إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث السابع والعشرون

العملية حوريف (حوريب)

اشتملت فترة القتال الرابعة علي عمليتين علي الجبهة المصرية، الأولي هي العملية الهجومية الإسرائيلية الرئيسية التي كانت تهدف إلي تصفية الوجود المصري في فلسطين كُليةً وأطلق الإسرائيليون عليها اسم العملية "حوريف" (حوريب)، والثانية هي العملية الهجومية الفرعية المكملة لها والتي كانت تهدف إلي تصفية جيب الفالوجا وأطلق الإسرائيليون عليها أسم العملية "حيسول".

وكان الدافع الأساسي وراء هذه العمليات هو إحباط أي محاولة لإعطاء النقب للعرب في أي تسوية سياسية نهائية ـ حسبما كان يقضي مشروع "برنادوت" الأخير ـ وهو الأمر الذي كان لا يزال يراود الحكومة البريطانية حتى يستمر الاتصال البري بين مصر وشرق الأردن بما يخدم سياستها الدفاعية الجديدة في المنطقة، ولما كانت القوات المصرية هي العائق الأساسي أمام استحواذ القوات الإسرائيلية علي باقي النقب فقد كان عليها أولاً التخلص من هذه القوات حتى تمد سيطرتها حتى خليج العقبة.

وقد بدأ التخطيط لتصفية الوجود المصري في النقب خلال شهر نوفمبر عندما وجد "بن جوريون" أنه كان علي حق في تقديره لردود الفعل الدولية والعربية حيال المخطط الإسرائيلي للتوسع الإقليمي علي حساب القسم العربي في فلسطين، ومن ثم أعطي رئيس الوزراء الإسرائيلى الضوء الأخضر لبدء العد التنازلي للعملية "حوريف".

وخلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي في الثامن من ديسمبر أخطر"بن جوريون" وزراءه انه قد تم اتخاذ جميع التحضيرات اللازمة لطرد المصريين من النقب بعد أيام قلائل. وما أن رُفعت جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة وبدأت إجازة أعياد الميلاد ورأس السنة للأمم المسيحية، حتى وجد "بن جوريون" أن المسرح الدولي قد أصبح مهيئاً لاستئناف القتال ضد الجبهة المصرية قبل عودة المنظمة الدولية لاستئناف عملها. (اُنظر خريطة العملية حوريف (حوريب)) و(خريطة القتال في المحور الشرقي)

أولاً: خطة العملية

استهدفت العملية "حوريف" تصفية الوجود العسكري المصري في فلسطين تمهيداً لاستكمال السيطرة علي النقب، وتلخصت فكرة العملية في القيام بحركة التفاف واسعة حول الدفاعات المصرية من ناحية الجنوب وطي المواقع المصرية في اتجاه الغرب والشمال ناحية البحر. وحشدت رئاسة الأركان الإسرائيلية لهذه العملية خمسة لواءات تحت قيادة "إيجال آلون" قائد الجبهة الجنوبية هي، "جولاني" والثامن المدرع و"اسكندروني" و"النقب" بالإضافة إلي اللواء "هارئيل".

واستهدفت المرحلة الأولي للعملية تقويض النظام الدفاعي المصري في قطاع "العسلوج/ العوجة" مع القيام بهجوم تضليلي في القطاع الساحلي لتثبيت قواته ودق إسفين لشطر تلك القوات وتهديد مواصلاتها، بينما استهدفت المرحلة الثانية استكمال تطويق القوات المصرية وضغطها في اتجاه البحر والغرب توطئه للقضاء عليها أو إجبارها علي الانسحاب من فلسطين.

وكانت خطة العملية تقضي في المرحلة الأولي بقيام اللواء "جولاني" بالهجوم التضليلي علي القطاع الساحلي للجبهة لجذب انتباه القيادة المصرية إلي هذا الاتجاه، مع دق إسفين في هذا القطاع عند مستعمرة "كفار داروم" لشطر القوات المصرية فيه وعزلها عن قواعدها في سيناء.

وعندما يتم جذب انتباه القيادة المصرية وتتحرك احتياطياتها لمواجهة هجوم اللواء "جولاني" في الغرب، يتقدم اللواء الثامن المدرع ومعه كتيبة من لواء "النقب" من منطقة التجمع في "الخلصة" عبر الطريق الروماني القديم "ووادي الأبيض" للاستيلاء علي المواقع المصرية في "العوجة" بعد تطويقها، في الوقت الذي تقوم فيه باقي قوات لواء "النقب" بالهجوم للاستيلاء علي المواقع المصرية في منطقة "العسلوج" (بئر الثميلة وتباب الشريف) والتقدم غرباً للاستيلاء علي تبة "المشرفة" والاتصال بقوات اللواء الثامن في "العوجة". ومع نهاية المرحلة الأولي يقوم اللواء "اسكندروني" الذي يحاصر جيب "الفالوجا" ـ بالهجوم علي "عراق المنشية" لتصفية ذلك الجيب أو إجبار قواته علي التسليم. أما اللواء "هارئيل" فقد قضت خطة العملية ببقاء باقي قواته كاحتياطي عام للجبهة الجنوبية.

أما خطة المرحلة الثانية فقد اختلفت في شأنها المصادر المصرية والإسرائيلية فبينما تشير المصادر الأخيرة إلي أن تلك المرحلة كانت تقضي بتقدم اللواء الثامن شمالاً في اتجاه "رفح" لاستغلال النجاح وتطويق القوات المصرية في الشريط الساحلي تمهيداً لتدميرها بالتعاون مع اللواء "جولاني واللواء "هارئيل"، وأن انهيار الجناح الشرقي للجبهة المصرية شجع قيادة الجبهة الجنوبية علي التقدم شمالاً نحو "العريش" وغرباً نحو "بير الحمة" بغرض الإغارة خروجاً عن الخطة الأصلية التي صدقت عليها القيادة الإسرائيلية"، فإن المصادر المصرية وإن كانت تتفق مع المصادر الإسرائيلية في الشق الأول مما أشارت إليه، إلا أنها تختلف معها بشأن التقدم نحو العريش استناداً إلي تسلسل الأحداث ونتائجها وبعض ما أفصح عنه" إسحاق رابين" في مذكراته، حيث تري المصادر المصرية أن انهيار الجناح الشرقي للجبهة المصرية شجَّع قيادة الجبهة الجنوبية علي توسيع حركة التطويق للاستيلاء علي العريش خروجا علي الخطة الأصلية لحرمان القوات المصرية من قاعدتها الإدارية والإسراع بانهيار الجناح الغربي للجبهة المصرية، إلا أن فشل القوات الإسرائيلية أمام العريش أجبر قيادة الجبهة الجنوبية علي العودة إلي الخطة الأصلية والهجوم علي "رفح".

وكما حدث خلال العملية "يوآف" كانت خطة العملية "حوريف" تقضي بقيام القوة الجوية الإسرائيلية في البداية بشل قاعدة "العريش" الجوية لتوفير الظروف الملائمة لنجاح العملية وحماية ومعاونة القوات الإسرائيلية القائمة بالهجوم، كما كان علي القوة البحرية الإسرائيلية إحكام الحصار البحري علي الشريط الساحلي بين "غزة" و"رفح" والتصدي للسفن المصرية التي تحاول اختراق ذلك الحصار.

وقد نجحت القيادة الإسرائيلية فعلاً في خداع القيادة المصرية بالنسبة لاتجاه مجهودها الرئيسي حتى قبل أن تبدأ تنفيذ العملية، وقد شارك "النقراشي" باشا رئيس الوزراء المصري ـ دون أن يدري ـ في عملية الخداع الإسرائيلية، عندما أرسل إلي وزارة الدفاع الوطني نَّص البرقية المرسلة إليه من الحكومة السورية، والتي تحذره فيها من هجوم إسرائيلي مرتقب علي "غزة". أما نصُّ تلك البرقية فكان كما يلي:

"التاريخ 17/12/1948.

"بَلِّغوا دولت النقراشي باشا ما يلي:

"أولاً : علمنا من مصدر محايد موثوق أنه شاهد بتاريخ الخامس والثامن الجاري القوات اليهودية تحتشد في قري "جوليس" و"بيت جبرين" و"الدوايمة" و"بئر سبع" (بئر السبع) بغية القيام بهجوم خاطف علي "غزة" ـ ستقوم بهذا الهجوم القوات المدرعة اليهودية، في حين أن قوى المشاة المنقولة المدعومة بحاملات البرن ستهاجم غزة نفسها، تاريخ الهجوم من العشرين إلي الخامس والعشرين الجاري".

ثانياً: تنفيذ العملية

1. المرحلة الأولي

أ. الهجوم التضليلي علي الشريط الساحلي

في مساء الثاني والعشرين من ديسمبر بدأ تنفيذ المرحلة الأولي للعملية بالهجوم علي مطار العريش قبل آخر ضوء، في الوقت الذي بدأت فيه المدفعية الإسرائيلية تفتح نيرانها علي طول مواجهة القطاع الساحلي للجبهة المصرية لمشاغلة المواقع المصرية وصرف انتباه قيادتها عن اتجاه الهجوم المنتظر للواء "جولاني" الذي كان يستهدف احتلال "التبة 86" (5 كم جنوب شرق خان يونس).

ومع حلول الظلام انطلقت الكتيبة الثالثة من اللواء "جولاني" تحت ستر نيران المدفعية من قاعدة هجومها في قرية "الشعوت" للهجوم علي "التبة 86" الواقعة وسط المواقع الدفاعية للكتيبة العاشرة المشاة. وقد نجحت قوات جولاني في مباغتة المواقع المصرية للكتيبة الأخيرة واحتلال أحد المواقع الدفاعية الهامة علي سفح التبة، ثم راحت القوات الإسرائيلية تدعم مواقعها طوال ليلة 22/23 ديسمبر، ومع طلوع الفجر كان قد تم لها الاستيلاء علي التبة بأكملها.

ولما كان سقوط هذه التبة في يد القوات الإسرائيلية يعني شطر القوات المصرية في القطاع الساحلي وعزل القسم الشمالي منها وتهديد المواصلات في ذلك القطاع، فقد بدأت قيادة الجبهة المصرية في نفس الليلة الإعداد لشنِّ هجوم مضاد لاستعادة تلك التبة صباح اليوم التالي، وخصصَّت لهذه المهمة قوة مختلطة من بعض سرايا الكتيبة الثالثة والتاسعة المشاة، ونحو كتيبة دبابات وتسعٍ حمالات قاذفة لهب وقسم من الألاي الثاني سيارات، بالإضافة إلي بطارية مدفعية 25 رطلاً وأخري هاون 81 ملليمتراً وجماعة مهندسين.

وبعد قتال ضار طوال صباح وظهر يوم 23 ديسمبر نجحت القوات السابقة في دحر قوات اللواء "جولاني" وتكبيدها خسائر فادحة واسترداد التبة المستهدفة قبل أن يحل مساء ذلك اليوم.

ب. الهجوم الرئيسي علي القطاع الشرقي

في الوقت الذي كان يجري فيه القتال السابق حول "التبة 86" كان المهندسون الإسرائيليون يواصلون الليل بالنهار لإزاحة الرمال عن الطريق الروماني القديم وفرد شبكات السلك وإعداده للتحركات المنتظرة عليه، وبحلول 25 ديسمبر كان الطريق جاهزاً لتحرك اللواء الثامن المدرع وكتيبة "هارئيل"، ومن ثمَّ قررت قيادة الجبهة الجنوبية بدء الهجوم الرئيسي علي القطاع الشرقي للجبهة المصرية ليلة 25/26 ديسمبر بعد أن ركزت القيادة المصرية احتياطياتها الرئيسية في القطاع الساحلي الذي توقعت شن الهجوم الإسرائيلي عليه.

وفي الساعة 1700 يوم 25 ديسمبر انطلق لواء "النقب" من منطقة تجمعه في "خلوتساه" (الخلصة) في إتجاه مستعمرة "رففيم" والمواقع المصرية جنوب " العسلوج" وفي الساعة 2330 في نفس الليلة بدأ هجوم الكتيبة السابعة من لواء "النقب" علي أحد مواقع الكتيبة الخامسة المشاة في "بئر الثميلة" وتبة "الوادي" التي كانت تحتلها فصيلة مشاة، ونجحت القوة الإسرائيلية في احتلال جزء من الموقع، فقامت السرية الثالثة الاحتياط بهجوم مضاد ناجح استردَّت به الموقع بعد أن كبَّدت القوة الإسرائيلية أكثر من نصف قوتها بين قتيل وجريح.

وفي الساعة 500 صباح 26 ديسمبر كررت كتيبة الكوماندوز التاسعة من لواء "النقب" الهجوم علي تبة "الوادي" وقد استبسل قائد الموقع وجنوده في الدفاع عن موقعهم إلا أن القوة الإسرائيلية المتفوقة نجحت في الاستيلاء علي الموقع بعد قتال ضار استمر حتى الساعة التاسعة من صباح نفس اليوم واستُشهد فيه قائد الموقع وستة عشر من جنوده، وبسقوط موقع تبة "الوادي" تمَّ عزل الكتيبة الخامسة عن باقي القوات المصرية في منطقة "العوجة".

وفي الوقت الذي تحركت فيه قوات لواء "النقب" لاستكمال الاستيلاء علي مواقع الكتيبة الخامسة في منطقة "العسلوج"، كانت سرية من كتيبة الكوماندوز التابعة لنفس اللواء تقوم بحركة التفاف واسعة للاستيلاء على تبة "المشرفة" ومفاجأة موقع بني غازي (بين العوجة والعسلوج) من الجنوب. وعندما تحرج موقف الكتيبة الخامسة صدرت لها الأوامر من قيادة القطاع مساء 26 ديسمبر بالانسحاب ليلاً إلي "العوجة" عبر الخيران والوديان الواقعة خلف سلسلة المرتفعات الشرقية، علي أن تكون الأسبقية للأفراد، وبعد ساعتين من إصدار أوامرها السابقة أصدرت قيادة القطاع الأمر إلي قائد الكتيبة الحادية عشرة "احتياط" في بني غازي (المشرفة) بالانسحاب في نفس الليلة.

وفي ليلة 26/27 ديسمبر بدأت الكتيبة الخامسة انسحابها من "العسلوج" و"تباب الشريف" في مجموعتين، الأولي بقيادة قائد الكتيبة والثانية بقيادة نائبه، وبينما كانت المجموعتان السابقتان تمضيان في دروب المرتفعات الشرقية بحثاً عن طريقهما إلي "العوجة" كانت الكتيبة التاسعة كوماندوز من لواء "النقب" قد تحركت للإستيلاء علي المواقع المصرية بين "العسلوج" والعوجة" والانضمام على سرية الكوماندوز الإسرائيلية التي قامت بحركة الالتفاف الواسعة للوصول إلي جنوب تبة "المشرفة"، وعندما وصلت كتيبة الكوماندوز التاسعة إلي التبة الأخيرة كانت الكتيبة الحادية عشرة "احتياط" قد انسحبت من المنطقة بناءً علي أوامر قائد القطاع التي سبقت الإشارة إليها، فتقدمت كتيبة الكوماندوز إلى العوجة مساء 27 ديسمبر.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المعارك والتحركات السابقة كان اللواء الثامن المدرع وكتيبة "هارئيل" يحاولان شق طريقهما إلي "العوجة" عبر الطريق الذي مهده المهندسون الإسرائيليون، فوصلا إلي "وادي الأبيض" مساء 26 ديسمبر ليصطدما بقوة مصرية أُرسلت علي عجل لفتح طريق "العوجة/ رفح" الذي قطعته القوات الإسرائيلية، إلا أن القوة المصرية رُدت علي أعقابها.

وفي ليلة 26/27 ديسمبر كُلفت الكتيبة التاسعة الميكانيكية (89) من اللواء الثامن المدرع بالهجوم علي "العوجة" كما كُلفت إحدى كتائب دبابات اللواء بالتقدم جنوباً لتطويق مواقع "العوجة" وعزلها من ناحية الغرب، وبينما نجحت كتيبة الدبابات في مهمتها واحتلت أحد المواقع جنوب غرب "العوجة" فإن الكتيبة الميكانيكية فشلت في مهمتها وعادت منكسرة بعد أن قُتل قائدها. مما دعا "آلون" ورئيس عملياته "إسحاق رابين" إلي أن يجتمعا بقيادة اللواء الثامن في "وادي العبيد" للتشاور، وطبقاً لرواية رابين "كان وضع الكتيبة 89 صعباً جداً وتجولنا في الوحدات وكان الجوُّ يائساً وحاول قائد الكتيبة 89 رفع المعنويات وقال غداً سنهاجم ثانياً وسنحتل "عوجا الحفير".

وفي السابع والعشرين من ديسمبر تجدَّد هجوم قوات اللواء الثامن علي مواقع العوجة ونجحت في احتلال "تبة المدرسة" في البداية، إلا أنَّ سرية الاحتياط والمتطوعون الذين كانوا يدافعون عن "تبة الاتراك" ظلوا يقاومون حتى الظهر، وقبل أن ينقضي يوم 27 ديسمبر كانت مواقع "العوجة" كلها قد سقطت في أيدي القوات الإسرائيلية وأصبح الطريق مفتوحاً أمامها إلي داخل سيناء.

وعندما وصلت قوات الكتيبة الخامسة المشاة ـ بعد رحلتها الشاقة ـ إلي "العوجة" يوم 28 ديسمبر فوجئت بسقوطها في يد القوات الإسرائيلية التي فتحت عليها النيران فأوقعت بها خسائر جسيمة وأسرت عدداً من ضباطها وجنودها، بينما نجحت أغلب قوات الكتيبة في التخلص من المأزق ومواصلة السير إلي الحسنة بفضل جهود القوة الجوية المصرية التي انقضت طائراتها علي القوات الإسرائيلية في المنطقة لمعاونة قوات الكتيبة الخامسة علي التخلص والانسحاب من منطقة "العوجة".

وقبل أن تنتهي المرحلة الأولي للعملية "حوريف" قام اللواء "أسكندروني" بآخر المحاولات الإسرائيلية لتصفية جيب "الفالوجا" التي أطلق عليها الإسرائيليون العملية "حيسول" (التصفية)، واختيرت "عراق المنشية" هدفاً أول لتلك العملية، وكُلفت الكتيبة الثالثة من اللواء "اسكندروني" بشن الهجوم الرئيسي علي مواقع "عراق المنشية" من الجنوب بعد أن تقوم إحدى سرايا الكتيبة الخامسة من نفس اللواء بهجوم تضليليِّ من الشرق لمشاغلة القوة السودانية المدافعة عن البلدة وجذب انتباهها بعيداً عن اتجاه الهجوم الرئيسي. كما كان علي سرية أخري من الكتيبة الثالثة قطع الطريق بين "عراق المنشية" و"الفالوجا" قبل الهجوم الرئيسي للكتيبة الأخيرة علي دفاعات "عراق المنشية" من الجنوب، وحُددت ليلية 27/28 ديسمبر لبدء العملية. (اُنظر خريطة القتال في جيب الفالوجا)

وعندما بدأ الهجوم في الوقت المحدَّد بعد تمهيد جوي ومدفعي استمرَّ 48 ساعة علي قوات "الفالوجا" فشلت السرية المكلفة بقطع الطريق في مهمتها وانسحبت في حالة من الفوضى بعد تعرضها لخسائر جسيمة، وبالرغم من ذلك الفشل قرَّر قائد اللواء المضي في تنفيذ العملية، ففتحت سرية الهجوم التضليلي نيرانها وتقدمت الكتيبة الثالثة للهجوم من الجنوب طبقاً للخطة، ونجحت سريتان من قواتها في اقتحام بعض مواقع الكتيبة السودانية والوصول إلي البلدة نفسها، في الوقت الذي دفع فيه القائمقام السيد طه قوة من الاحتياطي خفيف الحركة للقيام بهجوم مضاد لاستعادة المواقع التي سقطت في أيدي القوة الإسرائيلية والقضاء علي القوات المهاجمة.

وبهجوم مضاد ناجح تمكنت القوة المصرية السابقة من استعادة المواقع التي سقطت وعزلت القوة الإسرائيلية المقتحمة داخل البلدة وفتكت بجنودها الذين لم يَنْجُ منهم سوى خمسة أفراد أُخذوا أسرى.

وعندما اتضح لقائد الكتيبة الإسرائيلية ما حلَّ بقواته أصدر الأمر الساعة 930 صباح يوم 28 ديسمبر لمن بقي من قواتها بالانسحاب. وبعد هذا الهجوم الفاشل ظل جيب "الفالوجا" تحت الحصار دون أن تجري أية محاولة إسرائيلية أخري لاقتحام مواقعه حتى عودة قواته بكامل أسلحتها إلي أرض الوطن بعد انتهاء الحرب.

2. المرحلة الثانية

أ. محاولة الهجوم علي "العريش"

في صباح السابع والعشرين من ديسمبر اكتشف قائد الجبهة المصرية ـ متأخراً ـ أن الهجوم الإسرائيلي الرئيسي في الجنوب يستهدف تطويق قواته، وأن الهجوم المعادي علي القطاع الساحلي لتلك الجبهة ليس إلا عملية تضليلية لتثبيت القوات المنتشرة في ذلك القطاع، وإبعاد نظر القيادة المصرية عن الهجوم الرئيسي، إلا أن قائد الجبهة لم يكن علي يقين من الجهة التي ستتجه إليها القوات الإسرائيلية بعد الاستيلاء علي "العوجة"، لأن الخيارات المفتوحة أمام القيادة الإسرائيلية كانت متعددة، حيث كان يمكنها توجيه قواتها شمالاً في اتجاه "رفح" أو نحو "العريش" مروراً "بأبو عجيلة" أو التقدم مباشرة نحو " أبو عجيلة" و"الحسنة" و"بئر الحمة"، ولما لم يكن لديه القوات الكافية أو الوقت لتغطية كل هذه الاتجاهات فقد ركَّز احتياطياته لمواجهة الخيار الأقرب احتمالاً وهو التقدم شمالاً علي طريق "العوجة/ رفح".

أما علي الجانب الإسرائيلي فقد فتحت الخيارات المتعددة السابقة بعد سقوط العوجة شهية قيادة الجبهة الجنوبية للخيارين الأخيرين، ولما كان أي من هذين الخيارين خارج الخطة الأصلية للعملية "حوريف"، فقد توجه "إسحاق رابين" للحصول على تصديق رئاسة الأركان الإسرائيلية علي الخطوة التالية، التي اكتفي بالقول أنها ستكون الإغارة علي "أبو عجيلة"، دون أن يشير إلي مسألة التوغل شمالاً نحو "العريش" أو غرباً نحو "بئر الحمة"، ومن ثمِّ صدقت رئاسة الأركان الإسرائيلية علي عملية الإغارة علي "أبو عجيلة".

وعلي عكس ما قدَّره قائد الجبهة المصرية، بدأ لواء النقب ـ بعد تدعيمه بكتيبة الدبابات الثانية من اللواء المدرع[1] ـ يشق طريقه نحو "أبو عجيلة" ليلة 28 ديسمبر وعلى رأسه الجنرال "آلون" نفسه بينما اتجهت كتيبة "هارئيل" نحو "القسيمة".

وبعد التغلب على المقاومة المصرية في "أم قطف" تقدمت كتيبة الكوماندوز التابعة للواء "النقب" بعد ظهر يوم 28 ديسمبر للاستيلاء على "أبو عجيلة" ليلة 28/29 ديسمبر، بينما قامت باقي قوات اللواء وكتيبة دبابات اللواء المدرع بإعادة التجميع استعداداً للتقدم نحو "العريش".

وفي صباح التاسع والعشرين من ديسمبر بدأت قوات لواء "النقب" وكتيبة الدبابات تقدمها نحو" العريش" لاستكمال تطويق القوات المصرية وعزلها عن قواعدها الإدارية، بعد أن نجحت جماعات الكوماندوز الإسرائيلية في التسلل، وقطع خطوط المواصلات الحديدية والبرية بين "غزة" و"بير العبد" (في شمال سيناء) في عدة مواقع، لإشاعة الارتباك بين القوات المصرية والإسراع بانهيارها.

وفي ذلك الوقت لم يكن لدي اللواء صادق قائد الجبهة المصرية أية احتياطيات برية في العريش يمكنها وقف تقدم القوات الإسرائيلية نحو مؤخرة قواته، ولم يكن أمامه سوي القوة الجوية المصرية التي استعادت عافيتها بعد تزويدها ببعض طائرات "الماكي" و"الفيات" الإيطالية لتعطيل القوات الإسرائيلية الزاحفة وكسب الوقت اللازم لتحريك بعض الاحتياطات لدعم الدفاع عن "العريش" وحرمان آلون من الثمرة النهائية لعملية التطويق. وقد أدي القصف الجوي المستمر علي القوات الإسرائيلية المتقدمة نحو "العريش" طوال يوم 29 ديسمبر ـ والذي نُفِذَ بأكبر مجهود جوي منذ بداية تلك الحرب ـ إلي عرقلة تقدم تلك القوات وتشتيتها للاحتماء بكثبان الرمال علي جانبي الطريق. وعندما وصلت القوات الإسرائيلية في مساء ذلك اليوم إلي مشارف "العريش" كانت قيادة الجبهة المصرية قد استعادت سيطرتها علي الموقف، بعد أن تمَّ تعزيز الدفاع عن البلدة وتأمين خطوط المواصلات بينها وبين "غزة".

ومع غروب شمس أكثر أيام القوات المصرية حرجاً في تلك الحرب، أرسل اللواء صادق يُطمئن رئاسة الأركان في القاهرة علي نجاحه في السيطرة علي الموقف بعد تعزيز دفاعات "بير لحفن" ووقف تقدم القوات الإسرائيلية، ولما كان قائد الجبهة المصرية لا يملك أية احتياطات إضافية للقيام بهجوم مضاد بعد توقف القوات الإسرائيلية وتشتتها فقد طالب باستمرار القصف الجوى علي تلك القوات خلال الأيام التالية حتى تنسحب متأثرة بخسائرها.

أما رئاسة الأركان الإسرائيلية، فما أن اكتشفت ظهر ذلك اليوم تقدم "آلون" بقواته نحو العريش حتى طالبته بالعودة والالتزام بالخطة المصدَّق عليها، ولكن الجنرال "آلون" الواثق من انتصاره تجاهل أوامر قيادته علي أمل احتلال العريش في نفس اليوم، إلا أنه إزاء تعثر قواته والخسائر التي لحقت بها نتيجة القصف الجوي وتدعيم الدفاعات المصرية عند مشارف "العريش" فقد طلب "ألون" من رئاسة الأركان الإسرائيلية يوماً آخَر لاستكمال مهمته، إلا أن الأخيرة كانت أكثر إصراراً علي انسحاب قواته، وهو ما وافقها عليه "بن حوريون".

وعلي ذلك بدأت القوات الإسرائيلية الانسحاب في نفس الليلة إلي "أبو عجيلة" بعد أن قامت بعض وحداتها بالإغارة علي أرضي الهبوط اللتين كان يجري تجهيزهما جنوب "العريش" وفي منطقة "الحمة"، غير أنها وجدتهما خاليتين.

وخلال اليومين التاليين استمر انسحاب القوات الإسرائيلية تحت ضغط هجمات القوة الجوية المصرية التي كانت تلهب ظهورها بنيران مدافعها وقنابلها. وبصباح الأول من يناير كانت القوات الإسرائيلية قد أتمت انسحابها من "أبو عجيلة" في طريقها إلي "العوجة".

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المعارك السابقة علي الجبهة المصرية طلبت مصر من الدول العربية الأخرى تنشيط القتال علي جبهاتها الساكنة لتخفيف الضغط علي جبهتها، إلا أن الدول العربية التي وعدت بالمساعدة، كانت بعيدة عن مسرح العمليات أو كانت أضعف من أن تقوم بجهد عسكري ملائم.

أما الملك عبدالله الذي كان قائماً بالتفاوض مع إسرائيل في ذلك الوقت فلم يبال حتى بالرد علي الطلب المصري، بينما كان الجهد الوحيد الذي قدمته القوات العراقية هو فتح نيران مدافعها علي عدة مواقع إسرائيلية، الأمر الذي أدي إلي شعور القيادة المصرية بالمرارة إزاء خذلان حلفائها.

وعلي المستوي الدولي، دفع الغزو الإسرائيلي إلي اجتماع مجلس الأمن في الثامن والعشرين من ديسمبر لبحث الأزمة الجديدة والاتهامات الموجهة من العرب والقائم بأعمال الوسيط الدولي إلي إسرائيل، ووافق مجلس الأمن في اليوم التالي علي مشروع قرار بريطاني يطالب الحكومات المعنية بإصدار الأمر بوقف إطلاق النار فوراً والانسحاب دون تأخير إلي المواقع التي كان يحتلها كل طرف في الرابع عشر من أكتوبر وتسهيل الإشراف الكامل لمراقبي الأمم المتحدة علي الهدنة (اُنظر ملحق القرار الرقم 66 (1948) بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 1948 الدعوة إلى وقف إطلاق النار فوراً وتنفيذ قرارات مجلس الأمن)، مع مطالبة الأطراف المختلفة بتنفيذ قراري المجلس في الرابع والسادس عشر من نوفمبر دون تأخير.

إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن مستعدة للاستجابة لقرار مجلس الأمن قبل تنفيذ مخططها لإجبار القوات المصرية علي الانسحاب من فلسطين أو القبول بالحصار وهما خياران لم يكن لدي القيادتين المصريتين ـ السياسية والعسكرية ـ استعداداً لقبول أي منهما مهما كان الثمن، ومن ثمَّ بدأت القوات الإسرائيلية في تنفيذ آخر محاولاتها الفاشلة لطرد المصريين من فلسطين قبل توقف القتال علي الجبهة المصرية.

ب. محاولة الهجوم علي "رفح"

استغلت قيادة الجبهة الجنوبية الثلاثة أيام الأولي من يناير في إعادة تجميع قواتها والتحضير للهجوم الجديد علي "رفح"، الذي خصصَّت له أربعة ألوية هي "جولاني" و"هارئيل" و"النقب" بالإضافة إلي اللواء الثامن المدرع. وبدأ ذلك الهجوم ليلة 3/4 يناير بعد تمهيد جوي ومدفعي كثيف علي المواقع المصرية في منطقة "غزة" و"خان يونس" و"دير البلح" و"رفح" لتضليل القيادة المصرية عن اتجاه الهجوم الرئيسي الذي استهدف هذه المرة مواقع منطقة "رفح" حيث توجد قيادة الجبهة المصرية.

وتلخصت خطة الهجوم الإسرائيلي في قيام اللواء " جولاني" بالتقدم من قاعدته في مستعمرة "مفتاحيم" ومنطقة العمارة لاحتلال موقع المقبرة (تبة الأسري) جنوب شرق "رفح" بمسافة 5 كيلو متراً والمواقع المجاورة لها (التبة 102) بينما كان علي لواء "هارئيل" والكتيبة التاسعة من لواء النقب التقدم من منطقة "العوجة" لاحتلال المواقع المصرية جنوب تقاطع طريقي "غزة/ العريش" وطريق "العوجة/ رفح" فضلاً عن احتلال ذلك التقاطع.

وبعد احتلال المواقع السابقة كان علي اللواءين مواصلة التقدم بصورة منسَّقة ـ "جولاني" من الشرق و"هارئيل" من الجنوب ـ للاستيلاء علي منطقة المعسكر الحربي ومدينة "رفح"، بينما كان علي اللواء الثامن المدرع الاستعداد لصدّ الهجمات المصرية المضادة، أما باقي لواء "النقب" فقد كان عليه استغلال النجاح بعد تحقيق الألوية السابقة لمهامها.

وفي ليلة 3/4 يناير بدأ الهجوم الإسرائيلي طبقاً للخطة ونجح اللواء "جولاني" في احتلال "تبة الأسري". وبعد أن فشلت القوات المصرية في استعادتها بالهجوم المضاد الذي شنته قامت الكتيبة السابعة المشاة وآلاي الحدود (عدا كتيبة) باحتلال خط دفاعي جديد غرب التبة المحتلة للدفاع عن المعسكر الحربي ومدينة رفح من اتجاه الجنوب الشرقي.

وعندما شن اللواء "جولاني" هجومه الثاني علي "التبة 102" انتهي ذلك الهجوم بالفشل وعجزت قوات ذلك اللواء عن انتزاع تلك التبة من أيدي القوات المصرية التي تحتلها.

أما لواء "هارئيل" والكتيبة التاسعة من لواء "النقب" اللذان شنا هجومهما علي المواقع المصرية حول طريق "العوجة/ رفح" فقد نجحا في احتلال بعض هذه المواقع بعد مقاومة عنيفة من القوات المصرية المدافعة، إلا أنهما فشلا في احتلال الموقع الدفاعي الرئيسي جنوب تقاطع الطرق حتى ليلة 4/5 يناير.

وفي الليلة التالية (ليلة 5/6 يناير) نجحت الكتيبة الخامسة من اللواء "هارئيل" في احتلال الموقع الدفاعي جنوب تقاطع الطرق بعد معركة عنيفة استخدمت فيها القنابل اليدوية والسلاح الأبيض، بعد أن حالت العاصفة الرملية الشديدة والرؤية المنخفضة دون استخدام أي سلاح آخر من الجانبين، إلا أنه قبل أن تشرق شمس السادس من يناير كانت القوات المصرية تشن هجوماً مضاداً ناجحاً استردت به ذلك الموقع، وبدأت الدبابات المصرية تطرد القوات الإسرائيلية من المواقع التي نجحت في احتلالها عند بدء الهجوم.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المعارك السابقة في منطقة "رفح"، كانت تجري جهود دولية مكثفَّة لتنفيذ قرار مجلس الأمن والتوصل إلي هدنة دائمة، ولما كانت مصر ترفض المفاوضات المباشرة مع إسرائيل من أجل التوصل إلي الهدنة، وتصرُّ علي أن يكون ذلك التفاوض من خلال الأمم المتحدة ـ وهو ما ترفضه إسرائيل ـ فقد أرسلت الخارجية الأمريكية في مساء الثالث من يناير (منتصف ليلة 3/4 يناير بتوقيت القاهرة) برقية إلي القائم بأعمال سفارتها في القاهرة، تطلب منه أن يقابل الملك (فاروق) علي الفور ويوضح له "أنه سيكون مشجعاً جداً، إذا شرعت الحكومة المصرية علي الفور في التفاوض للوصول إلي الهدنة المنتظرة طبقاً لقرار مجلس الأمن في السادس عشر من نوفمبر. وأن أي كلمة يمكن أن يعطيها الملك عن نواياه بهذا الخصوص سوف تكون موضع تقدير هذه الحكومة (الأمريكية ).

إلا أن الخارجية الأمريكية لم تنتظر طويلاً، فقبل أن يقابل ممثلها الملك بعد ظهر الخامس من يناير، تلقت تلك الحكومة برقية من ممثلها في الأمم المتحدة في مساء الرابع من يناير، يُخْطرَهَا فيها باستعداد الحكومة المصرية للدخول في محادثات مع إسرائيل بالنسبة لكافة المسائل المعلقة تحت رعاية الأمم المتحدة، بشرط أن تلتزم إسرائيل بقرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في الساعة الثانية بعد ظهر الخامس من يناير.

وقد رأي "بانش" القائم بأعمال الوسيط الدولي أن الموقف المصري أكثر التطورات تشجيعاً للوصول إلي الهدنة المطلوبة، وطلب من ممثله في إسرائيل أن يضغط باسمه بشدة في "تل أبيب" لقبول العرض المصري. وأن يجسِّ النبض بالنسبة لعقد مؤتمر دولي علي مستوي عال في " رودس" يحضره مفوضون مدنيون وعسكريون من الطرفين تحت رئاسة الأمم المتحدة.

وعلي ضوء موافقة الطرفين (المصري والإسرائيلي) علي إيقاف القتال، أخطر "بانش" رئيس مجلس الأمن أن الحكومة المصرية وحكومة إسرائيل المؤقتة قد أخطرتاه بقبولهما غير المشروط لعرض يدعو إلي إيقاف إطلاق النار، يعقبه فوراً مفاوضات مباشرة بين ممثلي الحكومتين تحت رئاسة الأمم المتحدة لوضع قرارات مجلس الأمن في الرابع والسادس عشر من نوفمبر موضع التنفيذ، وأنه نظراً لتأخر الاتصال اللاسلكي ـ الذي لا يمكن تجنبه مع "حيفا" و"تل أبيب" ـ فقد تحددت نهائياً الساعة الثانية عشرة ظهر السابع من يناير بتوقيت " جرينتش" لسريان وقف إطلاق النار.

وبانتهاء القتال علي الجبهة المصرية أُسدل الستار علي آخر المراحل الرئيسية في تلك الحرب، وبدأت مرحلة جديدة من نوع آخر هي مرحلة تسويات الهدنة علي الجبهات المختلفة، والتي جاء حصادها معبراً عن النتيجة الحقيقية لتلك الحرب وموازين القوى لأطراف الصراع فيها عند ما توقف القتال في كل الميادين.



[1] حلت هذه الكتيبة محل كتيبة الكوماندوز رقم (9) من نفس اللواء نتيجة الخسائر الجسيمة لحقت بالأخيرة خلال الهجوم علي `العوجة`.