إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

5. المعارك على الجبهة المصرية (اُنظر خريطة تقدم القوات المصرية في فلسطين)

أ. تأمين التقدم إلى "غزة"

لما كانت القيادة الإسرائيلية قد قدرت مبكراً احتمال تدخل الجيش المصري في فلسطين ـ قبل أن تقرر الحكومة المصرية فعلاً هذا التدخل ـ فقد عمدت إلى غلق محاور التقدم في وجه ذلك الهجوم بنشر قواتها في الجبهة الجنوبية بما يكفل لها السيطرة على المرتفعات التي تتحكم في محاور التقدم المنتظرة للقوات المصرية، فاحتل لواء "النقب" بقيادة الكولونيل "ناحوم سريج" مواقعه جنوب خط "المجدل/ بيت جبرين" بينما احتل لواء "جفعاني" بقيادة الكولونيل "شمعون أفيدان" مواقعه شمال ذلك الخط.

وبهذه الأوضاع اتخذت القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية شكل الدفاع مع تركيز الجهود الرئيسية في العمق، حيث وقع على عاتق المستعمرات ـ التي سبق انتخابها في مواقع تسيطر على ما حولها ـ مهمة عرقلة الهجوم المصري وتهديد أجناب قواته وخطوط مواصلاتها، في الوقت الذي تتأهب فيه الألوية الإسرائيلية في الخلف لشن هجماتها المضادة بعد أن يفقد الهجوم المصري اندفاعه وتطول خطوط مواصلاته.

أما على الجانب المصري فقد كانت خطة اللواء المواوي قائد قوات التدخل المصرية تقضي بسرعة التقدم إلى "غزة" قبل أن تحتلها القوات الإسرائيلية، مع تطهير المستعمرات المعادية على طريق تقدم قواته. وعلى ذلك كان على الكتيبة السادسة بقيادة القائمقام (العقيد) جاد سالم الهجوم على مستعمرة "نيريم" (الدنجور) لتأمين الجانب الأيمن لتقوم القوة المصرية الرئيسية في الوقت الذي تتقدم فيه الكتيبة الأولى المشاة بقيادة القائمقام السيد طه ومعها باقي قوات التدخل المصري إلى غزة تحت ستر كتيبة استطلاع الألاي الأول سيارات مدرعة.

وقد تلخصت خطة الهجوم على مستعمرة "نيريم" ـ التي تقع على ربوة عالية جنوب الطريق الساحلي وجنوب شرق خان يونس بنحو اثني عشر كم ـ في قصف المستعمرة بنيران المدفعية والهاون تمهيداً للهجوم عليها بواسطة سريتي مشاة من الكتيبة السادسة في الوقت الذي تبقى فيه السريتان الأخريان في الاحتياط.

وفي الساعة السابعة والنصف يوم 15 مايو فتحت المدفعية المعاونة للكتيبة السادسة نيرانها على مستعمرة "نيريم" فأشعلت فيها النيران. وتحت ستر القصف المدفعي تقدمت سريتا المشاة دون مقاومة حتى وصلتا إلى أسوار السلك الشائك حول المستعمرة فتوقفت نيران المدفعية، وبدأت سريتا المشاة عملية الاقتحام فجوبهت بنيران كثيفة من القوة المدافعة عن المستعمرة وسكانها الذين حبسوا نيرانهم حتى وصلت المشاة المصرية عديمة الخبرة إلى مسافة 150 متراً من مواقعهم المحصنة داخل المستعمرة، فأوقف الهجوم وارتدت المشاة، بينما عادت المدفعية لقصف المستعمرة، فانفجر مخزن الوقود والذخيرة، غير أن سريتي المشاة عجزتا عن إتمام عملية الاقتحام حتى حل الغروب.

ولما كانت سرايا الكتيبة غير مدربة على القتال الليلي فقد أمر قائد الكتيبة بعمل ستارة دخان لستر انسحاب السريتين وإخلاء القتلى والجرحى إلى المواقع الخلفية، بينما بقيت سريتان وبطارية مدفعية لحصار المستعمرة وإزعاجها لحين تكرار الهجوم في صباح اليوم التالي، إلا أنه صُرف النظر عن تكرار الهجوم على "نيريم" اكتفاءاً بحصارها حتى لا يتعطل تقدم الكتيبة إلى "غزة".

وفي الوقت الذي كان يجري فيه القتال في مستعمرة "نيريم" تقدمت القوة الساترة للقوات الرئيسية على الطريق الساحلي إلى غزة فدخلتها الساعة 1900 مساء 15 مايو. أما الكتيبة الأولى وباقي القوات المصرية فقد تحركت صباح السادس عشر من مايو في طريقها إلى غزة مروراً بخان يونس التي يسيطر عليها المتطوعون العرب.

ولما كانت مستعمرة "كفار دوروم" تقع على جانب طريق تقدم القوات المصرية إلى غزة في مواجهة بلدة دير البلح، فقد كان على الكتيبة الأولى المشاة إسكات المستعمرة ومواصلة تقدمها إلى "غزة"، وعلى ذلك كُلفت بطارية المدفعية المصاحبة للكتيبة الأولى المشاة بقصفها كما كلفت قوة من المتطوعين الذين سبقوا إلى المنطقة بحصارها.

وفي الوقت الذي استمر فيه قصف المدفعية لمستعمرة "كفار دوروم" بشكل متقطع من الساعة 1030 صباح 16 مايو حتى الساعة 1715 من نفس اليوم، كانت الكتيبة الأولى المشاة وباقي القوة الرئيسية تتقدم إلى غزة دون مقاومة لتصلها مساء نفس اليوم، وتتخذ مواقعها خارج المدينة.

ب. معركة "يد مردخاي" (دير سنيد) (اُنظر خريطة معركة يد مردخاي)

بينما كانت القوات المصرية تستطلع المستعمرات الإسرائيلية شمال وشرق "غزة" تلقى اللواء المواوي في الثامن عشر من مايو توجيهات رئاسة أركان حرب الجيش بالتقدم شمالاً للاستيلاء على "المجدل". وحتى تصل القوات المصرية إلى هدفها الجديد كان عليها أولاً تأمين قريتي "بيت حانون" و"بيت لاهيا" والاستيلاء على مستعمرة "يد مردخاي" الحصينة، التي تقع في طريق تقدمها إلى "المجدل".

وقد جرى تحصين المستعمرة الأخيرة ـ التي تم إنشاؤها على أرض قريتي "هربيا" و"دير سنيد" العربيتين عام 1943 ـ لأهميتها بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، فهي ـ فضلاً عن كونها مركزاً رئيسياً لإمداد مستعمرات النقب ـ تعد شوكة في جنب أية قوات تتقدم شمالاً على الطريق الساحلي لموقعها المتميز الذي يسيطر على ذلك الطريق.

ووقع على عاتق الكتيبة الأولى المشاة وعناصر دعمها من المدفعية القيام بالمهمة الجديدة بالتعاون مع القوة الجوية في الوقت الذي اُستبقيت فيه كتيبة المشاة الثانية ـ التي وصلت حديثاً إلى الميدان ـ في الاحتياط. وفي الساعة السادسة صباح يوم 19 مايو تحركت الكتيبة الأولى من غزة إلى أولى أهدافها، فقامت بتأمين "بيت حانون" و"بيت لاهيا" قبل ظهر ذلك اليوم، ثم تقدمت إلى هدفها التالي.

وبوصول الكتيبة الأولى وعناصر دعمها من المدفعية إلى "يد مردخاي"، واتخاذها أوضاعها الهجومية، بدأت أولى المعارك الرئيسية بين القوات المصرية والإسرائيلية، حيث كان يدافع عن المستعمرة 113 فرداً من سكانها الثلاثمائة، الذين سبق لبعضهم القتال في الحرب العالمية الثانية، يدعمهم فصيلتان من لواء "النقب"، واحتل الجميع مواقع خرسانية محصنة لا يظهر منها فوق سطح الأرض سوى أسقفها الخرسانية وفتحات إطلاق النار.

وعلاوة على هذه التحصينات كان بالمستعمرة ثمانية أبراج للمراقبة وشبكة متداخلة من خنادق الدفاع والمواصلات، فضلاً عن عدد كاف من الملاجئ والمخازن المحصنة ونطاقين من الأسلاك الشائكة يحيطان بالمستعمرة التي تبلغ مساحتها نحو مائة دونم.

وبالرغم من قصف المستعمرة جواً خلال اليوم السابق، فقد بدا لقائد الكتيبة الأولى أن دفاعاتها لا زالت قوية. ومن ثم بدأت بطاريتا المدفعية المصاحبة للكتيبة قصف المستعمرة الساعة 1200 تمهيداً لهجوم سرايا المشاة التي بدأت تتقدم تحت ستر نيران المدفعية. وبالرغم من نجاح السرية الأولى في احتلال الموقع الخارجي المحصن على التل جنوب المستعمرة، فلم تتمكن باقي سرايا المشاة من استغلال ذلك النجاح واقتحام المستعمرة نتيجة لنيران المدافعين الكثيفة التي انهمرت عليها من مواقعهم الأمامية المحصنة، ومع تزايد خسائر سرايا المشاة التي أحبط هجومها تقرر سحبها إلى المواقع الخلفية مع بقاء السرية الأولى في الموقع الذي نجحت في احتلاله جنوب المستعمرة، ومعاودة الهجوم بقوات الكتيبة الثانية المشاة في اليوم التالي.

وكانت خطة القائمقام عبدالقادر عبدالرؤوف قائد الكتيبة الجديدة، تقضى بتقدم أولى سرايا المشاة لاستبدال سرية الكتيبة الأولى التي تتشبث بالموقع الذي نجحت في احتلاله جنوب المستعمرة، بينما تتقدم سريته الثانية للاستيلاء على الموقعين المحصنين في الطرف الجنوبي الغربي للمستعمرة، في الوقت الذي تتحرك فيه السرية الثالثة خلف الأخيرة مع الاستعداد لاستغلال نجاحها من أجل تطهير المستعمرة وتعزيز الدفاع عنها. أما السرية الرابعة فقد أبقاها قائد الكتيبة كاحتياطي للسرية الثالثة.

وعندما بدأ هجوم الكتيبة الثانية ظهر يوم 20مايو دون تدريب يُذكر ودون أن يُتح لقادة سراياها الوقت لإجراء الاستطلاع الضروري، كان "ناحوم ساريج" قائد لواء "النقب" قد عزز القوة المدافعة عن المستعمرة بعناصر إضافية من قواته التي كانت تتمركز حول مستعمرة "نير عام" المجاورة، وعلى ذلك واجهت الكتيبة الثانية مقاومة شديدة لا تقل عما لاقته الكتيبة الأولى من قبل.

فحينما بدأت قوات الكتيبة الثانية الهجوم الساعة 1200 بعد تمهيد بالمدفعية لمدة عشر دقائق، احتلت السرية الأولى الموقع الخارجي المحصن محل سرية الكتيبة الأولى التي تم سحبها إلى الخلف، بينما تقدمت السرية الثانية خلف جماعات المهندسين التي كان عليها فتح الثغرات في حقول الألغام ونطاقي السلك الشائك المحيط بالمستعمرة، في الوقت الذي قامت فيه المدفعية بعمل ستارة دخان لستر ذلك التقدم عن مواقع المدافعين الذين حبسوا نيرانهم حتى وصلت السرية وجماعات المهندسين إلى مسافة مائة متر من مواقعهم فانهالت عليهم النيران من كل جانب، فسقط 16 شهيداً كان أغلبهم من جماعات المهندسين، إلا أن السرية استمرت في زحفها حتى صارت على مسافة 75 متراً من أهدافها، فوقعت تحت نيران جانبية مهلكة أحبطت تقدمها تماماً. ومن ثم انتهى الهجوم الثاني على "يدمردخاي" بالفشل بعد أن استُشهد فيه 29 فرداً وجُرح 46 آخرون في مقابل 16 قتيلاً و20 جريحاً من القوات الإسرائيلية.

وفي الوقت الذي كانت فيه الكتيبة الثانية لا تزال متعثرة أمام مستعمرة "يد مردخاي" يوم 20 مايو طالبت رئاسة أركان حرب الجيش اللواء المواوي مرة أخرى بسرعة التقدم شمالاً والاستيلاء على المجدل في نفس اليوم، ولما كان ذلك يصعب تحقيقه في ذلك اليوم، قرر اللواء المواوي دفع الكتيبة الأولى على طريق جانبي للاستيلاء على المجدل في اليوم التالي، مع تأمين تقدمها بأعمال القصف الجوي والمدفعي، وعلى ذلك استمرت المدفعية تقصف "يد مردخاي" بشكل متقطع طوال النهار في الوقت الذي قامت فيه ثلاث طائرات بقصفها جواً بعد ظهر نفس اليوم، وفي المساء وصلت الكتيبة الأولى إلى المجدل دون مقاومة.

ولتدارك أخطاء الهجوم السابق على "يد مردخاي" كُلفت نفس الكتيبة بإجراء استطلاع جيد للمستعمرة خلال الفترة من 21 إلى 23 مايو توطئة للهجوم عليها للمرة الثالثة، وعُززت الكتيبة ببعض المدرعات ودبابة إسرائيلية تم أسرها لحماية المشاة والمهندسين أثناء فتح الثغرات في حقول الألغام والأسلاك الشائكة، كما أُعيد توزيع المدافع المضادة للدبابات في أماكن جديدة تسمح لها بتدمير الأوكار الخرسانية المحصنة (الدشم) المزودة بالرشاشات الثقيلة والأسلحة المضادة للدبابات.

وقبل أن يبدأ الهجوم الثالث على المستعمرة الحصينة مساء 23 مايو أجرى قائد الكتيبة الثانية تعديلا على تشكيل المعركة، فقام بإحلال السرية الثالثة مكان السرية الأولى في الموقع المحصن الخارجي جنوب المستعمرة، وجعل من الأخيرة رأس الحربة في الهجوم الجديد، مع إبقاء السرية الرابعة احتياط لها.

وعندما بدأ الهجوم الجديد الساعة 1745 بعد تمهيد نيراني بالمدفعية تقدمت السرية الأولى خلف الدبابة والعربات المدرعة، وتمكنت إحدى فصائلها الأمامية من احتلال الموقع الحصين المخصص لها بعد فتح ثغرة في حقل الألغام والأسلاك الشائكة.

وبالرغم من أن قائد الفصيلة أعطى إشارة النجاح بوضوح إلا أن قائد السرية تأخر في دفع الفصيلتين الأخريين إلى المواقع المخصصة لها، مما أوقع فصيلة المقدمة في مأزق واضُطر قائد الكتيبة إلى سحبها بعد أن نفدت ذخيرتها. وإزاء ذلك الفشل صمم قائد الكتيبة على الاستيلاء على المستعمرة مهما بلغت الخسائر، وتدخل بنفسه في تخطيط أدق تفاصيل الهجوم الجديد الذي أصر على أن يشنه ليلاً بكل قوات الكتيبة، وحدد له الساعة 300 يوم 24 مايو.

وفي الموعد المحدد للهجوم تقدمت قوات الكتيبة تحت ستر نيران المدفعية والمدرعات من اتجاه الجنوب الشرقي والجنوب الغربي وقامت بفتح الثغرات في نطاقات الموانع حول المواقع الدفاعية المحصنة تحت وابل من نيران الأسلحة الصغيرة التي كان يطلقها الإسرائيليون، وبالانتهاء من تلك المهمة بدأت عملية اقتحام المستعمرة، وقبل أن ينتهي فجر الرابع والعشرين من مايو كانت المستعمرة قد سقطت في أيدي الكتيبة الثانية بعد قتال عنيف بكافة أنواع الأسلحة، انسحبت على أثره القوة الإسرائيلية المتبقية (180 فرداً منهم 40 جريحاً) مخلفة ورائها ستاً وعشرين قتيلاً، وبسقوط "يد مردخاي" انفتح الطريق الرئيسي لتقدم القوات المصرية نحو الشمال والشرق.

ج. معركة "أسدود" (اُنظر خريطة معركة أسدود)

على ضوء ضغط القوات الإسرائيلية على منطقة "اللطرون" خلال الأسبوع الأخير من مايو لفتح طريق القدس وطلب القيادة الأردنية سرعة تقدم القوات المصرية لتخفيف الضغط على قواتها في "اللطرون"، حددت رئاسة أركان الجيش المصري للواء المواوي الخط العام "أسدود قسطينة" كمهمة جديدة لتقدم قواته بعد أن تم تدعيمها[6].

فأسند اللواء المواوي المهمة الجديدة إلى الأميرالاي محمد نجيب قائد مجموعة اللواء الثاني بالإنابة[7] ـ التي شُكلت بعد وصول قوات الدعم من الكتائب الأولى والثانية والتاسعة المشاة ـ على أن يُبقى الكتيبة الأولى في المجدل لتأمينها.

وبدأت مجموعة اللواء الثاني تحركها إلى "أسدود" في الساعة التاسعة من صباح 29 مايو تحت ستر كتيبة استطلاع الألاي الثاني سيارات مدرعة، وبعد ساعتين وصلت طلائع القوة الساترة إلى "أسدود"، فاحتلت على الفور مواقع دفاعية شمال البلدة بنحو ثلاثة كيلومتر، حيث انضمت إليها قوة المقدمة الساعة 1300، أما القوة الرئيسية فقد وقعت أثناء تقدمها بمحاذاة مستعمرة "نيتسانيم" تحت نيران قوة إسرائيلية كانت تنتشر في معسكر أخلاه الجيش البريطاني غرب الطريق، فتوقفت القوة حتى تم تأمين تقدمها بواسطة بعض العربات المدرعة، ثم عاودت التحرك حتى وصلت أسدود في الساعة 1600 من نفس اليوم دون مقاومة، وبدأت الكتيبة الثانية في اتخاذ أوضاعها الدفاعية على مسافة اثنين كيلومتر شمال البلدة، بينما تجمعت الكتيبة التاسعة داخل "أسدود" نفسها.

وعلى الجانب الآخر تلقى الكولونيل "شيمون أفيدان" قائد لواء "جعفاني" أنباء تقدم القوات المصرية نحو الشمال ظهر يوم 29 مايو من نقطة المراقبة في مستعمرة "نيتسانيم". وبالرغم من عدم وضوح هدف التحرك المصري بالنسبة للقائد الإسرائيلي فقد وجد أنه من الضروري عرقلة تقدم تلك القوات لحين تجميع القوة اللازمة لإيقافها وشن الهجوم المضاد عليها.

ومن ثم أمر "أفيدان" إحدى جماعات المهندسين التابعين له بنسف الجسر الذي يمر عليه الطريق الرئيسي شمال "أسدود" بنحو ثلاثة كيلومتر، كما طلب من رئاسة الأركان الإسرائيلية أن تقوم القوة الجوية بعرقلة تقدم القوات المصرية حتى يتوفر له الوقت لشن الهجوم المضاد عليها، وبالفعل قامت أول أربع طائرات قتال تم تجميعها من نوع "مسر شميث" بالهجوم على القوات المصرية شمال أسدود قبل أن تتخذ تلك القوات أوضاعها الدفاعية، غير أن المدفعية المضادة للطائرات المصاحبة لتلك القوات أسقطت إحدى الطائرات الإسرائيلية وأصابت واحدة أخرى.

ولتأمين القوات المصرية في منطقة "أسدود" قامت القوة الجوية والمدفعية المصرية مساء 29 وصباح 30 مايو بقصف المستعمرات الإسرائيلية القريبة في الوقت الذي قامت قوات الكتيبة الثانية بتعزيز الخطوط المكتسبة شمال "أسدود".

وعلى الجانب الإسرائيلي شنت بعض وحدات اللواء "جعفاني" هجومين فاشلين على مواقع القوات المصرية حول أسدود، الأول في الثلاثين من مايو والثاني في أول يونيه، تكبدت خلالهما القوات المهاجمة خسائر جسيمة.

ومن ثم قررت رئاسة الأركان الإسرائيلية توجيه ضربة قوية إلى القوات المصرية في "أسدود" لعزل تلك القوات والاتصال بمستعمرة " نيتسانيم"، وحشدت لذلك الغرض نحو أربع كتائب من لواء "جعفاني" ودعمتها بالكتيبة السابعة من لواء النقب، وحُدد موعد الهجوم في البداية ليلة 1/2 يونيه، غير أنه أُجل لليلة التالية، وتلخصت فكرة الهجوم الإسرائيلي المضاد في مشاغلة القوات المصرية حول "أسدود" من ناحية الشرق، في الوقت الذي تهاجم فيه القوة الرئيسية من لواء "جعفاني" المواقع المصرية من ناحية الشمال والشمال الغربي، بينما تتقدم قوة من لواء النقب عبر التبة (التل) رقم 69 للهجوم على المواقع المصرية جنوب أسدود.

وعندما بدأت قوة الهجوم الرئيسية تقدمها ليلة 2/3 يونيه، فإنها جُوبهت وهي لا تزال في مرحلة الاقتراب بنيران كثيفة من القوات المصرية أنزلت بها خسائر كبيرة، إلا أن القوة الإسرائيلية تابعت التقدم والهجوم من ناحية الشمال، غير أن القوات المدافعة نجحت في صدها وتكبيدها خسائر جسيمة، وعندما بدأت تلك القوة انسحابها مع طلوع النهار وقعت في مصيدة النيران المصرية التي زادت من خسائرها.

ولم يكن حظ كتيبة لواء "النقب" بأفضل من سابقتها، فقد تعثرت تلك القوة في رحلة اقترابها عبر الرمال وبدأت هجومها على المواقع المصرية جنوب أسدود متأخرة عن موعدها مما أفقدها ميزة المفاجأة وأوقعها تحت نيران المدافعين المهلكة، فأصدرت لها قيادة العملية الأمر بالارتداد والمعركة لازالت مشتعلة. ولما كان طريق الانسحاب عبر الكثبان الرملية واقعاً تحت نيران القوات المصرية فقد زاد الانسحاب من خسائر تلك القوة التي وصلت فلولها الباقية إلى مستعمرة "نيتسانيم". وبذا فشل أكبر هجوم شنته القوات الإسرائيلية على القوات المصرية حتى ذلك الوقت بعد أن بلغت خسائرها ما يزيد على 400 فرد بين قتيلٍ وجريحٍ، فضلاً عن أكثر من مائة أسير.

د. معركة "نيتسانيم" (اُنظر خريطة معركة نيتسانيم)

باحتلال الخط العرضي "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين" وتحقيق الاتصال بالقوات المصرية في الخليل يوم 3 يونيه، على نحو ما سبقت الإشارة إليه، اتجهت القيادة المصرية في الجبهة إلى تطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها. ولما كانت مستعمرة "نيتسانيم" تهدد خطوط المواصلات المصرية بين أسدود والمجدل، فضلاً عن كونها نقطة ارتكاز لشن الهجمات والإغارات الإسرائيلية على القوات المصرية في أسدود، فقد كان لها الأسبقية في عمليات التطهير.

وتقع مستعمرة "نيتسانيم" جنوب شرق أسدود بنحو ثلاثة كم وغرب طريق "المجدل /أسدود" بما لا يزيد عن كيلومتر واحد، وكانت "نيتسانيم" من المستعمرات المحصنة المجهزة بمرابض للأسلحة المضادة للدبابات والأوكار الخرسانية للرشاشات الثقيلة، فضلاً عن أبراج المراقبة، كما كان يحيط بها نطاقات من الأسلاك الشائكة والألغام، ويدافع عن المستعمرة ـ فضلاً عن سكانها ـ بعض قوات الكتيبة الرابعة من لواء "جعفاني"، وبعض الأفراد الذين أفلتوا من معركة أسدود.

ووقع على عاتق الكتيبة التاسعة المشاة (من مجموعة اللواء الثاني) بقيادة القائمقام (العقيد) محمد كامل الرحماني بالتعاون مع إحدى كتائب الدبابات الخفيفة وبعض عناصر الدعم الأخرى مهمة الاستيلاء على المستعمرة الحصينة، وقد تلخصت فكرة الهجوم في تحقيق المهمة على مرحلتين، استهدفت المرحلة الأولى منها احتلال تبة الفناطيس (التل 69) الواقعة على مسافة كيلومتر شرق "نيتسانيم"، والتقدم للاستيلاء على الجزء الشمالي الشرقي من المستعمرة، وخُصص لذلك سريتا مشاة تعاونهما سريتا دبابات خفيفة، بينما استهدفت المرحلة الثانية الاستيلاء على باقي المستعمرة، وخُصص لها سريتا مشاة وسريتا دبابات خفيفة، فضلاً عن كتيبة عربات مدرعة.

وقبل أن يبدأ الهجوم الرئيسي على المستعمرة، قامت قوة من المجاهدين الفلسطينيين ليلة 6/7 بقصفها بالنيران لإزعاجها طول الليل، وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية غطى المستعمرة بكاملها تقدمت قوات المرحلة الأولى صباح السابع من مايو فاستولت على التل، وفي الساعة العاشرة تقدمت الدبابات نحو الجانب الشرقي للمستعمرة فأحاطت بمنطقة الفناطيس، وبدأت في الاشتباك مع مرابض المدافع المضاد للدبابات والأوكار الخرسانية المجهزة بالرشاشات الثقيلة، فتمكنت من إسكات هذه الأسلحة، مما أتاح لقوة المشاة التقدم لفتح الثغرات في الأسلاك الشائكة التي اندفعت منها داخل المستعمرة لتقتحم أوكار الأسلحة والمواقع الإسرائيلية القريبة.

واستغلالاً للنجاح زج قائد الكتيبة التاسعة باقي قوة الهجوم الساعة 1100 لاستكمال تطهير واحتلال المستعمرة، التي اقتحمتها الدبابات وفي أثرها قوات المشاة التي قامت بتطهير أوكار الأسلحة وخنادقها، فحاول المدافعون شق طريق لهم نحو الجنوب عبر البساتين خارج المستعمرة، إلا أن كتيبة العربات المدرعة قامت بتطويقهم فارتدوا إلى المستعمرة حيث ثم حصارهم تماماً فاستسلموا نحو الساعة 1630 مساء نفس اليوم وسقط في هذه المعركة نحو 100 قتيل و118 أسير من المدافعين عن المستعمرة بينما تمكن الباقون من الإفلات، أما القوات المصرية فقد بلغت خسائرها ثلاثة عشر شهيداً وخمسة وأربعين جريحاً.

ونظراً إلى أهمية مستعمرة "نيتسانيم" بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، فقد دفعت الكتيبة الثانية من لواء جعفاني لاستردادها ليلة 9/10 يونيه، ومهدت لهذا الهجوم بدفع بعض قوات ذلك اللواء لاحتلال التل 69 الذي أخلته القوات المصرية بعد سقوط "نيتسانيم" لتكون نقطة ارتكاز لقطع طريق المجدل/ أسدود والوثوب على المستعمرة المستهدفة بعد أن تقوم قوات الكتيبة السابعة من لواء "النقب" بشن هجوم تضليلي على "أسدود" لتحويل الأنظار بعيداً عن نيتسانيم، إلا أن قوات اللواء الثاني المشاة أحبط الهجمات الإسرائيلية في كلا الاتجاهين، وأجبرت قوات كتيبتي "جعفاني" و"النقب" على الارتداد بعد أن كبدتها أكثر من ثلاثمائة قتيل وأسرت عشرة من أفرادها، في الوقت الذي خسرت فيه القوات المصرية خمسة شهداء وثلاثة وعشرين جريحاً.

وفي الجنوب لجأت قوات "جعفاني" المرتدة إلى التل 69 ـ الذي احتلته إحدى سرايا المشاة الإسرائيلية قبل الهجوم على "نيتسانيم" ـ فطاردتها المدفعية المصرية وقصفت التل الذي تكدست فيه قوات "جعفاني"، ثم قامت سريتا مشاة مصرية مدعمة بسرية دبابات خفيفة وجماعة هاون باقتحام التل ضُحى الثامن من يونيه، فانهارت مقاومة القوة الإسرائيلية المدافعة وبدأت تنسحب من التل بصورة غير منظمة فأحاطت بها القوة المصرية وأجبرتها على التسليم.




[1] يشير اللواء حسن البدري إلى أن القوات الإسرائيلية استعادت المالكية يوم 19 مايو، ويبدو أن هناك خطأ مطبعياً لأن المصادر الإسرائيلية والغربية تجمع على أن قوات اللواء "يفتاح" التي استعادتها تحركت لتنفيذ العملية ليلة 28/29 مايو.

[2] يشير "دي بوي" إلى أن استعادة القوات اللبنانية للمالكية تمت مساء 6 مايو وأن الاستيلاء على "قدس" و"رامات نفتالي" تم في اليوم التالي.

[3] يشير اللواء حسن البدري إلى أن قوات اللواء "كرملي" هي التي قامت بالهجوم خلال المرحلتين بينما تُجمع المصادر الإسرائيلية والغربية لهذه الدراسة على قيام اللواء "جولاني" بمهمة التمهيد للهجوم على " جنين " خلال المرحلة الأولى.

[4] نجحت القوات الإسرائيلية خلال الفترة من 15 إلى 17 مايو في احتلال كافة الأحياء العربية خارج سور القدس القديمة عدا الأحياء الواقعة شرق المدينة وبدأوا في الهجوم على الأبواب الرئيسية في تلك الأسوار لاقتحام المدينة القديمة التي احتشد فيها أكثر من 60 ألف عربي نزح أغلبهم من الأحياء التي احتلها الإسرائيليون.

[5] يصف " حاييم هيرتزوج " رئيس دولة إسرائيل السابق حالة يهود القدس آنذاك بقوله: "تضاءل إمداد المدينة بالكهرباء إلى ساعات قليلة في اليوم، وأغلقت مضخات ضخ المياه إلى المدينة منذ استيلاء العرب عليها في 12 مايو، وانقطعت الأنباء لتوقف البث الإذاعي، وانتشر الجوع والعطش وسادت الليل ظلمة حالكة، واستمر القصف المدفعي للمدينة طوال الأربع والعشرين ساعة، وخلت المحلات من الأغذية، وكان جميع السكان يعيشون وينامون في المخابئ، ولم يكن ممكناً القيام بأية إجراءات صحية نتيجة لنقص المياه، ومع نفاد المؤن أصبح واضحاً للجميع أن القدرة على الاحتمال صارت هي الأخرى على وشك الانهيار ما لم يرتفع الحصار.

[6] يشير اللواء محمد نجيب إلى أنه كان يقود اللواء الثاني خلال معركة أسدود إلى حين وصول الأميرالاي محمود فهمي نعمة الله من القاهرة بعد معركة " نيتسانيم " وتوليه قيادة اللواء وانتقاله هو لقيادة اللواء الرابع.

[7] حدد اللواء محمد نجيب قائد مجموعة اللواء الثاني التي قامت قواته باحتلال أسدود عدد القتلى بأربعمائة وخمسين والأسرى بمائة وتسعة وعشرين بينما أشار "دي بوي" إلى أن عدد القتلى والجرحى بلغ 400 فرد، أما هيرتزوج فأشار إلى أن الخسائر الإسرائيلية في المعركة بلغت 100 فرد بين قتيل وجريح بالإضافة إلى عدد من الأسرى.