إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

ثانياً: أعمال القتال البحرية للجانبين

تلخصت مهام القوة البحرية الإسرائيلية خلال فترة القتال الرابعة في إحكام الحصار البحري علي القطاع الساحلي للجبهة المصرية، وقصف الأهداف المصرية الرئيسية القريبة من الساحل ما بين "غزة" و"العريش" بالإضافة إلي قطع خط السكة الحديد بين "رفح" والأخيرة. أما القوة البحرية المصرية، فقد تركزت مهامها خلال هذه المرحلة في قصف المواني الإسرائيلية والتعرض لخطوط الإمداد البحري الإسرائيلي.

وقد نجحت القوة البحرية الإسرائيلية جزئياً في تحقيق مهمتها الأولي والثانية، غير أنها فشلت في تحقيق مهمتها الثالثة، كما يمكن القول أن الحد من أعمال الإمداد البحري المصري خلال فترة القتال الرابعة يعود إلى قصر خطوط المواصلات المصرية بعد الانسحاب من "أسدود" و"المجدل"، والسيطرة الجوية الإسرائيلية خلال الأيام الأولي لتلك الفترة أكثر مما يعود إلي أعمال الحصار البحري الإسرائيلي.

كما أن الأضرار المادية التي ترتبت علي القصف البحري الإسرائيلي كانت محدودة، إلا أنها أبقت القوات المصرية في حالة تأهب بصفة مستمرة تحسباً لأية أعمال إبرار بحري تقوم بها القوات الإسرائيلية. كما كان لقصف غزة ورفح أثره النفسي الكبير علي سكان البلدتين ومعسكرات اللاجئين فيها.

أما علي الجانب المصري فقد نجحت القوة البحرية المصرية في مهمتها الأولي بشكل كامل، إلا أنه حد من نجاحها في مهمتها الثانية أن أغلب السفن التي كانت تحمل الإمدادات لإسرائيل كانت سفناً أجنبية وكان التعرض لها في المياه الدولية سيثير تعقيدات سياسية وعسكرية دولية كانت مصر غير مستعدة لها.

1. المعارك البحرية

أ. قصف ميناء تل أبيب

علي أثر قصف البحرية الإسرائيلية لكل من "غزة" و "رفح" قرَّرت القيادة المصرية قصف مدينة "تل أبيب" رداً علي القصف السابق وخصَّصت المهمة للقرويطتين "مصر" و"نصر" اللتين اتجهتا إلي هدفهما ليلة 31 ديسمبر 1948/1 يناير 1949، واتخذتا مركزاً لبدء القصف علي بُعد سبعة كيلو مترات من "تل أبيب" وفي الساعة 217. من أول يناير بدأت عملية القصف بالمدافع عيار 4 بوصة علي منشآت الميناء ومطار "سدي دوف" والمدينة نفسها لمدة ثلاث عشرة دقيقة أطلقتا خلالها 92 قذيفة، انطلقت بعدها عائدة بعد تنفيذ مهمتها.

ب. معركة تل أبيب البحرية

علي إثر قصف "تل أبيب" دفعت القيادة الإسرائيلية صباح الأول من يناير بإحدى القاذفات من نوع "بي ـ 17" لقصف السفن المصرية التي اشتبكت معها بمدافعها المضادة للطائرات ورغم، إسقاط الطائرة طناً ونصفاً من القنابل إلا أن أياً منها لم يصب السفن المصرية، ولم يكن حظ السفن الثلاث، التي بعثت بها قيادة السلاح البحري الإسرائيلي لمطاردة تلك السفن، بأفضل حالٍ من طائرتها. فعلي أثر الاشتباك الذي بدأ بين الجانبين الساعة 942. صباح ذلك اليوم أصيبت سفينتان من السفن الإسرائيلية مما أجبر السفن الثلاث علي الانسحاب من المعركة، وعودة السفن المصرية إلي قواعدها سالمة.

ثالثاً: الإنذار البريطاني لإسرائيل

إزاء تقدم القوات الإسرائيلية داخل الأراضي المصرية بعد استيلائها علي العوجة ووصولها إلي مشارف العريش ـ علي نحو ما سبقت الإشارة إليه ـ فقد أدي ذلك الغزو إلي تداعيات سياسية انتهت بتوجيه الحكومة البريطانية إنذار إلى إسرائيل تطالبها فيه بسحب قواتها من الأراضي المصرية وإلا اضطرت إلي وضع معاهدة 1936 المعقودة بينها وبين مصر موضع التطبيق، وهو ما يعني التدخل العسكري البريطاني لإجبار القوات الإسرائيلية علي الانسحاب من الأراضي المصرية.

وقد اختلفت المصادر العربية والغربية والإسرائيلية في حقيقة هذا الإنذار ومدي تأثيره علي انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية. فبينما تشير المصادر الإسرائيلية الرسمية وشبه الرسمية وبعض المصادر الغربية والعربية إلي أن ذلك الإنذار هو الذي أجبر القيادة السياسية الإسرائيلية علي سحب قواتها من الأراضي المصرية، فإن أحد المصادر المصرية قد أوضح أن ذلك الإنذار لم يكن له أي تأثير على قرار القيادة السياسية الإسرائيلية بسحب قواتها من الأراضي المصرية، لأن تلك القيادة كانت قد أصدرت الأمر فعلاً بالانسحاب، وهو ما بدأ تنفيذه فعلا مساء 29 ديسمبر1948 علي أثر تعثر الهجوم علي "العريش" قبل تلقيها للإنذار البريطاني في الأول من يناير 1949، ودلَّل ذلك المصدر علي صدق مقولته بما جاء في الوثائق المصرية والبريطانية والأمريكية والإسرائيلية نفسها حول ملابسات ذلك القرار وعودة القوات الإسرائيلية للهجوم علي رفح عَبْر الأراضي المصرية بعد ثلاثة أيام من ذلك الإنذار.

وطبقاً لما جاء في الوثائق البريطانية والأمريكية فإن جذور هذا الإنذار ترجع إلي التاسع والعشرين من ديسمبر، عندما أرسل الفريق محمد حيدر ـ وزير الحربية ـ يطلب من المحلق الجوي البريطاني خزانات الوقود الاحتياطية لطائرات "سييتفير" المصرية، ويبلغه بوصول القوات الإسرائيلية إلي مسافة عشرة كيلو مترات جنوب العريش، وعلي ضوء ذلك الموقف والمطالب المصرية، أرسل السفير البريطاني البرقيتين أرقام 1793، 1799 في نفس اليوم إلي وزارة الخارجية البريطانية يطلب تعليماتها بهذا الشأن، في الوقت الذي أرسل فيه نسخاً من هاتين البرقيتين إلي السفارات البريطانية الأخرى التي يهمها الأمر، ومنها السفارة البريطانية في واشنطن، طبقاً لنظام المراسلات المعمول به في وزارة الخارجية البريطانية، كما أبلغ السفير البريطاني القائد العام للقوات البريطانية في مصر بالموقف الجديد في سيناء ومطالب وزير الحربية المصري.

وما أن تلقت الخارجية البريطانية برقيتي سفيرها في القاهرة حتى أرسلت في نفس اليوم إلي السفير البريطاني في واشنطن برقية تقول له فيها:

"عليك أن تبلغ فوراً وزارة الخارجية الأمريكية ما جاء في برقيتي القاهرة رقمي 1793، 1799، ويجب أن تقول إنه "لا" أكرر "لا" يتوفر لديك أية تأكيدات من أي مصدر آخر لتصريحات وزير الحربية المصري، إلا أن التعليمات قد صدرت إلي القوات الجوية الملكية (البريطانية) في مصر لتتحقق من الموقع (الذي تقدمت إليه القوات الإسرائيلية) بالاستطلاع الفوري.

"يجب أن تضيف، أنه إذا كانت القوات اليهودية تهاجم الأراضي المصرية حقيقة، فإن التزاماتنا تبعاً للمعاهدة الإنجليزية/ المصرية ستوضع بالطبع موضع التنفيذ". (اُنظر ملحق Most immediate and Secret Telegram No. 13611, From the Foreign Office to Washington. December 29,1948)

ويبدو أنه تحدد صباح الثلاثين من ديسمبر لتنفيذ طلعة الاستطلاع الجوي البريطانية للمواقع التي وصلتها القوات الإسرائيلية، بالتنسيق مع السلاح الجوي المصري، حيث يوضح تقرير العمليات الجوية عن الثلاثين من ديسمبر، أن ثلاث طائرات "سبيتفير" مصرية قد تقابلت مع ست طائرات بريطانية فوق الإسماعيلية في الثامنة من صباح ذلك اليوم وصحبتها لاستطلاع المنطقة جنوب أرض الهبوط في "بئر لحفن" بمسافة 17 كم وشمالاً حتى العريش.

ولما كانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت في الليلة السابقة إلي منطقة تقاطع الطرق شرق "أبي عجيلة" فقد وجدت طائرات الاستطلاع أن المطار 15 (بئر لحفن) خال ماعدا طائرة سبيتفير[1]، وكل ما في المطار محروق ولا أثر للقوات الإسرائيلية في المنطقة، كما كانت القوات المصرية تحتل الطريق من "بئر الروافعة" حتى "العريش".

وبعد ظهر نفس اليوم قام ثلاثة طيارين مصريين بمصاحبة ست طائرات "سبيتفير" بريطانية مرة أخري لاستطلاع المنطقة حيث تأكد لهم وجود القوات الإسرائيلية عند تقاطع الطرق شرق "أبي عجيلة".

وما أن تأكدت السلطات البريطانية في مصر من وجود القوات الإسرائيلية في منطقة "أبي عجيلة" حتى بدأت الحكومة البريطانية اتصالاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية للضغط علي إسرائيل، حيث قام السفير البريطاني في واشنطن وطبقاً لتعليمات حكومته، بإخطار الخارجية الأمريكية بمضمون برقيتي السفير البريطاني في القاهرة رقمي 1793، 1799 ونية الحكومة البريطانية لتطبيق التزاماتها في معاهدة 1936، لو صحت الأنباء الواردة من القاهرة عن اختراق القوات الإسرائيلية للأراضي المصرية.

وفي اليوم التالي (30 ديسمبر)، طلب السفير البريطاني في واشنطن ـ بناءاً علي تعليمات حكومته ـ مقابلة الرئيس "ترومان". إلا انه لانشغال الأخير وتغيب "جورج مارشال" وزير الخارجية، فقد تم اللقاء مع وزير الخارجية بالنيابة، حيث سلم السفير مذكرة بخصوص الموقف في فلسطين، وقرأ عليه نص البرقية التي تسلمها من السفير البريطاني في القاهرة في صباح نفس اليوم، والتي تؤكد اختراق القوات الإسرائيلية للأراضي المصرية من الجنوب والجنوب الشرقي في اتجاهي "رفح" و"العريش"، واستيلاءها علي أراضي الهبوط المصرية. الأمر الذي أدي إلي هبوط طائرات سبيتفير المصرية في المطارات البريطانية في منطقة القناة لنفاد وقودها، مما يدل علي أنه لم يعد ممكنا استخدام المطارات المصرية المتقدمة.

أما المذكرة البريطانية التي طلب السفير البريطاني تسليمها للرئيس ترومان، فقد أوضحت فيها الخارجية البريطانية أن كل الأدلة التي توفرت لدي الحكومة البريطانية تشير إلي عدم التزام إسرائيل بالهدنة وقرارات الأمم المتحدة، وأن القوات الإسرائيلية تقاتل في الأراضي المصرية حيث تحتل المطارات، وأن الحكومة البريطانية تنظر إلي الموقف باهتمام بالغ، وأنه "ما لم يتم انسحاب اليهود من الأراضي المصرية، فإن الحكومة البريطانية ستضطر لاتخاذ خطوات نحو تنفيذ التزاماتها تبعاً للمعاهدة المبرمة بينها وبين مصر عام 1936. وقد يتسبب عن ذلك الموقف أخطر النتائج الممكنة، ليس فقط علي المصالح الإستراتيجية الإنجليزية/ الأمريكية في الشرق الأدنى، بل أيضاً علي العلاقات الأمريكية مع كل من بريطانيا وأوروبا الغربية".

كما أكدَّت المذكرة علي "أنه ليس لدي الحكومة البريطانية رغبة في الصراع مع اليهود، بشرط أن يقبلوا قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة والالتزام بها. وأنهم لازالوا يثقون في تغلب الآراء الأكثر حكمة بين اليهود، كما يثقون في أنه سيكون ممكناً للولايات المتحدة أن تتصرف مع اليهود بما يجعل العمل العسكري البريطاني علي الحدود المصرية– تبعاً لمعاهدتنا مع مصر ـ أمراً غير ضروري، وهو ما يتأكد فقط بانسحاب اليهود من الأراضي المصرية فوراً".

وعلي أثر عرض المذكرة البريطانية علي الرئيس "ترومان"، قام وزير الخارجية الأمريكية بالنيابة بإرسال برقية إلي "جيمس مكدونالد" – الممثل الخاص للولايات المتحدة في إسرائيل ـ ويخطره فيها بتوجيهات الرئيس" ترومان" والتي تتخلص في أن يقدم احتجاجا عاجلاً إلي "موسي شرتوك" (وزير الخارجية الإسرائيلية)، وإلي "بن جوريون"، وأنه لديه الصلاحية ليقدم نفس الاحتجاج إلي الرئيس "وإيزمان" وطلب وزير الخارجية الأمريكية بالنيابة من "مكدونالد" تقريراً عاجلاً بعد لقائه بهم وإبلاغهم ما يلي:

1. أن هذه الحكومة (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) قد انزعجت بشدة لتسلمها تقارير ـ يبدو أنها موثقة ـ تؤكد غزو الحدود المصرية بواسطة القوات المسلحة الإسرائيلية، وتشير التقارير إلي أن ذلك ليس مجرد مناورة عرضية، بل عملية عسكرية مخططة ومقصودة.

2. لقد أخطرت الحكومة البريطانية رسمياً هذه الحكومة (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) أنها تنظر للموقف باهتمام بالغ، وانه ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية فإن الحكومة البريطانية ستضطر إلي اتخاذ خطوات للقيام بالتزاماتها ـ تبعاً لمعاهدة 1936 ـ مع مصر، وعلي أية حال فإن الحكومة البريطانية قد أوضحت أنه ليس لديها رغبة في الصراع مع الحكومة الإسرائيلية، بشرط أن تقبل الأخيرة قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة وتلتزم بها.

3. نظراً لأن هذه الحكومة (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) هي أول من اعترف بحكومة إسرائيل المؤقتة وكمتبنية لطلب إسرائيل الانضمام إلي الأمم المتحدة كدولة محبة للسلام، فإن هذه الحكومة ـ باهتمام بالغ وكدليل علي صداقتها التي لا تتزعزع لإسرائيل ـ ترغب في لفت اهتمام الحكومة الإسرائيلية إلي خطورة كونها ـ بالأعمال المبنية علي مشورة خاطئة ـ لا تعرض سلام الشرق الأوسط للخطر فقط، بل ستتسبب أيضاً في إعادة النظر في طلب عضويتها في الأمم المتحدة، فضلاً عن ضرورة إعادة نظر هذه الحكومة (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) في علاقاتها بإسرائيل، وكما تعلم الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، أن تأكيدها لنواياها السلمية كان هو الأساس الذي بُنيت عليه سياستنا تجاه إسرائيل.

4. أنه يبدو أن أقل مطلب لتقديم دليل علي نوايا الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، هو الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الحدود المصرية لتجنب توسيع الصراع".

وعلي ضوء هذه البرقية، استدعي ممثل الولايات المتحدة الأمريكية وزير الخارجية الإسرائيلية في الساعة الثانية من بعد ظهر الحادي والثلاثين من ديسمبر، وقرأ عليه ما جاء في تلك البرقية، وطلب لقاء "بن جوريون" على وجه السرعة، ولما كان الأخير قد غادر تل أبيب إلي طبرية ظهر ذلك اليوم فقد وعد وزير الخارجية الإسرائيلية بالاتصال ببن جوريون وإبلاغه رغبته.

وفي الساعة التاسعة من صباح الأول من يناير 1949 ( بتوقيت تل أبيب) أرسل "جيمس مكدونالد" إلي الخارجية الأمريكية بنتائج لقائه مع "بن جوريون"، والذي استمر لمدة ساعتين، وأنه بعد أن قرأ علي رئيس الوزراء الإسرائيلي ما جاء في برقية حكومته، فإن الأخير رد قائلاً:

"إننا لم نغزو الأراضي المصرية وليس لدينا النية لذلك، إنه حقيقة أن بعض القوات الإسرائيلية قد عبرت الحدود داخل مصر في سياق العمليات التكتيكية، إلا أنها قد تلقت الأوامر فعلاً للعودة إلي جبهة النقب".

وهكذا نري من الوثائق الأمريكية السابقة أن أمر الانسحاب من الأراضي المصرية قد صدر إلي القوات الإسرائيلية قبل لقاء مكدونالد مع بن جوريون ليلة 31 ديسمبر/1 يناير أي أن ذلك الإنذار بُلغ إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد يومين من انسحاب القوات الإسرائيلية من مشارف "العريش" وبعد أن بدأ الانسحاب فعلاً من "أبو عجيلة" للقيام بالهجوم البديل علي "رفح" بعد أن فشل هجومها السابق علي "العريش"، وهو ما يؤكد مصداقية الرواية المصرية الرسمية لتلك الأحداث.

ويوضح السياق السابق للأحداث أن الضغط البريطاني كان في حقيقة الأمر حفاظا على الهيبة البريطانية في المنطقة العربية وفرصة لتأكيد فعالية معاهدة 1936، بينما كان الضغط الأمريكي حماية لإسرائيل من الأضرار التي قد تلحقها من المواجهة المباشرة مع القوات البريطانية، هذا بالإضافة إلي حماية المصالح الإستراتيجية المشتركة لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والتي كان يمكن أن يهددها التدخل البريطاني لمعاونة العرب من ناحية والتدخل الأمريكي لمعاونة إسرائيل من ناحية أخري.

وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي هذا المعني في برقيته إلي "جيمس مكدونالد" في الثالث من يناير 1949 حين طلب من الأخير أن يوضح للمسؤولين الإسرائيليين ـ رداً علي تصريحات استيائهم لما جاء في مذكرة الإنذار الأنجلو أمريكي ـ "إنه لا يجب أن يكون هناك تصور خاطئ في خَلَد الإسرائيليين عن الغرض من تلك المذكرة. إن الأمر ـ كما هو مُبين في برقية الإدارة رقم 281 كان لإيقاف التحرك ذي الدلالة الخطيرة، الذي كانت تعتزمه بريطانيا، كما كان الغرض الآخر ـ إذا كان ذلك ممكناً ـ هو تجنب إعادة تسليح بريطانيا للعرب، وهو ما كانت الأولي بادية التصميم عليه إذا لم تنسحب كل القوات الإسرائيلية فوراً من مصر".

كما أشار وزير الخارجية بالنيابة في نفس البرقية إلي أن "للولايات المتحدة الأمريكية مصالح إستراتيجية عظمي فضلاً عن مصالح أخري مهددة بالخطر في الشرق الأدنى، ومن ثمَّ، فإنه ليس لدي الحكومة الإسرائيلية المؤقتة أي مبرر للاستياء من حقيقة أن علي الولايات المتحدة الأمريكية أن تقاوم بشدة أي عمل ـ سواء من الإسرائيليين أو العرب ـ يتضمن تهديداً بتوسيع الصراع".

وهكذا يتأكد لنا مرة أخري أن أياَّ من التحركين الأمريكي أو البريطاني، لم يكن من أجل مصر، وإنما كانا في المقام الأول، حفاظا علي المصالح الأمريكية والبريطانية في المنطقة.


 



[1] يبدو أن هذه الطائرة كانت عاطلة فلم يتم نقلها سواء بواسطة القوات المصرية أو الإسرائيلية قبل انسحابها.