "زيوبة/ رمانة" (على خط التقسيم 10 ـ 12 كم جنوب شرق "العفولة").

وعلى الجانب الآخر، حاولت رئاسة الأركان الإسرائيلية تصفية التهديد العراقي في مثلث "جنين/ نابلس/ طولكرم"، لإبعاد الخطر عن "ناتانيا" و"تل أبيب"، فقامت قوات اللواء "جولاني" في البداية بالتمهيد للاستيلاء على "جنين" باحتلال القرى العربية على جانبي طريق "العفولة/ جنين" فضلاً عن القرى العربية على السلسلة الغربية لجبال "جلبوع"، ثم تقدم اللواء "كرملي" نحو "جنين" ليلة 2/ 3 يونيه. وبالرغم من المقاومة العراقية نجحت قوات لواء "كرملي" في احتلال المرتفعات المسيطرة على المدينة من ناحية الجنوب الشرقي والجنوب الغربي إلا أن التعزيزات العراقية غيرت الموقف لصالح القوات المدافعة عن "جنين" وكبدت القوات الإسرائيلية المهاجمة خسائر جسيمة.

وفي الرابع من يونيه شنت القوات العراقية هجوماً مضاداً ناجحاً استعادت به المرتفعات التي نجح الإسرائيليون في احتلالها، وأجبرتهم على الانسحاب من منطقة جنين صباح الخامس من يونيه بعد أن كبدتهم خسائر جسيمة.

4. تطور الموقف على الجبهة الأردنية (اُنظر خريطة دخول الفيلق الأردني القدس) و(خريطة معركة القدس) و(خريطة معركة اللطرون (الهجوم الأول)) و(خريطة معركة اللطرون (الهجوم الثاني))

عندما غادرت القوات البريطانية فلسطين قبل 15 مايو، فإنها سحبت معها قوات الفيلق الأردني التي كانت تتمركز فيها عدا بعض العناصر القليلة التي ظلت ترابط في منطقة حيفاً ورام الله والخليل. وفي صباح 15 مايو، عادت أربعة أفواج (كتائب) من ذلك الفيلق إلى فلسطين عبر جسر "اللنبي" ليتمركز فوجان منها في منطقة "نابلس" والفوجان الأخيران في منطقة "رام الله "، وبعض القوات الأخرى في منطقة "اللد" و"الرملة".

وإزاء ضغط القوات الإسرائيلية في القدس على وحدات جيشي، الجهاد المقدس والإنقاذ، في المدينة، وافق الملك عبدالله على دعم تلك القوات بسرية مشاة من أحد أفواج الاحتياط ثم عاد ووافق تحت إلحاح قيادة القوات العربية في القدس على تعزيز تلك القوات بباقي الكتيبة بالرغم من معارضة الجنرال "جلوب"، الذي كان يرى أن سحب أي قوات من الفيلق الأردني لتعزيز الدفاع عن القدس سيكون على حساب قدرة الفيلق الأردني على الدفاع عن باقي الضفة الغربية للأردن التي كانت مهددة باجتياح القوات الإسرائيلية لها من ناحية ولأن القدس منطقة تخضع لإدارة دولية طبقاً لقرار التقسيم من ناحية أخرى، غير أن ضغط القوات الإسرائيلية للاستيلاء على القدس بأكملها وفشل عقد هدنة بين المتحاربين في المدينة أجبرا الجنرال جلوب في النهاية على سحب ما يقرب من ثلاث كتائب من منطقة "نابلس" و"رام الله" لدعم الدفاع عن "القدس" وإحكام الحصار حولها، مع إحلال القوات العراقية محل قوات الفيلق الأردني على نحو ما سبق.

وقد نجحت القوات العربية في القدس بعد تعزيزها من إحباط عدة محاولات إسرائيلية لاقتحام أسوار القدس القديمة وأجبرت القوة المدافعة عن الحي اليهودي فيها وسكانه على الاستسلام يوم 28 مايو بعد أن كبدتها خسائر فادحة وأسرت 340 من مقاتليها.

وبسيطرة القوات الأردنية على القدس القديمة، شددت تلك القوات ضغطها على القدس الجديدة وفرضت عليها الحصار، وفي الثامن من يونيه كانت المدينة على وشك الاستسلام، إلا أن القيادة الإسرائيلية وعدت قيادة الهجناة في المدينة بقرب انفراج أزمتهم على ضوء المفاوضات التي كانت تُجري مع الوسيط الدولي لوضع الهدنة ـ التي قررها مجلس الأمن يوم 29 مايو ـ موضع التطبيق.

وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الأردنية مشغولة في منطقة "القدس"، على نحو ما سبق قامت إحدى سراياها بالاستيلاء على "بيت لحم"، كما قامت قوات الفوجين الأردنيين الثاني والرابع بتعزيز مواقعها في المنطقة الجبلية المسيطرة على طريق "القدس/ تل أبيب/ اللطرون وباب الواد".

وفي الجنوب قامت بعض القوات الأردنية بعزل مصنع البوتاس الإسرائيلي شمال البحر الميت وأجبر المستوطنين اليهود في المنطقة على الهروب ليلة 19/ 20 مايو عن طريق البحر الميت إلى "سدوم" على الشاطئ الجنوبي لذلك البحر.

أما في الغرب، فقد استولت بعض الوحدات الأردنية يوم 19 مايو على محطة ضخ المياه بالقرب من "بتاح تكفا" ونجحت في اليوم التالي في صد هجوم إسرائيلي مضاد لاسترداد المحطة.

وعلى الجانب الآخر أولت القيادة الإسرائيلية فتح الطريق إلى القدس الجديدة المحاصرة أولوية قصوى، فأوكلت تلك المهمة إلى اللواء المدرع السابع ـ الذي شُكل عشية مرحلة الحرب المعلنة ـ بالتعاون مع لواء "هارئيل" في ممر القدس واللواء "عتصيوني" الذي يدافع عن القدس الجديدة، ولأهمية المهمة دعمت القيادة الإسرائيلية اللواء السابع بكتيبة أخرى من لواء "اسكندروني"، كان عليها الاستيلاء على قرية "اللطرون" ومركز الشرطة في المنطقة، إلا أن الهجوم الأول على "اللطرون" يوم 23 مايو مُني بالفشل وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة.

وبينما كان يجري الهجوم الإسرائيلي السابق في منطقة اللطرون قامت، إحدى السرايا الأردنية يوم 26 مايو بالاستيلاء على تل الرادار شمال طريق القدس ـ الذي يسيطر على مستعمرتي "هاميشاه" و"عنفيم" ـ بعد أن أجبرت القوات الإسرائيلية على الانسحاب من مواقعها الحصينة على ذلك التل. وبذلك أصبحت القوات الأردنية قادرة على غلق طريق القدس تماماً بنيران مدفعيتها.

وبالرغم من خطورة الموقف الإسرائيلي على كافة الجبهات العربية، إلا أن "بن جوريون" أولى فتح طريق القدس أولوية مطلقة حتى لا تسقط المدينة الجديدة التي يسكنها مائة ألف يهودي في أيدي القوات الأردنية، ومن ثم قامت القوات الإسرائيلية بمحاولتين فاشلتين أخريين لفتح طريق "القدس"، الأولى بالهجوم على قوات الفوج الأردني الرابع في منطقتي "اللطرون" و"دير أيوب" ليلة 30/ 31 مايو، والثانية بالهجوم على مواقع القوات الأردنية في "تل يالو" ليلة 8/ 9 مايو.

وهكذا فشلت القوات الإسرائيلية في اقتحام طريق القدس وفتحه لقوافل الإمداد حتى حل موعد سريان الهدنة الأولى صباح 11 يونيه. إلا أن بعض أفراد اللواء "هارئيل" كانوا قد اكتشفوا قبل بضعة أيام من سريان الهدنة ممراً مستوراً (طريق بورما) جنوب طريق القدس الرئيسي بين "دير محيسن" و"باب الواد" يسمح تمهيده بتخطي عقبة "اللطرون". وعلى ذلك بدأ تمهيد هذا الممر ليلاً خلال الأسبوع الأول من يونيه لتجنب اكتشاف العملية والتدخل ضدها بواسطة القوات العربية. وقد سمح تمهيد هذا الممر بإمداد القدس باحتياجاتها الحيوية حتى تم فتح الطريق الرئيسي إلى المدينة المحاصرة خلال فترة القتال الثانية.

5. تطور الموقف على الجبهة المصرية

كانت فكرة العملية الهجومية على الجبهة المصرية تقتضي بالتقدم في محورين:

الأول ويمثل اتجاه الهجوم الرئيسي ويسير بحذاء ساحل البحر متقدماً من "رفح" إلى "غزة" في اتجاه "المجدل" وتعمل عليه القوات المصرية الرئيسية بقيادة "اللواء أحمد على المواوي"، والثاني ويمثل اتجاه التقدم الآخر ويتجه إلى داخل الأراضي الفلسطينية نحو بئر سبع ثم القدس حيث يلتقي بالقوات الأردنية، ويعمل على هذا المحور القوة الخفيفة (قوات المتطوعين) بقيادة "البكباشي أحمد عبدالعزيز".

ولما كانت القوة الخفيفة قد دخلت فلسطين اعتباراً من صباح السادس من مايو، فقد قامت تلك القوة بتمهيد الطريق أمام القوات الرئيسية، فقامت بجمع المعلومات والاشتباك بالنيران مع مستعمرة "كفار داروم"، على الطريق بين خان يونس وغزة يوم 8 مايو، كما قامت باحتلال منطقة العوجة (على الحدود المصرية الفلسطينية). وفي الخامس عشر من مايو احتلت تلك القوة مرتفعات "علي منطار" شرق "غزة" لتأمين تقدم القوات الرئيسية إلى تلك المدينة.

أما القوات الرئيسية فقد تحركت من منطقة تجمعها في العريش إلى رفح صباح 12 مايو وظلت تنتظر فيها حتى تلقت أوامرها يوم 14 بدخول فلسطين، فاجتازت الحدود المصرية في منتصف ليلة 14/ 15 مايو وكان على هذه القوات سرعة التقدم لاحتلال غزة مع تطهير المستعمرات التي تهدد تقدمها، إلا أن المقاومة التي أبدتها تلك المستعمرات دفعت اللواء المواوي إلى الاكتفاء بقصفها جواً والاشتباك معها بنيران القوات البرية وتطويقها وعزلها والتقدم نحو أهدافه المحددة مع اقتحام المستعمرات التي تعترض طريق تقدمه.

وعلى ذلك وصلت القوة المصرية الرئيسية ـ التي تتشكل من مجموعة لواء مشاة ـ إلى مدينة غزة مساء 16 مايو بعد أن اشتبكت إحدى كتائبها بالنيران مع مستعمرة "نيريم" (الدنجور)، وكتيبة أخرى مع مستعمرة "كفار داروم". وفي التاسع عشر من مايو استأنفت القوات المصرية تقدمها شمالاً للهجوم على مستعمرة "يد مردخاي" (دير سنيد) المتحكمة في طريق تقدمها والتي تمثل المركز الرئيسي لتموين مستعمرات النقب، غير أن المستعمرة الحصينة لم تسقط في أيدي القوات المصرية إلا فجر يوم 24 مايو بعد أن تكرر الهجوم عليها أربع مرات أيام 19، 20، 23، و24 مايو.

وفي الوقت الذي كانت فيه الكتيبة الثانية المشاة لا تزال تقاتل للاستيلاء على مستعمرة "يد مردخاي" طلبت رئاسة أركان حرب الجيش المصري من اللواء المواوي الاستيلاء على "المجدل"، فأصدر الأخير أوامر للكتيبة الأولى المشاة صباح يوم 21 مايو بالتقدم على طريق جانبي نحو "المجدل" فوصلتها مساء نفس اليوم دون مقاومة.

وعلى المحور الآخر تقدمت قوات المتطوعين بقيادة "البكباشي أحمد عبدالعزيز" على المحور الداخلي من "غزة" إلى "بئر السبع" يوم 17 مايو فوصلتها بعد ظهر يوم 19 مايو بعد أن قضت على المقاومة الإسرائيلية في "بركة العمارة"، ثم واصلت تلك القوة تقدمها شمالاً فوصلت "الخليل" بعد يومين، ثم "بيت لحم" يوم 22 مايو، حيث حققت الاتصال مع القوات الأردنية واشتركت معها في الهجوم على مستعمرة "رامات راحيل" في اليوم التالي.

وفي الوقت الذي كانت فيه القوة الخفيفة تتقدم نحو "بئر السبع" دفع اللواء المواوي قوة صغيرة تسلمت "العوجة" من قوات المتطوعين وتقدمت شمالاً نحو "العسلوج" وتركت فيها بعض عناصرها، ثم تقدمت نحو "بئر السبع" فاحتلتها بعد أن تقدمت القوة الخفيفة شمالاً نحو الخليل.

ونتيجة لطول خطوط المواصلات المصرية بعد تقدمها السابق، واضطرار "اللواء المواوي" إلى ترك جزء من قواته لتأمين هذه الخطوط فقد طالب بدعم قواته حتى يتمكن من تنفيذ المهام المكلف بها.

وإزاء رصد تجمعات إسرائيلية في منطقة "عراق سويدان" خلال الأيام السابقة طلبت هيئة العمليات الحربية في القاهرة من "اللواء المواوي" يوم 21 مايو العمل على تأمين الجانب الأيمن لقواته بين "غزة" و"دير سنيد". إلا أن التوجيهات السياسية التي كانت تملي على القائد المصري مباشرة وتطالبه بسرعة التقدم شمالاً لم تسمح له بتنفيذ ما طلبته هيئة العمليات الحربية في ذلك الوقت.

ومع توالي وصول قوات إضافية إلى الجبهة المصرية، دفع "اللواء المواوي" بعض قواته للاستيلاء على بلدة "عراق سويدان"، فدخلتها تلك القوات صباح يوم 24 مايو. ولما كانت القوة المصرية الخفيفة تسيطر على أحد الطريقين الرئيسيين الوحيدين لإمداد المستعمرات الإسرائيلية بالنقب بعد احتلالها لبئر السبع، فإن احتلال عراق سويدان، مكن تلك القوات من السيطرة على الطريق الرئيسي الثاني لإمداد تلك المستعمرات، وبذلك نجحت القوات المصرية في أولى خطواتها لعزل تلك المستعمرات، ودعمت الدوريات المصرية هذه الخطوات بتكرار نسف خط الأنابيب الذي يزود تلك المستعمرات بالمياه.

وعلى ضوء طلب القيادة الأردنية يوم 27 مايو سرعة تقدم القوات المصرية لتخفيف الضغط على قواتها في منطقة "اللطرون" (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (28 مايو 1948))، تحدد الخط العام "أسدود/ قسطينة" كمهمة جديدة لتقدم القوات المصرية. وفي الساعة الثالثة فجر يوم 29 مايو تلقت قيادة مجموعة اللواء الثاني المشاة ـ التي تم تجميعها من الكتائب الأولى والثانية والتاسعة المشاة ـ أمراً إنذارياً بالاستعداد للتحرك إلى "أسدود" مع بقاء الكتيبة الأولى في "المجدل" لتأمينها. كما نص نفس الأمر الإنذاري على بقاء الكتيبة السادسة المشاة في "غزة" مع تحرك الكتيبة السابعة المشاة ـ التي وصلت حديثاً من القاهرة إلى منطقة "دير سنيد" لتأمينها.

ووصلت القوة المصرية إلى "أسدود" في نفس اليوم دون مقاومة تذكر، فاحتلت الكتيبة الثانية مواقعها الدفاعية على مسافة اثنين كم شمال البلدة، بينما تجمعت الكتيبة التاسعة في "أسدود" نفسها.

ولتأمين القوات السابقة ضد أية أعمال قتالية معادية من المستعمرات الإسرائيلية القريبة، قامت القوة الجوية والمدفعية التي تدعم قوة "أسدود" بقصف تلك المستعمرات يومي 29, 30 مايو، غير أن ذلك القصف لم يمنع القوات الإسرائيلية من القيام بهجومين مضادين على القوات المصرية في "أسدود"، الأول يوم 30 مايو والثاني في أول يونية، إلا أن القوات الإسرائيلية رُدت على أعقابها بعد تكبدها خسائر فادحة، وعندما كررت القوات الإسرائيلية الهجوم المضاد بما يقرب من خمس كتائب ليلة 2/3 يونيه، لم يكن حظ تلك القوات المهاجمة بأفضل من سابقتها.

وباحتلال "أسدود" كان على القوات المصرية التركيز على تأمين أجنابها وخطوط مواصلاتها ـ التي طالت ـ بتطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها.

ولما كانت مستعمرة "نجبا" ـ الواقعة شرق "المجدل" بنحو ثمانية كيلو متر شمال طريق "المجدل/ بيت جبرين /القدس" ـ تهدد التحركات بين "المجدل" و"أسدود" من ناحية، وبين "المجدل" و"بيت جبرين" من ناحية أخرى، فضلاً عن تهديد "المجدل" نفسها، فقد أصدر "اللواء المواوي" أوامره إلى قائد الكتيبة الأولى المشاة بالاستيلاء على تلك المستعمرة بالتعاون مع كتيبة دبابات خفيفة وبعض عناصر الدعم الأخرى، إلا أن هجوم القوة المصرية على "نجبا" في الأول من يونيه تعثر، واضطُرت القوة إلى الانسحاب عصر نفس اليوم بعد أن حشد الإسرائيليون على جانبها الأيمن قوة متفوقة للقيام بهجوم مضاد، وبدأت قواتهم في صب نيرانها الكثيفة على القوة المصرية.

وقبل أن يتم "اللواء المواوي" تطهير المستعمرات التي تهدد خطوط مواصلاته، أصدرت رئاسة أركان حرب الجيش توجيهاتها إليه يوم 2 يونيه باحتلال خط "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين"، بالإضافة إلى خط "أسدود/ قسطينة"، على أن يتم احتلال الخطين أو أحدهما على الأقل قبل ظهر الثالث من يونيه، بهدف استكمال عزل مستعمرات النقب لإجبارها على التسليم بعد وقف الإمدادات إليها. (اُنظر ملحق مذكرة اللواء موسى لطفي إلى رئيس أركان الجيش (2 يونيه 1948)).

وعلى ذلك تقدمت الكتيبة الأولى المشاة شرقاً يوم 2 يونيه ـ بعد تخلصها من معركة "نجبا" ـ لاحتلال "الفالوجا" ثم "بيت جبرين" (على مسافة نحو 35 كم جنوب شرق المجدل) في نفس اليوم، ثم دفع قائد الكتيبة ببعض قواته لاحتلال "دير النحاس" والتقدم نحو الخليل لتعزيز الاتصال مع القوة الخفيفة التي كانت قد سبقتها إليها.

إلا أن وجود القوات المصرية في الخليل وبيت جبرين أثار حساسية شديدة لدى الملك عبدالله، خاصة بعد أن نُصب "البكباشي أحمد عبدالعزيز" حاكماً عسكرياً على الخليل. ولما كانت القيادة الأردنية تمهد لضم الضفة الغربية لشرق الأردن فقد طلبت من الحكومة المصرية أن يكون الحكم الإداري في بلدان الضفة الغربية التي تحتلها القوات المصرية حكماً أردنياً، إلا أن الأخيرة أصرت على وجود حاكم عسكري مصري في المناطق التي تحتلها القوات المصرية إلى جانب الحاكم الإداري الأردني في الخليل وبيت لحم وبيت جبرين. (اُنظر ملحق خطاب اللواء سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (3 يونيه 1948))

وباستكمال عزل المستعمرات الإسرائيلية في النقب باحتلال الخط العرضي "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين"، وتحقيق الاتصال مع القوات المصرية في الخليل، اتجهت القيادة المصرية في الجبهة إلى استئناف تطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها، ولما كانت مستعمرة "نتسانيم" الحصينة تمثل تهديداً كبيراً لطرق المواصلات المصرية بين "أسدود" و"المجدل" ـ خاصة بعد محاولة القوات الإسرائيلية المتكررة عزل "أسدود" وحصارها ـ فقد قررت قيادة القوات المصرية في الجبهة الاستيلاء على تلك المستعمرة قبل سريان الهدنة التي كان يجري التفاوض بشأن تحديد بدء موعدها.

وبعد تمهيد جوي ومدفعي بدأت الكتيبة التاسعة المشاة وعناصر دعمها هجومها الناجح على "نيتسانيم" صباح السابع من يونيه. وقبل أن يأتي المساء كانت القوة المصرية المهاجمة قد استولت على المستعمرة بعد أن أتمت حصارها وكبدت القوة الإسرائيلية المدافعة خسائر جسيمة وأسرت 120 من أفرادها.

وخلال ليلة 9/10 يونيه قامت القوات الإسرائيلية بهجوم مضاد لاسترداد مستعمرة "نيتسانيم" قبل سريان الهدنة، مهدت له باحتلال التل 69 (المعروف بتبة الفناطيس) لقطع الطريق بين "المجدل" و"أسدود"، وشن هجوم تضليلي على "أسدود" لتحويل الأنظار عن "نيتسانيم" في نفس الليلة، غير أن القوات المصرية نجحت في إحباط كلا الهجومين على "أسدود" و"نيتسانيم" وكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة، كما استردت التل 69 مساء يوم 10 يونيه بعد أن أجبرت المدافعين عنه على التسليم.

وقبل أن يحتل المراقبون الدوليون أوضاعهم على خطوط القتال طبقاً لاحكام الهدنة الأولى التي تقرر سريانها اعتباراً من الساعة 600 بتوقيت "جرينتش" (800 بتوقيت القاهرة) يوم 11 يونيه، حرصت القوات الإسرائيلية على تحسين أوضاعها الميدانية تميهداً لاستئناف القتال بعد انتهاء الهدنة فاحتلت بعض وحدات اللواء "جعفاني" "حاتسور" شرق أسدود "وجولس" ومفترق الطرق بالقرب من الأخيرة شمال شرق المجدل، كما احتلت بعض قوات لواء "النقب" "العسلوج" على طريق "بئر السبع/ العوجة" وقامت بمحاولة فاشلة لاحتلال "عراق سويدان" وفي مواجهة المحور الشرقي الذي تحتله القوات المصرية والممتد من المجدل حتى الخليل شرقاً جهزت رئاسة الأركان الإسرائيلية خطاً دفاعياً يمتد على طول هذه المواجهة. وبنهاية فترة القتال الأولى كانت الجبهة المصرية قد امتدت شمالاً على طول المحور الساحلي حتى شمال "أسدود" بطول 80 كيلو متر، كما امتدت شرقاً بطول المحور العرضي حتى الخليل بما يقرب من 40 كم، كما احتلت القوة الخفيفة محور "العوجة/ بئر السبع/ الخليل/ بيت لحم".

ومن ناحية القوة القتالية تزايد حجم القوات المصرية تدريجياً خلال فترة القتال الأولى ليصبح تشكيلها يوم 12 يونيه كما يلي:

أ. القيادة العامة في المجدل وعلى رأسها اللواء احمد محمد على المواوي.

ب. القوات بالجبهة

(1) اللواء الثاني المشاة: بقيادة الأميرالاي (العميد) محمود فهمي نعمة الله ومركز قيادته في "أسدود"، وتتشكل قواته الرئيسية من كتائب المشاة الرابعة والسادسة والسابعة بالإضافة إلى سرية سعودية وأخرى سودانية، والأسلحة المعاونة. وتمتد منطقة مسؤوليته على طول المحور الساحلي من شمال "المجدل" حتى شمال "أسدود".

(2) اللواء الرابع المشاة: بقيادة الأميرالاي محمد نجيب، ومركز قيادته في المجدل، وتتشكل قواته الرئيسية من كتائب المشاة الأولى والثانية والتاسعة وبعض قوات المتطوعين، وسرية سعودية والأسلحة المعاونة. وتمتد منطقة مسؤوليته على طول المحور العرضي من "المجدل" حتى "بيت جبرين" شرقاً.

(3) منطقة خطوط المواصلات: بقيادة الأميرالاي محمد فوزي، ومركز قيادته في "غزة"، وتتشكل قواته الرئيسية من كتيبة المشاة الثالثة والكتيبة السعودية عدا سريتين، بالإضافة إلى قوات المتطوعين الليبيين.

(4) منطقة القاعدة: بقيادة القائمقام (العقيد) السيد سيد محمد، ومركز قيادته في العريش وتتشكل قواتها من الكتيبة الأولى احتياط وبعض قوات المتطوعين والأسلحة المعاونة.

(5) القوة الخفيفة: بقيادة البكباشي (المقدم) احمد عبدالعزيز، ومركز قيادته في بيت لحم، وتتشكل قواته مما يوازي نحو كتيبة مشاة من المتطوعين وبعض عناصر من الجيش المصري، وتمتد منطقة مسؤوليته بطول المحور الداخلي من "بيت لحم" شمالاً حتى مثلث "العوجة" جنوباً في شكل نقاط تأمين.


 



[1] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى ـ استناداً إلى وثائق الخارجية البريطانية ـ أن "بيفن" كان يفكر، آنذاك، في عدة بدائل منها، تخلي الدول العربية عن قيام دولة عربية في فلسطين وضم أراضيها إلى كل من مصر وشرق الأردن، فتأخذ مصر شريط غزة الساحلي بينما تأخذ شرق الأردن القسم الأوسط (الضفة الغربية للأردن) مع تقسيم النقب فيما بينهما. وكان ذلك الحل سيوفر لبريطانيا منطقة واسعة من الأراضي العربية الحليفة التي تسمح بإقامة التسهيلات الإستراتيجية البريطانية، حيث كان يعتقد أن دولة عربية مستقلة في فلسطين ستكون من الصغر والضعف بحيث لا يمكنها الوقوف على قدميها، وقد تنهار في مواجهة الضغط والتغلغل الصهيوني.

[2] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت حظراً على تصدير الأسلحة إلى منطقة القتال قبل بدء الحرب المعلنة، كما حظرت بريطانيا تصدير أي أسلحة إلى الدول العربية وإسرائيل، باستثناء بعض الأسلحة السابق التعاقد عليها عام 1947 لمصر والأردن والعراق. إلا أن بريطانيا عادت وفرضت حظراً شاملاً على تصدير الأسلحة لتلك الدول تطبيقاً لقرار مجلس الأمن في التاسع والعشرين من مايو.

[3] يتعلق الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة بأعمال العدوان والأعمال التي تهدد أو تنتهك السلام.

[4] حاولت بريطانيا إقناع العرب بأن عامل الوقت ليس في صالحهم بعد أن كادت قواتهم أن تتوقف. فمع مرور الوقت سيتمكن اليهود من زيادة قوتهم وخاصة القوة الجوية، وأنهم يعدون العدة للقيام بهجوم مضاد كبير. كما أشار "بيفن" إلى أن استمرار القتال سيؤدي إلى تدهور أوضاعهم العسكرية وخسارتهم لقسط كبير من المساندة الدولية، وسيجعل بريطانيا عاجزة عن بذل مزيد من الجهد لصالحهم. ولما كان العرب قد سيطروا فعلاً على معظم القسم العربي من مشروع التقسيم، ويشكلون ضغطاً على القوات الإسرائيلية وخاصة في منطقتي القدس والنقب، في الوقت الذي وصلوا فيه إلى أقصى طاقاتهم آنذاك، فقد رأى "بيفن" أن الوقت ملائم – قبل أن يتبدل ميزان القوى – لقبول كل من الطرفين تقديم تنازلات سياسية، باعتبار أن ذلك أفضل من مخاطرة حسم النزاع بالقوة المسلحة.

[5] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم إلى رضا بريطانيا عن مقترحات "برنادوت" لأنها تخدم الاتفاق بين إسرائيل وشرق الأردن وتوفر الاتصال بين مصر والمشرق العربي عبر النقب بما يخدم المصالح الغربية النفطية، إلا أنها كانت ترى تقسيم النقب بين مصر وشرق الأردن وتدويل القدس.

[6] توضح المذكرة التي قدمها الجنرال "جلوب" بمطالبة من الجيش المصري والعراقي يوم 27 مايو المرفقة في الملحق إظهار عجز هذين الجيشين على مساعدة الجيش الأردني، حتى يبرر عدم قدرة الجيش الأخير على الهجوم الذي طالبت به اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، لأن ذلك الهجوم يتعارض مع ما تم الاتفاق عليه بين الحكومتين الأردنية والبريطانية من عدم تجاوز الجيوش العربية للمنطقة العربية في قرار التقسيم.