إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر السورية





إسرائيل بعد الحرب

مراحل عمليات الجيش الإسرائيلي



المبحث الثالث

المبحث الثاني

الطريق إلى الحرب والوضع الدولي

أولاُ: في الطريق إلى الحرب

كانت السمة العامة للإستراتيجية العسكرية العربية وللإستراتيجيات العسكرية القطرية، في المدة ما بين حربَي 1956 و 1967، وفي الحرب نفسها، دفاعية في جوهرها، على الرغم من أن المفاهيم والأغراض الإستراتيجية في مستوى القمة العربيـة، لا توحي بضرورة بناء الإستراتيجيـة العسكرية على مفهوم دفاعي، بل العكس هو الصحيح. فقد كانت تلك المفاهيم والأغراض، وكذلك الوسائل التي حددتها القمة لبلوغ تلك الأغراض، لا تعني سوى أن تكون الإستراتيجية العسكرية هجومية تعرضية. غير أن السمة العامة للإستراتيجيات العسكرية القومية والقطرية ـ كما ذُكر ـ كانت، في جوهرها وعملياتها، دفاعية.

1. مصر

حتى تكون التدابير التي اتخذتها مصر، منذ نشوء الأزمة، في 14/5/1967، حتى نهاية العمليات العسكرية في حرب 1967، منتظمة في سياقها المنطقي، من المناسب وضع تلك التدابير في إطار الآلية السياسية ـ العسكرية التي أفرزتها تجارب ثورة 23 يوليه 1952 في مصر، والصيغة التي بلغتها وكانت عليها حين تشكلت مقدمات حرب 1967، تلك الصيغة التي أدارت حرب 1967، سواء في ذلك مقدماتها أو وقائعها. فقد كان على قمة القيادة السياسية العليا الرئيس جمال عبدالناصر، في حين تولى القيادة العامة للقوات المسلحة المشير محمد عبدالحكيم عامر، الذي حاز مجموعة من الاختصاصات واسعة النطاق تشمل جميع شؤون القوات المسلحة، إلى حد أضعف إشراف القيادة السياسية العليا ـ رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ على القوات المسلحة، وضيّق حدود معرفة تلك القيادة بحقيقة قدرات القوات المسلحة القتالية والقيادية والتنظيمية، في مختلف المستويات. يضاف إلى ذلك أن عدة مهام ووظائف مدنية عُهد بها إلى المشير عامر، أثقلت كاهل القيادة العامة للقوات المسلحة، وشغلتها في عدة مجالات، تخرج عن إطار العمل العسكري الاحترافي. وعلى الرغم من ذلك، بقي القرار الإستراتيجي السياسي في يد الرئيس عبدالناصر، دون أن تتاح له، في الوقت نفسه، قدرة الإشراف الفعلي والدقيق على الإدارة العسكرية لتنفيذ القرار.

وكانت هذه هي الحال، حينما أبلغت سورية مصر يوم 8/5/1967ـ بناء على أحكام اتفاقية الدفاع المشترك المعقودة بينهما في 4/11/1966ـ أن إسرائيل حشدت 19 كتيبة (أكثر من 6 ألوية) من قواتها على الحدود السورية. وتواتر الخبر نفسـه في لقاء تم في موسكو يوم 13/5 بين رئيس مجلس الشعب المصري، محمد أنور السادات، والرئيس السوفيتي، نيكولاي بودجورني (Nikolai Podgorny) ، الذي أبلغ ضيفه أن إسرائيل حشدت قوات على الحدود السورية، وأنها خططت للهجوم في وقت ما بين 18 و 28/5/1967. وعلى أساس هذه المعلومات، قررت مصر، ليلة 13ـ14/5، التأهب عسكرياً لمساندة سورية، في حال مهاجمة إسرائيل لها.

ولم تكن الحشود الإسرائيلية ضد سورية في مايو 1967، التي تواترت عنها المعلومات العربية والسوفيتية، وكانت السبب المباشر لقرار مصر الإستراتيجي بالتأهب لمساندة سورية عسكرياً، لم تكن تطوراً مفاجئاً أو طارئاً، وإنما كانت تعبيراً عن ذروة تصعيد الردع الإسرائيلي الممارس ضد سورية في شكل هجمات جوية متتابعة ضد منشآت ومعدات تحويل مياه نهر الأردن في جنوبي سورية، وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 1967 لردع سورية عن مساندة عمليات المقاومة الفلسطينية، التي كان بعض عملياتها تنطلق من أراضيها. وكان الاعتداء الجوي والبري الكبير، الذي وقع على سورية يوم 7 /4 /1967، قمة عمليات الردع الإسرائيلية هذه.

وإثر ذلك، زار وفد عسكري مصري، برئاسة الفريق الأول محمد صدقي محمود، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي، دمشق، في 10/4/1967. وصدر بيان مشترك عقب الزيارة، أعلن "أن سورية ومصر تؤكدان تصميمهما على التصدي المشترك لإسرائيل".

وقد تصاعدت وتيرة وحدّة التهديدات الإسرائيلية المضادة لسورية. ونكتفي بالإشارة إلى تصريح ناطق عسكري إسرائيلي رسمي، يوم 11/5/1967: "إن أمام إسرائيل عدداً من الاحتمالات، تتراوح بين شن حرب عصابات ضد سورية، وبين غزو سورية واحتلال دمشق.

وقد جرى جدل طويل، قبل حرب 1967 وبعدها، يتعلق بمدى صحة المعلومات الخاصة بالحشود الإسرائيلية المذكورة، التي شكّلت أساس الأزمة وتداعياتها وأدت إلى نشوب الحرب. وقد ثبت من الوقائع والوثائق الإسرائيلية التي تواتر ظهورها بعد الحرب، أن إسرائيل عمدت إلى إجراءات خداع، في خصوص حجم وطبيعة الحشود العسكرية الداعمة لمصداقية تهديداتها، وأنها عملت على تسريب المعلومات المتعلقة بها، بهدف استدراج القيادة السياسية المصرية إلى شَرَك الأزمة، ومن ثم إلى الحرب، من خلال استفزازها في صميم شعورها بمسؤولياتها القومية.

وقد بلغ المخاض الإستراتيجي ذروته في عدة أقوال متواترة للرئيس عبدالناصر، الذي كان يوجّه الفكر الإستراتيجي العربي، ويرسم معالم الإستراتيجية العربية وأهدافها. فقد قال:

أ. إن معلومات مؤكدة وصلت إليه، في 13 مايو 1967، تظهر " أن إسرائيل تحشد على حدود سورية قوات مسلحة كبيرة قوامها 11 لواء إلى 13 لواء". وقال أيضاً إنه علم بقرار اتخذته إسرائيل بشن الحرب على سورية في 17 مايو. وعلى هذا الأساس، قررت مصر "أنه إذا حصل هجوم على سورية، فإن مصر ستدخل المعركة من أول دقيقة".

ب. "إذا أرادت إسرائيل الحرب فأهلاً وسهلاً".

ج. نحن الذين نختار المكان والزمان اللذين نقول فيهما أهلاً وسهلاً. ولقد أعطانا رئيس وزراء إسرائيل التوقيت، لكن كنا مستعدين لهذا التوقيت. نحن ننتظر إسرائيل ماذا ستفعل".

د. "لقد تركنا المبادأة لإسرائيل. ونحن ننتظر. إن من يريد أن يحاربنا ليتفضل ونحن مستعدون للرد عليه".

هـ. إننا سنقرر الوقت وسنقرر المكان. ولن نتركهم ليقرروا الوقت ويقرروا المكان. علينا أن نستعد لننتصر .. وقد تمت هذه الاستعدادات. ونحن على استعداد لمواجهة إسرائيل.

ولقد سبقت الحشود الإسرائيلية، ورافقتها تصريحات إسرائيلية رسمية تهدد، بصراحة ووضوح، باحتلال دمشق. وكان من الطبيعي أن تردّ سورية على هذه التهديدات والحشود والنيات العدوانية باتخاذها التدابير، التي تحفظ لها سلامتها وسيادتها، وأن تهبّ مصر إلى نجدة سورية، تنفيذاً لأحكام اتفاقية الدفاع المشترك بينهما.

بدأت مصر تتخذ التدابير، التي تواجه بها التهديدات والمخاطر الإسرائيلية، استناداً إلى واجب إستراتيجي مزدوج:

أ. واجب الأخوّة العربية" تجاه سورية.

ب. واجب الأمن الوطني المصري، فإن البادئ بسورية سوف يثنِّي بمصر".

عقب اجتماعات عقدتها القيادة العسكرية المصرية العامة، صباح يوم 14 /5 /1967، صدرت التعليمات الحربية رقم 1/67، لتقول: "تؤكد المعلومات من مصادرها المختلفة نيَّة إسرائيل في العدوان على الجمهورية العربية السورية. وفي ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية، قررت القيادة العليا للقوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة التدخل جواً وبراً في حالة قيام إسرائيل بعدوان شامل على الأراضي السورية بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية". وبذلك يكون هذا القرار الإستراتيجي استثنى حالات الاعتداءات الإسرائيلية المعتادة (الإغارات) على سورية، التي لا تستهدف احتلال أراضٍ أو تدميراً شاملاً للقوة الجوية. وأدى هذا القرار الإستراتيجي إلى اتخاذ عدة توجيهات تنفيذية صدرت يوم 14/5/1967، وتضمنت ما يلي:

(1) رفع استعداد جميع القوات المسلحة إلى درجة الاستعداد الكامل للقتال.

(2) إتمام التعبئة العامة للقوات المسلحة العربية (أي المصرية والفلسطينية في قطاع غزة)، قبل يوم  17/5/1967.

(3) إتمام التحشدات (الحشد) في اتجاه إسرائيل براً وجواً، قبل الساعة 6.00 من يوم 17 / 5 /1967، طبقاً لما تمليه الخطة "قاهر".

(4) تجهيز الخطط التعرضية (الهجومية) والدفاعية المشتركة المقررة بالاتفاق مع القيادة العامة السورية.

(5) التأهب للقيام بضربة داخل إسرائيل على شكل عمليات تعرضية (هجومية) ذات مهام محدودة في اتجاهَي العوجة (في وسط الجبهة) وإيلات (في أقصى جنوبي الجبهة).

(6) بدء تنفيذ الفتح الإستراتيجي للقوات البحرية، وتجهيز خطة بحرية تعرضية (هجومية) لقفل مدخل خليج العقبـة وتأمين المياه الإقليمية المصرية هناك، وتجهيز ضربـة بحرية ذات مهام محدودة تُشن بواسطة لنشات (زوارق) الصواريخ.

(7) سرعة استكمال مطالب أجهزة الدفاع الجوي وبخاصة من المقاتلات وأجهزة الرادار. ويبدأ الاستطلاع الجوي فور إتمام الاستعداد الكامل للدفاع الجوي.

(8) احتلال جيش التحرير الفلسطيني مواقعه في قطاع غزة، طبقاً لما نصت عليه الخطة " قاهر"، مع تجهيز بعض عناصر من الفدائيين الفلسطينيين للقيام بإغارات تدميرية داخل إسرائيل.

وكانت الخطة "قاهر"، التي أشارت إليها التوجيهات التنفيذية، قد اعتمدتها القيادة العسكرية العامة في 1/12/1966. وهي، في الأساس، مبنية على مفهوم إستراتيجية دفاعية، تستبعد من حساباتها أي مبادأة هجومية أساسية، حتى لو كانت ضربة إجهاض مضادة لتحشدات (حشود) إسرائيلية تستهدف الهجوم، وذلك تأسيساً على الإستراتيجية الدفاعية التي تبنّتها الدول العربية المحيطة بإسرائيل، منذ صدور البيان الثلاثي (25/5/1950)، الذي ضمنت فيه الدول الثلاث (الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا، فرنسا) أمن إسرائيل من خلال إعلانها نيتها في التصدي المشترك لأي تعديل يتم بالقوة لحدود اتفاقيات الهدنة (1948ـ 1949)، ومن طريق تأكيدها المشترك أيضاً الحفاظ على الميزان العسكري القائم في المنطقة.

وهكذا، بُنيت الفكرة الدفاعية للخطة "قاهر" على أساس عدم المبادأة، وقبول تلقي الضربة الأولى، وامتصاص الصدمة، تمهيداً لانتزاع المبادأة العملياتية والانتقال إلى الهجوم. وكانت الفكرة المسيطرة على الفكر الإستراتيجي العربي، في ذلك الحين، هي الخشية من أن تؤدي المبادأة العسكرية العربية إلى أن تجد الدولة العربية المبادأة نفسها في مواجهـة مباشرة مع الدول الغربيـة الكبرى الثلاث أو مع إحداها. وعلى هذا، فإن الخطة "قاهر" لم تتضمن، في إطار المبادأة الهجومية، سوى عمليات هجومية فرعية وجدّ محدودة، تضمنتها التوجيهات التنفيذية التي صدرت يوم 14/5/1967، كإضافات ملحقة بالخطة "قاهر".

بُنيت فكرة الدفاع في الخطة "قاهر"، على أساس منع العدو من الاختراق والوصول إلى قناة السُّوَيس، وتدمير قوات العدو التي تنجح في الاختراق، توطئة للقيام بالهجوم المضاد العام، بالتعاون مع الاحتياطي الإستراتيجي للقضاء على العدو.

وكانت فكرة الدفاع في هذه الخطة ترمي، في جوهرها، إلى السماح للعدو بالتورط في هجمات قوية، حيث يمكن للقوات المدافعة أن توقع به خسائر كبيرة. وقد بني هيكل الدفاع في الخطة على:

أ. نطاق أمن: يتمثل في منطقة الحدود الشرقية.

ب. العمق الدفاعي العملياتي، ويتكون من نطاقين دفاعيين، هما: النطاق الدفاعي الأول: التِمِد - القُسَيِّمَة - أُم قَطَف - منطقة العريش، والنطاق الدفاعي الثاني: منطقة جبل الحَلال.

ج. القوات الاحتياطية للمنطقة.

د. القوات الاحتياطية للقيادة العامة.

حُدِّدَت واجبات هذا الترتيب الدفاعي بما يلي:

·   النطاق الدفاعي الأول: تقوم قواته باحتلال الحد الأمامي للممرات (الجَدي، مِتلا، الخَتْمِية)، والدفاع عنها.

·   النطاق الدفاعي الثاني: تقوم قواته باحتلال الحد الخلفي للممرات والدفاع عنها.

·   محور دفاعي منفصل في شَرْم الشيخ.

إضافة إلى ذلك، تضمنت الخطة " قاهر"، بالنسبة إلى مهمة الدفاع عن سيناء الجنوبية، الاستعداد للاندفاع إلى منطقة شرم الشيخ لسبق العدو إلى السيطرة على منطقة رأس نَصْراني - شرم الشيخ، وتدمير أي قوة معادية يحاول العدو إبرارها جواً أو بحراً هناك، ومنع السفن الإسرائيلية أو السفن الأخرى التي تحمل مواد إستراتيجية لإسرائيل من عبور مدخل الخليج.

وتنفيذاً لتوجيهات القيادة العامة، الصادرة يوم 14/5/1967، في شأن التأهب للقيام بضربة داخل إسرائيل على شكل عمليات هجومية ذات مهام محدودة في اتجاهَي العوجة (وسط الجبهة) وإيلات (جنوبي الجبهة)، أصدرت القيادة العامة يوم 23/5/1967 توجيهات خاصة بأربع عمليات:

أ. العملية "فجر": وتنفذ يوم 29/5/1967 بقصد عزل منطقة النقب الجنوبي وميناء إيلات.

ب. العملية "غسق": وتنفذ في وقت تنفيذ عملية "فجر" بهدف جذب أنظار القيادة الإسرائيلية وإشغالها عن عملية "فجر". وتنفذ العملية على محور العوجة - القسيمة.

ج. العمليـة "سليمان": وتنفذ في الشمال في منطقة رَفَح المصرية. وتبدأ بعد يومين من إتمام تنفيذ العملية "فجر".

د. العملية "أسد": وهي عملية جوية لدعم عمليتَي "فجر" و "غسق". وتبدأ يوم 27/5/1967، أي قبل انطلاق عملية "فجر" بيومين. وتتولى قصف المطارات ومحطات الرادار الإسرائيلية الواقعة في جنوبي ووسط إسرائيل. ثم يستمر الدعم الجوي خلال الأيام الثلاثة التي يستغرقها تنفيذ العملية "فجر".

تلك هي خطط العمليات الهجومية البرية المحدودة، والعملية الجوية المساندة لها، التي أضيفت إلى الخطة "قاهر". وكانت العملية "أسد" ذات أهمية خاصة. فلو أنها نفذت في حينها، لكان من المحتمل أن تجهض الضربة الجوية الإسرائيلية، التي شكّلت أساس نجاح الهجوم الإسرائيلي الخاطف، يوم 5/6/1967، لأنها كانت ستنقل المبادأة الهجومية إلى الجانب العربي. بيد أن الأمر لا يعدو حدّ الاحتمال، إذ كانت القوات الجوية العربية، بصورة عامة، تعاني نقصاً في القدرات القيادية والعملياتية.

ويبدو أن تقييم الاستخبارات (المخابرات) الحربية المصرية لحجوم القوات والأسلحة ما بين مصر وإسرائيل، لم يكن دقيقاً. ففي تقرير مؤرخ في 24/3/1967، ورد أن القوات المصرية كانت تتفوق على القوات الإسرائيلية بنسب بلغت 3 إلى 1 في المشاة والمدرعات، وأنه كان لديها نحو 1000 قطعة مدفعية وهاون ثقيل. وهو عدد يفوق كثيراً ما كان لدى الجيش الإسرائيلي. وقد تبين بعد الحرب أن النسب الحقيقية في ميزان القوى المصري ـ الإسرائيلي كانت: 2, 2 إلى 1 في المشاة، لمصلحة الجانب المصري، و 0.6 إلى 1 في الدبابات، لمصلحة الجانب الإسرائيلي، و 1 إلى 0.5 في المدفعية، لمصلحة الجانب المصري، و 2.5 إلى 1 في الطائرات، لمصلحة الجانب الإسرائيلـي، و 2.7 إلى 1 في عدد الطيارين لمصلحة الجانب الإسرائيلي.

وقد جرى معظم تحركات القوات المكلفة بالاستعداد لتنفيذ العمليات المذكورة، وكذلك عمليات الانتشار الدفاعي، في وضح النهار، ودون اتخاذ القدر اللازم من إجراءات الكتمان والخداع. وكان ذلك هو الطابع العام لتحركات وحشد القوات المصرية منذ بدايته صباح يوم 15/5/1967، إذ تمّ تعمد إجراء العديد منها في شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية بشكل علني مكشوف، ونشرت صور تحركات عدة أخرى في سيناء، بهدف جعل التحرك والحشد كمظاهرة عسكرية تؤكد جدية استعداد مصر للتدخل عسكرياً ضد إسرائيل، في حال إقدام الأخيرة على مهاجمة سورية. وحينما سأل قائد القوات الجوية رئيس الأركان العامة عن أمر توجّه القوات إلى سيناء، أجابه هذا: "لا تهتم. فالعملية ليست أكثر من مظاهرة عسكرية.

وحينما بدأت احتمالات قيام إسرائيل بشن هجوم على مصر تقوى وتتضح، أخذت القيادة العامة للقوات المسلحة، بدءاً من 14/5/1967، تحشد القوات في سيناء، وتحرك الوحدات من موقع إلى آخر، حتى إن وحدات عديدة غيّرت مواقعها غير مرة، وانتقلت مسافات طويلة. ووضعت عدة خطط للعمليات، كانت كل منها تعدِّل أو تلغي ما سبقها.

وما حلّ ببعض الوحدات من تغيير لمواقع تمركزها، وتحركات سريعة مفاجئة، حلّ أيضاً بقيادات بعض الفرق وهيئات أركانها. فقد تم ـ في مستوي قادة الفرق ورؤساء هيئات أركانها فقط ـ تبديل 12 قائداً. ولم يتسلم بعض هؤلاء القادة الجدد مناصبهم إلا في 4 يونيه. وهكذا قادوا وحداتهم الكبيرة من دون أن يكونوا عارفين، بدقة وتفصيل، كل ما يجب أن يعرفه القائد عن وحدته، ضباطاً وأفراداً، وتدريباً وتسليحاً، وكفاءات وقدرات.

وهناك قيادة جديدة أنشئت، أول مرة، في 16 يونيه، هي "القيادة العامة للجبهة". وهي قيادة وسيطة تأتي بين "قيادة الجيش الميداني" في سيناء، والقيادة العامة للقوات المسلحة في القاهرة. وبذلك، نشأت ازدواجية في المهام والمسؤوليات القيادية، إذ لم يكن في سيناء سوى جيش واحد، ولم تكن ثمة حاجة إلى نسق قيادي وسيط.

وفي يوم 23 /5 /1967، زار الرئيس جمال عبدالناصر ومعه القائد العام، المشير عبدالحكيم عامر، ووزير الدفاع، شمس بدران، وقائد القوات الجوية، الفريق الأول محمد صدقي محمود، قاعدة أبو صوير الجوية. واجتمع الرئيس بضباط القاعدة، وتحدث اليهم، وأعلن إغلاق خليج العقبة. وقال في إجابته عن تساؤل ضابط طيار: "اطمئن. إن الموقف سيُحل سياسياً، وليس عسكرياً". وأكّد الرئيس هذا المعنى في حديثه مع قائد القوات الجوية.

تتابعت الأحداث، فانسحبت قوات الطوارئ الدولية من سيناء، بناء على طلب مصر، في 23/5/1967. وكانت إسرائيل أرسلت، مساء 16 مايو، وحدة دبابات وثلاث كتائب مشاة لتتمركز مقابل قطاع غزة. وبعد ثلاثة أيام، وصلت وحدة مظليين مصريين إلى شرم الشيخ، لتحل محل القوة الدولية. وفي اليوم نفسه، انتهت المرحلة الأولى من التعبئة العامة في إسرائيل، وشرعت القيادة المصرية تدعو الاحتياطي العام. وفي 24 مايو، وصلت إلى مصر وحدات عسكرية كويتية وجزائرية وسودانية. وأعلن الأردن أنه أنجز تعبئة قواته، وأن قوات من المملكة العربية السعودية ستصل إليه، لدعمه. وفي اليوم نفسه، أيضاً، وصل إلى القاهرة الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تلقى تأكيداً من الرئيس عبدالناصر، أن مصر لن تكون البادئة بالحرب، في حين أعلن رئيس وزراء إسرائيل أن إغلاق المضايق عمل عدواني ضد إسرائيل. وفي 30 مايو، وصل إلى القاهرة الملك حسين، ووقّع مع الرئيس عبدالناصر اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والأردن. وفي إسرائيل، تولى الجنرال موشي ديان وزارة الدفاع، وعيّن مناحم بيجن (Menachem Begin) وزير دولة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أبلغت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الرئيس ليندون جونسون، في 26 مايو، أن إسرائيل قد أتمّت استعدادها لشن الهجوم على مصر. وفي اليوم نفسه، كان وزير الخارجية الإسرائيلية يجتمع في واشنطن بوزير الدفاع الأمريكي، ووزير الخارجية، ومستشاري الرئيس جونسون، ليعرض عليهم ما أزمعت إسرائيل أن تقوم به، ويأخذ موافقتهم على ذلك. وحضر هذا الاجتماع المهم رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الذي أكد أن التشكيلة العسكرية المصرية في سيناء لا تحمل أي طابع هجومي. وطمأن المجتمعين بنتائج الحرب المنتظرة. وصرح بأن إسرائيل سوف تنتصر، إذا ما شنت الحرب على مصر، وأن ذلك الاستنتاج يعتمد على دراسات دقيقة وشاملة، أجرتها لجان خاصة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وتوصلت إلى هذه النتيجة بعد أن قامت بجمع المعلومات والإحصاءات الخاصة بالجيشين المصري والإسرائيلي.

وبعد منتصف ليلة 26ـ 27 /5 /1967، أبلغ كل من سفيرَي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي الرئيس جمال عبدالناصر، رسالتين تتضمنان مناشدة حكومتيهما مصر ضبط النفس وعدم بدئها القتال، وذلك بناء على معلومات نقلها السفير الإسرائيلي في واشنطن إلى وزير الخارجية الأمريكية بأن لدى الحكومة الإسرائيلية معلومات أكيدة بأن هجوماً مصرياً ـ سورياً قد يحدث في تلك الليلة. ونتيجة لهذا التحرك السياسي السريع والمباشر للدولتين العظميين، رأت القيادة السياسية العليا المصرية، ألاّ تبدأ مصر الحرب، وأن تتلقى الضربة الأولى، إذا ما بدأت إسرائيل القتال، وتستوعبها تمهيداً للانتقال إلى الهجوم.

وفي الاجتماع المشترك الذي عقدته القيادتان السياسية والعسكرية، مساء 29/5/1967، قدّر الرئيس عبدالناصر احتمال بدء إسرائيل الحرب بنسبة 80%، على الرغم من عدم توافر معلومات عن احتمال اشتراك دولة غربية في الحرب إلى جانبها. ثم عاد الرئيس عبدالناصر، وأكّد نية إسرائيل شن الحرب بنسبة 100%، في الاجتماع المشترك للقيادتين السياسية والعسكرية، مساء 2 /6 /1967ـ عقب حدوث تعديل وزاري في الحكومة الإسرائيلية في اليوم السابق، أصبح موشي ديان، بمقتضاه، وزيراً للدفاع ـ حضره كبار السياسيين والقادة العسكريين. وقد أوضح الرئيس عبدالناصر في هذا الاجتماع التاريخي، الذي سبق نشوب الحرب بثلاثة أيام فقط، أن مصر كسبت المعركة سياسياً، وأن إسرائيل خسرتها. ولكن مصر لا يمكنها، على الرغم من ذلك، اتخاذ إستراتيجية هجومية، لأن الموقف الدولي لا يسمح بذلك، وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية يحتمل أن تقدم مساعدة مباشرة إلى إسرائيل، في حال تعرض أمنها العسكري للخطر، وأن فرنسا أعلنت على لسان رئيسها أنها ستقف ضد البادئ بالعدوان، وأن إسرائيل ليس أمامها إلا أن تسلم بالأمر الواقع، أو أن تشن حرباً ضد مصر ودول المواجهة، خاصة بعد توقيع مصر والأردن اتفاقية للدفاع المشترك، في 30/5/1967، واتفاق الأردن مع العراق على إرسال قوات إلى الجبهة الأردنية، وتوقُّع وصول قوات عراقية وأخرى كويتية إلى الجبهة المصرية قريباً. واستطرد الرئيس عبدالناصر مؤكداً قيام إسرائيل بالضربة الأولى، بعد أن أتمّت إجراءاتها الداخلية المعتادة. وتوقع أن تبدأ الحرب خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر. ثم عاد فحدد أن إسرائيل ستبدأ هجومها يوم 5 يونيه. وقد تحول الحديث، بعد ذلك، إلى إجراءات الحرب الوقائية وتأكيد قيام إسرائيل بالضربة الأولى. وحول هذه النقطة، قام نقاش انحصر في الخسائر المحتملة للقوات الجوية، وإمكان توفير القدرة لها لشن ضربة مضادة. وقد قدّر الفريق الأول محمد صدقي محمود الخسائر المتوقعة في القوات الجوية المصرية بأنها تراوح بين 15 و 20 بالمئة. وعلّق على مسألة ضرورة استعداد القوات الجوية لتلقي الضربة الأولى بقوله: "إن هذا الإجراء يعني فقْد المبادأة من جانبنا، وربما أدى هذا إلى تكسيح قواتنا الجوية". وأوضح المشير عامر، أنه لو بدأت مصر بتوجيه الضربة الجوية الأولى، فلن تقف الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج، وإنما ستتدخل بقواتها العسكرية بصورة مباشرة[1]، في حين أنه لو بدأت إسرائيل هذه الضربة ضد مصر، فلن تتدخل أمريكا بقواتها العسكرية.

2. الأردن

لم تكن إمكانات الأردن العسكرية وقدراته كافية للقيام بعملية هجومية واسعة قدر اتساع حدود الضفة الغربية مع إسرائيل. ولم يكن في استطاعته أن يفعل ذلك، إلاّ إذا توافرت له القوات البرية والجوية الكافية، والقادرة على شن هجوم شامل.

كان مسرح العمليات الأردني، وهو الضفة الغربية كلها، متسعاً في أبعاده، فطول الجبهة يبلغ 650 كم. ويتطلب هذا المسرح ترتيباً دفاعياً قاعدته الجغرافيا العسكرية الخاصة به. ولم تكن القوات الأردنية، بمختلف صنوف أسلحتها، كافية لتأمين الدفاع عنه، أو لإشغال مواقع وخطوط أي خطة دفاعية شاملة متكاملة. ولقد أدت هذه الحال إلى ضعف كثافة القوات الأردنية، سواء في خط المواجهة أو في المواقع الدفاعية التالية له، أو في الاحتياطي العام.

وتأسيساً على هذا، لم يكن لدى الأردن خطة هجومية، وإنما كان ترتيبه دفاعياً محضاً. ويقول الملك حسين: "إننا فكرنا في إعداد خطة إستراتيجية، بعد وصول الفريق عبدالمنعم رياض إلى عمان، وبعد ما وافتنا حكومة بغداد بمعلومات راهنة عن القوات العراقية التي ستنضم إلى قواتنا". وبانتظار وصول هذه القوات والقوات السعودية، عقد الملك حسين اجتماعاً للقيادة العسكرية العليا، في حضور الفريق رياض، وذلك ليلة 4/5 يونيه. وناقش المجتمعون الإستراتيجية، التي ينبغي إعدادها. واتفقوا على الاستمرار في موقف الدفاع، بانتظار وصول القوات الموعودة. وبعد وصولها "تأخذ جبهتنا بالامتداد تدريجياً، ويصبح في إمكاننا إعداد المرحلة الهجومية من العمليات.

ولم يكن في استطاعة الأردن أن يفعل غير الذي جرى. فقواته المنتظمة في ثمانية ألوية، والمقدّرة بنحو 55 ألف مقاتل، لم تكن لتغطي، دفاعياً، تلك الجبهة الطويلة. فأوكلت إلى ألوية المشاة مهمة الدفاع عن الحدود، في حين تولى اللواء المدرع الأربعون مهمة دعم ألوية المشاة في القسم الشمالي من الضفة الغربية، وعهد إلى اللواء المدرع الستين مهمة دعم ألوية المشاة في القسم الجنوبي.

بادرت القيادة الأردنية إلى الإيعاز بفتح النار في الجبهة، عقب تلقي الفريق عبدالمنعم رياض أمراً بذلك من القائد العام للقوات المشتركة في القاهرة[2]، نحو الساعة التاسعة من صباح 5 /6 /1967. وقد أشارت البرقية إلى أن إسرائيل بدأت هجومها الجوي على مصر، وأن على قوات الجبهة الشرقية أن ترد على ذلك بمباشرة القتال.

ولم تكن القيادة الإسرائيلية، آنذاك، راغبة في فتح الجبهة الثانية بصورة جدية، قبل أن تتأكد من تطور الموقف على الجبهة المصرية لمصلحة قواتها. لذا، كان رد فعلها في البداية محدوداً. وعندما حسمت أمر الجبهة المصرية، نقلت بعض قواتها الضاربة، البرية والجوية إلى الجبهة الأردنية. وكان أول ما فعلته إخراج القوات الجوية الأردنية من المعركة.

وبعد أن أصبحت القوات الأردنية بلا غطاء جوي، وأصبح العدو يملك السيطرة الجوية المطلقة، أمست تلك القوات عاجزة عن التّوزّع إلى أرتال أو مفارز، تَجْبَه مفارز العدو المهاجمة، فلم يكن حجمها وافياً بالغرض، ولا انتشارها مساعداً على ذلك.

3. سورية

تكوِّن هضبة الجولان، بمجموعها، منطقة صالحة للتمركز الدفاعي. كما تكوِّن، في الوقت نفسه، قاعدة لانطلاق هجوم على وادي نهر الأردن، أي القسم الشمالي من فلسطين (سهل الحولة ومنطقة طبرية والجليل الأعلى)، بدءاً من بلدة بانياس شمالاً حتى سمخ على بحيرة طبرية جنوباً.

ولقد تأسست خطة الدفاع السورية على استخدام الهضبة ومعالمها الطبيعية لتنظيم الجبهة تنظيماً دفاعياً، أساسه خطوط متتالية، مترابطة فيما بينها، تتقاطع في الدعم الناري والقدرة على المناورة، وتتشابك أمدية أسلحتها في بناء سد ناري كثيف وغزير، إضافة إلى حقول وممرات من الألغام والمواقع المتنوعة، وخصوصاً تلك الممرات التي لا مندوحة للعدو عن سلوكها في حال اقترابه من الجبهة أو اختراقه لها.

اعتمدت الخطة الدفاعية السورية على مزاوجة الدفاع والهجوم المضاد، وفق ظروف المعركة ومتطلباتها. ولهذا، احتفظت القيادة العامة ببعض الألوية (مشاة ومدرعات) في العمق العملياتي، لتستخدمها في دعم الألوية المكلفة الدفاع عن الخط الأمامي. وكان على كل لواء أن يدافع عن جبهة عرضها حوالي 20 كلم، مع التركيز الدفاعي على خطوط ومواقع المحور الوسط، نظراً إلى أهميته في المنظومة الدفاعية، وإلى سهولة اختراقه بالمدرعات المعادية، مقابلة بالمحورَيْن الشمالي والجنوبي.

وكانت الخطة السورية تتطلب الحصول على سيطرة جوية قادرة على حماية سماء منطقة العمليات، حيث ستجري الهجمات المضادة، وعلى حماية أمكنة حشد القوات الاحتياطية ومحاور حركتها، لمباشرة الهجمات المضادة. غير أن شيئاً من هذا لم يكن ممكناً توفيره. فلقد كانت السيطرة الجوية في حيازة القوات الجوية الإسرائيلية.

اشتمل الترتيب الدفاعي على عدة خطوط من التحصينات، استقرت فيها مدافع ميدان ومدافع مضادة للدبابات. وكانت هذه الخطوط تؤدي المهام المعروفة لكل ترتيب مماثل، وهي: الرصد والإنذار والتّماس والدفاع الحصين والإيقاف.

وعلى الرغم من أن سفوح الجولان الغربية المنحدرة نحو وادي نهر الأردن حادة وصخرية صلبة في مواضع عدة، واجتيازها صعوداً ليس بالأمر السهل، لم تكن تلك السفوح، في بعض مواضعها، عصيّة على جنازير الدبابات، إذ تتسلق مواضع معينة من تلك السفوح.

وكانت سورية محط التركيز العسكري والإعلامي الإسرائيلي. فقد سعت إسرائيل إلى أن تخلق ـ من خلال الجبهة السورية ـ ذريعة ومدخلاً مناسبين لبدء الحرب. فسورية أحد البلدان الثلاثة القائمة بتنفيذ مشروعات المياه العربية، التي تعمل إسرائيل على إحباطها بشتى الوسائل، وعلى رأسها الوسيلة العسكرية. وفي هضبة الجولان السورية، تنتشر المواقع العسكرية الحصينة والمتحكمة في الأراضي الإسرائيلية المنخفضة. لذا، فتدمير الجيش السوري واحتلال الجولان هدفان مهمان من أهداف الحرب الإسرائيلية. وينضم إلى هذه الذريعة الاتهام الذي دأبت إسرائيل على توجيهه إلى سورية منذ مطلع عام 1965، بأنها تؤوي معسكرات منظمات المقاومة الفلسطينية، وتمدّها بالعون، وتشجع نشاطها داخل الأراضي الإسرائيلية. لذلك كله، كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعتقد بوجود "حساب قديم يلزم تسويته مع الجيش السوري، الذي لم يكفّ ـ مستغلاً ميزة طبوغرافية ـ عن ملاحقة وضرب المستعمرات الزراعية التي يشرف عليها من أعلى الهضبة".

وكانت إسرائيل تفتعل الحوادث على الجبهة السورية من أجل إبقاء ذريعة الحرب قائمة حية. فقد اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي ديان، أن "أكثر من 80% من الحوادث"، التي كانت تقع على خطوط الهدنة السورية ـ الإسرائيلية، وفي المناطق المجردة من السلاح، والتي شكلت ذريعة تستند إليها إسرائيل في شن الحرب ضد سورية واحتلال الجولان، لم تكن سوى "تحرشات" كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية، لتعزيز تلك الذريعة، وخلق البيئة المناسبة للحرب. كما اعترف أيضاً أن وفداً من سكان "الكيبوتسات" في الشمال قابل، في اليوم الرابع للحرب، أي يوم 8/6/1967، رئيس الوزراء، ليفي أشكول، وطلب منه سرعة شن الحرب على سورية: "إن الوفد كان يفكر في أرض الهضبة (أي هضبة الجولان). حتى إنهم لم يحاولوا إخفاء طمعهم في تلك الأرض.

هددت إسرائيل سورية بغزو أراضيها. فذهب رئيس الأركان إلى المطالبة بالاستيلاء على دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها[3]. وقال رئيس الوزراء: "إن إسرائيل قد عقدت العزم على استخدام القوة ضد سورية". وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على سورية ذروتها حين شنّت القوات الجوية هجوماً كبيراً في 7/4/1967، اشتركت فيه ستون طائرة. ومع بداية مايو 1967، تزايدت التهديدات في المستويات الإسرائيلية كافة، ابتداء من رئيس الوزراء حتى أعضاء الكنيست.

4. العراق

فوجئ العراق بالحرب، كما فوجئت سائر البلدان العربيـة. فكان اشتراكه في العمليات، وهو بعيد عن ساحتها، على قدر ما سمحت له الأيام القليلة، التي سبقت الحرب من اتخاذ بعض الاستعدادات. غير أن تطور القتال كان أسرع من قدرة القوات العراقية على الالتحاق بجبهة القتال والاشتراك الجدي والكثيف في المعركة.

ونظراً إلى فقدان التخطيط الإستراتيجي على المستوى القومي، فقد كانت خطة دخول العراق ساحة القتال مرتجلة. فبعد أن كان العراق قد اتفق مع سورية، في 24/5/1967، على أن يدعمها بسربين من الطائرات، أحدهما قاصف والآخر مطارد، ويعملان من القواعد الجوية العراقية، إضافة إلى لواء مشاة مدعوم بكتيبة دبابات وكتيبة صاعقة، يقاتل مع القوات السورية في جبهتها، تغيرت هذه الخطة، في إثر زيارة نائب الرئيس المصري والفريق عبدالمنعم رياض بغداد، في 31 مايو، والاتفاق على توجيه الدعم العراقي، الجوي والبري، إلى الأردن بدلاً من سورية، بحسبان أن الجبهة الأردنية أطول وأخطر من الجبهة السورية، وأن الأردن أحوج إلى المساعدة العسكرية. وهكذا، صدرت الأوامر إلى اللواء العراقي المدعوم بالتوجه إلى الأردن، فوصل إلى المفرق، في الساعة 11.00 من يوم 5 يونيه، أي بعد نحو ساعتين من بدء القتال في الجبهة الأردنية.

باشر اللواء العراقي القتال إلى جانب الوحدات الأردنية، وهو غير عارف بطبيعة مواقع القتال. ولم يكن لديه الوقت الكافي لتنظيم تعاونه مع الوحدات الأردنية، ولا التعرف بمواقع العدو، إضافة إلى تتابع الأوامر التي كانت تقضي بتحرك وحدات اللواء العراقي من مكان إلى آخر، بحسب ما تتطلبه تطورات القتال، وما سيطر على القيادة العامة من قلق واضطراب.

وهكذا كان الارتجال هو المسيطر على مجمل تحركات القوات العراقية، سواء في الحشد أو في القتال، في حين لم تسمح المدة القصيرة للحرب لسائر القوات العراقية بالاشتراك على نطاق أوسع في العمليات. كما كان فقدان التخطيط للتدريب المشترك بين قوات الجبهة السورية ـ الأردنية، مضافة إليها القوات العراقية، سبباً رئيسياً في ضعف التعاون والتنسيق بين هذه القوات، سواء على مستوى القيادات العليا، أو على مستوى القيادات الميدانية، أو على مستوى وحدات القتال. وحينما عملت هذه القوات في جبهة واحدة ولأهداف مشتركة، لم تكن قد تدربت قط على العمل العسكري المشترك، بمختلف أشكاله ومواضعه ومستوياته.

ثانياً: الوضع الدولي

جرت أحداث حرب 1967 وأسبابها ودوافعها ومقدماتها ونتائجها في إطار الحـرب الباردة وموازين القوى فيها، سواء الدولية أو الإقليمية، تلك الحرب التي كان قطباها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، حتى إنه يمكن اختصار الوضع الدولي، بصورة عامة، في سياساتهما ومواقفهما حيال حرب 1967. ولقد كان الاستقطاب حول الدولتين العظميين في ستينيات القرن العشرين على أشده. ففي حين كانت إسرائيل وتركيا وإيران (حتى الثورة الإسلامية عام 1979) ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط تميل إلى التفاهم والتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، كانت دول أخرى في المنطقة تميل إلى الاتحاد السوفيتي، الذي أصبح مصدراً لتسليح بعض الدول العربية، مثل مصر وسورية والعراق والجزائر وليبيا.

سلك الاتحاد السوفيتي سياسة التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني والموقف العربي منها، بما لا يتجاوز قرارات الأمم المتحدة، وبخاصة قرار التقسيم. وفي حين أغلقت أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية الأبواب أمام العرب للتسلح، إلا بشروط، باع الاتحاد السوفيتي، دون أي شرط سياسي، السلاح للبلدان العربية التي رغبت في شرائه منه، وزوّدها بالخبراء لتمكين جيوشها من استخدام ذلك السلاح، إضافة إلى توثيق التعاون العربي ـ السوفيتي وتوسيع مجالاته وتنويعها.

هذا عن السلوك السوفيتي في مجال العلاقات العربية ـ السوفيتية بصورة عامة. أمّا عن موقف الاتحاد السوفيتي في أثناء الأزمة، التي مهدت لحرب 1967، فتجدر الإشارة إلى النقاط الآتية:

1. الاتحاد السوفيتي هو المصدر الرئيسي للمعلومات عن حشد إسرائيل قواتها على الحدود مع سورية .

2. في اجتماعَيْن عقدهما وزير الدفاع المصري، شمس بدران، مع رئيس الوزراء السوفيتي، أليكسي كوسيجين (Alexei Kosygine) ، ووزير الخارجية، أندريه جروميكو (Andrei Gromyko)، ووزير الدفاع المارشال، أندريه جريشكو (Andrei Grechko)، في موسكو، يومَي 26 و 27/5/1967، طمأن وزير الدفاع المصري الجانب السوفيتي بأن الموقف العربي "في غاية القوة"، وعرض مجموعة التدابير، التي اتخذتها مصر منذ نشوء الأزمة في 14/5/1967 حتى الحشد في سيناء وسحب قوات الطوارئ الدولية، وإقفال خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية: وقال: "نحن مستعدون لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل. ولا يهمنا أمريكا ولا غير أمريكا... نحن لن نبدأ بالعدوان. فقد عدنا إلى وضعنا قبل 1956.. نحن لا نريد الحرب، ولكن لا نريد أيضاً التراجع تحت الضغوط". وقال كوسيجين: "معلوماتنا تؤكد وجود نشاط كبير في إسرائيل. وقد تقوم بعمليات عسكرية في نهاية مايو، فهم يجهزون لتوجيه ضربة .. لا يصح أن تبدأوا بأي عملية عسكرية. فقد حصلتم على ما تريدون. ونحن نرى الاكتفاء بما وصلتم إليه .. إن إمدادات الأسلحة لكم ولسورية هدفها ألاّ يحدث اشتباك مسلح، لأننا نريد السلام من خلال القوة". ونقل الوزير المصري في تقريره قولاً لوزير الدفاع السوفيتي، حين كان يودعه في مطار موسكو: "على العموم أساطيلنا تحت أمركم".

3. أبلغ رئيس الوزراء السوفيتي وزير الدفاع المصري، في أثناء زيارته موسكو، رسالة إلى الرئيس عبدالناصر الذي عبّر عن فحواها بقوله: "إن الاتحاد السوفيتي يقف معنا في هذه المعركة، ولن يسمح لأي دولة أن تتدخل إلى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه عام 1956".

4. عندما تحركت القوات المصرية إلى سيناء "كانوا (السوفيت) أشد الناس انزعاجاً من تحركات القوات المصرية. صحيح أن مصر كانت تتصرف بناء على معلومات تلقتها منهم، لكنهم كانوا يقصدون أن يهيِّئ تحذيرهم الحكومة المصرية نفسياً لمواجهة الموقف، أو أن يدفعها إلى إجراء مشاورات أكثر سرية، لا أن يحفزها إلى اتخاذ قرار مستقل".

5. سأل المشير عبدالحكيم عامر السفير السوفيتي في القاهرة إن كانت حكومته تستطيع، بواسطة قمرها الصناعي، أن تزود مصر بصورة أوضح عن انتشار القوات الإسرائيليـة على الحـدود السوريـة. وقد ردت موسكو بقولها "إنهم لم يكن في استطاعتهم أن يقرروا ما إذا كانت الحشود الإسرائيلية استفزازاً متعمداً أم هي إجراءات وقائية لمواجهة أي محاولة من جانب السوريين أن ينتهزوا فرصة عيد إسرائيل الوطني (15 مايو) لكي يشنوا هجوماً". كانت فكرة أن تحركات القوات الإسرائيلية دفاعية أكثر منها هجومية، التي وردت من موسكو شيئاً جديـداً تماماً. كانت موسكو عندئذ تتكلم في الحقيقة لغتين، في الوقت نفسه: لغة التحذير ولغة ضبط النفس.

6. استقبل المشير عامر السفير السوفيتي، عصر يوم 6/6/1967، وذكّره بإيقاظه الرئيس عبدالناصر فجر 26 مايو ليبلغه رسالة من رئيس الوزراء السوفيتي تفيد بأن الأمريكيين "اتصلوا به ونقلوا إليه تقريراً يقول إن مصر، حسب ما نقلته مصادر إسرائيلية، كانت على وشك الهجوم عند الفجر، وإنهم كانوا يناشدون مصر أن تكفّ عن القيام بهذا". فقال عبدالناصر: "إن مصر لم يكن لديها مثل هذه الخطة .. إنكم أنتم الذين منعتمونا من توجيه الضربة الأولى. وقد حرمتمونا من أخذ زمام المبادرة. وهذا تواطؤ".

هذا عن الاتحاد السوفيتي، أمّا عن الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استمرت في سلوكها العدائي، بصورة عامة، ضد العرب في ما يتعلق بشؤون إسرائيل وقضية فلسطين، وذلك قبل حرب 1967 وفي أثنائها وبعدها. فقبل الحرب، عارضت حشد القوات المصرية في سيناء، وسحب قوات الطوارئ الدولية، وإغلاق خليج العقبة. ودعت مصر إلى ألاّ تكون هي البادئة بالقتال. في حين أنها لم تتخذ موقفاً مماثلاً حيال إسرائيل، ولم تردعها عن الاستفزازات والاعتداءات والتهديدات، التي كانت تمارسها طوال أشهر سبقت الحرب، بل إنها ساعدتها على تهيئة المناخ الدولي تمهيداً للحرب، إضافة إلى مساعدات أخرى غير مباشرة، قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل في فترة ما قبل الحرب.

لقد كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية، في الأيام القليلة الحاسمة التي سبقت الحرب، بخـداع مصر وتضليلها، العامل الرئيسي والحاسم في نصر إسرائيل، من طريق توفير عنصرَي المبادأة والمفاجأة، اللذين كانا العامل، الذي قرر مصير الحرب آنذاك، وذلك بمنع مصر من أن تبدأ هي بالضربة الوقائية. فقد بعث الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، برسالة إلى الرئيس عبدالناصر في 23 مايو، قال فيها إن مصر تستطيع أن تتأكد بيقين، وأن تعتمد على أن الولايات المتحـدة الأمريكية تعارض معارضة صارمة أي عدوان في المنطقـة من أي نوع، سواء أكان مكشوفاً أم في الخفاء، وسواء أقامت به القوات المسلحة النظامية أم قوات غير نظامية. ولمزيد من الخداع، اقترح جونسون إيفاد نائبه، هيوبرت همفري (Hubert Humphrey)، إلى مصر لإجراء محادثات مع الرئيس عبدالناصر.

وفي حين كانت مصر تستجيب لمقترحات جونسون بإعلان تمسكها باتفاقيات الهدنة، تعهد الرئيس عبدالناصر للأمين العام للأمم المتحدة، يوثانت (Sithu U Thant) ، عندما زار القاهرة، بأن مصر لن تبدأ بالعمل العسكري. وقد حصل جونسون بذلك على تعهد آخر من طريق الأمم المتحدة.

أبلغت مصر السفير الأمريكي ترحيبها باستقبال نائب الرئيس الأمريكي. ولإبداء حسن النية، اقترحت مصر إيفاد نائب الرئيس، زكريا محيي الدين، إلى واشنطن. ورأى جونسون أن يحصل على تعهد آخر من الرئيس عبدالناصـر من طريـق السوفيت. "وكان ذلك يتم فـي الوقت، الذي كان جونسون يجتمع فيـه مع أبا إيبان (Abba Eban)، وزير خارجية إسرائيل، لاستكمال الاتفاق على سيناريو العدوان. وكان الهدف السياسي المتفق عليه هو إرغام العرب على إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، أي تحقيق مبدأ السلام مقابل الأرض، التي ستحتلها إسرائيل. وثمة أدلة كثيرة تثبت تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية في التكتم على قرار إسرائيل بشن الحرب، وأن توفر لها الظروف والشروط المناسبة لتكون هي البادئة بالضربة الأولى، إضافة إلى مساعدات أخرى في مجالات التسليح والمعلومات والاستخبارات، وخاصة حماية إسرائيل من أي ردة فعل تؤثر في كيانها أو تعرضها للهزيمة.

ومن بين تلك الأدلّة، ما أبلغه نائب وزير الخارجية الأمريكية للسفير المصري، في 25 مايو، حين قال: "إنني أخاطبك باسم الرئيس، لقد جاء إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلية، إلينا .. وقال إنه كان لديه معلومات من إسرائيل بأن مصر سوف تقوم بشن هجوم هـذه الليلة. ولا بد لي أن أحذركم من أنه إذا كان هذا صحيحاً، فإن الولايات المتحدة سوف تقف ضد مصر" .

تحرك الأسطول السادس الأمريكي في مياه البحر المتوسط في تظاهرة عرض للقوة، ولردع الاتحاد السوفيتي، ومنعه من التفكير في التدخل. وعبرت حاملة طائرات أمريكية قناة السويس في طريقها إلى البحر الأحمر. وكرّست الاستخبارات الأمريكية نشاطها الخاص بالمعلومات في الشرق الأوسط، قبل الأزمة وفي أثنائها، لخدمة إسرائيل. ومن قبيل ذلك، أن الاستخبارات الأمريكية أكدت لوزير الخارجية الإسرائيلية، في أثناء اجتماعه بالرئيس الأمريكي، جونسون، أنه إذا نشبت الحرب، فسوف تنتصر إسرائيل، وأن مصر لا تنوي القيام بالهجوم. كما أن معلومات استخبارات حلف شمال الأطلسي (NATO) ، قد سُخّرت لخدمة إسرائيل.

"ومن المقبول لدى الكثيرين ـ حتى من بين الباحثين الغربيين ـ أن التحذيرات الأمريكية لمصر بعد بدء القتال من ناحية، والاتصالات التي أخذت مظهراً توفيقياً تعاونياً بمصر من ناحية أخرى، كان لها دور مهم في قرار الرئيس عبدالناصر بعدم المبادرة بتوجيه الضربة الأولى ضد إسرائيل. كما أن عدم اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية صراحة على قيام إسرائيل بعمل عسكري منفرد، منذ 27 مايو ، قد كان بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل". ففي ذلك اليوم، وُجّه سؤال إلى وزير الخارجية الأمريكية عمّا إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبذل أي جهد لمنع إسرائيل من المباشرة بالتحرك العسكري، فأجاب بأنه لا يعتقد أن من مسؤولية الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي كبح جماح أي هجوم إسرائيلي محتمل على مصر.



[1] أعلن قائد الأسطول السادس الأمريكي، في البحر المتوسط، يوم 1/6/1967، عزم حكومته على الاحتفاظ بمضايق البحار الدولية مفتوحة، في إشارة إلى مضيق تيران، إذ ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن خليج العقبة بحر مفتوح

[2] القائد العام للقوات المشتركة هو المشير محمد عبدالحكيم عامر. ومثّل القيادة العامة في مركز القيادة الأمامي في الأردن الفريق عبدالمنعم محمد رياض. وقد توليا هذين المنصبين إثر عقد اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، بتاريخ 30/5/1967

[3] تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إذاعة إسرائيل، 12/5/1967