إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / العدوان الثلاثي، حرب عام 1956





مسرح الشرق الأوسط
مسرح عمليات حرب العدوان
معركة أم قطف
معركة ممر متلا
معركة رفح
خطة موسكتير المعدلة
خطة موسكتير المعدلة النهائية
خطة الآلاي الثاني

مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجوم على شرم الشيخ
توزيع القوات المصرية



ملحق

ملحق

الطريق إلى شرم الشيخ

مقدمة

ظهرت أهمية منطقة "شرم الشيخ" بالنسبة للسياسة الإستراتيجية العربية عامة، والمصرية خاصة، بمجرد أن وصلت قوات إسرائيل في الجولة الأولى سنة 1948، إلى قرية "أم الرشرش" المصرية على قمة خليج العقبة، واستولت عليها، لتنشئ عندها ميناء "إيلات" كمنفذ للدولة إلى البحر الأحمر، وشرق أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، حيث اعتزمت تنشيط التبادل التجاري وفتح الأسواق للمنتجات الإسرائيلية.

وازدادت المنطقة أهمية بإنشاء مكاتب مقاطعة إسرائيل، والبدء في إحكام حلقات التعاون العربي لغرض الحصار الاقتصادي على إسرائيل، حيث كانت منطقة "شرم الشيخ" من أهم حلقاتها، نظراً لسيطرتها الكاملة على مدخل خليج العقبة.

قامت مصر باستئجار جزيرتي "ثيران" و"صنافير" من المملكة العربية السعودية، لتصبح مياه مدخل الخليج مصرية خالصة يحق لها السيطرة البحرية عليها. وبمجرد أن اكتسبت مصر هذا الحق القانوني، قامت بقفل الخليج في وجه الملاحة الإسرائيلية، كما فرضت التفتيش البحري على كافة السفن التي تطلب المرور في المضيق، فاكتسبت منطقة "شرم الشيخ" تبعاً لذلك أهمية سياسية وعسكرية كبيرة.

وقد أكد "ديان" أن فتح خليج العقبة للملاحة الإسرائيلية كان الشغل الشاغل للحكومة والهدف الأهم لعملية "قادش"، وكذا الرغبة في توسيع رقعة إسرائيل التي عبر عنها "ديان"، عندما راح يهنئ "بن جوريون" في نهاية العدوان، بالإمبراطورية التي أصبحت تطل على بحرين، بينما أعضاء الكنسيت وقوف يترنمون بنشيد ـ الأمل ـ ثم يعتمدون ضم سيناء إلى إسرائيل، وقيام الإمبراطورية التي سرعان ما أيقظهم من فرحتهم الغامرة، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3256/أ، في 7 نوفمبر، بوقف إطلاق النار والانسحاب من كل الأرض التي احتلت بالعدوان.

طبيعة الأرض

يشكل خليج العقبة جزءاً من أعمق الفوالق بالقشرة الأرضية، الذي يبدأ من شمال القرن الأفريقي، ويمر بالبحر الأحمر وخليج العقبة ووادي عربة ومنطقة الغور ونهر الأردن والبحر الميت، حتى مشارف جبال عمانوس على حدود هضبة الأناضول.

وقد ترتب على هذا الفالق العميق، أن برزت الصخور النارية على جانبي خليج العقبة، لتشكل سلاسل بركانية وجلاميد صخرية، يتخللها الوديان والشعاب الكثيرة، التي تقطعها طولاً وعرضاً، مما يجعل التحرك بمحاذاة ساحل الخليج أو عمودياً علية أمراً صعب جداً، لا تستطيع اختراقها سوى العربات النصف جنزير.

هيكل الدفاعات المصرية

ظلت منطقة "شرم الشيخ" تخضع للقيادة الشرقية، حتى تأميم شركة قناة السويس، فانتقلت بعدها إلى القيادة العامة بالقاهرة.

تم تعين العقيد"روؤف محفوظ" قائداً لمنطقة "شرم الشيخ" ومعه القوات التالية:

القوات البرية

الكتيبة 21 المشاة والكتيبة حرس وطني من 200 فرد، وبطارية مدفعية ساحلية من مدفعين عيار 6 بوصة بطئ التعمير، وتروب خفيف مضاد للطائرات، وفصيلة حدود.

القوات البحرية

الفرقاطة رشيد ومحطة أرصاد وإرشاد بحري، وكان الطراد البريطاني "NewFoundland" قد أغرق الفرقاطة الأخرى دمياط ليلة 31 أكتوبر، قرب المدخل الجنوبي لخليج السويس، بعد اشتباك قصير بينهما بالنيران.

وتبلورت فكرة قائد منطقة "شرم الشيخ" في استمرار الاعتماد على مرابض نيران المدفعية الساحلية، في"رأس نصراني"، بقفل مدخل الخليج وتجهيز منطقة "شرم الشيخ"، لتكون قاعدة إدارية وميناء بحري ومهبط للطائرات، مع الدفاع عنها بالقوات البرية المتيسرة، وتكوين قوة خفيفة الحركة غزيرة النيران للتعامل مع جنود المظلات حيثما يسقطهم العدو.

أما الفرقاطة رشيد فكان عليها القيام بأعمال التفتيش البحري، وإيقاف السفن التي تحاول المرور عنوة داخل الخليج.

كما خصصت القيادة العامة مجهوداً جوياً لقوات "شرم الشيخ"، وقامت بتطوير مطار "الطور"، لتستخدمه المقاتلات والمقاتلات القاذفة، التي تعمل في معاونة "قوات شرم الشيخ" وقت الحاجة.

قام قائد المنطقة بالآتي:

1. تكليف سرية من الكتيبة 21 المشاة، ومعها كتيبة الحرس الوطني، وثلاث مدافع خفيفة مضادة للطائرات بالدفاع عن مطار "شرم الشيخ" والقاعدة البحرية المجاورة له.

2. دفع فصيلة حدود إلى كل من جزيرتي "تيران" و"صنافير"، وزود كل منها بمدفعين عيار 20ملليمتر.

3. وضع سرية مظلات في الاحتياطي العام للمنطقة.

4. وضع نظام للإنذار والمراقبة بالترتيب التالي:

·   تروب حدود، تم توزيعه، على نقط إنذار، في كل من: طابا، وجزيرة فرعون، وواسط، ودهب، ومرسى أم مريخة، وصنافير، وقد ذوّدت كل نقطة بالأسلحة الخفيفة والرشاشات، وطلقات الإشارة، ووسائل المواصلات السلكية واللاسلكية.

·   تدفع الكتيبة 21 المشاة، نقط إنذار في كل من نبق، ووادي أساويرة، ورويسات النمر، وصفرة العاط، وجبل تريز، والرجلات، وجبل عايدة، والنقطة 105، وزودتها بالأسلحة الخفيفة والمواصلات السلكية واللاسلكية.

·   تم الاتفاق مع الحكومة السعودية، على فتح نقط إنذار، على امتداد الساحل السعودي، في كل من: الشيخ حميد، ورأس قصبة، والقصبة، مع فتح جهاز لاسلكي في شرم الشيخ، على نفس تردد نقط الإنذار السعودي، لتلقي بلاغاتها عن الموقف أول بأول.

قوات العدو

تم تعبئة اللواء التاسع الميكانيكي بقيادة الألوف مشنيه "إبراهام يوفيه"، في منطقة حيفا شمال إسرائيل، للتحرك يوم 28 أكتوبر صوب الجنوب إلى جوار حدود الأردن، لغرض التموية، وفي العاشرة من مساء 31 أكتوبر، وصل الرتل شرق "الكونتلا"، في طريقه إلى "رأس النقب"، التي قامت بتأمينها مجموعة من مهندسي الاقتحام وحامية إيلات، وعندما وصلها مساء أول نوفمبر، وجد أمراً من "ديان " قد سبقه هناك، لبدأ التقدم نحو "شرم الشيخ".

أعاد "يوفيه" تشكيل قواته في رتل مسير، تم تنظيمه من مقدمة وقوة أساسية ومؤخرة كل من كتيبة ميكانيكية، كما دفع سرية الاستطلاع أمام القوة بنحو 30 كم، بينما سارت كتيبة مدفعية الميدان وبطارية الهاون الثقيل والتروب الخفيف المضاد للطائرات وعناصر الشؤون الإدارية والفنية في وسط الرتل، الذي اشتمل على 104 عربة 6 × 6 و32 عربة نصف جنزير، ونحو 60 عربة 4 × 4، وكانت القوة التي غادرت رأس النقب مساء أول نوفمبر حوالي 1800 فرد، و200 عربة من مختلف الأنواع.

حملت القوات معها، ما يكفيها من الذخيرة والطعام، ولمدة خمسة أيام من الماء، ووقود وزيوت لمسيرة 600 كم. تحسباً لاستحالة إمدادها بأية تعزيزات قتالية أو إدارية، خلال مسيرتها الطويلة إلى "شرم الشيخ"، وعليها أن تعتمد على كفايتها الذاتية القتالية والإدارية، حتى تنجح ففي احتلال وإعداد الميناء والمطار الموجودين "بشرم الشيخ" لاستقبال السفن والطائرات، التي سوف تحمل إليها المطالب ذات الأسبقية الحرجة.

ويذكر "ديان" في "قصة حياته"، في الحديث عن أهمية الوقت، ضرورة احتلال شرم الشيخ، قبل أن يصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بوقف العدوان أو فرض العقوبات على الدول الثلاثة المعتدية، وهو ما دفعه إلى دفع وحدة مظلات من مجموعة اللواء 202 بممر متلا، للهبوط في مطار الطور واحتلاله ريثما تدركها براً كتيبة من اللواء 12 المشاة ليتولى السجن ألوف "رفائيل إتيان" قيادة كل هذه القوات للهجوم على شرم الشيخ، من جهة الغرب، بينما تهاجم قوات "إبراهام"، من جهة الشمال.

التحرك في اتجاه شرم الشيخ

مجموعة يوفيه

في الساعة الخامسة من صباح نوفمبر، بدأ "يوفيه" وقواته المرحلة الأولى من المسيرة صوب شرم الشيخ، وصل إلى "نقب الشهيرة" حوالي الواحدة بعد الظهر، ليبدأ أشق المراحل بالتحرك فوق مرتفع رملي يستحيل على غير العربات نصف الجنزير أن تجتازه. وبعد معاناة شديدة وصلت القوات إلى قمة المدق عند غروب الشمس، بعد أن تركت ثمانية عربات تعذر إخراجها من الرمال.

عند الثانية بعد منتصف الليل استأنفت القوات المرحلة الثانية، إلى أن وصلت إلى قرية "دهب" على ساحل الخليج، بعد أن وقع غرب "دهب"، أول صدام بين رتل "يوفيه" ونقطة مراقبة الهجانة، التي يحتلها عشرة جنود من سلاح الحدود المصري وجهاز لاسلكي. انتهى بقتل عدّة جنود إسرائيليين، وقتل جميع جنود الهجانة بعد وقوعهم في الأسر.

وأثناء توقف "يوفيه" بقواته في "دهب" للراحة، والتزود بالوقود وأجراء بعض أعمال الصيانة وإصلاح العربات. وصلت سفينتان إبرار بحري، تحملان إليه الوقود وبعض احتياجاته الإدارية.

في السادسة مساءً، استأنفت القوات التحرك لبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة. وصلت القوات إلى "وادي كيد" في الثانية بعد منتصف ليلة 3 /4 نوفمبر، عند مدخل الوادي دخل الرتل في حقل ألغام، ثم تعرض لطلقات مدافع الماكينة والبازوكا والقنابل اليدوية من نقطة الإنذار على مدخل الوادي، فأُجبرت القوات المتقدمة على التوقف والارتداد للخلف، ومع بزوغ الفجر، دفع "يوفيه" جماعة استطلاع لتفتيش المنطقة، فوجدتها خالية من الجنود، الذين انسحبوا قبل الفجر. اندفعت قوات "يوفيه" خارج الوادي فوصلت قرية "نبق" حوالي التاسعة صباحاً. لم يعد يفصل "يوفيه" وجنوده عن هدفهم "شرم الشيخ"، سوى أربعين كم من الأرض الصالحة للتحركات، بعد أن قطعوا 250 كم في مدق شديد الوعورة خلال ثلاث أيام وليلتين.

مجموعة إيتان

بينما كانت مجموعة "يوفيه"، تتحرك ضحى الرابع من نوفمبر، لقطع المسافة الباقية بينها وبين "شرم الشيخ" من الشمال، كانت مجموعة "إيتان" تستعد في نفس الوقت لقطع ما بقى بينها وبين "شرم الشيخ" من جهة الغرب.

كان ديان قد أمر يوم أول نوفمبر بإسقاط سريتين من الكتيبة الثالثة المظلات في مطار الطور، بينما يستعد ألوف "رفائيل إيتان" للتقدم بسريتين أخريين من الكتيبة الأولى المظلات، لينضم براً إلى المظليين الذين تم إسقاطهم هناك.

وفي الساعة الثانية من بعد ظهر 2 نوفمبر، كان المظليون قد استولوا على المطار، الذي سرعان ما أعدوه لهبوط 25 طائرة نقل تحمل كتيبة مشاة من اللواء 12 المشاة، وبعض الإمدادات من الذخيرة والأسلحة.

وفي فجر 3 نوفمبر، تقدم "إيتان" بسريتي المظلات براً عبر "وادي سدر"، حيث استولى على معسكر حقول البترول، ثم واصل التقدم نحو بلدة "الطور" فبلغها عند الظهر، ليبادر بضم كافة القوات الإسرائيلية الموجودة بالمنطقة في مجموعة رتل واحد، للتقدم نحو "شرم الشيخ" في نفس الوقت الذي كانت قوات "يوفيه" تغادر منطقة "دهب" في طريقها إلى قرية "نبق".

في عصر 3 نوفمبر، وصلت مجموعة "إيتان" إلى المدخل الغربي لمنطقة "شرم الشيخ"، وفي أعقابها عربة الجنرال "ديان".

معركة شرم الشيخ (أُنظر خريطة الهجوم على شرم الشيخ)

بدأت الغارات الجوية علي منطقة "شرم الشيخ" في الساعة التاسعة من صباح 2 نوفمبر، واستمرت تسقط  القنابل، والصواريخ، والنابالم، ونيران الرشاشات، على المواقع الدفاعية، على امتداد الثلاث أيام التالية. ونجحت المدافع الخفيفة المضادة للطائرات في إصابة طائرتين من طراز المستير أمكن أسر أحد طياريها، وأرسل على الفور إلى القاهرة.

تأكد العقيد "محفوظ" من واقع برقية القيادة العامة التي وصلته، ومما أدلى به الطيار الأسير، أن هجوماً رئيسياً يتجمع حول "نبق"، ليبدأ الزحف جنوباً تحت مظلة جوية كبيرة، وأن مجموعة قتال أخرى في طريقها إليه من جهة "الطور"، فأرسل الفرقاطة "رشيد" إلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر، لتلجأ إلى إحدى موانيه بعد أن حشد على سطحها الجرحى والمدنيين، ثم تأكدت له أخبار تقدم العدو مرة أخرى من البلاغ اللاسلكي لنقطة مراقبة "دهب"، التي أفادت أن العدو احتل القرية.

عقد "محفوظ" مؤتمراً، لدراسة الموقف، واتخاذ الإجراءات اللازمة حياله، واتفق الحاضرون على أن أبرز العوامل المؤثرة على موقفهم بشرم الشيخ تتلخص في الآتي:

1. إن تقدم العدو من الشمال والغرب نحو "شرم الشيخ"، مع وجود قطع الأسطول البريطاني قرب مدخل الخليج يعني أن حصاراً كاملاً، قد ضُرب حول المنطقة، بينما طائرات العدو تمتلك السيادة الجوية.

2. إن استمرار توزيع قوات الدفاع على ثلاث مواقع دفاعية منعزلة، عن بعضها البعض في "رأس نصراني"، و"جبل عايدة"، و"شرم الشيخ"، يعني أن الدفاع سوف يكون ضعيفاً في كل مكان.

3. إن قوة جبل عايدة المكلفة أساسا بالعمل ضد جنود الإبرار الجوي، لم يعد هناك احتمال لإبرارهم في المنطقة، بعد أن اقتربت القوات البرية المتفوقة من الشمال والغرب.

4. إن تعرض المنطقة للحصار يجعل الميناء والمطار عديمي الفائدة.

5. إن الحل الأمثل لمواجهة هذا الموقف، هو تجميع كافة القوات المقاتلة في منطقة "شرم الشيخ"، حيث تدار المعركة لآخر طلقة.

الخطة الدفاعية الجديدة

بعد أن انتهى المؤتمر، وضع العقيد "محفوظ" خطته الجديدة على أساس قبوله الحصار في منطقة "شرم الشيخ"، وأعاد تنظيم هيكل الدفاع على النحو التالي:

1. موقع "شرم الشيخ"، تحتله الكتيبة 21 المشاة عدا سرية، مع دفع فصيلة مشاة إلى المطار لتأمينه، وفتح نقط ساترة في كل من النقط 105 ورأس نصراني.

2. سرية مشاة احتياطي عام، للقيام بالهجوم المضاد في اتجاه "رأس نصراني" أو "الطور" طبقاً لتطور القتال.

بدء القتال

بلغ التمهيد النيراني بالمدفعية والطائرات ذروته في الساعة العاشرة صباح 4 نوفمبر، عندما اقتحمت مجموعة اللواء 9 الميكانيكي بقيادة "يوفيه" دفاعات "رأس نصراني" لتجدها خالية من الجنود. فبادر بإعادة تجميع قواته لمواصلة التقدم نحو "شرم الشيخ".

وصلت مقدمة قوات "يوفيه" في الساعة 12 ظهراً أمام النقطة 105، لتجدها محتلة بجماعة مشاة مدعمة بالرشاشات المتوسطة، التي فتحت عليها نيرانها، فأوقعت بالموجة الأمامية عدة خسائر.

توقف الهجوم لتأتي الطائرات، وتقصف النقطة بنيرانها الكثيفة التي أوقعت بالجنود خسائر شديدة. وعندما حاول المقدم "حنا نجيب" قائد الكتيبة أن يعزز النقطة بفصيلة مشاة ومدفعي ماكينة، قصفت الطائرات أغلب جنودها، ودمرت المدفعين.

ثم استأنف "يوفيه" هجومه فاكتسح النقطة 105 حوالي الساعة الثانية عصراً ليجد كل جنودها بين شهيد وجريح، بعد أن نجحوا في تعطيل هجومه لأكثر من ساعتين. وبسقوط النقطة 105 تهيأ للعدو مركز ملاحظة جيد لمراقبة الدفاعات المصرية بشرم الشيخ، نظراً لارتفاع النقطة عن مستوى تلك الدفاعات.

وتابع "يوفيه" هجومه في الثالثة عصراً، ليقابل بنيران شديدة محكمة التصويب من السفوح الغربية للتلال، فأضطر إلى التوقف ريثما تقوم الطائرات الإسرائيلية بالتمهيد المعهود. وتوالت الغارات بالقنابل والصواريخ والنابالم. واستمر القذف الجوي حتى آخر ضوء 4 نوفمبر، الذي أوقع بالدفاعات دماراً كبيراً وخسائر بشرية شديدة.

بحلول الظلام راحت القوات المدافعة تصلح من شأنها وتعيد تنظيمها، وقد رأى العقيد "محفوظ" تعديل الحد الأمامي للجانب الشرقي لدفاعاته حول طريق "شرم الشيخ ـ رأس نصراني"، بعد أن صار يشكل بروزاً يتيح للعدو فرصة تطويقه تحت جنح الظلام، فقام بتحريك السرية التي تحتله نحو نصف كيلومتراً للخلف، دون أن يشعر العدو بذلك.

وحتى لا تُفقد الذخائر الموجودة بالمخازن نتيجة الضرب الجوي، أصدر العقيد "محفوظ" تعليماته بتوزيع ما بقى منها على الأفراد ومرابض النيران. وفي نفس الوقت كان الألوف مشنيه "يوفيه"، يعيد تنظيم قواته، ليشن هجوماً ليلياً، على الدفاعات المصرية.

صد الهجوم الليلي الأول

بعد أن أعاد "يوفيه" تنظيم قواته دفع مجموعة كتيبة ألية في الساعة الثامنة والنصف مساءً، للزحف على امتداد طريق "رأس نصراني ـ شرم الشيخ"، بهدف اقتحام دفاعات السرية التي كان العقيد "محفوظ" قد حركها نصف كيلو متر للخلف، فلما وصلت إليها الكتيبة المهاجمة ولم تجدها ظن "يوفيه"  أن الدفاعات انهارت وتركها جنودها، فأمر بالتقدم نحو "شرم الشيخ".

إلا أنها ما أن دخلت في المرمي المؤثر، حتى فوجئت بنيران الدفاعات تنصب عليها من كل ناحية، فأوقعت بها خسائر كثيرة اضطرتها للتوقف، وبعد مجهود شاق نجح "يوفيه" في سحب الكتيبة للخلف، ثم راح يعيد تنظيم قواته للمرة الثانية تمهيداً لهجوم جديد.

صد الهجوم الليلي الثاني

قرر "يوفيه" أن يشن هجوماً ليلياً مدبراً، ليحتل المنطقة الواقعة بين طريقي "شرم الشيخ ـ رأس نصراني" و"شرم الشيخ ـ الطور". وبعد منتصف الليل، دفع كتيبة ألية تحت ستر نيران المدفعية والهاونات، لتقتحم تلك المنطقة، ولكنها سرعان ما تورطت في حقول الألغام، قبل أن تصل إلى مشارفها، ثم انهالت عليها نيران الأسلحة الصغيرة بكثافة شديدة، ومن عدة إتجاهات.

ونظراً لأن الأرض في تلك المنطقة كانت مفتوحة ومنبسطة وخالية تماماً من السواتر. فقد تكبدت الكتيبة المهاجمة خسائر شديدة، وقتل قائدها وستة من قادة جماعاتها، كما أصبحت غير قادرة على استمرار التقدم للأمام أو النكوص على الأعقاب.

وعندما بلغ الخطر مداه، أصدر "يوفيه" الأمر بالانسحاب حوالي الساعة الرابعة والنصف من فجر 5 نوفمبر.

سقوط شرم الشيخ

اقترب الفجر، وأصبح قرار إيقاف النيران أو فرض العقوبات على وشك الصدور من الأمم المتحدة بين لحظة وأخرى، وأصر "ديان" على احتلال مدخل الخليج قبل ظهر 5 نوفمبر، مهما كانت العراقيل. لذلك قرر الآتي:

1. تركيز مجهود جوي بالغ الشدة فوق دفاعات "شرم الشيخ"، بمجرد أن يبزغ فجر 5 نوفمبر.

2. تنسيق الهجوم على تلك الدفاعات من ناحية الشمال والغرب في حركة كماشة قوية.

3. أن يسيطر رئيس الأركان بنفسه على المعركة، وخاصة معركة المظليين.

وفي أول ضوء، كانت الطائرة تقل الجنرال "ديان" إلى الطور، حيث استقل إحدى العربات، وتوجه بها إلى "شرم الشيخ"، ليلحق بمجموعة قتال "إيتان"، ويشرف على دفعها للقتال.

جاءت المقاتلات القاذفة مع ضوء الصباح، لتلقي حمولتها على المواقع الدفاعية، وكانت الغارات من الشدّة والإحكام بما دفع الجنرال "ديان" أن ينوه في يومياته "بأن العنصر الحاسم في سقوط الشرم كان السلاح الجوي الإسرائيلي".

وصاحب تلك الغارات تمهيد مدفعي، أُحكمت نيرانه نقطة الملاحظة فوق النقطة 105، علاوة على نقطة ملاحظة أخرى جوية، ولم يكن العقيد "محفوظ"، يملك ولو مدفع ميداني واحد، ليرد به على تلك النيران، التي استمرت تمزق دفاعاته حتى الساعة الثامنة صباحاً.

وكان "يوفيه" قد أرسل في الساعة السادسة طائرة بايبركب، ليطلب من "إيتان" أن ينسق معه الهجوم على الدفاعات، بمجرد انتهاء فترة التمهيد النيراني.

وفي الثامنة وخمس دقائق، تقدمت مجموعة اللواء التاسع الميكانيكي نحو الجانب الشمالي للموقع الدفاعي، والتفت حوله، لتتجنب حقل الألغام الوقائي، ثم هاجمت الموقع الغربي بوادي خشبي  من الخلف، فتمكنت من الاستيلاء على  المرتفعات الموجودة في منتصفه ومؤخرته.

وصلت مجموعة قتال "إيتان" إلى نفس الموقع الساعة الثامنة والنصف، حيث بدأت تهاجمه من جهة الغرب، فوقع بذلك بين فكي كماشة، قوة اللواء التاسع الميكانيكي من الشمال وقوة المظليين من الغرب، وكلها داخل ناقلات جند مدرعة نصف جنزير.

واستمر الموقع يبذل غاية جهده في صد الهجوم حتى الساعة التاسعة صباحاً، عندما تمكن الأعداء من اجتياحه، فانفتح الطريق على مصراعيه إلى قلب منطقة "شرم الشيخ"، التي قام العدو بالاستيلاء عليها في ضحى نفس اليوم.

ووقع العقيد "محفوظ"، وأركان حربه الرائد "عبد القادر عيد"، والمقدم "حنا نجيب" قائد الكتيبة 21 المشاة، ونحو ثلاثمائة من الرتب الأخرى في الأسر.

وبعث "بن جوريون" برسالة تهنئة لجنوده قرأها عليهم الجنرال "ديان" على أرض مطار "شرم الشيخ".

منطقة شرم الشيخ

القوات المصرية

قائد منطقة شرم الشيخ.

قائمقام رؤوف محفوظ

قائد الكتيبة 21 مشاة.

بكباشي حنا نجيب

أركان حرب منطقة شرم الشيخ

صاغ أركان حرب عبدالقادر عيد

القوات الإسرائيلية

قائد اللواء التاسع الميكانيكي

ألوف مشنيه أبرهام يوفيه

قائد قوات الهجوم على شرم الشيخ من جهة الغرب

سجان ألوف روفائيل إتيان