إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / العدوان الثلاثي، حرب عام 1956





مسرح الشرق الأوسط
مسرح عمليات حرب العدوان
معركة أم قطف
معركة ممر متلا
معركة رفح
خطة موسكتير المعدلة
خطة موسكتير المعدلة النهائية
خطة الآلاي الثاني

مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجوم على شرم الشيخ
توزيع القوات المصرية



يوميات العدوان

المبحث السادس

يوميات العدوان من 29 أكتوبر حتى 1 نوفمبر

أولاً: مناوشات يوم الاثنين 29 أكتوبر

تحول الشك في مقاصد إسرائيل من إبرار كتيبة المظلات في "صدر الحيطان" إلى يقين، عندما أعلنت الإذاعة الإسرائيلية على لسان المتحدث الرسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي في الساعة التاسعة مساء عن هذه الإغارة، ثم زج باسم قناة السويس في بلاغة ليخلق الذريعة  للتدخل الأنجلو ـ فرنسي للحفاظ على سلامة واستمرار الملاحة الدولية فيها.

وفى الساعة الحادية عشر مساء نفس اليوم، بدأت مجموعة اللواء الثاني المشاة المصرية المشكلة من كتيبتي مشاة فقط في عبور قناة السويس، والاتجاه إلى ممر "متلا" في نفس الوقت الذي عبرت فيه مقدمة اللواء 202 المظلية الحدود المصرية عند "الكونتلا"، وبدأت الزحف نحو الـ "تمد" قرب منتصف الليل.

أما الاحتياطات التعبوية للقيادة الشرقية المصرية في منطقة قناة السويس والمشكلة من المجموعة الأولى المدرعة والألاى الثاني استطلاع عدا أورطه، ومجموعة اللواء الثالث المشاة فكانت تتأهب للتحرك عبر قناة السويس نحو سيناء. كما بدأ اللواء 99 المشاة الاحتياطي في التحرك من منطقة تمركزه في الغردقة غرباً صوب "بئر روض سالم"، ليحتل خط الدفاع الثاني على الطريق الأوسط، ولينشئ مع مجموعة اللواء الثالث المشاة القاعدة الوطيدة التي توفر للقوة المدرعة الضاربة فرصة العمل منها ضد القوات الإسرائيلية المهاجمة.

وكان من المظاهر الملفتة للنظر كثافة تحركات السفن عبر القناة طيلة هذه الليلة، بما عرقل عبور القوات نحو سيناء، نزولاً على أوامر القيادة العامة التي أكدت على أن تكون الأفضلية للسفن وليس للقوات المندفعة نحو سيناء.

ثانياً: احتدام القتال يوم الثلاثاء 30 أكتوبر

1. موقف القوات الإسرائيلية على الاتجاه التعبوي الجنوبي

اصطدمت مجموعة اللواء 202 المظلات بموقع الـ "تمد" التعطيلي الذي تحتله عناصر من الألاى الثاني سيارات حدود، والتي كانت قد أُمرت بإخلاء مواقعها لعدم تكافؤ تسليحها مع تسليح العدو، ثم أُمرت بإعادة احتلال تلك المواقع مرة ثانية قبيل هجوم العدو عليها بدقائق قليلة.

ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين بدأت حوالي الساعة الرابعة والنصف فجراً، وانتهت الساعة السابعة والنصف صباحاً عندما استشهد معظم أفراد الموقع التعطيلي. إلا أن مجموعة لواء المظلات لم تستأنف تقدمها غرباً حتى العصر، نظراً لتعرضها لمقاومة شديدة، فلم تصل إلى نخل إلا مع آخر ضوء، ثم واصلت تقدمها الحثيث لتتصل بكتيبتها المسقطة بالأمس في "صدر الحيطان" حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف، قبل منتصف الليل متأخرة بذلك نحو ست ساعات عن الوقت المحدد لها في أمر العمليات.

2. موقف القوات الإسرائيلية على الاتجاه التعبوي الأوسط

بدأت مجموعة اللواء الرابع المشاة الإسرائيلية هجومها على نطاق الأمن بالقسيمة الذي تحتله أورطه استطلاع خفيفة، وذلك قبيل فجر يوم 30 أكتوبر. ومع الصباح اضطرت القيادة الجنوبية إلى دفع مجموعة قتال مدرعة من اللواء السابع المدرع صوب"القسيمة"، بعد أن تعثرت مجموعة اللواء الرابع المشاة، وفشلت في اقتحامها.

واستمر القتال محتدما هناك حتى الظهر بينما طلائع القوات الإسرائيلية تلتف على الجانب الجنوبي لدفاعات "أم قطف"، ولما فشلت في اقتحامها من الحركة راحت تبحث عن منافذ أخرى للوصول إلى قلب هذه الدفاعات من الجنب أو المؤخرة. ثم بدأت القيادة الجنوبية محاولاتها بعد الظهر لتأمين المناورة العرضية بقواتها بين الاتجاهين التعبويين الجنوبي والأوسط فأمرت مجموعة اللواء الرابع المشاة بدفع عناصر منها إلى "نِخل"، بينما دفعت بعناصر أخرى من اللواء السابع المدرع إلى "الحسنة".

3. موقف القوات الإسرائيلية على الاتجاه التعبوي الشمالي

تدفقت أرتال القوات الإسرائيلية نحو مناطق تجمُعها الأمامية في المستعمرات الإسرائيلية المجاورة لخط الهدنة والحدود الدولية، حيث شكلت هدفاً مناسباً للقصف الجوى أو لنيران المدفعية البرية إلا أنه لم يُستغل على أي وجه.

واقتصرت أنشطة الطائرات الإسرائيلية منذ الصباح على تقديم المعاونة الجوية المباشرة فوق الاتجاه التعبوي الجنوبي، مع التركيز على المدخل الشرقي لممر "متلا" حيث كانت الكتيبة 890 مظلات تتعرض لمقاومة كثيفة، بينما راحت الطائرات الفرنسية تراقب منطقة القناة من السماء، وتهاجم المطارات المصرية القريبة منها.

4. الموقف في نهاية يوم 30 أكتوبر

أ. على الاتجاه التعبوي الجنوبي

صادف تقدم اللواء 202 المظلات من "الكونتلا" صوب "صدر الحيطان" عدة مشكلات، ناجمة عن سوء التحضير للتحرك، ونقص معدات نجدة العربات المعطلة، ومقابلة بعض المواقع الدفاعية التي أبدت شيئاً من المقاومة، ووعورة الطريق خاصة بين "التمد" و"نخل".

وقد ترتب على هذا التأخير في الوصول إلى الكتيبة 890 "بصدر الحيطان"، أن ظلت تعاني من تعرض أجنابها ومؤخرتها للتهديد نظراً لوجودها في أرض مكشوفة على المدخل الشرقي لممر "متلا" الذي نجحت مقدمة اللواء 2 المشاة في قفله في وجهها. وقد أضاع الألاي الثاني استطلاع فرصة القضاء على تلك الكتيبة المنعزلة بتأخره في الوصول إليها حيث عمد قائده إلى التوقف والمبيت ليلة 29/30 أكتوبر في مكان لا يبعد عن موقع تلك الكتيبة سوى مسيرة ساعتين فقط، كما أقفل جهاز اللاسلكي المتصل بالقيادة الشرقية دون سبب.

ب. على الاتجاه التعبوي الأوسط

ارتدت الأورطه الثانية الخفيفة من الحدود شرق "القسيمة" بقتال تعطيلي حتى مضيق "أم مطامر" جنوب شرق "أم قطف". وقد أبدى قائد مجموعة اللواء 4 المشاة الإسرائيلي بعض التردد في مهاجمة موقع "القسيمة" الدفاعي، كما ظهر  ضعف سيطرته على قواته بما أدى إلى فقدها الاتجاه وانتشارها على مساحة واسعة فأصدر رئيس الأركان العامة أمراً بعزله من قيادة هذا اللواء.

ولم تكن مجموعة اللواء 10 المشاة بأفضل حظاً في هجومها الأول على"أم قطف"، إذ قابلتها دفاعات اللواء 6 المشاة بنيران كثيفة أجبرتها على التوقف والارتداد للخلف. ولأن قائد مجموعة اللواء 10 مشاة  كان قد تعجل هذا الهجوم قبل الموعد المحدد له فقد تعرض للتكدير والتأنيب الشديد من رئيس الأركان العامة الذي أغلظ له القول بضرورة الانصياع  الكامل لأحكام وتوقيتات الخطط الموضوعة.

ومرة أخرى تشكل الحشود الإسرائيلية الكثيفة على الاتجاه التعبوي الأوسط هدفاً مغرياً للطائرات المصرية، وهي معرضة في الأرض المكشوفة إلا أنها لم تتعرض لأي قصف جوي في هذا اليوم.

ج. على الاتجاه التعبوي الشمالي

فتحت مدفعية مجموعة اللواء الخامس المشاة المصري نيرانها على مناطق التجمع الأمامية لمجموعة العمليات 77، وعلى المستعمرات الإسرائيلية القريبة من خط الهدنة والحدود الدولية. ولم تُظهر قوات مجموعة العمليات نشاطاً قتالياً على هذا الاتجاه طيلة يوم 30 أكتوبر نزولاً على أحكام الخطة العامة.

وتجدر ملاحظة أن توقيتات الأعمال التعرضية الإسرائيلية حتى الآن تتابعت بفاصل 24 ساعة بين أعمال قتال الكتيبة 890 مظلات في "متلا"، ومناورات المجموعة 38 عمليات أمام "أم قطف" وعلى جانبها الجنوبي، بينما ستبدأ مجموعة العمليات 77 هجومها بعد ذلك بنحو 24 ساعة أيضاً ضد "رفح". وتكشف تلك التوقيتات وأعمال القتال أن القيادة الجنوبية الإسرائيلية حرصت على أن تطوي دفاعات سيناء الأمامية في حركة مروحية من الجنوب للشمال صوب البحر المتوسط، نظراً لتركيز الدفاعات المصرية قواها في القسم الشمالي فيما بين "أم قطف" و"رفح"، مع ترك القسم الجنوبي فارغاً تقريباً.

وقد سهلت تلك الأوضاع الدفاعية على القيادة الجنوبية مهمة تطويقها من الأجناب والمؤخرة.

د. الاحتياطات المصرية

كانت الاحتياطات التعبوية للقيادة الشرقية قد وصلت إلى منطقة تجمعها بـ "الجفجافة" على الطريق الأوسط، تمهيداً للحشد في الأمام حول "بئر روض سالم"، وفي أعقابها الاحتياطات الإستراتيجية للقيادة العامة المصرية بعد وضعها تحت قيادة المنطقة الشرقية. وبهذا تأهبت تلك القوات لحصار العدوان الإسرائيلي، وتثبيته في مساء يوم 30 أكتوبر عندما وقع حدث خطير فجأة هو صدور الإنذار الأنجلو ـ فرنسي.

هـ. المعارك البحرية

أمرت قيادة القوات البحرية المصرية قائد الفرقاطة "إبراهيم الأول" بقصف ميناء "حيفا" بمدافعها عيار 4.5 بوصة حيث توجد مستودعات البترول الرئيسية الإسرائيلية وسفن الأسطول، إلا أن المدمرة "سانت كير" الفرنسية اعترضتها في طريق العودة وتمكنت من آسرها صباح 31 أكتوبر، وقامت بسحبها داخل ميناء "حيفا" حيث زعمت الدعاية الإسرائيلية أنها مدمرة روسية من طراز "سكوري" الحديث، بينما كانت في حقيقتها فرقاطة بريطانية قديمة.

و. الإنذار الذي هدد الضحية

فوجئ العالم في الساعة السابعة من مساء يوم 30 أكتوبر، ببلاغ مشترك تصدره حكومتا بريطانيا وفرنسا تطالب فيه كل من مصر وإسرائيل بالانسحاب بعيداً عن قناة السويس بعشرة كيلومترات، لتقوم قواتهما باحتلال ضفتيها صيانة للملاحة البحرية فيها من التوقف بسبب القتال الدائر عن كثب منها. وقد حدد البلاغ الساعة السادسة من فجر اليوم التالي موعداً لبدء التدخل الأنجلو ـ فرنسي سواء رضخت مصر له أم رفضته.

وكانت مطالبة الإنذار إلى الطرفين المتحاربين أن ينسحبا بعيداً عن ضفتي القناة بمسافة عشرة كيلومترات، تعني أن تتقدم قوات إسرائيل من موقعها "بصدر الحيطان" نحو خمسين كيلومتراً أخرى صوب القناة، بينما تنسحب القوات المصرية سبعين كيلومتراً لتصبح خلف ضفتها الغربية بعشرة كيلومترات، وفي هذا دليل قاطع على التواطؤ الأنجلوفرنسي لصالح إسرائيل المعتدية، وتهديداً سافراً لمصر المعتدى عليها.

ومن الطبيعي أن ترحب إسرائيل بالإنذار، بينما ترفضه مصر التي أصدرت بلاغاً رسمياً تؤكد فيه سيطرتها على الموقف الناشئ عن عدوان إسرائيل، مع عزمها على حماية القناة من أية أخطار حتى تواصل السفن عبورها بأمن وسلامة.

ثالثاً: أحداث القتال يوم الأربعاء 31 أكتوبر

عكفت القيادة العامة المصرية عند الظهر على إحكام خطتها للتمسك بعقد مواصلات سيناء، مع تأمين الجانب الأيمن للاتجاه التعبوي الأوسط، توطئة لشن الهجوم المضاد العام على امتداده لطرد قوات إسرائيل من "القسيمة" و"أم قطف"، واستمرار قفل مدخل ممر "متلا" من الشرق في وجه كتيبة المظليين إلى أن تتم مجموعة اللواء 2 المشاة، والأورطه الثانية استطلاع من تنفيذ الهجوم المضاد وإبادتها.

وعلى الجانب المقابل، فوجئت رئاسة الوزارة ورئاسة الأركان الإسرائيلية بعدم تنفيذ بريطانيا وفرنسا الضربة الجوية المتفق على شنها صباح 31 أكتوبر، بمجرد انتهاء موعد الإنذار الأنجلو ـ فرنسي. كان اتفاق سيفر يقضي بأن تتم هذه الضربة الجوية في الصباح. ولكن كان تأخر تنفيذ الضربة الجوية لسببين:

1. أن تكون الضربة الجوية ليلاً حيث لا تمتلك مصر مقاتلات ليلية تستطيع اعتراض الضربة.

2. أبلغ السفير البريطاني في مصر بوجود خمس عشر طائرة نقل أمريكية في مطار غرب القاهرة لنقل الرعايا الأمريكيين وأن ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكي يستخدمون الطريق المجاور للمطار في طريقهم للإسكندرية وقد تصدق على هذا التأجيل الذي ملأ صدر "بن جوريون" بالشك بأن حليفيه قد نكصا عن أداء دورهما المتفق عليه في "سيفر" طبقاً لعهود التواطؤ، فأصدر أمره إلى الجنرال "ديان" في صباح 31 أكتوبر بوقف عملية "قادش" لغزو سيناء، وسحب جميع القوات الإسرائيلية داخل الحدود.

إلا أن "ديان" كان أكثر ثقة من رئيسه في صدق عزيمة الحليفين على القيام بدورهما في العدوان الثلاثي لما لهما من مصالح ذاتية فيه، لهذا راح يماطل ويؤجل حتى وقعت الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية، فأطلق العنان بعدها لقوات إسرائيل لتواصل الزحف، ثم راح يستحث الألوف "سمحوني" ومرؤوسيه على مداومة الهجوم بكل شّدة، على جميع المحاور، لسرعة الاستيلاء على شبه الجزيرة حتى مشارف قناة السويس غرباً ورأس محمد جنوباً.

1. الضربة الجوية

جاءت غالبية الطائرات المغيرة من السلاح الجوي البريطاني، تصحبها بعض الطائرات الفرنسية، بما وصل عددها 19 سرباً، فركزت القاذفات القادمة من مطارات مالطة، وقبرص، موجتها الأولى على مطارات غرب القاهرة، وأنشاص، وأبوصوير، وكبريت. وقبل أن ينتصف الليل كان المارشال "بارنيت" قد أتم دفع ثلاث موجات من القاذفات، ألقت قنابلها من الأنواع الطرقية والتأخير الزمني التي ظلت تتفجّر تباعاً طول الليل.

وقد استعانت طائرات "الفاليانت" ذات المحركات الأربعة القادمة من مالطة، و"الكانبرا" ذات المحركين القادمة من قبرص، بالمشاعل المزودة بالمظلات التي ألقتها طائرات تحديد الممرات الجوية، لتهيئ لتلك القاذفات فرصاً أفضل لإحكام تصويب قنابلها على أهدافها المنتخبة.

وعند الفجر، أقلعت الطائرات من فوق سطح الحاملات "آلبيون، وبولوارك، وآرك رويال، تصحبها المقاتلات القادمة من مطارات قبرص لحراستها، وبمجرد أن وصلت فوق المطارات المصرية، راحت تقذف الطائرات الموجودة حول الممرات بصواريخها ومدافعها وقنابلها.

استمرت موجات الضربة الجوية تغير على الأهداف المصرية طيلة يومي 2 و3 نوفمبر، بينما تعرضت القوات في سيناء وهي ترتد نحو القناة لغارات جوية من الطائرات الفرنسية المقاتلة القاذفة المتمركزة في إسرائيل، علاوة على المقاتلات القاذفة الإسرائيلية، التي راحت تتعقب الأرتال المتحركة على طرق ومحاور سيناء، وتمطرها بالقنابل والنابالم التي أوقعت بها خسائر شديدة.

ونجحت إحدى الغارات في تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية بأبي زعبل، قبل أن يلقي الرئيس "عبدالناصر" خطبته من فوق منبر الجامع الأزهر ظهر يوم الجمعة 2 نوفمبر، فتوقفت الإذاعة المصرية عن الإرسال، لتنطلق إذاعة "دمشق" على الفور بالنداء "هنا القاهرة".

وكان اللواء "محمد صدقي محمود" قائد القوات الجوية المصرية قد أخطر القائد العام ـ في الساعة السادسة صباح أول نوفمبر ـ أن قواته لم تعد قادرة على مواصلة القتال ضد القوات الإسرائيلية في سيناء، نظراً لتدمير المطارات خلال الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية، فضلاً عن وجود عدد كبير من القنابل الزمنية التي تعوق جماعات الإصلاح والنجدة عن العمل.

وفي ضوء هذا الموقف، أصدر القائد العام اللواء "عبد الحكيم عامر" أمره في السادسة وخمس وأربعون دقيقة صباحاً بوقف نشاط القوات الجوية المصرية، وسرعة إخلاء المطارات، ونقل ما بها من طائرات سليمة خارج الجمهورية، مع إعطاء الأسبقية لإخلاء قاذفات القنابل "الاليوشن ـ28"، إلى مطار الأقصر، وكذلك إخلاء مطارات منطقة القناة.

لم يهتدي العدو إلى مكان القاذفات "الاليوشن" التي كانت تستعد للإقلاع من مطار الأقصر للخارج. ولكن ضعف الخدمة الأرضية ونقص الطيارين عطل إقلاعها حتى صباح 3 نوفمبر، عندما اكتشفتها الطائرات المعادية أخيراً، فضربت القسم الأخير منها، بينما كان ينتظر عودة الطيارين الذين أقلعوا بالقسم الأول إلى مطارات المملكة العربية السعودية، فحطمت 18 طائرة "اليوشن"، كانت تقف قرب الممر على أهبة الاستعداد للإقلاع.

وبانتهاء مرحلة التمهيد الجوي للغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي مساء 3 نوفمبر، كتب الجنرال "كيتلي" في سجل الحرب يقول: "إن مهمة شلّ وتدمير القوات الجوية المصرية قد تمت بنجاح. وقد صدرت التوجيهات للمارشال الجوي "بارنيت" بتحويل غالبية المجهود الجوي الأنجلو ـ فرنسي، من ضرب المطارات وعناصر الدفاع الجوي المصري إلى الأهداف العسكرية الأخرى".

وظل المارشال "بارنيت" يطلق قاذفاته لضرب عُقد المواصلات الحديدية والطرق البرية، وأرتال المدرعات، والمركبات، ومرابض النيران، والمعسكرات حول القاهرة، ومنطقة القناة. وعندما أصدرت رئاسة الوزراء البريطانية أمرها بالاقتصار على القنابل زنة 250 رطلاً فقط لتجنب إيقاع الضرر الشديد بالمدنيين المصريين، انصاع "بارنيت" على مضض، بينما اعترض الجنرال "ستوكويل" القائد العام للغزو البري.

وكانت الموجة الأخيرة التي أطلقها "بارنيت" في نهاية الضربة الجوية ضد الإسكندرية لأغراض الخداع وجذب أنظار القيادة المصرية بعيداً عن الاتجاه الرئيسي للغزو ببورسعيد إلى منطقة الإسكندرية التي هاجمتها الطائرات الأنجلو ـ فرنسية بشدة ليلة 3 نوفمبر، لتحقق ذلك الغرض الخداعي المحض.

2. توحيد الجبهة غرب القناة

في الساعة العاشرة مساء 31 أكتوبر انتهى اجتماع الرئيس عبد الناصر بالقادة العسكريين، وأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية توجيهات عمليات، تلخصت في الآتي:

أ. نقل المجهود الرئيسي للقوات المسلحة إلى غرب قناة السويس، بهدف التمسك بمنطقة بورسعيد ـ الإسماعيلية ـ السويس، على أن يتم ذلك قبل أول ضوء 2 نوفمبر.

ب. تخلي القوات المسلحة شبه جزيرة سيناء إخلاءً تاماً، وتعود إلى الضفة الغربية للقناة، كما تتخذ الإجراءات الفورية لسحب القوات التي تدافع عن قطاع غزة، ورفح، والعريش، وشرم الشيخ، وكذا القوات المدرعة، واحتياطات القيادة الشرقية.

ج. تنتقل الفرقة 4 المدرعة والمجموعة الثانية المدرعة إلى غرب القناة، لتُوضع في الاحتياطي الإستراتيجي للقوات المسلحة.

د. تقتصر أعمال الدفاع الجوي على المدفعية المضادة للطائرات وتدابير الدفاع الجوي السلبي.

هـ. تنقل الطائرات إلى المطارات الجنوبية، توطئة لإخلائها إلى قواعد جوية صديقة خارج البلاد.

و. تقتصر أعمال القوات البحرية على تنظيم الدفاع الساحلي في البحر المتوسط وخليج السويس، مع القيام بدوريات استطلاع بحري داخل المياه الإقليمية.

ز. تنظّم قوى النضال الشعبي المسلّح تحت إشراف القيادات والمناطق العسكرية، وتركّز جهودها للدفاع عن المدن والقرى لآخر طلقة.

وقد بدأ تنفيذ تلك التعليمات، حيث راحت القوات المصرية في سيناء تتخلّص من القتال تحت أشد الظروف المعاكسة، وترتد على طريقين مُعَرضين تماماً لغارات العدو، وتحف بهما الكثبان والرمال الناعمة التي لا تصلح للسير عبرها، وتعتبر أهداف مثالية لطائرات العدو، فإذا ما نجحت في الوصول إلى القناة فلن تجد سوى كوبري واحد وبعض المعديات القليلة، لتعبر إلى الضفة الغربية.

وكانت أبرز نقاط الضعف في عملية إخلاء شبه جزيرة سيناء من القوات المسلحة الآتي:

أ. عدم توفر جماعات النسف المدربة على تدمير المستودعات الرئيسية في مناطق "البردويل"، و"وادي غزال"، مما تركها لقمة سائغة للعدو.

ب. ضعف ضبط وربط التحركات على طريقي الانسحاب وخاصة عند المضايق والمعابر، مما كان له تأثير شديد على تدفق التحركات غرباً، وتسبب في وقوع خسائر كثيرة في الأفراد والأسلحة والمعدات.

ج. إهمال بعض القادة تنظيم انسحاب قواتهم، طبقاً للأسلوب المعتمد، وتَرك القليل منهم وحداته، وانطلق نحو الإسماعيلية أو القاهرة منفرداً.

د. عدم استغلال ساعات الظلام على الوجه الأكمل في تنفيذ تحركات الانسحاب.

أمّا حاميات قطاع غزة، ومنطقة خليج العقبة، فلم يتم سحبها، وظلت في أماكنها حتى وقع أغلبها في الأسر.

3. إعادة تنظيم الأوضاع لتحقيق الاتزان الإستراتيجي للدفاع

استعداداً لانتقال قوات سيناء إلى غرب القناة، أعيد تقسيم القطاعات الدفاعية داخل المثلث الحيوي بورسعيد ـ السويس ـ العباسة، وجُهزت الخطط لاحتلال الدفاعات لمقابلة الغزو البحري المنتظر، وأخذت منطقة قناة السويس تتطور بسرعة كبيرة، بهدف تحقيق الاتزان الإستراتيجي للدفاع عنها.

وفي الساعة السادسة من صباح 4 نوفمبر، استقرت أوضاع الجبهة الجديدة على امتداد قناة السويس، على الوضع التالي:

أ. تركيز الدفاع عن المدن والهيئات الحيوية، مع توفير الكفاية الذاتية القتالية والإدارية لكل مدينة أو هيئة حيوية، لتصبح جزيرة دفاعية قادرة على المقاومة لمدة طويلة، مع تزويدها بعناصر هجومية، تستطيع شن الأعمال الهجومية المفاجئة ليلاً لشغل العدو، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر بقواته ومعداته.

ب. وقد قسمت جبهة القناة إلى قطاعين رئيسيين، اشتمل القطاع الشمالي منهما على المنطقة الممتدة من بورسعيد، حتى قرية فايد (داخل)، بينما اشتمل القطاع الجنوبي على المنطقة من فايد (خارج) حتى "بير عديب" (داخل).

ج. كما جهّز قطاع فرعي في منطقة العباسة بمؤخرة الجبهة، لمنع العدو من التقدم نحو القاهرة، والعمل كقاعدة للدوريات بعيدة المدى في اتجاه الإسماعيلية أو المطرية حسبما تسنح الفرصة.

د. احتشدت حول القاهرة الفرقة الرابعة المدرعة، والفرقتان الثانية والثالثة المشاة، ووحدات من جيش التحرير الوطني، وقوات الدفاع الشعبي.

هـ. وانتقلت القيادة الشرقية من الإسماعيلية إلى الزقازيق خلف خط الدفاع الثاني.

إن قرار توحيد الجبهة غرب القناة أنقذ قوات سيناء من موقف بالغ الخطورة، فيما لو استمرت في مواقعها حتى نزلت قوات الغزو الأنجلو ـ فرنسي، وقطعت خط الرجعة على تلك القوات على امتداد قناة السويس، الأمر الذي لو تحقق كما كانت تأمل خطة العدوان لأصبحت القاهرة عاصمة الدولة مفتوحة أمام قوات الغزو لتحتلها وقتما تشاء، فضلاً عما يترتب من عزل قوات سيناء عن قواعدها بالدلتا من أخطار جسيمة.

رابعاً: الموقف العام في سيناء يوم 31 أكتوبر

مازالت مجموعة اللواء 6 المشاة تتشبث بدفاعاتها في "أم قطف" وتحبط هجمات مجموعة اللواء 10 المشاة و37 الميكانيكي الإسرائيليين المتكررة من الجنوب والخلف، وكذا هجمات مجموعة اللواء 77 المدرع واللواء 4 المشاة من الأمام.

وبالمثل تكرر صد وإحباط مجموعة اللواء 202 المظلات على مدخل ممر "متلا" الشرقي، ونجحت مجموعة اللواء 2 المشاة في قفله بينما كان اللواء 9 مشاة الميكانيكي يتحرك من "بئر هاركيمر" في اتجاه "الكونتلا" ليؤمن ظهر مجموعة اللواء 202 المظلات، ثم يتأهب بعدئذ لمواصلة الاندفاع جنوباً بمحاذاة ساحل خليج العقبة، للاستيلاء على منطقة "شرم الشيخ" كختام لمراحل خطة "قادش" المعدلة.

أما مجموعة اللواء 5 المشاة المتمركزة في "رفح"، فلم تبذل المجموعة 77 عمليات أي نشاط قتالي أمامها طيلة يوم 31 أكتوبر، بعد أن أتمت الحشد حول مستعمرات الحدود.

وقبل أن تغرب الشمس كانت القيادة العامة المصرية قد سيطرت على الموقف في سيناء، واستعدت لشن الضربة المضادة الرئيسية بالاحتياطات التعبوية والإستراتيجية، التي كانت تدخل وقتئذ مناطق التجمع الأمامية في شرق سيناء وتتأهب لبدئها مع أول ضوء الغد.

وبهذا لم تتجاوز الأعمال العدائية الإسرائيلية طيلة الساعات السبع والأربعين الماضية من لحظة إسقاط المظلات بممر "متلا" مجرد خلق الذريعة للعدوان الأنجلو ـ فرنسي، إلي جانب تورط مجموعة العمليات 38 في قتال خاسر في منطقة "أم قطف" و"القسيمة".

خامساً: مظاهر تبعث على الارتياب

لم تكن إدارة القتال في سيناء هي كل ما يشغل بال القيادة الشرقية بالإسماعيلية، ولا القيادة العامة بالقاهرة، فقد شعرتا مع أول ضوء 30 أكتوبر أن أموراً غير عادية تجري في مسرح العمليات، وعن كثب منه في البحرين المتوسط والأحمر تبعث على القلق والحذر الشديد، إلى جانب النشاط المحموم الذي تبذله حكومتا بريطانيا وفرنسا داخل أروقة مجلس الأمن، وفي كل من جزيرتي مالطة وقبرص حيث راح قنصل مصر يرسل المعلومات المتتالية عما احتشد في الجزيرة من قوات برية وطائرات وسفن من أشكال وأحجام مختلفة، تبعث على الارتياب فيما تقصده من أعمال في المستقبل القريب.

وكان من أبرز المظاهر الداعية إلى ذلك الارتياب ما يلي:

1. إن النشاط الجوي المعادي فوق سيناء ومنطقة القناة خلال يومي 30 و31 أكتوبر يزيد على قدرة إسرائيل منفردة، فالمرجح أن هناك قوات من خارج مسرح العمليات تتعاون معها.

2. إن الأسطوليين البريطاني والفرنسي اتخذا أوضاعاً على مشارف مياه مصر الإقليمية تكشف عن حالة حصار بحري.

3. إن المدمرة الفرنسية "سانت كير" اعترضت فجر 31 أكتوبر الفرقاطة "إبراهيم الأول" في عرض البحر، وأطلقت عليها نيرانها دون أي استفزاز من جانب تلك الفرقاطة.

4. إن التحركات الأنجلو ـ فرنسية على امتداد حوض البحر المتوسط زادت بدرجة ملفتة للنظر.

5. إن المناورات السياسية الأنجلو ـ فرنسية داخل مجلسيهما التشريعيين تفصح عن محاولات تقنين لعدوان تعتزم الحكومتان القيام به قريباً.

6. إن محاولات بريطانيا وفرنسا عرقله أعمال مجلس الأمن بالنسبة للنظر في أمر العدوان الإسرائيلي على مصر، واستخدامهما حق الفيتو مرتين متتاليتين لشل قرار إيقاف العدوان الإسرائيلي يبين مدى الانحياز التام بجانب إسرائيل.  

7. إن الدعايات المضادة التي تطلقها إذاعة بريطانيا من قبرص بلغت درجة شديدة من الحدة لتأليب العالم عليها.

8. إن الإنذار الأنجلو ـ فرنسي يطالب مصر بالانسحاب غرب القناة، ويهدد بضربها واحتلال أراضيها إذا لم تنصاع له، بينما يسمح لإسرائيل أن تواصل التقدم، فتحتل مزيداً من أرض مصر على مشارف القناة التي تزعم الحكومتان حرصهما على سلامتها وتطالب بإبعاد الطرفين المتحاربين عن ضفتيها. 

وظلت تلك الشكوك والريبة تتراكم أمام القيادة المصرية حتى الساعة الرابعة عصراً، عندما تحول الشك إلى يقين فوجدت أنه لم يعد من الصواب استمرار دفع القوات داخل أعماق سيناء حتى لا يحدث عدم توازن إستراتيجي على الاتجاه المحتمل للغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي، والذي يؤدي مباشرة إلى القاهرة.

ولم تكن مصر تملك وقتها ما يكفي من القوات لاستمرار إدارة الأعمال الدفاعية في سيناء، والدفاع عن قناة السويس ضد غزو بحري قد يقع عليها. وبعد تقدير الموقف، قررت القيادة السياسية وقف كافة التحركات الأمامية في سيناء، وعودة القوات إلى الضفة الغربية للقناة، قبل أن يقطع الغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي خط الرجعة عليها، وحتى تشارك في تعزيز الدفاعات هناك.

وفي الساعة السابعة مساءً بتوقيت القاهرة يوم 31 أكتوبر، بعد أربع وعشرين ساعة من تسليم الإنذار وثلاث عشر ساعة بعد انقضاء أجله، بدأت قاذفات القنابل التي أقلعت من مالطة وقبرص في صب حمولتها على مطار غرب القاهرة والقواعد الجوية المصرية الأخرى. وتم تحذير سكان القاهرة من الغارات من خلال محطة إذاعة بريطانيا في قبرص، ومن خلال المنشورات التي ألقتها الطائرات.

وتمثلت مهمة القاذفات في قصف ممرات القواعد الجوية لشل حركة المقاتلات المصرية التي تكفلت طائرات حاملات الطائرات بتدميرها. وطوال اليومين التاليين، قصفت مائتا طائرة من طراز "كامبرا" و"فينو" و"فالانت"، وأربعين طائرة فرنسية من طراز "ثندرستريك"، أهدافاً اقتصادية في مصر ودمرت معظم طائرات القوات الجوية المصرية وهي رابضة على الأرض في مستهل فترة التمهيد الجوي للغزو البحري.

وفي نفس الوقت كانت سفن الغزو تغادر موانئ جبل طارق ومالطة وقبرص في طريقها إلى بورسعيد، حيث اعتزم قائدها العام احتلال رأس شاطئ بورسعيد لتنطلق منه القوات صوب الإسماعيلية والسويس في المرحلة الأولى، ثم إلى القاهرة بعد ذلك لإسقاط نظام الحكم فيها.

وكأنما أعطت قنابل الطائرات الأنجلو ـ فرنسية إشارة البدء لقوات إسرائيل لتستأنف أعمالها العدوانية في سيناء، إذ اندفعت للتو مجموعة اللواء 7 المدرع لتشن هجوماً مركزاً ضد مؤخرة دفاعات "أم قطف". ثم تلتها مجموعة العمليات 77 بهجوم ليلي صامت على دفاعات مجموعة اللواء 5 المشاة في "رفح". كما قامت كل من رئاسة الأركان العامة وقيادة المنطقة الجنوبية أيضاً بتعزيز تلك الهجمات بقوات جديدة، دفعتها للقتال لرفع معدلات الهجوم الذي لم يكن يصادف حتى تلك اللحظة سوى الفشل وصمود الدفاعات في وجهه في كل مكان. وبعد أن وضعت قيادة المنطقة الجنوبية مجموعة اللواء 37 مشاة ميكانيكي في الاحتياطي القريب، دفعت مجموعة اللواء 9 مشاة ميكانيكي لتعبر الحدود عند "الكونتلا" متجه إلى "رأس النقب"، ثم لتواصل التقدم على امتداد ساحل خليج العقبة الغربي إلى منطقة "شرم الشيخ" لتحتلها وتفتح المضيق للملاحة الإسرائيلية.

سادساً: أحداث القتال يوم الخميس 1 نوفمبر

1. على الاتجاه التعبوي الجنوبي 

استمرت مجموعة اللواء 2 المشاة حتى الساعة الثامنة مساء 31 أكتوبر في قفل المدخل الشرقي لممر "متلا"، في وجه محاولات اختراقه بمجموعة اللواء 202 المظلي، ثم انتقلت تحت ستر الظلام إلى المدخل الغربي للممر كمرحلة أولى من مراحل تنفيذ قرار توحيد الجبهة.

2. على الاتجاه التعبوي الشمالي

تعرضت مجموعة اللواء 5 المشاة منذ الساعة الثالثة يوم 1 نوفمبر لهجوم رئيسي من مجموعة العمليات 77 بعد تمهيد نيراني كثيف، اشترك فيه الأسطول الفرنسي من البحر بالطراد "جورج ليجوس" الذي أطلق نحو 400 قذيفة عيار 152 ملليمتر لتكثيف نيران المدفعية الإسرائيلية للهجوم. وقبل أول ضوء، كانت دفاعات "رفح" قد اخترقت جزئياً، وبدأت مجموعة اللواء 5 المشاة ترتد غرباً نحو "العريش"، ونجحت في إخلاء دفاعاتها تماماً حوالي الثامنة والنصف صباحاً. ثم قامت قيادة الفرقة 3 المشاة ومجموعة اللواء 4 المشاة بالانسحاب من "العريش" إلى غرب القناة تحت ستر بعض الأعمال التعطيلية في منطقة الكيلومتر 38، و"الريسه" علي الطريق الشمالي، و"بئر لحفن" على الطريق العرضي الذي يصل بين الطريقين الشمالي والأوسط.

3. منطقة مدخل خليج العقبة

عقب استلام قائد المنطقة أمر الانسحاب إلى الضفة الغربية للقناة قام بتقدير موقفه، واقترح على القيادة العامة أن يستمر في مكانه لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المتوقع رغم الظروف المعاكسة التي تحيط به، وقد وافقته القيادة العامة على ذلك.

4. الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية

أتمت قيادة الفرقة 4 المدرعة والمجموعة 2 المدرعة ومجموعتي اللواءين 426 و 300 من جيش التحرير الوطني والألاي الثاني استطلاع عبور قناة السويس للضفة الغربية، واتخاذ المواقع المحددة لها. كما انتقلت المجموعة الأولى المدرعة ومجموعة اللواء الثالث المشاة واللواء 99 المشاة الاحتياطي إلى منطقة "بئر الجفجافة"، ثم بدأت مع آخر ضوء في استكمال التحرك صوب الإسماعيلية.

في صباح هذا اليوم أصدرت القيادة العامة أمراً بغلق المجرى المائي للقناة، وسرعان ما تم إغراق السفينة "عكا" المحملة بالأسمنت في أضيق مكان بالمجرى جنوب بحيرة "التمساح" مباشرة. ثم تتابع إغراق السفن في الأجزاء الأخرى من القناة حتى تجاوز عددها الخمسين. ثم أعلن راديو القاهرة في الساعة الثانية والنصف عصراً أن الملاحة قد توقفت في القناة، ورغم أن هذا البلاغ أفقد العدوان الأنجلو ـ فرنسي ذريعة التدخل لحماية استمرار الملاحة في القناة .. فإن الأسطول الأنجلو ـ فرنسي استمر في تحركه نحو شاطئ الغزو "ببورسعيد".

وحوالي الساعة الخامسة مساءاً، صدرت الأوامر من القيادة العامة بتحرك الفرقة 4 المدرعة إلى القاهرة، وكذا الفرقة الثالثة المشاة، فلم يعد لدى القيادة الشرقية ذلك الاحتياطي التعبوي الذي تستند إليه خطة الدفاع عن منطقة قناة السويس، مما دفعها إلى تعديل خطتها لمواجهة هذا الموقف الجديد بالإضافة إلى زوال فرص القتال المتحرك، بعد أن أحرزت قوات العدوان الثلاثي السيادة الجوية في سماء مسرح العمليات.

5. المعارك البحرية

أحكمت الأساطيل الأنجلو ـ فرنسية حلقة الحصار حول سواحل مصر على البحرين المتوسط والأحمر، وأوقفت الملاحة البحرية من وإلى موانئ مصر. كما اشترك الأسطول الفرنسي في قصف دفاعات "رفح" لمعاونة هجوم مجموعة العمليات 77 عليها، واعترض الطراد البريطاني "نيو فوند لاند" الفرقاطة "دمياط"، وأغرقها أمام "رأس غارب" في خليج السويس.

وتمكنت الفرقاطة "رشيد" من الخروج من مرسى "شرم الشيخ" في الساعة الخامسة عصراً واختراق الحصار المضروب حولها بالطراد "نيو فوند لاند" والمدمرتان "كرين" و"ديانا" البريطانيتين والمدمرة "جازيل" الفرنسية، ونجحت في الوصول سالمة إلى مرسى "شرم الوجه" بالشاطئ السعودي حوالي الحادية عشرة يوم 2 نوفمبر.

وانقضت الطائرات الفرنسية على المدمرة "الناصر" والفرقاطة "طارق"، منتهزة فرصة انشغالهما في تنظيم عملية ترحيل رعايا الولايات المتحدة الأمريكية على السفن الأمريكية، فنشبت معركة جو/بحرية فيما بين الساعة السابعة والربع والعاشرة والثلث صباحاً، دون أن تتمكن الطائرات من إصابة السفينتين.

6. الأعمال الجوية

انتقلت الطائرات التي نجت من الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية إلى مطارات أخرى في عمق مصر بينما توجه البعض الآخر إلى مطارات صديقة بالدول العربية في الشرق والجنوب.

ركزت القوات الجوية المعادية غاراتها، حيث حاولت الطائرات الإسرائيلية شل وإرباك ارتداد القوات البرية المصرية من سيناء إلى الضفة الغربية للقناة، وعاونتها الطائرات الأنجلو ـ فرنسية في تلك المهمة. فضلاً عن استمرار قصف بعض الأهداف الحيوية في منطقة القناة وغرب وجنوب الدلتا.