إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / العدوان الثلاثي، حرب عام 1956





مسرح الشرق الأوسط
مسرح عمليات حرب العدوان
معركة أم قطف
معركة ممر متلا
معركة رفح
خطة موسكتير المعدلة
خطة موسكتير المعدلة النهائية
خطة الآلاي الثاني

مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجوم على شرم الشيخ
توزيع القوات المصرية



المبحث الثالث

رابعاً: تكوين محور العدوان (أُنظر شكل خطة موسكتير المعدلة)

أثناء وجود لجنة "منزيس" في مصر ذهب الجنرال "ستوكويل ـ Hugh Stockwell" القائد الإنجليزي المعين لخطة الغزو إلى مقابلة رئيس الوزراء "إيدن" وعرض عليه آخر تفاصيل الإعداد للخطة. ومن ناحيته فإن "إيدن" أخطر الجنرال "ستوكويل" بآخر القرارات في عملية الإعداد السياسي للغزو وبينها

إن فرنسا سوف تكون شريكاً وأن النظير الفرنسي للجنرال "ستوكويل" سوف يكون الأميرال "بارجو ـ Barjot, Pierre" وتحته الجنرال "أندريه بوفر ـ Andre Beaufre" قائداً للعمليات البرية بعد الإنزال. كما أن الجنرال البريطاني "كيتلي ـ Charles  Keightley" سوف يكون هو القائد العام لقوات الحلفاء المشتركة في حين يتولى الجنرال "ستوكويل" قيادة الميدان كما تعدل أسم الخطة ليكون  "الفرسان ـ Musketeers " بدلاً من "الفارس". (أُنظر ملحق قيادة العمليات المشتركة)

ثم طلب "إيدن" إلى "ستوكويل" تأجيل موعد يوم الغزو من 15 سبتمبر إلى يوم آخر حتى تكون نتائج بعثة منزيس في القاهرة قد اتضحت وظهرت أمام العالم. وسوف يتقرر الموعد الجديد لبدء العمليات بالتشاور مع رئيس الوزراء الفرنسي "جي موليه".

أشار إيدن إلى أنه سوف يطلب من رئاسة الأركان إعادة دراسة خطة الغزو لأن "أصدقاءنا الفرنسيين يرون أن يكون المجهود الرئيسي لعملياتنا العسكرية المشتركة موجهاً إلى بورسعيد وليس الإسكندرية مادام هدفنا هو قناة السويس"[5].

في 1 سبتمبر وأثناء وجود بعثة "منزيس" بالقاهرة قررت وزارة الدفاع الفرنسية أن تخطر إسرائيل بعملية "الفرسان" التي تخطط لها بالتعاون مع بريطانيا. وأبرق الملحق العسكري الإسرائيلي في باريس إلى الجنرال "موشي دايان" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول له: "إن الفرنسيين يفكرون في دعوة إسرائيل للاشتراك في الحملة بعد بدايتها بأسبوع".

وفي يوم 7 سبتمبر اجتمع الأميرال "بارجو" مع الجنرال "مائير اميت ـ Meir Amit" رئيس الاستخبارات الإسرائيلية ليسأله في نقطة محددة: "هل يمكن للطائرات الفرنسية أن تستخدم مطارات إسرائيل في عملياتها ضد مصر؟". ورد مائير اميت "أن الأمر يحتاج إلى قرار سياسي وأنه سوف يرجع إلى الحكومة".

وفي 10 سبتمبر 1956 بدأ الرئيس جمال عبدالناصر بالهجوم الدبلوماسي بعد انتهاء لجنة "منزيس" من عملها في شكل مذكرة صادرة من الحكومة المصرية في 10 سبتمبر، وجهتها إلى 45 دولة تدعوها إلى مؤتمر لإعادة النظر في اتفاقية القسطنطينية سنة 1888، وعقد اتفاق بين مصر وتلك الحكومات جميعها يؤكد ويضمن، حرية الملاحة في القناة، الاتفاق على رسوم عادلة، تخصص نسبة من الرسوم لتطوير القناة، وتعويض حملة الأسهم في شركة القناة المؤممة.

وفي 18 سبتمبر كان " شيمون بيريز" مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية في باريس ليجتمع مع "موريس بورجيس مونوري ـ Bourges Maunoury, Maurice" وزير الدفاع الفرنسي الذي قال له: "أن فرنسا تدعو إلى عمل عسكري عاجل ضد عبدالناصر مع أخذ الموقف في شمال أفريقيا في الحسبان ولكن حلفاءنا الإنجليز يرون أهمية التحضير السياسي قبل بدء العمل العسكري وهم يرون أن ذلك قد يستغرق قرابة شهرين". ثم قال "مونوري" لـ "بيريز" "أرجوك أن تحدثني عما يدور في أذهانكم بدقة". وأجاب بيريز: "أنه مضطر للرجوع إلى "بن جوريون" ليعطي إجابة دقيقة". وبعد يومين رد بن جوريون "أنه مستعد للتعاون سياسياً وعسكرياً مع فرنسا بهدف شن حرب على مصر".

عاد "بيريز" إلى تل أبيب وقدم تقريراً عن مباحثاته في باريس إلى "بن جوريون"، واجتمعت الوزارة الإسرائيلية يوم 25 سبتمبر وقدم "بن جوريون" الموضوع لمجلس الوزراء على النحو التالي: "إن أمامنا قراراً إستراتيجياً ربما كان أخطر قرار مثل تأسيس الدولة ومن رأيي قبوله، ففرصة تعاوننا مع دولة كبرى مثل فرنسا لن تتاح لنا مرة أخرى". ووافق مجلس الوزراء.

في 28 سبتمبر سافر وفد إسرائيلي[6] إلى فرنسا بتوجيهات من "بن جوريون" تتلخص في الآتي:

1. أن إسرائيل لن تشن حرباً وحدها، وإذا طلب منا القيام بعمل بالتوازي مع بريطانيا وفرنسا فإننا سنبحث ذلك بتفهم.

2. أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون على علم بالعمليات المرتقبة ويجب ألا يكون لها اعتراض عليها ويجب أن تتلقى تأكيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفرض عقوبات أو حظر من أي نوع ضد إسرائيل.

3. أن بريطانيا يجب أن تكون على علم بما يجري ويجب أن توافق وأن تتعهد بأن لا تساعد أي دولة عربية تنضم إلى مصر.

4. أن هدفنا هو أن تحقق السيطرة الإسرائيلية على الشواطئ الغربية لخليج العقبة كضمان لحرية مرور السفن الإسرائيلية في ذلك الممر المائي وربما فكرنا في نزع سلاح سيناء كاملاً ووضعها تحت رقابة قوة دولية.

وفور عودة الوفد الإسرائيلي دعا "ديان" هيئة الأركان ليعطيهم الأمر الإنذاري الأول ويبلغهم بالاحتمال القوي لعمل مشترك مع فرنسا وبريطانيا ضد مصر ويقول ديان في مذكراته: " قلت لهم أننا لن نصدر الأمر بالتعبئة العامة في هذه المرحلة ولكن الترتيبات للتعبئة يمكن أن تبدأ الآن.

في 5 أكتوبر عقد "ديان" اجتماعاً مع الهيئة الداخلية لقسم العمليات لعرض خطة العمليات ضد مصر وقد اختير لها الاسم الرمزي "العملية قادش"، والغرض منها "إرباك تشكيل القوات المصرية" وبمعنى آخر "احتلال تقاطع الطرق والمواقع الرئيسية التي تتيح لنا السيطرة على المنطقة وتؤدي إلى استسلامهم".

1. مؤتمر لندن الثاني في 19 سبتمبر

كان "إيدن" في لندن لا يزال يحاول تمهيد الجو السياسي بعد أن فشلت عملية انسحاب المرشدين الأجانب من قناة السويس. وتوصل بالاتفاق مع "دالاس" إلى أنه قد يكون من المناسب دعوة مؤتمر لندن إلى الاجتماع مرة ثانية لكي يسمع تقرير لجنة "منزيس" التي أوفدها إلى مصر.

وكان دالاس قد اقترح فور فشل لجنة منزيس أن يتكون ناد للمنتفعين يستأجر المرشدين وينظم الملاحة ويتولى بواسطتهم إدارة القناة. ثم قام دالاس باستدعاء السفير الفرنسي وعرض الاقتراح عليه بعد أن عرضه على السفير البريطاني.

ولو نظرنا إلى مواقف الدول التي سبق أن ساندت مقترحات دالاس في مؤتمر لندن الأول لوجدنا أن عدداً كبيراً منها حدد موقفه برفض المشروع المقترح لهيئة المنتفعين. لقد أيد مصر في موقفها قبل مؤتمر لندن الثاني 29 دولة[7] وقفت مع مصر في وضوح وعارضت مشروع هيئة المنتفعين. وإذا أضفنا إلى هذه القائمة الدول المعارضة للمشروع والتي قبلت مع ذلك الدعوة إلى مؤتمر لندن الثاني لظهر لنا أنه عندما افتتح هذا المؤتمر أعماله في 19 سبتمبر كان حساب القوة العالمية قد اتجه بمؤشراته وثقله إلى جانب مصر.

في هذا الجو السياسي المناوئ لجمعية المنتفعين، عقد مؤتمر لندن أولى جلساته يوم 19 سبتمبر. وبدأ وزير الخارجية البريطاني "سلوين لويد" الذي انتخب رئيساً للمؤتمر، إلقاء خطاب أشار فيه إلى فشل لجنة "منزيس" وأكد أن اقتراحات الـ 18 (يقصد الـ 17 مضافاً لهم أسبانيا) مازالت قائمة. وأعاد "لويد" القول بأن الشركة كانت جزءاً من اتفاقية عام 1888. وأنه من الضروري تعاون الدول المستخدمة للقناة من أجل المحافظة على مصالحها.

على أنه إزاء نجاح مصر في إدارة القناة رغم سحب المرشدين، فقد لجأ "لويد" إلى تبرير الجمعية المقترحة بالقول إن الضرر الذي سببه قرار حكومة مصر لا يتصل بالعمليات الفنية فحسب بل يتصل أيضاً بمستقبل القناة السياسي والفني.

أنهى مؤتمر لندن الثاني أعماله بالبيان الختامي الذي ناقش اقتراح مصر في 10 سبتمبر بالدعوة إلى مؤتمر عالمي لبحث المشكلة وانتهى رأي المنتفعين إلى أن الاقتراح غامض ولا ينطوي على قواعد صالحة للمناقشة، وجدير بالذكر هنا ما سببه هذا الاقتراح من إحراج لأعضاء المؤتمر لأنهم جميعاً لم يجدوا في الواقع ما يمكن قوله سوى أنه يحتاج إلى إيضاح أو أن قبوله يلغي قيام جمعية المنتفعين وأنه لابد من البحث عن صيغة تكفل عدم إحراجهم. ثم أصدر المؤتمر بياناً بإنشاء هذه الجمعية وعقد مؤتمر آخر لبحث إجراءات إنشائها وبذلك تمخض المؤتمر عن مجرد تصريح وحتى التصريح لم يكن ملزماً للحكومات التي ترك لها الموقف لدراسته والنظر في الانضمام إليه.

2. فشل بريطانيا وفرنسا

بعد فشل مؤتمر لندن الثاني وكذا فشل مؤامرة سحب المرشدين، لم يبق لبريطانيا وفرنسا إلا طريقاً واحداً هو العدوان على مصر. ولم تكن مؤتمرات لندن أو الاتصالات مع الولايات المتحدة قد أوقفت الاستعدادات العسكرية، فتحركات القوات مستمرة، وحشد القوات في قبرص ومالطة يسير في طريقه المرسوم. والقيادتان الفرنسية والبريطانية تنسقان الخطط وترتبان عملية غزو مصر.

وإذ يئست الدولتان بريطانيا وفرنسا، من إمكان حمل مصر بالطرق السلمية على قبول حل يحقق أغراضهما. وتحت الضغط المتزايد لعدم استخدام القوه سواء من جانب الدول التي وافقت على الانضمام إلى هيئة المنتفعين، أو التي عارضتها، أو من جانب الرأي العام العالمي الذي عارض بشدة سياسة الالتجاء للقوة، تظاهرت الدولتان بالجنوح للسلم وتقدمتا بشكوى يوم 23 سبتمبر إلى مجلس الأمن ضد مصر بأنها أنهت من جانب واحد نظام الإدارة الدولي لقناة السويس الذي أكدته، وأكملته معاهدة عام 1888.

هذه الدول هي: الإتحاد السوفيتي، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، الصين الشعبية، الهند، باكستان، سيلان، بورما، كمبوديا، إندونيسيا، أفغانستان، نيبال، المغرب، تونس، ليبيا، السودان، السعودية، اليمن، العراق، الأردن، سورية، لبنان، بنما، اليونان، أسبانيا.وفي 29 سبتمبر سافر "إيدن" و"لويد" إلى باريس لإجراء مباحثات مع "جي موليه" و"كريستيان بينو". وصدر بيان يزعم أن الهدف منها هو تقوية التضامن الأنجلوـ فرنسي في كل مجال. وظهر أن الرأي قد استقر في مباحثات باريس بين "إيدن" والزعماء الفرنسيين على استخدام القوة التي تحدد لها يوم 8 أكتوبر للهجوم على مصر، وقد أشار "جي موليه" أثناء تلك المباحثات إلى إمكانية إشراك إسرائيل في العدوان.

خامساً: طرح القضية على مجلس الأمن

بانتهاء مؤتمر لندن كانت بريطانيا تريد استنفاد جميع إمكانات الحلول السلمية ثم كسب الوقت للاستعداد العسكري، لذا أبلغت بريطانيا وفرنسا مجلس الأمن بالقضية، مع أن "دالاس" كان لا يفضل هذا الحل لأن الفيتو السوفيتي المتوقع سيجعل الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة إلى الاختيار بين التضامن الأطلسي ومساندة مصر، وذكر "دالاس" في مؤتمر صحفي: "لن أدعهم يشقون لأنفسهم طريقاً في القناة بواسطة المدافع".

أما عبدالناصر فقد تصور أن معركته ضد إيدن وموليه بالقرب من نهايتها، وأن ذهاب بريطانيا وفرنسا بالشكوى إلى مجلس الأمن معناه أنه لم يبقى لديهم ما يفعلونه ضد مصر غير تسجيل موقف في الأمم المتحدة.

بدأ اجتماع مجلس الأمن يوم 5 أكتوبر وقدم سلوين لويد وبينو وزيراً خارجية كل من بريطانيا وفرنسا اقتراحاً بمشروع قرار يعيد بطريقة أخرى القرارات التي اتخذتها لجنة الثمانية عشرة في اجتماع لندن.

وقد حدث أثناء المناقشات الجانبية أن قال سلوين لويد للدكتور محمود فوزي، وزير خارجية مصر، "لماذا لا تقبلون إحالة الأزمة إلى محكمة العدل الدولية أو إلى التحكيم؟ " وكان رد محمود فوزي: "إن الأزمة ليست ناشئة عن خلاف بين دول وإنما ناشئة عن إجراء  اتخذته مصر لحقوق سيادتها وهو تأميم شركة مصرية فكيف تقبل فيه محكمة أو تحكيما؟ " وقال لويد: "إن العالم كله يجمع على أن قناة السويس يجب عزلها عن سياسة أي دولة واحدة وإن إدارتها يجب أن يشارك فيها المنتفعون بها وبالفعل فقد أنشأنا هيئة للمنتفعين بموافقة أغلبية الدول البحرية". فقال له فوزي: "إنه لا يعرف شيئاً اسمه هيئة المنتفعين". وانفعل لويد وقال: "لابد أن تعرفوا أن هيئة المنتفعين ولدت لتبقى". ورد الدكتور فوزي: "بأنه لم يسمع عن مولود اسمه هيئة المنتفعين". ورد لويد وقد زادت عصبيته: "إن المولود أمام عيونكم وقد اعترفت به أغلبية العالم". وسأله فوزي ألا تقولون لنا أولاً إذا كان المولود ولداً أم بنتاً؟  وفقد "لويد" أعصابه وشكا لـ "همرشولد" من أن  وزير خارجية مصر يسخر منه !.

في 8 أكتوبر، تحدث محمود فوزي، ورفض الاقتراحات. الفرنسية البريطانية. وأوصى بإنشاء هيئة للمفاوضات، على أساس الحرية التامة للملاحة في القناة وإقامة نظام يشترك فيه المنتفعون والهيئة المصرية التي تقوم بإدارة القناة.     

ثم تحدث المندوب السوفيتي ورفض الاقتراحات البريطانية والفرنسية وأعلن أن هذه الاقتراحات إنما تشكل إنذاراً جديداً لمصر.

تحدث "دالاس" وقال أن للاقتراح المصري وجهاً بناءً حيث يقترح إجراء مفاوضات بين جمعية المنتفعين وبين مصر. وفي الحقيقة كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية محيراً فالخلاف الذي يبدو بين موقف حلفاء الغرب الثلاث فرنسا وبريطانيا وأمريكا، هو خلاف على الوسائل وليس الغايات فالولايات المتحدة الأمريكية تحاول إفراغ الموقف من احتمال استخدام القوة المسلحة لأن ذلك قد يؤدي إلى تصادم بينها وبين الاتحاد السوفيتي ثم أنه يسئ إليها عربياً ودولياً أن تؤيد عملية عسكرية يحركها منطق القرن التاسع عشر ويحكمها أسلوب دبلوماسية مدافع البوارج.

1. المفاوضات السرية في مكتب همرشولد

بعد خطاب دالاس يوم 9 أكتوبر، بدأت المحادثات الخاصة بين محمود فوري ولويد وبينو في مكتب همرشولد، واستمرت حتى مساء يوم 11 أكتوبر. وقد استغرقت هذه المفاوضات ستة اجتماعات انتهت بتقديم "همرشولد" مذكرة عما أسماه (بالاحتياجات) تحتوي على ست نقاط:

أ. أن يكون المرور عبر القناة حراً ومفتوحاً ودون تميز مباشر أو غير مباشر لجميع السفن.

ب. أن تحترم سيادة مصر.

ج. أن تعزل إدارة القناة عن سياسة أية دولة.

د. أن تقرر رسوم القناة بالاتفاق بين مصر والمنتفعين.

هـ. أن تخصص نسبة عادلة من الرسوم لتنمية القناة.

و. في حالة الخلاف بين الحكومة المصرية وشركة القناة يلجأ إلى التحكيم.

وفي يوم 12 أكتوبر اجتمع مجلس الأمن في جلسة سرية عرض "همرشولد" الموقف خلالها وقال إن المباحثات كانت استكشافية لمحاولة إيجاد مجال مشترك للتراضي بين الأطراف فشملت (الاحتياجات) التي يجب التراضي عليها أولاً ثم وسائل تنفيذها، وقد اتفقت الأطراف على  المبادئ الستة، أما عن الناحية التنفيذية فكان من المستحيل أن يصل الأطراف إلى مثل هذه الأمور المعقدة في وقت ضيق. وأعلن الدكتور محمود فوزي أن المبادئ الستة ترضي مصر مع تحفظها على مبدأ عزل القناة عن السياسة وقال لويد إن المبادئ لا تصل بنا إلى نظام مرضي وأن مقترحات الدول الثماني عشرة ما زالت أفضل أساس، ولكن ذلك لا يمنع من أنه قد توجد وسيلة أخرى لتنفيذ هذه الاقتراحات.

وفي 13 أكتوبر قدمت بريطانيا وفرنسا مشروع قرار عدلتا به عن مشروع قرارهما الأول، وقد احتوى مشروع هذا القرار على جزءين، اشتمل الجزء الأول على المبادئ الستة التي عرضها "همرشولد"، أما الجزء الثاني فكان إعادة تأكيد مقترحات الدول الثماني عشرة بلندن التي هدفت إلى إعادة فرض السيطرة الدولية على القناة.

وقد عرض المشروع السابق على مجلس الأمن للتصويت على قسمين يضم القسم الأول المبادئ الستة وقد وافق عليها المجلس بالإجماع وقد سبق لمصر أن قبلتها أثناء المفاوضات السرية. أما الجزء الثاني فقد أيدته تسع دول وعارضته مصر وكذا الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وبذلك أسقطه الفيتو السوفيتي. ومع هذا اتفق فوزي ولويد وبينو على الاجتماع في جنيف لمناقشة تطبيق النقاط الستة الأصلية. وتحدد يوم 29 أكتوبر موعداً لهذا الاجتماع.

مع انتهاء جلسات مجلس الأمن شعر الرئيس "أيزنهاور" و"دالاس" بالرضا عن نتائج المناورات التي انتهجاها. وأكد "دالاس" لزملائه في وزارة الخارجية أنه يعتقد الآن أن الخطط العسكرية الأنجلوـ فرنسية قد (ذهبت أدراج الرياح). كما قال أيزنهاور في مؤتمر صحفي "يبدو أننا تخطينا أزمة خطيرة. ولا يعني هذا القول أننا قد تجاوزناها تماماً، لكنني تحدثت مع وزير الخارجية .. وبوسعي أن اخبركم أن كلانا يصلي لله شكراً على ما منحنا إياه".

وتقرر أن تبدأ المباحثات بين وزراء خارجية الدول الثلاث مصر وفرنسا وبريطانيا في جنيف ـ Geneva يوم 29 أكتوبر ولكنهم اخلفوا الميعاد، وكان هذا التوقيت هو وقت بدأ تنفيذ المخطط العسكري في محاولة أخرى لاسترداد القناة.

2. اجتماع باريس

هذه الدول هي: الإتحاد السوفيتي، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، الصين الشعبية، الهند، باكستان، سيلان، بورما، كمبوديا، إندونيسيا، أفغانستان، نيبال، المغرب، تونس، ليبيا، السودان، السعودية، اليمن، العراق، الأردن، سورية، لبنان، بنما، اليونان، أسبانيا.

في غمار هذه التطورات التي كاد مجلس الأمن أن ينتهي فيها من بحث المشكلة وتحديد المبادئ التي ستقوم عليها التسوية السلمية، وبينما السكرتير العام يستعد لاستئناف المباحثات قام وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا بمغادرة نيويورك فجأة ليحضرا اجتماعاً بباريس يوم 16 أكتوبر بين رئيس الوزراء الفرنسي ونظيره البريطاني. وقد بحث في هذا الاجتماع آخر تفاصيل خطة إسرائيل العدوانية بعد تعديلها إلى هجوم مباشر ضد مصر، واتفق على أن تبدأ إسرائيل هجومها في أول نوفمبر.

ثم تقرر تعديل الخطة بحيث يبدأ الهجوم الإسرائيلي مبكراً عن أول نوفمبر حتى يسمح للقوات الأنجلو ـ فرنسية أن تبدأ عملية الغزو البحري لبور سعيد في الخامس من نوفمبر وهو نفس يوم إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية. وقد بدأ  الصمت يطبق على عواصم التآمر، وأسدل ستار من السرية حول الخطط والتوقيتات الجديدة، وشكى أعضاء السفارة الأمريكية في كل من لندن وباريس من السرية والكتمان الذي أصبحا يلقيانه من حكومتي بريطانيا وفرنسا.

3. معاهدة سيفر (أُنظر ملحق برتوكول سيفر 24 أكتوبر سنة 1956)

حان لقاء المتآمرين البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين وجها لوجه ولأول ولأخر مرة، فاجتمع ممثلو البلدان الثلاثة في 22 أكتوبر لتنسيق توقيتات ومراحل خططهم الحربية. وفي سرية تامة توجه أعضاء الوفود الثلاثة إلى قصر فخم منعزل في ضاحية "سيفر ـ  Severs" إحدى ضواحي مدينة باريس، وكان الوفد الإسرائيلي برئاسة بن جوريون يضم موشي دايان وشيمون بيريز.

بدأت الاجتماعات السرية التي أصر عليها "بن جوريون" قبل أن يدفع جيشه للحرب وبدأ "بن جوريون" بعرض خطته التي تلخصت في القضاء على "عبدالناصر" وتقسيم الأردن والاستيلاء على الجنوب اللبناني. رفض "جي موليه" مشروع "بن جوريون" وطلب الانتقال إلى مناقشة جوهر عملية التواطؤ.

وبعد مناقشات حامية وقع وثيقة "سيفر" كل من "بن جوريون" و "كريستيان بينو" و"باترك دين". ونصت وثيقة "سيفر" على أن تهاجم إسرائيل أولاً وأن توجه بريطانيا وفرنسا "نداءين" ـ وليس إنذارين، نظراً لاعتراض "بن جوريون" على مخاطبة إسرائيل بهذه اللهجة ـ إلى مصر وإسرائيل في اليوم التالي، وأن تهاجم القوات الجوية الأنجلوـ فرنسية مصر خلال 36 ساعة.

وقد أصرت بريطانيا على أن تتعهد إسرائيل بعدم مهاجمة الأردن وهو ما وافق "بن جوريون" على أن تتضمنه الورقة. وكان "بن جوريون" قد حصل على ورقة أخرى من وزير الدفاع الفرنسي جاء بها "تتعهد الحكومة الفرنسية بوضع سرب من طائرات Mysteres- 4A وسرب من المقاتلات القاذفة من طراز F- 48 في إسرائيل في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر لضمان الدفاع الجوي عن الأراضي الإسرائيلية، وكذا ترابط سفينتان من الأسطول الفرنسي في الموانئ الإسرائيلية خلال نفس الوقت" وتحددت ساعة الصفر للهجوم الإسرائيلي لتكون بعد ظهر يوم 29 أكتوبر.

عاد بن جوريون إلى إسرائيل ومعه نسخة من معاهدة "سيفر" السرية التي كتب عليها جملة "لا تنشر إلى الأبد"، وجلس فوراً مع وزرائه الذين أحاطهم علماً بعزمه على إصدار أمر التعبئة العامة لمواجهة التحالف العربي الجديد الذي طوق إسرائيل ووضعها في خطر مباشر وداهم. وهكذا وفي أقل من 24 ساعة من توقيع معاهدة "سيفر" استعد مسرح العمليات لحرب قادمة.

كما صدر القرار النهائي بتنفيذ الخطة "الفارس النهائية المعدلة" (أُنظر شكل خطة موسكتير المعدلة النهائية)، يوم 25 أكتوبر فبدأت قوات العدوان التحرك من قواعدها بالجزائر وجنوب فرنسا. وأعلن أن تحركات الأسطول الفرنسي البريطاني ليست إلا تحركات تمليها مطالب التدريب وتُحَتمها دواعي المناورات الروتينية. وقامت إسرائيل بتعبئة قواتها سراً، وعلى مراحل متتالية، استمرت خمسة أيام وأعدت تدابيرها النهائية للحرب. وأخطرت شركائها أن بدء عملية "قادش" المعدلة سوف يبدأ يوم 29 أكتوبر. (أُنظر جدول الفتح الإستراتيجي لقوات العدوان)

وبهذا أصبح بدء الخطة "فارس النهائية المعدلة" (أُنظر جدول إجمالي قوات العدو بعد إتمام الفتح الإستراتيجي) و(جدول مقارنة القوات المتضادة بعد إتمام الفتح الإستراتيجي)هو يوم 7 أو 8 نوفمبر وكان للتاريخ الأخير أهمية خاصة فهو يعقب يوم الانتخابات الأمريكية في 6 نوفمبر .. وكان هناك شبه اعتقاد بأن"أيزنهاور" سوف يغض الطرف عنه.

سادساً: موقف الولايات الأمريكية من الأحداث

في 27 أكتوبر بعث السفير الأمريكي في تل أبيب بتقرير إلى حكومته قال فيه: "إن هناك تعبئة عامة في إسرائيل والموقف خطير". فأصدر الرئيس "أيزنهاور" تعليماته على الفور بإرسال رسالة إلى "بن جوريون" اشتملت على قلقه البالغ من التعبئة الإسرائيلية وخطورة ذلك على الوضع في منطقة الشرق الأوسط. كما أخبره بأنه أصدر تعليماته لبحث هذا الموقف مع بريطانيا وفرنسا.

عندما قام سفير أمريكا في لندن بالتحري عما يحدث في الشرق الأوسط بسؤال وزير خارجية بريطانيا عن مغزى التعبئة في إسرائيل فأجابه بأنه لا يعرف، وأن البريطانيين في ظلام دامس بالنسبة لذلك، وأن الحكومة البريطانية قد حذرت الإسرائيليين بعدم الهجوم على الأردن. وعندما سأله: هل إسرائيل ستهاجم مصر؟ فأجاب بقوله: ليس لديه أية معلومات على الإطلاق.

في 28 أكتوبر وبعد تلقى "أيزنهاور" معلومات مزعجة من السفير الأمريكي في تل أبيب عن التعبئة الإسرائيلية الشاملة بعث برسالة إلى "بن جوريون" يقول فيها" أنني أذكرك بالمشروع السابق لـ"دالاس" وهو عدم اتخاذ خطوات عنيفة تهدد السلام في الشرق الأوسط. وقد أرسل هذه الرسالة أيضا إلى كل من لندن وباريس". وكذا صدرت التعليمات بإجلاء الرعايا الأمريكيين عن إسرائيل واستدعى "دالاس" السفير الإسرائيلي " أبا إيبان ـ Abba Eban" في نفس اليوم واستفسر منه عن أسباب التعبئة فرد أنها لأغراض دفاعية ثم استدعى القائم بأعمال بريطانيا والقائم بأعمال فرنسا، وقال لهما إذا بدأ القتال ستطلب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة الأمريكية إيقافه، إن استخدام القوه سيصبح نقطة سوداء تلطخ سمعة الغرب في العالم وسيكون تدخلا غير مشروع يتعارض مع أحكام القانون الدولي.

كانت واشنطن حتى هذه اللحظة تجهل تماما أي معلومات عن لقاء "سيفر"، لكن في وقت متأخر من مساء يوم 28 أكتوبر تجمعت أمام اللجنة الاستشارية لوكالة الاستخبارات المركزية دلائل كافية جعلتها تجزم بأن هدف التحركات الإسرائيلية هو مصر. وتم على الفور إرسال تحذيرات إلى "أيزنهاور" وكل هيئات الأركان المشتركة بأن إسرائيل ستهاجم مصر" في وقت قريب للغاية " وقد كان هذا هو أول تأكيد رسمي بأن هدف إسرائيل هو مصر وليس الأردن ولن يبق على الحرب سوى أقل من 24 ساعة.

في صباح نفس اليوم التقى "موشي دايان" و"بن جوريون" لصياغة البيان الرسمي الذي سيصدر بعد بداية الهجوم واقترح ديان أن تكون صياغته " حازمة ومتوعدة لكن ينبغي ألا تكشف عن نوايانا الحقيقية". وبعد تعديلات عديدة وافق "بن جوريون" على بيان موجز يقول" أعلن المتحدث العسكري أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي قد دخلت إلى منطقتي "الكونتيلا" و"رأس النقب" وتتقاتل مع وحدات الفدائيين، كما أنها احتلت مواقع غرب ملتقى طرق نخل قرب قناة السويس. وقد جاء هذا العمل رداً على اعتداء الجيش المصري على خطوط المواصلات الإسرائيلية في البر والبحر بهدف تدميرها وحرمان المواطنين الإسرائيليين من الحياة الآمنة.




[1] الدول التي دعيت لحضور المؤتمر هي : بريطانيا وألمانيا وأسبانيا وفرنسا وإيطاليا و هولندا وروسيا وتركيا وأستراليا ونيوزيلندا وإندونيسيا واليابان وسيلان والهند وباكستان وإيران والسويد والنرويج والدانمارك والبرتغال وإثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية ولم تحضر مصر والنمسا والمجر واليونان.

[2] Suez Cananl Association

[3] Caus Beelli كلمة لاتينية تعني كل ما يبرر الحرب أو يتخذ ذريعة لها.

[4] ولد في 29 يوليه 1905 بالسويد، ودرس الاقتصاد والقانون، ونال درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1934، وعمل بالجامعة ثم تولى إدارة البنك الأهلي السويدي، وبعدها شغل منصب وكالة الخارجية السويدية، وفي عام 1951 أصبح وزيراً للخارجية السويدية، وأخيراً تم تعينه في منصب السكرتير العام للأمم المتحدة في 7/4/ 1953، وتمتع بشخصية راقية، واتبع أسلوب العمل الدبلوماسي الهادئ

[5] كانت شركة قناة السويس قد نجحت في إقناع الحكومة الفرنسية بإعطاء الأولوية للسيطرة على منطقة القناة وإلا فإن مرافق القناة قد تتعرض للتخريب في اللحظة التي يبدأ فيها الغزو من اتجاه الإسكندرية

[6] كان الوفد يتكون من وزير الخارجية `جولدا مائير ـ Gold Meir `، ووزير النقل "موشي كامل"، ومدير وزارة الدفاع "شيمون بريز"، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي `موشي ديان`.

[7] هذه الدول هي: الإتحاد السوفيتي، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، الصين الشعبية، الهند، باكستان، سيلان، بورما، كمبوديا، إندونيسيا، أفغانستان، نيبال، المغرب، تونس، ليبيا، السودان، السعودية، اليمن، العراق، الأردن، سورية، لبنان، بنما، اليونان، أسبانيا.