إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر المصرية




المقدم جلال هريدي
الفريق أول صدقي محمود
الفريق عبدالمنعم رياض
الفريق عبدالمحسن مرتجي
الفريق عزت سليمان
شمس بدران
سامي شرف
شعراوي جمعة
عبدالحكيم عامر

أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الخطة الإسرائيلية للضفة الغربية
الخطة الإسرائيلية للقدس
الضربات الجوية الإسرائيلية
الضربة الجوية الإسرائيلية
القتال داخل القدس
توزيع المجهود الجوي الإسرائيلي
توزيع القوات السورية
توزيع قوات الطوارئ الدولية
تسلسل الضربات الرئيسية الإسرائيلية
تسلسل الضربة الجوية الأولى
خطة الدفاع الرئيسية لسيناء
خطة استخدام الطيران الإسرائيلي
سيناء بعد انسحاب الطوارئ

هجوم اللواء الجولاني
مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجمات الإسرائيلية على الأردن
الهجوم الإسرائيلي
الخطة الإسرائيلية
الخطة الإسرائيلية للهجوم
توزيع القوات الأردنية
توزيع القوات المصرية
خطة الهجوم على الجولان



حرب عام 1967

المبحث الثاني

الموقف العام في القوات المسلحة

(قبل معارك يونيه 1967)

أولاً: الولاء أم الكفاءة

في صيف عام 1966، أصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة حركة تعيينات وتنقلات واسعة بين القادة والضباط، شملت عدداً كبيراً منهم، من أكبر الرتب إلى أصغرها، وكان الدافع إليها تطبيق مبدأ: "الولاء قبل الكفاءة".

والواقع أن كلمة "الولاء" هذه كلمة مرنة لها أكثر من وجه، وقد حار في تفسيرها الضباط، وربما المدنيون أيضاً في قطاعـاتهم، حيث لم يكن واضحاً تماماً أي تفسير لهذا الولاء. لمن بالتحديد؟ ما هي مظاهره؟ ومن هم بالـذات أهل الولاء؟ ما هي العلاقة الحقيقية بين "صاحب الولاء" و"أهل الولاء"؟ ما علاقة بعضهم بالبعض الآخر؟ وإلى أي اتجاه عسكري أو سياسي أو حتى مذهبي تسير قافلتهم؟ أسئلة كثيرة متشعبة لم يكن لها إجابات واضحة محددة.

كان أول مظاهر الولاء، هو ضرورة ارتباط الضباط بإحدى "الشلل" الموجودة، وربط نفسه بها مهما كانت رتبته أو القيادة التي يتـولاها، بل مهما كانت المظاهر الأخلاقية لأعضاء الشلة التي انضم إليها. فانتماء الضابط إلى إحدى الشلل يعني ولاءه لها، وبالتالي لأهل الولاء، وكانت خيوط الولاء كلها تتجمع في النهاية في يد من بيدهم الأمر في القوات المسلحة الذين يمنعون ويمنحون، يحللون ويحرمون، بل يفصلون من الخدمة أو حتى يعتقلون.

أما الكفاءة فهي تعني الكفاءة فـي قيادة الوحدات الميدانية والتشكيلات، الكفاءة المبنية على العلم العسكري الحديث والخبرة الميـدانيـة وممارسة قيادة الوحدات، وقد قال "نابليون" في هذا الصدد: "ليست هناك وحدات رديئة، هناك ضباطاً تعوزهم الكفاءة".

1. إنشاء قيادة للقوات البرية

كان عام 1964 من الأعوام التي تضخمت فيها مشكلة نقص عدد الضباط عن المطلوب، نظراً لإنشاء عدد كبير من الوحدات الجديدة بعد احتدام الصراع في اليمن، وزيادة عدد المبعوثين إلى الخارج للدراسة في الاتحاد السوفيتي، ثم تضخمت المشكلة بعد ذلك، بافتتاح كلية الحرب العليا، واستئناف الدراسة في كلية أركان الحرب، وقد ضمت هاتان الكليتان عدداً كبيراً من القادة الأكفاء، لا يمارسون القيادة الفعلية مدة دراستهم، كما ازداد عدد الذين يخدمون في الجمهورية العربية اليمنية، نظراً لأهمية المسرح من جهة، وللمزايا المادية المفتوحة من جهة أخرى.

ومع ذلك، وبالرغم من كل هذه الظروف غير العادية، فقد أصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة قراراً بإنشاء قيادة جديدة ضخمة، لم تكن موجودة من قبل، سُميت "بقيادة القوات البرية"، وكان من الطبيعي، نتيجة لهذا القرار، أن تحتاج هذه القيادة الجديدة إلى أعداد ضخمة من الضباط من جميع الرتب، يكاد عددهم يصل إلى نفس عدد ضباط رئاسة هيئة الأركان العامة الأمر الذي كان واضحاً أنه لا يمكن تنفيذه إلا على حساب الوحدات المقاتلة والتشكيلات وباقي الأسلحة والقيادات الأخرى الموجودة، ومع ذلك فقد بدء فعلاً بإنشاء قيادة للقوات البرية.

وهكذا ولدت قيادة القوات البرية، ثم ماتت واقعياً بنشوب القتال صباح يوم 5 يونيه 67، ورسمياً بإلغائها بعد انتهاء القتال مبـاشرة، بعد أن تبلبلت الأفكار وتسببت في خلافات وخصومات، وفـي أغلب الظـن أن التقاعس الذي بدأ من القيادة العليا – وعلى رأسها المشير "عبدالحكيم عامر" – والذي أدى إلى عدم حسم الأمور وبتر الخلافات، قد يرجع إلى أن يكون المشير قد أحس أنه بتدخله، قد يفقد تعاطف أحد الجانبين – وهو حريص ألا يفعل ذلك – أو يكون التفكير قد هداه إلى الحد من نفوذ رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة، وسلبه اختصاصه وسلطاته، كرد على الموقف الذي واجهه عند تعيين الفريق محمد فوزي في هذا المنصب، ولم يكن هذا التعيين محل رضاه الكامل، ولم يشأ في ذاك الوقت تصعيد خلاف مع الرئيس جمال "عبدالناصر" حول هذا الموضوع، وقد ظهر فيما بعد أن الفريق "فوزي" لا يكن إخلاصاً أو ولاءً للمشير، بل مال كلية نحو الرئيس عندما اشتد الخلاف بينه وبين نائبه، أو قد يكون هذا التقـاعس في حسم الخلافات، يرجع إلى أن المشير كان يرمي إلى استمرار هذه الوقيعة كإحدى وسائل تحقيق الأمن داخل القوات المسلحة.

2. تعيين العقيد "شمس بدران" وزيراً للحربية

كان من الاختصاصات الرسمية للعقيد "شمس بدران" الإشراف على الأجهزة الهامة في القوات المسلحة، مثل إدارة شؤون الضباط، وهي الإدارة المختصة بترقيات الضباط وتنقلاتهم وتعييناتهم في الوظائف المختلفة، وإدارة الاستخبارات الحربية، وإدارة الشئون العامة والتوجيه المعنوي، والمباحث العسكرية الجنائية، وهيئة التنظيم والإدارة وما يتعلق منها بشؤون الأفراد والتعبئة العامة.

ومن الطبيعي أن تؤدي كل هذه السلطات التي كان يمارسها العقيد "شمس الدين بدران"، إلى ارتفاع مكانته ونفوذه بين الضباط عامة، والقادة وذوي الرتب الرفيعة في القوات المسلحة خاصة. كان شمس بدران في الواقع هو المتصرف الحقيقي في كافة شؤون القوات المسلحة من دون رقيب. وكانت علاقته بالمشير، مبنية ـ كما سبق القول ـ على كامل الثقة وإطلاق اليد والفكر، وقد أدى هذا الأسلوب إلى تطور كبير وخطير في خُلق القادة وشخصياتهم، الأمر الذي أصبح في النهاية غير مقبول من الناحية الشكلية على الأقل، بسبب رتبته، فتقرر تعيينه وزيراً للحربية بعد صيف عام 1966 وكان وقتئذ في إجازة يقضيها في أوروبا.

إن تفاصيل التحقيقات التي تمت في هـذه القضية (قضية فساد المحيطين بالمشير "عبدالحكيم عامر") لا شك محفوظة في القيادة العامة للقوات المسلحة، فلا داعي للخوض في تفاصيلها لتعلقها بالأعراض والثراء الفاحش واعتقال الأبرياء، وتحصيل الإتاوات والرشاوى، ولكن في نفس الوقت أمامنا نتيجة هذه التحقيقات؛ فقد أحيل البعض على التقاعد، وحُكم على عدد من البعض الآخر بالسجن والأشغال الشاقة المؤقتة. ولا شك أن هذه القضية، قد هزت الأوضاع التي كانت سائدة في مكتب المشير، كما أطلقت العنان لكثير من التعليقات داخل القوات المسلحة وخارجها، بل خارج حدود الوطن.

3. ميزانية القوات المسلحة عن عام 66/67

شمل التخفيض ميزانية القوات المسلحة، وتحددت تفاصيل ما يمكن توفيره، فأجل إنشاء تشكيلات جديدة، ومطارات هامة كان من المقرر إنشاؤها، وخفض من نفقات تدريب القوات الموجودة فعلاً، وفي عدد ساعات تدريب الطيارين، واستغنى عن تكملة الوحدات بالأفراد والمعدات التي كـانت تنقصها، وما إلى ذلك من الأمور التي تؤثر حتماً في كفاءتها. وقد كان من التناقض المُخل، أن السنة التي هُدد فيها أمن الدولة الخارجي ووصل فيها إلى حافة الهاوية، هي نفس السنة التي وجد المخططون للاقتصاد فيها، ضرورة إجراء توفير في كل قطاعات الدولة، بما فيها قطاع القوات المسلحة.

إن الدولة عندما تقرر الحرب، لا تقرر عفواً، بل يجب أن يسبقها تحضيرات واستعدادات قد تستغرق سنوات طويلة، واستعدادات عسكرية واقتصادية وصناعية وسياسية، وما إلى ذلك مما تحتاجه الحرب العصرية التي تشمل الدولة بأسرها، والتي قد تمتد لسنوات، حيث أنه من السهل بدء الحرب ولكن من الصعب إنهاؤها.

وإذا لم يكن في نية الدولة الدخول في حرب، فإن واجبها أن تكون مستعدة لمواجهة موقف قد يضطرها فيه عدوها الطبيعي على ذلك، وحتى في حالة الهجوم المفاجئ، فلن تكون المفاجأة كاملة، مدام الموقف السياسي في يد السياسيين ـ وهو مرحلة قتال بالدبلوماسية ـ تسبق القتال المسلح، وعلى قدر كفاءة القوات المسلحة، واستعدادها، تكون قوة السياسيين في استخدام دبلوماسيتهم، وتحديد أهدافهم.

فإما أن تنفصل السياسة عن العسكرية، وتقلل نفقات القوات المسلحة، بينما في النية تصعيد الموقف السياسي، أو على الأقل في نية العدو استخدام القوة بعد تصعيده للموقف السياسي، فهذا أمر غير مفهوم، ولا يتفق مع الأفكار المسلم بها والسائدة في القرن العشرين.

قال "كليمنصو"، السياسي الفرنسي الشهير منذ أكثر من نصف قرن: "الحرب موضوع خطير، والأخطر منه أن نتركه للعسكريين وحدهم". إن العمل السياسي يلعب دوراً هاماً في تقرير نتيجة الحرب، فهو الذي يعد الدولة للمعركة، بما في ذلك من تعبئة للقوة البشرية والاقتصادية والمعنوية والإعلامية، وهـو الذي يختار الموقف المناسب دولياً وداخلياً لتغيير وسائل تحقيق سياسة الدولة، من الدبلوماسية إلى العنف والصدام المسلح، بغرض فرض إرادتنا على العدو. وقد أجمل أساتذة العلوم الإستراتيجية في العالم في هذا الموضوع، وهم يحددون القانون الأول في صراعات القوى في عصرنا بقولهم المشهور: "إن مصير أي حرب يتقرر قبل أن تدوي الطلقة الأولى في ميدان القتال"، ومعنى ذلك، أن الإعداد للحرب، هو نصف الطريق إلى النصر.

وكانت التخفيضات التي طرأت على ميزانية القوات المسلحة عام 66/67 تخفيضات تمس الكم والكيف، الكم من ناحية تأجيل أية توسعات في كافة الأسلحة والفروع، والكيف من ناحية تحديد مستوى التدريب الذي تصل إليه الوحدات والتشكيلات ذاك العام، فقد تقرر أن يكون المستوى هو مستوى سرية مدعمة للتشكيلات بسيناء، ويعتبر هذا المستوى دون المطلوب بكثير.

4. التدريب على القتال

وصل التدريب على القتال في السنوات القليلة قبل 67 إلى مستوى منخفض تزايد انخفاضه بدرجة خطيرة في السنة التدريبية الأخيرة ـ (66/67). ويمكن إجمالي أسباب هذا الانخفاض يرجع إلى عدة عوامل أهمها:

أ. الشكوى المفتعلة من الضباط من قسوة التدريـب، واستجابة القيادة العليا لهذه الشكوى متأثرة بإرهاق الضباط الذين خدموا لمدد طويلة في اليمن – والذي أدى إلى خفض ساعات التدريب.

ب. النزول بمستوى التدريب إلى مستوى الوحدات الفرعية الصغرى وهو أمر في حد ذاته يعني أن توقع القتال مع إسرائيل مستبعد. وإلا كيف أحارب عدو، ومستوى تدريب بعض وحداتنا لم يزد عن مستوى السرية.

ج. منح الضباط وضباط الصف الذين يخدمون في سيناء أجازه ميدانية شهرية ذات مدة طويلة، أثرت تأثيراً كبيراً على انتظام التدريب وعلى جديته وعلى السيطرة عليه.

د. تخصيص عدد كبير من الساعات المخصصة للتدريب القتالي على الموضوعات الرئيسية لصالح التدريب على مهام العمليات، حيث بالغت الوحدات في هذا التدريب الذي لم يخرج عن إتقان احتلال المواقع الدفاعية فقط. وإن هذه الوحدات عندما قامت الحرب تركوا المواقع الأصلية واحتلوا مواقع أخرى.

هـ. تأثر القوات التي خدمت في اليمن بأسلوب القتال الذي لا يعدو – عمليات بوليسية وتأديبية لرجال القبائل-، مما أثر على تنفيذ المبادئ الأساسية التي تتطلبها المعركة مع إسرائيل.

و. تنقلات الضباط المستمر ـ عملاً بمبدأ الأمن الداخلي ـ أثر على التدريب أثراً بالغاً رغم أن هذه التنقلات لم يكن لها مبررها بل كانت تجري أثناء السنة التدريبية، وعلى سبيل المثال تغير جميع القادة تقريباً في النصف الثاني من عام 1966، لا لشغل مناصب أخرى وإنما لشغل مناصب على نفس المستوى وإنما في أماكن أخرى.

ز. اختصار مدد الدورات التعليمية في المنشآت التعليمية أثرت على مستوى تدريب الضباط فلم يذودوا بالعلم الكافي الذي يفيدهم في عملهم وفي الإلمام بجميع ما يلزم لقياداتهم.

ح. ومما يجدر الإشارة إليه أن القوات المسلحة المصرية لم تجري أي مناورة عامة بالجنود من بعد عام 1954، وأهمية المناورات معروفة، فهي أقرب تمثيل لجو الحرب الحقيقية، وتعطي مناخاً أقرب ما يكون للقتال الفعلي وظروفه المختلفة، وأسلوب التخطيط للعمليات وإدارة المعارك والسيطرة على سير القتال.

ط. ضعف التدريب الفني والنقص في عدد الفنيين والمهنيين بدرجة كبيرة أثر على ضعف الكفاءة القتالية في الوحدات والتشكيلات.

وخلاصة القول أن التدريب على القتال والتدريب التعبوي لم يأخذا حقهما من الاهتمـام بعد التورط في حرب اليمن، فكان التدريب قبل دخول حرب 67 دون مستوى تدريب الجانب الآخر بدرجة كبيرة.

5. المعدات

والمقصود بالمعدات كل ما تشتمل عليها من وسائل القتال – أسلحة وذخائر وعربات ودبابات … ألخ وهذه المعدات قد وصلت نسب الاستكمال فيها إلى نقص شديد يتراوح بين (3 % في الأسلحة الصغيرة ـ 24 % في قطع المدفعية والمقذوفات ـ 45 % في الدبابات ـ 70 % في المركبات).

لذلك خاضت وحداتنا معارك 5 يونيه 67 والتفوق في هذه الناحية في جانب العدو، أما من حيث نوعية هذه المعدات المسلحة بها القوات المسلحة المصرية، والتي أُشتريت من الاتحاد السوفيتي، فلم تكن متفوقة على مثيلاتها التي لدى جيش الدفاع الإسرائيلي، خصوصاً من ناحية المدى والسرعة والقدرة على المناورة، ويمكن القول دون تردد في أن روسيا لم تمدنا بأحدث ما عندها. وإنما سمحت لنا باستيراد أسلحة بقدر محدود، وبقيود تجعلنا نفكر أكثر من مرة إذا راودتنا أنفسنا على إشعال حرب في المنطقة. وكذلك لم تفي بكميات الذخائر المطلوبة للعمليات علاوة على قطع الغيار والأجزاء التكميلية.

ورغم أن المعلومات التي تجمعت عند القيادة السياسية العسكرية العليا كانت توضح هـذا القصور في النوع إلا أنها تجاهلت هذه.

كما أن العناية الفنية بالمعدات لم تأخذ الاهتمام اللازم من جانب الأجهزة المسئولة لذلك تعددت الأخطار ونتج عنها خسائر مادية وبشرية، ورغم توضيح هذه الأمور عن طريق التقرير إلا أنها أهملت أو عمل على عدم وصولها إلى القيادات المسئولة عن فروع القوات المسلحة حتى لا تسبب الاستياء.

وكل هذا عمل تحت الاعتقاد بأن الحرب مع إسرائيل لم يحن وقتها بعد. وعندما بدأ القتال كان كثير من الطائرات والسفـن الحربية خصوصاً الغواصات وغيرها يحتاج إلى إصلاحات كبيرة تستغرق وقتاً طويلاً لتكون صالحة للقتال.

ومن أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها هو التخلي عن مبدأ السرية وذلك بعرضنا لكل الأسلحة لرجل الشارع، ولقد استفاد العدو النشيط من هذا الخطأ الذريع من حيث التزود بالأعداد والأنواع التي تعطيه التفوق على ما نملك. وهكذا سلمنا بعنصر هام من عناصر المفاجأة إلى إسرائيل.

6. القوات الجوية والدفاع الجوي

إن نظام الدفاع الجوي على سبيل المثال، والذي كان من مسؤولية القوات الجوية وقتئذ، لم يكن بالكفاءة التي تدعو إلى الطمأنينة الحقيقية، وإذا ما أُريد تقييمه ووضع الحلول لنواقصه، قدم المسؤولون فيه حجة بعد حجة على رأسها قلة الإمكانيات التي تشمل أجهزة الرادار من الأنواع الأكثر تقدماً في العالم، ووسائل الاتصال على الدرجة العالية من الكفاءة وغير ذلك من الأعذار المعادة والتي أصبحت بمضي الوقت مشاكل مزمنة، ففي الكثير من الاختراقات الجوية التي تمت في مجالنا الجوي قبل 5 يونيه 67 كان السبب الرئيسي في عدم إمكان اعتراض الطائرات المخترقة يرجع إلى عدم يقظة أفراد الدفاع الجـوي، أرضيين أو جويين. هذا بالإضافة إلى أن المعدات المتيسرة لم يكن الاهتمام بصيانتها والمحافظة عليها محل عناية كبيرة. ولم يكن شكل التعاون بين القوات الجوية والتشكيلات البرية واضحاً تفصيلياً لجميع المستويات المناط بها هذا التعاون نظراً لإحجام القوات الجوية عن تنفيذ المشروعات المخططة لهذا التعاون، أو في أحسن الظروف تكليف أقل عدد من الطائرات للقيام بالمشروعات المشتركة.

7. القائد العام، ورئيس الأركان

لا يعلم إلا الله هل كان القصور في التدريب عام 66/67 سبباً في هزيمة يونيه 1967 أم أن الأمر كان أضخم من موضوع التدريب، وهـل كانت النتيجة تختلف لو كان القائد العام شخصياً قد اهتم بتدريب نفسه وآمن بالعلم العسكري وأهميته في القيادة، يواظب على حضور المشروعات الإستراتيجية والتعبوية ولو مشرفاً ومتأملاً سائلاً ومفكراً بدل أن ينيب عنه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة أو رئيس عملياتها أو غيرهما للإشراف على هذه المشروعات وإدارتها؟ هل هذا تقصير من هيئة الخبراء وهم يعلمون أنـه سيتولى إدارة المعارك واتخاذ القرارات؟ هل كانوا يجهلون أن الثقافة العسكرية "للقائد العام قد وقفت عند حد التخرج من كلية أركان الحرب المصرية في الأربعينات"؟.

ومن المؤسف أن نذكر هنا أيضاً أن رئيس الأركان الذي اختاره القدر ليكون على رأس ا لقوات المصرية في عمليات يونيه 1967، لم يكن من المؤهلين تأهيلاً عالياً حديثاً، بل كان من البعيدين ـ بحكم عمله في الكلية الحربية أكثر من سبعة عشر عاماً ـ عن التقدم العلمي الذي وصلت إليه القوات خلال هذه السنوات الطوال، ولم تكن مناهج طلبة الكلية الحربية بطبيعة الحال تتجاوز في مستواها الثقافي السرية المشاة أو المدرعة.

8. انشغال قيادات القوات المسلحة.

أ. لجنة تصفية الإقطاع

أدت سيطرة الحكم العسكري بعد الثورة على مجريات الأمور في الدولة. وفي عام 1965 شكلت لجنة برئاسة "عبدالحكيم عامر"، أطلق عليها "لجنة تصفية الإقطاع" وكان له الحكم المطلق فيها دون بحث أسباب الحكم، وذكر أنور السادات في وصفه لهذه اللجنة "أنها أقصى وأعنف ما شهدته مصر في تاريخها، وإنهـا كانت تمثل قمة الإرهاب، والكبت والإذلال وامتهان الكرامة" وإنها اتجهت بشراسة ضد السياسيين القدامى باعتبارهم يقومون بثورة مضادة.

بل أكثر من هذا حينما أدت إلى نقل ضباط كثيرين إلى وظائف مدنية نتيجة وجود أقارب لهم ممن طبق عليهم قوانين تصفية الإقطاع. وكذا بعض الضباط الذين يمتلكون أراضي.

وكذلك انشغال قيادات القوات المسلحة في تعيين عدد كبير من الضباط في لجان تصفية الإقطاع مما كان له الأثر الكبير على نقص الكفاءة القتالية في القوات المسلحة وكذا انخفاض مستوى التدريب والذي كان سبباً من أسباب هزيمة 67.

ب. أنواع أخرى من الانشغال

فقد حرصت القوات المسلحة برئاسة "عبدالحكيم عامر" أن تكون معظم الأمور في نشاطات الدولة في يدها، فقد سيطرت القوات المسلحة على جهاز النقل العام مما استدعى ذلك تعيين بعض الضباط للإشراف عليها وكذا الإشراف والسيطرة على لعبة كرة القدم من خلال النوادي وتعيين لها ضبـاط متفرغين، مما أثر كل هذا إلى انشغال القوات المسلحة بأمور ليس من اختصاصها الأمر الذي أدى إلى إضعاف الكفاءة القتالية في وحدات وتشكيلات القوات المسلحة.

ج. أحداث الإخوان المسلمين

أنشئت المحاكم العسكرية عام 1953، ولم تكن في الحقيقة محاكم، وإنما وسائل لتوقيع العقوبـات مع الخصوم السياسيين، وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنه يدبرون مؤامرة للعدوان على "عبدالناصر" وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري – وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعاً مع الإخوان – أن كل الثقات يؤكدون أن قضيـة الإخوان التي أعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع "شمس بدران" وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة.

ويقرر محمد حسنين هيكل أن المعتقلين في هذه القضية وصلوا إلى عدة آلاف، وأن زوار الفجر كانوا يجمعونهم بغير رحمة، وقد تعرض الكثيرون منهم للتعذيب، وكان "عبدالناصر" يعرف ذلك، وعندما كتبت في الأهرام آنذاك عن زوار الفجر انتقدت أعمالهم، فاستاء "عبدالناصر" مما كتبته في هذا الشأن، واتصل بي ليذكرني أنني كنت قاسياً فيما كتبت، وأن "شمس الدين بدران" الذي كان يشرف على تحقيقات الإخوان المسلمين وقتها غضب وقدم استقالته.

وقد تأثر كثير من الضباط من هذه الاعتقالات وزج بهم في السجن، كما تم نقل كثير منهم إلى وظائف مدنية، كما صدر تعليمات بعدم قبول أولادهم في الكليات العسكرية.

وانشغلت قيادات القوات المسلحة في هذه الأمور، ونسيت أن هناك عدواً رئيسياً للدولة هو إسرائيل "ويجب العدة له تنظيماً وتسليحاً وتدريباً، كما تأثرت الكفاءة القتالية نتيجة خروج الضباط التي تم تدريبهم والذي يحتاج التدريب لمثلهم إلى وقت كبير.

ثانياً: سياسة استخدام القوات المسلحة المصرية ضد إسرائيل

1. توزيع القوات لخدمة الإستراتيجية الدفاعية

إذا بحثنا عن الأسباب التي جعلت الإستراتيجية العسكرية للجولة دفاعية في جميع الأوقات، لوجدنا لذلك أسباباً عدة، على رأسها عدم التفوق العسكري على قوات إسرائيل، وفي معظم الأوقات التي كان يتم فيها مقارنة القوات المصرية بالإسرائيلية للخروج بنتيجة محددة تؤثر على القرار الممكن اتخاذه، كان يظهر أن قوات كلا الجانبين تكاد تكون متساوية، وهنا يبرز أثر الحفاظ على التوازن العسكري بين دول المنطقة الذي حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيقه ولم يعمل الاتحاد السوفيتي على تحطيمه لفترة طويلة في الشرق الأوسط، ولم يسمح في وقت من الأوقات أن تشعر مصر بأي تفوق عسكري يسمح لها بتغيير إستراتيجيتها من الدفاع إلى الهجوم حتى لو أضافت في حساباتها قوات أخرى للدول العربية المجاورة لحدود إسرائيل.

السبب الثاني: أنه من الصعوبة بمكان، إتمام حشد كبير لقواتنا من دون أن يكشفهـا العدو ويقف على نوايانا مسبقاً. كما كانت هناك أسباب سياسية حالت دون التحول إلى الإستراتيجية الهجومية، منها ما كان متعلقاً بالأوضاع الدولية، ولا سيما مواقف الدول الكبرى – التي تتعهد دائماً ببقاء إسرائيل في المنطقة وضمان أمنها، ومنها ما كان متعلقاً بالأوضاع العربية، والتي اهتمت بالشعارات والتزايدات الوطنية أكثر من اهتمامها الحقيقي بتوحيد الجهود العسكرية، ومن الأسباب كذلك ما هو متعلق بالأوضاع الداخلية المحلية، وبمشرعات التنمية وزيادة الإنتاج.

كانت خطة الدفاع عن سيناء، ومنع العدو من الوصول إلى قناة السويس تتعدل بطبيعة الحال – من وقت إلى آخر ولا سيما منذ عام 1963 عندما بدأت المطالب العسكرية لحملة اليمن تزداد تدريجياً، وبشكل لم يكن مخططاً لها من قبل، وكان هذا الازدياد بلا شك يأتي على حساب القوات التي خصصت للاشتراك في الدفاع عن سيناء، إذ كانت حملة اليمن بالوعة للقوات والمعدات، لا ينتهي التسرب منها، ولا يمكن تنظيم هذا التسرب، وللرئيس الراحل جمال "عبدالناصر" قول مشهور لأحد الوفود العسكرية الأجنبية عند مقابلته لها، وكان الحديث يدور حول أهـداف مصر من تدخلها في اليمن "لم يكن في نيتنا أن نتدخل في اليمن، لقد أرسلنا سرية مشاة فقط، ولكننا أجبرنا على تعزيز هذه السرية بثلاث فرق أو أربع".

كانت الإستراتيجية الدفاعية هي التي ترسم الخطط وتحددها، وتتلخص في الدفاع عن المحور الأوسط، الذي كان معتبراً المحور الرئيسي لعملياتنا، نظراً لطبيعة أراضيه المفتوحة في كثير من أجزائه، والأكثر صلاحية لاستخدام مدرعاتنا عليه، والأقل كثافة في المستعمرات الإسرائيلية الحصينة، وحتى الضربة المضادة المخططة، لم تكن تهدف إلى أكثر من استعادة الأرض التي ينجح العدو في الاستيلاء عليها داخل حدودنا، والسبب في هذا واضح، حيث أن التفوق في القوات والمعدات لم يكن يسمح بأكثر من هذا في حسابات تقدير الموقف العسكري، أو مقارنة بعضها بالبعض، وعلى أساس تسير الأحداث بطريقة عادية تسمح بتنفيذ الخطة في ظروف لا تخرج عن الخيال الطبيعي عند تصور شكل المعركة.

2. تقدير الموقف الإستراتيجي من وجهة نظر العدو

أعلن المسؤولون في إسرائيل، في أكثر من مناسبة، أنهم إذا اضطروا لخوض الحرب، فسوف تكون هذه الحرب حرباً وقائية، وهم يعنون بذلك نقل القتال إلى خارج حدودهم، ليضمنوا لأراضيهم وسكانهم، أمناً ووقاية.

وما كان هؤلاء المسؤولين الإسرائيليون يستطيعون أن يجاهروا بهذا لو أحسوا أن الإستراتيجية العربية عموماً، والمصرية بصفة خاصة، قادرة على القيام بعمليات هجومية واسعة، أو أن العرب قد نبذوا التقاعس والتواكل على المجهول، انتظاراً لما تفعله إسرائيل، أو أنهم (العرب) آمنوا ببديهيات الإستراتيجية العسكرية القائلة بأن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع كما آمن بها القادة الإسرائيليون.

وتسليماً بالواقع، وسيراً عليه، ترك العرب عدوهم يتمتع بالمبادأة التي تجعله حراً في اختيار اتجاه هجومه حسبما يكون هذا الاتجاه مناسباً له، ومحققاً لأهدافه السياسية والعسكرية.

فأين تكون ضربة العدو؟

وعند بحث أكثر الاتجاهات احتمالاً لضربة العدو الرئيسية – وبتحليل دراسة المحاور الثلاثة (الشمالي ـ الأوسط ـ الجنوبي) يتضح من وجهة نظر إسرائيل أن المحور الأوسط أكثر الاتجاهات مناسبة لعمليات هجومية واسعة النطاق، ولا بد من استخدام المحاور الثلاثة وشغلها بقوات في محاولة للضغط على القوات المصرية التي تواجهها، مع عدم إغفال التعاون بين هذه المحـاور وضرورة العمل على الاتصال بينها كما كان هذا ممكناً. وإن كان ولا بد من ترتيب المحاور حسب أهميتها وصلاحيتها من وجهة نظر إسرائيل كتقدير القيادة العامة المصرية، فإن المحور الشمالي هو التالي في الأهمية، ويليه المحور الجنوبي. ومن هنا يبرز أهمية تواجد احتياطيات قوية على مستوى الجبهة متمركزة في أماكن مناسبة لمقابلة هذا الاحتمال بسرعة ولكن ما حدث كان غير ذلك تماماً.

ثالثاً: النشاط المحتل للعدو أمام الجبهات العربية الأخرى

إذا حدث في المستقبل أن التمس بعض المؤرخين أعذاراً أدت إلى قيام دولة إسرائيل، ثم إلى نموها وازدهارها واتساع رقعتها بالرغم من المائة مليون عربي الذين يكونون الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، بثرواتهم الضخمة، وتاريخهم العريق، فلا أظن أنهم سيجدون أسباباً مقنعة عند بحث الناحية العسكرية على الأقل، لتقاعس بعض المسؤولين من ساسة الدول العربية في هذا الجيل، عن الاستفادة من الوضع الإستراتيجي الممتاز الذي وجدت هذه الدولـة نفسها فيه، وهي محيطة بإسرائيل من جميع الجهات حتى بعد هدنة رودس عام 1949، فليس لإسرائيل حدود مع أية دولة أخرى غير عربية، ويبلغ طول هذه الحدود أكثر من 950 كم، خلاف حدودها على البحر المتوسط. وتتميز مرتفعـات الجولان بالتحكم الكامل في الأراضي الإسرائيلية التي تواجهها تحكماً قل أن يكون له مثيل في حدود دول العالم، كما تقترب الأرض اللبنانية قرباً شديداً من أغنى مناطق إسرائيل وأكثفها سكاناً وأنشطها صناعة أكبرها ثروة، وفي نفس الوقت يشطر خط البصر ـ للناظر إلى البحر من الأرض الأردنية ـ إسرائيل إلى قسمين عند خصرها الذي لا يزيد عن 15 كم، عند "قلقيلية" وتستطيع قوة تعمل من الأرض الأردنية، مناسبة في حجمها صادقة في عزمها إذا ما وصلت إلى البحر المتوسط، أن تشطر إسرائيل إلى جزئين منفصلين، شمالي وجنوبي، يمكن التعامل مع كل جزء على حدة بقوات الدولة أو الدول التي تواجهها.

أما عن خليج العقبة، فإن الطبيعة قد قسمت هذا الخليج الضيق بوجود جزيرتي تيران وصنافرة بالقرب من الشاطئ المصري والصالح للملاحة عند شرم الشيخ، أما من الناحية الأخرى، ناحية الشاطئ السعودي، فرغم اتساع الخليج النسبي، فإن ضحالة مياهه تعوق الملاحة فيه لأنواع كثيرة من السفن، ولا تزيد المسافة بين جزيرة تيران وشرم الشيخ عن كيلومتر واحد، الأمر الذي يجعل من اليسير إصابة أية سفينة تحاول عبور هذا المضيق بالنيران المباشرة للمدفعية، وليس من الضروري أن تكون مدفعية ساحلية بعيدة المدى، بل يكفي أن تكون لمدافع قوة الاختراق المناسبة للسفن المراد إصابتها، وهذا يمكن إغلاق هذا الجزء من الخليج بإغراق سفن قديمة استغنى عنها في مياهه، بعد ملئها بكميات من الأسمنت المسلح الذي لا يلبث أن يتماسك بمجرد اختلاطه بالماء مكوناً كتل أسمنتية شديدة الصلابة في قاع المضيق تؤثر ولا شك على غاطس السفن التي تحاول العبور. وإغلاق خليج العقبة يحرم إسرائيل من مزايا حيوية كثيرة سبق ذكرها في غير هذا الموضع وتؤثر إلى أبعد الحدود على مستقبلها السياسي والاقتصادي.

أما عن شواطئها على البحر المتوسط والتي تمتد حوالي 200 كم، فإن تهديدها بالإنزال البحري عليها، أو عرقلة الحركة في موانيها، أو التدخل في عمليات البترول التي تتم في حيفا، وخلاف ذلك من الأعمال العسكرية التي يمكن القيام بها على هذا الشاطئ الطويل، كل هذا يعطي للدول العربيـة حرية في اختيار العمل العسكري المناسب، نوعاً ومكاناً وهدفاً، وبالإضافة إلى ذلك فإن إحاطة إسرائيل بدول عربية من جميع الاتجاهات تقريباً، تجعل من اليسير على القوات الجوية لهذه الدول الوصول إلى جميع الأهداف المطلوب ضربها وتدميرها، وبذلك تقسيم الرقعة الإسرائيلية فيما بينها وإلى الحد الذي يتناسب ومدى عمل الطائرات المتوفرة لدى كل دولة.

هذا هو الوضع الإستراتيجي من الناحية العسكرية الذي كانت فيه إسرائيـل قبل حرب يونيه 67، ولذا كان من الطبيعي، بل من الضروري، أن تتمسك إسرائيل دائماً بالمبادأة في جميع الظروف والأحوال، فلو قبعت إسرائيل داخل حدودها وسمحت لأعدائها بتوجيه ضرباتهم إليها من الشمال والشرق والجنوب والبحر، فلن يتحقق حلمها، من النيل إلى الفرات، بل لن تكون إسرائيل أصلاً، أما لو تمسكت بالمبادأة ثم صالت وجالت بين جيرانها، بينما هذا يدافع عن حدوده، وذاك يستعد لاتخاذ الأوضاع المؤدية إلى ذلك والثالث يدافع سياسياً، والرابع يساير ولا يسير، والخامس لا يهاجم إلا بأجهزة الدعاية المتواضعة فإن إسرائيل في النهاية ستجد نفسها في وضع عسكري ممتاز، تختار المكان، ثم الزمان، تختار ترتيب ضرباتها وتحدد وقت كل ضربة منها، تقرر بمن تبدأ وبمن تنكل، وبإيجاز تستفيد أكبر فائدة ممكنة باحتفاظها بالمبادأة.

وعلى ذلك، كان التقدير لقوات العدو التي قد تعمل على جبهته الجنوبية، هي كل القوات التي يستطيع أن يعبئها، بالإضافة إلى جيشه العامل، ويستبعد منها لواءين مشاة من الاحتياطي، ومن كتيبة إلى كتيبتين مدرعتين يضطر إلى الاحتفاظ بهما على الجبهات العربية الأخرى حتى لا تكون حدوده معها مفتوحة ومغرية للقيام بمغامرة وقتها مناسب ونجاحها محتمل، إما إن كانت أطماعه قد تعدت مصر إلى بعض الدول العربية الأخرى، فكان التقدير أن العدو بعد الانتهاء من جبهة مصر، سيعمل على نقل جزء من قواته إلى الجبهة أو الجبهات الأخرى التي وقع عليها اختياره، يساعد في ذلك سرعة الحركة التي يتميز بها، وصغر المساحة النسبية التي تشمل جبهات القتال، مستخدماً قواته الجوية لأقصى مدى ممكن.

كان هذا هو تقدير القيادة المصرية العليا لما تحتجزه باقي الدول العربية من قوات إسرائيلية أمامها.

1. واجبات القوات الجوية والبحرية في الخطة الدفاعية

بإنشاء قاعدة "السر" الجوية جنوب العريش بما لا يزيد عن 50 كم وقاعدة "المليز" بمطاريها، بالإضافة إلى مطار العريش المنشأ من زمن طويل[1] أصبح معظم المناطق الواقعة جنوب إسرائيل في مدى عمل طائراتنا المقاتلة لو عملت من هذه القواعد الأمامية، وفي نفس الوقت كانت هذه القواعد في مدى عمل معظم أنواع الطائرات الإسرائيلية، التي يمكن أن تعمل ضد القوات الجوية بمنطقة القناة، وبعض أنواعها يمكن أن يصل إلى القاهرة.

وقد يبرز هذا الشرح العام، الميزة الكبرى التي يتمتع بها من يبدأ بتوجيه ضربته، والوضع السيئ الذي يجد نفسه فيه مضطراً إلى تلقي ضربة خصمه الأولى، وبمعنى آخر، الفرق الكبير بين من يحرص على المبادأة وبين من يفقدها ويركن إلى الإستراتيجية الدفاعية البحتة.

وعلى ذلك فعندما كان التفكير دائراً لتخصيص واجبات للقوات الجوية المصرية لمعاونة الخطة الدفاعية في سيناء، وجد أنه لا يمكن تخصيص مجهود جوي لمعاونة التشكيلات الميدانية في قتالها الأرضي، واستبقى هذا المجهود، أو غالبيته العظمى، للحصول على التفوق الجوي خلال الثلاثة أيام الأولى من القتال، وبعدها يُنظر في تخصيص مجهود جوي لمعاونة التشكيلات البرية.

أما عن "القوات البحرية"، فقد كان واجبها بطبيعة الحال في المعركة الدفاعية منصباً على تأمين شواطئنا في سيناء، ولم تكن هذه الشواطئ تسمح باستخدام العدو لها على نطاق واسع، وحتى العريش، لم تكن أكثر من مرفأ يسمح فقط برسو السفن الصغيرة، أما ما يتعلق بعمليات الإنزال البرمائية المحتملة فقد رأى أن إسرائيل، بمواردها المحدودة جداً من سفن الإنزال والمركبات البرمائية لا يمكنها القيام بعملية غزو بحري أو حتى بإغارة لها قيمتها عن طريق البحر، ومع ذلك فقد كان من بين احتمالات نشاط العدو البحري، إنزال بعض الأفراد المحمولين بحراً غرب العريش لإزعاج خطوط المواصلات على المحور الشمالي، أو لاقتناص بعض المركبات، أو نسف بعض أجزاء من خط السكة الحديد. ولذا كان من ضمن الخطة الدفاعية لمواجهة هذا الاحتمال، تمركز وحدة للدفاع الساحلي في العريش من عيار 130 مم متحركة ومجهزة برادار يكشف عن اقتراب السفن على مسافات بعيدة، كما جهزت المواصلات اللازمة للاتصال الفوري بميناء بورسعيد حيث تتمركز القوة البحرية المخصصة للتعاون مع القوات التي تدافع عن سيناء، ومعظمها من زوارق الطوربيد.

2. التجهيز الهندسي لمسرح العمليات ومراكز القيادة

لم توضع سياسة محددة قبل عام 1964 لتجهيز مواقع القتال للأسلحة والمعدات والمركبات والأفـراد حسب الخطط المقررة، وفي عام 1964 عًرض تخطيط جديد للدفاع عن سيناء، واعتُمد هذا التخطيط من القائد العام، ووُضع معه خطة تفصيلية لتجهيز مسرح العمليات تجهيزاً هندسياً يزيد المواقع منـاعة والخطط نضوجاً، وقدرت الموارد والأدوات وتحولت إلى اعتمادات مالية، وزعت على عدة سنوات لتصبح المواقع الدفاعية في سيناء ثابتة ومجهزة تجهيزاً كاملاً يمكن أن يبقى عشرات السنين، حيث تقرر أن تكون التكسيات إما بالطوب الأحمر أو الحجر مع استخدام الأسمنت للتثبيت.

وفي نهاية 1965، بدأ النطاق الدفاعي الأول في الظهور كمنطقة حصينة، وليس مجرد منطقة مجهزة للدفاع، منطقة حصينة لا تقل عن مناطق الدفاع التاريخية كخط ماجينو أو خط زيجفريد. كانت قوات النطاق الدفاعي الرئيسي متمركزة فعلاً في سيناء، أما فيما يختص بباقي النطاقات في خطة الـدفاع عن سيناء فلم يبدأ في تجهيزها وظلت مواقعها مرسومة على خرائط القادة في شكل نقط، في انتظار الظروف المساعدة للبدء فيها والسبب في هذا بسيط وهو عدم توفر قوات مخصصة بالذات لهذا الواجب وتعيش في سيناء.

رابعاً: تقييم الخطط الموضوعة

إن تنظيم الدفاعات في سيناء عام 1967 داخل إطار الخطة الموضوعة لم يكن ينقصه الوقت ولا حسن التدبير، فقد زادت التحصينات الصناعية التي كلفتنا الملايين من مناعة المواقع الطبيعية الجيدة التي وقع عليها الاختبار، وأصبحت الصورة تدعو إلى الطمأنينة المحسوبة على أساس ضرورة تفوق المهاجم على المدافع بنسبة 1:3. إن مجرد نجاحنا في عبور قناة السويس، وإتمام حشدنا في سيناء، واحتلالنا لمواقعنـا الحصينة، يقفز بنا إلى منتصف الطريق إلى النصر في المعركة الدفاعية، على أساس أن إسرائيل لا يمكنها أن تحشد ثلاثة أضعاف ما نستطيع أن نحشده من القوات والمعدات، ناهيك عن مواقعنا الحصينة التي ـ تستلزم رفع هذه النسبة، وعلى أساس التسليح السوفيتي لا يقل كفاءة عن التسليح الأمريكي أو الفرنسي.

ولو كانت هذه الافتراضات صحيحة فأين كان الخطأ الذي أودى بنا إلى كارثة 5 يونيه 67؟ هل كان في الطريقة التنفيذية التي سارت بها الأمور في إدارة المعركة؟ هل كان لما أصاب قواتنا الجوية من خسائر كل هذا التأثير على قواتنا البرية التي جعلتها عاجزة عن حماية نفسها كوحدات داخل مواقعها أو حتى كأفراد، وبيدهم هذه الأسلحة؟ هل كانت القيادات العسكرية، وعلى رأسها القيادة العامة، وقيادة الجبهة على مستوى من الكفاءة أقل من المطلوب لمثل هذه العمليات الحربية؟

والسؤال الذي يجدر بنا أن نسأله هو: هل انسقنا إلى حرب 67؟ وبالتالي ما هي مقدمات حرب 67؟ وهي على النحو الآتي:.

السؤال المهم: هل انسقنا إلى حرب 67

السؤال الكبير الذي يشغل جميع المحللين، هو: هل كان في تخطيط مصر وفي نيتها، خوض حرب مصيرية مع إسرائيل عام 67؟ أم إنها انزلقت إليها، وأجبرتها الظروف على مواجهتها، بالرغم من التصريحات السابقة لكبار المسؤولين بأننا لن ندخل حرباً ما لم نكن نحن فيها المحددين لزمانها ومكانها؟

إذاً مقدمات حرب 67 هي:

1. مبدأ الولاء قبل الكفاءة.

2. تخفيض ميزانية 66/67، وتخفيض أيضاً في ميزانية 67/68.

3. حرب اليمن: أفضل التشكيلات موجودة على الأراضي اليمنية، وما أدت إليه:

أ. خبرة قليلة لا تصلح مع إسرائيل.

ب. غرور القيادات والظن أن الحرب مع اليمن تماثل مع الإسرائيليين.

ج. استنزاف للموارد البشرية والمادية.

4. عدم انتظام صفقات التسليح من الاتحاد السوفيتي.

5. عدم وجود خطة عامة للتسليح. وعدم توازن حجم ق/جو، د/جو مع حجم ق/بر.

6. إنشاء قيادة للقوة البرية.

7. عدم التأهيل الكافي للقائد العام للقوات المسلحة.

8. مصادر المعلومات الزائفة عن التهديد الإسرائيلي لسورية.

 



[1] كان كل مطار من المطارات الأربعة مستقلاً، ويتبع رأساً قيادة المنطقة الجنوبية الشرقية.